عیون الانظار المجلد 1

اشارة

سرشناسه : بهبهانی، محمدعلی، 1352 -

عنوان و نام پدیدآور : عیون الانظار [کتاب]/ محمدعلی بهبهانی.

مشخصات نشر : قم: محمدعلی بهبهانی، 1437ق.= 2016م.= 1395 .

مشخصات ظاهری : 10ج.

شابک : دوره:978-600-04-3019-1 ؛ ج.1 978-600-04-3017-7: ؛ ج.2 978-600-04-3018-4: ؛ ج.3 978-600-04-5819-5 : ؛ ج.4 978-600-04-6758-6 : ؛ ج.5 978-600-04-6759-3 :

یادداشت : عربی.

یادداشت : عنوان روی جلد: عیون الانظار فی علم الاصول.

یادداشت : نمایه .

مندرجات : ج.1. مبادی علم الاصول.- ج.2. مباحث الالفاظ الاول.- ج.3. مباحث الالفاظ الثانی.- ج.4. مباحث العقلیه.

عنوان روی جلد : عیون الانظار فی علم الاصول.

موضوع : اصول فقه شیعه

موضوع : * Islamic law, Shiites -- Interpretation and construction

رده بندی کنگره : BP159/8/ب857ع9 1395

رده بندی دیویی : 297/312

شماره کتابشناسی ملی : 3846970

عیون الأنظار / الجزء الأول

- المؤلف: محمد علی البهبهانی

- شابک الجزء الأول: 7-3017-04-600-978

- شابک الدورة: 1-3019-04-600-978

- الطبعة الأولی

- سنة النشر: 1436ه- ق – 1394 ه- ش

- السعر: 30000

- عدد النسخ: 1000

ص: 1

اشارة

الإهداء إلی:

حجّة المعبود و عزیز مصر الوجود، سیدی و مولای الحجة بن الحسن العسکری (عجل الله تعالی فرجه) علیه آلاف التحیة و الثناء؛ و روحی و ارواح العالمین لتراب مقدمه الفداء.

«یا أَیهَا الْعَزِیزُ مَسَّنا وَ أَهْلَنَا الضُّرُّ وَ جِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْکَیلَ وَ تَصَدَّقْ عَلَینا إِنَّ اللّهَ یجْزِی الْمُتَصَدِّقِینَ»

ص: 2

عُیُونُ الأنظار

(الجزء الأول)

مبادئ علم الأصول

ص: 3

ص: 4

الفهرس

مقدمة المؤلف...

التمهید:

المقدمات الخمس /

المقدمة الأولی: فائدة علم الأصول و تعریفه

التعریف الأوّل: تعریف القدماء و المشهور.

التعریف الثانی: مختار الشیخ الأنصاری (قدس سره)

التعریف الثالث: مختار صاحب الکفایة (قدس سره)

التعریف الرابع: مختار المحقّق النائینی (قدس سره)

التعریف الخامس: ما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) و هو المختار.

التعریف السادس: مختار المحقق العراقی (قدس سره)

التعریف السابع: مختار المحقّق الخوئی (قدس سره) فی المحاضرات...

المقدمة الثانیة: ملاک امتیاز العلوم

القول الأول:

القول الثانی:

القول الثالث:

القول الرابع:

ص: 5

المقدمة الثالثة: لزوم الموضوع لکل علم

المقدمة الرابعة: موضوع علم الأصول

القول الأول: لبعض الأعلام مثل المحقّق الخوئی (قدس سره) و بعض الأساطین (حفظه الله)..

القول الثانی:

القول الثالث: لصاحب القوانین (قدس سره) .

القول الرابع: لصاحب الفصول (قدس سره) .

المقدمة الخامسة: فی تقسیم مبادی علم الأصول

1) المبادی التصوریة اللغویة:

2) المبادی التصدیقیة اللغویة:

3) المبادی التصوریة الأحکامیّة:

4) المبادی التصدیقیة الأحکامیة: .

البحث الأوّل: المبادی التصوریة اللغویة لعلم الأصول /

الفصل الأوّل: فی الوضع /

الأمر الأوّل: حقیقة الوضع.

القول الأوّل: المناسبة الذاتیة.

القول الثانی: نظریّة الملازمة و هو مختار المحقّق العراقی (قدس سره)

القول الثالث: نظریّة التعهّد عن المحقق النهاوندی و الحائری و الخوئی (قدس سرهم) .

القول الرابع: نظریّة وسطیة الوضع بین التکوین و الاعتبار عن المحقّق النائینی..

القول الخامس: نظریّة الوجود التنزیلی عن بعض الحکماء و الأصولیین.

القول السادس: نظریة السیّد الصدر (قدس سره)

القول السابع: نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) و هو المختار.

النظریّة المختارة من بین الأقوال:

الأمر الثانی: فی تقسیمات الوضع.

التقسیم الأوّل: الوضع شخصی و نوعی..

التقسیم الثانی: تقسیم الوضع بلحاظ المعنی الملحوظ حال الوضع.

القسم الأوّل: الوضع الخاص و الموضوع له الخاص...

القسم الثانی: الوضع العام و الموضوع له العام.

القسم الثالث: الوضع العام و الموضوع له الخاص...

ص: 6

القسم الرابع: الوضع الخاص و الموضوع له العام.

تنبیه فی حقیقة استعمال اللفظ فی المعنی

الفصل الثانی: فی المعانی الحرفیة /

الأقوال فی المعانی الحرفیة ثمانیة.

القول الأوّل: علامیّة الحروف..

القول الثانی: نظریة التفتازانی (قدس سره)

القول الثالث: نظریة صاحب الکفایة (قدس سره)

القول الرابع: نظریة المحقق العراقی (قدس سره)

القول الخامس: نظریّة المحقق النائینی (قدس سره) بمقدماتها الخمس...

القول السادس: نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) و هو المختار

القول السابع: نظریة المحقق الخوئی (قدس سره)

القول الثامن: نظریة بعض الأساطین (حفظه الله)..

التنبیه الأوّل: إنّ الموضوع له فی الحروف عام أو خاص؟.

التنبیه الثانی: ثمرة البحث عن حقیقة المعنی الحرفی..

الثمرة الأولی:

الثمرة الثانیة:

الفصل الثالث: فی الإنشاء و الإخبار /

الأمر الأوّل: فی مفاد الجملة الإنشائیة.

النظریة الأولی: مبنی المشهور

النظریة الثانیة: للمحقق الخراسانی (قدس سره)

النظریة الثالثة: للمحقق الإصفهانی (قدس سره) و هو الأصحّ.

النظریة الرابعة: للمحقق الخوئی (قدس سره)

الأمر الثانی: فی حقیقة الإنشاء.

النظریة الأولی: مختار المشهور و صاحب الکفایة (قدس سره)

النظریة الثانیة:

النظریة الثالثة: مختار المحقق الإصفهانی (قدس سره)

النظریة الرابعة: مختار المحقق الخوئی (قدس سره)

النظریة الخامسة:

النظریة السادسة: و هی الرأی الصحیح.

ص: 7

الفصل الرابع: فی أسماء الإشارة و الضمائر و الموصولات /

معانی أسماء الإشارة و الضمائر و الموصولات...

النظریة الأولی: للمحقق الخراسانی (قدس سره)

النظریة الثانیة: للمحقق الإصفهانی (قدس سره) و هی المختار.

النظریة الثالثة: للمحقق البروجردی (قدس سره)

الفصل الخامس: فی تبعیة الدلالة الوضعیة للإرادة /

مقدمة فی أنّ أقسام الدلالة ثلاثة.

القسم الأوّل: الدلالة التصوریة.

القسم الثانی: الدلالة التصدیقیة الأولی..

القسم الثالث: الدلالة التصدیقیة الثانیة.

هل الدلالة تابعة للإرادة أو لا؟.

النظریة الأولی: من المحقق الخراسانی (قدس سره):

النظریة الثانیة: من المحقق الإصفهانی (قدس سره)

الفصل السادس: فی الحقیقة و المجاز /

علائم الحقیقة و المجاز.

العلامة الأولی: التبادر

العلامة الثانیة: صحة الحمل و عدم صحة السلب...

المقام الأوّل: فی الحمل الأولی الذاتی..

المقام الثانی: فی الحمل الشائع الصناعی..

العلامة الثالثة: الاطّراد.

بیان الأوّل: من المحقق الإصفهانی (قدس سره)

بیان الثانی: من المحقق الخوئی (قدس سره)

البحث الثانی: المبادی التصدیقیّة اللغویّة لعلم الأصول /

الفصل الأوّل: فی الحقیقة الشرعیة /

المقدمة الأُولی: بحث الحقیقة الشرعیة من المبادی اللغویة التصدیقیة.

المقدمة الثانیة: هل یتحقق الوضع بالاستعمال؟.

النظریة الأولی: من المحقق الخراسانی (قدس سره)

النظریة الثانیة: المحقق الإصفهانی (قدس سره)

ص: 8

الدلیل علی ثبوت الحقیقة الشرعیة

أما نظریة المحقق الخراسانی (قدس سره): إنّها حقائق لغویة.

تنبیه: فی ثمرة هذا البحث

الفصل الثانی: فی الصحیح و الأعم /

المقدمة الأُولی: فی صلة هذا البحث ببحث الحقیقة الشرعیة.

النظریة الأُولی: ما أفاده الشیخ الأنصاری (قدس سره)

النظریة الثانیة: ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره)

النظریة الثالثة: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره)

المقدمة الثانیة: فی معنی الصحة

النظریة الأولی: من صاحب الکفایة (قدس سره)

النظریة الثانیة: من المحقق الإصفهانی (قدس سره)

المقام الأوّل: فی أنّ أسماء العبادات وضعت للصحیحة أو للأعم؟.

الأمر الأوّل: فی إمکان الوضع للصحیحة أو للأعم.

الدلیل علی لزوم وجود الجامع:

استدلال علی عدم لزوم الجامع:

الجامع عند الصحیحی و الأعمی..

ما الجامع عند الصحیحی؟

النظریة الأولی: من المحقق الخراسانی (قدس سره)

النظریة الثانیة: من المحقق العراقی (قدس سره)

النظریة الثالثة: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره)

1) أمّا الجامع الذاتی..

2) أمّا الجامع العنوانی [المرکب]:

3) أمّا الجامع العنوانی البسیط:

4) أمّا الجامع الاعتباری..

5) أمّا الجامع الترکیبی التشکیکی..

6) أمّا الجامع الترکیبی المختار لمراتب صلاة:

ما الجامع عند الأعمی؟

التصویر الأوّل: نظریة المحقق القمی (قدس سره)

التصویر الثانی: ما نسبه الشیخ الأنصاری (قدس سره) إلی المشهور.

التصویر الثالث: نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره)

الأمر الثانی: الاستدلال علی القول بالصحیح و الأعم.

ص: 9

القول الأوّل: مختار الشیخ و المحقق النائینی (قدس سرهما) ..

القول الثانی: وضع الألفاظ للصحیحة.

أدلة القول بالصحیح خمسة:

القول الثالث: وضع الألفاظ للأعم.

أدلة القول الثالث:

الدلیل الأول:

الدلیل الثانی:

القول الرابع: و هی نظریتنا

تنبیه: فی ثمرة البحث...

الثمرة الأولی: جریان البراءة أو الاشتغال.

القول الأوّل: نظریة المحقق القمی و السیّد علی الطباطبائی (قدس سرهما) ..

القول الثانی: نظریة الشیخ الأنصاری و المحقق الخراسانی (قدس سرهما) ..

القول الثالث: نظریة المحقق النائینی (قدس سره)

القول الرابع: نظریة المحقق الخوئی (قدس سره)

القول الخامس: نظریة المحقق الحائری (قدس سره)

الثمرة الثانیة: جواز التمسک بالإطلاق اللفظی

المقام الثانی:وضع ألفاظ المعاملات للصحیحة أو الأعم؟.

الأمر الأوّل: فی وضع أسامی المعاملات للأسباب أو المسببات..

النظریة الأولی: من صاحب الکفایة (قدس سره)

النظریة الثانیة: من المحقق الإصفهانی (قدس سره)

النظریة الثالثة: من السید المحقق الحکیم (قدس سره)

النظریة الرابعة: من المحقق الخوئی و بعض الأعلام من تلامیذه .

الأمر الثانی: هل یجری النزاع علی القول بوضعها للمسبّبات أو لا؟

النظریة الأولی: من صاحب الکفایة و المحقق الإصفهانی (قدس سرهما) ..

النظریة الثانیة: من المحقق الخوئی (قدس سره)

النظریة الثالثة: من بعض الأساطین (حفظه الله)..

الأمر الثالث: فی جواز التمسک بإطلاق المعاملات عند الشک فی اعتبار شیء فی تأثیرها شرعاً علی القولین

بیان المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی تقریر مبنی المشهور:

الفصل الثالث: فی الاشتراک /

فی إمکان الاشتراک أقوال ثلاثة.

ص: 10

القول الأوّل: وجوب الاشتراک..

القول الثانی: استحالة الاشتراک..

القول الثالث: إمکان الاشتراک و هو المختار.

تنبیه: فی توهم عدم وقوع الاشتراک فی القرآن الحکیم.

الفصل الرابع: استعمال اللفظ فی أکثر من معنی واحد /

مقدمة:

أدلة القائلین بالاستحالة.

الدلیل الأوّل: من صاحب الکفایة (قدس سره)

الدلیل الثانی: ما أفاده أیضاً صاحب الکفایة (قدس سره)

الدلیل الثالث:

الدلیل الرابع: تقریر المحقق الإصفهانی (قدس سره) للاستحالة

تنبیه: هل یکون استعمال اللفظ فی أکثر من معنی خلاف الظهور العرفی؟

الفصل الخامس: المشتق /

مقدمات ثلاث...

المقدمة الأولی: فی معرفة موضوع المسألة و هو عنوان المشتق..

البحث الأوّل: فی مغایرة المشتق الأصولی و الأدبی..

البحث الثانی: تعمیم المشتقّ الأصولی لبعض المصادیق..

المطلب الأوّل: جریان النزاع فی اسم الزمان.

المطلب الثانی: عدم جریان النزاع فی الأفعال و المصادر المزیدة و المصادر المجردة

المطلب الثالث و الرابع: جریان النزاع فی اسم الآلة و اسم المفعول.

المقدمة الثانیة: فی معرفة محمول المسألة من جهة أنحاء التلبس...

المقدمة الثالثة: فی معنی الحال المذکور فی محمول المسألة

الاحتمال الأوّل: زمان النطق..

الاحتمال الثانی: حال النطق..

الاحتمال الثالث: زمان النسبة.

الاحتمال الرابع: حال النسبة

الاحتمال الخامس: زمان التلبس

الاحتمال السادس: حال التلبس

المقصود فی الموضوع له للمشتق..

الأمر الأوّل: فی مقتضی الأصل اللفظی و العملی..

الصورة الأولی: فی تأسیس الأصل بالنسبة إلی المسألة الأصولیة.

ص: 11

أما الأصل اللفظی العقلائی..

و أما الأصل العملی..

الصورة الثانیة: فی تأسیس الأصل بالنسبة إلی المسألة الفقهیة.

الأمر الثانی: التحقیق حول نظریات الأعلام فی مسألة المشتق..

المقام الأوّل: فی البحث الثبوتی..

النظریة الأولی:ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره)

النظریة الثانیة: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره)

الفرض الأوّل: القول بالبساطة التی ذهب إلیها المحقق الدوانی (قدس سره)

الفرض الثانی: القول بالبساطة التی هو المختار.

الفرض الثالث: القول بترکب مفهوم المشتق..

المقام الثانی: فی البحث الإثباتی..

استدلال القائلین بالوضع لخصوص المتلبس:

الدلیل الأوّل: التبادر.

الدلیل الثانی: صحة السلب...

الدلیل الثالث: برهان التضاد بین المفاهیم.

أدلة القائلین بالوضع للأعم ثلاثة:

الدلیل الأوّل: التبادر.

الدلیل الثانی:

الدلیل الثالث:

تنبیهات مسألة المشتق..

التنبیه الأوّل: هل یکون المشتق بسیطاً أو مرکباً؟

المطلب الأوّل: فی المراد من البساطة.

القول الأوّل: البساطة الإدراکیة.

القول الثانی: البساطة التحلیلیة.

المطلب الثانی: فی استدلال القائلین بالبساطة و الترکیب...

الأدلة علی بساطة المشتق خمسة:

الدلیل الأوّل: من السیّد الشریف الجرجانی (قدس سره)

الدلیل الثانی علی بساطة المشتق:

الدلیل الثالث علی بساطة المشتق: من المحقق النائینی (قدس سره)

الدلیل الرابع علی بساطة المشتق: من المحقق الشیرازی (قدس سره)

الدلیل الخامس علی بساطة المشتق:

الاستدلال علی ترکّب المشتق..

الوجه الأوّل: التبادر بالوجدان.

ص: 12

الوجه الثانی: البرهان.

التنبیه الثانی: الفرق بین المشتق و المبدأ

التفسیر الأوّل: من صاحب الفصول (قدس سره)

التفسیر الثانی: من صاحب الکفایة (قدس سره)

التنبیه الثالث: ملاک الحمل.

بیان المحقق الإصفهانی (قدس سره):

نظریة صاحب الفصول (قدس سره):

التنبیه الرابع: رابطة المبدأ و الذات..

البحث الثالث: المبادی التصوریّة الأحکامیةلعلم الأُصول /

الفصل الأوّل: حقیقة الحکم /

الأمر الأوّل: حقیقة الحکم التکلیفی و انقساماته.

أما الأقوال فی حقیقة الحکم التکلیفی..

القول الأوّل: البعث الاعتباری الانتزاعی..

القول الثانی: الإنشاء بداعی جعل الداعی..

البیان الأوّل للمحقق الإصفهانی (قدس سره):

البیان الثانی للمحقق الإصفهانی (قدس سره):

القول الثالث: الإرادة التشریعیة المبرزة بالخطاب...

بیان المحقق العراقی (قدس سره):

بیان المحقق البروجردی (قدس سره):

القول الرابع: اعتبار الفعل علی ذمّة المکلّف و إبرازه و إنشائه.

القول الخامس: اعتبار الفعل علی الذمة وجوداً أو عدماً أو لا علی الذمة.

أما انقسامات الحکم التکلیفی:

الأمر الثانی: حقیقة الحکم الوضعی و انقساماته.

أما انقسامات الحکم الوضعی:

نظریة العلّامة الأنصاری (قدس سره): انتزاع الوضعیات من الأحکام التکلیفیة.

نظریة صاحب الکفایة (قدس سره): التفصیل بین أقسام ثلاثة.

ثمرة البحث عن أقسام الحکم الوضعی:

نظریة صاحب الکفایة (قدس سره):

نظریة المحقّق الإصفهانی (قدس سره):

ص: 13

الفصل الثانی: مراتب الحکم /

القول الأول: نظریة صاحب الکفایة (قدس سره):

القول الثانی: نظریة المحقّق الإصفهانی (قدس سره):

المرتبة الأُولی: ثبوته اقتضاءً.

المرتبة الثانیة: ثبوته إنشاءً.

المرتبة الثالثة: ثبوته فعلاً و حقیقةً.

المرتبة الرابعة: ثبوته بحیث یستحق العقاب علی مخالفته.

القول الثالث: نظریة المحقق الخوئی (قدس سره)

القول الرابع: نظریتنا

الفصول الأخری من مباحث المبادی التصوریة الأحکامیة

البحث الرابع: المبادی التصدیقیّة الأحکامیة /

الفصل الأول: تضادّ الأحکام و إمکان اجتماعها /

النظریة الأُولی: ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره)

النظریة الثانیة: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) و هو المختار.

النظریة الثالثة: ما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره):

النظریة الرابعة: ما أفاده بعض الأساطین (حفظه الله):

الفصول الأخری من مباحث المبادی التصدیقیة الأحکامیة:

فهرس العناوین تفصیلاً..

ص: 14

مقدمة المؤلف

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله الذی هدانا بفیوضات الرسالة النبویة (صلی الله علیه و آله و سلم) و جذبات الولایة العلویة (علیه السلام) وإشراقات العصمة الفاطمیة (علیها السلام) و لمعات أنوار الأئمّة الإلهیة (علیها السلام) و أنار قلوب عباده بمعالم العلوم الربانیة الصادرة من منبع العترة المصطفویة (علیهم السلام) و أظهر لهم بواطن العلوم الشرعیة و وصلهم إلی عمق الظواهر النقلیة و أنعم علیهم ببیان حقائق دینه و أحکام شریعته و هداهم للوصول إلی معرفة الفروع و الأصول، و أرشدهم إلی أصولٍ تقتبس منها الأحکام بمعرفة مسائل الحلال و الحرام و أوجب علیهم تفریع المسائل للأنام، من علوم العترة الکرام (علیهم السلام)، فاتخذناهم فی الشریعة أسوة، و فی الاستنارة من شمس الحقیقة قدوة، و جعلنا عتبة روضتهم الشریفة باب معالم أصولنا و فروعنا، لا نرضی بغیرهم أبداً و لانبغی عنهم مدی الأعمار و الأعصار حولاً.

و الصلاة و السلام علی من اصطفاه الله علی العالمین و أشرف سفرائه المقربین و سید المرسلین و خاتم النبیین (صلی الله علیه و آله و سلم) و أهل بیته الطیبین و الطاهرین و المعصومین، الأئمّة الهداة و حماة الدین (علیهم السلام)، سیّما الکهف الحصین و غیاث المضطرّ المستکین،

ص: 15

بقیة الله فی الأرضیین (عجل الله تعالی فرجه)، و لعنة الله علی أعدائهم أجمعین إلی قیام یوم الدین.

فقد طلب منّی غیر واحد من الأصدقاء الأعزّاء من الأفاضل و الإخوة المحقّقین منهم: سماحة حجّة الإسلام و المسلمین الشیخ علی الأعلائی و سماحة حجة الإسلام و المسلمین الشیخ محمد الجوادی دامت بقائهما أن أباحث بحثاً اصولیاً حاویاً للأنظار منقّحاً للأفکار فی جمع من الإخوة الأفاضل، فأجبتهم و قمت بهذه المهمّة، و باحثت معهم دورة کاملة من علم الأصول و کتبت الأبحاث.

فهذه دورة کاملة من مباحث علم الأصول تندرج معالیها علی مستوی الخارج کمّاً و کیفاً فیعطی لطالب الاجتهاد استیعاب المطالب و العناوین الأصولیة و الأنظار الفنّیة الرئیسة علی أساس آراء أعلام المبتکرین للمناهج القویمة مثل مدرسة الشیخ الأعظم الأنصاری و مدرسة المحقق الخراسانی (قدس سرهما) و مدرسة الأعلام الثلاثة بالنجف الأشرف و هم المحقق النائینی و المحقق الإصفهانی و المحقق العراقی (قدس سرهم) و أشرنا ضمن بعض المباحث إلی مدرستی المحقق الحائری و المحقق البروجردی (قدس سرهما) و هنا مکاتب قویمة و ذات المغزی المتّخذة من آراء و أنظار و ابتکارات تلک المدارس الحدیثة الأصولیة، مثل منهج المحقق الخوئی (قدس سره) المتّخذ من مدرسة العلمین المحققین النائینی و الإصفهانی (قدس سرهما) و لذلک استندنا إلی أقوال هؤلاء الأعاظم و سلکنا طریقتهم العلمیة بین النقل و النقد و التحقیق.

و لم نجد من الضروری علی مستوی دروس الخارج، استیعاب کلّ الأدلة التی یستدل بها علی الأقوال بل نؤثر الأدلة الفنیة فی کل مسألة أصولیة من أجل تکوین رأی نهائی بعد فحص کامل و قد أشرنا إلی الرأی المختار من بین

ص: 16

الأنظار، إمّا بالتصریح و إمّا بنقد أدلّة سائر الأقوال؛ و أهملنا بیان الأدلّة الضعیفة التی لا محصّل له من الناحیة الفنیة و العلمیة.

و ما بیّنّاه من الآراء و الأنظار لیس إلا ما تلقّیناه من إفادات و محاضرات الأساتیذ الأجلّاء الکرام و المراجع العظام، أساطین الفقه و أرکان الأصول، و ما لاحظناه من الأفکار علی الأنظار إنما هی تأملات و ملاحظات انقدحت فی أذهاننا، کالبذرة التی تحتاج إلی سقیهم و رعایتهم حتی تنمو و تثمر، فالفضل لهم علینا.

هذه المجلدات العشر تجمع المطالب الرئیسة المهمّة التی تنبغی الإشارة إلیها و دراستها فی مستوی الدرس الخارج و تألیف هذه المجموعة بمثابة مرجع فنّی للباحثین للإطّلاع علی بحار المطالب و عیون الأنظار؛ زینّاه بالفرائد و جرّدناه و هزّبناه عن الزوائد، و رتّبناه و بوّبناه علی النهج الحدیث لعلم الأصول الذی أبدعه العلامة المحقق الإصفهانی (قدس سره)، فیشتمل علی لبّ الأصول و مغزاه، و یندرج فیه مفاهیمه و فحواه، مع الدقّة العلمیة و العمق الفکری.

و الغرض من تعلّم أصول قواعد الاستنباط لیس إلا دراسة فقه أهل البیت (علیهم السلام)، و انتشاره فی العالم بین شیعة آل الرسول (علیهم السلام). ثمّ إنّ الکتب الدراسیة لعلم الأصول باللغة العربیة الأصیلة و لیست علی أسالیب التعبیر الحدیث و نحن أیضاً سلکنا هذا المنهج و ذلک لأنّا نتلقّی ثقافتنا العربیة من الکتب الأصیلة القدیمة فی الصرف و النحو و معانی البیان و أساس دراساتنا فی اللغة العربیة بأسالیبها الأصیلة القدیمة لا الثقافة الحدیثة.

و کتابة تلک الرسالة القویمة لا یغنی عن تقریر الفضلاء الأمجاد للمباحث، فینبغی لهم أن یحاولوا تقریر الأبحاث و استیعاب المطالب حتّی تنمو لدیهم

ص: 17

ملکة النقد و التحقیق و یبلغوا استعداد الاجتهاد و قوة التألیف و تنظیم المباحث و کتابة المسائل العلمیة و لکی یترسّخ فی ذهنهم سیر مباحث الأصول و مدارجها.

و فی الختام نتقدم بالشکر الجمیل و الامتنان الجزیل لجمیع الفضلاء المحققین الکرام الذین بذلوا جهودهم فی إنجاز هذا الکتاب و تحقیقه و تصحیحه و تقویم النصوص و تنسیق المتون و إیراد العلائم المساعدة علی القراءة و لا سیّما یسرُّنا هنا أن نقدّم بجزیل الشکر إلی سماحة المحقق الفاضل حجة الإسلام و المسلمین السید جواد البرکچیان دام ظلّه حیث قام بتحقیقها و تصحیحها بنحو روعیت فیه الجوانب الفنّیة و بذل غایة جهده فی التعلیق علیها بکلّ دقّة و عنایة، و إلی سماحة حجة الإسلام و المسلمین الشیخ مرتضی الإسلامی فإنّه تصدّی لتنضید الحروف و تصحیح الأخطاء و تنظیم الصفحات و إخراجها علی أحسن صورة و قد جدّ و اتعب نفسه فی إعدادها للطبع، و إلی سماحة حجة الإسلام و المسلمین الشیخ محمد الداوری حیث تصدّی لتنضید الحروف لأکثر مجلّدات هذا الأثر، کما لایفوتنی تقدیم خالص شکری و تقدیری لسماحة حجة الإسلام و المسلمین السید حسن الیوسفی و سماحة حجة الإسلام و المسلمین مجتبی الفاضل دام بقائهم حیث قاما للتصحیح و التقویم و إیراد العلائم، و لقد تظافرت جهود هذه المجموعة من الفضلاء و العلماء لتحقیق الکتاب بدقّة عمیقة و تأمّل علمیة و فکر عالیة.

و فی نهایة المطاف نحن نقدّم خالص شکرنا لهؤلاء الأفاضل و کافّة الإخوة الذین ساهموا فی إنجاز هذا المشروع و إخراج هذا الکتاب الجلیل، راجین من الله تبارک و تعالی لهم التوفیق و السداد و الأجر و الثواب.

ص: 18

وأرجو و ألتمس من الأساتذة الکرام و القرّاء الأعزاء أن یمنّوا و یتفضّلوا علی بالصّفح و الإغماض عمّا یبدو لهم من خطأ و نقصان، و أن یتحفونی بتوجیهاتهم و أن یدعوا لی بالخیر و التوفیق و العافیة فی الخلوات، و فی مظانّ الإجابة و الدعوات.

«خِتَامُهُ مِسْکٌ وَ فِی ذَلِکَ فَلْیتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ»

«وَ آخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِینَ»

محمد علی البهبهانی

ص: 19

ص: 20

التمهید:

السیر التاریخی و تطوّرات علم الأصول فی الأدوار

إنّ علم الأصول قد نشأ من مأثورات أهل البیت (علیهم السلام) و قد تطوّر فی الأدوار المختلفة إلی العصور المتأخرة، حتّی قد فتحت فی تلک الأدوار آفاق جدیدة من مسائل علم الأصول و استحکم مبانیه، و حدثت نظریات و تطورات جدیدة فی مختلف أبواب هذا العلم حتی صار أصول الفقه علماً جامعاً للمبانی الرائقة التی تنحلّ بها مستحدثات مسائل الفقه بمناهج الاستدلال، رغم تطوّرات الحیاة المعاصرة و اتّساع آفاقها.

و اجتاز علم الأصول من لدن تأسیسه إلی زماننا السیر التاریخی فی الأدوار المختلفة و نحن فی هذا المجال بصدد بیان أعصار تطورات هذا العلم، و نتصدّی لعدّ أعلام الأصول فی کلّ دورة منها و لکلِّ من هؤلاء الأعلام من زعماء الأدوار الأصولیة منهجیة خاصّة، فنشیر إلی تلک الأدوار علی سبیل الإجمال:

الدورة الأولی: عصر التأسیس

إنّ أول من أشار إلی قواعد علم الأصول أمیر المؤمنین (علیه السلام)، و قد روی عنه أنّ

ص: 21

الراوی لابدّ له من العلم بهذه القواعد التی هی الناسخ و المنسوخ و العام و الخاصّ و المحکم و المتشابه.((1))

ص: 22


1- القواعد الأصولیة فی کلام أمیر المؤمنین (علیه السلام): ... فَأَقْبَلَ عَلِی (علیه السلام) فَقَالَ لِی: یا سُلَیمُ قَدْ سَأَلْتَ فَافْهَمِ الْجَوَابَ إِنَّ فِی أَیدِی النَّاسِ حَقّاً وَ بَاطِلًا وَ صِدْقاً وَ کَذِباً وَ نَاسِخاً وَ مَنْسُوخاً وَ خَاصّاً وَ عَامّاً وَ مُحْکَماً وَ مُتَشَابِهاً وَ حِفْظاً وَ وَهَماً وَ قَدْ کُذِبَ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله و سلم) عَلَی عَهْدِهِ حَتَّی قَامَ [فِیهِمْ] خَطِیباً فَقَالَ أَیهَا النَّاسُ قَدْ کَثُرَتْ عَلَی الْکَذَّابَةُ فَمَنْ کَذَبَ عَلَی مُتَعَمِّداً فَلْیتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ ثُمَّ کُذِبَ عَلَیهِ مِنْ بَعْدِهِ حِینَ تُوُفِّی رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَی نَبِی الرَّحْمَةِ وَ صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِهِ وَ إِنَّمَا یأْتِیکَ بِالْحَدِیثِ أَرْبَعَةُ نَفَرٍ لَیسَ لَهُمْ خَامِسٌ: رَجُلٌ مُنَافِقٌ مُظْهِرٌ لِلْإِیمَانِ مُتَصَنِّعٌ بِالْإِسْلَامِ لَا یتَأَثَّمُ وَ لَا یتَحَرَّجُ أَنْ یکْذِبَ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله و سلم) مُتَعَمِّداً فَلَوْ عَلِمَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّهُ مُنَافِقٌ کَذَّابٌ لَمْ یقْبَلُوا مِنْهُ وَ لَمْ یصَدِّقُوهُ وَ لَکِنَّهُمْ قَالُوا هَذَا صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله و سلم) رَآهُ وَ سَمِعَ مِنْهُ وَ هُوَ لَا یکْذِبُ وَ لَا یسْتَحِلُّ الْکَذِبَ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله و سلم) وَ قَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ عَنِ الْمُنَافِقِینَ بِمَا أَخْبَرَ وَ وَصَفَهُمْ بِمَا وَصَفَهُمْ [فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ- وَ إِذا رَأَیتَهُمْ تُعْجِبُکَ أَجْسامُهُمْ وَ إِنْ یقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ثُمَّ بَقُوا بَعْدَهُ] وَ تَقَرَّبُوا إِلَی أَئِمَّةِ الضَّلَالِ وَ الدُّعَاةِ إِلَی النَّارِ بِالزُّورِ وَ الْکَذِبِ وَ [النِّفَاقِ] وَ الْبُهْتَانِ فَوَلَّوْهُمُ الْأَعْمَالَ وَ حَمَلُوهُمْ عَلَی رِقَابِ النَّاسِ وَ أَکَلُوا بِهِمْ [مِنَ] الدُّنْیا وَ إِنَّمَا النَّاسُ مَعَ الْمُلُوکِ [فِی] الدُّنْیا إِلَّا مَنْ عَصَمَ اللَّهُ فَهَذَا أَوَّلُ الْأَرْبَعَةِ. وَ رَجُلٌ سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله و سلم) شَیئاً فَلَمْ یحْفَظْهُ عَلَی وَجْهِهِ وَ وَهِمَ فِیهِ وَ لَمْ یتَعَمَّدْ کَذِباً وَ هُوَ فِی یدِهِ یرْوِیهِ وَ یعْمَلُ بِهِ وَ یقُولُ أَنَا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله و سلم) فَلَوْ عَلِمَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّهُ وَهِمَ لَمْ یقْبَلُوا وَ لَوْ عَلِمَ هُوَ أَنَّهُ وَهِمَ [فِیهِ] لَرَفَضَهُ. وَ رَجُلٌ ثَالِثٌ سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله و سلم) شَیئاً أَمَرَ بِهِ ثُمَّ نَهَی عَنْهُ وَ هُوَ لَا یعْلَمُ أَوْ سَمِعَهُ نَهَی عَنْ شَی ءٍ ثُمَّ أَمَرَ بِهِ وَ هُوَ لَا یعْلَمُ [حَفِظَ] الْمَنْسُوخَ وَ لَمْ یحْفَظِ النَّاسِخَ فَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ لَرَفَضَهُ وَ لَوْ عَلِمَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ [إِذْ سَمِعُوهُ] لَرَفَضُوهُ. وَ رَجُلٌ رَابِعٌ لَمْ یکْذِبْ عَلَی اللَّهِ وَ لَا عَلَی رَسُولِهِ بُغْضاً لِلْکَذِبِ وَ تَخَوُّفاً مِنَ اللَّهِ وَ تَعْظِیماً لِرَسُولِهِ (صلی الله علیه و آله و سلم) وَ لَمْ یوهِمْ بَلْ حَفِظَ مَا سَمِعَ عَلَی وَجْهِهِ فَجَاءَ بِهِ کَمَا سَمِعَهُ وَ لَمْ یزِدْ فِیهِ وَ لَمْ ینْقُصْ وَ حَفِظَ النَّاسِخَ [مِنَ الْمَنْسُوخِ فَعَمِلَ بِالنَّاسِخِ] وَ رَفَضَ الْمَنْسُوخَ وَ إِنَ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله و سلم) وَ نَهْیهُ مِثْلُ الْقُرْآنِ نَاسِخٌ وَ مَنْسُوخٌ وَ عَامٌّ وَ خَاصٌّ وَ مُحْکَمٌ وَ مُتَشَابِهٌ وَ قَدْ کَانَ یکُونُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله و سلم) الْکَلَامُ لَهُ وَجْهَانِ کَلَامٌ خَاصٌّ وَ کَلَامٌ عَامٌّ مِثْلُ الْقُرْآنِ یسْمَعُهُ مَنْ لَا یعْرِفُ مَا عَنَی اللَّهُ بِهِ وَ مَا عَنَی بِهِ رَسُولُ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله و سلم) وَ لَیسَ کُلُّ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله و سلم) کَانَ یسْأَلُهُ فَیفْهَمُ وَ کَانَ مِنْهُمْ مَنْ یسْأَلُهُ وَ لَا یسْتَفْهِمُ حَتَّی إنْ کَانُوا لَیحِبُّونَ أَنْ یجِی ءَ الطَّارِئُ وَ الْأَعْرَابِی فَیسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله و سلم) حَتَّی یسْمَعُوا مِنْه. کتاب سلیم بن قیس الهلالی، ج 2، ص622.

و من جهة أخری ذهب العلامة السید حسن صدر (قدس سره) إلی أنّ مدوّن علم الأصول الإمام الباقر (علیه السلام) و الإمام الصادق (علیه السلام)، فقال فی کتاب تأسیس الشیعة:

«الفصل الخامس فی تقدم الشیعة فی علم أصول الفقه: فاعلم أن أوّل من فتح بابه و فتق مسائله هو باقر العلوم الإمام أبو جعفر محمد بن علی الباقر (علیه السلام) و بعده ابنه أبو عبد الله الصادق (علیه السلام) و قد أملیا فیه علی جماعة من تلامذتهما قواعده و مسائله جمعوا من ذلک مسائل رتبها المتأخرون علی ترتیب مباحثه ککتاب «أصول آل الرسول» و کتاب «الفصول المهمة فی أصول الأئمة (علیه السلام) » و کتاب «الأصول الأصلیة» کلها بروایات الثقات مسندة متصلة الإسناد إلی أهل البیت (علیهم السلام)».((1))

و یستفاد ذلک ممّا ورد فی حجّیة الخبر الواحد و حجّیة الأصول العملیة الشرعیة، فإنّ إلقاء تلک الروایات و جمعها فی أصول الأربعمأة و سائر الکتب دلیل علی تدوین قواعد الأصول فی عصر الأئمّة(، و أیضاً یظهر ذلک من ما روی عن الأئمّة(((2)) فی الحثّ علی الفتیا بالنسبة إلی بعض خواصّ أصحابهم

ص: 23


1- تأسیس الشیعة، سید حسن الصدر، ص310.
2- أمّا فتاوی أصحاب الأئمّة(، فقال النجاشی فی کتاب الرجال فی منزلة أبان بن تغلب: قَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ (علیه السلام):«اجْلِسْ فِی مَسْجِدِ الْمَدِینَةِ وَ أَفْتِ النَّاسَ فَإِنِّی أُحِبُّ أَنْ یرَی فِی شِیعَتِی مِثْلُک». رجال النجاشی، ص10؛ مستدرک الوسائل، ج 17، ص315. و روی فی وسائل الشیعة (ج 16، ص234): عَنْ حَمْدَوَیهِ وَ إِبْرَاهِیمَ ابْنَی نُصَیرٍ عَنْ یعْقُوبَ بْنِ یزِیدَ عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیرٍ عَنْ حُسَینِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ أَبِیهِ مُعَاذِ بْنِ مُسْلِمٍ النَّحْوِی عَنْ أَبِی عَبْدِاللَّهِ (علیه السلام) قَالَ: بَلَغَنِی أَنَّکَ تَقْعُدُ فِی الْجَامِعِ فَتُفْتِی النَّاسَ قُلْتُ نَعَمْ وَ أَرَدْتُ أَنْ أَسْأَلَکَ عَنْ ذَلِکَ قَبْلَ أَنْ أَخْرُجَ إِنِّی أَقْعُدُ فِی الْمَسْجِدِ فَیجِی ءُ الرَّجُلُ فَیسْأَلُنِی عَنِ الشَّی ءِ فَإِذَا عَرَفْتُهُ بِالْخِلَافِ لَکُمْ أَخْبَرْتُهُ بِمَا یفْعَلُونَ وَ یجِی ءُ الرَّجُلُ أَعْرِفُهُ بِمَوَدَّتِکُمْ فَأُخْبِرُهُ بِمَا جَاءَ عَنْکُمْ وَ یجِی ءُ الرَّجُلُ لَا أَعْرِفُهُ وَ لَا أَدْرِی مَنْ هُوَ فَأَقُولُ جَاءَ عَنْ فُلَانٍ کَذَا وَ جَاءَ عَنْ فُلَانٍ کَذَا فَأُدْخِلُ قَوْلَکُمْ فِیمَا بَینَ ذَلِکَ قَالَ فَقَالَ لِی اصْنَعْ کَذَا فَإِنِّی کَذَا أَصْنَعُ.

مثل أبان حیث أنّهم لا یفتون إلا بإعمال القواعد المذکورة.

الدورة الثانیة: عصر أصحاب الأئمة (علیهم السلام)

الأول: أول من صنّف فی علم الأصول، هو هشام بن الحکم الشیبانی الکوفی، ألّف کتاب «الالفاظ و مباحثها» و هو من أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) و الإمام الکاظم (علیه السلام)، له مصنفات عدیدة فی علم الکلام. توفی هشام سنة 199 ه- ق ببغداد.

الثانی: یونس بن عبد الرحمن، حیث صنّف کتاب «اختلاف الحدیث» الذی یشتمل مبحث تعارض الأدلّة أی التعادل و التراجیح و رواه عن الإمام موسی بن جعفر (علیه السلام) . قال النجاشی فی حقّه: کان وجهاً فی أصحابنا، مُتقدماً، عظیم المنزلة، ولد فی أیام هشام بن عبد الملک، و رأی [الإمام] جعفر بن محمد (علیهما السلام) بین الصفا والمروة و لم یرو عنه، و روی عن [الإمام] أبی الحسن موسی و [الإمام] الرضا (علیهما السلام)، و کان [الإمام] الرضا (علیه السلام) یشیر إلیه فی العلم والفُتیا.

و لذلک قال العلامة السید حسن الصدر (قدس سره): «و أول من أفرد بعض مباحثه بالتصنیف هشام بن الحکم شیخ المتکلمین تلمیذ أبی عبد الله الصادق (علیه السلام) صنّف کتاب «الألفاظ و مباحثها» هو أهم مباحث هذا العلم.

ثم یونس بن عبد الرحمن مولی آل یقطین تلمیذ الإمام الکاظم موسی بن جعفر (علیه السلام) صنّف کتاب «اختلاف الحدیث» و هو مبحث تعارض الدلیلین و التعادل و الترجیح بینهما.»((1))

ص: 24


1- تأسیس الشیعة، سید حسن الصدر، ص310.

فلا وجه لما یقوله ابن خلدون: «کان اوّل من کتب فیه (فی علم الأصول) الشافعی، أملی فیه رسالته المشهورة تکلم فیها فی الأوامر و النواهی».((1)) و هکذا ظهر خطأ محمد ابو زهره: «اعلم أن نسبة الشافعی إلی علم الأصول کنسبة ارسطو إلی علم المنطق کنسبة الخلیل بن احمد إلی علم العروض».((2))

الدورة الثالثة: عصر الفقهاء الأقدمین (و القدیمَین)

و فی هذه الدورة بعض أعلام الإمامیة (علیهم السلام) من عصر الغیبة الکبری (أی منتصف القرن الثالث الهجری) ألّفوا کتباً مستقلّة فی بعض أبواب علم الأصول مثل: باب «العام و الخاص» و «حجّیة خبر الواحد» و «إبطال القیاس» و «تعارض الأدلّة».

أمّا معاریف مؤلّفی علم الأصول فی هذه الدورة:

الأول: الحسن بن موسی النوبختی (علیه السلام) (القرن الثالث ه- ق).

قال النجاشی فی حقّه: «شیخنا المتکلم المُبرّز علی نظرائه فی زمانه قبل الثلاثمائة و بعدها».

و قال ابن الندیم فی الفهرست: «متکلم، فیلسوف، کان یجتمع إلیه جماعة من النَقَلة لکتب الفلسفة، مثل أبی عثمان الدمشقی و إسحاق بن ثابت و غیرهم».

له تصنیفان فی علم الأُصول و هما: «کتاب الخصوص والعموم» و «کتاب فی خبر الواحد والعمل به».

الثانی: أبی سهل إسماعیل بن علی بن إسحاق النوبختی (علیه السلام) (القرن الثالث ه- ق).

ص: 25


1- ابن خلدون، مقدّمة، ص 355، چاپ چهارم، دار احیاء التراث العربی، بیروت.
2- ابو زهره الشافعی، ص 196- 197.

من أعظم متکلمی الإمامیة فی القرن الثالث، صنَّف فی مختلف الفنون، و له مصنفات عدیدة فی الأصول و هی: «کتاب الخصوص و العموم»، «ابطال القیاس» «نقض اجتهاد الرأی».

الثالث: الحسن بن علی بن أبی عقیل العُمّانی الحذّاء (قدس سره) (القرن الثالث ه- ق).

فقیه متکلم، فی القرن الثالث الهجری، و هو أوّل من صنّف کتاب الفقه الاجتهادی و الاستنباطی فی الإمامیة و أدرج فیه المباحث الأُصولیة سمّاه «المتمسک بحبل آل الرسول (علیهم السلام)».

الرابع: محمد بن أحمد بن الجنید أبو علی الکاتب الإسکافی (قدس سره) (م: 381 ه- ق).

من أعیان علماء الإمامیة، له مصنفات کثیرة، و له مصنف فی الأُصول و هو «کتاب کشف التمویه والالتباس فی إبطال القیاس». [و المراد من القدیمین عند الفقهاء، هما: ابن أبی عقیل عمانی و ابن الجنید الإسکافی].

الخامس: أبو منصور الصرَّام النیسابوری (قدس سره) (القرن الرابع ه- ق).

و هو من مشایخ الشیخ الطوسی (قدس سره) و هو مدحه فی الفهرس، کان متکلماً بخراسان، و له تصانیف عدیدة، و ذکر الشیخ الطوسی (قدس سره) له کتاباً فی الأُصول سماه «بیان الدین» و «کتاب إبطال القیاس».

الدورة الرابعة: تصنیف الکتب الکاملة لعلم الأصول

إنّ هذه الدورة ابتدئت من الشیخ المفید و السید المرتضی و الشیخ الطوسی (قدس سرهم)، ثمّ توقّف نمو الفقه و الأصول طیلة قرن کامل و استمرّ ذلک إلی القرن السابع و هو عصر المحقق الحلّی و تلمیذه و ابن أخته العلامة الحلّی (قدس سرهم) .

الأول: الشیخ المفید محمد بن محمد النُّعمان العُکْبَری البغدادی (قدس سره) (م:413 ه- ق).

ص: 26

و هو أعظم الفقهاء و المتکلّمین و زعیم الشیعة فی أواخر القرن الرابع و بدایات القرن الخامس الهجری القمری، و عاش ببغداد، توفّی ببغداد سنة 413 ه- ق، و هو أوّل من صنّف کتاباً یتضمن جمیع مباحث علم الأُصول، و أدرجه الشیخ أبوالفتح الکراجکی (م 449 ه- ق) فی «کتاب کنز الفوائد» وسمّاه: «المختصر فی أُصول الفقه».

الثانی: السید المرتضی علی بن الحسین الموسوی (قدس سره) (م: 436 ه- ق).

تلمّذ عند الشیخ المفید (قدس سره) و صار بعده زعیم الشیعة و من أعظم الفقهاء و المتکلّمین، و هو أیضاً عاش ببغداد، توفی عام 436 ه- ق، و ألّف فی الأصول کتاباً جامعاً سمّاه: «کتاب الذریعة إلی أُصول الشریعة».

الثالث: الشیخ محمد بن الحسن الطوسی (قدس سره) (م:460 ه- ق).

زعیم الإمامیة بعد السید المرتضی (قدس سره) و أعظم الفقهاء و المتکلمین فی عصره، صنّف کتاب «العُدَّة فی أُصول الفقه».

الرابع: حمزة بن عبد العزیز، المعروف بسلّار (قدس سره) (م: 448 یا 463 ه- ق).

و هو مصنّف کتاب «التقریب».

الخامس: سدید الدین محمود بن علی الحمصی الرازی (قدس سره) (م: القرن 6 ه- ق).

مؤلّف کتابی«المصادر» و «التبیین و التنقیح فی التحسین و التقبیح».

السادس: أبی المکارم حمزة بن علی بن زهره (قدس سره) (م: 585- ه ق).

صنّف کتاباً فی الفقه یشتمل علی المباحث الأصولیة و هی کتاب «غنیة النزوع إلی علمی الاصول و الفروع».

السابع: محمد بن احمد بن ادریس حلّی (قدس سره) (م: 598 ه- ق).

و هو من أجلّاء الإمامیة، ألّف کتاب سرائر.

ص: 27

الدورة الخامسة: عصر المحقق الحلی و العلامة الحلی (قدس سرهما) و بعده

الأول: نجم الدین جعفر بن الحسین المحقّق الحلّی (قدس سره) (م 676 ه- ق).

«نهج الوصول الی معرفة الاصول» و «معارج الاحکام».

الثانی: حسن بن یوسف بن علی بن مطهر العلامة الحلی (قدس سره) (م: 726 ه- ق).

ألّف کتباً فی مختلف العلوم و منها کتبه الأصولیة و قد ذکر منها تلک العناوین: «تهذیب الوصول إلی علم الأصول» و «مبادی الوصول إلی علم الأصول» و «نهایة الوصول إلی علم الأصول» و «غایة الوصول و ایضاح السبل» و «شرح غایة الوصول فی علم الاصول» (و هو شرح کتاب غایة الوصول للغزالی)، و «النکت البدیعة فی تحریر الذریعة» و «منتهی الوصول إلی علمی الکلام و الأصول» و «نهج الوصول إلی علم الأصول»

الثالث: محمد بن الحسن، فخر المحقّقین ابن العلامة الحلّی (قدس سره) (م: 771 ه- ق).

صنّف کتابی «غایة السؤل فی شرح تهذیب الاصول» و «شرح المبادی» فی علم الأصول.

الرابع: ضیاء الدین؛ عبد اللّه بن مجد الدین محمد بن الاعرج حسینی (قدس سره) .

ابن أخت العلّامه الحلی (قدس سره) و هو مؤلف کتاب «منیة اللبیب فی شرح التهذیب».

الخامس: رکن الدین جرجانی (قدس سره)، تلمیذ العلّامه الحلی (قدس سره) .

و هو مؤلّف «غایة البادی فی شرح المبادی».

السادس: الشهید محمد بن مکی العاملی الشهید الأول (قدس سره) (م 786ه- ق).

جمع قواعد الأصول فی أول کتابه الذکری و صنّف کتاب القواعد فی القواعد

ص: 28

الفقهیة و بعض القواعد الأصولیة علی ترتیب لم یسبق إلیه.

السابع: الفاضل المقداد السیوری (قدس سره) (م: 826 ه- ق).

و هو صنّف کتاب «شرح مبادی الأصول».

الدورة السادسة: عصر الشهید الثانی و صاحب المعالم و الشیخ

البهائی (قدس سره)

و هذا العصر افتخرت بتدوین «معالم الأصول» فیها، و هو من أجلّ الکتب الدراسیة، و علت هذه الدورة بوجود أساطین العلم منهم:

الأول: زین الدین بن نور الدین الجبعی العاملی الشهید الثانی (قدس سره) (م: 966- 965 ه- ق).

صنّف «تمهید القواعد» و هذا الکتاب مجموعة من القواعد الأصولی و الأدبی.

الثانی: محمد حسن بن الشهید الثانی، المشتهر بصاحب المعالم (قدس سره) (م: 1011 ه- ق).

ألّف «معالم الأصول» عکف علیها العلماء و هو من الکتب الدراسیة، فصارت المعالم المعوّل فی التدریس.

الثالث: محمد بن الحسین الجبعی العاملی الشیخ البهائی (قدس سره) (م: 1031 ه- ق).

صنّف «زبدة الاصول» و جمع فیه مباحث الأصول.

الدورة السابعة: عصر سلطان العلماء و الفاضل التونی (قدس سرهما) و غلبة الأخباریین

و أظنّ أنّ أهمّ ما کتب فی هذه الدورة حاشیة المعالم لسلطان العلماء (قدس سره) و الوافیة للفاضل التونی (قدس سره) .

و فی هذه الدورة وقعت هجمة علمیة من الأخباریین علی علم الأصول و ألّف

ص: 29

المولی محمد أمین الأسترآبادی (م: 1033 ه- ق) کتاب «الفوائد المدنیة» و شنّع علی الأصولیین و أنکر علیهم طریقتهم.

و لهذا دوّنت مجامیع روائی مثل الوافی للفیض الکاشانی (قدس سره) (م: 1091ه- ق)، و وسائل الشیعة، للشیخ حر العاملی (قدس سره) (م: 1104ه- ق)، بحار الأنوار للعلامة المجلسی (قدس سره) (م: 1110 ه- ق).

و مع ذلک لم یذهب صولة الأصولیین و قاموا بتدوین الکتب علی منهجهم و أرکان هذه الدورة هم:

الأول: الفاضل الکاظمی (قدس سره) (م: قرن 11 ه- ق).

ألّف «غایة المأمول فی شرح زبدة الأصول».

الثانی: سلطان العلماء (قدس سره) (م: 1064 ه- ق).

ألّف «حاشیة المعالم» و «حاشیة زبدة الأصول» و «حاشیه زبدة الأصول».

الثالث: الفاضل التونی (قدس سره) (م:1071 ه- ق).

و هو صنّف کتاب الوافیة و لذا یسمّی بصاحب الوافیه.

الرابع: المولی صالح مازندرانی (قدس سره) (م: 1081 ه- ق).

مؤلّف «شرح زبدة الأصول الشیخ البهائی» و «حاشیه معالم الأصول».

الخامس: المولی خلیل القزوینی (قدس سره) (م: 1089 ه- ق).

مؤلّف «شرح عدة الأصول».

السادس: محمد بن الحسن شیروانی (قدس سره) (م: 1098 ه- ق).

«حاشیه معالم الأصول».

ص: 30

الدورة الثامنة: الوحید البهبهانی (قدس سره) (م 8-1205 ه ق)

و هذا المحقق محمد باقر الوحید البهبهانی (قدس سره) و هو یسمّی معلّم البشر و أستاذ الکلّ، لأنّه زرع بذر علم الأصول فی قلوب الأجلّاء من تلامذته، کالسید بحر العلوم (قدس سره) و کاشف الغطاء (قدس سره) و السید الطباطبایی (قدس سره) و أمثال هؤلاء الأعاظم.

تلمّذ لدی السید محمد الطباطبائی البروجردی (قدس سره) و السید صدر الدین الرضوی القمی (قدس سره) فنمی علم الأصول علی ید هذا الأصولی المجدّد و فی مدرسته إلی التعمیق و التوسّع و التطوّر العلمی، فقاوم قبال الحرکة الأخباریة بکلّ جدّ، و قد خلّف لنا عصارة أفکاره الأصولیة فی تعالیق و شروحه علی المعالم و الوافیة، أو الفوائد الحائریة التی أفردها بالتألیف.

الدورة التاسعة: تلامذة الوحید البهبهانی (قدس سره)

الأول: المولی مهدی النراقی (قدس سره) (م: 1209 ه- ق).

و هو من المهادی الأربعة(و هم السید مهدی بحر العلوم و السید مهدی الشهرستانی و السید مهدی الخراسانی و المولی مهدی البراقی (قدس سرهم))، تلمّذ عند العلامة الوحید البهبهانی و صاحب الحدائق و المولی إسماعیل الخاجوئی (قدس سرهم) . ألّف کتاب تجرید الأصول.

الثانی: السید محمد مهدی بحر العلوم (قدس سره) (م: 1212ه- ق).

و هو من أرکان الطائفة، تلمّذ علی الأستاذ الأکبر الوحید البهبهانی، و السید الأجل الخاتون آبادی، و العلّامة الفیلسوف السید المیرزا الإصفهانی، و الفقیه المحقق الشیخ یوسف البحرانی (قدس سرهم)، و من مؤلّفاته الفوائد الأصولیة.

الثالث: السید جواد العاملی (قدس سره) صاحب مفتاح الکرامة (م: 1226 ه- ق).

ص: 31

تلمّذ عند الأستاذ الکلّ الوحید البهبهانی و السید البحرالعلوم و صاحب الریاض و الشیخ جعفر الکبیر کاشف الغطاء (قدس سرهم)، ومن أشهر تلامیذه صاحب الجواهر (قدس سره)، له شرح الوافیة فی الأصول و تعلیقة علی تهذیب الأصول للعلامة الحلّی (قدس سره) و رسالة فی البرائة.

الرابع: الشیخ جعفر کاشف الغطاء (قدس سره) (م: 8-1227ه- ق).

تلمّذ عند الأستاذ الکلّ الوحید البهبهانی (قدس سره) و عند السید الأجل العلامة بحر العلوم (قدس سره)، و ألّف کتاب کشف الغطاء، و من أشهر تلامیذه صاحب الجواهر و صاحب مفتاح الکرامة، و الشیخ أسد الله الکاظمی صاحب المقابیس، و صاحب هدایة المسترشدین و المحقق الکلباسی (قدس سرهم) . ألف کتاب غایة المأمول فی علم الأصول. و أشهر أولاده الشیخ موسی و الشیخ علی و الشیخ حسن (قدس سرهم)، و له خمس بنات، و أصهاره کلهم من أجلاء العلم و هم: صاحب المقابیس؛ و صاحب هدایة المسترشدین؛ و السید صدر الدین العاملی؛ و المولی محمد علی الهزار جریبی؛ و الشیخ محمد و هو والد الشیخ الرازی (قدس سرهم) .

الخامس: المیرزا أبی القاسم القمّی (قدس سره) (م: 3 - 1231 ه- ق).

مؤلّف «قوانین الأصول» و هذا الکتاب طار صیتها فی الآفاق و صار من أهم الکتب الدراسیة، و له الدور الأساسی الرائد فی تطویر و تعمیق علم الأصول و فی الروضات: إنه کانت بینه و بین السید علی الطباطبائی (قدس سره) صاحب الریاض مخالفات و منافرات کثیرة فی المسائل العلمیة.

السادس: السید علی الطباطبائی صاحب الریاض (قدس سره) (م: 1231ه- ق).

و هو ابن أخت الوحید البهبهانی (قدس سره) و صهره، و جدّه الأمی المجلسی الأول (قدس سره)، لأنّ أمّه هی أخت الوحید البهبهانی (قدس سره) و والدتهما بنت نور الدین ابن

ص: 32

المولی صالح المازندرانی صهر المجلسی الأول (قدس سره) .

تلمّذ عند الوحید البهبهانی و صاحب الحدائق (قدس سرهما) و من أشهر تلامیذه صاحب المقابیس و صاحب مفتاح الکرامة و الشیخ أبی علی صاحب صاحب منتهی المقال و السید الشفتی و شریف العلماء (قدس سرهم) و ولده العلامة السید محمد المجاهد (قدس سره) صاحب مفتاح الأصول.

السابع: الشیخ محمّد تقی بن عبد الرحیم النجفی الإصفهانی (قدس سره) (م: 8-1247 ه- ق).

صنّف حاشیة المعالم المسمّی هدایة المسترشدین، و هو صهر الشیخ جعفر کاشف الغطاء، تلمّذ عند الوحید البهبهانی (قدس سره) و السید البحرالعلوم (قدس سره) و الشیخ جعفر کاشف الغطاء (قدس سره)، و من أشهر تلامیذه المولی هادی السبزواری (قدس سره) مؤلف شرح المنظومة.

الدورة العاشرة: ابنی کاشف الغطاء و السید المجاهد إلی صاحب الفصول (قدس سرهم)

و بعض هؤلاء و إن أدرکوا العلامة الوحید البهبهانی (قدس سره) و لکنّهم یعدّون من تلامذة تلامذته (قدس سرهم)، لأنّ أکثر دراساتهم عند تلامیذ الأستاد الکلّ و هم:

الأول: الشیخ موسی کاشف الغطاء (قدس سره) (م:1241ه- ق).

هو الولد الأکبر للشیخ جعفر الکبیر (قدس سره) . و بعد الشیخ جعفر الکبیر حازت المرجعیة الدینیة، و من أشهر تلامیذه الشیخ الأنصاری (قدس سره) .

الثانی: سید محمد بن علی الطباطبائی (قدس سره) (م: 1242 ه- ق).

المشتهر بالسید المجاهد لحکمه بالجهاد مع الروس فی زمان فتحعلی شاه القاجار، تلمّذ عند والده صاحب الریاض (قدس سره) و السید الأجلّ بحرالعلوم (قدس سره) و

ص: 33

الشیخ جعفر کاشف الغطاء (قدس سره)، و من أشهر تلامیذه شریف العلماء (قدس سره)، صنّف «مفاتیح الأصول» و هو کتاب جامع فی علم الأصول.

الثالث: شریف العلماء المازندرانی الحائری (قدس سره) (م: 1245ه- ق).

تلمذ عند المیرزا القمی و صاحب الریاض و السید المجاهد و هو من أساتیذ الشیخ الأنصاری (قدس سرهم)، و له رسالة فی باب الأوامر. و اشتغل بالتدریس و کان یحضر درسه فی کربلا ما یزید علی ألف طالب.

الرابع: مولی أحمد بن محمد مهدی نراقی (قدس سره) (م 5-1244ه- ق).

تلمّذ لدی الأستاذ الکلّ الوحید البهبهانی و السید بحرالعلوم و صاحب الریاض و الشیخ جعفر کاشف الغطاء، و من أشهر تلامیذه الشیخ الأنصاری (قدس سرهم) .

ألّف مفتاح الأصول، و مناهج الأصول إلی علم الأصول، و عین الأصول، و له شرح کبیر علی کتاب تجرید الأصول الذی ألّفه والده العلامة.

الخامس: الشیخ علی الکاشف الغطاء (قدس سره) (م: 1254أو1253 ه- ق).

الولد الثالث للشیخ کاشف الغطاء و هو أستاذ الشیخ الأنصاری (قدس سره)، انتهت إلیه الزعامة والإفتاء و کان من أساتذة الشیخ مرتضی الأنصاری.

کان إذا أتته الحقوق الکثیرة فرّقها لساعتها و لا ینال منها شیئاً و یطوف لیلاً علی الفقراء و یفرّق علیهم حقوقهم دون أن یعرفهم نفسه.

السادس: محمد إبراهیم الکلباسی الإصفهانی (قدس سره) (م: 1262 أو1261 ه- ق)

و هو مؤلف کتاب «اشارات الأصول»، تلمّذ عند أعلام تلامذة الوحید البهبهانی (قدس سره)، مثل السید بحرالعلوم (قدس سره)، و المیرزا القمی (قدس سره)، و النراقی (قدس سره)، و

ص: 34

صاحب الریاض، و تلمّذ فی العلوم العقلیة لدی الحکیم الآغا محمد البید آبادی (قدس سره) و المولی علی النوری (قدس سره) .

السابع: محمد حسن بن عبد الرحیم صاحب الفصول (قدس سره) (م:1261 ه- ق).

و هو أخو الشیخ محمد تقی النجفی الإصفهانی (قدس سره) صاحب هدایة المسترشدین، صنّف کتاب «الفصول فی علم الأصول».

الثامن: الشیخ محمّد حسن النجفی (قدس سره) صاحب جواهر الکلام (م: 1266ه- ق)

من رجال هذه الدورة، حضر درس الشیخ جعفر کاشف الغطاء، و عند ولده الشیخ موسی، و عند صاحب مفتاح الکرامة السید جواد العاملی (قدس سرهم)، و بعده استقلّ بالتدریس و یحضر مجلس درسه قرابة ستّین مجتهداً، و انتهت إلیه المرجعیة فی عصره.

الدورة الحادی عشر: الشیخ الأعظم الأنصاری (قدس سره) و تلامیذه

و هم: المیرزا أبوالقاسم الکلانتر والمیرزا المجدد الشیرازی و المیرزا حبیب الله الرشتی و صاحب الکفایة (قدس سرهم)، و ألحق بهم: السید محمد الفشارکی و المیرزا محمد تقی الشیرازی (قدس سرهما) .

الأول: الأستاذ الأعظم الشیخ مرتضی الأنصاری (قدس سره) (م: 1281ه- ق).

و درّس عند السید المجاهد الطباطبایی، و شریف العلماء، و الشیخ موسی و الشیخ علی کاشف الغطاء و المولی أحمد النراقی (قدس سرهم)، و ارتفع معالی علم الأصول بیمنه إلی أوج السماء و تبلغ ذروتها من التطویر و العمق، و له مدرسة علمیة علیّة و تخرَّج علی یده جمّ غفیر من کبار الفقهاء و الأصولیین الّذین تتعمّقوا و تتطوّروا مدرسته، و ألّفوا آثاراً علمیة قیمة فی الفقه و الأصول.

ص: 35

الثانی: الشیخ محمد حسین الفاضل الأردکانی (قدس سره) (م: 5-1302ه- ق).

إنّ المحقق الأردکانی کان معاصراً للشیخ الأنصاری (قدس سره)، ولد فی أردکان و هاجر إلی یزد و بعده إلی قزوین فتلمّذ عند المولی محمد صالح البرغانی الشهید الثالث (قدس سره) فی الفقه و عند المولی الآقا الحکمی فی الحکمة ثمّ هاجر إلی النجف الأشرف و التحق بدرس شریف العلماء (قدس سره) و بعد ارتحال شریف العلماء (قدس سره) حضر أبحاث السید إبراهیم القزوینی (قدس سره) صاحب ضوابط الأصول و هو سمّاه الفاضل، و بعد ارتحال أستاذه توطّن فی کربلا و اشتغل بالتدریس و من أشهر تلامیذه المیرزا محمد تقی الشیرازی و السید محمد الفشارکی و الشیخ عبد الکریم الحائری الیزدی (قدس سرهم) .

الثالث: المیرزا ابو القاسم الکلانتر (قدس سره) (م:1292ه- ق).

من تلامیذ الشیخ الأنصاری (قدس سره) و مقرّر أبحاثه و سمّاه «مطارح الانظار».

الرابع: السید المجدّد المیرزا محمد حسن الشیرازی (قدس سره) (م: 1312 ه- ق).

السید المجدّد محمد حسن الشیرازی (قدس سره) صاحب فتوی تحریم التنباک، تلمّذ فی إصفهان لدی بعض الأجلّاء منهم: المحقق محمد إبراهیم الکلباسی (قدس سره) ثمّ هاجر إلی النجف الأشرف و حضر درس صاحب الجواهر (قدس سره) و الشیخ حسن کاشف الغطاء (قدس سره) و السید إبراهیم القزوینی (قدس سره) و بعد ذلک التحق بحوزة الشیخ الأنصاری (قدس سره) و صار من أرکان درسه حتّی أنّه نقل: أنّ الشیخ المرتضی الأنصاری (قدس سره) یعظّمه و کان یقول: «إنّی أباحث لثلاثة رجال من تلامیذی: المیرزا محمد حسن الشیرازی، و المیرزا حبیب اللّه الرشتی، و الآغا حسن الطهرانی (قدس سرهم) »

و بعد ارتحال الشیخ الأنصاری (قدس سره) اجتمع تلامذته فی بیت میرزا حبیب اللّه الرشتی (قدس سره) و تأمّلوا فی أمر المرجعیة و اتّفقت کلمتهم علی تقدیم المیرزا الشیرازی (قدس سره) للمرجعیة. من أشهر تلامیذه: المولی محمد کاظم الخراسانی صاحب

ص: 36

الکفایة و السید محمد کاظم الیزدی صاحب العروة و المیرزا محمد تقی الشیرازی و المحقق النائینی و الشیخ عبد الکریم الحائری الیزدی (قدس سرهم) .

الخامس: میرزا حبیب اللّه الرشتی (قدس سره) (م: 1312 ه- ق).

من مبرّزی تلامیذ الشیخ الأنصاری (قدس سره) صنّف بدایع الأفکار.

قال صاحب الذریعة: «قد کتب من تقریر بحث أستاذه العلامة الأنصاری عدة مجلدات فی الفقه و الأصول، ... و منها مجلدان فی تمام دورة الأصول من المباحث اللفظیة و الأدلة العقلیة.»،((1)) و الشیخ الأنصاری (قدس سره) یعلی سموّ مرتبته فی العلم بمحضر طلابه.

السادس: الشیخ محمد کاظم الخراسانی (قدس سره) (م: 1329ه- ق).

تلمّذ لدی الشیخ الأنصاری و المیرزا الشیرازی و الشیخ الرازی النجفی و السید علی الشوشتری (قدس سرهم) . و من أشهر تلامیذه المحقق الحائری و المحقق العراقی و المحقق الإصفهانی و السید المحقق أبی الحسن الإصفهانی و المحقق البروجردی (قدس سرهم) و ألّف کفایة الأصول، قال السید محسن الأمین (قدس سره): «شیخنا و أستاذنا الشیخ ملا کاظم الخراسانی النجفی أشهر المدرسین فی الأصول فی عصرنا هذّب مطالبه و اختصرها، له حاشیة علی رسائل الشیخ مرتضی (قدس سره) مدونة و له «الکفایة فی الأصول» جمع فیها جمیع مطالبه باختصار فصار مع المعالم و القوانین و الرسائل المعوّل فی التدریس و فی عصرنا الیوم هجرت القوانین و صار المعوّل علی المعالم و الرسائل و الکفایة.» و له أیضاً کتابی: «فوائد الاصول» و «التعلیقة علی الرسائل».

السابع: السید محمد الفشارکی (قدس سره) (م: 1316ه- ق).

ص: 37


1- الذریعة، ج4، ص374.

من أعظم تلامیذ الفاضل الأردکانی و السید المجدد المیرزا الشیرازی (قدس سرهما) . اعتزل عن الریاسة و اجتنب عن الإفتاء و المرجعیة. له رسائل فی الفقه و الأصول.

الثامن: المیرزا محمد تقی الشیرازی (قدس سره) (م: 1338ه- ق).

صاحب فتوی الجهاد و هو أیضاً من أرکان تلامیذ الفاضل الأردکانی و السید المجدد المیرزا الشیرازی (قدس سرهما) . و هو یباحث الدروس مع السید الفشارکی (قدس سره) .

الدورة الثانی عشر: عصر النائینی و العراقی و الإصفهانی و الحائری (قدس سرهم)

الأول: المیرزا محمد حسین النائینی (قدس سره) (م: 1355 ه- ق).

تلمّذ عند المیرزا المجدّد الشیرازی و السید محمد الفشارکی (قدس سرهما) و تلمّذ فی الحکمة لدی جهانگیر خان القشقائی (قدس سره) و اختلف فی تلمّذه عند صاحب الکفایة (قدس سره) و المشهور عدم تلمّذه عنده، بل تصدّی جواب استفتائاته، و فتخرّج من معهد بحثه و مجلس درسه کثیر من العلماء و المجتهدین و ألّفوا تقریرات بحثه، منها: «فوائد الأصول» و «أجود التقریرات».

الثانی: شیخ عبد الکریم الحائری الیزدی (قدس سره) (م: 1355 ه- ق).

هو الزعیم الأعظم و مؤسّس الحوزة العلمیة بقم المقدّسة، تلمّذ لدی الفاضل الأردکانی و المیرزا المجدد السید محمد حسن الشیرازی و السید محمد الفشارکی و المیرزا محمد تقی الشیرازی و محمد کاظم الخراسانی صاحب الکفایة (قدس سرهم)، و ألف «درر الفوائد» فی علم الأصول.

الثالث: الآقا ضیاء الدین العراقی (قدس سره) (م:1361 ه- ق).

من تلامیذ المیرزا حبیب الله الرشتی و صاحب الکفایة و السید محمد

ص: 38

الفشارکی و السید الیزدی صاحب العروة (قدس سرهم) و هو مؤلّف «مقالات الأصول»، و من أشهر تقریرات بحثه «نهایة الأفکار».

الرابع: الشیخ محمد حسین الإصفهانی (قدس سره) (م: 1361 ه- ق).

تلمّذ عند صاحب الکفایة و السید محمد الفشارکی و فی الحکمة لدی العلامة محمد باقر الإصطهباناتی (قدس سرهم)، فصار من أعلام المحققین و کشف غوامض مسائل علم الأصول و قد حضر عنده کبار المراجع و العلماء، حیث وجدوا فی أبحاثه الجمع بین منهج الإستناد إلی المفاهیم العرفیة و إعمال الدقّة العمیقة العقلیة، منهم: المحقق الخوئی و المحقق المیلانی و الأستاذ المحقق محمد تقی البهجة و العلامة المظفر (قدس سرهم) . من تألیفاته «نهایة الدرایة فی شرح الکفایة»، و «الأصول علی نهج الحدیث».

ص: 39

ص: 40

المبادی التصور یة و التصدیقیة

لعلم الأُصول

فیه مقدمات و أربع أبحاث

البحث الأوّل: المبادی اللغویة التصوریة لعلم الأُصول

البحث الثانی: المبادی اللغویة التصدیقیة لعلم الأُصول

البحث الثالث: المبادی الأحکامیة التصوریة لعلم الأُصول

البحث الرابع: المبادی الأحکامیة التصدیقیة لعلم الأُصول

ص: 41

ص: 42

المقدمات الخمس

المقدمة الأولی: فائدة علم الأصول و تعریفه

اشارة

إنّ علم الأصول أسّس لمعرفة القواعد الأصولیة و هی مبادٍ تصدیقیّة لعلم الفقه المتکفّل لتشخیص الحکم الشرعی و الوظیفة الفعلیة فی کل مورد بالنظر و الدلیل.

القواعد الأصولیة علی أقسام أربعة:

اشارة

((1))

القسم الأول: ما یوجب العلم الوجدانی مثل الاستلزامات العقلیة.((2))

ص: 43


1- جاء هذا التقسیم فی المحاضرات، ط.ق. ج1، ص6 و ط.ج. ص1 و فی الموسوعة الفقهیة المیسرة، ج3، ص509: «هناک عدة وجهات نظر لتقسیم الأبحاث الأصولیة، نشیر إلی أهمّها فیما یلی: التقسیم الأوّل: و هو ما نقله الشیخ محمّد رضا المظفّر عن أستاذه المحقق الإصفهانی (قدس سرهما) الذی ذکره فی حلقة درسه... 1) مباحث الألفاظ 2) المباحث العقلیة 3) مباحث الحجة 4) مباحث الأصول العملیة 5) مباحث التعادل و التراجیح...؛ التقسیم الثانی: ما ذکره السیّد الخوئی (قدس سره) فی المحاضرات... التقسیم الثالث: ما ذکره السیّد الصدر، و حاصله: أن الأدلة التی یعتمد علیها الفقیه فی استدلاله الفقهی علی أقسام: 1) الدلیل اللفظی 2) الدلیل العقلی البرهانی 3) الدلیل العقلی الاستقرائی... و هو یشمل مسألة حجیة الإجماع و السیرة و التواتر 4) الدلیل الشرعی... و هو علی قسمین: الأمارات و الأصول العملیة».
2- فی المحاضرات، ط.ق: ج1، ص6 و ط.ج: ص1: «هی مباحث الاستلزامات العقلیة کمبحث مقدمة الواجب و مبحث الضد و مبحث اجتماع الأمر و النهی و مبحث النهی فی العبادات فإنّه بعد القول بثبوت الملازمة بین وجوب شیء و وجوب مقدمته - مثلاً- یترتب علیه العلم الوجدانی بوجوب المقدمة عند وجوب ذیها بعد ضمّ الصغری إلی هذه الکبری؛ و کذا یحصل العلم البتی بفساد الضد العبادی عند الأمر بضده الآخر إذا ضمّ ذلک إلی کبری ثبوت الملازمة بین الأمر بالشیء و النهی عن ضده».

القسم الثانی: ما یوجب العلم التعبدی و هو علی نوعین:

الأول: الصغریات التی کبراها مسلّمة، فإنّ کبرویّة حجیة الظهور متسالم علیها بین العقلاء و هی القواعد التی یستفاد منها ظهورات الألفاظ و هی إمّا((1)) ظهور الألفاظ فی حدّ ذاتها مثل العموم و الإطلاق و إما ظهور الألفاظ مع ملاحظة أمر خارجی مثل سرایة إجمال المخصّص إلی العام.

الثانی: الکبریات التی هی مباحث الحجج مثل حجیة خبر الواحد و الشهرة الفتوائیة و الإجماعات المنقولة و ...

القسم الثالث: ما یوجب تعیین الوظیفة العملیة الشرعیة. ((2))

ص: 44


1- فی المحاضرات، ط.ق: ج1، ص7 و ط.ج: ص2: «إنّ البحث فی هذا الضرب یقع من جهتین: الجهة الأولی: فی إثبات ظهور الألفاظ بحد ذاتها وفی أنفسها، مع قطع النظر عن ملاحظة أیة ضمیمة خارجیة أو داخلیة کمباحث الأوامر و النواهی و المفاهیم و معظم مباحث العموم و الخصوص و المطلق و المقید... الجهة الثانیة: فی إثبات ظهورها مع ملاحظة معونة خارجیة کبعض مباحث العام و الخاص و المطلق و المقید کالبحث عن أنّ العام و المطلق إذا خصصا بدلیلین منفصلین فهل هما بعد ذلک ظاهران فی تمام الباقی أم لا ؟ ...».
2- فی المحاضرات، ط.ق. ج1، ص7، و ط.ج. ص3:« ما یبحث عن الوظیفة العملیة الشرعیة للمکلفین فی حال العجز عن معرفة الحکم الواقعی و الیأس عن الظفر بأی دلیل اجتهادی» الخ و قال بعد ذلک بعبارة أخری «ما یعین الوظیفة العملیة الشرعیة بعد الیأس عن الظفر بالقسمین المتقدمین».

القسم الرابع: ما یوجب تعیین الوظیفة العملیة العقلیة ((1)) مثل الاحتیاط و البراءة العقلیین و الظنّ الانسدادی علی الحکومة.

فائدة علم الأصول:

إنّ فائدة علم الأصول هو تحصیل العلم الوجدانی أو التعبدی بالأحکام الشرعیة أو تعیین الوظیفة الشرعیة أو العقلیة فی مقام العمل الذی هو موجب لحصول الأمن من العقاب.

و بتعبیر أصحّ إنّ فائدة علم الأصول تحصیل الحجة علی حکم العمل.((2))

تعریفات سبعة لعلم الأصول:

اشارة

قد ذکروا لعلم الأصول تعاریف متعدّدة، لابدّ من ذکرها، و بیان ما هو الصحیح منها.

التعریف الأوّل: تعریف القدماء و المشهور
اشارة

التعریف الأوّل: تعریف القدماء و المشهور (3)

و هو العلم بالقواعد الممهّدة لاستنباط الأحکام الشرعیة الفرعیة.

ص: 45


1- فی المحاضرات، ط.ق. ج1، ص7، و ط.ج. ص3: بزیادة «فی فرض فقدان ما یؤدی إلی الوظیفة الشرعیة من دلیل اجتهادی أو أصل عملی شرعی».
2- فی المحاضرات، ط.ق. ج1، ص8، و ط.ج. ص4: «من هنا ظهر فائدة علم الأصول و هی تعیین الوظیفة فی مقام العمل الذی هو موجب لحصول الأمن من العقاب».
3- . فی زبدة الأصول للشیخ البهائی، ص41: «حده علما العلم بالقواعد الممهدة لاستنباط الأحکام الشرعیة الفرعیة». و فی قوانین الأصول، ص5: «أمّا رسمه باعتبار العلمیة فهو العلم بالقواعد الممهّدة لاستنباط الأحکام الشرعیة». و فی هدایة المسترشدین، ج1، ص97: «وأمّا حده بالنظر إلی معناه العلمی: فهو علی ما اختاره جماعة من المتأخرین العلم بالقواعد الممهّدة لاستنباط الأحکام الشرعیة الفرعیة» . و فی الفصول الغرویة فی الأصول الفقهیة،ص9: «قد ذکروا له تعریفات عدیدة أظهرها أنه العلم بالقواعد الممهّدة لاستنباط الأحکام الشرعیة الفرعیة عن أدلتها التفصیلیة». و فی تعلیقة علی معالم الأصول للسید علی الموسوی القزوینی، ج1، ص174: «و اعلم أنّ لهم فی رسم أصول الفقه باعتبار معناه العلمی عبارات مختلفة أسلمها جمعاً و منعاً ما فی کلام جماعة من المتأخرین، من أنّه العلم بالقواعد الممهّدة لاستنباط الأحکام الشرعیة الفرعیة».

صحّحه المحقق الخوئی (قدس سره) فی الدراسات((1)) و لکن أفاد فی المحاضرات تعریفاً آخر کما سیأتی إن شاء الله تعالی.

إیرادان علی التعریف الأوّل:
اشارة

((2))

الإیراد الأوّل:

((3))

إنّ التقیید بالشرعیّة یوجب خروج مباحث الأصول العملیة العقلیة و الظن الانسدادی علی الحکومة حیث إنّهما لتعیین الوظیفة العقلیة لا لاستنباط الأحکام (کما ادّعی فی البراءة أنّ مفادها عدم الحکم الشرعی).

ص: 46


1- دراسات فی علم الأصول، ج1، ص26.
2- فی دروس فی علم الأصول، ج2، ص9: «قد لوحظ علی هذا التعریف أوّلاً: بأنّه یشمل القواعد الفقهیة، کقاعدة انّ ما یضمن بصحیحه یضمن بفاسده و ثانیاً: بأنّه لایشمل الأصول العملیة، لأنّها مجرّد أدلّة عملیة و لیست أدلّة محرزة، فلایثبت بها الحکم الشرعی و إنّما تحدد بها الوظیفة العملیة و ثالثاً: بأنّه یعم المسائل اللغویة، کظهور کلمة الصعید مثلاً لدخولها فی استنباط الحکم».
3- فی الکفایة، ص9: «کان الأولی تعریفه بأنّه ... بناء علی أنّ مسألة حجیة الظن علی الحکومة، و مسائل الأصول العملیة فی الشبهات الحکمیة من الأصول، کما هو کذلک، ضرورة أنّه لا وجه لالتزام الاستطراد فی مثل هذه المهمات». و فی درر الفوائد، ص32: «و لعلّ هذا أحسن ممّا هو المعروف من أنّه العلم بالقواعد الممهّدة لاستنباط الأحکام الشرعیة الفرعیة لاستلزامه الالتزام بالاستطراد فی بعض المسائل المهمّة مثل مسائل الأصول العلمیة و مسألة حجیّة الظن فی حال الانسداد بناءً علی الحکومة لعدم تمهّدها لاستنباط الأحکام کما هو واضح».
الإیراد الثانی:

إنّه یدخل فی التعریف قواعد علم الرجال و مسائله، مثل وثاقة الراوی و لذلک اعتبر المحقق النائینی (قدس سره) فی القاعدة الأصولیّة أن تکون کبرویة.

جواب عن الإیراد الثانی:

((1))

إنّ «قید الممهّدة» یوجب خروج مباحث علم الرجال لأنّها لیست ممهّدة لاستنباط الحکم بل هی ممهّدة لتشخیص حال الخبر من حیث الصحّة و الصدق و الکذب وإن کان الخبر مرتبطاً بأصول الدین أو الاعتقادیّات أو الأخلاق.

التعریف الثانی: مختار الشیخ الأنصاری (قدس سره)
اشارة

علم الأصول هی القواعد التی تطبیقها بید المجتهد.((2))

ص: 47


1- فی القوانین، ص5: «خرج بالقواعد العلم بالجزئیات». و فی هدایة المسترشدین، ص97: «خرج بالقواعد العلم المتعلق بالجزئیات کعلم الرجال». و فی تعلیقة علی معالم الأصول، ص174: «حیث إنّ القواعد عبارة عندهم عن القضایا الکلیة فخرج بها غیرها من القضایا الشخصیة، التی منها المطالب الرجالیة اللاحقة بأحوال آحاد الرواة، فإنّها قضایا موضوعاتها الأشخاص».
2- فی فرائد الأصول، ج3، ص18 و 19: «یشکل کون الاستصحاب من المسائل الفرعیة بأنّ إجراءها فی موردها أعنی: صورة الشک فی بقاء الحکم الشرعی السابق، کنجاسة الماء المتغیر بعد زوال تغیّره مختص بالمجتهد و لیس وظیفة للمقلّد فهی ممّا یحتاج إلیه المجتهد فقط و لاینفع للمقلّد و هذا من خواص المسألة الأصولیة فإنّ المسائل الأصولیة لمّا مهدت للاجتهاد و استنباط الأحکام من الأدلّة اختص التکلم فیها بالمستنبط و لاحظ لغیره فیها» . و فی رسائل فقهیة للشیخ الأنصاری (قدس سره)، ص146 – 149 فی الفرق بین المسألة الأصولیة و القاعدة الفقهیة: «التحقیق فی الفرق بینهما هو أن المسألة الأصولیة عبارة عن کل قاعدة یبتنی علیها الفقه، أعنی معرفة الأحکام الکلیة الصادرة من الشارع، و مهدت لذلک، فهی بعد إتقانها و فهمها عموماً أو خصوصاً مرجع للفقیه فی الأحکام الفرعیة الکلیة، سواء بحث فیها عن حجیة شیء أم لا. و کل قاعدة متعلقة بالعمل لیست کذلک فهی فرعیة سواء بحث فیها عن حجیة شیء أم لا. و من خواص المسألة الأصولیة أنّها لاتنفع فی العمل ما لم تنضم إلیه صرف قوة الاجتهاد و استعمال ملکته، فلاتفید المقلّد، بخلاف المسائل الفروعیة، فإنّها إذا أتقنها المجتهد علی الوجه الذی استنبطها من الأدلّة جاز إلقائها إلی المقلّد لیعمل بها؛ و حینئذٍ فالبحث عن حجة الخبر الواحد و وجوب الاحتیاط و الاستصحاب فی الأحکام الصادرة عن الشارع مسائل أصولیة، لأنّ المجتهد بعد ما أتقنها عموماً أو خصوصاً یرجع إلیها فی المسائل الفرعیة ولا تنفع المقلّد، لأنّ العمل بها موقوف علی ملکة الاجتهاد فکیف یمکن للمقلّد أن یعمل بالخبر الواحد حیثما وجده مع عدم قوة له یقتدر بها علی فهم مدلول الخبر و الفحص عن معارضه و کیفیة علاج المعارضة بعد العثور علی المعارض؟» الخ.
أورد علیه:

((1))

إنّ القواعد الفقهیة فی الشبهات الحکمیة بل بعض القواعد الفقهیة فی الشبهات الموضوعیة داخلة فی التعریف مثل قاعدة «البیّنة علی المدّعی و الیمین علی من أنکر» فإنّ تشخیص المدعی و المنکر غیر میسور للمقلّد فإنّ المدّعی إمّا هو من إذا تَرک تُرِک، أو الذی قوله خلاف الظاهر أو الذی قوله خلاف الأصل.

ص: 48


1- فی مقالات الأصول، ج1، ص53: «تطبیق عنوان مخالفة الکتاب و السنّة أیضاً بید المجتهد مع أنّ شرطیته للصلح أو الشروط من المسائل الفرعیة فتدبّر» و فی المحاضرات، ط.ق. ج1، ص10، و ط.ج. ص7: «ان ما أفاده (قدس سره) بالإضافة إلی المسائل الفقهیة غیر تام علی إطلاقه، إذ ربّ مسألة فقهیة حالها حال المسألة الأصولیة من هذه الجهة کاستحباب العمل البالغ علیه الثواب، بناء علی دلالة أخبار " من بلغ " علیه و عدم کونها إرشاداً و لا دالة علی حجیة الخبر الضعیف فإنّه ممّا لایمکن أن یلقی إلی العامی لعدم قدرته علی تشخیص موارده من الروایات و تطبیق أخبار الباب علیها و کقاعدة نفوذ الصلح و الشرط باعتبار کونهما موافقین للکتاب أو السنة أو غیر مخالفین لهما فإنّ تشخیص کون الصلح أو الشرط فی مواردهما موافقاً لأحدهما أو غیر مخالف ممّا لایکاد یتیسر للعامی و کقاعدتی «ما یضمن و ما لایضمن» فإنّ تشخیص مواردهما و تطبیقهما علیها لایمکن لغیر المجتهد إلی غیرها من القواعد التی لایقدر العامی علی تشخیص مواردها و صغریاتها لیطبق القاعدة علیها. بل ربّ مسألة فقهیة فی الشبهات الموضوعیة تکون کذلک کبعض فروع العلم الإجمالی فإنّ العامی لایتمکن من تشخیص وظیفته فیه» الخ.
التعریف الثالث: مختار صاحب الکفایة (قدس سره)
اشارة

التعریف الثالث: مختار صاحب الکفایة (قدس سره) ((1))

هو صناعة یعرف بها القواعد التی یمکن أن تقع فی طریق استنباط الأحکام أو التی ینتهی إلیها فی مقام العمل.

إیرادان علی التعریف الثالث:
الإیراد الأول:
اشارة

إنّ الحجّیة عند صاحب الکفایة (قدس سره) المنجّزیة و المعذّریة، و المنجّزیة إما ذاتیة مثل منجزیة القطع و إما جعلیة مثل منجزیة الحجج الشرعیة، فعلی هذا یلزم خروج جمیع الحجج الشرعیة عن علم الأصول فإنّ للقطع حیثیتین:

1. انکشاف الواقع

2. صحة المؤاخذة و العقاب

و لکن الحجج الشرعیة لاتوجب انکشاف الواقع علی مبنی تفسیر الحجیة بالمنجزیة و المعذریة فحینئذ لایوجب خبر الواحد استنباط الحکم الشرعی بل یوجب صحة المؤاخذة و العقاب.

أُجیب عنه:

إنّ إثبات الحجیّة بمعنی المنجزّیة، هی المرتبة الأخیرة من مراتب الحکم الشرعی و هی مرحلة التنجز و الوصول و لذا یتحقّق به استنباط الحکم الشرعی، فإنّ صدق الاستنباط لایدور مدار مبنی الطریقیة، بل القائل بالمنجزیة أیضاً یستنبط الحکم علی حدّ ما یلزمه من ترتّب العقاب أو العذر عنه فالحکم

ص: 49


1- کفایة الأصول، ص9.

المستنبط عنده ما یترتّب العقاب علی مخالفته أو ما یکون معذوراً بالنسبة إلیه.

یلاحظ علیه:

إنّ استنباط الحکم بمعنی إثباته لکن التنجیز و التعذیر یوجبان تنجّز الحکم لا إثبات الحکم فإنّ تنجیز الحکم فی ما إذا کان الحکم موجوداً فی الواقع و العذر عنه فی ما إذا لم یکن موجوداً، لیس إثباتاً للحکم و استنباطاً له، فإنّ الحکم الشرعی علی هذا المبنی مشکوک الوجود واقعاً و تعبداً، إلا أنّه مع فرض وجوده یکون منجزاً و مع فرض عدمه یکون معذّراً.

الإیراد الثانی:

((1))

الوقوع فی طریق الاستنباط غرض و انتهاء المجتهد فی مقام العمل بعد الفحص و الیأس غرض آخر و حیث إنّ ملاک تمایز العلوم هو الغرض یلزم من هذا التعریف أن یکون علم الأصول علمین.((2))

التعریف الرابع: مختار المحقّق النائینی (قدس سره)
اشارة

هو العلم بالکبریات التی لو انضمّت إلیها صغریاتها یستنتج منها حکم فرعی کلی. ((3))

ص: 50


1- فی نهایة الدرایة، ج1، ص19: «و أمّا الالتزام بالتعمیم علی ما فی المتن ففیه محذوران أحدهما: لزوم فرض غرض جامع بین الغرضین لئلّا یکون فن الأصول فنین».
2- فی منتقی الأصول، ج1، ص27: «هو یرتفع بتصور غرض خارجی جامع بین الغرضین و یترتب علی جمیع مسائل علم الأصول و ذلک الغرض هو ارتفاع التردد و التحیّر الحاصل للمکلّف من احتمال الحکم».
3- فوائد الأصول، ج1 و 2، ص19؛ و فی أجود التقریرات، ص3:«العلم بالقواعد التی إذا انضمت إلیها صغریاتها أنتجت نتیجة فقهیة و هو الحکم الکلی الشرعی الثابت لموضوعه المقدر وجوده علی ما هو الشأن فی القضایا الحقیقیة». و فی منتهی الأصول، ص5 و 6: «ممّا ذکرناه ظهر أنّ المرجع الوحید فی تمییز المسألة الأصولیة عن غیرها هو ترتب الغایة بأحد النحوین علیها و حیث إنّ الغایة و الغرض من تدوین علم الأصول هو تحصیل المبادئ التصدیقیة للمسائل الفقهیة فکل مسألة کانت مبدأ تصدیقیاً لمسألة فقهیة فهی من المسائل الأصولیة و إلّا فلا و إلی هذا یرجع ما أفاده شیخنا الأستاذ (قدس سره) فی ضابطة المسألة الأصولیة من أنّها ما تقع کبری فی قیاس یستنتج من ذلک القیاس الحکم الشرعی الفرعی لأنّ المبدأ التصدیقی- لکل نتیجة من کل قیاس- هو کبری ذلک القیاس فالمسائل الأصولیة عبارة عن المبادئ التصدیقیة للمسائل الفقهیة و یمکن أن یکون هذا تعریفاً آخر بعبارة أخری لعلم الأصول».
إیرادان علی التعریف الرابع:
الإیراد الأوّل:

((1))

إنّه یلزم خروج مباحث الظهورات عن علم الأصول، لأنها صغریات، فخرج مباحث «المفاهیم» و «العام و الخاص» و «الإطلاق و التقیید» و «ظهور الأمر و النهی فی الفور أو التراخی» و ...((2))

ص: 51


1- فی دروس فی علم الأصول، ج2، ص10: «یرد علیه أنّ جملة من القواعد الأصولیة لاتقع کبری أیضاً کظهور صیغة الأمر فی الوجوب و ظهور بعض الأدوات فی العموم أو فی المفهوم فإنّها محتاجة إلی کبری حجیة الظهور فما الفرق بینها و بین المسائل اللغویة؟ و کذلک أیضاً مسألة اجتماع الأمر و النهی فانّ الامتناع فیها یحقق صغری لکبری التعارض بین خطابی صلّ و لاتغصب و الجواز فیها یحقق صغری لکبری حجیة الإطلاق».
2- فی الرافد، ص123: «أجاب الأعلام عن هذه الملاحظة بوجهین: الأوّل: ما فی فوائد الأصول، من کون هذه المباحث المتعلقة بصغری أصالة الظهور مباحث لغویة خارجة عن موضوع الأصول موضوعاً و إنّما بحث عنها علماء الأصول لمدخلیتها فی مقام الاستنباط من جهة عدم تنقیح علماء اللغة و الأدب لها من جهة أخری و إلّا فلا فرق بین البحث عن ظهور صیغة الأمر فی الوجوب و بین البحث عن ظهور لفظ الصعید فی مطلق وجه الأرض أو خصوص التراب إلّا أنّ المثال الثانی منقح فی کتب اللغة دون الأوّل».
الإیراد الثانی:

إنّ مبانی الحجیة مختلفة و یختلف بذلک قیاس الاستنباط و علی مبنی الطریقیّة لایترتّب علی القیاس المتشکّل من تلک الکبریات استنباط الحکم الشرعی.

توضیحه: إنّه قال: قیاس الاستنباط هکذا «الشیء الفلانی مما قام علی وجوبه خبر الثقة و کل ما قام علی وجوبه خبر الثقة یجب» فیستنتج من تألیف القیاس وجوب الشیء الفلانی و هذا لایلائم مبنی الطریقیة بل یلائم مبنی إنشاء الحکم المماثل.

فإنّ الکبری فی مبنی جعل الحکم المماثل «کل ما قام الخبر علی وجوبه فهو واجب». و الکبری فی مبنی المنجزیة و المعذریة «کل ما قام الخبر علی وجوبه فوجوبه منجّز». و الکبری فی مبنی الطریقیة «کل ما قام الخبر علی وجوبه فهو معلوم الوجوب تعبداً».

و من هنا یقع الإشکال علی مبنی التنجیز و التعذیر فی وجه الفتوی بالوجوب أو الحرمة أو الاستحباب أو الکراهة.

یلاحظ علی الإیراد الثانی:

إنّ لازم مبنی الطریقیة انتساب الحکم الذی هو معلوم تعبّداً إلی الشارع، فیصدق إثبات الحکم تعبداً، فیصحّ أن یقال: هذا حکم شرعی، و یصدق حینئذ استنباط الحکم الشرعی.

التعریف الخامس: ما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) و هو المختار
اشارة

له صیاغتان فی تعریف علم الأصول:

أما صیاغته الأولی للتعریف: «القواعد الممهّدة لتحصیل الحجة علی الحکم

ص: 52

الشرعی».((1))

أما صیاغته الثانیة للتعریف: «القواعد التی تقع فی طریق إقامة الحجة علی حکم العمل».((2))

قال المحقق الخوئی (قدس سره):((3)) لا حاجة لنا إلی تأویل لفظ الاستنباط بمعنی تحصیل الحجّة (التی معناه المنجّزیّة و المعذّریّة) لیدخل فیه البراءة العقلیة و وجوب دفع الضرر المحتمل و التخییر العقلی.

إیرادات ثلاثة من المحقق الخوئی (قدس سره):

أولاً: إنّه لا ملزم له لأنّ تعمیم الحکم للواقعی و الظاهری یوجب دخول البراءة العقلیة و التخییر العقلی فلا إشکال علی تعریف المشهور.

ثانیاً: إنّ ذلک خلاف ظاهر لفظ الاستنباط و کلامنا فی توجیه تعریف المشهور

ثالثاً: إنّ ذلک یتمّ فی ما کان الحکم إلزامیاً أما فی الإباحة فلا معنی لتحصیل المعذر و المنجز.

مناقشات فی إیرادات المحقّق الخوئی (قدس سره):

أمّا إیراده الأوّل فلایتمّ حیث قلنا: إنّه علی مسلک التنجیز لایستنبط الحکم الشرعی لا ظاهراً و لا واقعاً.

و إیراده الثانی أیضاً غیر تام حیث لا جمود علی تعریف القوم فإنّ تعریف

ص: 53


1- نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ج1، ص42.
2- فی نهایة الدرایة، ج2، ص25: «لو قلنا بأنّ الغرض منه [أی علم الأصول] ... هو البحث عمّا یفید فی مقام إقامة الحجة علی حکم العمل شرعاً فی علم الفقه، کما بیّناه فی أوائل الجزء الأوّل من التعلیقة لإدراج البحث عن حجیّة الأمارات دلالةً و سنداً فی علم الأصول».
3- دراسات فی علم الأصول، ج1، ص26.

المحقق الإصفهانی (قدس سره) أحسن من تعبیرهم باستنباط الحکم الشرعی.

و إیراده الثالث أیضاً مخدوش فإنّ بعض الأصولیین اختاروا فی الحجیة مبنی آخر غیر مبنی التنجیز و التعذیر، مع أنّه لابدّ من إقامة الحجّة علی حکم الإباحة علی مبنی المنجّزیة و المعذّریة أیضاً، فإن کان العمل فی الواقع حراماً، فالدلیل الذی أقاموه علی حکم الإباحة یکون حجة، بمعنی أنّه معذّر عن الحکم الواقعی (و هو الحرمة).

تحقیق المقام:

إنّ ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی التعریف الأول أحسن من التعریف الثانی حیث یشتمل علی قوله «الممهّدة» و بهذا القید یخرج القواعد التی تقع فی قیاس الاستنباط و لکن لیست ممهّدة لذلک مثل الصرف و النحو و الرجال فإنّ قواعد علم الرجال لیست ممهّدة لاستنباط الحکم بل تفید فی الروایات المرتبطة بأصول الدین أیضاً و التعریف الثانی أحسن من الأول حیث قال: فی طریق إقامة الحجة علی حکم العمل و لم یقل: الحکم الشرعی و بهذا القید یدخل فی التعریف الأصول العملیة العقلیة التی تعیّن وظیفة المکلف.

فمقتضی التحقیق فی تعریف علم الأصول هو أن یقال: «القواعد الممهّدة لتحصیل الحجّة علی حکم العمل.»

التعریف السادس: مختار المحقق العراقی (قدس سره)
اشارة

التعریف السادس: مختار المحقق العراقی (قدس سره) (1)

علم الأصول هی القواعد الخاصّة التی تعمل فی استخراج الأحکام الکلّیة

ص: 54


1- . نهایة الأفکار، ص20؛ و فی مقالات الأصول، ص54: «إنّ المدار فی المسألة الأصولیة علی وقوعها فی طریق استنباط الحکم الشرعی بنحو یکون ناظراً إلی إثبات الحکم بنفسه أو بکیفیة تعلقه بموضوعه». و فی جواهر الأصول، ص65: «قال المحقق العراقی (قدس سره) علی ما فی بدائع الأفکار» الخ.

الإلهیّة أو الوظائف العملیّة الفعلیّة عقلیّة کانت أم شرعیّة.

إیراد علی التعریف السادس:

إنّ ما ورد علی صاحب الکفایة (قدس سره) یجیء هنا، حیث إنّه یلزم أن یکون علم الأصول علمین، لوجود غرضین و هما استنباط الأحکام و تعیین الوظیفة العملیّة.

التعریف السابع: مختار المحقّق الخوئی (قدس سره)
اشارة

التعریف السابع: مختار المحقّق الخوئی (قدس سره) ((1)) فی المحاضرات((2))

فی هذا التعریف نکتتان:
اشارة

علم الأصول هو العلم بالقواعد التی تقع بنفسها فی طریق استنباط الأحکام الشرعیة الکلیة الإلهیّة من دون حاجة إلی ضمیمة کبری أو صغری أصولیّة أخری إلیها.

النکتة الأولی:
اشارة

قوله «استنباط الأحکام الشرعیة» لإخراج القواعد الفقهیّة حیث إنّها من باب التطبیق لا الاستنباط.

إشکال علیها ذکره المحقق الخوئی (قدس سره):

إنّه یلزم خروج الأصول العملیة الشرعیة لأنّها أیضاً من باب تطبیق

ص: 55


1- و إن کان فی الدراسات مائلاً إلی تعریف المشهور.
2- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص8، و ط.ج. ص4.

مضامینها علی مصادیقها و یلزم أیضاً خروج الأصول العملیة العقلیة و الظن الانسدادی علی الحکومة لأنّهما لاتنتهیان إلی استنباط حکم شرعی.

جوابان عن هذا الإشکال من المحقق الخوئی (قدس سره):
الجواب الأول:
اشارة

إنّ الإشکال یصح فی ما إذا أردنا من «الاستنباط» الإثبات الحقیقی بعلم أو علمی و لکن الاستنباط عندنا الإثبات الجامع بین أن یکون وجدانیاً أو شرعیاً أو تنجیزیاً أو تعذیریاً، و الأصول العملیة الشرعیة و العقلیة و الظن الانسدادی کلها تقع فی طریق الاستنباط لأنّها تثبت التنجیز و التعذیر.

یلاحظ علیه:

((1))

إنّ هذا الجواب غیر مجدٍ حیث قلنا: إنّ التنجیز و التعذیر یوجب تنجّز الحکم لا إثبات الحکم فإنّ تنجیز الحکم فی ما إذا کان الحکم موجوداً فی الواقع و العذر عنه فی ما إذا لم یکن موجوداً، لم یصدق علیه استنباط الحکم، فإنّ الحکم الشرعی علی هذا المبنی مشکوک الوجود واقعاً و تعبداً، غایة الأمر مع فرض وجوده یکون منجزاً و مع فرض عدمه یکون معذّراً.

ص: 56


1- فی تسدید الأصول، ص19 و 18: « أما ما أجاب به العلّامة الخوئی و قرّره الشهید الصدر (قدس سرهما) من أنّ هذه الأصول أیضا ممّا یقع فی طریق استنباط الحکم الشرعی بدعوی أنّ الاستنباط أعمّ من أن یکون کشفاً له و أن یکون تنجیزاً بلا کشف أو تعذیراً ففیه أن الاستنباط - کما نصّ علیه فی اللغة و یقتضیه مادة النبط- هو استخراج ما کان مخفیاً علیه خبأ و واضح أنّه لم یستخرج الحکم فی موارد الأصول العملیة، بل إنّما جعلت وظیفة عملیة لمن شک فیه و لم یوفق لاستنباطه».
الجواب الثانی:
اشارة

لو تنزّلنا و فرضنا أنّ الأصول العملیّة الشرعیّة من باب التطبیق فلانسلّم أنّها خارجة عن علم الأصول، لوجود خصوصیة فیها لیست تلک الخصوصیة موجودة فی القواعد الفقهیّة، لأنّها أحکام کلیّة لمتعلّقاتها استنبطت من أدلّتها ثمّ تنطبق علی مواردها.

یلاحظ علیه:

إنّه مخدوش أیضاً، لأنّه عدول من تعریفه إلی تعریف صاحب الکفایة (قدس سره) و یرد علیه الإیرادان المذکوران هناک.

النکتة الثانیة:

قوله «من دون حاجة إلی ضمیمة کبری أو صغری أصولیة إلیها» هو لإخراج المباحث اللغویة مثل بحث المشتق و الصحیح و الأعم و وضع أداة العموم و مباحث الرجال و ... عن الأصول حیث إنّها تحتاج إلی ضمّ کبری أصولیة إلیها حتی یقع فی قیاس الاستنباط.((1))

ص: 57


1- فی دروس فی علم الأصول، ج2، ص11: «نلاحظ علی ذلک: أوّلاً: إنّ عدم احتیاج القاعدة الأصولیة إلی أخری، إن أرید به عدم الاحتیاج فی کل الحالات، فلایتحقق هذا فی القواعد الأصولیة، لأنّ ظهور صیغة الأمر فی الوجوب مثلاً، بحاجة فی کثیر من الأحیان إلی دلیل حجیة السند حینما تجیء الصیغة فی دلیل ظنی السند و إن أرید به عدم الاحتیاج و لو فی حالة واحدة فهذا قد یتفق فی غیرها، کما فی ظهور کلمة الصعید إذا کانت سائر جهات الدلیل قطعیة. و ثانیاً: إنّ ظهور صیغة الأمر فی الوجوب و أی ظهور آخر بحاجة إلی ضم قاعدة حجیة الظهور و هی أصولیة، لأنّ مجرد عدم الخلاف فیها لایخرجها عن کونها أصولیة لأنّ المسألة لاتکتسب أصولیتها من الخلاف فیها و إنّما الخلاف ینصب علی المسألة الأصولیة».

المقدمة الثانیة: ملاک امتیاز العلوم

اشارة

و المهمّ من الأقوال هنا أربعّة:

القول الأول:

اشارة

إنّ امتیاز العلوم عند القدماء (1) بالموضوع، فکلّ علم یمتاز عن العلم الآخر باختلاف موضوعه عنه.

مناقشتان فی القول الأوّل:

(2)

أوّلاً: إنّه لایمکن تحقّق الموضوع الجامع فی بعض العلوم کما سیأتی بیانه.

ص: 58


1- . فوائد الأصول، ص24: «إنّ المشهور ذهبوا إلی أنّ تمایز العلوم بتمایز الموضوعات ... و بعد ذلک لا موجب لدعوی أنّ تمایز العلوم بتمایز الأغراض مع أنّ هناک مایز ذاتی فی الرتبة السابقة علی الغرض». و هو مختار المحقق البروجردی (قدس سره) أیضاً ففی نهایة الأصول، ص5: «الحق الحقیق بالتصدیق هو ما اختاره القدماء من أنّ تمایز العلوم بتمایز الموضوعات و تنقیح ذلک بتمهید مقدمات ... إذا عرفت هذه المقدمات تبین لک أنّ الحق مع القدماء حیث قالوا: إنّ تمایز العلوم بتمایز الموضوعات إذ المراد بموضوع العلم هو ما یبحث فیه عن عوارضه الذاتیة و لیس هو إلّا عبارة عن جامع محمولات المسائل الذی عرفت فی المقدمة الثانیة ان تمایز العلوم بتمایزه و وجه کونه موضوعاً أنّ جامع محمولات المسائل فی کل علم هو الذی ینسبق أولاً إلی الذهن و یکون معلوماً عنده فیوضع فی وعاء الذهن و یطلب فی العلم تعیناته و تشخصاته التی تعرض له» و راجع أیضاً حاشیة علی کفایة الأصول، ص7 و 349 و هو مختار مؤلف تحریرات فی الأصول أیضاً فراجع ج1، ص44. نقل ذلک عن شروح الشمسیة، ج1، ص48 و شرح المطالع، ص18، س5؛ (الرسالة الشمسیة فی المنطق لنجم الدین علی بن عمر الکاتبی القزوینی المتوفی 675 و هو تلمیذ خواجه نصیر الدین الطوسی، (قدس سره) و مطالع الأنوار لسراج الدین محمود الأرموی المتوفی 689)؛ قال فی الرافد، ص109: «ذهب إلیه قدماء الفلاسفة».
2- . فی الرافد، ص112: «یلاحظ علیها أمران: 1) إنّ القائلین بهذه النظریة فسّروا العارض الذاتی فی تعریف موضوع العلم بذاتی باب البرهان و بما أنّه من الأمور الواقعیة البرهانیة فلامحالة یختص التعریف بالعلوم البرهانیة و هی الحکمة بأقسامها و من المعلوم الواضح أنّ المعارف الحکمیة متّحدة باتّحاد موضوعها لذلک صرّح هؤلاء بأنّ وحدة العلم بوحدة موضوعه نظراً لواقع العلوم البرهانیة، بینما علی المختار من تفسیر العارض الذاتی بما یعرض بلا واسطة جلیة لایختص التعریف بالعلوم البرهانیة المتحدة باتحاد موضوعها بل یشمل سائر العلوم المتحدة بالاعتبار الخاضع للمصالح العامة فلا موجب حینئذٍ لجعل معیار الوحدة هو الموضوع فقط. 2) قلنا فی ما سبق إنّ من الجهات الدخیلة فی توحید العلم عدم استغراق دراسته لما یزید علی ثلث عمر الإنسان الاعتیادی و حینئذٍ فالوحدة بوحدة الموضوع غیر کافیة لاعتبار وحدة العلم ما لم یضم لها سائر الجهات الدخیلة فی ذلک».

و ثانیاً: إن کان ملاک تمایز العلوم هو الموضوع الجامع یلزم أن یکون کلّ باب من العلم علماً برأسه. ((1))

القول الثانی:

اشارة

إنّ ملاک تمایز العلوم هو الاختلاف فی المحمول.

إیراد علی القول الثانی:

إنّ وجود المحمول الجامع أیضاً فی بعض العلوم ممّا لایمکن تحقّقه، کما صرّح بذلک بعض الأعلام فقال:

إنّ جمیع محمولات علم الفقه و بعض محمولات علم الأصول من الأمور

ص: 59


1- فی کفایة الأصول، ص8: «و قد انقدح بما ذکرنا أنّ تمایز العلوم إنّما هو باختلاف الأغراض الداعیة إلی التدوین، لا الموضوعات و لا المحمولات و إلّا کان کل باب بل کل مسألة من کل علم، علماً علی حدة، کما هو واضح لمن کان له أدنی تأمل فلایکون الاختلاف بحسب الموضوع أو المحمول موجبا للتعدد، کما لایکون وحدتهما سبباً لأن یکون من الواحد». و فی الأصول علی النهج الحدیث، ص19: «من البین أنّ الموضوع الجامع لایمکن أن یکون ما به امتیاز فن عن فن و إلّا لکان بابان من فن واحد فنین».

الاعتباریة و کما لایعقل وجود جامع مقولی بین الأمر الاعتباری و الأمر التکوینی، لایعقل وجوده بین أمرین اعتباریین أو أمور اعتباریة((1)) و هذا دلیل علی عدم إمکان الجامع المقولی فی ناحیة المحمول.

القول الثالث:

إنّ بعض الأعلام مثل صاحب الکفایة((2))و المحقق العراقی((3)) و المحقق الإصفهانی (قدس سرهم) ((4)) قالوا:إنّ ملاک امتیاز العلوم هو الغرض و هذا هو الصحیح

ص: 60


1- المحاضرات، ط.ق: ج1، ص19 و ط.ج: ص17، الإیراد الثالث علی الاستدلال علی لزوم الموضوع لکل علم.
2- فی کفایة الأصول، ص7 و 8: «و المسائل عبارة عن جملة من قضایا متشتتة، جمعها اشتراکها فی الدخل فی الغرض الذی لأجله دون هذا العلم ... و قد انقدح بما ذکرنا أنّ تمایز العلوم إنّما هو باختلاف الأغراض الداعیة إلی التدوین».
3- نهایة الأفکار، ج1-2، ص11 قال: «کان الحری الحقیق أن یقال فی وجه تمایز العلوم بأنّ میزها إنّما هو من جهة الأغراض الداعیة علی تدوینها، لا أنّه من جهة تمایز موضوعاتها و إن وحدة العلم و تعدده إنّما هو بلحاظ وحدة الغرض وتعدده». و فی حاشیة الکفایة للعلّامة (قدس سره)، ص11: «التمایز فی العلوم الاعتباریة بالأغراض دون الموضوعات».
4- فی الأصول علی النهج الحدیث، ص19: «من البیّن أنّ الموضوع الجامع لایمکن أن یکون ما به امتیاز فن عن فن و إلّا لکان بابان من فن واحد فنین و کذلک المحمول الجامع فتنحصر جهة الامتیاز من حیث الفنیة و العلمیة فی الغرض الجامع» و فی نهایة الدرایة، ج1، ص12: «قولهم:"تمایز العلوم بتمایز الموضوعات" إنّما هو فی مقام امتیاز مرکب اعتباری عن مرکب اعتباری آخر فی مقام التعریف، کما أنّ تعدد الغرض و وحدته إنّما هو فی مقام أفراد مرکب اعتباری عن غیره و جعله فناً و علماً برأسه، دون مرکب اعتباری آخر کباب واحد من علم واحد و من الواضح أنّ فن الأصول بنفسه یمتاز عن سائر الفنون لامتیاز کل مرکب عن مرکب آخر بنفسه و بموضوعهما الجامع فی مقام التعریف للجاهل لکن کون المجموع فناً واحداً دون فنون متعددة لوحدة الغرض».

من الأقوال.((1))

القول الرابع:

اشارة

قال بعضهم: إنّ الغالب هو الامتیاز بالغرض و لکن قد یکون ملاک الامتیاز الموضوع الجامع و هو فی ما إذا کان العلم للتحقیق حول الموضوع المعیّن.

یلاحظ علیه:

إنّ هذا أیضاً یرجع إلی أنّ ملاک الامتیاز هو الغرض، لأنّ الغرض هنا هو التحقیق حول هذا الموضوع.

و هنا أقوال أخری لانطیل الکلام بذکرها ((2))

ص: 61


1- نذکر مناقشات ثلاث فی هذا القول: الأوّل: فی نهایة الأصول، ص9: «الجهة التی بها یمتاز مسائل کل علم من مسائل سائر العلوم، هی جهة ذاتیة موجودة فی نفس المسائل و ما لم یتمایز العلوم بذواتها لم یتمایز الأغراض المطلوبة منها، فإنّها أمور متفرعة علیها و الاختلاف فیها یکشف عن نوع اختلاف فی نفس الذوات» الثانی و الثالث: فی الرافد، ص113: «یلاحظ علیها ... أنّ وحدة الغرض و الغایة کلی مشکک یصدق علی الاتحاد الجنسی أو النوعی أو الصنفی، نظیر ما یقال بأن الغرض من علم الطب هو الصحة مع تفاوت الأفراد فی ذلک، مضافاً لعدم کفایة وحدة الغرض فی وحدة العلم ما لم یراع فترة استیعاب العلم و دراسته و نحوها».
2- هنا أقوال أخر أیضاً: 1) ما فی الفصول، ص11 حیث قال: «التحقیق فی المقام أن یقال تمایز العلوم إمّا بتمایز الموضوعات کتمایز علم النحو عن علم المنطق وتمایزهما عن علم الفقه أو بتمایز حیثیات البحث کتمایز علم النحو عن علم الصرف و تمایزهما عن علم المعانی فإن هذه العلوم وإن اشترکت فی کونها باحثة عن أحوال اللفظ العربی إلّا أن البحث فی الأوّل من حیث الإعراب و البناء و فی الثانی من حیث الأبنیة و فی الثالث من حیث الفصاحة و البلاغة» و هذا القول قریب من قول المشهور. 2) ما فی نهایة النهایة، ج1، ص4: «الحق عندی أنّ امتیاز العلوم بامتیاز الموضوع أو المحمول أو کلیهما لأنّ العلم عبارة عن طائفة من القضایا ومعلوم أن امتیاز قضیتین إمّا بالموضوع أو بالمحمول أو بکلیهما و مع اتحاد الطرفین کانت القضیة واحدة لا تعدد فیها». 3) التمایز إمّا بالموضوع أو بالمحمول أو بالغرض ففی وسیلة الوصول، ص20 و 21: «یمکن أن یکون التمایز بالموضوع ... و قد یکون التمایز بالمحمول ... و قد یکون التمایز بالغرض» و فی ص22: «ظهر أنّه لاینحصر تمایزها [أی العلوم المدوّنة] بتمایز الموضوعات و لا المحمولات و لا الأغراض، بل یمکن أن یکون التمایز بأحد هذه الأمور الثلاثة». و راجع أیضاً حقائق الأصول، ص10، التعلیقة علی قوله: «باختلاف الأغراض» و مباحث الأصول، ج1، ص23 و 19. 4) التمایز إمّا بالموضوعات أو الأغراض ففی منتهی الأصول، ج1، ص6: «التحقیق أن العلوم علی قسمین: قسم دوّن لأجل معرفة حالات حقیقة من الحقائق و ما هو مفاد هلیتها المرکبة و لیس الغرض من التدوین إلّا معرفة محمولاتها العرضیة التی تحمل علیه بالحمل الشائع حملاً حقیقیاً ... و تمایز هذا القسم من العلوم بعضها عن بعض لایمکن أن یکون إلّا بالموضوعات و لایبقی مجال للنزاع فی أنّه هل هو بها أو بالأغراض و قسم آخر عبارة عن مجموع قضایا مختلفة الموضوعات و المحمولات جمعت و دوّنت لأجل غرض خاص و ترتب غایة مخصوصة علیها، بحیث لولا ذلک الغرض و تلک الغایة لم تدون تلک المسائل و لم تجمع و لا فائدة فی معرفتها و تسمیّتها باسم مخصوص ففی هذا القسم لیس الجامع لهذه المسائل المختلفة إلّا تلک الغایة و ترتب ذلک الغرض علیها». 5) فی الرافد فی علم الأصول، ص109: «تطرح هنا خمس نظریات ... النظریة الثالثة: ما طرحه بعض الأعاظم (قدس سره) تبعاً لبعض الفلاسفة، من کون ملاک الوحدة و الکثرة التسانخ الذاتی بین المسائل». و توضیحها کما فی جواهر الأصول، ج1، ص51: «الذی یجب الالتزام به و یکون معتبراً فی جمیع العلوم إنّما هو وجود التسانخ و التناسب بین مسائل کل علم فی جهة من الجهات، مثل کون مسائل علم الفقه راجعة إلی عمل المکلف و مسائل علم الفلسفة راجعة إلی حقائق الأشیاء و واضح أنّ هذه الوحدة لیست وحدة حقیقیة» الخ. 6) فی الرافد، ص110: «النظریة الرابعة: ما طرحه الأستاذ السید الخوئی (قدس سره) فی تعلیقة أجود التقریرات، من کون المیزان فی وحدة العلم و کثرته مختلف حسب اختلاف غرض التدوین للعلم» ثمّ یذکر الموضوع و المحمول و الغرض و توضیحها - کما فی المحاضرات، ط.ق. ج1، ص25، و ط.ج. ص25 -: «التحقیق فی المقام أن یقال:... إنّ التمایز فی العلوم: تارة یراد به التمایز فی مقام التعلیم و التعلم... و أخری یراد به التمایز فی مقام التدوین ... أمّا التمایز فی المقام الأوّل: فیمکن أن یکون بکلّ واحد من الموضوع و المحمول و الغرض بل یمکن أن یکون ببیان فهرس المسائل و الأبواب إجمالاً ... و أمّا التمایز فی المقام الثانی فبالغرض إذا کان للعلم غرض خارجی یترتب علیه کما هو الحال فی کثیر من العلوم المتداولة بین الناس کعلم الفقه و الأصول و النحو و الصرف ... و أمّا إذا لم یکن للعلم غرض خارجی یترتب علیه سوی العرفان و الإحاطة به کعلم الفلسفة الأولی فامتیازه عن غیره إمّا بالذات أو بالموضوع أو بالمحمول ... ثمّ إنّ من القریب جداً أن یکون نظر المشهور فی ما ذهبوا إلیه من أنّ تمایز العلوم بالموضوعات إلی تقدم رتبة الموضوع علی رتبتی المحمول و الغرض و لعلّهم لأجله قالوا: إنّ التمایز بها و لیس مرادهم الانحصار و إلّا فقد عرفت عدمه». 7) التمایز بالموضوع و المحمول و الغرض جمیعاً ففی عنایة الأصول، ج1، ص8: «بعد ما میّزنا و حدّدنا المسائل سعةً و ضیقاً بوسیلة الغرض و أخذنا الجامع بین موضوعاتها و کان هو موضوع العلم و أخذنا الجامع بین محمولاتها و کان هو محمول العلم کان الممیّز حینئذ للعلم أمور ثلاثة: الغرض و الموضوع و المحمول». 8) فی الرافد: «النظریة الخامسة: و هی الصحیحة عندنا و بیانها فی جانبین: 1- الصحیح عندنا أن وحدة العلم و کثرته بالاعتبار و الوضع لا أنّ الوحدة و الکثرة أمران واقعیان ... و من هنا نری أنّ العلم الواحد قد یتحوّل لعلوم متعددة ... أو تجتمع العلوم المتعددة فی علم واحد کعلم المعرفة و علم الوجود فی الحکمة المتعالیة ... 2- الوحدة الاعتباریة و إن کانت خاضعة لاعتبار المعتبر و لکنّها لاتکون موضعاً لترتیب الآثار العقلائیة إلّا مع وجود المصحح المنسجم مع المصالح العقلائیة و المنبعث عن تمام الجهات الدخیلة فی تشکیل هذه الوحدة ... فالمصنف و المدون لعلم معیّن لابدّ له فی تشکیل الوحدة من ملاحظة تمام الجهات الدخیلة فی ذلک کوحدة الهدف ... أو ملاحظة الفترة الزمنیة لاستیعاب العلم أیضاً فإنّ هذه جهة مهمة» الخ.

ص: 62

ص: 63

المقدمة الثالثة: لزوم الموضوع لکل علم

اشارة

إنّ المشهور بین الأعلام هو لزوم الموضوع لکل علم و لکن خالفهم بعض الأجلّة مثل المحقق الإصفهانی((1)) و المحقق الخوئی (قدس سرهما) .

استدلال بعض الأصولیین علی لزوم الموضوع لکل علم:

اشارة

قال بعض الأصولیین بلزوم الموضوع لکل علم و استندوا فی ذلک إلی قاعدة «الواحد لا یصدر إلا عن الواحد».((2))

یلاحظ علیه:

((3))

أولاً: إنّ هذه القاعدة مختصة بالوحدة الحقة الحقیقة فلاتجری فی الوحدة

ص: 64


1- فی الأصول علی النهج الحدیث، ص18 و 19: «أمّا موضوع العلم فصریح أعلام الفن لزومه للعلم ... و من جمیع ما ذکرنا تبین عدم لزوم الجامع لموضوعات المسائل فضلاً عن کونه بحیث تکون محمولات المسائل أعراضاً ذاتیة له إذ لا مقتضی له بل له مانع» الخ.
2- فی المحاضرات، ط.ق: ج1، ص15 و ط.ج: ص13: «الجهة الأولی فی مدرک ما التزم به المشهور من لزوم الموضوع فی کل علم... غایة ما قیل أو یمکن أن یقال فی وجهه هو أن الغرض من أی علم من العلوم أمر واحد» الخ. و فی الرافد فی علم الأصول، ص 101: «المقدمة الرابعة: بحث الأصولیّون بحثاً مفصلاً حول الدلیل علی وجود موضوع لکل علم وعدمه و طرحت ثلاثة أدلّة علی اعتبار الموضوع: الأوّل: إنّ لکل علم غرضاً واحداً یتحقق بمعرفة مسائله و المسائل بما هی کثیرة لا تؤثر فی الواحد بما هو واحد لأنّ الواحد لایصدر إلّا من واحد فلا محالة تکون وحدة الغرض کاشفة عن وحدة المؤثر فیه و هو موضوع العلم الجامع بین مسائله و یبتنی علی ذلک اعتبار وجود الموضوع فی کل علم و هذا الاستدلال طرح فی المحاضرات و بعض حواشی الکفایة ونوقش مناقشات عدیدة لایهمّنا التعرض لها و إنّما تعلیقنا علی ذلک أنّنا لم نجد أحداً من الفلاسفة و الأصولیین استدلّ علی وجود الموضوع بکبری لایصدر الواحد من الکثیر حتی نتجشم مناقشته و الإشکال علیه کما عرفت».
3- لمناقشة هذا الاستدلال راجع مقالات الأصول، ج1، ص35 و المحاضرات ط.ق. ج1، ص16-20 و ط.ج. ص14-18 و تسدید الأصول، ج1، ص8 و 9.

الطبیعیة فضلاً عن الوحدة الاعتباریة فإنّ الاعتباریات لاتقبل التأثیر و التأثّر. ((1))

ثانیاً: إنّها لو جرت لدلّت علی حیثیة الوحدة فی جمیع العلوم التی هی دخیلة فی حصول غرض الاستنباط سواء کانت داخلة فی الأصول أم خارجة مثل علم الرجال و النحو و الصرف و غیر ذلک فلاتدلّ علی وجود الموضوع الواحد لعلم الأصول.

تحقیق المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی المقام:

اشارة

((2))

إنّ لزوم الموضوع لکل علم، إن کان بملاحظة أنّ کل علم مرکب اعتباری من قضایا متشتّتة و لابدّ فی کل مرکب من جهة وحدة إما حقیقة کما فی المرکب الحقیقی کالمرکب من مادة و صورة، و إما اعتباریة کما نحن فیه.

ففیه: أنّ جهة الوحدة کما تنحفظ بالموضوع الجامع کذلک بالمحمول الجامع و بالغرض الجامع فلا تعیّن للموضوع.

و إن کان بملاحظة أنّ إفراد کل مرکب اعتباری عن مرکب اعتباری آخر و تسمیة کل منهما علماً و فنّاً متوقف علی الموضوع الجامع و لذا اشتهر أنّ تمایز

ص: 65


1- فی الأصول علی النهج الحدیث، ص19: «أمّا موضوع العلم فصریح أعلام الفن لزومه للعلم ... و إن کان بملاحظة أنّ تأثیر القضایا المتشتتة فی غرض واحد یقتضی وحدة القضایا و لاتکون واحدة إلّا برجوع موضوعاتها إلی موضوع جامع و محمولاتها إلی محمول جامع ففیه أنّ الغرض الجامع واحد بالعنوان لا بالحقیقة لیجری فیه البرهان و هو استحالة تأثیر الأمور المتباینة أثراً واحداً» و فی مناهج الوصول إلی علم الأصول، ج1، ص42: «إن موضوع القاعدة هو البسیط الحقیقی صادراً و مصدراً لا مثل العلوم التی هی قضایا متکثرة، کل منها مشتملة علی فائدة تکون مع أخری واحدة بالنسخ» الخ و راجع أیضاً جواهر الأصول، ج1، ص33.
2- بحوث فی علم الأصول، ص19.

العلوم بتمایز الموضوعات و لو بالحیثیات، ففیه: أنّ الموضوع الجامع لایمکن أن یکون ما به امتیاز فنّ عن فنّ و إلا لکان بابان من فنّ واحد فنّین و کذلک المحمول الجامع فتنحصر جهة الامتیاز من حیث الفنّیة و العلمیة فی الغرض الجامع.

و إن کان بملاحظة أنّ تأثیر القضایا المتشتّتة فی غرض واحد یقتضی وحدة القضایا و لاتکون واحدة إلا برجوع موضوعاتها إلی موضوع جامع و محمولاتها إلی محمول جامع، ففیه: أنّ الغرض الجامع واحد بالعنوان لا بالحقیقة لیجری فیه البرهان و هو استحالة تأثیر الأمور المتباینة أثراً واحداً.

مناقشة المحقّق الخوئی (قدس سره) فی لزوم وجود الموضوع الواحد لکل علم:

((1))

إنّ وجود الجامع المقولی و الذاتی فی بعض العلوم محال عقلاً لأنّه فی علم الفقه مثلاً موضوع بعض مسائله من مقولة الجوهر، مثل الماء و الدم و المنی فی بحث الطهارة و موضوع بعضها من مقولة الوضع، مثل القیام و السجود و الرکوع و بعضها من مقولة الکیف المسموع، مثل القراءة و بعضها من الأمور العدمیة، مثل التروک فی کتاب الصوم و الحج.

و تحقّق الجامع الذاتی بین الجوهر و العرض و العدم محال.

التحقیق النهائی للمحقق الإصفهانی (قدس سره):

((2))

من البیّن أنّه لا جامع لموضوعات مسائله لکن الذی یهوّن الخطب أنّ

ص: 66


1- هذا هو الإیراد الرابع من المحقق الخوئی (قدس سره) علی الاستدلال بقاعدة الواحد راجع المحاضرات، ط.ق. ج1، ص20 و ط.ج. ص18 حیث قال: «و رابعاً أنّ موضوعات مسائل علم الفقه علی أنحاء مختلفة ... و إذا لم یعقل تحقق جامع مقولی بینها فکیف بین الوجود و العدم؟».
2- بحوث فی الأصول، ص21.

القائلین بلزوم الموضوع الجامع یکتفون بکل جامع ذاتیاً کان أم عرضیاً کما صرّح بذلک المحقق الطوسی (قدس سره) فی شرح الإشارات فقال:

«و الأشیاء الکثیرة قد تکون موضوعات لعلم واحد بشرط أن تکون متناسبة و وجه التناسب أن یتشارک ما هو ذاتی کالخط و السطح و الجسم إذا جعلت موضوعات للهندسة فإنّها تتشارک فی الجنس أعنی الکم المتصل القار الذات و إما فی عرضی کبدن الإنسان و أجزائه و أحواله و الأغذیة و الأدویة و ما یشاکلها إذا جعلت جمیعاً موضوعات علم الطب فإنّها تتشارک فی کونها منسوبة إلی الصحة التی هی الغایة فی ذلک العلم».((1))

و بنظیره یمکن أن یقال: إنّ جمیع موضوعات المسائل مشترکة فی أنّها منسوبة إلی الغایة المطلوبة من تلک المسائل و هی إقامة الحجة علی حکم العمل.

ص: 67


1- شرح الإشارات للمحقق الطوسی (قدس سره)، ج1، ص298.

المقدمة الرابعة: موضوع علم الأصول

اشارة

هنا أقوال أربعة:

القول الأول: لبعض الأعلام مثل المحقّق الخوئی (قدس سره) و بعض الأساطین (حفظه الله)

لایمکن تحقق الموضوع الجامع الذاتی لعلم الأصول((1)) والوجه فی ذلک هو أنّ الموضوع فی بحث الإجزاء الإتیان بالمأمور به علی وجهه هل یقتضی الإجزاء أو لا؟) هو إتیان المأمور به و المحمول هو الاقتضاء و إتیان المأمور به قد یکون أمراً وجودیاً و قد یکون أمراً عدمیاً مثل تروک الإحرام.

و الموضوع فی بحث مقدمة الواجب (وجوب ذی المقدمة هل یقتضی وجوب المقدمة أو لا؟) هو الوجوب الاعتباری و المحمول هو الاقتضاء و الموضوع فی هذه المسألة اعتباری و فی المسألة السابقة تکوینی.

و الموضوع فی بحث حجیة الخبر، هو حجیة الخبر الأعمّ من القولی و الفعلی و الموضوع فی بحث الاستصحاب هو الیقین السابق الملحوق بالشک و الموضوع فی بحث حجیة الشهرة هو الشهرة.

و الموضوع الجامع الذاتی بین هذه الأمور لایتحقّق أبداً کما أفاده المحقّق

ص: 68


1- فی الأصول علی النهج الحدیث، ص20 و 21: «من البین أنّه لا جامع لموضوعات مسائله کیف و الموضوع فی باب الأوامر ذات الصیغة و محموله الظهور فی الوجوب أو فی الوجوب التعیینی إلی آخر المباحث و الموضوع فی باب حجیّة الظاهر نفس الظهور و فی باب الخبر حکایة السنّة و فی باب الإجماع نقله و فی باب الاستصحاب کون الیقین السابق و فی باب مقدمة الواجب الملازمة بین الوجوبین و فی باب الإجزاء إتیان المأمور به فکیف یکون لهذه الموضوعات المتشتتة جامع؟».

الخوئی (قدس سره) و بعض الأساطین (حفظه الله).

و أما الموضوع الجامع العنوانی((1)) و إن لم یکن بمحال و لکن لا دلیل علی لزوم وجوده.

و القول الأوّل هو الحق کما بینّاه سابقاً.

القول الثانی:

اشارة

بعض الأعلام مثل صاحب الکفایة (قدس سره) ((2)) قالوا بوجود الموضوع لعلم الأصول و اختلفوا فی تعیینه و لما لم یتیسّر لهم ذلک قالوا: وجود الموضوع بحکم البرهان ثابت و لکن هو غیر معلوم و غیر مبیّن لنا.

إیراد علی القول الثانی:

قد قلنا ببطلان ما استدلّ علی لزوم الموضوع الجامع بل قد یکون مستحیلاً فی الجامع الذاتی و مع عدم تعیین الموضوع الجامع لا دلیل علی وجوده و قاعدة الواحد لاتجری هنا حتّی یستدلّ بها علی لزوم الموضوع الجامع.

ص: 69


1- فی المحاضرات، ط.ق. ج1، ص31 و ط.ج. ص32: «إن أبیت إلّا أن یکون لکل علم موضوع و لو کان واحداً بالعنوان- کعنوان "الکلمة و الکلام" فی علم النحو و عنوانی"المعلوم التصدیقی و التصوری (قدس سرهما) فی علم المنطق و عنوان "فعل المکلف" فی علم الفقه و هکذا - فأقول: إنّ موضوع علم الأصول هو "الجامع الذی ینتزع من مجموع مسائله المتباینة" کعنوان ما تقع نتیجة البحث عنه فی طریق الاستنباط و تعیین الوظیفة فی مقام العمل».
2- فی الکفایة، ص8: «و قد انقدح بذلک أنّ موضوع علم الأصول هو الکلی المنطبق علی موضوعات مسائله المتشتتة» و قال قبل ذلک: «ثم إنّه ربّما لایکون لموضوع العلم - وهو الکلی المتحد مع موضوعات المسائل- عنوان خاص و اسم مخصوص، فیصحّ أن یعبر عنه بکل ما دلّ علیه، بداهة عدم دخل ذلک فی موضوعیته أصلاً».

القول الثالث: لصاحب القوانین (قدس سره)

القول الثالث: لصاحب القوانین (قدس سره)((1))

إنّ موضوع علم الأصول الأدلة الأربعة بما هی أدلة.

القول الرابع: لصاحب الفصول (قدس سره)

اشارة

القول الرابع: لصاحب الفصول (قدس سره) ((2))

إنّ موضوع علم الأصول الأدلة الأربعة بما هی هی.

مناقشة فی القول الثالث و الرابع:

أما القول الثالث و الرابع فقد نوقش فیهما بأنّه لیس موضوعاً جامعاً.

بیان المناقشة:((3)) إنّ السنّة إما نفس قول المعصوم و فعله و تقریره و إما الأعم منها و من الحاکی عنها.

أما بناء علی کونها الأعم فیخرج کثیر من المباحث من علم الأصول مثل

ص: 70


1- فی القوانین، ص9: «و أمّا موضوعه فهو أدلّة الفقه و هی الکتاب و السنة و الإجماع و العقل» الخ.
2- قال فی الفصول، ص11 و 12 عند البحث عن موضوع علم الأصول: « فإن قلت: أکثر مباحث الفن باحثة عن أحوال غیر الأدلّة... و کالمباحث التی یبحث فیها عن حجیة الکتاب و خبر الواحد... أمّا القسم الثانی فلأنّ البحث فیها لیس عن الأدلّة إذ کونها أدلّة إنّما تعرف بتلک المباحث... قلت... و أمّا بحثهم عن حجیة الکتاب و خبر الواحد فهو بحث عن الأدلّة لأنّ المراد بها ذات الأدلّة لا هی مع وصف کونها أدلّة فکونها أدلّة من أحوالها اللاحقة لها فینبغی أن یبحث عنها أیضاً».
3- فی الکفایة، ص8: «قد انقدح بذلک أنّ موضوع علم الأصول، هو ... لا خصوص الأدلّة الأربعة بما هی أدلّة، بل و لا بما هی هی، ضرورة أن البحث فی غیر واحد من مسائله المهمّة لیس من عوارضها و هو واضح لو کان المراد بالسنة منها هو نفس قول المعصوم أو فعله أو تقریره، کما هو المصطلح فیها، لوضوح عدم البحث فی کثیر من مباحثها المهمّة، کعمدة مباحث التعادل و التراجیح، بل و مسألة حجیة خبر الواحد، لا عنها و لا عن سائر الأدلّة ... و أمّا إذا کان المراد من السنة ما یعمّ حکایتها، فلأنّ البحث فی تلک المباحث و إن کان عن أحوال السنة بهذا المعنی، إلّا أنّ البحث فی غیر واحد من مسائلها، کمباحث الألفاظ وجملة من غیرها لایخص الأدلّة، بل یعمّ غیرها و إن کان المهم معرفة أحوال خصوصها کما لایخفی».

الملازمات العقلیة (وجوب المقدمة، اجتماع الأمر و النهی و بحث الضد) و مباحث الإطلاق و التقیید و العام والخاص و ظهور الأمر فی الوجوب و الفور و التراخی و المرة و التکرار.

و أما بناء علی کونها الأخص فیخرج مبحث حجیّة الخبر و التعارض، مضافاً إلی المباحث التی قلنا بخروجها مبنیاً علی کون السنّة أعمّ من الحاکی و المحکی.

جواب الشیخ الأنصاری (قدس سره) عنها بالنسبة إلی مبحث حجیة الخبر:

((1))

إنّ مفاد مبحث حجیة الخبر هو ثبوت السنة فالبحث عنها بحث عن عوارض السنّة.

ناقش فیه صاحب الکفایة (قدس سره):

(2)

إن أراد الشیخ (قدس سره) ثبوت السنّة بالخبر واقعاً فتخرج مبحث حجیة الخبر عن

ص: 71


1- فی فرائد الأصول، ج1، ص237 - 239: «إعلم أنّ إثبات الحکم الشرعی بالأخبار المرویة عن الحجج (علیهم السلام) موقوف علی مقدمات ثلاث: الأولی: کون الکلام صادراً عن الحجة ... أمّا المقدمة الأولی فهی التی عقد لها مسألة حجیة أخبار الآحاد، فمرجع هذه المسألة إلی أنّ السنة -أعنی قول الحجة أو فعله أو تقریره- هل تثبت بخبر الواحد أم لاتثبت إلّا بما یفید القطع من التواتر و القرینة؟ و من هنا یتضح دخولها فی مسائل أصول الفقه الباحثة عن أحوال الأدلة».
2- . فی الکفایة، ص8 و 9: «و رجوع البحث فیهما - فی الحقیقة- إلی البحث عن ثبوت السنة بخبر الواحد فی مسألة حجیة الخبر کما أفید ... غیر مفید فان البحث عن ثبوت الموضوع و ما هو مفاد کان التامة لیس بحثاً عن عوارضه فإنّها مفاد کان الناقصة ... و بالجملة الثبوت الواقعی لبس من العوارض و التعبدی و إن کان منها إلّا أنّه لبس للسنة بل للخبر فتأمّل جیداً». و فی ص293: «کما لایکاد یفید علیه تجشم دعوی أنّ مرجع هذه المسألة إلی أنّ السنة ... فإنّ التعبد بثبوتها مع الشک فیها لدی الأخبار بها لیس من عوارضها، بل من عوارض مشکوکها کما لایخفی مع أنّه لازم لما یبحث عنه فی المسألة من حجیة الخبر و المبحوث عنه فی المسائل إنّما هو الملاک فی أنّها من المباحث أو من غیره لا ما هو لازمه کما هو واضح».

علم الأصول أیضاً لأنّ الثبوت الواقعی مفاده مفاد کان التامة و البحث عن مفاد کان التامة لیس بحثاً عن عوارض الشیء.

و إن أراد الثبوت التعبدی فهذا الثبوت و إن کان من عوارض الشیء إلا أنّه لیس من عوارض السنة بل حجیة الخبر حینئذ من عوارض الخبر.

جواب المحقق الإصفهانی (قدس سره) عن مناقشة صاحب الکفایة (قدس سره):

((1))

إنّ الثبوت التعبدی و إن کان من عوارض الخبر إلا أنّ الخبر وجود تنزیلی للسنة فحینئذ تثبت السنة بالتعبد.

یلاحظ علیه:

إنّ ما أفاده یتمّ علی بعض مبانی الحجّیة مثل تتمیم الکشف أو جعل المؤدّی منزلة الواقع و أما علی مبنی إنشاء الحکم المماثل فمفاد الخبر لیس تنزیلاً للواقع الذی هو وجود السنة و أیضاً علی مبنی التنجیز حیث إنّ المنجز هو الخبر و الخبر علی هذا المبنی لیس حکایة تعبدیة عن السنة.

فعلی هذا، إیراد بعض الأساطین (حفظه الله) علی المحقق الإصفهانی (قدس سره) بأنّ الخبر لیس وجوداً تنزیلیاً للسنة علی جمیع مبانی الحجیة تامّ، کما أشرنا.

ص: 72


1- فی نهایة الدرایة، ج1، ص15: «یمکن أن یقال: إنّ حجیة الخبر علی المشهور و إن کان مرجعها إلی إنشاء الحکم علی طبق الخبر و هو من عوارضه إلّا أنّه بعنایة أنّه وجود تنزیلی للسنة و هذا المعنی کما أنّ له مساساً بالخبر کذلک بالسنة فحاصل البحث إثبات وجود تنزیلی للسنة و بهذا الاعتبار یقول بثبوت السنة تعبداً و إلّا فالحکم علی طبق المحکی له ثبوت تحقیقی لا تعبدی و کونه عین التعبد لایقتضی أن یکون تعبدیاً بل هو کنفس المحکی له ثبوت تحقیقی فتأمل».

المقدمة الخامسة: فی تقسیم مبادی علم الأصول

اشارة

إنّ المسائل الأصولیة مبادٍ تصدیقیة لعلم الفقه و لکن لعلم الأصول أیضاً مبادٍ تصوریة و تصدیقیة، و المبادی التصوریة مرتبطة بحدود القضایا الأصولیة موضوعاً و محمولاً و المبادی التصدیقیة هی العلوم التی یتوقف علیها التصدیق بثبوت محمولات المسائل الأصولیة لموضوعاتها. ((1))

مبادی علم الأصول أربعة:

المبادی هنا إما تصوریة و إما تصدیقیة و کل منهما إما لغویة و إما أحکامیة.((2))

1) المبادی التصوریة اللغویة:

و هی بحث الوضع علی نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) ((3)) و الأستاذ البهجة (قدس سره)، و المعانی الحرفیة، و الخبر و الإنشاء، و الحقیقة و المجاز. ((4))

ص: 73


1- فی الأصول علی النهج الحدیث، ص17: «أمّا مبادؤه فهی تصوریة و تصدیقیة فمبادؤه التصوریة راجعة إلی حدودات تلک القضایا بأطرافها و مبادؤه التصدیقیة هی ما یتوقف علیه التصدیق بثبوت محمولات تلک القضایا لموضوعاتها».
2- فی مباحث الأصول، ج1، ص25: «و قد ینقسم کل من القسمین إلی اللغویة و الأحکامیة و لا مقابلة بین البحث عن المعنی اللغوی أو ما بحکمه تصوراً أو تصدیقاً و بین البحث عن الأحکام تصوراً أو تصدیقاً» و سیأتی فی آخر هذا البحث تعلیقة فی المبادی الأحکامیة.
3- فی الأصول علی النهج الحدیث، ص23.
4- راجع الأصول علی النهج الحدیث، ص23 - 30 و مباحث الأصول، ص31 – 86، حیث عقدا أربعة فصول للمبادئ التصوریة اللغویة.

2) المبادی التصدیقیة اللغویة:

و هی بحث الحقیقة الشرعیة و بحث الصحیح و الأعم ((1)) و بحث الاشتراک علی رأی الأستاذ البهجة (قدس سره) ((2)) و بحث جواز الاستعمال فی أکثر من معنی واحد و بحث المشتق علی نظریة الأستاذ البهجة (قدس سره) . ((3))

ص: 74


1- فی مباحث الأصول رجّح جعلهما من الأصول ففی ص25 و 26: «و قد جعل ... البحث عن الصحیح و الأعم من التصدیقیة اللغویة و کذا الحقیقة الشرعیة ... و جعلهما من المبادئ مبنی علی جعل المسألة نتیجة البحث فی البحثین أعنی ثبوت الإجمال علی الصحیح فلایتمسک بالإطلاق بخلافه علی الأعم ... و لعلّ جعل المبدأین المذکورین لدخلهما فی الفقه من المسائل الأصولیة - کسائر ما وقع البحث فیه عن الوضع أو تعیین الموضوع له- أولی و تخلل واسطة - معنونة کانت أو لا- للوصول إلی الحکم الفرعی لا ینافی ذلک» و فی ص89، الفصل الأوّل أی الحقیقة الشرعیة: «و قد تقدّم ... أن جعل هذا البحث من الأصول أولی من جعل الثمرة منها و جعله من المبادئ مع عدم تعنونها بنفسها فی الأصول» و فی ص97، الفصل الثانی أی الصحیح و الأعم: «و هو کما تقدم مبدأ تصدیقی للمسألة المتکفلة لحکم المطلق و المجمل لتوقف ثبوت الموضوع فیهما علی ثبوت الوضع للصحیح و عدمه فتنقح صغری المسألتین بالمختار هنا کما یمکن جعلها من المسائل فإن النسبة بین الظهور للأمر فی الوجوب و المشتق فی المتلبس مع البحث عن حجیة الظهور هی النسبة بین الصحیح و الأعم مع حجیة الظهور من جهة تحقق الصغری لتلک الکبری ... و سبق فی ما مرّ أنّ الترتب بین المسائل لایمنع جعلها معاً من المسائل و لایلجیء إلی جعل الموقوف علیه من المبادئ».
2- و عند المحقق الإصفهانی (قدس سره) أیضاً حیث قال فی الأصول علی النهج الحدیث، ص41، المقام الثانی فی المبادئ التصدیقیة اللغویة: «الفصل الثالث لا ریب فی إمکان الاشتراک» الخ.
3- فی الأصول علی النهج الحدیث، ص31 - 43 عقد فصولاً أربعة للمقام الثانی أی المبادئ التصدیقیة اللغویة و فی مباحث الأصول، ص87 - 245 عقد فصولاً خمسة للمبادئ التصدیقیة اللغویة و قال فی ص178: «الفصل الخامس المشتق ... و یمکن جعل البحث من مسائل الأصول و إن کان المنسوب إلی الأصولیین إدراجه فی المبادئ و ذلک لترتب الثمرة الفقهیة و هو الحکم بثبوت الحکم الشرعی فی صورة الانقضاء علی اختیار الوضع للأعم فی ما وقع فی موضوع الحکم فی الأدلة بعد الفراغ عن حجیة الدلیل علیه» الخ.

تنبیه:

إنّ العلامة المحقق الإصفهانی (قدس سره) یری((1)) أنّ البحث عن المشتق من مسائل علم الأصول، حیث إنّه علی القول بالوضع للأعم یستفاد بقاء الحکم و علی القول بالوضع لخصوص المتلبّس ینتج ارتفاع الحکم لانتفاء المبدأ.

و لکن یلاحظ علیه: أنّ ذلک یرجع إلی تحقّق موضوع الحکم و عدمه و سعته و ضیقه و ذلک جارٍ فی جمیع المباحث اللغویة من حیث إنّه موضوع للحکم فلو صحّ هذا الاستدلال یلزم اندراج جمیع المباحث اللغویة فی المسائل الأصولیة.

3) المبادی التصوریة الأحکامیّة:

المبادی التصوریة الأحکامیّة:((2))

و هی بحث حقیقة الحکم و ماهیته، مبادی الحکم، مراتب الحکم و جعله، متعلق الحکم و موضوعه، تقسیمات الحکم التکلیفی و الوضعی، أقسام الحکم التکلیفی و أقسام الحکم الوضعی، الواجب المطلق و المشروط، الواجب المعلق

ص: 75


1- فی الأصول علی النهج الحدیث، ص18: «کما أنّ إخراج بعض المسائل و إدراجه فی المبادئ اللغویة بلا وجه کمسألة المشتق فانّها لیست من المبادئ التصوریة و لا التصدیقیة لمسألة أصولیة بل الوضع للأعم نتیجته بقاء الحکم المترتب علی المشتق و الوضع للمتلبس نتیجته ارتفاع الحکم مع انقضاء المبدأ و هذا شأن المسألة الأصولیة».
2- فی الأصول علی النهج الحدیث، ص18: «کما أنّ البحث عن حقیقة الحکم بما هو لا بما هو مدلول اللفظ و البحث عن التکلیفی و الوضعی و المطلق و المشروط و النفسی و الغیری إلی آخر تقسیمات الحکم من المبادئ التصوریة الأحکامیة» و فی ص44: «المقام الثالث فی المبادئ التصوریة الأحکامیة و هو متکفل لمعرفة المجعولات الشرعیة بما لها من التقسیمات و فیه فصول» الفصل الأوّل: إنّ المجعول التشریعی المعبّر عنه بالحکم ینقسم إلی تکلیفی و وضعی و الفصل الثانی إلی الثامن هو المذکور فی المتن من «الواجب المطلق و المشروط» إلی آخر الکلام.

و المنجز، الواجب النفسی و الغیری، الواجب التعیینی و التخییری، الواجب العینی و الکفائی، الواجب الموسع و المضیّق، الواجب التعبدی و التوصلی.

4) المبادی التصدیقیة الأحکامیة:

المبادی التصدیقیة الأحکامیة: ((1))

و هی بحث إمکان اجتماع الحکمین المتضادین و امتناعه،((2)) إمکان الواجب المعلق، إمکان الواجب المشروط (الشرط المتأخر) و کیفیّة القضایا (القضیة الحقیقیة و القضیة الخارجیة).((3))

ص: 76


1- فی الأصول علی النهج الحدیث، ص74: «المقام الرابع فی المبادئ التصدیقیة الأحکامیة و فیها فصول» الفصل الأوّل فی إمکان أخذ قصد القربة بأحد الوجوه فی متعلّق الأمر و امتناعه لیکون مبدأ تصدیقیّاً للتمسک بالإطلاق و عدمه. الفصل الثانی فی مقدمیة ترک الضد لفعل الضد و بالعکس و عدمها. الفصل الثالث فی أنّه یمکن تعلّق الأمر بالطبیعة أو لایمکن إلّا بالفرد و هو من المبادئ التصدیقیة لجواز اجتماع الأمر و النهی و عدمه. الفصل الرابع فی أنّ حقیقة الإیجاب مرکبة أو بسیطة.
2- فی الأصول علی النهج الحدیث، ص18: «و البحث عن إمکان اجتماع الحکمین و امتناعه من المبادئ التصدیقیة الأحکامیة فیحکم بناءً علی الإمکان بعدم التعارض بین الدلیلین المتکفلین للحکمین و علی الامتناع بالتعارض». و فی مباحث الأصول، ص26: «و جعل البحث ... عن جواز الاجتماع و عدمه، من الأحکامیة التصدیقیة، مع أنّه لایکفی فی کون المبدأ تصدیقیّاً کونه بحثاً عن ثبوت شیء للحکم فی قبال البحث عن تصور نفس الحکم أو ثبوت نفسه، بل کون ذی المبدأ ممّا یتوقف التصدیق فیه علی المبدأ، فی قبال توقف تصور أطرافه علی المبدأ و توقف التعارض علی مسألة الاجتماع من جهة توقف صغری التعارض علی اختیار الامتناع، لیس من توقف التصدیق علی مسألة و لیس تنقیح صغری مسألة لمسألة موجباً للمبدئیة المذکورة».
3- تکملة فی المبادئ الأحکامیة: فی زبدة الأصول للشیخ البهائی (قدس سره) جعل المنهج الأوّل فی المقدمات و فیه مطالب ثلاثة: المطلب الأوّل فی المبادئ المنطقیة المطلب الثانی فی المبادئ اللغویة و المطلب الثالث فی المبادئ الأحکامیة و ذکر فی المطلب الثالث فصولاً: الأوّل فی تعریف الحکم و الثانی فی الحسن و القبح و الثالث فی تعریف الواجب و الرابع فی الموسع و المضیق و الخامس فی ظن الموت و السلامة و السادس فی الواجب الکفائی و السابع فی الواجب المخیر و الثامن فی تعریف الصحیح و الباطل من العبادات و العقود و الإیقاعات و التاسع فی مقدمة الواجب و العاشر فی المباح. و فی فوائد الأصول، ج1-2، ص27: «زاد القوم مبادئ الأحکام فی خصوص علم الأصول ... و المراد من المبادئ الأحکامیة هو ما یتوقف علیه معرفة الأحکام الشرعیة من التکلیفیة و الوضعیة بأقسامهما و کذا الأحوال و العوارض للأحکام من کونها متضادة و کون الأحکام الوضعیة متأصلة فی الجعل أو منتزعة عن التکلیف و غیر ذلک من حالات الحکم و وجه اختصاص المبادئ الأحکامیة بعلم الأصول هو أنّ منه یستنتج الحکم الشرعی و واقع فی طریق استنباطه». و راجع أیضاً أجود التقریرات، ج1،ص8 و فی منتهی الأصول، ص13: « و زادوا فی علم الأصول قسما آخر من المبادئ و سمّوها بالمبادئ الأحکامیة و المراد منها معرفة حالات الأحکام الشرعیة من تقسیمها إلی الوضعیة و التکلیفیة و أنّ الأحکام التکلیفیة متضادة بأسرها و أنّ الأحکام الوضعیة هل هی منتزعة عن التکلیفیة أو مستقلة فی الجعل و غیر ذلک من حالاتها و عوارضها» و فی لمحات الأصول، ص161: «المراد بالمبادئ الأحکامیة هی لوازم الأحکام الشرعیة و معانداتها» و فی نهایة الأصول، ص189: «قد کانت القدماء من الأصولیین یذکرون فی کتبهم الأصولیة نبذا من المبادئ اللغوی و نبذا من المبادئ العقلیة کالبحث عن الحسن و القبح و نبذا من المبادئ الأحکامیة و المراد بالمبادئ الأحکامیة لوازم الأحکام و ملزوماتها» و فی ص142: «کان للقدماء مباحث یبحث فیها عن معاندات الأحکام و ملازماتها یسمّونها بالمبادئ الأحکامیة» و فی حقائق الأصول، ص353 عند التعلیقة علی لفظ «مبادیها الأحکامیة»: «یعنی المسائل المتعلقة بالحکم الشرعی». و استشکل بعضٌ جعلَ المبادی الأحکامیة فی قبال المبادی التصوریة و التصدیقیة: ففی الأصول علی النهج الحدیث، ص17: «و تعارف فی علم الأصول تدوین المبادئ اللغویة و المبادئ الأحکامیة فربّما یتخیّل أنّهما قسمان آخران من المبادئ یختص بهما علم الأصول و لیس کذلک بل المبادئ التصوریة تارة لغویة و أخری أحکامیة و کذا المبادئ التصدیقیة» و فی المحاضرات، ط.ق. ج2، ص294و295 و ط.ج. ج2، ص113و114: «المبادی لاتخلو من التصوریة و التصدیقیة و لا ثالث لهما ... و لانعقل المبادئ الأحکامیة فی مقابل المبادئ التصوریة و التصدیقیة» و کذا فی ج3، ص4 و ج4، ص178 و فی تحریرات فی الأصول، ج1، ص51: «خاتمة حول المبادئ التصوریة والتصدیقیة والأحکامیة قد اشتهر فی علم الأصول تقسیم المبادئ إلی مبادئ تصوریة و تصدیقیة و أحکامیة و التحقیق خلافه و ذلک لأنّ المراد من "المبادئ التصوریة" أعمّ ممّا یرتبط بتصور الموضوع فی المسألة و حدوده و المحمول فیها و حدوده و لما کان الحکم فی الفقه محمول المسألة، یبحث عنه هل هو قسم واحد أو له أقسام؟ و کل قسم منه قابل للجعل المستقل أم لا؟ أو یفصل و غیر ذلک فکما أنّ البحث عن المخترعات الشرعیة من المبادئ التصوریة لموضوع المسألة کذلک البحث عن الأحکام الوضعیة من المبادئ التصوریة لمحمول المسألة» و کذا ج3، ص8 و ج4، ص128.

ص: 77

ص: 78

البحث الأوّل: المبادی التصوریة اللغویة لعلم الأصول (فیه فصول ستة)

اشارة

الفصل الأول: حقیقة الوضع

الفصل الثانی: المعانی الحرفیة

الفصل الثالث: الخبر و الإنشاء

الفصل الرابع: أسماء الإشارة و الضمائر و الموصولات

الفصل الخامس: تبعیّة الدلالة للإرادة

الفصل السادس: الحقیقة و المجاز

ص: 79

ص: 80

الفصل الأوّل: فی الوضع (فیه أمران و تنبیه)

اشارة

الأمر الأوّل: حقیقة الوضع

الأمر الثانی: فی تقسیمات الوضع

تنبیه فی حقیقة استعمال اللفظ فی المعنی

ص: 81

ص: 82

الأمر الأوّل: حقیقة الوضع (هنا أقوال سبعة)

اشارة

قال المشهور: إنّ دلالة اللفظ علی المعنی إنّما هی بالوضع؛ نعم قیل: إنّ دلالة اللفظ علی المعنی لیست بالوضع بل هی بالمناسبة الذاتیة.

ثم إنّ الوضع: إمّا حقیقی و إمّا اعتباری و إمّا أمر وسط بینهما.

القول الأوّل: المناسبة الذاتیة
اشارة

القول الأوّل: المناسبة الذاتیة (1)

دلالة الألفاظ علی معانیها بالمناسبة الذاتیة و لیست بالوضع و أیّدوه بما حکی عن المیرداماد (قدس سره) حیث اختبره رجلان من أهل العلم عن معنی لفظ قبیح

ص: 83


1- . فی تعلیقة علی معاالم الأصول، ج1، ص358: «عن عباد بن سلیمان الصیمری و أهل التکسیر و أوائل المعتزلة أن بین اللفظ و المعنی مناسبة ذاتیة و أطبق أصحابنا و غیرهم من المحققین علی بطلانه فقالوا: لیس بین اللفظ و مدلوله مناسبة ذاتیة تقتضی اختصاص اللفظ بالمعنی فی الدلالة». و فی الفصول، ص23: «التحقیق أنّ القائل بالمناسبة الذاتیة إن أراد أنّ دلالة الألفاظ فی موارد الاستعمال ذاتیة أو أنّها ملحوظة عند کل واضع ففساده أجلی من أن یحتاج إلی البیان إذ یشهد ببطلانه صریح الوجدان علی أنّه لو تمّ الأوّل لزم أن لایجهل أحد شیئاً من اللغات و لو تمّ الثانی لامتنع النقل و الهجر لامتناع تخلف ما بالذات عنها و إن أراد أنّ هناک مناسبات خفیّة لایطّلع علیها إلّا الأوحدی من الناس أو ادعی ذلک بالنسبة إلی بعض الألفاظ أو اللغات الأصلیة فهذا و إن لم یقم دلیل علیه ظاهراً إلّا أنّه لا دلیل علی فساده لاسیّما إذا قلنا بأنّ الواضع هو الله تعالی أو أنّ الوضع بإلهامه» و فی تعلیقة أجود التقریرات، ج1، ص10: «و أما ثبوت المناسبة الذاتیة بین الألفاظ و معانیها فهو و إن کان ممکناً فی الجملة إلّا أنّه لا دلیل علیه» و کذا فی المحاضرات، ط.ق. ج1، ص32 و ط.ج. ص33. و فی المختصر فی المعانی، ص217: «(و قد تأوله) أی القول بدلالة اللفظ لذاته ( السکاکی) أی صرفه عن ظاهره و قال إنّه تنبیه علی ما علیه أئمة علمی الاشتقاق و التصریف من أنّ للحروف فی أنفسها خواص بها تختلف کالجهر و الهمس و الشدة و الرخاوة و التوسط بینهما و غیر ذلک و تلک الخواص تقتضی أن یکون العالم بها إذا أخذ فی تعیین شیء مرکب منها لمعنی لایهمل التناسب بینهما قضاء لحق الحکمة کالفصم بالفاء الذی هو حرف رخو لکسر الشیء من غیر أن یبین و القصم بالقاف الذی هو حرف شدید لکسر الشیء حتی یبین و انّ لهیئات ترکیب الحروف أیضا خواص کالفعلان و الفعلی بالتحریک لما فیه حرکة کالنزوان و الحیدی و کذا باب فعل بالضم مثل شرف و کرم للأفعال الطبیعیة اللازمة».

فهو أخبرهما عن المعنی و دعا علیهما لجسارتهما علیه و الحکایة غیر مستندة و ادّعوا أیضاً أنّ هناک ألفاظاً خاصّة یشترک فیها جمیع الأمم مثل الألفاظ التی یطلق علی الأمّ.

إشکالات أربعة علی القول الأوّل:

(1)

أولاً: إنّه لایعقل إلّا فی لسان واحد.

ثانیاً: لو التزمنا بهذه المقالة فی اللسان العربی فلابدّ من أن یتمکّن بعض

ص: 84


1- . و فی المختصر فی المعانی، ص217: «(و القول بدلالة اللفظ لذاته ظاهره فاسد) یعنی ذهب بعضهم إلی أنّ دلالة الألفاظ علی معانیها لاتحتاج إلی الوضع بل بین اللفظ و المعنی مناسبة طبیعیة تقتضی دلالة کل لفظ علی معناه لذاته فذهب المصنف و جمیع المحققین علی أنّ هذا القول فاسد ما دام محمولاً علی ما یفهم منه ظاهراً لأنّ دلالة اللفظ علی المعنی لو کانت لذاته کدلالته علی اللافظ لوجب أن تختلف اللغات باختلاف الأمم و أن یفهم کل أحد معنی کل لفظ لعدم انفکاک المدلول عن الدلیل و لامتنع أن یجعل اللفظ بواسطة القرینة بحیث یدلّ علی المعنی المجازی دون الحقیقی لأنّ ما بالذات لایزول بالغیر و لامتنع نقله من معنی إلی معنی آخر بحیث لایفهم منه عند الإطلاق إلّا المعنی الثانی». و فی بحوث فی علم الأصول، ج1، ص72: «و لا شک فی خطأ الاتجاه الأوّل ... لما تکشفه الملاحظة و التجربة لنا من عدم وجود أی میل أصیل سابق علی الاکتساب و التعلم للانتقال من لفظ مخصوص إلی معنی مخصوص». فی زبدة الأصول للشیخ البهائی (قدس سره)، ص53: «و الوضع لنقیضین یدفع المناسبة الذاتیة». و فی تعلیقة علی معالم الأصول، ج1، ص360: «الذی ینبغی أن یقطع به ما صار إلیه الجمهور من عدم استناد الدلالة إلّا إلی الوضع، بل و عدم کون ما سواه معقولاً، بناء علی أنّ المناسبة مفاعلة من النسبة و هو الربط الحاصل بین أمرین و کونها ذاتیة معناه استنادها إلی ذاتی اللفظ و المعنی، علی معنی کونهما لذاتهما مقتضیین لها، فإنّ ذلک فی الحقیقة دعوی غیر معقولة کما تعرفه» الخ. و فی أصول الفقه، ج1، ص53: «لازم هذا الزعم أن یشترک جمیع البشر فی هذه الدلالة، مع أن الفارسی - مثلا- لایفهم الألفاظ العربیة و لا غیرها من دون تعلم و کذلک العکس فی جمیع اللغات و هذا واضح». و فی تهذیب الأصول، ج1، ص7: «إنّ دعوی وجود المناسبة الذاتیة بین الألفاظ و معانیها کافة قبل الوضع ممّا یبطله البرهان المؤید بالوجدان إذ الذات البحت البسیط الذی له عدة أسماء متخالفة من لغة واحدة أو لغات إمّا أن یکون لجمیعها الربط به أو لبعضها دون بعض أو لا ذا و لا ذاک» الخ.

الأدباء و النوابغ من فهم هذه المناسبة الذاتیة کما أنّ الواضع فهمها و لذا جعل اللفظ بإزاء المعنی لوجود هذه المناسبة الذاتیة، مع أنّا لم نر أحداً ادّعی ذلک، فلا سبیل إلی إحراز ذلک فیبقی فی وعاء الإمکان.

ثالثاً: إنّ الالتزام بالمناسبة الذاتیة لایوجب عدم الوضع،((1)) کما أنّ المحقّق النائینی (قدس سره) التزم بالمناسبة الذاتیة إجمالاً مع أنّه قائل بتحقّق الوضع.

رابعاً: علی فرض ثبوت المناسبة الذاتیّة، تعمیم تلک المناسبة لجمیع الألفاظ لم یثبت بل یمکن الوضع البشری فی سائر الألفاظ، کما هو الواقع فی

ص: 85


1- فی تعلیقة علی معالم الأصول، ج1، ص358: «أمّا ما یتراءی عن بعض العبارات فی حکایة مذهب عباد و من تبعه من أنّه یجعل وضع الألفاظ لمعانیها للمناسبات الذاتیة بینهما علی معنی أنّه بعد اعترافه بثبوت الوضع یجعله تابعاً لها، فلعلّه لاینافی ما ذکرناه إن أرید بالوضع ما هو صفة اللفظ أعنی التعین و الاختصاص ... نعم لو أرید به ما هو فعل الواضع کان الاختلاف ثابتاً غیر أنّه یتطرق حینئذٍ الاسترابة إلی النقل المذکور» الخ.

الألفاظ المستحدثة. ((1))

القول الثانی: نظریّة الملازمة و هو مختار المحقّق العراقی (قدس سره)
اشارة

القول الثانی: نظریّة الملازمة و هو مختار المحقّق العراقی (قدس سره). (2)

توضیحه: إنّ الوضع من الأمور الواقعیّة لا بمعنی أنّها من إحدی المقولات الجوهریة أو العرضیة بل بمعنی أنّها من الملازمات التی سببها الجعل و الاعتبار

ص: 86


1- فی تعلیقة علی معالم الأصول، ج1، ص362: «هنا وجوه أخر احتجوا بها فی إبطال القول بالمناسبة لایخلو شیء منها عن شیء ... و منها أنّا نقطع بأنّ المنقولات و الأعلام و غیرها من الألفاظ التی حدث فیها الوضع لم تکن لها قبل حدوثه دلالة علی ما یفهم منها بعده ... و یزیفه فی الشق الأوّل ما نبهنا علیه من قضیة الخروج عن محل النزاع فالخصم فی الألفاظ المشار إلیها لاینکر استناد الدلالة بالنسبة إلی المعنی الجدید إلی الوضع» الخ. و فی ص359 و 360: «ثمّإ الظاهر أن مرجع القولین إلی دعوی الإیجاب الجزئی و السلب الکلی الذی یدعیه الجمهور بالنسبة إلی نفی استناد الدلالة إلی المناسبة الذاتیة فإنّ من الألفاظ جملة کثیرة لایمکن الاسترابة فی استناد دلالاتها إلی الوضع بالمعنی الأعم من التعیین والتعیّن الناشئ عن غلبة الإطلاق کالأعلام الشخصیة و المنقولات العرفیة عامة و خاصة من الحقائق الشرعیة و الأمور الاصطلاحیة فمطرح الخلاف حینئذٍ الألفاظ الأصلیة الواقعة فی العرف علی المعانی الأصلیة الواصلتین عن أصل اللغة من غیر أن یتطرق إلیها تغیر و لا نقل و لا ارتجال کلفظ "الماء" و "الأرض" و "السماء" و "النار" وغیر ذ لک».
2- فی نهایة الأفکار، ج1، ص26: «انّه لیست تلک العلاقة و الارتباط الخاص من سنخ الإضافات الخارجیة التی توجب إحداث هیأة خارجیة ... و لا من سنخ الاعتباریات التی لایکون صقعها إلّا الذهن ... و إنّما هی متوسطة بین هاتین فکانت سنخها من قبیل الاعتباریات التی کان الخارج موطن منشأ اعتبارها کما نظیره فی الملکیة و الزوجیة ... و لکن مع ذلک لها واقعیة ... نظیر الملازمات کالملازمة بین النار و الحرارة» الخ. و فی المحاضرات، ط.ق. ج1، ص38 و ط.ج. ص40: «ذهب بعض الأعاظم (قدس سره) إلی أنّها من الأمور الواقعیة لا بمعنی أنّها من إحدی المقولات ... بل بمعنی أنها عبارة عن ملازمة خاصة و ربط مخصوص بین طبیعی اللفظ و المعنی الموضوع له نظیر سائر الملازمات الثابتة فی الواقع بین أمرین من الأمور التکوینیة ... غایة الأمر أن تلک الملازمة ذاتیة أزلیة و هذه الملازمة جعلیة اعتباریة لا بمعنی أن الجعل و الاعتبار مقوم لذاتها و حقیقتها» الخ. إنّ المحقق الخوئی (قدس سره) بعد ذکر هذا المذهب - و هو القول بأنّ الوضع أمر واقعی- قال: «و ذهب کثیر من الأعلام و المحققین إلی أنّ حقیقة الوضع حقیقة اعتباریة و لکنّهمم اختلفوا فی کیفیتها علی أقوال؛ القول الأوّل: ما قیل من أنّ حقیقة الوضع عبارة عن اعتبار ملازمة بین طبیعی اللفظ و المعنی الموضوع له و حقیقة هذه الملازمة متقومة باعتبار من بیده الاعتبار أی الواضع» ثمّ ذکر الإیراد علیه. و فی الرافد جعل هذین القولین قولاً واحداً ناسباً له إلی المحقق العراقی (قدس سره) . و فی منتقی الأصول، ج1، ص48: «دعوی المحقق العراقی (قدس سره) تتلخص فی ضمن أمور: الأوّل: أن الوضع عبارة عن أمر اعتباری و هو جعل الملازمة بین اللفظ و المعنی. الثانی: انّه ینشأ من هذه الملازمة الاعتباریة ملازمة حقیقیة و بذلک یختلف الوضع عن غیره من الاعتباریات. الثالث: انّ المجعول مقید بصورة العلم بالجعل و ظاهر ان هذه الدعوی لا محذور فیها ثبوتا و لا إثباتاً فتتعیّن لو کان غیرها ممتنعاً و سیتضح الحال شیئاً فشیئاً فانتظر» و مختار المحقق الروحانی (قدس سره) هو أنّه عبارة عن جعل الارتباط بین اللفظ و المعنی و اعتباره بینهما و یوضحه فی ص66 و 67.

و هذه الملازمة نظیر الملازمة نفس الأمریة التی بین تعدد الآلهة و فساد العالم فی قوله تعالی: (لَوْ کَانَ فِیهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللّهُ لَفَسَدَتَا).((1))

و جعل الوضع بهذا البیان من الأمور الواقعیة مبنی علی تفسیره بالمعنی اسم المصدری حیث إنّه الحاصل من الوضع الخارجی المصدری؛ نعم إنّ مقتضی التحقیق هو اتّحاد المعنی المصدری مع المعنی اسم المصدری وکلاهما أمران اعتباریان.

إیرادان علی القول الثانی

(2)

أوّلاً: إنّ هذه الملازمة نفس الأمریة لیست بحقیقة الوضع بل هی متفرّعة

ص: 87


1- سورةالأنبیاء(21):22.
2- . ذکرهما المحقق الخوئی (قدس سره) فی المحاضرات، ط.ق. ج1، ص39 و ط.ج. ص41، قال: «و الجواب عن ذلک أنّه (قدس سره) إن أراد بوجود الملازمة بین طبیعی اللفظ و المعنی الموضوع له ... ثبوتها للعالم بالوضع فقط دون غیره فیرد علیه أن الأمر و إن کان کذلک - یعنی أن هذه الملازمة ثابتة له دون غیره- إلّا أنّها لیست بحقیقة الوضع، بل هی متفرعة علیها و متأخرة عنها رتبة و محلّ کلامنا هنا فی تعیین حقیقته التی تترتب علیها الملازمة بین تصور اللفظ و الانتقال إلی معناه و ذهب کثیر من الأعلام و المحققین (قدس سرهم) إلی أنّ حقیقة الوضع حقیقة اعتباریة». و فی الرافد، ص169: «إنّ التعبیر عن الوضع بأنّه الملازمة الجامع بین الملازمة الواقعیة بین اللفظ و المعنی و الملازمة الاعتباریة لایکشف عن حقیقة الوضع لأمرین: أوّلاً: لأنّ هذا الجامع هو عین الملازمتین المذکورتین و کلاهما لایعبران عن حقیقة الوضع ... ثانیاً: انّ هذا التعریف للوضع فاقد لرکیزة مهمّة فی مسیرة العلاقة الوضعیة بین اللفظ و المعنی و هی المرحلة الثانیة من مراحل الوضع التی هی عبارة عن سببیة اللفظ مع القرینة للانتقال إلی المعنی حیث لایوجد فی تعریف الوضع بأنّه الملازمة أی إشارة لهذه المرحلة الضروریة لمسیرة الوضع و هی مرحلة سببیة اللفظ مع القرینة للمعنی».

علی الوضع و متأخّرة عنه،((1)) فإنّ الوضع کما سیأتی هو جعل اللفظ بإزاء المعنی حتّی یکون وجوداً للمعنی أو یکون علامة علیه و الملازمة بین اللفظ و المعنی تتحقّق بعد ذلک.

ثانیاً: إنّها أمر اعتباری و لا خارجیة لها و ستأتیک زیادة التوضیح عند بیان الأقوال الاعتباریة.

و الوجه فی التعبیر بالملازمة هو أنّ حضور اللفظ یستتبع حضور المعنی و هکذا بالعکس حضور المعنی مستتبع لحضور الألفاظ الذهنیة.

القول الثالث: نظریّة التعهّد
اشارة

القول الثالث: نظریّة التعهّد (2) عن المحقق النهاوندی و الحائری و الخوئی (قدس سرهم)

إنّ الوضع من الأمور الواقعیة و هو التعهد و الالتزام علی ذکر اللفظ عند

ص: 88


1- فی الرافد، ص170: «إنّ الوضع علی نوعین: الوضع بالمعنی المصدری و الوضع بالمعنی الاسم المصدری و الملازمة الواقعیة و إن کانت متفرعة عن الأوّل لکنّها هی الوضع بالمعنی الثانی و مراد صاحب هذا المسلک عند ما یعرف الوضع بالملازمة الواقعیة هو المعنی الثانی لا الأوّل فلایرد الإشکال المذکور».
2- . فی الرافد، ص174: «المسلک الثالث: مسلک التعهد و قد ذهب إلیه مجموعة من أعلام الأصول أوّلهم کما نعلم المحقق ملّا علی النهاوندی فی کتابه تشریح الأصول و المحقق الحائری فی کتاب الدرر و آغا رضا الإصفهانی فی کتاب وقایة الأذهان و وافقهم الأستاذ الخوئی (قدس سره) » و فی وقایة الأذهان، ص62: «أری أن ... تصرف عنان الهم نحو معرفة ما یحصل به ذلک الاختصاص أو التخصیص أو التعیین أو الارتباط و یتوصل بذریعته إلی هذه الأمور و یترتب علیه المقصود من جعل الدلالة و لایمکن جمیع ذلک إلّا بالتعهد أعنی تعهد المتکلم للمخاطب و التزامه له بأنّه لاینطق بلفظ خاص إلّا عند إرادته معنی خاصاً أو أنّه إذا أراد إفهامه معنی معیّناً لایتکلم إلّا بلفظ معیّن فمتی تعهد له بذلک و أعلمه به حصلت الدلالة و حصل الإفهام و لایکاد یحصل بغیر ذلک فلنا فی المقام دعویان: حصول الوضع بالتعهد المذکور و عدم إمکان حصوله بغیره» الخ. و فی مناهج الوصول، ج1، ص58 و تحریرات فی الأصول، ج1، ص293 و 296 نسباه إلی المحقق الرشتی (قدس سره) .

إرادة تفهیم المعنی (و هذا البیان علی نظریة المحقق النهاوندی (قدس سره)). ((1))

أو هو التعهد علی تفهیم المعنی باللفظ أو إبراز المعنی باللفظ عند إرادة تفهیم المعنی (و هذا البیان علی نظریة المحقق الحائری((2)) و المحقق الخوئی (قدس سرهما)).

ص: 89


1- فی نهایة النهایة، ص7: «و ممّن أطال الکلام فی بیان حقیقة الوضع و نسج نسجاً معجباً و مع ذلک لم یأت بشیء ینتج الأثر المقصود من وضع الألفاظ هو المحقق النحریر الملّا علی النهاوندی (قدس سره) فإنّه ذهب إلی أنّ الوضع هو التعهد و البناء بعدم ذکر اللفظ إلّا عند إرادة تفهیم المعنی و أوضحه بما لا مزید علیه قال: ... و هی [أی حقیقة الوضع] لیست إلّا تعهد الواضع لغیره بأن لایتکلم باللفظ الفلانی إلّا عند إرادة تفهیم المعنی الفلانی». ثمّ أورد علیه و قال: «وعلی ما أفاده (قدس سره) یکون معنی جملة زید قائم، إرادات ثلث: إرادة إحضار صورة زید و إرادة إحضار صورة قائم و إرادة إحضار صورة النسبة و هو بمعزل عن مفاد تلک الجملة لأنّ المستفاد منها هو ثبوت القیام لزید و علیه فلایترتب الغرض من الوضع علی ما ذکره (قدس سره) من التعهد فتدبر».
2- قال (قدس سره) فی درر الفوائد، ص35: «لایعقل جعل العلاقة بین الأمرین الذین لا علاقة بینهما أصلاً و الذی یمکن تعقله أن یلتزم الواضع انّه متی أراد معنی و تعقله و أراد إفهام الغیر تکلم بلفظ کذا فإذا التفت المخاطب بهذا الالتزام ینتقل إلی ذلک المعنی عند استماع ذلک اللفظ منه فالعلاقة بین اللفظ و المعنی تکون نتیجة لذلک الالتزام».

و لهذا المبنی خصوصیات خمس:((1))

الخصوصیّة الأولی: الوضع علی هذا المبنی لیس أمراً اعتباریاً بل هو فعل نفسانی.

الخصوصیّة الثانیة: علی هذا المبنی لابدّ أن یکون کل مستعمل واضعاً و بعبارة أخری کل مستعمل هو متعهّد بذلک فهو الواضع (أی المتعهد بذکر اللفظ عند إرادة تفهیم المعنی) فإنّ التعهد و الالتزام لایتعلّق بفعل الغیر بل یتعلّق بفعل نفسه نعم الواضع یطلق عرفاً علی من لم یکن تعهده مسبوقاً بتعهّد قبله. ((2))

الخصوصیّة الثالثة: إنّ تقسیم الوضع إلی التعیینی و التعیّنی باعتبار أنّ التعهد تارةً مسبوق بکثرة الاستعمال و تارةً غیر مسبوق بها. ((3))

ص: 90


1- فی الرافد، ص176 - 178: «مختار الأستاذ السید الخوئی (قدس سره) من کون الدلالات التفهیمیة ناشئة عن التعهد و بیانه فی خمس نقاط» و هی حاجة الإنسان إلی التعهد، شمولیة التعهد للواضع و المستعمل، کون متعلق التعهد قصد التفهیم لا خطور المعنی، کون الدلالة المتفرعة عن الوضع هی الدلالة التفهیمیة مباشرة لا الدلالة التصوریة و کون منشأ الانتقال للمدلول التفهیمی عند سماع اللفظ أصلاً عقلائیاً هو أنّ الإنسان العاقل یسیر علی وفق القانون الذی التزم به لا قانون السببیة».
2- فی بحوث فی علم الأصول، ج1، ص78: «تتمیز هذه النظریة بنقاط ثلاث: 1) إنّ التعهد یفسر التلازم بین اللفظ و المعنی المحقِّق للدلالة بقضیة شرطیة یتعهد بها الواضع طرفاها النطق باللفظ و إفهام المعنی... 2) إنّ الدلالة الناتجة عن الوضع علی أساس هذه النظریة تکون دلالة تصدیقیة لا تصوریة فحسب ... 3) إنّ کل مستعمل ینقلب إلی واضع حقیقة علی ضوء هذه النظریة لأنّه متعهد ضمناً بأن لاینطق باللفظ إلّا عند إرادة إفهام معناه الخاص و لا فرق بینه و بین الواضع إلّا أنّ الأخیر هو المتعهد الأوّل الأسبق زماناً» الخ و النطقة الثالثة هی الخصوصیة الثانیة فی المتن. و فی المحاضرات، ط.ق. ج1، ص46 و ط.ج. ص50: «و علی ضوء هذا البیان تبین أنّ کل مستعمل واضع حقیقة» الخ.
3- فی المحاضرات، ط.ق. ج1، ص49 و ط.ج. ص53: «إن الوضع بذلک المعنی الذی ذکرناه ... یصحّ تقسیمه إلی التعیینی والتعینی باعتبار أنّ التعهد و الالتزام المزبور إن کان ابتدائیاً فهو وضع تعیینی و إن کان ناشئاً عن کثرة الاستعمال فهو وضع تعینی» الخ.

الخصوصیّة الرابعة: إنّ الدلالة إمّا تصوریة و إمّا تصدیقیة، و التصدیقیة إمّا علی المراد الاستعمالی و إمّا علی المراد الجدی.

أمّا الدلالة التصوریة فلاتستند إلی العلقة الوضعیة علی هذا المسلک بل إلی أنس الذهن، لأنّ العلقة الوضعیة مختصّة بما إذا قصد المتکلم تفهیم المعنی باللفظ فالدلالة التصوریة حیث إنّها غیر قصدیة فهی خارجة عن محدودة العلقة الوضعیة أمّا القائلون بأنّ الوضع أمر اعتباری فیقولون: إنّ الدلالة التصوریة أیضاً مستندة إلی الوضع. نعم إطلاق الدلالة علیها محل الکلام لأنّ الدلالة تابعة للإرادة.((1))

الخصوصیّة الخامسة: قال المحقق الخوئی (قدس سره) فی الدراسات:((2)) إنّ المعنی الموضوع له لیس هو ذات المعنی بل إرادة تفهیم المعنی.

لکن ما أفاده فی محاضرات((3)) ینافی ذلک حیث قال: الإرادة التفهیمیّة لم تؤخذ فی المعنی الموضوع له بل أخذت فی الوضع، بمعنی أنّ العلقة الوضعیة تختص بما إذا أراد المتکلم تفهیم المعنی باللفظ.((4))

ص: 91


1- فی المحاضرات، ط.ق. ج1، ص45 و ط.ج. ص48: «إنّ العلقة الوضعیة حینئذٍ تختص بصورة إرادة تفهیم المعنی لا مطلقا و علیه یترتب اختصاص الدلالة الوضعیة بالدلالة التصدیقیة» و فی ص117: « قد وقع الکلام بین الأعلام فی أنّ الدلالة الوضعیة هل هی الدلالة التصوریة أو أنّها الدلالة التصدیقیة ؟... التحقیق حسب ما یقتضیه النظر الدقیق هو القول الثانی... و علی الجملة قد ذکرنا سابقاً أن اختصاص الدلالة الوضعیة بالدلالة التصدیقیة لازم حتمی للقول بکون الوضع بمعنی التعهد و الالتزام و أمّا الدلالة التصوریة - و هی الانتقال إلی المعنی من سماع اللفظ- فهی غیر مستندة إلی الوضع، بل هی من جهة الأنس الحاصل من کثرة الاستعمال أو من أمر آخر»
2- دراسات فی علم الأصول، ج1، ص32.
3- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص107 و ط.ج. ص120
4- و نوقش فی هذه النظریة عدة مناقشات: الأولی: ما ذکره فی نهایة النهایة، ص7 و قد أشرنا إلیها عند التعلیقة علی «و هذا البیان علی نظریة المحقق النهاوندی (قدس سره) » فی الصفحة السابقة. الثانیة: ما فی نهایة النهایة، ص23، إذ قال: «و حیث عرفت اتحاد حیثیة دلالة اللفظ مع حیثیة دلالة سائر الدوال تعرف أنّه لا حاجة إلی الالتزام بأنّ حقیقة الوضع تعهد ذکر اللفظ عند إرادة تفهیم المعنی کما عن بعض أجلّة العصر فانّک قد عرفت أنّ کیفیة الدلالة و الانتقال فی اللفظ و سائر الدوال علی نهج واحد بلا إشکال» الخ. الثالثة: ما فی فوائد الأصول، ج1-2، ص30: «من المقطوع انّه لم یکن هناک تعهد من شخص لذلک و لم ینعقد مجلس لوضع الألفاظ». الرابعة: ما فی نهایة الأفکار، ج1، ص28: «إنّ إرجاع الوضع إلی تعهد الواضع بذکر اللفظ عند إرادة المعنی أیضا غیر مستقیم فإنّه بعد أن کان مرجع التعهد المزبور إلی إرادة ذکر اللفظ عند إرادة المعنی نقول» الخ. و فی منتقی الأصول، ص61 – 65 یصوّر أنحاء ثلاثة للمراد من التعهد و یورد علی کل منها و فی دروس فی علم الأصول، ج1، ص185 یذکر إیرادین و فی الرافد، ص179– 184، یجیب عن الإیراد الأوّل للسیّد الصدر (قدس سره) ولکن یذکر اعتراضین من جانب نفسه علی هذا القول و راجع أیضاً تسدید الأصول، ج1، ص20.
أدلّة نظریة التعهد أربعة:
الدلیل الأول:
اشارة

إنّ المحقق الخوئی (قدس سره) بعد إبطال سائر الآراء قال: فالنتیجة علی ضوئها هی أنّ حقیقة الوضع لیست عبارة إلّا عن التعهد و الالتزام النفسانی.((1))

یلاحظ علیه:

لیس حصر عقلی فی البین حتی یستدلّ لإثبات نظریة ببطلان غیرها، مع ما سیجیء إن شاء الله تعالی من صحّة نظریة أخری ممّا أبطلها السیّد المحقق الخوئی (قدس سره) علی حسب رأیه الشریف.

ص: 92


1- المحاضرات، ط.ج. ص48 و ط.ق. ص44.
الدلیل الثانی:
اشارة

الرجوع إلی الوجدان و التأمّل فیه أقوی شاهد علیه.((1))

یلاحظ علیه:

إنّه سیأتی إن شاء الله ما هو مقتضی الوجدان فی حقیقة الوضع، بعد أسطر.

الدلیل الثالث:
اشارة

الغرض الباعث علی الوضع، قصد تفهیم المعنی و إبراز المقاصد بالألفاظ و هذا القصد لازم ذاتی للوضع بمعنی التعهّد و الالتزام، فلابدّ للإنسان أن یتعهد بذکر اللفظ عند إرادة تفهیم المعنی حتی یحصل الغرض.((2))

یلاحظ علیه:

إنّ الوضع علی مقتضی التحقیق هو جعل اللفظ بإزاء المعنی حتی یکون علامة علیه و یکون وجوداً اعتباریّاً تنزیلیّاً للمعنی و الغرض منه هو تفهیم المعنی فی مقام الاستعمال و یترتّب علی الجعل المذکور، الارتباط والملازمة الاعتباریّة بین حضور اللفظ و حضور المعنی، فحینئذٍ لابدّ من ذکر اللفظ عند ارادة المعنی حتی یحصل الغرض و هو التفهیم و التفهّم و هذه اللابدّیة داعیة إلی ذکر اللفظ عند إرادة تفهیم المعنی، من دون وجود تعهّد و التزام نفسانی، مع أنّ الوضع و العلقة الوضعیة قد تحقّقت قبل ذلک.

ص: 93


1- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص 44 و ط.ج. ص48 و فی زبدة الأصول، ج1، ص26: «و هذا المعنی ... ممّا یساعده الوجدان و الارتکاز».
2- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص44 و ط.ج. ص48.

فتحقّق الوضع فی الرتبة الأولی و وقوع العلقة الوضعیّة و الارتباط و الملازمة المذکورة فی الرتبة الثانیة و أمّا لابدیّة رعایتها لحصول الغرض فهی فی الرتبة الثالثة.

و هذه الأمور کافیة لتحقّق الغرض و حصوله من دون احتیاج إلی تعهّد من أحد من الناس، بل إن قلنا بتحقق الالتزام النفسانی و وجوده فی ضمیر المستعملین فإنّه أمر متأخّر عن العلقة الوضعیة و اللابدیّة المذکورة و هذا الالتزام النفسانی یکون فی الرتبة الرابعة.

و لعلّ منشأ هذا التوهّم هو أنّ الواضع قد یبرز اعتبار وضع اللفظ علی المعنی (الذی هو الوضع عندنا) بتعهّده و التزامه بذکر اللفظ عند إرادة تفهیم المعنی، حیث یقول بعد الاعتبار الوضعی وجعل اللفظ بإزاء المعنی: إنّی أتعهّد و ألتزم بذکر اللفظ عند إرادة المعنی، و قد خفی الاعتبار المذکور عنهم و لذا توهّموا أنّ الوضع هو التعهّد المبرز و هذا نظیر من اعتبر أن یکون اسم طفله کذا، و أبرز ذلک باستعمال هذا الاسم، مثل قوله: «أعطنی ولدی علیاً».

الدلیل الرابع:
اشارة

إنّ الوضع بذلک المعنی (التعهد) موافق للمعنی اللغوی حیث إنّه فی اللغة بمعنی الجعل و الإقرار و منه وضع اللفظ و منه وضع القوانین فی الحکومات الشرعیة و العرفیة فإنّه بمعنی التزام تلک الحکومة بتنفیذها فی الأمّة. ((1))

ص: 94


1- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص49 و ط.ج. ص53 و فی زبدة الأصول، ج1، ص26: «و هذا المعنی مضافاً إلی کونه موافقاً لمعنی الوضع لغة و هو الجعل و الإقرار» الخ.
أجوبة ثلاثة عن الدلیل الرابع:
الجواب الأوّل: ما أفاده بعض الأساطین (حفظه الله)
اشارة

((1))

إنّه لایمکن استبدال کلمة الجعل بکلمة الوضع((2)) فی موارد استعمالها کما فی قوله تعالی: (فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّی وَضَعْتُهَا أُنْثَی وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ)((3))

یلاحظ علیه:

إنّ للوضع معانی متعدّدة و هو قد یکون بمعنی الجعل کما سیأتی بیانه إن شاء الله تعالی و لاینافی ذلک استعماله بمعنی آخر فی سائر الموارد.

الجواب الثانی: ما أفاده بعض الأساطین (حفظه الله) أیضاً
اشارة

((4))

إنّ الوضع یقابله الرفع و الجعل یقابله التقریر و هذا برهان آخر علی اختلاف المعنی.

یلاحظ علیه:

أوّلاً: إنّ الوضع قد یکون بمعنی الجعل کما قال بعض اللغویّین:((5)) الوضع فی

ص: 95


1- تحقیق الأصول، ج1، ص70.
2- فی ریاض السالکین، ج7، ص122 فی شرح قوله (علیه السلام): «و لاتستبدل بی غیری»: «الاستبدال جعل الشیء مکان آخر و الباء للمقابلة أی لا تأخذ وتجعل بمقابلتی غیری کما قال تعالی: (أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِی هُوَ أَدْنَی بِالَّذِی هُوَ خَیرٌ) (البقرة:61) أی: أتأخذون الذی هو أدنی بمقابلة ما هو خیر فإن الباء تصحب الزائل الذاهب دون الآتی الحاصل کما فی التبدل و التبدیل فی مثل قوله تعالی: (وَمَنْ یتَبَدَّلِ الْکُفْرَ بِالْإِیمَانِ فَقَدْ ضَلَّ) (البقرة:108) الآیة و قوله: (وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَیهِمْ جَنَّتَینِ ذَوَاتَی أُکُلٍ خَمْطٍ) ( سبأ:16)».
3- سورة آل عمران(3):36.
4- تحقیق الأصول، ج1، ص70.
5- مفردات ألفاظ القرآن، ص526.

قوله تعالی: (وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ)((1)) عبارة عن الإیجاد و الخلق.

و قال أیضاً:((2))

الجعل فی قوله تعالی: (وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ)((3)) یجری مجری أوجَدَ.

و ثانیاً: ما أفاده من أنّ «الجعل یقابله التقریر» ممّا لایمکن المساعدة علیه، بل الجعل بمعنی الإیجاد مساوق للتقریر، سواء کان الإیجاد تکوینیاً أم اعتباریاً.

الجواب الثالث:

إنّ الوضع فی ما إذا استعملت بمعنی الجعل، لایفید معنی التعهّد و الالتزام بل التعهّد أمر متأخّر عنه.

ص: 96


1- سورة الرحمن(55):10.
2- فی مفردات ألفاظ القرآن، ص94: «جعل لفظ عام فی الأفعال کلّها و هو أعمّ من فعل و صنع و سائر أخواتها و یتصرف علی خمسة أوجه ... الثانی: یجری مجری أوجد فیتعدی إلی مفعول واحد نحو قوله عزّوجلّ: (وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ) (الانعام:1) (وَجَعَلَ لَکُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ)(النحل:78 و..)» و نقل عبارة الراغب، السیوطی فی الإتقان، ج1، ص469. و جاء التعبیر بأوجد فی تفسیر البیضاوی، ج1، ص222 و فی شرح الرضی علی الکافیة، ج4، ص221 و فی تفسیر کنز الدقائق، ج1، ص167 و فی تاج العروس فی مادة جعل أیضاً و جاء التعبیر بالخلق و الإحداث و الإنشاء و الإبداع و الاختراع و الصنع فی کلماتهم و لکن أکثر ما ذکروه هو الخلق و نحن نذکر من فسر الجعل فی الآیة الکریمة بهذه المعانی مرتباً لهم حسب تاریخ وفاتهم: أبواللیث السمرقندی (383) فی تفسیره، ج1، ص455؛ أبوهلال العسکری (395) فی الفروق اللغویة، ص376؛ الباقلانی (403) فی تمهید الأوائل و تلخیص الدلائل، ص282؛ الشیخ الطوسی (قدس سره) (460) فی التبیان، ج3، ص572؛ الواحدی (468) فی تفسیره، ج1، ص344 و... و ذکر عدّة وجوه للفرق بین الخلق و الجعل فراجع الکشاف و تفسیر الرازی، ج32، ص98 و البرهان و تفسیر أبی السعود و المیزان.
3- سورة الأنعام(6):1.
القول الرابع: نظریّة وسطیة الوضع بین التکوین و الاعتبار عن المحقّق النائینی
اشارة

و هو أنّ الوضع وسط بین التکوین و الاعتبار.

ملخّص بیانه (قدس سره) علی ما فی الدراسات:((1)) إنّ الأمور إمّا لها تحقّق اعتباری بالجعل و الاعتبار من الله کالأحکام الشرعیة و هذا یحتاج إلی بعث الرسل و إنزال الکتب لتبلیغ ذلک إلینا و إمّا لها تحقق تکوینی بالإرادة التکوینیة مثل خلقة الجواهر و الأعراض الخارجیة و إمّا یکون حدّاً وسطاً بینهما مثل الوضع و ذلک بأنّ الله تعالی ألهم واضع کل لغة أن یضع کل لفظ خاص علی معنی مخصوص لوجود المناسبة بینهما مناسبة ذاتیة تکوینیة مجهولة عندنا و هذا معنی کونه تعالی واضعاً.

إشکالات ثلاثة علی القول الرابع:
اشارة

إشکالات ثلاثة علی القول الرابع:((2))

الإشکال الأوّل:
اشارة

إنّ ادّعاء المناسبة الذاتیة المجهولة رجم بالغیب.((3))

یلاحظ علیه:

إنّه فی خصوص اللغة العربیة نحتمل قویاً وجود تلک المناسبة فی اللغات الأصلیّة القدیمة، کما أنّه قد یستفاد من الآیة الشریفة (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ کُلَّهَا)((4))

أنّه بوضع الله تعالی و بإلهامه بلا احتیاج إلی الوضع البشری و یؤیّده دقائق علم الحروف، فما أفاده لیس رجماً بالغیب بل هو استنباطه من الأدلّة الشرعیّة، نعم إنّ

ص: 97


1- دراسات فی علم الأصول، ج1، ص31.
2- راجع فی الإشکال علی نظریة المحقق النائینی (قدس سره) منتقی الأصول، ج1، ص51 - 53.
3- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص35 و ط.ج. ص37.
4- سورة البقرة(2):31.

دعوی المناسبة الذاتیّة فی جمیع اللغات لاتخلو عن التعسّف و لایمکن الالتزام بها.

الإشکال الثانی:
اشارة

إنّ الشیء إذا کان من الموجودات الحقیقیة بحیث لاتتوقف علی اعتبار المعتبر فهو أمر تکوینی و إلّا فهو من الأمور الاعتباریة فما تصوّره من الحد الوسط بین التکوین و الاعتبار غیر معقول.((1))

یلاحظ علیه:

((2))

إنّ الاعتبار الإلهی أو اعتبار الواضع البشری من عالم الاعتبار و لکن الإلهام أمر تکوینی خارجی حیث إنّه تعلیم و العلم أمر حقیقی خارجی و لعلّ مراده من الحدّ الوسط بین التکوین و الاعتبار وجود العناصر التکوینیة (الإلهام الإلهی) و الاعتباریة (الاعتبار الإلهی أو اعتبار الواضع البشری) فی حقیقة الوضع.

الإشکال الثالث:

إنّ ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره) من المناسبة الذاتیة و إن کان محتملاً فی خصوص المقام و لکن لم یذکر دلیل علیه فی کلماته.

مع أنّ عبارته مضطربة حیث إنّه تارة یقول: إنّ لکلّ لغة واضعاً (حیث قال:

ص: 98


1- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص35 و ط.ج. ص37.
2- فی منتقی الأصول، ج1، ص50: «و ظاهر أنّ الإیراد علی الوسطیة المزبورة بأنّه لایتصوّر وجود أمر وسط بین الواقعی و الجعلی ... غیر وجیه فان المحقّق المزبور لم یدع انّ حقیقة الوضع حقیقة ثالثة لیست بواقعیة و لا جعلیة و إنّ الوضع وسط بین الواقعی و الجعلی فی حقیقته إذ التزم بأنّه أمر اعتباری بید الشارع و إنّما الدعوی کونه وسطاً بلحاظ عدم ترتب الآثار العادیة المترتبة علی الاعتباریات الشرعیة علیه فهو وسط من حیث اللوازم و الآثار لا من حیث الحقیقة کما توهم».

واضع کل لغة) و أخری یقول: إنّه تعالی واضع و ثالثة یقول بوجود مناسبة ذاتیة تکوینیة بین اللفظ و المعنی و رابعة یقول بأنّ الوضع ربما فسّر بنفس العلقة و الاختصاص، کما أنّه قال: علی ما فی تقریرات درسه((1)) «و ربما فسّر الوضع بمعناه الاسم المصدری الذی هو عبارة عن نفس العلقة و الاختصاص الحاصل تارة من التعهد و أخری من کثرة الاستعمال».

القول الخامس: نظریّة الوجود التنزیلی
اشارة

القول الخامس: نظریّة الوجود التنزیلی (2) عن بعض الحکماء و الأصولیین

إنّ بعض الحکماء مثل المحقق الطوسی (قدس سره) و بعض الأصولیین مثل المحقق الإیروانی و العلامة المظفر (قدس سرهما) اعتقدوا بهذه النظریة.

ص: 99


1- فوائد الأصول، ج1، ص29.
2- . فی نهایة النهایة، ص7: «العلة الموجبة لصرف دلالة اللفظ إلی معنی خاص من بین سائر المعانی إنمّا هو التنزیل و ادعاء العینیة و الهوهویة بین لفظ خاص متخصص بمادته و هیأته و بین ذلک المعنی و بعد هذا التنزیل یصبح اللفظ آلة إشارة إلی المعنی یشار به إلیه کما کان من قبل یشار به إلی نفس اللفظ و هذا التنزیل و الادعاء یسمّی بالوضع و لا معنی للوضع سواه کما أنّه لایترتب الغرض من الوضع و هو فتح باب الدلالة إلّا علیه». و فی منتهی الأصول، ص15 و 16: «التحقیق فی المقام أنّ الوضع عبارة عن الهوهویة و الاتحاد بین اللفظ و المعنی فی عالم الاعتبار ... الاتحاد و الهوهویة علی قسمین: تکوینیة و اعتباریة، أمّا الاتحاد التکوینی و الهوهویة الواقعیة فلایمکن أن توجد بصرف الإنشاء و التشریع و أمّا الاعتباریة فلا مانع من إیجادها فی عالم الاعتبار بصرف الإنشاء و الجعل التشریعی... و أمّا الدلیل علی أنّ الوضع بهذا المعنی لا بالمعانی التی ذکروها (فأولاً) أنّه لا شک فی أنّ إلقاء اللفظ إلقاء المعنی عند إلقاء المراد إلی الطرف و معلوم أنّ إلقاء شیء لیس إلقاء شیء آخر إلّا فیما إذا کانت بینهما هوهویة و اتحاد... و (ثانیاً) قد تقرّر عندهم انّ لکل شیء أربعة أنحاء من الوجودات و عدّوا من جملتها الوجود اللفظی فلو لم یکن ذلک الاتحاد کیف یمکن أن یکون وجود شیء أجنبی عن شیء آخر وجوداً له مع أنّ اللفظ من مقولة الکیف المسموع و إن کان مقداره من مقولة الکم و المعنی من مقولة أخری؟ و لهذه الجهة أیضاً یسری قبح المعنی و حسنه إلی اللفظ» و فی الرافد، ص166: «الثالثة: انّ حقیقة الوضع فی نظرنا هی الهوهویة بین تصور اللفظ و تصور المعنی الحاصلة من مقدمات ثلاث: الجعل و الاستعمال مع القرینة و التلازم» الخ.

قال المحقق الطوسی (قدس سره) فی شرح منطق الإشارات: «إنّ الوضع عبارة عن اعتبار وجود اللفظ وجوداً تنزیلیاً للمعنی فهو هو فی عالم الاعتبار».((1))

و نظر المستعمل إلی اللفظ آلی و إلی المعنی استقلالی، بحیث إنّه لایری إلّا المعنی، فاللفظ فانٍ فی المعنی و لذا حسن المعنی و قبحه یسری إلی اللفظ و بهذا البیان تری أنّ الحکماء یعدّون للشیء وجوداً عینیاً و ذهنیاً و وجوداً کتبیاً و لفظیاً.

إشکالات أربعة من المحقق الخوئی (قدس سره) علی القول الخامس:
اشارة

((2))

الإشکال الأوّل:

(3)

إنّه عملیة دقیقة و هو بعید عن أذهان عامّة الواضعین سیّما القاصرین منهم کالأطفال مع أنّه قد یصدر عنهم الوضع عند الحاجة.((4))

ص: 100


1- شرح منطق الإشارات، ص21.
2- و للمحقق الروحانی (قدس سره) إیراد علی هذا القول مذکور فی منتقی الأصول، ج1، ص58-60 .
3- . فی الرافد، ص173: «و یلاحظ علی هذا الإیراد أوّلاً: النقض بمسلک التعهد فإنّ الأستاذ السید الخوئی (قدس سره) مع إیراد هذا الاعتراض علی مسلک الهوهویة یبتنی مسلک التعهد النفسانی بین الواضع و نفسه ... مع أنّ مسلک التعهد مورد لنفس الإشکال و هو بعده عن الأذهان العامیة الساذجة التی تمارس عملیة الوضع غالباً. ثانیاً: ان جعل الهوهویة أمر سهل یسیر لایحتاج لعمق الفکر و لا دقة التأمل لأنّه لون من ألوان المجاز و هو ما یسمّی بالاستعارة أی إلباس أحد الشیئین لباس الآخر و هذا ما یقوم به أغلب أبناء العرف فی محاوراتهم» الخ.
4- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص41 و ط.ج. ص44، الإیراد الأوّل.
الإشکال الثانی:
اشارة

((1))

إنّ الغرض الداعی إلی الوضع هو استعمال اللفظ فی المعنی الموضوع له حتّی یدلّ علیه و یفهم منه معناه، فالوضع مقدمة للاستعمال و الدلالة و من الواضح أنّ الدلالة اللفظیة إنّما تکون بین شیئین أحدهما دالّ و الآخر مدلول فاعتبار الوحدة بینهما بأن یکون وجود اللفظ وجوداً للمعنی أیضاً لغو و عبث.((2))

یلاحظ علیه:

إنّ الدلالة لاتبتنی علی التعدّد الحقیقی کما ورد «یا مَنْ دَلَّ عَلَی ذَاتِهِ بِذَاتِه» و «بِکَ عَرَفْتُکَ وَ أَنْتَ دَلَلْتَنِی»،((3)) مع أنّ اللفظ و المعنی متعدّدان حقیقةً و الوحدة بینهما اعتباریّة.

ص: 101


1- فی الرافد، ص172 یذکر الإیراد بهذه العبارة: «الثانی: إن الهدف من الوضع هو حصول الدلالة ... و من الواضح انّ الدلالة تتوقف علی طرفین متغایرین دالّ و هو صورة اللفظ و مدلول و هو صورة المعنی فجعل الهوهویة بینهما لاینسجم مع الهدف» الخ. ثمّ یجیب عنه بقوله: «انّ الدلالة فی نظر المورد عبارة عن علاقة السببیة و التلازم بین تصور اللفظ و تصور المعنی و لذلک یراها متقومة بطرفین فلا وجه لاعتبار الهوهویة بینهما، بینما الصحیح ما ذکرنا سابقاً من کون الدلالة و العلاقة الوضعیة عبارة عن الهوهویة و اندماج صورة المعنی فی صورة اللفظ و لذلک یکون اعتبار الهوهویة بینهما منسجماً تماماً مع نتیجة الوضع وهدفه». و فی منتقی الأصول، ج1، ص58 مناقشة فی هذا الإشکال فراجع.
2- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص41 و ط.ج. ص44، الإیراد الثانی؛ دراسات فی علم الأصول، ج1، ص31.
3- فی دعاء مولانا الحسین (علیه السلام) فی یوم عرفة: « کیف یستدل علیک بما هو فی وجوده مفتقر إلیک أیکون لغیرک من الظهور ما لیس لک حتی یکون هو المظهر لک، متی غبت حتی تحتاج إلی دلیل یدل علیک» راجع بحار الأنوار، ج95، ص225، نقلاً عن إقبال الأعمال و فی دعاء زین العابدین (علیه السلام) نقلاً عن أبی حمزة الثمالی: «بک عرفتک و أنت دللتنی علیک و دعوتنی إلیک و لولا أنت لم أدر ما أنت» راجع إقبال الأعمال، ج1، ص157 و فی توحید الإمامیة، ص 114 و 115: « روی أیضا مسنداً عن الفضل بن السکن عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: قال أمیرالمؤمنین (علیه السلام): اعرفوا الله بالله ... و روی أیضا عن محمد بن موسی بن المتوکل مسنداً عن عبد الأعلی عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال:... إنّما عرف الله من عرفه بالله فمن لم یعرفه به فلیس یعرفه إنّما یعرف غیره ... و روی الطبرسی عن أمیرالمؤمنین (علیه السلام) فی خطبة له قال: لیس بإله من عرف بنفسه. هو الدال بالدلیل علیه و المؤدی بالمعرفة علیه و روی المجلسی فی دعاء الصباح عن أمیرالمؤمنین (علیه السلام) قال: یا من دلّ علی ذاته بذاته» و راجع أیضاً شرح الأسماء الحسنی، ج1، ص50 و 51.
الإشکال الثالث:
اشارة

إنّ التنزیل و إن کان خفیف المؤنة إلّا أنّه لایحسن إلّا فیما کان بین المنزّل و المنزَّل علیه مناسبة تامّة مثل تنزیل الرجل الشجاع منزلة الأسد و لا مناسبة بین اللفظ و المعنی.((1))

یلاحظ علیه:

هذا فی التنزیل الذی منشأه الأمر الخارجی و لکن التنزیل فی الوضع، أمر اعتباری، من دون منشأ خارجی. (بخلاف تنزیل الرجل لوصف الشجاعة).

الإشکال الرابع:
اشارة

((2))

التنزیل لابدّ و أن یکون بلحاظ آثار المنزَّل علیه علی المنزَّل، و فی المقام لایثبت

ص: 102


1- دراسات فی علم الأصول، ج1، ص29.
2- فی الرافد، ص171 یذکر الإیراد بهذه العبارة: «الأوّل: ما ذکر فی المحاضرات و محصله: انّ تنزیل شیء مکان شیء آخر یحتاج إلی مصحح و المصحح للتنزیل ترتیب آثار المنزل علیه علی المنزل ... مع أنّه لاتترتب آثار المعنی من طلبه أو النفور منه علی اللفظ بمجرد هذا التنزیل فلا مصحح له». ثمّ یجیب عنه بقوله: «إن اعتبار الهوهویة بین صورة اللفظ و صورة المعنی لون من ألوان التنزیل و الاعتبارات الأدبیة المتوقفة علی وجود المصحح و المصحح کما ذکر هو ترتب آثار المنزل علیه علی المنزل إلّا أنّ هذا الترتب یکفی فی کونه مصححاً حصوله و لو بالواسطة و لا وجه لتوقف مصححیته علی الترتب المباشر فتنزیل الشجاع منزلة الأسد من الهیبة و العظمة فی النفوس یتمّ و لو بواسطة کثرة الحمل و الإطلاق و لایحتاج المصحح إلی الترتب المباشر» الخ.

شیء من خواصّ المعنی لللفظ، مثلاً لفظ العدم بعد الوضع لایکون محالاً.

یلاحظ علیه:

صفات المعنی تسری إلی اللفظ مثل الحسن و القبح و أمّا مثال العدم، فیرد علیه أنّ مفهوم العدم و معناه لیس مستحیلاً بل مصداقه مستحیل و اللفظ وُضع للمعنی لا للمصداق.

ملاحظتنا علی القول الخامس:

إنّ مقتضی التحقیق هو أنّ حقیقة الوضع أمر متقدّم علی ما ادّعوه من الوجود التنزیلی و لکن بعد تحقّق الوضع یتفرّع علیه هذا التنزیل الاعتباری.

بیان للمحقق العراقی (قدس سره) یوهم اختیاره للقول الخامس:

قد تقدّم أنّ المحقق العراقی (قدس سره) اختار النظریّة الثانیة و لکن قد توهّم أنّه یقول بالنظریّة الخامسة لأنّه یقول فی ابتداء کلامه ما یوهم ذلک حیث قال:((1))

إنّ هذه العلقة هی نحو من الارتباط الحاصل بین المرآة و المرئی بحیث لایلتفت إلی اثنینیّتهما و یحسب أحدهما قالباً للآخر و نحو وجود له و کانا بنحو یکون الانتقال إلی أحدهما عین الانتقال إلی الآخر و ربّما تسری صفات أحدهما إلی الآخر، فقبح المعنی ربّما تسری إلی اللفظ کما أنّ تعقید اللفظ قد یسری إلی المعنی و بذلک تمتاز نسبة الألفاظ إلی معانیها عن نسبة العلامات إلی ذیها.

و لکن قال بعد ذلک بواقعیتها و خارجیتها((2)) قال: إنّه لیست تلک العلاقة و

ص: 103


1- نهایة الأفکار، ج1، ص25؛ مقالات الأصول، ج1، ص 60 - 68.
2- نهایة الأفکار، ج1، ص26.

الارتباط الخاص من سنخ الإضافات الخارجیة کالفوقیة و التحتیة و لا من سنخ الاعتباریات التی لایکون صقعها إلّا الذهن کما فی النسب بین الأجزاء التحلیلیة فی المرکبات العقلیة مثل الإنسان و الحیوان الناطق، بل و إنّما هی متوسطة بین هاتین فکانت سنخها من قبیل الاعتباریات التی کان الخارج موطن منشأ اعتبارها، کما فی الملکیة و الزوجیة و نحوهما من الاعتباریات مما لایکون الخارج موطن نفسها بل موطن مصحّح اعتبارها من الإنشاء القولی أو الفعلی.

و لکن مع ذلک لها واقعیة بمعنی أنّ صقعها قبل وجود اللفظ فی الخارج و إن لم یکن إلّا الذهن، إلّا أنّها بنحو ینال العقل خارجیّتها عند وجود طرفیها تبعاً لها بنحو القضیّة الحقیقیة بأنّه لو وجد اللفظ وجد العلاقة و الارتباط بینه و بین المعنی، نظیر الملازمات کالملازمة بین النار و الحرارة، فکما أنّ صقع هذه الملازمة قبل وجود النار فی الخارج لایکون إلّا الذهن و بوجود النار و تحققها تصیر الملازمة تبعاً لوجود طرفیها خارجیة؛ کذلک تلک العلاقة و الارتباط الخاص بین اللفظ و المعنی فإنّ العلقة الحاصلة بینهما بالجعل لما کانت بین الطبیعتین یعنی طبیعة اللفظ و طبیعة المعنی فقبل وجود طرفیها خارجاً لایکون صقعها إلّا الذهن و لکن بعد وجود طرفیها تبعاً لهما، تصیر الملازمة بینهما أیضاً خارجیّة، فکلما وجد اللفظ فی الخارج یتحقق العلقة و الارتباط بینه و بین المعنی و یکفی فی خارجیّتها کون الخارج ظرفاً لمنشأ انتزاعها.

یلاحظ علیه:

(1)

الحق أن یقال: إنّ تلک العلقة الوضعیة أمر اعتباری، لأنّ طرفیها طبیعی

ص: 104


1- . فی الرافد، ص169: «إنّ تعبیرات المحقق العراقی (قدس سره) مختلفة فتارة یقول بأنّ الوضع هو الملازمة الاعتباریة و تارة یقول بأنّه الملازمة الواقعیة و صار هذا سبباً للإیراد علی المحقق المذکور من قبل الأعلام بأنّ الملازمة الاعتباریة تختلف عن الملازمة الواقعیة ... و لکنّ الصحیح أنّ مقصود المحقق العراقی (قدس سره) أنّ الوضع عبارة عن کلی الملازمة الجامع بین مراحل الوضع و درجاته فهذه الملازمة فی المرحلة الأولی من مراحل الوضع ملازمة اعتباریة و هی عبارة عن جعل التلازم بین اللفظ و المعنی و اعتبارهما متلازمین و هذه الملازمة أیضاً فی المرحلة الأخیرة من الوضع ملازمة واقعیة و هی عبارة عن استلزام تصور اللفظ لتصور المعنی فاختلاف التعبیر عن الملازمة ناظر لاختلاف مراحلها و درجاتها و إلّا فالوضع بالمعنی العام الشامل هو العنوان الانتزاعی و هو عنوان الملازمة الشامل للملازمتین الاعتباریة و الواقعیة».

اللفظ و طبیعی المعنی، لا الوجود الخارجی أو الذهنی من اللفظ و المعنی بل طبیعی المعنی لایوجد فی الخارج لاعتباریّة الطبائع و الماهیّات.

نعم لیست اعتباریة محضة کأنیاب الأغوال بل لها واقعیة فی وعاء الاعتبار، مثلاً إذا تنازع رجلان فی ملکیة دار، کان أحدهما مالکاً واقعاً فی وعاء الاعتبار و الآخر لیس بمالک.

و لاینبغی التعبیر بخارجیة العلقة الوضعیة و الارتباط الموجود بینه و بین المعنی بعد وجود اللفظ فی الخارج.

ثم إنّه -علی تفسیر الوضع بالمعنی المصدری- هو أمر اعتباری عند هذا المحقق فی الوضع التعیینی أمّا علی تفسیره بالمعنی اسم المصدری أیضاً فالأولی عدّ نظریته فی عداد القائلین بالاعتباریة لأنّه عنده کالملکیة الاعتباریة.

القول السادس: نظریة السیّد الصدر (قدس سره)
اشارة

القول السادس: نظریة السیّد الصدر (قدس سره) ((1))

إنّ الوضع لیس مجعولاً تشریعیاً و لا اعتباریاً، بل هو أمر تکوینی بمعنی أنّ الواضع یمارس عملیة الاقتران بین اللفظ و المعنی بشکل أکید بالغ و هذا الاقتران إذا کان علی أساس العامل الکمّی (کثرة التکرار) سمّی بالوضع التعیّنی

ص: 105


1- مباحث الدلیل اللفظی، ج1، ص81.

و إذا کان علی أساس العامل الکیفی سمّی بالوضع التعیینی.

و بذلک نشأت العلقة الوضعیة أعنی السببیة و الاستتباع بین ذلک الصوت المخصوص و المعنی المخصوص.

بیان ذلک: إنّ الله تعالی جعل الإحساس بالشیء سبباً فی انتقال الذهن إلی صورته و هذا قانون تکوینی و یوجد قانونان تکوینیّان آخران:

أحدهما: قانون انتقال صورة الشیء إلی الذهن عن طریق إدراک المشابه.

ثانیهما: قانون انتقال صورة الشیء إلی الذهن عن طریق إدراک الذهن لما وجده مقترناً بذلک الشیء علی نحو أکید بلیغ مثلاً نسمع صوتاً مشابهاً لزئیر الأسد فبحکم القانون التکوینی الأوّل ینتقل هذا الصوت إلی الذهن بسبب الإحساس السمعی به ثم ینتقل الذهن إلی صوت زئیر الأسد نتیجة المشابهة بینهما بحکم القانون التکوینی الثانی.

ثم ینتقل الذهن إلی نفس صورة الأسد الملازم خارجاً مع صوته بحکم القانون التکوینی الثالث و قد حاول الإنسان أن یستفید من القانون التکوینی الثالث لوضع اللفظ المخصوص و جعله مقترناً و مشروطاً بمعنی مخصوص اقتراناً أکیداً فنشأت العلقة الوضعیة.

إیرادات ثلاثة علی القول السادس:
الإیراد الأوّل:

عملیة الاقتران المذکور فی وضع الألفاظ لمعانیها لیست إلّا اعتبار الواضع فهی لیست عملیة تکوینیة حتی یقال: «إنّ الوضع أمر تکوینی، لا مجعول اعتباری» بل وعاء عملیة الاقتران المذکور لیس إلّا عالم الاعتبار ثم أبرزه

ص: 106

الواضع (أی أبرز الاعتبار) ببیانه.

لایقال: إنّ الوضع بالمعنی المصدری عملیة ذهنیة للواضع.

لأنّه یقال: هل وعاء هذه العملیة وعاء الوجودات الذهنیة أو إنّها عملیة بمعونة الذهن فی وعاء عالم الاعتبار لا عالم الوجودات الذهنیة و هذا الأمر الثانی معنی اعتباریة الوضع بالمعنی المصدری.

هذا کلّه علی تفسیر الوضع بالمعنی المصدری.

الإیراد الثانی:

العلقة الوضعیة (التی هی الوضع بالمعنی اسم المصدری) أیضاً لیس أمراً تکوینیاً.

إنّه قال: العلقة الوضعیة أعنی السببیة و الاستتباع بین ذلک الصوت المخصوص و المعنی المخصوص فیقال: هل یکون الاقتران المذکور بین الوجودین الخارجیین للفظ و المعنی أو الوجودین الذهنیین أو بین طبیعی اللفظ و طبیعی المعنی؟

و الحق هو أنّ الارتباط بین طبیعی اللفظ و طبیعی المعنی، لا الموجود منهما خارجاً أو ذهناً، فإنّ الارتباط المذکور ثابت و لو لم یتلفّظ بلفظ و لم یوجد مفهومه فی الذهن.

فهذه العلقة و الارتباط أمر فی وعاء الاعتبار.

الإیراد الثالث:

التعبیر بالاقتران و الاشتراط أیضاً لیس تعبیراً تامّاً و سیجیء التعبیر الصحیح التامّ فانتظر (و هو التعبیر بالعَلَم أو العلامة).

ص: 107

القول السابع: نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره)
اشارة

القول السابع: نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) ((1)) و هو المختار

إنّ الوضع هو اعتبار وضع اللفظ علی المعنی فیختصّ به((2)) و تتحقّق الملازمة بین حضور اللفظ و حضور المعنی عند الملتفت إلی الاعتبار المزبور.

و لاریب فی ارتباط اللفظ بالمعنی و اختصاصه به و إنّما الإشکال فی حقیقة هذا الاختصاص و الارتباط و أنّه معنی مقولی أو أمر اعتباری.

تحقیق الکلام فیه: إنّ حقیقة العلقة الوضعیة لایعقل أن تکون من المقولات الواقعیة و لا الاعتبارات الذهنیة((3)) حیث إنّ الاختصاص الوضعی بین طبیعی اللفظ و المعنی دون الموجود الذهنی منهما أو الخارجی منهما.

و إنّما نقول باعتباریّته لأنّ الموضوع و الموضوع له، طبیعی اللفظ و طبیعی المعنی، لا الموجود الذهنی أو الخارجی منهما.((4))

ثم إنّ الاختصاص الوضعی لا حاجة فی وجوده إلّا إلی اعتبار من الواضع و اعتبار کل معتبر قائم به بالمباشرة لا بالتسبیب کی یتسبب إلی اعتبار نفسه بقوله: «وضعتُ».

و حیثیة دلالة اللفظ علی معناه و کونه بحیث ینتقل من سماعه إلی معناه مثل حیثیة سائر الدوال کالعَلَم المنصوب علی رأس الفرسخ -فإنّه ینتقل من النظر

ص: 108


1- نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ج1، ص44؛ بحوث فی الأصول، ص23.
2- و فی مباحث الأصول، ص33: «الوضع هو جعل اللفظ مستلزماً للمعنی فی الإدراک باعتباره موضوعاً علیه فالوضع الاعتباری هو المحقِّق للاستلزام فی الانتقال».
3- فی الأصول علی النهج الحدیث: «لایعقل أن تکون العلقة الوضعیة من الأعراض المقولیة لاحتیاجها إلی موضوع محقق فی الخارج و لا من العوارض الذهنیة لاحتیاجها إلی موضوع ثابت فی الذهن».
4- فی الأصول علی النهج الحدیث: «لأنّ الوضع للانتقال و هو نحو وجود إدراکی و المماثل لایقبل المماثل و المقابل لایقبل المقابل» و أورد علیه فی مباحث الأصول، ص33.

إلیه إلی أنّ هذا الموضع رأس الفرسخ- فشأن الواضع اعتبار وضع لفظ خاص علی معنی خاص.

و ظهر أنّ الاختصاص و الارتباط و الملازمة بین حضور اللفظ و حضور المعنی عند الملتفت إلی الاعتبار الوضعی کلّها من لوازم الوضع لا عینه.

و مسلک العَلامیّة لبعض الأساطین (حفظه الله) قریب من هذه النظریة بل یمکن أن یقال بأنّه یستفاد من هذه النظریة، و لهذا القول منشأ روائی، لما ورد عن علی بن موسی الرضا (علیه السلام) فی جواب السؤال عن معنی السّمة فی «بسم الله»، فقال (علیه السلام): «هِی الْعَلَامَة».((1))

مناقشتان فی القول الخامس من المحقق الخوئی (قدس سره):
اشارة

مناقشتان((2)) فی القول الخامس من المحقق الخوئی (قدس سره):((3))

المناقشة الأولی:
اشارة

إنّه معنی بعید عن الأذهان.

ص: 109


1- معانی الأخبار، الشیخ الصدوق (قدس سره)، ص3؛ و فی شرح أصول الکافی، ج4، ص221، عند شرح قوله (علیه السلام): «نحن و الله الأسماء الحسنی التی لایقبل الله من العباد عملاً إلّا بمعرفته» «و یحتمل أن یراد بها [أی بالأسماء الحسنی] ذواتهم لأنّ الاسم فی اللغة العلامة و ذواتهم القدسیة علامات ظاهرة لوجود ذاته و صفاته» الخ. و فی شرح الأسماء الحسنی، ج1، ص215: «یمکن أن یراد بالأسماء الحسنی فی هذا الاسم الشریف الأئمة الأطهار (علیهم السلام) کما ورد عنهم نحن الأسماء الحسنی الذین لا یقبل الله عملاً إلّا بمعرفتنا و فی کلام أمیرالمؤمنین علی (علیه السلام) أنا الأسماء الحسنی قال الاسم من السمة و هی العلامة و لا شک أنّهم علائمه العظمی و آیاته الکبری» و ظاهر أنّ «قال» مصحف و الصواب «فإنّ». و فی البیان فی تفسیر القرآن، ص424: «الاسم فی اللغة بمعنی العلامة».
2- و فی منتقی الأصول، ص56 و 57 مناقشتان أخریان فی هذا القول .
3- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص43 و ط.ج. ص47.
جواب عن المناقشة الأولی:

((1))

فیه ما لایخفی بل إنّه تحلیل للعمل المتداول العرفی.

المناقشة الثانیة:
اشارة

إنّ الوضع فی العَلَم علی رأس الفرسخ له ثلاثة أرکان: الموضوع و الموضوع علیه و الموضوع له و لکن الوضع الاعتباری بین اللفظ و المعنی له رکنان: الموضوع و الموضوع له.

جواب عن المناقشة الثانیة:

((2))

إنّ کلامه فی اتحاد حیثیة الدلالة فی وضع الألفاظ و وضع سائر الدوال مثل

ص: 110


1- فی منتقی الأصول، ج1، ص55 ذکر الإیراد بهذه العبارة: «ان هذا المعنی من المعانی الدقیقة للوضع التی لایلتفت إلیها العرف فی أوضاعهم فلایتناسب مع کون الوضع من الأمور العرفیة التی یتولاها أفراد العرف». ثم أجاب عنه بقوله: «إنه ینقض بکثیر من الأمور العرفیة التی قام الخلاف فیها علی قدم وساق کالخبر و الإنشاء ... و هکذا الکلام فی معانی الحروف ... فهذا دلیل علی أنّ کون المعنی من الأمور الدقیقة لایتنافی مع کونه عرفیاً. بل التعهد الذی التزم به من أدقّ ما ذکر للوضع من معان کما ستعرف للاختلاف فی تحدیده و التعبیر عنه و السر فی ذلک الذی یکون حلا للجمیع هو أنّ» الخ.
2- فی منتقی الأصول، ج1، ص55: «إنّ ما أفاده المحقق المزبور لاینافی صحة التعبیر عن المعنی بالموضوع له، باعتبار أنّ اللفظ إنّما وضع علی المعنی للدلالة علی المعنی و الانتقال إلیه عند ذکر اللفظ فالمقصود من کون المعنی موضوعاً له انّه قد وضع اللفظ للدلالة علیه فاللام بمعنی الغایة فالمعنی بهذا البیان موضوع علیه و موضوع له و التعبیر عنه عادة بالموضوع له انّما هو لأجل کون الغرض من الوضع هو إفادة المعنی و الدلالة علیه باللفظ و نفس الوضع ملحوظ طریقاً إلی هذه الجهة کما لایخفی و لکنّه مع هذا یصح التعبیر عنه بالموضوع علیه بلحاظ جهة نفس الوضع و لا محذور فیه». و فی تسدید الأصول، ج1، ص20: «إنّ القائل به لایرید إلّا التشبیه من حیث إنّ اللفظ أینما و مهما تحقق فهو کعلامة ینتقل منه إلی المعنی و لیس التشبیه من الجهات الأخر».

العلم المنصوب من حیث العلامیّة، لا اتحاد الأرکان فإنّ الدلالة هی بین الموضوع بعنوان الدالّ و بین الموضوع له بعنوان المدلول و مع وجود الموضوع علیه هو أیضاً مدلول حیث إنّ رأس الفرسخ یکون من موضعه فالإشکال غیر تامّ.

النظریّة المختارة من بین الأقوال:

إنّ المختار من بین الأقوال((1)) هو القول السابع، فعلی هذا لابدّ أن یقال:

«الوضع هو جعل اللفظ بإزاء المعنی، حتّی یکون علامة علیه»، ثمّ یتحقّق الملازمة بین حضور اللفظ و حضور المعنی و بعد ذلک یکون اللفظ وجوداً اعتباریّاً تنزیلیّاً للمعنی و ذلک لشدّة الأنس بین اللفظ و المعنی.

ص: 111


1- هنا قول آخر ففی جواهر الأصول، ج1، ص84: «إنّ الوضع - کما أشرنا - عبارة عن تعیین اللفظ للمعنی و جعله علامة لها من دون أن یتحقق فی الخارج شیء من ربط و علاقة واقعیة بینهما بل حال اللفظ و المعنی بعد الوضع حالهما قبل الوضع نعم یوجد بینهما ربط اعتباری». و فی تسدید الأصول، ج1، ص19: «حقیقة الوضع إنّما هو جعل اللفظ اسماً للمعنی». و فی وسیلة الوصول، ص29: «لا إشکال فی إمکان کونه [أی الوضع] التزاما من الواضع الأوّل بأن لایستعمل اللفظ إلّا مریداً به المعنی ... کما لا إشکال فی إمکان کونه علقة جعلیة بین اللفظ و المعنی بجعل من بیده الجعل و الاعتبار هذا اللفظ لذلک المعنی بحیث لو تجاوز عنه لکان مستعملا فی غیر ما جعل له أو انجعاله لذلک المعنی من جهة کثرة استعماله فیه فتکون تلک العلاقة کعلاقة الملکیة حدوثاً و بقاءً ... و الحق أنّ ما یقع فی الخارج هو النحو الثانی» الخ و للمحقق الحکیم فی حقائق الأصول، ج1، ص17 تحقیق فلیراجع و راجع أیضاً ما جاء فی تحریرات فی الأصول، ج1، ص58.

ص: 112

الأمر الثانی: فی تقسیمات الوضع (هنا تقسیمان)

التقسیم الأوّل: الوضع شخصی و نوعی
اشارة

(1)

إنّ الوضع قد یکون شخصیاً و قد یکون نوعیاً و الوضع الشخصی هو أن یتصوّر الواضع شخص اللفظ و یضعه للمعنی و الوضع النوعی هو أن

ص: 113


1- . فی هدایة المسترشدین، ج1، ص160: «الرابعة الوضع باعتبار الموضوع قد یکون شخصیاً و قد یکون نوعیاً و ذلک لأنّ الواضع إمّا أن یلاحظ شخصاً من اللفظ متعیناً بمادته و هیأته و یضعه بإزاء المعنی فالوضع فیه شخصی لتعلقه بشخص معین من اللفظ غیر ممکن الصدق علی ألفاظ مختلفة و إن کان بحسب الواقع کلیاً لتعدده بحسب تعدد أزمنة الاستعمال و تعدد المستعملین و لو فی زمان واحد فإن ذلک لایوجب تعدداً فی نفس اللفظ و إنّما یقضی بتعدد الاستعمال فوحدة اللفظ من قبیل الوحدة النوعیة لاینافی التکثر فی الوجود فلیس المراد بالشخص فی المقام ما لایمکن صدقه علی کثیرین کما یتراءی فی بادئ النظر، بل المراد به - کما قلنا - هو اللفظ المخصوص الذی یستحیل صدقه علی ألفاظ مختلفة ... و إمّا أن یلاحظ حال الوضع أمراً عامّاً شاملاً لألفاظ مختلفة شمول الکلی لجزئیاته أو شمول العرض لأفراد معروضه فیضع ذلک الأمر بإزاء المعنی أو یجعل ذلک مرآة لملاحظة ما یندرج تحته من الألفاظ الخاصة أو الخصوصیات العارضة لها و یضع کلا منها بإزاء ما یعینه من المعنی فیکون الوضع حینئذٍ نوعیاً» الخ و فی تعلیقة علی معالم الأصول، ج2، ص398 - 400: «اعلم أنّ الوضع ینقسم عندهم باعتبار متعلقه من حیث اللفظ إلی الشخصی لتعلقه بشخص اللفظ و النوعی لتعلقه بنوعه ... و قد یطلق الوضع النوعی علی ما یتعلق بالألفاظ المتصورة إجمالاً بتصور نوعها و المراد بشخص اللفظ هو اللفظ الخاص المعین و هو إمّا یتعین باعتبار الخارج نظراً إلی ما یطرئه من الاستعمال أو یتعین باعتبار الذهن نظراً إلی اشتماله علی مادة أو هیأة علی طریقة منع الخلو ... إنّ الوضع باعتبار انقسامه إلی القسمین المذکورین یتصوّر تارة بأن یلاحظ مادة مخصوصة بهیأة مخصوصة عارضة لها و أخری بأن یلاحظ هیأة مخصوصة مع قطع النظر عن المادة مطلقا أو عن مادة مخصوصة و ثالثة بأن یلاحظ مادة مخصوصة مع قطع النظر عن الهیأة کما فی مبادئ المشتقات علی المختار و رابعة بأن یلاحظ اللفظ بعنوان کلی غیر ملحوظ معه مادة و لا هیأة کما فی المجازات بناء علی الترخیص فی النوع ... و حینئذٍ فإمّا أن یقال: إنّ الوضع النوعی ما لم یلاحظ فیه خصوصیة أصلاً أو یقال: إن الوضع الشخصی ما لم یلاحظ فیه جهة عموم أصلاً فبالاعتبار الأوّل ینحصر الوضع النوعی فی القسم الأخیر و هو فیما عداه شخصی و بالاعتبار الثانی ینحصر الوضع الشخصی فی القسم الأوّل و هو فیما عداه نوعی و هو الأظهر من طریقة القوم ... و علم بما ذکر جمیعاً أنّ المراد بالشخص و النوع ها هنا ما یرادف النوع و الجنس لا ما هو مصطلح أهل المعقول». و للسید السیستانی (حفظه الله) ملاحظة فی الوضع النوعی لها ثمرة فی عدة أبحاث ففی الرافد، ص211، عند تعرضه لنظر الأصولیین المتأخرین من کون الأصل فی الاشتقاق المادة الساریة فی جمیع المشتقات: «إنّها لیست أصلاً للاشتقاق و ذلک لأنّ کونها أصلاً للمشتقات معناه أنّ الواضع وضعها أوّلاً مجردة عن أی هیأة کانت وضعاً نوعیاً تتعاقب علیه الهیئات المختلفة و الوضع النوعی المجرد المدعی فی المواد و الهیئات بعید عن ذهنیة الواضع البدائی الأوّل الذی یقوم بوضع الکلمات». و فی ص311: «إن هناک مسلکین فی وضع المشتقات: أ- تعدد الوضع و الموضوع له ... ب- وحدة الوضع و الموضوع له بلحاظ وضع المشتق بتمامه مادّة و هیأة للنسبة الإسنادیة وضعاً شخصیاً کما هو المختار فی ظاهرة اللغة». و فی ص337 بعد طرح هذا السؤال: «إنّ المتبادر من اللفظ إذا کان هو الصورة اللحاظیة الواحدة فمن أین نستفید الترکیب التحلیلی المذکور؟» یقول: «الجواب عن ذلک یتلخص فی طرح ثلاث نظریات محتملة: أ- إنّ الترکیب التحلیلی للمشتق مع بساطة مفهومه لحاظاً و تصوّراً راجع للترکیب اللفظی فیه حیث إنّ المشتق مشتمل علی مادة و هیأة فالمادّة موضوعة وضعاً شخصیاً لطبیعی الحدث و الصفة و الهیأة موضوعة وضعاً نوعیاً للذات المتلبسة بذلک المبدأ و الصفة فمنشأ الترکیب التحلیلی لمفهوم المشتق هو الترکیب اللفظی فی المشتق و لکنّنا لا نختار هذه النظریة لوجهین: 1- ما ذکرناه مراراً من أنّ الوضع النوعی - و هو تجرید الهیأة عن المادّة و وضعها وضعاً نوعیاً لمن قام بالحدث و تلبّس بالصفة- تفکیر حضاری متطوّر لایتصور فی المجتمع البدائی الذی انطلقت منه شرارة اللغة». و فی ص271 – 273، عند بیان معانی أربعة للترکیب و البساطة یقول: «المعنی الأوّل الترکیب اللفظی ... إن علماء الأصول قالوا بأنّ المشتقات مشتملة علی وضعین: وضع شخصی لموادّها و وضع نوعی لهیئاتها ... و لکن الصحیح عدم شمول هذا المعنی من الترکیب للمشتقات و بیان ذلک بصیاغتین: ... ب- قد ذکرنا فی بحث الوضع أنّ الوضع النوعی أمر انتزعه العلماء بعد تحقق ظاهرة اللغة لا أنّه قانون اخترعه أهل اللغة و ذلک لأنّ اللغة ظاهرة اجتماعیة تنبع من حاجة المجتمع للتفهیم و التفهم و المجتمعات البدائیة التی انطلقت منها شرارة اللغة کانت تقوم بالوضع من وحی الحاجات الشخصیة و من الواضح أنّ الوضع الذی یلبی هذه الحاجات هو الوضع الشخصی للمشتق بمادّته و هیأته معاً لمعنی معین کالوضع فی الجوامد أیضاً بلا حاجة للوضع النوعی للهیأة المجردة مضافاً لکون الوضع النوعی إبداعاً عقلیاً یکشف عن تطور عقلی حضاری فی ذهنیة الواضع و هو غیر متصوّر فی المجتمعات البدائیة. إذن فالوضع النوعی أمر انتزاعی توصل له العلماء بعد استقرائهم للألفاظ المشترکة فی حروف معینة فهو أمر حادث بعد اللغة لا أنّه من مقومات ظهور اللغة فلایوجد فی المشتق ترکیب لفظی من مادة و هیأة کما ذکر».

ص: 114

لایتمکّن الواضع من تصویر شخص اللفظ بل یتصوّره بوجهه و بالجامع العنوانی.((1))

اختلف فی وضع الهیئات علی قولین:
القول الأوّل:
اشارة

إنّ المشهور قائل بکونها نوعیة و هو المختار.

ص: 115


1- فی أصول الفقه، ج1، ص67: «قد عرفت أنّه لابدّ فی الوضع من تصوّر اللفظ و المعنی و أنّ المعنی تارة یتصوّره الواضع بنفسه و أخری بوجهه و عنوانه فاعرف هنا أنّ اللفظ أیضاً کذلک ربّما یتصوّره الواضع بنفسه و یضعه للمعنی - کما هو الغالب فی الألفاظ- فیسمّی الوضع حینئذٍ "شخصیاً" و ربّما یتصوّره بوجهه و عنوانه فیسمّی الوضع "نوعیاً" و مثال الوضع النوعی الهیئات فإنّ الهیأة غیر قابلة للتصور بنفسها بل إنّما یصح تصوّرها فی مادّة من مواد اللفظ کهیأة کلمة "ضرب" مثلاً و هی هیأة الفعل الماضی فإنّ تصوّرها لابدّ أن یکون فی ضمن "الضاد" "و الراء" و "الباء" أو فی ضمن "الفاء" و "العین" و "اللام» الخ.
تقریر قول المشهور ببیان المحقق الإصفهانی (قدس سره):

((1))

التحقیق أنّ جوهر الکلمة و مادتها (أعنی الحروف الأصلیة المترتبة الممتازة عن غیرها ذاتاً أو ترتیباً) أمر قابل للحاظ الواضع بنفسه، فیلاحظ بوحدته الطبیعیة و یوضع لمعنی، بخلاف هیأة الکلمة فإنّ الزنة لمکان اندماجها فی المادة لایعقل أن تلاحظ بنفسها لاندماجها غایة الاندماج فی المادة، فلا استقلال لها فی الوجود اللحاظی کما فی الوجود الخارجی کالمعنی الحرفی، فلایمکن تجریدها (و لو فی الذهن) عن المواد فلذا لا جامع ذاتی لها کحقائق النسب، فلامحالة یجب الوضع لأشخاصها بجامع عنوانی، کقولهم: کلّما کان علی زنة فاعل و هو معنی نوعیة الوضع أی الوضع لها بجامع عنوانی لا بشخصیتها الذاتیة.((2))

ص: 116


1- نهایة الدرایة، ج1، ص44 و 45 و عبارة هذا المحقق هکذا: «ربّما أمکن الإشکال علی جعل وضع المواد شخصیاً و وضع الهیئات نوعیاً کما هو المعروف بما محصله أنّ شخصیة الوضع فی المواد إن کانت بلحاظ وحدتها الطبیعیة و شخصیتها الذاتیة فالهیئات أیضاً کذلک فانّ هیأة فاعل مثلاً ممتازة بنفسها عن سائر الهیئات فلها وحدة طبیعیة و نوعیة الوضع فی الهیئات إن کانت بلحاظ عدم اختصاص زنة فاعل بمادّة من المواد، فالمواد کذلک لعدم اختصاص المادة بهیأة من الهیئات فلا امتیاز مادّة عن مادّة ملاک الشخصیة لامتیاز کل زنة عن زنة أخری و لا عدم اختصاص زنة بمادة ملاک النوعیة لعدم اختصاص مادة بهیأة و التحقیق أنّ جوهر الکلمة و مادّتها » إلی آخر ما ذکر فی المتن. ثم قال: «أو المراد أنّ المادة حیث یمکن لحاظها فقط فالوضع شخصی و الهیأة حیث لایمکن لحاظها فی ضمن مادّة فالوضع لها یوجب اقتصاره علیه فیجب أن یقال هیأة فاعل و ما یشبهها و هذا معنی نوعیة الوضع أی لا لهیأة شخصیة واحدة بوحدة طبیعیة بل لها و لما یشبهها فتدبر» و قال المحقق الخوئی (قدس سره) فی المحاضرات، ط.ق. ج1، ص112 و ط.ج. ص127 بعد نقل هذه العبارات: «و ما أفاده (قدس سره) من الجواب فی غایة المتانة».
2- نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ج1، ص77، فی التعلیقة علی قوله: «لا وجه لتوهم وضع للمرکبات غیر وضع المفردات».
مناقشة بعض الأساطین (حفظه الله):

إنّ الهیئات بمثابة هیأة البیت، فإنّه شکل عارضٌ علی الموادّ و الشکل عرض مستقل فی التصور و إنّما یحتاج فی وجوده إلی وجود الموضوع کما هو تعریف العرض فالحق هو أنّ الوضع فی الموادّ و الهیئات وضع شخصی.

یلاحظ علیها:

إنّ العرض له معنی اسمی مستقل فی التصور (هذا بحسب الحمل الأولی) أمّا استقلال تصور مصداق العرض (بحسب الحمل الشائع) من دون ملاحظة شیء آخر فهو غیر میسور و لذا لایمکن لحاظ الهیئات إلّا بوجهها و عنوانها.

القول الثانی: کونها شخصیة

اختاره بعض الأساطین (حفظه الله) و قد تقدم ما فی هذا القول.

ص: 117

التقسیم الثانی: تقسیم الوضع بلحاظ المعنی الملحوظ حال الوضع (هنا أربعة أقسام):
اشارة

إنّ المعنی الملحوظ حین الوضع إمّا خاصّ و إمّا عامّ و الموضوع له أیضاً إمّا خاصّ و إمّا عامّ.

القسم الأوّل: الوضع الخاص و الموضوع له الخاص

و ذلک مثل وضع الأعلام الشخصیة.

القسم الثانی: الوضع العام و الموضوع له العام
اشارة

و ذلک مثل وضع أسماء الأجناس.

بحث فی أنّ الموضوع له فی اسم الجنس العام الشأنی أو العام الفعلی؟

(1)

العام الشأنی هو ذات المعنی القابل للوجود و العدم و الإطلاق و التقیید المعرّاة من جمیع هذه الخصوصیات (الماهیة المهملة).

ص: 118


1- . هنا نزاع أشیر إلیه فی عدة کتب: ففی القوانین، ص198: «اختلفوا فی أنّ المراد باسم الجنس هو المهیة المطلقة لا بشرط شیء فیکون مطابقاً للمسمّی أو المهیة مع وحدة لا بعینها و یسمّی فرداً منتشراً و الأقوی الأوّل». و فی هدایة المسترشدین، ج3، ص161: «اسم الجنس عبارة عن اللفظ الموضوع لتلک الماهیة المطلقة من دون ملاحظة الأفراد والتعدد ... و قد صرّح بوضع أسماء الأجناس للماهیة المطلقة غیر واحد من محققی أهل العربیة - کنجم الأئمة و الأزهری- و هو ظاهر التفتازانی فی مطوّله و ذهب بعضهم إلی وضعه للفرد المنتشر- کالنکرة – و الأوّل هو الأظهر، لتبادر نفس الجنس عند سماعه مجرداً عن اللواحق الطارئة» الخ. و فی الفصول، ص162: «الحق أنّ اسم الجنس کرجل مجرداً عن اللواحق موضوع للماهیة من حیث هی و علیه المحققون و قیل بل موضوع للفرد المنتشر و هو مردود بشهادة التبادر علی خلافه» الخ فتری أن الأوّلین عبّرا عن الموضوع له بالماهیة المطلقة (التعبیر الأوّل) و الثالث بالماهیة من حیث هی (التعبیر الثانی) فی قبال الفرد المنتشر. و عبّر بالماهیة من حیث هی فی مناهج الوصول، ج2، ص317 أیضاً قال: «إن اسم الجنس ... موضوع لنفس الماهیات بلا اعتبار شیء و من غیر دخالة قید وجودی أو عدمی أو اعتباری فیها، فالموضوع لها نفس الماهیة من حیث هی» الخ. ثم إن بعضهم عبّر عن المعنی الموضوع له اسمُ الجنس بالماهیة المبهمة المهملة (التعبیر الثالث): ففی کفایة الأصول، ص243: «لا ریب أنّها موضوعة لمفاهیمها بما هی هی مبهمة مهملة بلا شرط أصلاً ملحوظاً معها حتی لحاظ أنّها کذلک و بالجملة الموضوع له اسم الجنس هو نفس المعنی و صرف المفهوم الغیر الملحوظ معه شیء أصلاً الذی هو المعنی بشرط شیء و لو کان ذاک الشیء هو الإرسال و العموم البدلی و لا الملحوظ معه عدم لحاظ شیء معه الذی هو الماهیة اللابشرط القسمی» الخ و فی نهایة الأفکار، ج2-1، ص563: «التحقیق هو ما علیه السلطان من الوضع لنفس المهیة المهملة» و اختلف تعبیر الأصولیین فمنهم من عدّ هذه الماهیة المبهمة المهملة الماهیة اللابشرط المقسمی: ففی وسیلة الوصول، ص420: «لا ریب فی أنّ اسم الجنس موضوع للماهیة المبهمة اللابشرط المقسمی المعراة عن تمام القیود و الخصوصیات حتی عن قید الإرسال القابلة لها» و فی عنایة الأصول، ج2، ص349: «ان حاصل مقصود المصنف هنا أنّ أسماء الکلیات أی أسامی الأجناس بجواهرها و أعراضها بل و عرضیاتها موضوعة للماهیات بما هی هی مبهمة مهملة التی هی لا بشرط مقسمی ... ثم إنّ فی وضع أسامی الأجناس أقوال ثلاثة: أحدها ما عرفته من المصنف و هو خیرة المحققین ... و قد عرفت أنّ الحق فیه هو الأوّل». و منهم من عدّ الماهیة المهملة غیر الماهیة اللابشرط المقسمی: ففی المحاضرات،ط.ق. ج5، ص344 و ط.ج. ج5، ص510: «الماهیة تارة یلاحظ بما هی هی یعنی أنّ النظر مقصور إلی ذاتها و ذاتیاتها و لم یلحظ معها شیء زائد و تسمّی هذه الماهیة بالماهیة المهملة نظراً إلی عدم ملاحظة شیء من الخصوصیات المتعیّنة معها فتکون مهملة بالإضافة إلی جمیع تلک الخصوصیات حتی خصوصیة عنوان کونها مقسماً للأقسام الآتیة و بکلمة أخری إنّ النظر لم یتجاوز عن حدود ذاتها و ذاتیاتها إلی شیء خارج عنها حتی عنوان إهمالها و قصر النظر علیها فإنّ التعبیر عنها بالماهیة المهملة باعتبار واقعها الموضوعی، لا باعتبار أخذ هذا العنوان فی مقام اللحاظ معها فالنتیجة أنّ هذه الماهیة مهملة و مبهمة بالإضافة إلی جمیع طواریها و عوارضها الخارجیة و الذهنیة و تارة أخری یلاحظ معها شیء خارج عن مقام ذاتها و ذاتیاتها و ذلک الشیء إن کان عنوان مقسمیتها للأقسام التالیة دون غیره سمیّت هذه الماهیة بالماهیة اللابشرط المقسمی». و عبّر بعضهم عن الموضوع له بذات الماهیة (التعبیر الرابع) و جعلها فی قبال الماهیة من حیث هی و اللابشرط المقسمی: ففی منتقی الأصول، ج3، ص410: «الموضوع له اسم الجنس هو ذات الماهیة و الطبیعة التی تطرأ علیها هذه الاعتبارات و الثابتة فی جمیع هذه التقسیمات بلا تقیّد لها باعتبار دون آخر فلیست هی الماهیة بما هی هی، و لا الماهیة بشرط الإرسال و لا الماهیة اللابشرط المقسمی أو القسمی» و فی دروس فی علم الأصول، ج2، ص80، عدّ الموضوع له اللابشرط القسمی (التعبیر الخامس) قال: «لا شک فی أنّ اسم الجنس لیس موضوعاً للماهیة اللابشرط المقسمی لأنّ هذا جامع بین الحصص و اللحاظات الذهنیة لا بین الحصص الخارجیة ... فیتعیّن کونه موضوعاً للماهیة المعتبرة علی نحو اللابشرط القسمی و هذا المقدار ممّا لاینبغی الإشکال فیه و إنّما الکلام فی أنّه هل هو موضوع للصورة الذهنیة الثالثة - التی تمثل الماهیة اللابشرط القسمی- بحدّها الذی تتمیّز به عن الصورتین الأخریین أو لذات المفهوم المرئی بتلک الصورة و لیست الصورة بحدّها إلّا مرآة لما هو الموضوع له فعلی الأوّل یکون الإطلاق مدلولاً وضعیاً للفظ و علی الثانی لایکون کذلک ... و لا شک فی أنّ الثانی هو المتعین» و فی نهایة الأصول، ص332، بیان لایخلو من فائدة قال: «اختلفوا فی أنّ الکلی الطبیعی (أعنی ما هو معروض وصف الکلیة) هو اللابشرط المقسمی أو القسمی بعد الاتفاق علی عدم کونه عبارة عن القسمین الأخیرین فممّن قال بکونه عبارة عن اللابشرط المقسمی صاحب المنظومة (قدس سره) وممّن قال بکونه عبارة عن القسمی المحقق الطوسی (قدس سره) فی التجرید. ثمّ سری هذا البحث تدریجاً إلی الأصول فوقع البحث فی أنّ اسم الجنس الذی یعدّ من مصادیق المطلق وضع لنفس الماهیة من حیث هی أعنی اللابشرط المقسمی أم للطبیعة الملحوظ معها عدم لحاظ شیء معها أعنی اللابشرط القسمی هذا ما ذکروه فی المقام».

ص: 119

و العام الفعلی هو المعنی مع جمیع الخصوصیات مع لحاظ اللابشرطیة بالنسبة إلی جمیع الخصوصیات (الماهیة المطلقة).

ثمرة القولین:

إنّه - بناء علی کون الموضوع له الماهیة المطلقة- الدلالة علی الإطلاق وضعیة.

و أمّا بناء علی کون الموضوع له الماهیة المهملة، فالدلالة علی الإطلاق تکون بمقدمات الحکمة.

و اختار بعض الأساطین (حفظه الله) نظریة سلطان العلماء و هو أن الموضوع له الماهیّة

ص: 120

المهملة و استدلّ علیه((1)) بأنّا نحمل علی تلک الماهیة کلاً من التقیید و الإطلاق و نقسّم الماهیة إلی المهملة و المطلقة و المقیّدة.

القسم الثالث: الوضع العام و الموضوع له الخاص
اشارة

القسم الثالث: الوضع العام و الموضوع له الخاص ((2))

إنّ المعنی الملحوظ حین الوضع -فی هذا القسم- عام و لکن یوضع اللفظ علی کل فرد من أفراده.

والوجه فی إمکانه أنّ العام وجه لأفراده و معرفة وجه الشیء معرفته بوجه فالعام یکون مرآة لملاحظة أفراده.

إشکال فی ثبوت القسم الثالث:

إنّ المفهوم یحکی عن نفسه فقط لا عن مفهوم آخر مباین له و المفهوم العام

ص: 121


1- تحقیق الأصول، ج1، ص86.
2- فی تعلیقة علی معالم الأصول، ج1، ص420: «القدماء من أهل العربیة و الأصول أنکروا ثبوت ذلک أیضا خلافاً لأکثر المتأخرین فأثبتوه فی الضمائر و الموصولات و أسماء الإشارة و الحروف بأسرها و الأفعال الناقصة بل التامة باعتبار النسبة الفاعلیة أو الطلبیة و المشتقات الاسمیة بأجمعها عند جماعة منهم و قد ذکر سیّد الأفاضل ضابطاً کلیاً یندرج فیه جمیع هذه المذکورات و غیرها ممّا لم یذکر إن کان و هو کل مستعمل فی غیر منحصر لأمر مشترک لم یستعمل فیه فقالوا بأنّ الوضع فیها عام و الموضوع له خاص، علی معنی أنّ الواضع لاحظ کلی المفرد المذکر الغائب المتقدم ذکره و کلی من یحکی عن نفسه و کلی المفرد المذکر من المخاطب و کلی المفرد المذکر ممّن یتعیّن بالصلة و کلّی المفرد المذکر من المشار إلیه و کلی الابتداء و الانتهاء و الاستعلاء و کلی تقریر صفة لموصوف و کلی نسبة الحدث إلی الفاعل و کلی الذات المتصفة بالمبدأ، ثمّ وضع لفظة "هو" و "أنا" و "أنت" و "الذی" و "ذا" و "من" و " إلی " و "علی " و "کان" و هیأة "فعل" و "یفعل" و "فاعل" فی کل من الکلیات المذکورة للجزئیات المندرجة تحته علی وجه یقع کل جزئی بنفسه موضوعاً له، فیتعدّد الموضوع له علی حسب تعدّد الجزئیات و إن اتّحد الوضع فیکون استعمال اللفظ فی کل واحد بانفراده استعمالاً له فی تمام معناه الموضوع له و القدماء زعموا أنّ الوضع و الموضوع له فی الجمیع عام».

یقبل الصدق علی الکثیرین و المفهوم الخاص یأبی عن الصدق علی الکثیرین، و من جهة أخری إنّ الخاص له خصوصیة شخصیّة فکیف یحکی العام عنه؟ و الخاص بدون تلک الخصوصیة لیس خاصّاً فإن حکی العام عن الخاص بدون خصوصیّته، فهذا لیس من باب حکایة العام عن الخاص، بل هی حکایة العام عن العام.

أجاب عنه المحقق الخوئی (قدس سره)

((1)) بالتفصیل بین المفاهیم:

إنّ المفاهیم الکلیة المتأصلة کمفاهیم الجواهر و الأعراض- کالحیوان و الإنسان و البیاض و السواد- لاتحکی إلّا عن أنفسها و هی الجهة الجامعة بین الأفراد و المصادیق فهذه المفاهیم لاتحکی عن غیرها.

أمّا العناوین الکلیة التی تنتزع من الأفراد و الخصوصیات الخارجیة کمفهوم الشخص و الفرد و المصداق فهی تحکی عن الأفراد و المصادیق بنحو الإجمال.

یلاحظ علیه:

إنّ الکلی یقبل الصدق و الانطباق علی کثیرین و هذا ممّا لا ریب فیه و إن کان مفهوماً کلیاً متأصّلاً و لا ملزم فی الحکایة عن الشیء الحکایة عن جمیع خصوصیاته بل الحکایة عن الجهة الموجودة فیه تکفی فی الصدق و إن کانت جهة مشترکة فیما بینه و بین سائر الأفراد؛ نعم إنّها حکایة إجمالیة و لکن الإجمالیة لاتضرّ بالصدق و الحمل.

ص: 122


1- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص50 و ط.ج. ص54.
القسم الرابع: الوضع الخاص و الموضوع له العام
اشارة

و هو محال((1)) لأنّ الخاص لایکون عنواناً للعام لأنّ الخصوصیة الموجودة

ص: 123


1- فی تعلیقة علی معالم الأصول، ج1، ص419: «ربّما ادعی امتناعه [أی القسم الرابع] و علّل بأنّ الجزئی لایقع عنواناً للکلی و آلة لملاحظته و توجیهه أنّ الجزئی عبارة عن الماهیة مع التشخص و التشخص إنّما یلحق الماهیة بواسطة انضمام المشخصات، فالماهیة ما به اشتراک الجزئی مع سائر الجزئیات و المشخصات ما به امتیازها عن سائر الجزئیات و المحسوس المعائن منه عند الملاحظة إنّما هو المجموع ممّا به الاشتراک و ما به الامتیاز و وقوعه عنواناً للکلی - وهو الماهیة المشترکة- لیوضع لها لفظ فرع علی التمییز بین ما به الاشتراک و ما به الامتیاز و هذا لایتأتی بمجرد ملاحظة الجزئی فلایحصل بملاحظته تصوّر الکلی لا تفصیلاً و لا إجمالاً فیستحیل الوضع بإزائه» الخ. و فی فوائد الأصول، ج2-1، ص31: «الظاهر أنّه یستحیل ذلک بداهة أنّ الخاص بما هو خاص لایصلح أن یکون مرآة للعام و من هنا قیل: إنّ الجزئی لایکون کاسباً و لا مکتسباً و هذا بخلاف العام فإنّه یصلح أن یکون مرآة لملاحظة الأفراد علی سبیل الإجمال». و بیان الاستحالة فی منتهی الأصول، ج1، ص17: «إنّ الواضع - حال الوضع- إن تصوّر هذین العنوانین [المراد بهما المعنی العام أو المتصور الخاص و ما هو شریک له فی الأثر] فقد صار الوضع أیضا کالموضوع له عامّاً و إن لم یتصور إلّا ذلک المعنی الخاص فکیف یعقل أن یضع اللفظ بإزاء شیء لم یتصوره أصلاً لا بالصورة التفصیلیة و لا بالإجمالیة ؟» الخ. و راجع أیضاً نهایة الأفکار، ص37 و أصول الفقه، ج1، ص57 و دروس فی علم الأصول، ج1، ص188 و المحاضرات، ط.ق. ج1، ص52 و ط.ج. ص56 و منتقی الأصول، ج1، ص80 . و لکن فی حقائق الأصول، ج1، ص22: «لعلّ النزاع فی ثبوت القسم الرابع لفظی». و هنا قول آخر ففی تهذیب الأصول، ج1، ص8: «الحق أنّهما مشترکان فی الامتناع علی وجه و الإمکان علی نحو آخر». و فی عنایة الأصول، ج1،ص18: «إنّ لحاظ الموضوع له علی الدقة و التفصیل عند الوضع لازم عقلاً و لایکفی اللحاظ الإجمالی المرآتی و إلّا فکما أنّه یصحّ القسم الثانی أی الوضع العام و الموضوع له الخاص فکذلک یصحّ القسم الرابع و هو الوضع الخاص و الموضوع له العام إذ لم یعلم أنّ مرآتیة الفرد للطبیعی هی أقل من مرآتیة الطبیعی للأفراد فکما أنّه إذا لاحظ الطبیعی جاز وضع اللفظ لأفراده نظراً إلی کونه وجهاً من وجوهها فکذلک إذا لاحظ الفرد الخاص جاز وضع اللفظ لکلیه المنطبق علیه و علی أقرانه لکونه وجهاً من وجوهه». و فی تحریرات فی الأصول، ج1، ص70: «بالجملة ما أفاده المحقق الرشتی (قدس سره) الذی هو عندی فی الصف الأوّل من علماء الغیبة الکبری قابل للتصدیق ... و أمّا ما فی تهذیب الأصول من امتناع القسم الثالث و الرابع بوجه و إمکانهما بوجه فهو یتمّ فی الثالث دون الرابع».

فیه لیست موجودة فی العام، بخلاف العام فإنّ الحقیقة الموجودة فیه موجودة فی جمیع أفراده.

و قد ذهب بعض الأعلام مثل المحقق الرشتی فی بدائع الأفکار((1)) و المحقق الحائری فی درر الأصول((2)) و المحقق الجزائری (قدس سرهم) فی منتهی الدرایة إلی إمکان هذا القسم.

استدلال علی إمکان هذا القسم بوجهین:
الوجه الأوّل: من المحقق الحائری (قدس سره)
اشارة

إذا تری شبحاً من بعید و علمت أنّه حیوان و لکن لم تمیّز أنّه من أی نوع من

ص: 124


1- بدائع الأفکار، ص39.
2- درر الأصول، ص5؛ فی ص36: «أقول: یمکن أن یتصوّر هذا القسم أعنی ما یکون الوضع فیه خاصاً و الموضوع له عامّاً فیما إذا تصوّر شخصاً و جزئیاً خارجیاً من دون أن یعلم تفصیلاً بالقدر المشرک بینه و بین سائر الأفراد و لکنّه یعلم إجمالاً باشتماله علی جامع مشترک بینه و بین باقی الأفراد مثله کما إذا رأی جسماً من بعید و لم یعلم بأنّه حیوان أو جماد و علی أی حال لم یعلم أنّه داخل فی أی نوع فوضع لفظاً بإزاء ما هو متّحد مع هذا الشخص فی الواقع فالموضوع له لوحظ إجمالاً و بالوجه و لیس الوجه عند هذا الشخص إلی الجزئی المتصوّر لأنّ المفروض انّ الجامع لیس متعقلاً عنده إلّا بعنوان ما هو متحد مع هذا الشخص و الحاصل انّه کما یمکن أن یکون العام وجهاً لملاحظة الخاص لمکان الاتحاد فی الخارج کذلک یمکن أن یکون الخاص وجهاً و مرآتاً لملاحظة العالم لعین تلک الجهة نعم فیما إذا علم بالجامع تفصیلاً لایمکن أن یکون الخاص وجهاً له لتحقق الجامع فی ذهنه تفصیلاً بنفسه لا بوجهه فلیتدبر».

الحیوانات فهذا المتصور أمر جزئی و لکن کان مرآة للعام حیث لم یحک إلّا عن العام الذی هو الحیوان. ((1))

الجواب عن الوجه الأوّل:

((2))

إنّ المتصور هنا الأمر الکلی الموجود فی المصداق الجزئی و هذا بمثابة الوضع العام و الموضوع له العام لعدم تصور الخصوصیة.

الوجه الثانی: استدلال المحقق الجزائری (قدس سره) فی منتهی الدرایة
اشارة

إنّ التصور التحلیلی للخاصّ یستلزم تصور العام إجمالاً و التصور الإجمالی کافٍ فی الوضع. ((3))

الجواب عن الوجه الثانی:

إنّه بعد التحلیل یتصوّر الأجزاء التحلیلیة، فالعام متصوّر بنفسه بعد تحلیل

ص: 125


1- فی حاشیة علی کفایة الأصول، ج1، ص18: «إنّ بعض الأجلة ذهب إلی إمکان القسم الرابع فی بعض المقامات و هو فیما إذا کان الشخص الملحوظ بجامعه و عنوانه مجهولاً و إن کان بحسب الواقع معلوماً مثلاً إذا رأینا جسماً من بعید و لم نعلم بأنّه من أی نوع فنضع اللفظ بإزاء ما هو متحد مع هذا فی الواقع فیکون هذا الشخص وجهاً و آلة للجامع».
2- و فی حاشیة علی کفایة الأصول، ج1، ص19: «إنّ الجهل بالواقع لایصیر ملاکاً لصیرورة الخاص وجهاً للعام فإنّ الخاص الکذائی إمّا أن یلاحظ بجمیع خصوصیاته فلایمکن أن یقع وجهاً للعام و إن کان العام مجهولاً و إمّا یلاحظ معری عنها فیصیر العام المجهول ملحوظاً بنفسه و ذاته، لا بوجهه و عنوانه». و فی المحاضرات، ط.ق. ج1، ص52 و ط.ج. ص56: «إنّه توّهم فاسد و ذلک لأنّه قد یتصوّر ذلک الشبح بعنوان أنّه جزئی و معنی خاص» الخ.
3- منتهی الدرایة، ج1، ص27.

الخاص فهذا من الوضع العام و الموضوع له العام.

ص: 126

تنبیه فی حقیقة استعمال اللفظ فی المعنی (هنا وجوه أربعة):

((1))

1. هل استعمال اللفظ فی المعنی بحیث یکون اللفظ فانیاً فی المستعمل فیه فلایلتفت إلی اللفظ أصلاً کما فی المرآة؟ فاللفظ حینئذ مغفول عنه و یکون فانیاً فی المعنی.((2))

2. أو بحیث یکون اللفظ ملتفتاً إلیه استقلالاً کالاستعمالات الکنائیة التی

ص: 127


1- فی منتقی الأصول، ج1، ص69: «(اللفظ و الاستعمال) هذا البحث لم یعنون فی الأبحاث بعنوان مستقل و إنّما یشار إلیه فی ضمن الأبحاث الأخری المتعلقة بالاستعمال و المقصود منه بیان حقیقة استعمال اللفظ فی المعنی و الأقوال فیها متضاربة - فمنهم من یری أنّه إفناء اللفظ فی المعنی و إلقاء المعنی باللفظ و منهم من یری أنّه جعل اللفظ علامة للمعنی کغیره من العلامات - والمتعارف علی الألسن فی تحریر النزاع المذکور هو أنّ الاستعمال هل هو من قبیل جعل اللفظ علامة للمعنی کغیره من العلامات».
2- فی منتقی الأصول، ج1، ص70: «أمّا أنّه لیس من قبیل استعمال المرآة فلأنّه من البدیهی أنّه یمکن الإلتفات إلی اللفظ و خصوصیاته حال الاستعمال و لذلک یختار الخطیب الألفاظ الرشیقة و العبارات الشیقة فی مقام أداء المعانی کما أنّه قد یجری علی طبق القواعد العربیة المرسومة فی باب الاستعمال التی یتوقف الجری علیها علی نحو التفات إلی اللفظ کقواعد النحو و الصرف و البلاغة».

یلتفت إلی اللازم و الملزوم فیها و إلّا فکیف ینتقل الذهن إلی المعنی الکنائی؟ فحال اللفظ أیضا کذلک فهو ملتفت إلیه و غیر مغفول عنه و لایکون فانیاً فی المعنی.((1))

3. أو بحیث یکون ملتفتاً إلیه طریقیاً و آلیاً مع عدم الغفلة عنه((2)) فهو لیس بمثابة المرآة التی لایلتفت إلیها و لذا تری أنّ الأدیب -مضافاً إلی التفاته إلی حسن المعانی و لطافة ترکیبها- یتوجه إلی الألفاظ المستعملة من جهة حسنها و جمالها و تناسب بعضها مع بعض.

4. أو إنّه أمر بین النظریة الأولی و الثالثة فإنّ مقام الاستعمال و التخاطب قد یقتضی الالتفات إلی اللفظ مثل المجالس الأدبیة و الوعظ و أمثالها و قد لایقتضی ذلک بل تمام التوجه إلی المعنی.

و الحق هو الأخیر و یظهر ذلک بعد أدنی تأمل فی المقام.

ص: 128


1- فی منتقی الأصول، ج1، ص70 و 71: «أمّا أنّه لیس من قبیل الاستعمالات الکنائیة فلأنّه من الظاهر أنّ اللفظ فی حال الاستعمال لایکون ملتفتاً إلیه بالاستقلال و ملحوظاً فی نفسه لظهور عدم إمکان الحکم علیه بما أنّه لفظ فی ذلک الحال و لو کان ملحوظاً استقلالاً لصحّ الحکم علیه بلا إشکال».
2- الوجه الثالث مختار المحقق الروحانی (قدس سره) ففی منتقی الأصول، ج1، ص71: « بذلک یعلم أنّ اللفظ فی حال الاستعمال یکون ملحوظاً لکن باللحاظ الطریقی الآلی لا باللحاظ الاستقلالی النفسی فالاستعمال علی هذا لیس إفناء اللفظ فی المعنی و إلقاء المعنی باللفظ و لا ذکر اللفظ مستقلاً فینتقل منه إلی المعنی کالکنایات بل هو إیجاد اللفظ فی الخارج بداعی حصول الانتقال إلی المعنی فهو منظور طریقاً و عبرة للمعنی لا مستقلاً و لا مغفولاً عنه».

الفصل الثانی: فی المعانی الحرفیة (و فیه تنبیهان)

اشارة

التنبیه الأوّل: إنّ الموضوع له فی الحروف عام أو خاص؟

التنبیه الثانی: ثمرة البحث عن حقیقة المعنی الحرفی

ص: 129

ص: 130

الأقوال فی المعانی الحرفیة ثمانیة

اشارة

اختلفوا فیها علی أقوال، فبعضهم أنکروا المعنی الحرفی بل قالوا بعلامیّة الحروف و هو القول الأوّل و بعضهم اختاروا اتحاد المعنی الحرفی و المعنی الاسمی و هم افترقوا علی قولین و نشیر إلی نظریّتهم فی القول الثانی و الثالث و بعضهم قالوا بنسبیّة المعنی الحرفی و هؤلاء أیضاً افترقوا علی أقوال، فلابدّ من البحث حول جمیع الأقوال:((1))

القول الأوّل: علامیة الحروف.

القول الثانی: نظریة التفتازانی (قدس سره) و هو کون الوضع و الموضوع له عاماً و

ص: 131


1- فی بحوث فی علم الأصول، ص232: «المتلخص من مجموع کلمات الأعلام فی تشخیص معانی الحروف و فرقها عن معانی الأسماء اتّجاهات ثلاثة رئیسة» أوّلها علامیّة الحروف ثانیها آلیّة المعنی الحرفی و الثالث نسبیّة المعنی الحرفی و قال فی ص237: «الاتجاه الثالث هو الاتجاه القائل بالتغایر و التمایز الذاتی بین معانی الحروف و الأسماء ... و هذا هو الاتجاه الذی ذهب إلیه أکثر المحققین المتأخرین من علماء الأصول و توضیح هذا الاتجاه و تحقیقه یتمّ خلال خمس مراحل من الکلام» ثمّ ذکر وجوهاً أربعة فی إطار الاتجاه الثالث هی: 1- إیجادیة المعنی الحرفی 2- وضع الحروف للوجود الرابط 3- وضع الحروف للتحصیص 4- وضع الحروف للأعراض النسبیة.

المستعمل فیه خاصاً.

القول الثالث: نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) و هو کون الوضع و الموضوع له و المستعمل فیه عاماً و الخصوصیة من ناحیة الاستعمال و لحاظ الآلیة.

القول الرابع: نظریة المحقق العراقی (قدس سره) و هو أنّ الهیئات و بعض المعانی الحرفیة و أن کان مفادها مفاد النسبة ولکن بعض مفاد بعض المعانی الحرفیة مفاد الأعراض النسبیة، فالوضع عامّ و الموضوع له عامّ.((1))

القول الخامس: نظریة المحقق النائینی (قدس سره) و هو أنّ للحروف معانی إیجادیّة لا إخطاریّة و الوضع فی الحروف عامّ و الموضوع له عامّ أیضاً و المستعمل فیه خاصّ.((2))

القول السادس: نظریة المحقق الاصفهانی (قدس سره) و هو أنّ المعانی الحرفیة مفاد الوجود الربطی، فالوضع عامّ و الموضوع له خاصّ. ((3))

القول السابع: نظریة المحقق الخوئی (قدس سره) و هو أنّ المعانی الحرفیّة لتضییق

ص: 132


1- المقالات، ج1، ص92.
2- أجود التقریرات، ط.مؤسسة صاحب الأمر (عجل الله تعالی فرجه)، ج1، ص41.
3- فی هدایة المسترشدین، ج1، ص178، بعد بیان الوضع العام و الموضوع له الخاص: «قد اختلفوا فی تحقق الوضع علی الوجه المذکور علی قولین فقد ذهب إلیه جماعة من محققی المتأخرین و قالوا به فی أوضاع المبهمات الثلاثة و الحروف بأجمعها و الأفعال الناقصة و کذا الأفعال التامة بالقیاس إلی معانیها النسبیة و الضابط فیه کل لفظ استعمل فی أمر غیر منحصر لمعنی مشترک لایستعمل فیه علی إطلاقه فإنّ الملحوظ عندهم حین وضع تلک الألفاظ هو ذلک الأمر الجامع المشترک بین تلک المستعملات و الموضوع له هو خصوص تلک الجزئیات فجعل ذلک الأمر العام مرآة لملاحظتها حتی یصحّ وضع اللفظ بإزائها و هذا القول هو المعزی إلی أکثر المتأخرین، بل الظاهر إطباقهم علیه من زمن السیّد الشریف إلی یومنا هذا».

المعانی الاسمیة و تحصیصها فالوضع عامّ و الموضوع له خاصّ.((1))

القول الأوّل: علامیّة الحروف
اشارة

القول الأوّل: علامیّة الحروف ((2))

إنّ الحروف وضعت بوزان الحرکات الإعرابیة حیث إنّها لم توضع لمعنی خاص بل هی علامة و قرینة علی أنّ لمدخولها خصوصیة مثل الظرفیة أو کونه مبدوّاً به.

ص: 133


1- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص82 و ط.ج. ص91؛ حاشیة أجود التقریرات، ج1، ص41.
2- هذا القول هو القول الثانی ممّا ذکره فی المحاضرات، ط.ق. ج1، ص59 و ط.ج. ص64. و فی وقایة الأذهان، ص70: «و فی معانی الحروف مسلک آخر و هو أدق و ألطف ممّا تقدم ذهب إلیه جماعة أوّلهم - فیما أعلم- نجم الأئمة الرضی فی شرح الکافیة و تبعه غیر واحد من المتأخرین و حاصله علی اختلاف تقادیر الذاهبین إلیه أنّ الحروف لا معانی لها أصلاً بل هی کالعلم المنصوب بجنب الأسماء لتعین مواقعها من الکلام و تربط بعضها ببعض و ما هی إلّا کرفع الفاعل و نصب المفعول ... و هذا المسلک فی معانی الحروف - علی قربه للوجدان- قریب إلی الخبر المأثور المشهور عن واضع علم النحو (علیه السلام) و تعریف أئمة الإعراب للحرف إذ لو کانت للحروف معان قد وضعت لها شارکت الأسماء فی الإنباء عن مسمّیاتها و لم یکن قوله (علیه السلام) فی حدّ الاسم إنّه «ما أنبأ عن المسمّی» حداً مانعاً لأنّ الاختلاف فی أنواع المنبأ لایستلزم عدم صدق النبأ» الخ. و فی نهایة النهایة، ص10: «التحقیق انّ الحروف لا وضع لها أصلاً و إنّما الوضع للهیئات الترکیبیة الدالة علی أنحاء الروابط الخاصة و توضیح ذلک انّه إذا کان للحروف وضع فإمّا أن تکون موضوعة بإزاء مفاهیم النسب المستقلة فی اللحاظ أو تکون موضوعة بإزاء الروابط الخاصة بما هی روابط غیر المستقلة فی اللحاظ و کل منهما لایجدی فی تفهیم المراد من الکلام» الخ. و فی وسیلة الوصول، ص142: «لیست تحت الحروف معان فی قبال المعانی التی تحت متعلقاتها بحیث تکون الحروف حاکیة عنها ... و تکون حال الحروف بل الهیئات کالأعاریب» الخ. و فی شرح الرضی (قدس سره) علی الکافیة، ج1، ص37: «... فالحرف وحده لا معنی له أصلاً إذ هو کالعلم المنصوب بجنب شیء لیدلّ علی أنّ فی ذلک الشیء فائدة فإذا انفرد عن ذلک الشیء بقی غیر دال علی معنی أصلاً».
الإیراد علی القول الأوّل:

((1))

إنّ الخصوصیّات التی دلّت علیها الحروف هی معانٍ للحروف حیث إنّ هذه المعانی تفهم من الجملة و الدالّ علیها إمّا الأفعال و إمّا الأسماء و إمّا الحروف أمّا الأفعال و الأسماء فلا تدلّان علیها، فالدال علیها نفس الحروف فکأنّهم لم یتفطّنوا أنّ تلک الخصوصیات التی اعترفوا بعلامیّة الحروف لها، هی بنفسها تعدّ من المعانی إلّا أنّها معانٍ حرفیة لا اسمیّة.

القول الثانی: نظریة التفتازانی (قدس سره)
اشارة

القول الثانی: نظریة التفتازانی (قدس سره) (2)

و هو أنّ الوضع فی الحروف عامّ و الموضوع له أیضاً عامّ و المستعمل فیه خاصّ و هذا القول یشترک مع قول صاحب الکفایة (قدس سره) فی أنّ معانی الحروف معانٍ اسمیة و لکن یفترقان من حیث المستعمل فیه.

ص: 134


1- فی المحاضرات، ط.ق. ج1، ص59 و ط.ج. ص65: «هذا القول لایمکن المساعدة علیه و ذلک لأنّ الخصوصیات التی دلّت علیها الحروف و الأدوات هی بعینها المعانی التی وضعت الحروف بإزائها» الخ. و فی بحوث فی علم الأصول، ج1، ص232 و 233 ذکر اعتراضاً علی هذا المسلک و أجاب عنه ثمّ ذکر ثلاثة احتمالات لتفسیر هذا المسلک و هی: 1- فراغ الحروف من الدلالة و التأثیر فی تکوین المدلول نهائیاً 2- لیس للحروف مدلول فی عرض مدلول الاسم الذی یشارکه فی تکوین الجملة و إنّما مدلوله طولی دائماً بمعنی أنّه یشخص المراد من الاسم 3- لیس الحرف دالاً مستقلاً کما هو الحال فی الاسم بل یستحیل أن یکون إلّا دالاً ضمنیاً و الدال المستقل هو المجموع المرکب من الحرف و الاسم و عدّ الأوّل باطلاً بضرورة الوجدان اللغوی و العرفی و أبطل الثانی أیضاً و قال فی الثالث: «هذا معنی دقیق و عمیق و هو الذی یقتضیه منهجنا العام فی تحقیق المسألة إذ یتضح أنّ من لوازم عدم استقلالیة المعنی عدم استقلالیة الدلالة».
2- . فی منتهی الدرایة، ج1، ص28 عند شرح قوله: «کما توهم أیضاً أنّ المستعمل فیه فیها خاص مع کون الموضوع له کالوضع عامّاً»: «المتوهم هو التفتازانی علی ما قیل» و فی ص39: «المتحصل من عبارة المتن و غیرها أنّ الأقوال فی کیفیة وضع الحروف ثلاثة الثانی عمومیة کل من الوضع و الموضوع له مع خصوصیة المستعمل فیه و هو المعزی إلی التفتازانی». و فی وقایة الأذهان، ص69، عند بیان کون الوضع و الموضوع له فی الحروف عامین من وجوه ثلاثة: «ثالثها: ما ذهب إلیه الشیخ الأستاذ و بیّنه فی مواضع من کتبه و هو أنّ الحرف وضع لیستعمل و أرید منه معناه حالة لغیره و بما هو فی الغیر... و حاصل ما یفهم من هذا الکلام و من سائر ما بیّنه فی غیر هذا المقام هو اتحاد الوضع و الموضوع له بین الحرف و بین متعلقه و لکنّ الواضع جعل علی متابعیه أن لایستعمل لفظ الابتداء مثلاً إلّا علی النحو الاستقلالی و لفظ من إلّا علی النحو الآلی التبعی... و قد نقل ذلک عن التفتازانی أیضا». هذا ما وجدنا من نقل مذهب التفتازانی و لکن فی أی کتاب أبرز هذا المذهب؟ أقول: فی هدایة المسترشدین، ج1، ص178: «المحکی عن قدماء أهل العربیة والأصول القول بکون الوضع و الموضوع له فی جمیع ذلک عامّاً فیکون الحال فی المذکورات من قبیل القسم الثانی عندهم و هذا هو الذی اختاره التفتازانی لکنّه ذکر أنّ المعارف ما عدا العلم إنّما وضعت لتستعمل فی معین و ظاهر کلامه أنّ الواضع اشترط فی وضعها لمفهومها الکلی أن لاتستعمل إلّا فی جزئیاته و فی الحواشی الشریفیة أنّ جماعة توهّموا وضعها لمفهوم کلی شامل للجزئیات و الغرض من وضعها له استعمالها فی أفرادها المعینة دونه و الظاهر أنّ هذا الاعتبار إنّما وقع فی کلام جماعة من المتأخرین تفصیاً من المنافاة بین وضعها للمفهوم الکلی و عدم صحة استعمالها إلّا فی الجزئیات و إلّا فالقدماء لم ینبهوا علی ذلک فی ما عثرنا علیه من کلامهم» و فی ص185: «وقد ظهر بما بیّناه وهن ما ذکره المحقق الشریف فی شرح المفتاح عند بیان القول المذکور من أنّ الموضوع له عندهم هو الأمر الکلی بشرط استعماله فی جزئیاته المعینة و قال فی حاشیة له هناک: إن لفظة "أنا" مثلاً موضوعة علی هذا الرأی لأمر کلی هو المتکلم المفرد لکنّه اشترط فی وضعها أن لایستعمل إلّا فی جزئیاته ثمّ حکم برکاکة القول المذکور و استصوب القول الآخر، إذ لیس فی کلام الذاهبین إلی القول المذکور إشارة إلی ذلک عدا شذوذ من المتأخرین کالتفتازانی فی ظاهر کلامه کما أشرنا إلیه و کأنّه ألجأه إلی ذلک ما یتراءی من توقف تصحیح کلام القائل به علی ذلک نظرا إلی ما ذکر فی هذه الحجة و غیرها کما یظهر من التفتازانی فی التزامه به».
استشکل علیه صاحب الکفایة (قدس سره):

لا ریب فی وجود خصوصیة اللحاظ الآلی فی المعانی الحرفیة إلّا أنّ تلک الخصوصیة کما أنّها لیست فی الموضوع له، کذلک لیست فی المستعمل فیه، و الدلیل علی عدم کونها فی المستعمل فیه وجوه ثلاثة:

ص: 135

الوجه الأوّل:((1)) إنّ المعنی المستعمل فیه لابدّ أن یلاحظ حین الاستعمال و هذا اللحاظ لحاظ آلی؛ فإن قلنا بأنّ هذا اللحاظ الآلی جزء للمعنی المستعمل فیه، فیلزم أحد الأمرین:

إمّا أن یکون لحاظ المعنی المستعمل فیه عین اللحاظ الآلی المأخوذ فی المعنی المستعمل فیه فیلزم حینئذ تقدم الشیء علی نفسه لأنّ المعنی المستعمل فیه متقدم علی لحاظه مع أنّ لحاظ المستعمل فیه صار جزءً للمستعمل فیه قبلاً.

و إمّا أن یکون لحاظ المعنی المستعمل فیه غیر اللحاظ الآلی فیلزم تعدد اللحاظ الآلی، أحدهما جزء المعنی المستعمل فیه و الآخر مقوّم للاستعمال، لأنّه لابدّ من ملاحظة المعنی حین الاستعمال و هو خلاف الوجدان.

الوجه الثانی:((2)) إنّ اللحاظ الآلی إذا أخذ جزءً فی المعنی المستعمل فیه یوجب صیرورته کلیاً عقلیاً، لأنّ موطن اللحاظ هو العقل و حینئذٍ لایصدق علی الخارجیات، حیث إنّ موطن الکلی العقلی هو الذهن فامتثال «سر من البصرة» ممتنع إلّا بإلغاء الخصوصیة.

الوجه الثالث:((3)) إنّ اللحاظ الآلی فی الحروف مثل اللحاظ الاستقلالی فی الأسماء، فکما لایکون اللحاظ الاستقلالی فی المستعمل فیه فی الأسماء لایکون اللحاظ الآلی فی المستعمل فیه فی الحروف.

ص: 136


1- فی الکفایة، ص11: «المعنی و إن کان لامحالة یصیر جزئیاً بهذا اللحاظ ... إلّا أنّ هذا اللحاظ لایکاد مأخوذاً فی المستعمل فیه و إلّا فلابدّ من لحاظ آخر متعلق بما هو ملحوظ بهذا اللحاظ بداهة أنّ تصور المستعمل فیه ممّا لابدّ منه فی استعمال الألفاظ و هو کما تری».
2- فی الکفایة، ص11: «مع أنّه یلزم أن لایصدق ... إلّا بالتجرید و إلغاء الخصوصیة».
3- فی الکفایة: «هذا مع أنّه لیس لحاظ المعنی حالة غیره فی الحروف إلّا کلحاظه فی نفسه فی الأسماء» الخ.
القول الثالث: نظریة صاحب الکفایة (قدس سره)
اشارة

القول الثالث: نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) ((1))

و هذا القول منسوب إلی المحقّق الرضی((2)) و اختاره المحقق

ص: 137


1- فی هدایة المسترشدین، ص178: «المحکی عن قدماء أهل العربیة و الأصول القول بکون الوضع و الموضوع له فی جمیع ذلک عاماً». و فی ص189: «و الحاصل أنّه لا اختلاف بین المعنی الاسمی و الحرفی بحسب الذات و إنّما الاختلاف بینهما بحسب الملاحظة و الاعتبار فیکون المعنی بأحد الاعتبارین تامّاً إسمیّاً و بالاعتبار الآخر ناقصاً حرفیاً و یتفرع علی ذلک إمکان إرادة نفس المفهوم علی إطلاقه فی الأسماء من غیر ضمّه إلی الخصوصیة بخلاف المعنی الحرفی إذ لایمکن إرادته من اللفظ إلّا بضمّه إلی الغیر، ضرورة کونه غیر مستقل بالمفهومیة فی تلک الملاحظة فلایمکن إرادته من اللفظ إلّا مع الخصوصیة حسب ما بیّناه و ذلک لایقضی بوضعها لکل من تلک الخصوصیات». و فی وقایة الأذهان، ص67: «ذهب جماعة من محققی المتأخرین أوّلهم – فی ما أعلم- الجد العلّامة فی الهدایة إلی أنّها موضوعة بالوضع و الموضوع له العامین و أنّ معانیها کلیّة کمعانی متعلقاتها و یمکن بیانه من وجوه: أوّلها: ما ذهب إلیه - طاب ثراه - و ملخصه أنّ الحروف موضوعة للمعانی الرابطیة المتقومة بمتعلقاتها الملحوظة مرآة لحال غیرها و ذلک المعنی الرابطی مأخوذ فی الوضع علی وجه کلی و لکن لایمکن إرادته من اللفظ إلّا بذکر ما یرتبط به ... ثانیها: ما قرره السید الأستاذ (قدس سره) و توضیحه یبتنی علی مقدمة ... ثالثها: ما ذهب إلیه الشیخ الأستاذ و بیّنه فی مواضع من کتبه و هو أنّ الحرف وضع لیستعمل و أرید منه معناه حالة لغیره و بما هو فی الغیر و وضع غیره لیستعمل و أرید منه معناه بما هو هو و علیه یکون کل من الاستقلال بالمفهومیة و عدم الاستقلال بها إنّما اعتبر فی جانب الاستعمال، لا فی المستعمل فیه لیکون بینهما تفاوت بحسب المعنی» الخ. و فی درر الفوائد، ج1، ص37: «الحق أنّ معانی الحروف کلّها کلیّات وضعت ألفاظها لها و تستعمل فیها و لاتحتاج هذه الدعوی بعد تعقل المدعی إلی دلیل آخر ... لایخفی علیک أنّ المعنی الاسمی و الحرفی مختلفان بحسب کیفیة المفهوم بحیث لو استعمل اللفظ الموضوع للمعنی الحرفی فی المعنی الاسمی أو بالعکس یکون مجازاً أو غلطاً فإنّ مفهوم الابتداء الملحوظ فی الذهن استقلالاً یغایر الابتداء الملحوظ فی الذهن تبعاً للغیر و التقیید بالوجود الذهنی و إن کان ملغی فی کلیهما لکن المتعقل فی مفاد لفظ الابتداء غیره فی مفاد لفظ من».
2- فی المحاضرات، ط.ق. ج1، ص54 و ط.ج. ص59: «القول الأوّل ما نسب إلی المحقق الرضی (قدس سره) و تبعه فیه المحقق صاحب الکفایة (قدس سره) »

الخراسانی (قدس سرهما) ((1)) و هو اتّحاد المعنی الحرفی و المعنی الاسمی، و أنّ الوضع فی الحروف عام و الموضوع له عام و المستعمل فیه أیضاً عام.

فإنّ المعنی فی «من» و لفظ «الابتداء» واحد، لأنّ المعنی الحرفی عین المعنی الاسمی فی الموضوع له و المستعمل فیه.

إن قلت: علی هذا لابدّ من صحّة استعمال کلّ منهما موضع الآخر مع أنّه باطل قطعاً.

قلت: الفرق بینهما إنّما هو فی اختصاص کل منهما بوضع حیث وُضع الاسم لیراد منه معناه بما هو هو و فی نفسه و وُضع الحرف لیراد منه معناه لا کذلک بل بما هو حالة لغیره.((2))

ص: 138


1- فی الکفایة، ص11: «و التحقیق - حسبما یؤدی إلیه النظر الدقیق أنّ حال المستعمل فیه و الموضوع له فیها حالهما فی الأسماء ... و بالجملة لیس المعنی فی کلمة من و لفظ الابتداء - مثلاً - إلّا الابتداء فکما لایعتبر فی معناه لحاظه فی نفسه و مستقلاً کذلک لایعتبر فی معناها لحاظه فی غیرها و آلة و کما لایکون لحاظه فیه موجباً لجزئیته فلیکن کذلک فیها إن قلت: علی هذا لم یبق فرق بین الاسم و الحرف فی المعنی» الخ.
2- فی تهذیب الأصول، ج1، ص18، بعد بیان مختار المحقق الخراسانی (قدس سره): «و أنت خبیر بالمغالطة الواقعة فیه حیث إنّ ما رتبه من البرهان علی نفی الجزئیة مبنی علی تسلیم الاتحاد بین الأسماء و الحروف و انّهما من سنخ واحد جوهراً و تعقلاً و دلالةً فحینئذٍ یصحّ أن یبنی علیه ما بنی، من أنّه لا مخصص و لا مخرج من العمومیة. مع أنّک عرفت التغایر بینهما فی جمیع المراحل و سیأتی أنّ الموضوع له فی مورد نقضه من قوله: "سر من البصرة إلی الکوفة" ممّا یتوهم کلیة المستعمل فیه خاص أیضا فارتقب» و فی بحوث فی علم الأصول، ص 234 - 237: «و قد أورد علیه فی کلمات المحققین اعتراضات عدیدة منها ما ذکره المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی تعلیقته علی الکفایة بقوله: «إنَّ الاسم و الحرف لو کانا متّحدی المعنی و کان الفرق بمجرّد اللحاظ الاستقلالی و الآلی لکان طبیعی المعنی الوحدانی قابلاً لأن یوجد فی الخارج علی نحوین کما یوجد فی الذهن علی طورین، مع أنَّ الحرفی کأنحاء النسب و الروابط لایوجد فی الخارج إلّا علی نحو واحد و هو الوجود لا فی نفسه و لایعقل أن توجد النسبة فی الخارج بوجود نفسی ... و منها ما ذکره المحقق النائینی (قدس سره) من أنّ تقیید الواضع و اشتراطه الآلیّة فی استعمال الحرف و الاستقلالیّة فی استعمال الاسم لیس ملزماً و لایترتّب علیه عدم صحّة الاستعمال للفظ فی معناه الموضوع له و لو سلّم فغایته عدم صحّته بقانون الوضع لا عدم صحّته مطلقاً و لو بالنحو الذی یصحّ به الاستعمال المجازی، مع وضوح أنَّ استعمال الحرف فی مورد الاسم و بالعکس غیر صحیح مطلقاً ... و منها ما ذکره السید الأستاذ (حفظه الله) من أنّ لحاظ المعنی آلة لو کان موجباً لکونه معنی حرفیّاً لزم منه کون کلّ معنی اسمی یؤخذ معرفاً لغیره فی الکلام و آلة للحاظه کالعناوین الکلیّة المأخوذة فی القضایا معرفات للموضوعات الواقعیة معنی حرفیاً ... و منها ما أورده السید الأستاذ (حفظه الله) أیضاً بقوله: کما أنَّ لحاظ المعنی حالة لغیره لو کان موجباً لکونه معنی حرفیّاً لزم منه کون جمیع المصادر معانی حرفیة، فإنَّها تمتاز عن أسماء المصادر بکونها مأخوذات بما أنَّها أوصاف لمعروضاتها بخلاف أسماء المصادر الملحوظ فیها الحدث بما أنَّه شی ء فی نفسه مع قطع النّظر عن کونه وصفاً لغیره ... و منها ما أورده السید الأستاذ (حفظه الله) - أیضا من أنَّ المعنی الحرفی قد یکون هو المقصود بالإفادة فی کثیر من الموارد و ذلک کما إذا کان ذات الموضوع و المحمول معلومین عند شخص و لکنَّه کان جاهلاً بخصوصیّتهما فسأل عنها فأجیب علی طبق سؤاله فهو و المجیب إنَّما ینظران إلی هذه الخصوصیة نظرة استقلالیة». و أجاب عن جمیع هذه الاعتراضات و لکن قال بعد ذلک: «الصحیح فی تفنید هذا الاتجاه أن یقال» ثم ذکر احتمالین للمراد من عدم استقلالیة معانی الحروف: 1) کونها تلحظ حالة لمعانی الأسماء و مندکة فیها 2) کونها آلة و مرآة لملاحظة المصادیق الخارجیة الخاصة و أورد علی کلیهما».

و هذا الکلام فسّر بنحوین: ((1))

التفسیر الأوّل لکلام صاحب الکفایة (قدس سره):
اشارة

((2))

إنّ خصوصیة اللحاظ الآلی من شرط الواضع حیث إنّه اشترط علی المستعملین أن یستعملوا لفظة «من» فی ما یراد معناه حالة لغیره و «الابتداء» فی

ص: 139


1- فی منتقی الأصول، ج1، ص89: «وقع موضع التفسیر و التردید بین احتمالات و هی ثلثة» و قال: «الثالث ربط اللحاظ الآلی و الاستقلالی بالموضوع له لکن لا بنحو التقیید و بیانه ... و هذا التفسیر لکلام صاحب الکفایة أوجه من أخویه و إن کان ارتباطه بالعبارة أبعد و لکنّه غیر صحیح فی نفسه کأخویه».
2- فی منتقی الأصول: «الأوّل: ما یظهر من بعض کلمات المحقق النائینی (قدس سره) من إرجاع التقیید باللحاظ الآلی و الاستقلالی إلی اشتراط الواضع ذلک فی الاستعمال فشرط الواضع أن لایستعمل لفظ الابتداء إلّا مع لحاظه استقلالاً و إن لایستعمل لفظ "من" فی الابتداء إلّا مع لحاظه آلة».

ما یراد معناه بما هو هو و فی نفسه.

یلاحظ علیه:

((1))

أوّلاً: إنّ رعایة شرط الواضع و العمل به لیس بواجب.

ثانیاً: مع عدم رعایة شرط الواضع و عصیانه لابدّ أن یکون الاستعمال صحیحاً ذا معنی مع أنّا نری فساد المعنی فی ما إذا جعلنا مکان لفظة «من» لفظ «الابتداء».((2))

التفسیر الثانی لکلامه (قدس سره):
اشارة

((3))

إنّ ذلک لیس من جهة شرط الواضع، بل من باب غایة الوضع فعلی هذا

ص: 140


1- فی منتقی الأصول: «یرد علیه أوّلاً أنّ الشرط المأخوذ فی الحکم و مثله المأخوذ فی الوضع إمّا أن یرجع إلی المتعلق و الموضوع له بحیث یکون من قیودهما أو لا ... و ثانیاً لو سلّم أنّ هذا الشرط و إن کان مأخوذاً بنحو تعدد المطلوب إلّا أنّه لازم الاتباع لجهة ما» الخ.
2- ذکرهما المحقق الخوئی (قدس سره) فی المحاضرات، ط.ق. ج1، ص55 و ط.ج. ص60، قال: «فتحصل أنّ المعنی الحرفی و إن کان لابدّ من لحاظه آلیاً... إلّا أنّ ذلک لم ینشأ من... بل منشأ ذلک هو اشتراط الواضع ذلک فی مرحلة الاستعمال لا بمعنی أنّه اشترط ذلک علی حذو الشرائط فی العقود و الإیقاعات» الخ.
3- فی المحاضرات، ط.ق. ج1، ص55 و ط.ج. ص60: «بل المراد بالاشتراط أنّ العلقة الوضعیة فی الحروف و الأدوات مختصة بحالة مخصوصة و هی ما إذا لاحظ المتکلم المعنی الموضوع له فی مرحلة الاستعمال آلیا، و فی الأسماء بحالة أخری و هی ما إذا لاحظ المعنی فی تلک المرحلة استقلالا». و فی منتهی الدرایة، ج1، ص45: «یمکن توجیه ما أفاده! بأنّ ضیق الأغراض الداعیة إلی الإنشاءات موجب لضیق دائرة المنشآت و المجعولات ... و فی المقام لما کان غرض الواضع من وضع الحروف دلالتها علی معانیها حال کونها ملحوظة باللحاظ الآلی فلا محالة تتضیق دائرة موضوع وضعه أیضاً، لکن لا بنحو التقیید، لما مرّ من استحالة تقید المعنی باللحاظ المتأخر عنه ومن المعلوم أنّ من لوازم تضیق دائرة الوضع عدم صحة استعمال أحدهما موضع الآخر هذا ملخّص ما یستفاد من بیان بعض أعاظم أساتیذنا!» ثمّ ذکر إیراداً علیه.

الوضع محدود بغایته، فمحدودة العلقة الوضعیة فی کلمة «من» هو الموارد التی تستعمل فیها حالة لغیره فاستعمال کلمة «الابتداء» مکان کلمة «من» و بالعکس استعمال اللفظ فی ما هو خارج عن محدودة العلقة الوضعیة.

یلاحظ علیه:

((1))

أوّلاً: إنّ تحدید عملیة الوضع و العلقة الوضعیة بحسب موارد الاستعمال بعید عن عمل العقلاء و دیدنهم و المتداول خلاف ذلک (و إن لم یکن مستحیلاً).

ثانیاً: علی هذا استعمال لفظة «من» بدل کلمة «الابتداء» و بالعکس و إن کان استعمالاً خارجاً عن محدودة العلقة الوضعیة و لکن أنس لفظة «من» بکلمة «الابتداء» یوجب خطور معنی الابتداء بالذهن و مع هذا الخطور لابدّ أن یصحّ المعنی (معنی الجملة) فیما إذا جعلنا لفظة «من» بدل کلمة «الابتداء» و إن کان الاستعمال غلطاً مع أنّا نری عدم صحة معنی الجملة حینئذٍ.

مضافاً إلی أنّ الاستعمال أیضاً -علی هذا القول- لابدّ أن یکون صحیحاً، لأنّ حال هذا الاستعمال لیس بأسوء من الاستعمال المجازی، حیث إنّ المجاز هو استعمال اللفظ فی غیر الموضوع له و المصحّح للاستعمال المجازی هو المناسبات التی ذکروها، مع أنّ تبدیل لفظة «من» و «الابتداء» أولی من ذلک، لأنّ ما یخطر بالذهن من لفظ «من» هو بعینه معنی کلمة «الابتداء»، و لکن بطلان معنی الجملة و عدم صحته، لایستقیم و لایناسب صحة الاستعمال.

ص: 141


1- فی منقی الأصول، ص91: «العبارة بهذا التفسیر لاتخلو عن خدشة أیضاً و ذلک لأنّ ما ذکر یقتضی أن یکون حدوث العلقة الوضعیة و حصولها بین اللفظ و المعنی متوقفاً علی الاستعمال» الخ.
القول الرابع: نظریة المحقق العراقی (قدس سره)
اشارة

القول الرابع: نظریة المحقق العراقی (قدس سره) ((1))

إنّ بعض الحروف وضعت للنسبة مثل حروف التمنّی و الترجّی و سائرالحروف وضعت للأعراض النسبیة الإضافیة مثل من و إلی و فی، کما أنّ الهیئات وضعت للنسب الربطیة و الوضع فی الحروف عامّ و الموضوع له أیضاً عامّ.

قبل بیان ذلک لابدّ من تمهید مقدّمة و هی أنّ الموجودات الإمکانیّة الخارجیة علی ثلاثة أقسام:

الأوّل: ما یکون وجوده فی نفسه لنفسه (الجوهر).

الثانی: ما یکون وجوده فی نفسه لغیره (العرض).

و العرض علی قسمین: ما یحتاج فی تحققه إلی موضوع واحد فی الخارج (الکم و الکیف) و ما یحتاج فی تحققه إلی موضوعین فی الخارج (العرض الأینی مثل الأین الابتدائی و یدلّ علیه کلمة «مِن» و مثل الأین الظرفی و یدلّ علیه کلمة «فی»).

الثالث: ما یکون وجوده فی غیره (الوجود الربطی).

أمّا بیان نظریّته:

إذا اتّضح أقسام الموجودات الخارجیّة، فلابدّ من وضع الألفاظ بإزاء کلّ منها، لأنّ العقلاء احتاجوا إلی وضع الألفاظ للمعانی فوضعوا الأسماء للجواهر و عدّة من الأعراض و وضعوا الهیأة من المرکّبات و المشتقّات للنسب الربطیة و وضعوا الحروف للأعراض النسبیة.

مثلاً لفظ «فی» یدلّ علی العرض الأینی العارض علی «زید» فی مثل قولنا:

ص: 142


1- بدائع الأفکار، ج1، ص49؛ مقالات الأصول، ج1، ص86.

«زید فی الدار»، و هیأة مثل عالم و أبیض و مضروب تدلّ علی ارتباط العرض بموضوعٍ مّا و کذلک بقیة الحروف تدلّ علی إضافة خاصة و ربط مخصوص بین المفاهیم الاسمیة.

ثم إنّه فصّل بین الحروف فقال هی علی قسمین:

القسم الأوّل: ما هو موضوع للنسبة مثل حروف التمنّی و الترجّی فهی موضوعة لنسبة تشوّق المترجّی إلی المترجَّی و المتمنّی إلی المتمنَّی مثل لیت و لعلّ.

القسم الثانی: ما هو موضوع للأعراض النسبیّة و هو سائر الحروف مثل «من» و «إلی» و «فی».((1))

استشکل علیه من وجوه أربعة:

((2))

الوجه الأوّل: إنّ ما أفاده فی معنی الهیئات و بعض الحروف مثل حروف التمنّی و الترجّی فی غایة المتانة، و لکن ما أفاده بعده من أنّ سائر الحروف تدلّ

ص: 143


1- فی منتقی الأصول، ص110: «الذی یتحصل من مجموع کلامه أنّ الهیئات موضوعة للربط و النسبة بین العرض و محله و الحروف موضوعة للأعراض الإضافیة النسبیة و بذلک یتفق مع المحققین النائینی و الإصفهانی[ (قدس سرهما)] فی جهة - وهی جهة وضع الهیئات – و یختلف معهما فی أخری – و هی جهة وضع الحروف- و ذلک واضح».
2- و فی بحوث فی علم الأصول، ص251 و 252: «یرد علیه أوّلاً إنَّ الألفاظ لیس من الضروری انّ تتطابق مع قائمة المقولات الحقیقیة و الوجودات الخارجیة العینیّة بمراتبها و أن نجد مدلول کل واحد منها ضمن هذه القائمة، لأنّ معنی اللفظ قد یکون أمراً اعتباریّاً أو انتزاعیّاً أو عدماً صرفاً و لیس من المقولات بوجه سواءً فی الأسماء - کلفظ العدم مثلاً- أو فی الحروف، إذ کثیراً ما لایکون المعنی الحرفی معبّراً عن وجود خارجی لا ربطی و لا رابطی». و قال: «و ثالثاً إنّ مفاد الحرف إذا کان عرضاً نسبیاً فإن أرید العرض النسبی بوصفه مفهوماً من المفاهیم ... و إن أرید العرض النسبی بوجوده الخارجی الرابطی ...».

علی الأعراض النسبیّة ممّا لایمکن المساعدة علیه، فإنّ مقولة الأین هی الهیأة القائمة بالکائن فی المکان و تلک الهیأة ذات نسبة و لذا تسمّی بالأعراض النسبیّة و فرق بین الهیأة الحاصلة للشیء فی المکان و نسبة الشیء إلی المکان و ما هو مفاد معنی کلمة «فی» فی المثال المذکور نسبة زید إلی مکان الدار، ضرورة أنّ کلمة «فی» لاتدلّ علی هیأة حاصلة لزید من جهة کونه فی المکان حتّی یکون عرضاً نسبیّاً.((1))

الوجه الثانی:((2)) إنّا نقطع بعدم کون الحروف موضوعة للأعراض النسبیة الإضافیة لصحة استعمالها فی ما یستحیل فیه تحقق عرض نسبی کما فی صفات الواجب تعالی و الاعتبارات و الانتزاعیات، مع أنّ الحروف یصح استعمالها فی الواجب و الممکن و الممتنع علی نسق واحد بلا لحاظ عنایة و تجوّز فیها.((3))

الوجه الثالث:((4)) لم نجد وجود العرض النسبی فی حروف التشبیه و العطف و النداء فأین العرض النسبی فی مثل «کأنّ زیداً أسد» و مثل «یا زید»؟

ص: 144


1- فی بحوث فی علم الأصول، ص252: «ثانیاً إنّ المقصود من استفادة العرض النسبی من قولنا: "زید فی الدار" إن کان استفادة معنی الأین بما هو هیأة قائمة بالمتأین بلحاظ نسبة خاصة بینه و بین ظرفه و مکانه، فهذا ممَّا لایستفاد بالمطابقة من اللفظ أصلاً و إن کان المقصود استفادة النسبة الخاصة القائمة بین المتأین و المکان الذی یتواجد فیه، فهذا صحیح غیر انَّ هذه النسبة بنفسها نحو من الربط لیست بحاجة إلی ربط آخر بطرفیها لیقال بأنَّ الهیأة تتکفّل بربطها بطرفیها».
2- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص74 و ط.ج. ص81.
3- فی منتقی الأصول، ج1، ص111: «الانصاف أن هذا الإیراد لایوجب الانصراف عن الالتزام بهذا القول لأنّه یرد علی غیره و هو ما التزم به نفس المورد - أعنی السیّد الخوئی- کما سیتضح فی ما یأتی إن شاء الله تعالی و لایختص به کما أنّه لایختص بهذه الناحیة، بل هو ثابت من ناحیة أخری و هی نفس النسبة و الربط فإنّه ممّا یمتنع فی حق الواجب لتقومها باثنین و لا اثنینیة بین الصفة و الذات المقدسة فلابدّ من إیجاد الحل له و بذلک یندفع الإیراد و لایبقی لذکره مجال».
4- تحقیق الأصول، ج1، ص109.

الوجه الرابع:((1)) إنّ العرض النسبی نفسه معنی اسمی کما قال صدر المتألهین: إنّ مقولة الأین هی الهیأة الحاصلة للشیء و الهیأة معنی اسمی مع أنّ المعنی الحرفی غیر المستقل فی قبال المعنی الاسمی الذی هو مستقل مفهوماً.((2))

القول الخامس: نظریّة المحقق النائینی (قدس سره) بمقدماتها الخمس
اشارة

إنّ للحروف معانی إیجادیة فی قبال المعانی الاسمیة التی هی إخطاریة و أوّل من اختار هذه النظریّة فی ما نعلم هو المحقق التقی صاحب هدایة المسترشدین (قدس سره) فإنّه یقول بأنّ معانی بعض الحروف إیجادیة.

قال المحقق النائینی (قدس سره):((3))

إنّ الحروف لها معانٍ و هی فی حدّ کونها معانی (أی فی عالم التجرّد العقلانی) معانٍ غیر مستقلة، بخلاف المعانی الاسمیة فإنّها فی عالم التجرّد العقلانی بجواهرها و أعراضها معان استقلالیة، کما أنّ الجوهر لایحتاج فی وجوده إلی موضوع بخلاف الأعراض، فإنّها فی وجودها (لا فی حدّ ذاتها و کونها معانی) تحتاج إلی موضوع.

ص: 145


1- تحقیق الأصول، ج1، ص110.
2- و فی منتقی الأصول، ص110: «الذی یرد علیه أوّلاً انّ المعنی الحرفی إذا کان هو العرض النسبی فهو لایفترق عن المعنی الاسمی أیضاً إذ یکون المعنی الموضوع له لفظ (فی) و لفظ (الظرفیة) واحد و هو العرض النسبی و هو یناهض الوجدان الحاکم بثبوت الفرق بین معنی اللفظین ... و ثانیاً: انّه لایظهر هناک فرق ذاتی بین الاسم و الحرف فی المعنی فانّّ لفظ الابتداء لم یوضع لسوی الابتداء الذی یکون من الأعراض النسبیة و الموضوع له الحرف فما قرّره للحرف من معنی لایخلو عن مناقضة لما أفاده فی صدر کلامه من وجود الفرق الذاتی بین المعنی الاسمی و الحرفی».
3- أجود التقریرات، ط.مؤسسة صاحب الأمر (عجل الله تعالی فرجه)، ج1، ص22 و 41.

و قال: إذا عرفت ذلک فالحق أنّ الموضوع له فیها کالوضع عام، فإنّ المفاهیم الحرفیة لاتحتاج فی مقام مفهومیّتها إلی خصوصیّة الطرفین بل فی مقام استعمالاتها، فالموضوع له فیها هو المعنی الواحد بالهویّة المشترکة بین جمیع موارد الاستعمالات و الخصوصیّة إنّما نشأت من ناحیتها.

و توضیح ذلک: إنّ المفاهیم الحرفیة کما عرفت قائمة بالمفاهیم الاسمیة نظیر قیام الأعراض بموضوعاتها فکما أنّ الخارجیات لها جواهر و أعراض فکذلک المفاهیم؛ فالمفاهیم الاسمیة بأنواعها معان استقلالیة جوهریة و المعانی الحرفیة معان عرضیّة قائمة بالمعانی الاسمیة فی مقام وجودها فی عالم الاستعمال و إن کانت غیر محتاجة إلی المعانی الاسمیة فی مقام مفهومیّتها.

المقدّمات التی أفادها لتقریر نظریّته:
اشارة

ثم إنّ المحقّق النائینی (قدس سره) أوضح مختاره بمقدمات خمس ثم بیّن حاصل الفرق بین المعنی الحرفی و الاسمی ضمن أرکان أربعة.

1. المقدمة الأولی:

إنّ المعانی إمّا إخطاریة فإنّ الأسماء بجواهرها و أعراضها یخطر معانیها فی الذهن عند التکلّم بها و لو لم تکن فی ترکیب کلامی.

و إمّا غیر إخطاریة فإنّ الحروف لاتوجب خطور معانیها ما لم تکن فی ضمن ترکیب کلامی.

2. المقدمة الثانیة:

إنّ المعانی غیرَ الإخطاریة إمّا إیجادیة مثل حروف التشبیه و النداء و التمنّی و غیرها فإنّ الحروف الموضوعة لها فی مقام الاستعمال یوجد فی الخارج فرد لها

ص: 146

بحیث یصدق علی الموجود خارجاً أنّه فرد من التشبیه أو النداء أو التمنّی.

و إمّا نسبیّة مثل النسب الخاصّة التی بین الأعراض و معروضاتها، فبین الأعراض و موضوعاتها نسب خاصة و الحکیم کما یضع الألفاظ للمفاهیم الاستقلالیة لابدّ له أن یضع الألفاظ لإفادة هذه المعانی أیضاً، و هذه المعانی هی المعانی الربطیة.

3. المقدمة الثالثة:

إنّ اللفظ الموضوع للنسب تارةً فی مقام لفظه مستقل کلفظة «من» و أخری فی مقام لفظه غیر مستقل کالهیئات الخاصّة، فیکون الموضوع کالموضوع له فی حدّ ذاتها غیر مستقل.

و الهیأة فی الجملة الاسمیة:

الحمل فیها ذاتی تارة مثل «زید إنسان» و النسبة فیه تنزیلیّة بمعنی أنّه یلحظ الموضوع عاریاً عن ذاته ثم یحمل نفس الذات علیه.

و غیر ذاتی أخری مثل «زید قائم» و وجود النسبة فیها واضح.

و الهیأة فی الجملة الفعلیة:

تارة تدلّ علی النسبة الأوّلیّة و هی نسبة قیام العرض بموضوعه مثل الفعل المعلوم. و أخری تدلّ علی النسبة الثانویة و هی النسبة التی بین الفعل و ملابساته مثل الفعل المجهول.

4. المقدمة الرابعة:

إنّ بعض الحروف لبیان النسبة الأوّلیة و الثانویة کلتیهما مثل کلمة «فی» و هی قد یکون لبیان النسبة الأوّلیة (و هی إفادة قیام العرض بموضوعه) فی مثال «زید

ص: 147

فی الدار» و هیأة «کائنٌ فی الدار» عرض و موضوعه زید و قد یکون لبیان النسبة الثانویة فی مثال «ضربت فی الدار» حیث إنّها تدلّ علی نسبة الضرب إلی الدار زیادة علی نسبته إلی موضوعه.

و أمّا بعض الحروف فلبیان النسبة الثانویة فقط کبقیّة الحروف.

5. المقدمة الخامسة:

إنّ معانی الحروف بأجمعها إیجادیة، نسبیةً کانت أم غیرها، فإنّها لم توضع إلّا لأجل إیجاد الربط بین مفهومین لا ربط بینهما، کلفظ زید و الدار فکلمة «فی» هی الرابط بینهما فی الکلام فی مقام الاستعمال.

فالموجد للربط الکلامی هو الحرف و الموضوع له فی الحروف النسب الکلامیة لا النسب الخارجیة.

و لا منافاة بین کون المعانی الحرفیة إیجادیة و أن تکون للنسبة الحقیقیة واقعیة و خارجیة قد تطابق النسبة الکلامیة فتکون صادقاً و قد تخالفها فتکون کاذباً و الفرق بین النسبة بالمعنی الحرفی و النسبة بالمعنی الاسمی هو الفرق بین المصداق و المفهوم.

ثمّ قال المحقق النائینی (قدس سره):((1)) حاصل الفرق بین المعانی الاسمیة و الحرفیة مبتن علی أرکان أربعة:

الرکن الأوّل: إنّ المعانی الحرفیة بأجمعها إیجادیة.

الرکن الثانی: إنّ لازم کون المعانی الحرفیة إیجادیة أن لا واقع لها فی غیر التراکیب الکلامیة بخلاف المفاهیم الاسمیة فإنّها مفاهیم متقرّرة فی عالم

ص: 148


1- أجود التقریرات، ط.مؤسسة صاحب الأمر (عجل الله تعالی فرجه)، ج1، ص30.

مفهومیتها.

الرکن الثالث: قد عرفت عدم الفرق بین الهیئات فی الإخبار و الإنشاء فی أنّ معانیها إیجادیة.

و المحقق النائینی (قدس سره) یفصّل بین إیجادیّة الإنشاء و الحروف بأنّ الإنشائیّات توجد معانیها فی وعاء الاعتبار و الحروف توجدها فی وعاء الاستعمال و الترکیب الکلامی.

الرکن الرابع: إنّ المعنی الحرفی حاله حال الألفاظ حین استعمالاتها، فکما أنّ المستعمل حین الاستعمال لایری إلّا المعنی و لایلتفت إلی الألفاظ، کذلک المعنی الحرفی لایُلتفت إلیه حال الاستعمال بل الملتفَت إلیه هی المعانی الاسمیة الاستقلالیة.

مناقشات ستّ فی القول الخامس:

(1)

المناقشة الأولی:

إنّ المحقق النائینی (قدس سره) قال: «المعانی الحرفیة معان عرضیّة قائمة بالمعانی الاسمیة» و علی هذا تنحصر المعانی الحرفیة فی المقولات العرضیّة.

ص: 149


1- . فی جواهر الأصول، ج1، ص124: «فیه أنه (قدس سره) لم یقم علی دعواه - من کون جمیع معانی الحروف إیجادیة - دلیلاً فما ذکره دعوی بلا بینة و مع ذلک فقد وقع الخلط و الاشتباه فی کلامه من وجوه: فأوّلاً: هو أنّ الإیجادیة التی ذکرها فی ابتداء الأمر الثانی - عند تقسیم المعانی إلی الإخطاریة و الإیجادیة - غیر ما قاله فی آخر کلامه ... و ثانیاً: أن ما ذکره أخیراً - من عدم إفادة الحروف معنی غیر إیجاد النسبة بین أجزاء الکلام - ینافی ما ذکره فی الأمر الثانی فی بیان النسب فإنه قال هناک: إنّه لایختص ما یفید النسبة بهیئات التراکیب فإنّ الحروف - کمن و إلی و فی و غیر ذلک من الحروف الجارة - أیضاً تفید النسبة ... و ثالثاً: إن کان مراده (قدس سره) بقوله أخیراً: إنّ مجموع المتحصل من جزئی الکلام - بما لهما من النسبة - یحکی عن الخارج أنّ مجموع الجملة یحکی عن مجموع الخارج دلالة واحدة وضعیة بحیث لاتدل أبعاض الجملة علی أبعاض المعنی الخارجی .... فواضح أنّه خلاف التبادر و الوجدان» الخ. و راجع أیضاً المحاضرات، ط.ق. ج1، ص63 - 67 و ط.ج. ص69 - 74، حیث قال: یتلخص ما أفاده (قدس سره) فی أمور خمسة الأمر الأوّل و الثانی فی غایة الصحة و المتانة و ناقش فی الثالث إلی الخامس. و فی منتقی الأصول، ص98: «قد ناقش السید الخوئی (قدس سره) فی الأرکان الثلاثة» ثمّ ذکر مناقشته فی الرکنین الأوّلین و أجاب عنها. و فی منتقی الأصول، ص101 - 103: «قد ناقش المحقق العراقی (قدس سره) اختیار المحقق النائینی (قدس سره) إیجادیة المعنی الحرفی بوجوه أربعة: الأوّل: أنّ المعانی التی تتصوّرها النفس إمّا أن تکون مرتبطة بعضها ببعض أو غیر مرتبطة فما تصورته النفس مرتبطاً فلایعقل إحداث الربط بین أجزائه لأنّه تحصیل للحاصل و ما تصوّرته غیر مرتبط لم یعقل إحداث الربط فیه لأنّ الموجود لاینقلب عمّا هو علیه ... الثانی: انّ الهیئات الدالة علی معنی لابدّ و أن یکون مدلولها معنی حرفیاً و علی فرض کون المعنی الحرفی إیجادیاً یلزم أن یکون معنی الهیأة متقدماً فی حال کونه متأخراً و بالعکس و هو خلف ... الثالث: انّه لو التزم بإیجادیة المعنی الحرفی لزم أن یکون معنی الحرف فی حیّز الطلب و صقعه لا فی حیز المطلوب و صقعه لأنّه یوجد باللفظ کالطلب فیکون متحققاً حال تحقق الطلب و ظاهر تأخر الطلب عن المطلوب رتبة لعروضه علیه فعلیه یلزم أن یکون المعنی الحرفی متقدماً و متأخراً فی حال واحد ... الرابع: إنّ کل لفظ سواء کان ذا مدلول أفرادی کزید أو ذا مدلول ترکیبی... لابدّ أن یکون له مدلول بالذات... و مدلول بالعرض... و لو التزم بإیجادیة معنی الحرف لزم أن ینحصر مدلول الکلام بالعرض فی المعانی الأفرادیة التی لایحصل بها شیء من الإفادة و الاستفادة» و لکن ناقش فی جمیع هذه الوجوه فراجع ص104 و 105. و فی بحوث فی علم الأصول، ص 243 – 246، ذکر مناقشة المحقق الخوئی و مناقشات المحقق العراقی (قدس سرهما) و أجاب عن جمیعها.

و لازمه عدم جواز استعمال الحروف بالنسبة إلیه تعالی، مضافاً إلی أنّ کونها معانی عرضیة ینافی ما أفاده من أنّ الموضوع له فی الحروف النسب الکلامیّة.

المناقشة الثانیة:

إنّ المعانی الحرفیة عنده معان إیجادیة و هی النسب الکلامیة و هذا یقتضی أن لایکون لها مفاهیم مستقلّة فی اللحاظ، لأنّه لا ماهیة للنسبة الحقیقیة الکلامیة و

ص: 150

واقعها، بل لها ذات تعلّقی و معنی غیر مستقلّ کما هو الأمر فی النسبة الحقیقیة الخارجیة، و النسبة بالمعنی الاسمی لیست مفهوماً للنسبة الحقیقیة الکلامیة بل هی عنوان لها، فلابدّ أن لایکون لها معنی واحد، فحینئذ یلزم أن یکون الموضوع له فی الحروف خاصّاً و لکنّه یقول بأنّ الموضوع له فی الحروف معنی واحد بالهویة المشترکة بین جمیع موارد الاستعمالات و لذا یقول: إنّ الموضوع له فی الحروف عامّ و هذا أیضاً من موارد التنافی فی لوازم مبناه.

المناقشة الثالثة:

إنّ إیجادیة معنی الحروف بمعنی أنّ الحروف هو السبب فی وجود المعنی و موجده فی وعاء الاستعمال و الترکیب الکلامی، و لازم ذلک إشراب معنی الوجود فی مفاد الحروف حیث إنّ الإیجاد و الوجود متحدان حقیقة و مختلفان بالاعتبار، مع أنّ وجود النسبة و ما هو سببه خارجان عن الموضوع له و بعبارة أخری إنّ الوجود خارج عن الموضوع له، لأنّ الموضوع له فی الحرف هو طبیعی المعنی، لا وجوده، کما أنّ الموضوع له فی الأسماء أیضاً الطبائع لا الوجودات.

المناقشة الرابعة:((1))

ما قال من أنّ النسبة بین المعنی الاسمی و الحرفی نسبة المفهوم إلی المصداق غیر صحیح، فإنّ المفهوم و المصداق متّحدان و حقیقتهما واحدة و الاختلاف بینهما من حیث الوجود مع أنّ النسبة بین المعنی الاسمی و الحرفی نسبة العنوان إلی المعنون، فإنّ المعنی الحرفی یختلف مع المعنی الاسمی فی الذات و الحقیقة.

ص: 151


1- تحقیق الأصول، ج1، ص106.

المناقشة الخامسة:((1))

ما قال فی الرکن الرابع من أنّ المعنی الحرفی غیر ملتفت إلیه فی مقام الاستعمال مخدوش بل قد یکون النظر إلی تفهیم المعنی الحرفی.

المناقشة السادسة:((2))

إنّ حکمة الوضع تقتضی وجود الحاکی عن النسبة الربطیة لأنّه فی قولنا: «زید فی الدار» لفظ «زید» یحکی عن معناه و لفظ «الدار» هکذا، فلابدّ أن یکون لفظ «فی» أیضاً دالّاً علی النسبة و الربط بینهما، فهو حاک عن النسبة.

القول السادس: نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره)
اشارة

القول السادس: نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) (3) و هو المختار

نذکر هذه النظریة فی ضمن عناوین أربعة:

إنّ الحروف وضعت لذات النسبة الحقیقیة التی هی النسبة بالحمل الشائع

ص: 152


1- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص65 و ط.ج. ص71، قال: «وأما ما ذکره (قدس سره) رابعاً من أنّ المعانی الحرفیة مغفول عنها فی حال الاستعمال - دون المعانی الاسمیة - فلا أصل له أیضاً وذلک لأنّهما من واد واحد من تلک الجهة فکما أنّ اللحاظ الاستقلالی یتعلق بإفادة المعانی الاسمیة عند الحاجة إلی إبرازها و التعبیر عنها فکذلک یتعلق بالمفاهیم الحرفیة من دون فرق بینهما فی ذلک».
2- تحقیق الأصول، ج1، ص106.
3- . نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ج1، ص51؛ بحوث فی الأصول، ص25. فی مباحث الأصول، ص41: «أما المعنی الحرفی فقد یقال: إنّه الموجود لا فی نفسه المتقوم بوجود الطرفین و لا ذاتیة له بغیر وجود الطرفین فلیس له ماهیة لغایة نقصه و لا وجود له غیر وجود الطرفین و إنّه فی ذاته متقوّم بوجود الطرفین کما أنّ الماهیات العرضیة فی وجودها متقومة بالموضوع فمن هذه الجهة یشبه الأعراض و لیس منها لعدم ماهیة مقولیة و لأنّ التقوّم فی نفس وجوده لا لوجوده کما فی الأعراض و یمکن استفادة هذا الوجه ممّا فی الأسفار و قد أوضحه شیخنا (قدس سره) فی کتابه فی الأصول» و فی منتهی الأصول، ص22: «الثالث: ... إنّ معانی الحروف من سنخ وجود الرابط و النسب لا الوجود الرابطی و الأعراض و بعبارة أخری لو کان من سنخ الأعراض لما کان محتاجاً إلّا إلی طرف واحد لا إلی الطرفین و الوجدان یحکم باحتیاجهما إلی الطرفین کما سنبینه فی القول الآتی. الرابع: إنّ المعنی الحرفی من سنخ النسب و الارتباطات القائمة بالطرفین» و فی أصول الفقه، ص59: «إنّ الحروف موضوعة لمعان مباینة فی حقیقتها و سنخها للمعانی الاسمیة فإنّ المعانی الاسمیة فی حد ذاتها معان مستقلة فی أنفسها و معانی الحروف لا استقلال لها، بل هی متقومة بغیرها و الصحیح هذا القول الثالث ... إنّ وجود الروابط و النسب فی حد ذاته متعلق بالغیر و لا حقیقة له إلّا التعلق بالطرفین ... أمّا المعانی الحرفیة فهی معان غیر مستقلة و غیر قابلة للتصور إلّا فی ضمن مفهو آخر». و فی منتقی الأصول، ص120: «الذی ننتهی إلیه أخیراً هو الالتزام بما التزم به المحققان النائینی و الأصفهانی (قدس سرهما) من انّه موضوع للربط و النسبة بین المفهومین الذی هو من سنخ الوجود، فإنّه مضافاً إلی معقولیته فی نفسه و عدم الوصول إلی أی إشکال فیه أمر ارتکازی وجدانی لایحتاج إلی إقامة برهان و ذلک فإنّ المعنی المزبور یتبادر إلی الذهن عند إلقاء الجملة و الدال علیه منحصر بالحرف لعدم وجود ما یصلح للدلالة علیه من أجزاء الجملة غیره إذ الاسم یدلّ علی نفس المفهوم المرتبط بالآخر لا علی الارتباط». و راجع أیضاً نهایة الأصول، ص17 و لمحات الأصول، ص29 و حاشیة علی کفایة الأصول، ص21 و حقائق الأصول، ص22 و حاشیة الکفایة للعلامة (قدس سره)، ص26 و عنایة الأصول، ص25.

بأنحائها من النسبة الابتدائیة و النسبة الظرفیة و یعبّر عن وجود تلک النسبة بالوجود الربطی و لکنّ الموضوع له فی الحروف هو ذاتها التعلّقی لا وجودها الربطی لأنّ الألفاظ بطبیعتها وضعت لطبیعی المعنی من دون دخل للوجود الذهنی أو الخارجی فی المعنی الموضوع له فإنّ الکلام یتشکّل من المعانی الاسمیة التی لا ارتباط بینها، فنحتاج إلی ما یربطها و لیس هو إلّا الحروف أو الهیآت فمفاد الحروف هو المعانی الربطیة.

فالمعنی الحرفی و الاسمی متباینان بالذات، لا اشتراک بینهما فی طبیعی معنی واحد.

ص: 153

1. المعنی الحرفی و الاسمی متباینان بالذات

و البرهان علی ذلک هو أنّ الاسم و الحرف لو کانا متّحدی المعنی و کان الفرق بمجرد اللحاظ الاستقلالی و الآلی، لکان طبیعی المعنی الوحدانی قابلاً لأن یوجد فی الخارج علی نحوین بالوجود المستقل و غیر المستقل، کما یوجد فی الذهن علی طورین [علی مبنی صاحب الکفایة (قدس سره) حیث یقول: إنّ طبیعة المعنی الواحد یوجد فی الذهن تارة مع اللحاظ الآلی و أخری مع اللحاظ الاستقلالی] مع أنّ المعنی الحرفی کأنحاء النسب و الروابط لایوجد فی الخارج إلّا علی نحو واحد و هو الوجود لا فی نفسه و لایعقل أن توجد النسبة فی الخارج بوجود نفسی.((1))

2. الدلیل علی أنّ النسبة وجودها لا فی نفسها:

((2))

لو قلنا بأنّ وجود الرابط وجود فی نفسه یلزم عدم ثبوت المحمول للموضوع فی القضیة الحملیة و یلزم الموجودات غیرُ المتناهی فیها لأنّ القضیة الحملیّة تحتاج إلی وجود رابط بین محموله و موضوعه فإذا فرضنا أنّ الرابط أیضاً وجود مستقل فیلزم وجود رابط آخر بینه و بین موضوع القضیة و رابط ثالث بینه و بین محمول القضیة و لکل من هذین الرابطین أیضاً وجود نفسی حسب الفرض فیحتاج کل منهما إلی رابطین و هکذا یتسلسل و لمّا کان التسلسل باطلاً یلزم عدم الرابط بین الموضوع و المحمول فی هذه السلسلة فلایمکن الحمل.

ص: 154


1- فی حاشیة الکفایة للعلّامة (قدس سره)، ص27: «هو مغالطة من باب وضع القسم موضع المقسم و لو بدل القسم بالمقسم بوضعه موضعه عاد مصادرة بالمطلوب الأوّل کما لایخفی».
2- نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ج1، ص51، هامش التعلیقة.
3. الوجود الرابط ذاته و وجوده تعلقی

إنّ ما هو واقع النسبة، ذاته تعلّقی، کما أنّ وجوده أیضاً تعلّقی، فإنّ کل ممکن زوج ترکیبی فله حیثیة الوجود و هی الأصیل و حیثیة الذات.

أمّا الوجود الربطی فلا ماهیة له، حیث إنّ الماهیة هی ما یقال فی جواب ما هو؟ و لذا تطلق علیها المقولة، فإنّ المقولة لابدّ أن تقع فی جواب ما هو؟ فلابدّ لها من استقلال فی التصوّر حتّی تقع بعنوان محمول القضیة (فی جواب ما هو؟)؛ مع أنّ الوجود الربطی ذاته غیر مستقلّ فی التصوّر و لذا لایطلق علیه المقولة و الماهیّة.((1))

ص: 155


1- فی مباحث الأصول، ص51: «یمکن أن یقال: إنّ وجود الممکن ملازم لماهیته و عدم العلم بالماهیة کما هی لایوجب عدمها أی العلم بعدمها بل ما نقل من أنّ الحرف ما دل علی معنی فی غیره أو أنّه ما دل علی معنی لیس باسم و لا فعل یرشد إلی أنّ معنی الحرف - بحسب النوع - شیء بین المسمّی و حرکته موجود فی ما بینهما یراه العقل ثابتاً و أنّه لولا ثبوته لم یحمل عرضی علی موضوعه، کما لایحمل عرض علی الموضوع و أمّا أنّ الماهیة متأصلة مستقلة بالمفهومیة فلیس ذلک من لوازم الماهیة التی تختلف اختلافاً فاحشاً فقد تکون جوهراً علی أنواعه المختلفة و قد تکون عرضاً ضعیفاً فی وجوده غایته بالنسبة إلی الوجود الجوهری و هذا الموجود أضعف من العرض لتوقفه علی الطرفین بخلاف العرض الذی هو الطرفین و عدم الاستقلال فی المعقولیة علی وفق عدم الاستقلال فی الموجودیة الخارجیة فإنّ جمیع ما فی الذهن علی طبق خارجیته فی الکمال و النقص عدا المخترعات الفرضیة الذهنیة و أمّا الاتفاق علی عدم الماهیة هنا لغایة الضعف کعدمها فی الواجب لغایة الکمال کما نسب إلی جماعة فهو لایناسب اختلافهم فی مقولة الإضافة التی هی النسبة المتکررة و أنّها حقیقیة مقولیة أو اعتباریة» و فی ص62: «کون الماهیة مستقلة فی التعقل لایتوقف تعقلها علی تعقل ماهیة أخری شیء غیر معتبر فی مقولیّتها و لا فی نفسیتها و إنّما تختص بالمحفوفیة بالغیر خارجاً و تعقلاً و إنّ اللّانفسیة بغیر هذا المعنی لا معنی لها فی الممکن الذی هو زوج ترکیبی فلایمکن أن یکون له وجود حقیقی بلا ماهیة أو یکون وجوده الحقیقی حقیقة وجود الطرف مع ما فیه من أنّ إثبات الوجود الحقیقی فی قبال الاعتباری أوّل الکلام هنا و فی الإضافة لا أنّ له وجوداً إمکانیاً بلا ماهیة و بأنّها کیف تکون لها ماهیة لا تعیّن لها، لدخولها فی سائر المقولات حتی الإضافة و هذا مشترک بینها و بین مقولة الإضافة».

و لذلک نری أنّ هذا المحقق عبّر عن الوجود الرابط بأنّ ذاته تعلّقی کما أنّ وجوده أیضاً تعلقی.

ثمّ قال:((1)) إنّ النسبة الواقعیة هی الوجود الرابط فقط و الأعراض النسبیة لیست نفس النسب، بل هیئات و أکوان خاصة ذات نسبة.

4. تحقیق فی حقیقة النسبة و وجودها
اشارة

((2))

لیس للنسبة الحقیقیة وجود نفسی محمولی لا عیناً و لا ذهناً بل وجودها بعین وجود طرفیها ذهناً و عیناً فهی کالموجود بالقوة بالإضافة إلی الموجود بالفعل، و کالموجود بالعرض بالإضافة إلی الموجود بالذات و حیث إنّ فعلیتها بالعرض بتبع فعلیة الطرفین بالذات فلذا تکون کالآلة لوقوع طرفیها موقع الظرفیة و المظروفیة، فإنّ هذین العنوانین الاسمیین لا ثبوت لهما إلّا بإضافة أحدهما إلی الآخر فتلک الإضافة هی آلة وجودهما بالفعل و بهذا الاعتبار یقال: الحرف ما أوجد معنی فی غیره، فکون معناه فی غیره (أی لا نفسیة له) شرح حقیقة معناه و کونه موجداً لمعنی فی غیره لازم حقیقته کما عرفت، و لیس تمام حقیقته إیجاد النسبة الکلامیة، بل له مع قطع النظر عن الکلام مقام کالاسم و لیس له مع قطع النظر عن الطرفین مقام. ((3))

ص: 156


1- نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ج1، ص55.
2- بحوث فی الأصول، ص25.
3- فی مباحث الأصول، ص41: «یمکن أن یقال: إنّ تقوّم شیء فی ذاته بوجود شیء و حقیقته یقتضی أن یکون ذات المتقوم وجوداً لا شیئاً آخر له الوجود و حیث إنّ ذلک الوجود مضاف بالذات إلی ماهیة فلا إضافة له إلی غیرها بالذات إذ لا تعدّد له حتی یصح کون الإضافتین ذاتیتین و مع الوحدة فالوجود الواحد کیف یضاف بالذات إلی جوهر و إلی ما لیس بجوهر و لا من الماهیات المقولیة أعنی النسبة؟ هذا فی إضافته إلی الموضوع مع أنّه مضاف إلی العرض القائم به أیضاً فیلزم إضافة وجودین متباینین - أعنی الجوهر و العرض– إلی غیر ماهیتهما و إلی ماهیتهما بالذات و حیث إنّ الإضافة المفروضة للموضوع إلی وجود النسبة بالاتحاد لأنّه لازم التقوم بنفس ذلک الوجود بنحو لاینتهی إلی المعلولیة و کذا إضافة النسبة إلی کل من الموضوع و العرض المنسوب إلیه فاللازم اتحاد العرض و الموضوع و اتحادهما مع النسبة الموجودة بعین وجودهما، لأنّ المتحد مع المتحد مع شیء متحد مع ذلک الشیء، بل هذا یکفی فی الإشکال فإنّ لازم التقوم فی نفس الوجود بنفس وجود الموضوع الاتحاد فیلزم من اتحادهما اتحاد العرض و الموضوع فی مثل البیاض لوجه زید و المفروض تعدد وجودهما و أمّا تعدد الإضافة علی ما سبق فیمکن التفصی عنه باختلاف الإضافتین معنی و لایستلزم تعدد الواحد هویة».

إنّ الموضوع له للحروف هل یکون هو نفس هذا الوجود الربطی أو ذاته التعلقیة؟

قلنا فی مبحث الوضع: إنّ الألفاظ وضعت لذات المعنی و طبیعیّه، فالوضع و العلقة الوضعیة بین طبیعی اللفظ و طبیعی المعنی من دون دخل الوجودین الذهنی و العینی نعم هذه النسبة محتاجة إلی الطرفین وجوداً و تصوراً.

و هنا نکتة أخری أکّد علیها المحقق الإصفهانی (قدس سره) و هی أنّ الواضع کیف یتصوّر ذات النسبة فی مقام الوضع مع أنّه لیست لها ماهیة کلیة و جامع ذاتی حتی تکون هی الموضوع له؟ و أمّا ذات کل نسبة حقیقیة فهی و إن أمکن کونها الموضوع له إلّا أنّه کیف یشار إلیها و یوضع اللفظ لها مع أنّ کل نسبة فی کل قضیة لابدّ أن تکون الموضوع له و لکن کثرتها فوق حدّ الإحصاء؟

و الجواب هو أنّ النسبة الاسمیة و إن کانت تغایر النسبة الحقیقیة ذاتاً إلّا أنّها تکون عنواناً للنسب الحقیقیة، فالمعنی المتصوّر حین الوضع المعنی الاسمی و الموضوع له ذات النسب الحقیقیة و هذا هو المراد من قولهم: إنّ الوضع فی الحروف عامّ و الموضوع له خاصّ.

ص: 157

مناقشات أربع علی نظریّة المحقّق الإصفهانی (قدس سره):
المناقشة الأُولی: بالنسبة إلی الاستدلال علی وجود الرابط
اشارة

((1)) بالنسبة إلی الاستدلال علی وجود الرابط((2))

إنّ الوجود الرابط لا أصل له خلافاً للفلاسفة، لأنّ ما برهنوا علیه مخدوش حیث إنّ أساس استدلالهم هو أنّ الیقین و الشک لایتعلّقان بشیء واحد فی آنٍ واحد من جهة واحدة، فلابدّ أن یتعدد متعلقهما و متعلق الیقین وجود الجوهر و العرض و متعلق الشک الربط بینهما و لکن هذا الأساس باطل لأنّه إذا علمنا بوجود إنسان فی الدار و لکن شککنا أنّه زید أو عمرو فمتعلق الیقین و الشک هو الکلی و فرده مع أنّ وجود الکلی و الفرد موجودان بوجود واحد.

و هکذا إذا أثبتنا أنّ المبدأ واجب و لکن شککنا فی أنّه مرید أو لا؟ مع أنّ صفاته عین ذاته.

یلاحظ علیها:

(3)

إنّ وجود الطبیعی (الإنسان فی المثال المذکور) و إن کان بعین وجود فرده و

ص: 158


1- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص70 و ط.ج. ص77.
2- فی بحوث فی علم الأصول، ج1، ص246: «و ثالثاً إنّ الوجود الرابط الخارجی أساساً لا موجب للالتزام به، إذ لا برهان علی وجود أمر ثالث فی الخارج زائداً علی الذات و العرض سوی ما یدّعی: من أنَّا قد نعلم بوجود زید و بوجود علم و نشک فی قیام هذا العلم بزید و حیث إنَّ المشکوک غیر المعلوم فیجب أن یکون هناک فی حالة علم زید أمر ثالث وراء ذات زید و ذات العلم و هو الوجود الرابط و هذا البرهان مدفوع: بأنّ العلم و الشک حیث إنَّهما متقوّمان بالصور الذهنیة لا بالخارج ابتداءً فلایقتضی فرض العلم و الشک إلّا فرض صورتین ذهنیّتین متغایرتین فی عالم الذهن و لاینافی کون مطابقهما واحداً فی الخارج».
3- . فی بحوث فی علم الأصول، ص248: «و منه یظهر أنّ الإشکال الثالث و هو إنکار الوجود الرابط الخارجی لایضرّ بالمدعی علاوة علی أنَّه خلاف التحقیق، إذ لو أرید إنکار ثبوت وجود ثالث خارجاً علی وجود المنتسبین فهو صحیح لکنَّه لیس هو المراد بالوجود الرابط و إن أرید إنکار ثبوت واقعیة ثالثة فی الخارج وراء واقعیة المنتسبین فهو غیر صحیح، لوضوح أنَّ هناک أمراً واقعیّاً ثابتاً فی لوح الواقع الذی هو أوسع من لوح الوجود نفتقده عند ما نفترض ناراً و موقداً غیر منتسبین و هذه الواقعیة هی منشأ انتزاع مثل عنوان الظرفیة أو المظروفیة و هی منشأ واقعیتهما لو قیل بأنَّهما من الأمور الواقعیة لا الاعتباریة».

لکن الشک متعلق بالخصوصیات الفردیة التی لیست شیء منها فی الطبیعی، و وجود زید غیر وجود عمرو بالقطع و الیقین و إن شئت قلت: إنّ الشک متعلق بأنّ هذا الوجود هل هو وجود زید أو وجود عمرو فمتعلق الشک هذان الوجودان، مع أنّا لانستدلّ علی وجود الرابط بهذا التعدد، بل الدلیل علی وجود الرابط فی الخارج هو لزوم وجود الربط بین العرض و موضوعه و کما أنّه لابدّ من تصویر وجود الرابط فی القضیة الکلامیة أیضاً.

المناقشة الثانیة:
اشارة

إنّه قد نسب إلی السیّد السیستانی (حفظه الله) إنکار الوجود الرابط خارجاً، تبعاً للحکیم آقا علی المدرس و إلیک نصّ عبارة مقرّره فی الرافد:((1))

إنّ الموجود شیء واحد فی الخارج إلّا أنّه یعیش حرکة تطوّریة تکاملیّة و الأعراض ما هی إلّا أنحاء وجوده التطوّری و ألوان حرکته التکاملیّة المتجدّدة، لا إنّها وجودات محمولیة أخری ترتبط بوجوده و تنضمّ إلیه و قد رتّبنا علی هذه النظریة کثیراً من البحوث الفلسفیّة، منها عدم الحاجة لدعوی واقعیة الوجود الرابط خارجاً کما هو المشهور فی الفلسفة باعتبار أنّنا إنّما نحتاج للقول بالوجود الرابط نتیجة تعدّد الموجود و لکن مع وحدته لانری حاجة

ص: 159


1- الرافد، ص20.

لوجود رابط متعلق بطرفین.

یلاحظ علیها:

أوّلاً: لأنّ دلیل إثبات الوجود الرابط لاینحصر فی النسبة الخارجیة بین الجوهر و العرض، لأنّ النسبة الکلامیة أیضاً وجود رابط((1))، بل الوجودات الإمکانیة بأسرها وجودات ربطیّة علی ما أفاده صدر المتألّهین (قدس سره) .

مع أنّ المبنی القائل باتحاد وجود العرض و الجوهر باطل فإنّ الحرکة إما جوهریة و إما عرضیة. و ما أفاده من أنّ الأعراض هی أنحاء الحرکة التطوریة خلط بین الحرکة الجوهریة و الحرکة العرضیة فإنّ الحرکة الجوهریة تکون فی نفس وجود الشیء و أما الحرکة العرضیة فهی خارجة عن ذات الشیء. و لها وجود آخر غیر وجود الشیء و ینتزع عنه الماهیة العرضیة.

ثانیاً: إنّ ما أفاده فی الحقیقة إنکار الوجود النفسی للعرض خارجاً، لأنّ النظر الدقیق یقتضی بقاء وجود النسبة و لو قلنا باتحاد العرض و الجوهر، لأنّ الأعراض النسبیة کمقولة الوضع و الأین و المتی هی الهیئات الخاصّة التی تکون ذات نسبة، ففی مثال «زید فی الدار» مقولة الأین هی الهیأة القائمة بزید من حیث نسبته إلی مکان الدار و اتحاد تلک الهیأة مع شخص زید، لایوجب انتفاء نسبته إلی المکان المزبور، فعلی هذا بعد انتفاء وجود العرض علی هذه النظریة یبقی وجود رابط و نسبة متقوّمة بوجود الجوهر.

ص: 160


1- إنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) أشار إلی الوجود الرابط فی القضایا الهلیة البسیطة و الهلیة المرکبة الإیجابیة، راجع إلی نهایة الدرایة، ج1، ص53.
المناقشة الثالثة:
اشارة

((1))

علی تقدیر تسلیم أنّ للنسبة و الرابط وجوداً فی الخارج فی مقابل الجوهر و العرض، لانسلّم أنّ الحروف و الأدوات موضوعة لها، لما بیّناه سابقاً من أنّ الألفاظ موضوعة لذوات المفاهیم و الماهیات، لا للموجودات الخارجیة و الذهنیة. ((2))

یلاحظ علیها:

((3))

إنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) صرّح بوضع الألفاظ لطبیعة المعنی من دون ملاحظة وجوده الخارجی أو الذهنی کما ذکرنا. و المعنی الحرفی علی هذا المسلک من المفاهیم غیر مستقلة.

ص: 161


1- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص71 و ط.ج. ص78.
2- ذکر السید الصدر (قدس سره) هذه المناقشة بهذه العبارة فی ص246: «أوّلاً إنّ الوجود الخارجی أو الذهنی لیس مأخوذاً فی المعنی الموضوع له الکلمة، بل اللفظ یوضع بإزاء ذات المعنی لأنَّ الوضع إنَّما هو لأجل الانتقال الذهنی إلی مدلوله و ما یعقل انتقال الذهن إلیه ذات المعنی لا الوجود».
3- و فی بحوث فی علم الأصول، ص247، بعد توضیح المقصود من الوجود الرابط قال: «و علی هذا الأساس تندفع الإشکالات الثلاثة أمّا الأوّل فلوضوح أنّ الوجود الخارجی لم یؤخذ فی مدلول الکلمة لیقال إنَّه لایقبل الانتقال الذهنی إلیه، حیث إنَّ الحرف لم یوضع للوجود الرابط الخارجی بل وضع لذات ماهیة النسبة بقطع النّظر عن نحوی وجودها. غیر انَّ النسبة متقومة دائماً بشخص وجود طرفیها و بهذا کانت النسبة القائمة فی ذهن المتکلم و النسبة القائمة فی ذهن السامع ماهیتین متغایرتین و کلّ منهما قابلة للانتقال الذهنی و ذلک بأنّ توجد فی صقع الذهن تبعاً لطرفیها بالنحو المناسب لها من الوجود» و فی منتقی الأصول، ج1، ص107، بعد أن ذکر مناقشة المحقق الخوئی (قدس سره) قال بعدم ورودها: «لأنّ امتناع وضع اللفظ للموجود ممّا أسّسه المحقق الإصفهانی (قدس سره) و التزم به و قرّبه بما تکرر من أنّ المقابل لایقبل المقابل و المماثل لایقبل المماثل إلّا أنّ ذلک یختص بالأسماء دون الحروف فإنّه التزم بکون الموضوع له فیها هو الوجود الذهنی و الإیراد المزبور بدفع بما أشرنا إلیه من أنّ دلالة الحروف و حکایتها تختلف عن دلالة الأسماء فإنّها من قبیل دلالة المماثل علی المماثل فلایرد فیه المحذور».
المناقشة الرابعة:
اشارة

((1))

إنّا نقطع بأنّ الحروف لم توضع لأنحاء النسب و الروابط لصحة استعمالها بلا عنایة فی موارد یستحیل فیها تحقق نسبة ما حتی بمفاد هل البسیطة فضلاً عن المرکبة، فلا فرق بین قولنا الوجود للإنسان ممکن و لله تعالی ضروری و لشریک الباری ممتنع، فإنّ کلمة اللام فی جمیع ذلک تستعمل فی معنی واحد و هو تخصص مدخولها بخصوصیة ما فی عالم المعنی علی نسق واحد بلا عنایة فی شیء منها و بلا لحاظ أیّة نسبة فی الخارج حتی بمفاد کان التامة فإنّ تحقق النسبة بمفاد کان التامة إنّما هو بین ماهیة و وجودها کقولک: «زید موجود» و أمّا فی الواجب تعالی و صفاته و فی الانتزاعیّات و الاعتباریّات فلایعقل تحقق أیّة نسبة أصلاً.

یلاحظ علیها:

(2)

إنّ الحرف وضع لذات النسبة و تحقّق النسبة بین الموضوع و المحمول فی الهلیّة البسیطة فی القضیة الکلامیة ممّا لا سبیل إلی إنکاره و بهذا الاعتبار یتکلّم

ص: 162


1- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص72 و ط.ج. ص78؛ و فی بحوث فی علم الأصول، ص246: «ثانیاً أنّ الوجود الرابط کثیراً ما لایکون موجوداً فی موارد الاستعمال، کما فی موارد استعمال اللام فی قولنا: "الوجود للَّه واجب" إذ لایعقل الوجود الرابط بین اللَّه و وجوده».
2- . فی بحوث فی علم الأصول، ج1، ص248: «أمّا الثانی فلأنّه مبنی علی تخیّل کون المدعی وضع الحرف للوجود الرابط الخارجی و قد عرفت عدمه ثمَّ لاندری هل کان نظره الشریف فی تسجیل هذا النقض إلی وضوح صدق قولنا الوجود للَّه مع أنَّه لا وجود رابط بین الطرفین أو إلی وضوح کونه کلاماً له مفاد مع أنَّه إذا کان اللام یدلّ علی الوجود الرابط فلیس له فی هذا الکلام مدلول بالذات فلایکون الکلام ذا مفاد؟ فإن کان النظر إلی الأوّل فیرد علیه: انَّه لابدَّ من تسجیل الإشکال فی رتبة أسبق بالتقریب الثانی، لأنَّ الکلام سواءً کان صادقاً أو کاذباً لابدَّ أن یکون مدلوله بالذات محفوظاً فإذا کان المدلول بالذات نفس الوجود الخارجی فیکون عدم الصدق مساوقاً لعدم المفاد رأساً و إن کان النظر إلی الثانی فلانعلم لما ذا لم ینقض بجمیع موارد استعمال الحرف فی حالات کذب المتکلّم حتی فی مثل قولنا: "السواد للجسم ثابت" حیث إنَّ المدلول بالذات لایتصوّر حینئذٍ فیلزم خلوّ الجملة من کونها ذات مفاد فی نفسها». و فی منتقی الأصول، ج1، ص108، بعد أن ذکر مناقشة المحقق الخوئی (قدس سره) قال بعدم ورودها: «لأنّه یبتنی علی أخذ الموضوع له هو الوجود الخارجی و قد عرفت خلافه و انّ الموضوع له هو الربط الذهنی فلایرد علیه الإشکال لأنّ عروض النسبة بین الذات المقدسة و الوجود إنّما یستحیل فی الخارج و أمّا فی الذهن و عروضها بین المفاهیم المتصورة عنهما فلا امتناع فیه و الربط الذهنی قوامه بالمفاهیم لا بالوجودات الخارجیة».

عن الله تعالی و شریک الباری و أمثال ذلک و عدم تحقّق النسبة خارجاً بین الله تعالی و وجوده و أسمائه و صفاته لایضرّ بالمقام لأنّ الموضوع له لیس النسبة بوجودها الخارجی بل ذاتها و حقیقتها هی الموضوع له.

القول السابع: نظریة المحقق الخوئی (قدس سره)
اشارة

القول السابع: نظریة المحقق الخوئی (قدس سره) ((1))

نذکر هذه النظریة فی ضمن خمسة عناوین:

1. الحروف الداخلة علی المرکبات الناقصة تباین الاسم ذاتاً

إنّ الحروف علی قسمین:

ما یدخل علی المرکبات الناقصة و المعانی الإفرادیة کمِن و إلی و علی و نحوها.

ما یدخل علی المرکبات التامّة و مفاد الجملة کحروف النداء و التشبیه و التمنّی و الترجّی و غیرها.

یقع الکلام الآن فی القسم الأوّل:

إنّ هذا القسم من المعانی الحرفیة یباین الاسمیة ذاتاً فإنّ المعانی الاسمیة مستقلات فی أنفسها و المعانی الحرفیة متدلّیات بها بحدّ ذاتها، فهو موضوع

ص: 163


1- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص75 و ط.ج. ص83.

لتضییق المفاهیم الاسمیة فی عالم المفاهیم و تقییدها بقیود خارجة عن حقائقها فإنّ للمفاهیم الاسمیة إطلاقاً بالنسبة إلی الحالات التی تحتها و بالنسبة إلی الحصص المنوّعة أو المصنفة أو المشخصة.

و غرض المتکلم فی مقام التفهیم و التفهّم کما یتعلّق بتفهیم المعنی علی إطلاقه وسعته کذلک یتعلّق بتفهیم حصّة خاصّة منه، فیحتاج الواضع إلی وضع ما یدلّ علیها و لیس ذلک إلّا الحروف و الأدوات و ما یشبهها من الهیئات الدالّة علی النسب الناقصة کهیئات المشتقّات و هیأة الإضافة و التوصیف.

فکلمة «فی» وضعت لسنخ التضییق الأینی و کلمة «علی» لسنخ التضییق الاستعلائی و کلمة «من» لسنخ التضییق الابتدائی.

و علی هذا یصحّ استعمال الحروف فی صفات الواجب تعالی و الانتزاعیّات کالإمکان و الاعتباریّات کالأحکام الشرعیة بلا عنایة و مجاز، مع أنّ تحقّق النسبة فی تلک الموارد حتی بمفاد هل البسیطة مستحیل.

2. معانی الحروف حکائیة

إیجادیة الحروف علی هذا المبنی هی بمعنی أنّها تحدث الضیق فی مقام الإثبات و الدلالة و إلّا لبقیت المفاهیم الاسمیة علی إطلاقها و سعتها و هذا غیر کون معانیها إیجادیة علی رأی المحقق النائینی (قدس سره) فمعانیها لیست بإیجادیة علی المصطلح الأصولی.

فإنّ معانی الحروف لا إیجادیة و لا إخطاریة بل حکائیة لأنّ ملاک إخطاریة المعنی هو الاستقلال الذاتی فی عالم المفاهیم، و المعانی الحرفیة فاقدة لهذا الملاک و ملاک حکائیة المعنی نحو ثبوت فی عالم المعنی و المعانی الحرفیة واجدة لهذا الملاک.

ص: 164

3. امتیاز هذا القول عن سائر الأقوال

أما امتیازه عن القول بإیجادیة الحروف فهو أنّ المعنی الحرفی علی مسلک الإیجادیة لیس له واقع فی أی وعاء عدا التراکیب الکلامیة و أمّا علی هذا الرأی فالمعنی الحرفی له واقع و هو ثبوته التعلقی فی عالم المفهوم.

و امتیازه عن القول بوضع الحروف بإزاء النسب أنّ المعنی الحرفی علی رأیهم سنخ وجود خارجی((1)) لا فی نفسه و لذا یختص بالجواهر و الأعراض و لایعمّ الواجب و الممتنع و أمّا علی هذا الرأی فالمعنی الحرفی سنخ مفهوم ثابت فی عالم المفهوم و یعمّ الواجب و الممکن و الممتنع علی نسق واحد.

و امتیازه عن القول بأنّ الموضوع له هی الأعراض النسبیة أنّ المعنی الحرفی علی نظریة المحقق العراقی (قدس سره) مستقل بالذات و علی هذا الرأی غیر مستقل بالذات.

و المعنی الحرفی علی رأی المحقق العراقی (قدس سره) سنخ معنی یختصّ بالجواهر و الأعراض و لایعمّ غیرهما و علی هذا الرأی سنخ معنی یعمّ الجمیع.

4. حال الحروف الداخلة علی المرکبات التامة حال الجمل الإنشائیة

توضیحه: إنّ الجمل إمّا إنشائیة و هی موضوعة لإیجاد المعنی فی الخارج علی القول المشهور و موضوعة للدلالة علی قصد المتکلم((2)) إبراز أمر نفسانی غیر

ص: 165


1- بل المعنی الحرفی عندهم حقیقة النسبة من دون دخل للوجود الخارجی و الذهنی کما برهنوا علیه بأنّ المقابل لایقبل المقابل (فإنّ الوجود الذهنی لایقبل الوجود الخارجی) و المماثل لایقبل المماثل (الوجود الذهنی لایقبل وجوداً ذهنیاً آخر).
2- بل موضوعة لإبراز المتکلم.

قصد الحکایة عند إرادة تفهیمه و إما خبریة و هی موضوعة للدلالة علی ثبوت النسبة فی الواقع أو نفیها.

فحرف النداء (مثل یا) وضع لإبراز قصد النداء و توجیه المخاطب إلیه و حروف الاستفهام وضعت لإبراز طلب الفهم و حروف التمنّی وضعت لإبراز التمنّی و حروف الترجّی وضعت لإبراز الترجّی و کذا حروف التشبیه و غیرها.

5. الموضوع له علی هذه النظریة خاصّ و الوضع عام

((1))

قال المحقق الخوئی (قدس سره): إنّ الوضع فیها عام و الموضوع له خاص.

أمّا فی القسم الأوّل فلأنّ الحروف لم توضع بإزاء مفاهیم التضییقات و التحصصات لأنّها معان اسمیة بل لواقعها و حقیقتها((2))و لا جامع ذاتی بین أفراد التضییق و أنحائه و أمّا مفهوم التضییق و التحصص فمفهوم اسمی و هو عنوان جامع لا جامعٌ ذاتی و بهذا الجامع نشیر إلی أفراد التضییق فالموضوع له خاص.

أمّا فی القسم الثانی فأیضاً کذلک حیث إنّ الحروف لم توضع لمفهوم التمنّی و الترجّی و التشبیه و نحوها بل وضعت لما هو بالحمل الشائع إبراز للتمنّی و الترجّی و الاستفهام و لا جامع ذاتی بین مصادیق الإبراز و أفراده فإنّ الواضع یتصوّر حین الوضع مفهوماً عاماً لإبراز التمنّی فیضع کلمة لیت بإزاء أفراده، فالموضوع له فی هذا القسم أیضاً خاصّ.

ص: 166


1- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص82 و ط.ج. ص91.
2- واقع التضییق و فرده وجودی و لیس من قبیل المفاهیم مع أنّه یدعی وضع اللفظ للمفاهیم.
مناقشتان علی نظریة المحقق الخوئی (قدس سره):

((1))

المناقشة الأُولی:

إنّ التضییق فی القسم الأوّل من الحروف مسبّب عن النسبة الواقعة بین المفهومین الاسمیّین و الموضوع له فی الحروف هو تلک النسبة و التضییق مسبّب عنه.

و الدلیل علی ذلک هو أنّه لو قلنا بوضع الحرف للتضییق فإمّا أن یوضع لمفهوم التضییق أو لمصداقه و کلاهما باطل.

أمّا بطلان الوضع لمفهوم التضییق فلأنّ مفهوم التضییق لایفهم من الحروف و أمّا بطلان الوضع لمصداق التضییق فلاستحالته لأنّ مصداق التضییق أمر وجودی و اللفظ موضوع لطبیعی المعنی، لأنّ الغرض من الوضع انتقال المعنی إلی الذهن و الوجود الخارجی لاینتقل إلی الذهن لأنّ المقابل لایقبل المقابل و الوجود الذهنی أیضاً لاینتقل إلی الذهن لأنّ المماثل لایقبل المماثل (کما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی بحوث فی الأصول). ((2))

ص: 167


1- فی بحوث فی علم الأصول، ص249: «إن أرید بالوضع للتحصیص کون الحرف موضوعاً لما هو ملاک التحصیص أی النسب التی بها تتحصّص المفاهیم الاسمیة بعضها بالبعض الآخر فهذا نفس المدّعی السابق الموضح فی الاتجاه الثالث و لیس شیئاً آخر فی قباله و إن أرید کون الحرف موضوعاً لنفس التحصیص فیرد علیه أوّلاً: انَّ التحصیص و الضیق لما کان فی طول أخذ نسبة بین المفهومین لا محالة فلابدّ من دال علی تلک النسبة .. و ثانیاً انّ التحصیص و الضیق فی طول النسبة و ممَّا یستتبعه المعنی الحرفی لا انَّه بنفسه المعنی الحرفی و فی طول المعنی الحرفی».
2- بحوث فی الأصول، ص25.

المناقشة الثانیة:((1))

إنّه ادّعی فی الدلیل الثانی الذی دعاه إلی القول المذکور أنّ نظریته توجب صحة استعمال الحروف فی الواجب و الممکن و الممتنع حقیقة بلا عنایة و مجاز مع أنّ سائر الأقوال عاجز عن ذلک.

و نوقش علیه: بأنّ التضییق الخاص یتوقف علی ثبوت خصوصیة و ارتباط بین المفهومین الاسمیین و بعبارة أخری إنّ قولنا: «الوجود لله واجب» یحتاج إلی ثبوت النسبة بین الوجود و الذات المقدسة حتی یصح فرض التضییق فی الوجود و نسبته إلی الله تعالی.

أدلّة أربعة علی هذه النظریة:
اشارة

((2))

الدلیل الأوّل: بطلان سائر الأقوال.

الدلیل الثانی: إنّ المعنی الذی ذکره مشترک بین جمیع موارد استعمال الحروف من الواجب و الممکن و الممتنع علی نسق واحد و لیس فی الأقوال الأخر ما یکون کذلک.

الدلیل الثالث: إنّ مختاره فی حقیقة الوضع (مبنی التعهد) ینتج الالتزام بهذا القول، ضرورة أنّ المتکلم إذا قصد تفهیم حصّة خاصّة فبأی شیء یبرزه، إذ لیس المبرز له إلّا الحرف أو ما یقوم مقامه.

الدلیل الرابع: موافقة هذا القول للوجدان و مطابقته لما ارتکز فی الأذهان.

ص: 168


1- منتقی الأصول، ج1، ص117.
2- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص79 و ط.ج. ص88.
المناقشة فی الأدلة الأربعة:

أمّا الوجه الأوّل فیلاحظ علیه: أنّ مقتضی القاعدة تمامیة مبنی المحقق الإصفهانی (قدس سره) و صحته فی المقام، مع أنّ بطلان سائر الأقوال لایوجب الالتزام بقول خاص إلّا عند الحصر.((1))

أمّا الوجه الثانی فبطلانه ظهر من المناقشة الثانیة التی ذکرناها قبل أسطر.((2))

أمّا الوجه الثالث:((3)) فإنّ الالتزام بمبنی التعهّد فی حقیقة الوضع، لایقتضی وضع اللفظ لهذا المعنی، مع أنّ مبنی التعهد باطل کما ذکرنا و کون الوضع للتضییق أیضاً باطل لما تقدّم فی المناقشة الأولی.((4))

ص: 169


1- فی منتقی الأصول، ج1، ص119: «أمّا الأوّل فهو مضافاً إلی وهنه فی نفسه إذ بطلان الوجوه الأخر لایعنی صحة هذا الوجه و تعیّنه ممنوع إذ قد عرفت تصحیح ما ذهب إلیه المحقق الإصفهانی و النائینی["] و توجیه کلامهما بنحو لایرد علیه أی إیراد ممّا ذکره السید الخوئی أو غیره و قد عرفت توجه بعض ما أورده علیهما علی کلامه نفسه».
2- و فی منتقی الأصول: «أمّا الثانی فقد عرفت انّ اختیاره لایصحح استعمال الحرف فی جمیع الموارد و إن الإشکال الذی وجهه علی المحقق العراقی و الإصفهانی (قدس سرهما) من عدم صحة استعمال الحرف فی صفات الباری یتوجه علی مختاره أیضاً».
3- فی بحوث فی علم الأصول، ص250: «انّ الأستاذ قد ربط بین الوجه الذی اختاره فی الحروف و بین مسلکه فی تفسیر الوضع و هو مسلک التعهد، حیث أفاد: إنَّ ما سلکناه فی باب الوضع من أنّ حقیقته التعهد و التبانی ینتج الالتزام بذلک القول لا محالة ضرورة انّ المتکلّم إذا قصد تفهیم حصة خاصة فبأی شی ء یبرزه إذ لیس المبرز له إلّا الحرف أو ما یقوم مقامه مع أنَّه لا ارتباط بین البحثین بوجه، لأنَّ المبحوث عنه فی المقام هو الفارق بین ما هو المدلول التصوری للحروف و الأسماء و أنَّهما من سنخ واحد أو سنخین سواء کانت حقیقة الوضع تخصیص اللفظ بإزاء نفس هذا المدلول التصوّری أو الالتزام بقصد تفهیم ذلک المعنی للغیر».
4- و فی منتقی الأصول: «و أمّا الثالث فصدوره منه عجیب إذ البحث عن حقیقة المعنی الحرفی و معرفة الموضوع له الحرف و انّه التضییق أو غیره إنّما یأتی فی المرتبة المتأخرة عن بیان أصل الوضع و حقیقته بحیث یکون فرض وضعه لهذا المعنی علی جمیع التقادیر لحقیقة الوضع فالالتزام بمعنی خاص للوضع لایقتضی وضع اللفظ إلی معنی معین بحیث یکون نتیجة تعیین الوضع هو الوضع المذکور فالوضع للتضییق علی تقدیر تمامیته یصلح علی جمیع تقادیر معنی الوضع و لایتعیّن أن یکون نتیجة الالتزام بمعنی معین» الخ.

أمّا الوجه الرابع: فإنّه ادعاء بلا دلیل بل منشؤه الخلط بین اللازم و الملزوم.((1))

القول الثامن: نظریة بعض الأساطین (حفظه الله)
اشارة

إنّ الحروف تنقسم إلی أقسام ثلاثة: ((2))

القسم الأوّل: الحروف التی تدلّ علی النسبة و تستعمل فی موارد الأعراض النسبیة مثل «فی» فإنّها موجدة للربط بین المفاهیم بما لها من الحکایة عن الواقع فالنسبة موجودة حقیقة (و مختار الأستاذ المحقّق (قدس سره) فی هذا القسم هو مبنی المحقق الإصفهانی (قدس سره)).

القسم الثانی: الحروف غیرُ الحاکیة عن النسب مثل حرف النداء و هی موجدة

ص: 170


1- و فی منتقی الأصول، ص120: «وأمّا الرابع فهو دعوی مجازفة إذ بعد أن عرفت ما یرد من الإشکال علی المبنی المزبور فکیف یکون ارتکازیا؟».
2- و فی جواهر الأصول، ج1، ص117: «الحق أن یقال: إنّ مفاد بعض الحروف حکائی کلفظة "من" و "إلی " فی قولنا: "سر من البصرة إلی الکوفة" و بعضها إیجادیة مثل یا النداء و واو القسم و أداة التمنی و الترجی و الاستفهام و التشبیه و التنبیه و نحوها و بعضها علامة صرفة لاتدل علی معنی أصلاً ککاف الخطاب فإنّها لاتدل علی معنی و إنّما هی علامة لکون المخاطب مذکراً ... إلی غیر ذلک و ذلک لأنّ باب دلالة الألفاظ من باب التبادر و نحوه و واضح أنّ المتبادر من قولنا: "سر من البصرة إلی الکوفة" هو الحکایة ... و واضح أنّ المتبادر من قولنا: "یا زید" هو إیجاد النداء و یصیر زید بذلک منادی و لم یکن لمعنی هذه الجملة تقرر و ثبوت مع قطع النظر عن هذا الاستعمال، بل توجد فی موطن الاستعمال فواقعیة هذا المعنی و حقیقته تتوقف علی الاستعمال ... و المتبادر من بعض الحروف أنّها مثل علامات الإعراب من الرفع و النصب و الجر ککاف الخطاب» الخ.

للنسبة وفاقاً للمحقق النائینی (قدس سره) فإنّه لا نسبة بین المنادی و المنادی حتی تحکی عنها حرف «یا»، بل حرف «یا» یوجد النسبة بین المنادی و المنادی.

القسم الثالث: الحروف التی لاتدلّ علی النسبة و لاتوجده، مثل اللام التی للعهد الذهنی.

یلاحظ علیه:

إنّ ما أفاده فی القسم الأوّل صحیح، کما قلنا: إنّ الحروف وضعت لذات النسبة (علی مبنی المحقق الإصفهانی (قدس سره)).

و أمّا ما أفاده فی القسم الثانی فیرد علیه: أنّ الکلام فی المعنی الموضوع له و هی النسبة الحقیقیة سواء کانت النسبة موجودة من قبل أم کان الحرف هو الموجد لها، فإنّ وجود النسبة و ما هو سببه خارجان عن المعنی الموضوع له، فحرف النداء تدلّ علی النسبة الندائیة.

و أمّا ما أفاده فی القسم الثالث فیرد علیه: أنّ «ال» التی للعهد الذهنی أیضاً تدلّ علی النسبة بین مدخوله و بین الأمر المعهود السابق و مدخول «ال» یکسب التعریف لمکان هذه النسبة.((1))

ص: 171


1- هنا أقوال أخر ربّما تشبه النظریات المذکورة. 1) فی دروس فی علم الأصول، ج1، ص72: «مدلول الحرف دائماً هو الربط بین المعانی النسبیة علی اختلاف أنحائه ... و الدلیل علی أنّ مفاد الحروف هو الربط أمران ... و لمّا کان کل ربط یعنی نسبة بین طرفین صحّ أن یقال: إنّ المعانی الحرفیة معان ربطیة نسبیة و إنّ المعانی الاسمیة معانٍ استقلالیة». و فی ج2، ص63: «توضیح الکلام ... یقع فی عدّة مراحل: المرحلة الأولی: ... بذلک یتضح أوّل فرق أساسی بین المعنی الاسمی و المعنی الحرفی و هو أنّ الأوّل سنخ مفهوم یحصل الغرض من إحضاره فی الذهن بأنّ یکون عین الحقیقة بالنظر التصوّری و الثانی سنخ مفهوم لایحصل الغرض من إحضاره فی الذهن إلّا بأن یکون عین حقیقته بالنظر التصدیقی و هذا معنی عمیق لإیجادیة المعانی الحرفیة ... المرحلة الثانیة: ... و هذا برهان علی التغایر الماهوی الذاتی بین أفراد النسب الظرفیة و إن کان بینها جامع عرضی اسمی و هو نفس مفهوم النسبة الظرفیة. المرحلة الثالثة: و علی ضوء ما تقدم أثبت المحققون انّ الحروف موضوعة بالوضع العام و الموضوع له الخاص لأنّ المفروض عدم تعقل جامع ذاتی بین النسب لیوضع الحرف له فلابدّ من وضع الحرف لکل نسبة بالخصوص و هذا إنّما یتأتی باستحضار جامع عنوانی عرضی مشیر فیکون الوضع عاماً و الموضوع له خاصاً» و راجع أیضاً بحوث فی علم الأصول، ج1، ص252 و 253. 2) فی مباحث الأصول، ص43: « علی تقدیر اتحاد مدلول الهیأة و الحروف فهما دالان علی النسبة الموجودة المنتزعة من وجود الطرفین علی النحو الخاص بالتخصصات المقولیة الخاصة المفیدة لتعلق أحدهما بالآخر بالتعلق الخاص الذی یدل علیه الحرف أو الهیأة أعنی تعلق أحدهما بالآخر». و فی ص45: «و أما کون النسبة التی هی مدلول الحرف ربطاً اعتباریاً انتزاعیاً فلمکان أنّه یحدث بین المعروض و العرض شیء یعتبر بسبب الاتصاف الواقعی علی نحو واقعیة الطرفین ربطاً و اتصالاً بینهما کما یتصل الشیئان بسبب ضمّ أحدهما مع الآخر فالرابط الجوهری هو المعتبر فی ما بین العرض و موضوعه فی حال الاتصاف». 3) فی تحریرات فی الأصول، ج1، ص91: «إنّها هی الخصوصیات الکمالیة القائمة بالمعانی الجوهریة المورثة لتحدد ذلک المعنی و خروجه من الإطلاق و الاشتراک إلی التقیید و التفرد».

ص: 172

التنبیه الأوّل: إنّ الموضوع له فی الحروف عام أو خاص؟

إنّ التفتازانی (قدس سره) و بعض الأعلام مثل المحقق الخراسانی و المحقق العراقی و المحقق النائینی (قدس سرهم) و بعض الأساطین (حفظه الله) قالوا بأنّ الوضع عام و الموضوع له عام و لکن بعض الأعلام مثل المحقق الإصفهانی و المحقق الخوئی (قدس سرهما) ذهبوا إلی أنّ الوضع عام و الموضوع له خاص.

و قد اتّضح سابقاً وجه ما ذهب إلیه المحقق الإصفهانی (قدس سره) و هو الصحیح فی المقام.

و القائلون بعموم الموضوع له فهم بین من یقول بأنّ المعنی الحرفی متحد مع المعنی الاسمی و من یقول بأنّ المعنی الحرفی من الأعراض النسبیة و من ذهب إلی أنّ المعنی الحرفی إیجادی.

و مبنی المحقق الخراسانی (قدس سره) یقتضی حکمه بعموم الموضوع له، لاتحاد المعنی الحرفی و المعنی الاسمی عنده و هکذا مبنی المحقق العراقی (قدس سره) لأنّ الأعراض النسبیة من المعانی الاسمیة، ولذا قال فی مقالات الأصول:((1))

«إنّ الموضوع له هی الحیثیة السنخیة المحفوظة فی ضمن أنحاء النسب الشخصیة من الابتدائیة و الانتهائیة و الظرفیة و غیرها».

و أمّا مبنی المحقق النائینی (قدس سره) فلایناسب مختاره فی المقام حیث قال بعموم الوضع و الموضوع له و صرّح بذلک فی فوائد الأصول،((2)) فقال:

ص: 173


1- مقالات الأصول، ج1، ص92.
2- فوائد الأصول، ج1، ص 58 و 59.

الحق هو کلیة المعنی الحرفی و کون الموضوع له فی الحروف عاماً کالوضع و لو کان المعنی جزئیاً، لکان ما یوجد بقولک: «سرت من البصرة» مبایناً لما یوجد بقولک «سرت من الکوفة» کمباینة زید و عمرو، بداهة تباین الجزئیات بعضها مع بعض و حیث نری أنّه لایکون هناک اختلاف و تباین فی النسب الابتدائیة التی توجدها لفظة «من» فی جمیع موارد الاستعمالات، فیعلم أنّ لفظة «من» موضوعة للقدر الجامع بین ما یوجد فی تلک الموارد و لانعنی بکلیة المعنی الحرفی إلّا ذلک.

ملاحظة علی المحقق النائینی (قدس سره):

إنّ النسبة الحقیقیة متقوّمة بالغیر وجوداً و ذاتاً، فلایمکن وجود القدر الجامع الحقیقی بینها، فمقتضی ما أفاده من أنّ المعنی الموضوع له فی الحروف النسب الکلامیة، هو أن یکون الموضوع له خاصّاً، فما قال من أنّ لفظة «من» موضوعة للقدر الجامع فی جمیع موارد الاستعمالات، لایتصوّر إلّا بالعنوان الجامع الذی هو معنی اسمی و هذا ینافی ما اختاره فی المعنی الحرفی.

ص: 174

التنبیه الثانی: ثمرة البحث عن حقیقة المعنی الحرفی (هنا ثمرتان):

اشارة

((1))

الثمرة الأولی:

الثمرة الأولی:((2))

إن قلنا بکلیّة معانی الحروف و أنّ الموضوع له فیها عام فهی قابلة للإطلاق و التقیید، فیمکن التمسّک بإطلاقها کما أنّه یمکن تقییدها، فإذا علمنا باشتراط أمر الشارع بشرط و شککنا فی رجوع الشرط إلی الهیأة أو إلی المادّة فحینئذ رجوع القید إلی الهیأة خال عن الإشکال، لأنّ المعنی الکلی مطلق فیقبل التقیید.

و إن قلنا بشخصیّتها فیشکل الأمر من حیث إنّ الجزئی غیر قابل للتقیید، و حینئذ إذا قیّدت جملة صلّ فیرجع القید إلی المادة و یکون شرط الواجب لا

ص: 175


1- فی منتقی الأصول، ج1، ص121: «قد قررت [ثمرة البحث] بأنّه مع الالتزام بعموم الموضوع له فی الحروف یتصوّر الإطلاق و التقیید فی معانیها و یظهر ذلک فی موردین: أحدهما: الواجب المشروط و دوران الأمر فی القید بین رجوعه إلی الهیأة و رجوعه إلی المادة و الآخر: فی مفهوم الشرط و الاستدلال علی ثبوته بإطلاق أداة الشرط - کما یقرّر فی محله- و هذا بخلاف ما لو التزم بخصوص الموضوع له فإنّه لایکون قابلاً للإطلاق و التقیید فیعلم بعدم رجوع القید إلی الهیأة کما لایمکن التمسک فی إثبات المفهوم بإطلاق الأداة لعدم ثبوت الإطلاق فیها».
2- فی المحکم فی أصول الفقه، ج1، ص121: «ربّما تجعل ثمرة النزاع فی کلیة المعنی الحرفی و جزئیته قبوله للتقیید لو کان کلیاً و عدمه لو کان جزئیاً لأنّ التقیید و الإطلاق متقابلان تقابل العدم و الملکة فلایصح اعتبار کل منهما إلّا فی موضوع قابل لهما و حیث لایقبل الجزئی الإطلاق لایقبل التقیید و یترتب علی ذلک الکلام فی رجوع القید فی الواجب المشروط للهیأة ذات المعنی الحرفی أو للمادة ذات المعنی الاسمی و لذا تعرضوا لهذا الأمر هناک إلّا أنّ الأنسب ذکره فی المقام لأنّه من ثمراته من دون خصوصیة لتلک المسألة».

شرط الوجوب لاستحالة تقیید الهیأة.

نعم بعضهم أجابوا((1)) عن هذا الإشکال و قالوا: یمکن القول بتعلیق الهیأة - و إن کان تقیید الهیأة مستحیلاً لخصوصیته و جزئیته- علی حصول الشرط و إن کانت المعانی الحرفیة شخصیة.

ص: 176


1- فی المحکم فی أصول الفقه، ج1، ص121: «و کیف کان فقد استشکل فی الثمرة المذکورة بوجوه: الأوّل: ما ذکره المحقق الخراسانی (قدس سره) فی مبحث الواجب المشروط من أنّ جزئیة الطلب المنشأ - لکونه معنی حرفیاً- إنّما تمنع من تقییده بعد إنشائه لا من إنشائه مقیّداً من أوّل الأمر ... و یشکل - مضافاً إلی ما هو المرتکز من عدم اختلاف مفاد الهیأة حال وجود القید عنه حال عدمه تمحض الشرط فی القرینیة المذکورة، بل هو مبتن علی نحو من التقیید، نظیر القیود الواردة علی الماهیة القابلة لذلک - بأنّ امتناع تقیید الجزئی لیس من حیثیة لحاظ التقیید، کی لایلزم فی الوجه الذی ذکره، بل لعدم شیوعه و سریانه و هو یقتضی امتناع التضییق فیه مطلقا ًسواء کان بالتضییق أم بإرادة المقیّد ابتداء ... الثانی: ما ذکره بعض الأعیان المحققین من أنّ الجزئی لایقبل التقیید الأفرادی دون الأحوالی و فیه أنّ الأحوال لمّا لم توجب تحصص الجزئی و تفریده امتنع کونها قیوداً له و إنّما تکون قیوداً للحکم الطارئ علیه.. الثالث: ما یظهر من سیدنا الأعظم (قدس سره) فی مبحث الواجب المشروط - توجیها لما سبق من المحقق الخراسانی (قدس سره) - من أنّ المعنی الحرفی و إن کان جزئیاً و منه النسبة الطلبیة الخاصة، إلّا أنّ تخصص النسب إنّما هو بتخصیص أطرافها فیجوز تخصیصها بخصوصیة الشرط. و فیه: أنّه إن أرید أنّ الشرط طرف للنسبة الطلبیة فمن الظاهر أنّ أطراف النسبة الطلبیة فی الواجب المشروط و المطلق لیس إلّا الطالب و المطلوب منه و المطلوب و لیس الشرط طرفاً لها، بل هو خارج عنها، له نحو من الدخل فیها و إنّما یتّجه ذلک فی خصوص بعض النسب التی تقوم بأطراف قلیلة تارة و کثیرة أخری ... و إن أرید أن دخل الشرط فی النسبة الطلبیة موجب لنحو من التحدید لها فهو و إن کان مسلماً فی الجملة إلّا أنّه لابدّ من توجیه دخله فیها، بعد فرض عدم تقومها به لخروجه عن أطرافها» الخ. و فی منتقی الأصول، ج1، ص122: «قد نوقش فی التقریر الأوّل بأنّ خصوصیة الموضوع له لاتنفی صحة التقیید إذ العموم و الإطلاق الأفرادی هو الذی لایتصوّر فی الخاص دون الإطلاق الأحوالی فیمکن التقیید و الإطلاق فیه بلحاظ الأحوال».
الثمرة الثانیة:

إنّ مفهوم الشرط یتقوّم بانتفاء سنخ الحکم عند انتفاء الشرط و أمّا انتفاء شخص الحکم فهو بانتفاء موضوعه فلایجدی فی تحقق مفهوم الشرط.

فإن قلنا حینئذ بجزئیة المعانی الحرفیة و خصوصیّتها و بأنّ الموضوع له فیها خاصّ، فالجملة الشرطیة لاتدلّ علی مفهوم الشرط، لأنّه ینتفی شخص الحکم هنا بانتفاء الشرط.

و إن قلنا بأنّ معانی الحروف کلیة و الموضوع له فیها عام فحینئذ یتحقق المفهوم للجملة الشرطیة، لانتفاء سنخ الحکم بانتفاء الشرط.

نعم بناءً علی ما اخترنا من جواز تعلیق المعنی الحرفی علی حصول الشرط، یمکن ثبوت مفهوم الشرط و إن قلنا بخصوصیة المعنی الحرفی.((1))

ص: 177


1- فی منتقی الأصول، ج1، ص122: «التحقیق أنّه مع الالتزام بأنّ معانی الحروف إیجادیة و من سنخ الوجود یمتنع تصوّر الإطلاق و التقیید فیها لا من جهة خصوصیة الموضوع له أو آلیته بل من جهة أنّ الإطلاق من شأن المفاهیم لأنّ الإطلاق عبارة عن السعة فی الصدق و التقیید التضییق فی الصدق و هذا شأن المفاهیم - کلیة کانت أو جزئیة- دون الوجود غیر القابل للصدق علی شیء بالمرّة، بل لیس هو إلّا نفسه مضافاً إلی أنّه یکون آلیاً و لایتصوّر أن یکون استقلالیاً فی حال من الأحوال کما عرفت تحقیقه فالثمرة موجودة کما لایخفی هذا کلّه بالنسبة إلی الحروف الداخلة علی المفردات».

ص: 178

الفصل الثالث: فی الإنشاء و الإخبار (فیه أمران)

اشارة

الأمر الأوّل: فی مفاد الجملة الإنشائیة

الأمر الثانی: فی حقیقة الإنشاء

ص: 179

ص: 180

الأمر الأوّل: فی مفاد الجملة الإنشائیة (هنا نظریات أربع):

اشارة

((1))

اختلف الأعلام فی مفاد الجملة الخبریة و الإنشائیة، علی أقوال:

النظریة الأولی: مبنی المشهور
اشارة

إنّ الجملة الخبریة موضوعة لثبوت النسبة فی الخارج أو عدم ثبوتها فیه، فإن تطابقت النسبة الکلامیة و النسبة الخارجیة فصادقة و إلّا فکاذبة.((2))

ص: 181


1- و فی منتقی الأصول، ج1، ص148: «التحقیق انّ الموضوع له الجملة و الهیأة الترکیبیة خبریة کانت أو إنشائیة هو نفس النسبة بین الموضوع و المحمول التی یصحّ التعبیر عنها فی الجمل الاسمیة بلفظ الاتحاد فیقال فی (زید قائم): (زید و قائم متحدان) و هذه النسبة یعرض علیها الثبوت و عدم الثبوت و الإیجاب و السلب و الاخبار و الإنشاء ... فالأخبار و الإنشاء خارجان عن الموضوع له و المستعمل فیه فی الجملة الخبریة و الإنشائیة بل هما من أطوار الاستعمال و أنحائه و لعلّ مراد المشهور ما ذکرناه من الوضع لنفس النسبة التی یعرض علیها الثبوت و عدمه لا الوضع لثبوت النسبة أو لا ثبوتها لوضوح أنّ أداة السلب فی الجملة الخبریة إنّما ترد علی نفس النسبة القائمة بین الموضوع و المحمول» الخ.
2- فی المحاضرات، ط.ق. ج1، ص85 و ط.ج. ص95: «لم توضع [الجملة الخبریة] للدلالة علی ثبوت النسبة فی الواقع أو نفیها عنه و ذلک لسببین: السبب الأوّل: أنّها لاتدلّ علی ثبوت النسبة خارجاً أو علی عدم ثبوتها و لو ظنّاً مع قطع النظر عن حال المخبر و عن القرائن الخارجیة مع أنّ دلالة اللفظ لاتنفک عن مدلوله الوضعی بقانون الوضع و إلّا لم یبق للوضع فائدة ... السبب الثانی: أنّ الوضع علی ما سلکناه عبارة عن التعهد ... فلایعقل تعلّق الالتزام و التعهد به» الخ. و فی منتقی الأصول، ج1، ص141، قال بعدم تمامیة ما ساق المحقق الخوئی (قدس سره) إلی العدول من تعریف المشهور أمّا الوجه الأوّل ف«لأنّ المراد من کون دلالة الجملة الخبریة تصدیقیة لیس أنّها بإلقائها توجب الإذعان بالنسبة بل إنّ مدلولها أمر لو تعلق به العلم کان تصدیقیاً بخلاف مدلول المفردات فإنّه لایتعلق به الإذعان أصلاً» و أمّا الوجه الثانی ف- «لأنّه - مضافاً إلی ما عرفت من الإشکال فی أصل المبنی و تقریبه بنحو آخر أوجه منه و إن لم یسلم عن الإشکال أیضاً و هو جعل متعلق التعهد ذکر اللفظ لا المعنی فراجع- منقوض بالوضع للمفردات فانّ الذوات و الطبائع التی توضع بإزائها الألفاظ غیر اختیاریة للواضع المتعهد فیمتنع الوضع له بمقتضی کون الوضع هو تعهد المعنی عند ذکر اللفظ لاستلزامه تعلق التعهد بأمر غیر اختیاری و هو ممتنع».

و إنّ الجملة الإنشائیة موضوعة لإیجاد المعنی فی الخارج الذی یعبّر عنه بالوجود الإنشائی فلاتتّصف بالصدق و الکذب بل تتّصف بالوجود والعدم.

قد یقال فی تقریر قول المشهور:

((1))

إنّ الجملة الخبریة موضوعة لثبوت النسبة خارجاً أو ذهناً أو فی وعاء الاعتبار.

و الجملة الإنشائیة موضوعة للإیجاد بواسطة الهیأة و هو علی نحوین: تارةً توجد المادة بواسطة الهیأة فهی لإیجاد المادّة کما فی «بعت» و أخری توجد النسبة البعثیة فهی لإیجاد النسبة کما فی «قم و اضرب».

النظریة الثانیة: للمحقق الخراسانی (قدس سره)
اشارة

النظریة الثانیة: للمحقق الخراسانی (قدس سره) ((2))

إنّ الاختلاف بینهما مثل الاختلاف بین الاسم و الحرف، فإنّ الإنشاء و

ص: 182


1- تحقیق الأصول، ج1، ص151.
2- فی الکفایة، ص12: «لایبعد أن یکون الاختلاف فی الخبر و الإنشاء أیضاً کذلک فیکون الخبر موضوعاً لیستعمل فی حکایة ثبوت معناه فی موطنه و الإنشاء لیستعمل فی قصد تحققه و ثبوته و إن اتفقا فی ما استعملا فیه فتأمل».

الإخبار أیضاً واحد من حیث المعنی و الواضع اشترط علی المستعمل أنّه متی کان الداعی للاستعمال هو الحکایة فیأتی بالجملة الخبریة و متی کان الداعی للاستعمال هو الإنشاء فیأتی بالجملة الإنشائیة فالاختلاف بدواعی الاستعمال.

استشکل علیها المحقق الخوئی (قدس سره):

((1))

لو کان معنی الإنشاء و الإخبار واحداً بالذات و الحقیقة کان اللازم أن یصحّ استعمال الجملة الاسمیة فی مقام الطلب کما یصح استعمال الجملة الفعلیة فیه، مثل أن یقال: زید قائم فی مقام طلب القیام منه، مع أنّه من أفحش الأغلاط.

النظریة الثالثة: للمحقق الإصفهانی (قدس سره)
اشارة

النظریة الثالثة: للمحقق الإصفهانی (قدس سره) ((2)) و هو الأصحّ

إنّ الإخبار و الإنشاء من شؤون الاستعمال فلایعقل دخلهما فی المعنی الموضوع له أو المعنی المستعمل فیه و لکن الجمل الخبریة و الإنشائیة قد یتّحدان فی المعنی المستعمل فیه و قد یختلفان، فلابد من التفصیل بین القسمین:

القسم الأوّل: الجمل المتحدة لفظاً و هیأةً نحو «بعتُ» الإخباری و الإنشائی، فالمستعمل فیه نفس نسبة إیجاد المضمون (أی المادة) إلی المتکلم و المتکلم قد یقصد الحکایة عنها و قد لایقصد الحکایة عنها بل یقصد ثبوتها (و کلام صاحب الکفایة (قدس سره) صحیح بالنسبة إلی هذا القسم)

القسم الثانی: مثل صیغة افعل و أشباهها ممّا لا اشتراک له لفظاً و هیأةً مع الجملة الخبریة، فالمستعمل فیه فی الجملة الإنشائیة غیر المستعمل فیه فی الجملة الخبریة مثلاً قد یقول المولی: «اضرب فلاناً» و قد یقول: «أبعثک إلی ضرب فلان».

ص: 183


1- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص89 و ط.ج. ص99.
2- نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ج1، ص61 و 62.

فإنّ مفاد «اضرب» بعث المخاطب نحو الضرب، لکن لا بما هو بعث ملحوظ بذاته بل بما هو نسبة بین المتکلم و المخاطب و المادة، فهذا بعث نسبی و مثل هذه النسبة لا خارج لها یطابقها أو لایطابقها.

أمّا الجمل الخبریة المتضمّنة لمضمون البعث و التحریک مثل «أبعثک نحو ضرب فلان» إذا أرید بها الإخبار، فمفادها نسبة البعث إلی المتکلم نسبة صدوریة.

فصیغة «اضرب» بعث نسبی و صیغة «أبعثک نحو الضرب» نسبة بعثیة.

ملاحظة علی ذیل کلامه:

إنّ ما أفاده فی القسم الثانی من الفرق بین المعنیین بأنّ الأوّل بعث نسبی و الثانی نسبة بعثیة لایخلو عن المناقشة، فإنّ الأوّل (اضرب) نسبة بعثیة و ذلک لأنّ مفاد الهیأة عنده هو المعنی الحرفی و لایصحّ التعبیر عنه بالبعث النسبی، فإنّه مثل التعبیر بالعرض النسبی الذی هو معنی اسمی ذات نسبة و أمّا الثانی فهی نسبة البعث نحو الضرب، فالبعث فی الأوّل صفة النسبة و فی الثانی مضاف إلیه للنسبة.

النظریة الرابعة: للمحقق الخوئی (قدس سره)
اشارة

النظریة الرابعة: للمحقق الخوئی (قدس سره) ((1))

إنّ الجملة الخبریة موضوعة للدلالة علی قصد الحکایة و الإخبار عن الثبوت أو النفی فی الواقع و الجملة الإنشائیة موضوعة للدلالة علی قصد المتکلم إبراز أمر نفسانی غیر قصد الحکایة عند قصد تفهیمه.((2))

ص: 184


1- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص83 و ط.ج. ص94 - 98.
2- فی منتقی الأصول، ج1، ص143، قال بعدم صحة مختار المحقق الخوئی (قدس سره) لوجهین: «الأوّل: تخلّفه فی بعض الصیغ الخبریة غیر المستعملة فی قصد الحکایة عن مدلولها ... کالاستعمالات الکنائیة فانّ المقصود الحکایة عن اللازم دون الملزوم مع دلالة الجملة علی الملزوم فلو لم تدل علی الملزوم و هو ثبوت النسبة الملزومة لنسبة أخری المقصود الحکایة عنها لما صحت الکنایة ... الثانی: انّ المتصور فی قصد الحکایة الموضوع لها الصیغة أمور ثلاثة: أحدها: التصمیم و العزم علی الإخبار ثانیها: کون المتکلم بصدد الإخبار و فی مقام الحکایة ثالثها: کونه قاصداً للحکایة و الإخبار بهذه الجملة بحیث یکون الإخبار و الحکایة داعیاً لذکر الجملة و مراد القائل هو الثالث دون الأوّلین ... فإذا کانت الحکایة المأخوذة فی معنی الجملة الخبریة من قبیل الداعی فلابدّ من فرض کون الحکایة عن ثبوت الجملة للنسبة أمراً یترتب علی الجملة فی نفسه کی یکون داعیاً إلی الاستعمال و یکون الاستعمال بلحاظه و هذا إنّما یتلائم مع الوضع لنفس ثبوت النسبة لا لقصد الحکایة» الخ.

فالجملة الإنشائیة و الإخباریة تشترکان فی أصل الإبراز و الدلالة علی أمر نفسانی و إنّما الفرق بینهما فی ما یتعلق به الإبراز، فإنّه فی الجملة الإنشائیة أمر نفسانی لا تعلق له بالخارج و لذا لایتصف بالصدق و الکذب بل یتصف بالوجود و العدم و فی الجملة الخبریة أمر متعلق بالخارج فإن طابقه فصادق و إلّا فکاذب.((1))

یلاحظ علیها:

إنّ مفاد الجملة الخبریة و الإنشائیة قد یتّحدان فی المعنی الموضوع له، کما فی مثل «بعتُ» و قد یختلفان کما فی مثل صیغة «افعل» و الجملة الخبریة فی ما إذا دلّ

ص: 185


1- فی منتقی الأصول، ص147، قال بعدم صحة مختار هذا المحقق لوجهین: «الأوّل: انّ ذلک إنّما یتمّ فی غیر ما إذا کانت المادّة موضوعة لمفهوم الصفة النفسانیة الموضوع لها الهیأة نظیر (ملکت) ... و أمّا فی ما إذا کانت المادّة موضوعة لمفهوم الصفة النفسانیة مثل (اعتبرت) ان قصد بها الإنشاء أو (أتمنی) المقصود بها انشاء التمنی فلایتم ما ذکر لأنّ معنی الکلام - بمقتضی ما ذکر بملاحظة المجموع من الهیأة و المادة- اعتبار الاعتبار و تمنی التمنی و لا ریب فی فساده و لایلتزم به القائل مع أنّه لازم قوله و هکذا لایتم ما ذکر فی ما کان المنشأ لفظاً غیر المقصود اعتباره مثل (بعت) ... الثانی: انّ لازم هذا الاختیار أن لایکون للجملة الإنشائیة مدلول تام جملی فی عالم المفهومیة و التصور بل لایکون هناک إلّا مفهوم المادة الأفرادی ... و إذا لم یکن للجملة الإنشائیة مفهوم جملی تام بل لیس لها إلّا مفهوم أفرادی خرج بابها عن باب استعمال الألفاظ الموجب لخطور المعنی فی الذهن و الانتقال إلیه إذ یکون حال الهیأة حال الکاشف التکوینی عن الصفة».

علی الأمر، فما أفاده لایخلو عن المناقشة و الحق فی المقام هو ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) مع ملاحظة ما علّقنا علیه.

ص: 186

الأمر الثانی: فی حقیقة الإنشاء (نذکر فیه نظریات ست):

اشارة

هنا أقوال: ((1))

الأوّل: إنّه إیجاد المعنی باللفظ فی نفس الأمر و هذا مختار صاحب الکفایة (قدس سره) علی ما هو التحقیق و هو المشهور علی ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) .((2))

الثانی: إنّه إیجاد المعنی باللفظ (فی وعائه المناسب له) فی عالم الاعتبار العقلائی و هذا هو المشهور علی ما أفاده بعض الأعلام.((3))

الثالث: إنّه إیجاد المعنی باللفظ بالعرض و هذا القول هو مختار المحقق الإصفهانی (قدس سره) و ادّعی أنّ مختار صاحب الکفایة (قدس سره) أیضاً ذلک.((4))

ص: 187


1- ذکر المحقق الروحانی (قدس سره) فی منتقی الأصول، ج1، ص123 و 124، أربعة أقوال (من القول الأوّل إلی القول الرابع).
2- بحوث فی الأصول، ص26.
3- منتقی الأصول، ج1، ص124.
4- فی منتقی الأصول، ص128: «الجهة الأولی: فی صحة نسبة الوجه المذکور إلی صاحب الکفایة (قدس سره) و التحقیق عدم الصحة لأنّه خلاف ما هو الصریح لکلام صاحب الکفایة (قدس سره) من أنّ المراد من نحو الوجود هو الوجود الاعتباری بحیث یکون الإنشاء من سنخ الاعتبار فنسبة إرادة الوجود بالعرض الساری فی الجمل الخبریة و الإنشائیة إلی صاحب الکفایة (قدس سره) لا وجه لها خصوصاً بملاحظة ما یصرّح به من أنّ هذا النحو من الوجود لایتحقق بالجملة الخبریة».

الرابع: إنّه إبراز الأمور النفسانیة باللفظ و هذا مختار المحقق الخوئی (قدس سره) .

الخامس: إنّه اعتبار و إبراز و هذا القول مختار بعض الأساطین (حفظه الله) و نسبه إلی المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی مباحث الاستصحاب (بحث أقسام الوضع، فی ضمن بیان حقیقة الملکیة).

النظریة الأولی: مختار المشهور و صاحب الکفایة (قدس سره)
اشارة

النظریة الأولی: مختار المشهور و صاحب الکفایة (قدس سره) ((1))

إنّ الإنشاء إیجاد المعنی باللفظ فی نفس الأمر (و الباء فی قولهم باللفظ بمعنی السببیة) و الکلام الإنشائی حینئذ قول قصد به ثبوت المعنی فی حد ذاته.

ص: 188


1- فی وقایة الأذهان، ص191: « قال الشیخ الأستاذ [أی صاحب الکفایة] - طاب ثراه - فی الفوائد ما نصه: إنّ الإنشاء هو القول الذی یقصد به إیجاد المعنی فی نفس الأمر لا الحکایة عن ثبوته و تحققه فی موطنه من ذهن أو خارج و لهذا لایتصف بصدق و لا کذب بخلاف الخبر فإنّه تقریر للثابت فی موطنه و حکایة عن ثبوته فی ظرفه و محله فیتصف بأحدهما لا محالة». ثمّ قال: «أقول: ما ذکره فی معنی الإنشاء من إیجاد المعنی بالقول أمر لانتعقله لأنّ الألفاظ لا علیّة لها بأنفسها لإیجاد المعانی و لایمکن جعل العلیة لها لما تقرّر فی محله من عدم قابلیتها للجعل – و قد سبق بیانه فی مبحث الوضع- و لا وظیفة للفظ إلّا الدلالة علی المعنی بالوضع و مرتبة المعنی مقدمة علی اللفظ فکیف یعقل إیجاده به و أیضا یشهد الوجدان بأنّ القائل: "إضرب فلاناً" لایرید به إیجاد أمر معدوم باللفظ بل یرید إفهام المخاطب معنی اللفظ علی حذو ما یریده فی الإخبار و لا فرق بین الإخبار و بینه من هذه الجهة و إن کان ثمة فرق فهو فی ناحیة المعنی المفهوم منهما». و فی منتقی الأصول، ص136: «إذا تبین عدم ورود أی إشکال فی الوجه المشهور للإنشاء دار الأمر بینه و بین مختار صاحب الکفایة (قدس سره) و الذی یقرّب الالتزام به و یبعد مختار صاحب الکفایة (قدس سره) انّه لا دلیل لما ذکره صاحب الکفایة (قدس سره) إثباتاً بل هو وجه ثبوتی صرف لا شاهد له فی مقام الإثبات بل ظاهر المرتکز من أنّ المنشئ ینشئ نفس المعنی قاصداً إیجاده فی وعائه المناسب له بحیث یری نفسه بمنزلة موجد السبب للأمر التکوینی لا أنّه ینشؤه لإیجاده فی عالم غیر عالمه ثمّ یترتب علیه وجوده فی عالمه الخاص ظاهر ذلک إثبات الرأی المشهور و نفی رأی صاحب الکفایة (قدس سره) ».
إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) علی هذه النظریة:

((1))

إنّ اللفظ لیس علّة تکوینیة للمعنی و لا سببیّة له لإیجاد المعنی فی عالم الاعتبار أیضاً لأنّ الاعتبار یکفی لتحقق الوجود الاعتباری بلا حاجة إلی اللفظ.

فإنّ علّیّة اللفظ لوجود المعنی خارجاً أو ذهناً غیر معقولة، لأنّ وجود الشیء خارجاً تابع لمبادی وجوده و لیس تابعاً لوجود اللفظ، و وجوده ذهناً یتبع وجود مبادی الانتقال و لایتبع وجود اللفظ، و حضور المعنی ذهناً بتبع حضوره لیس من باب علّیّة اللفظ بوجوده الخارجی أو بوجوده الذهنی لحضور المعنی، بل للتلازم بین الحضورین لمکان التلازم بین الحاضرین جعلاً و مواضعةً و لذا ربما ینتقل من تخیّل المعنی إلی وجود اللفظ أو وجوده الکتبی.

مناقشة علی إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره):

إنّ اللفظ موجد للمعنی فی عالم الاعتبار العقلائی لأنّ اعتبار المعتبر ما لم یبرزه، اعتبار شخصی و لا صلة له بعالم الاعتبار العقلائی و لا بدّ من إبرازه حتی یوجد فی اعتبار العقلاء.

الجواب عن هذه المناقشة:

إنّ الإنشاء فعل المنشئ و لابدّ من تعیین حقیقته و موقفه عند تحقق الأمور الاعتباریة فی اعتبار العقلاء مثلاً إنّ المالک عند تملیک الشیء لشخص آخر یواجه ثلاث مراحل:

المرحلة الأُولی: اعتبار الملکیة للشخص المذکور و هذه المرحلة فعل اعتباری مباشری للمالک و لیس فعلاً خارجیاً إنشائیاً و لا تسبیبیّاً، بل هو جعل اعتباری

ص: 189


1- بحوث فی الأصول، ص27.

من المالک فی عالم الاعتبار.

المرحلة الثانیة: إیجاد هذا الاعتبار فی عالم الخارج و إبرازه و إظهاره و لکن المعنی الاعتباری لایمکن إظهاره و إبرازه بوجوده الاعتباری، حیث إنّ وعاءه عالم الاعتبار فلابدّ من إظهاره بوجوده العرضی و هو اللفظ و هذه المرحلة هی ما نسمّیها بالإنشاء و لذا عرّفنا الإنشاء بإیجاد المعنی بوجوده العرضی و هو اللفظ (و إن شئت فسمّها بإبراز الاعتبار المذکور بوجوده العرضی و سیأتی زیادة قید القصد فی بعض الأقسام).

و أمّا المرحلة الثالثة: فهی ما یترتّب علی الإنشاء و هو وجود هذا المعنی فی اعتبار العقلاء و تلک لاتنبغی تسمیتها بالإنشاء حیث إنّ هذه المرحلة لیست بید المعتبر و لایعدّ فعله المباشری، بل هو یترتّب علی ما هو فعل المعتبر الذی هو إیجاد هذا الاعتبار بوجوده العرضی.

النظریة الثانیة:
اشارة

إنّ الإنشاء هو إیجاد المعنی باللفظ (أی بسبب اللفظ) فی وعائه المناسب له و هو عالم الاعتبار العقلائی.((1))

ص: 190


1- فی منتقی الأصول، ج1، ص130: «و أمّا القول الثالث فهو المشهور فی تفسیر الإنشاء و محصله کما أشرنا إلیه هو أنّ الإنشاء عبارة عن إیجاد المعنی باللفظ فی عالم الاعتبار العقلائی بمعنی أنّ المعنی الاعتباری فی نفسه یوجد له فرد حقیقی بواسطة اللفظ فیکون إلقاء اللفظ سبباً لتحقق اعتبار العقلاء للمعنی فالإنشاء هو التسبیب باللفظ إلی الاعتبار العقلائی للمعنی ... و الثمرة الفقهیة المترتبة علی کلا القولین تظهر فی ما یحرّر من بطلان الصیغة مع التعلیق و أنّه یعتبر فی صحة العقد أو نفوذه تنجیزه و یستثنی من ذلک ما إذا کان التعلیق قهریاً فإنّه لایضر التعلیق علیه و عدمه بل لا ثمرة فیه بعد أن کان قهریاً و ذلک کالتعلیق علی رضا المالک فی بیع الفضولی فانّ الأثر بحسب اعتبار العقلاء إنّما یترتب مع رضا المالک فالإنشاء لاینفذ إلّا علی تقدیر الرضا» الخ.
یلاحظ علیها:

((1))

إنّ ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی الإیراد علی صاحب الکفایة (قدس سره) یدلّ علی

ص: 191


1- فی منتقی الأصول، ص132: «ثم إنّه قد یشکل فی الالتزام بما هو المشهور من جهتین: الأولی: انّه یلزم اختصاص الإنشاء بما کان وعاؤه الاعتبار کالعقود و الایقاعات لمعقولیة التسبیب لإیجادها و اعتبارها من العقلاء و لایشمل ما کان من الأمور الحقیقیة الواقعیة التکوینیة التی لها ما بإزاء فی الخارج کبعض الصفات النفسانیة مثل التمنی والترجی و الطلب و الاستفهام ... الثانیة: انّ معرفة تحقق الاعتبار العقلائی تکون بترتیب الآثار من العقلاء علیه و معاملته معاملة الثابت حقیقة لو تصوّر له ثبوت حقیقی و مع عدم ترتب الأثر علیه یعلم بعدم الاعتبار لأنّه یلغو مع عدم ترتیب الأثر ... و ذلک یستلزم خروج موارد متعددة عن الإنشاء مع عدّها عرفاً إنشاء بلا کلام» الخ. و فی ص133: «قد تفصی عن الإشکال من الجهة الأولی - أعنی اختصاصه بالاعتباریات- بأنّ معنی الإنشاء لیس هو استعمال اللفظ فی المعنی بقصد إیجاده فی عالم الاعتبار بل استعماله لا بقصد الحکایة، سواء قصد به الإیجاد أو لم یقصد فالمأخوذ فی معنی الإنشاء هو عدم قصد الحکایة لا قصد الإیجاد و أمّا الإشکال من الجهة الثانیة - أعنی لزوم خروج بعض الإنشائیات عن الإنشاء- فقد أجیب عنه فی مورد الصیغ المکررة ... و التحقیق أنّه یمکن دفع الإشکال فی سائر الموارد بأن یقال: إنّه لیس المراد من الإنشاء هو استعمال اللفظ بقصد إیجاد المعنی فی عالمه علی أن یکون إیجاد المعنی بمنزلة الداعی - ویراد من القصد معنی الداعویة- کی یقال باقتضاء ذلک ترتب الإیجاد علی الإنشاء مباشرة و فعلاً کما هو شأن کل داع فإنّه سابق بوجوده التصوری متأخر بوجوده العینی الخارجی و مترتب فعلاً علی الفعل فیقع الإشکال حینئذٍ فی بعض الموارد الإنشائیة لتخلف الإیجاد عن الإنشاء بل المراد به استعمال اللفظ فی مقام إیجاد المعنی فی وعائه المقرّر له» الخ. و فی مصباح الفقاهة للمحقق الخوئی (قدس سره)، ج2، ص58: «المعروف بین العلماء أنّ الإنشاء إیجاد المعنی باللفظ و لکن هذا التعریف مزیف لأنّا ذکرنا فی مبحث المشتقات من مدخل علم الأصول أنّ المراد من إیجاد المعنی باللفظ إمّا إیجاد خارجی أو إیجاد اعتباری أمّا الإیجاد الخارجی فهو ضروری البطلان ... و أمّا الإیجاد الاعتباری فإن کان المراد به وجوده فی نفس المتکلم فهو واضح الفساد ... و إن کان المراد من الإیجاد الاعتباری وجود المعنی فی اعتبار العقلاء فیتوجه علیه أنّ الإنشاء و إن کان موضوعاً لاعتبار العقلاء إلّا أنّ هذا الاعتبار مترتب علی تحقق الإنشاء فی الخارج و کلامنا فی تصویر حقیقته سواء أکان ذلک مورداً لاعتبار العقلاء أو الشرع أم لم یکن».

بطلان هذه النظریة أیضاً. ((1))

النظریة الثالثة: مختار المحقق الإصفهانی (قدس سره)
اشارة

النظریة الثالثة: مختار المحقق الإصفهانی (قدس سره) ((2))

إنّ حقیقة الإنشاء هی إیجاد المعنی باللفظ بالعرض (و الباء فی قوله باللفظ هنا للمصاحبة لا السببیة).

إنّ المعقول من وجود المعنی باللفظ هو وجوده بعین وجوده، لا وجوده

ص: 192


1- فی منتقی الأصول، ص133: «و لایخفی أنّ هاتین الجهتین [الواردتین عند بعض علی مسلک المشهور] لاتردان علی مختار صاحب الکفایة (قدس سره) إذ الإنشاء علی مختاره إیجاد المعنی باللفظ بوجود إنشائی لا فی وعائه المقرّر له من اعتبار أو غیره فیمکن تحقق هذا الإیجاد و قصده بلا توقف علی تحققه فی عالم الاعتبار العقلائی کی ینتفی فی مورد لایتحقق فیه الاعتبار من العقلاء و لغویته مع عدم الأثر العقلائی و لاتنفی صحة تحقیقه کما أنّه یمکن أن یطرأ علی الصفات الحقیقیة إذ یمکن أن توجد بوجود إنشائی غیر وجودها الحقیقی و فی وعائها المقرر لها».
2- بحوث فی الأصول، ص27 و فی حاشیة المکاسب للمحقق الإصفهانی (قدس سره)، ج1، ص286، فی التعلیقة علی قوله: «هو عدم قابلیة الإنشاء للتعلیق»: «توضیح المقام أنّ الإنشاء - کما عرفت مراراً- وجه من وجوه استعمال اللفظ فی المعنی و هو - کما عرّفه بعض الأعلام- إیجاد المعنی باللفظ فی نفس الأمر و قد ذکرنا فی محلّه أنّ الغرض منه إیجاد المعنی بإیجاد اللفظ بالعرض لا بالذات فالوساطة للفظ وساطة فی العروض لا فی الثبوت ضرورة أنّ وجود المعنی حقیقة منحصر فی الوجود العینی و الذهنی و لیس اللفظ من مبادئ وجوده الخارجی و هو واضح مضافاً إلی عدم وجود مطابقه خارجاً حسّاً و عیاناً و لا من مبادئ وجوده الذهنی و الانتقال من اللفظ إلی المعنی لیس من ناحیة علیة وجود اللفظ لوجود المعنی ذهناً بل لأنّ الملازمة الجعلیة بین اللفظ و المعنی توجب التلازم بینهما علماً و ظنّاً و لذا ینتقل من المعنی إلی لفظه أحیاناً أیضاً فلم یبق إلّا وجود المعنی بعین وجود اللفظ بمعنی أنّ هذا الوجود الخاص ینسب إلی طبیعی الکیف المسموع بالذات و إلی المعنی بالعرض لکونه بالجعل و المواضعة وجوده العرضی التنزیلی» الخ. و فی نهایة الدرایة، ج2، ص38: «قد بیّنا حقیقة الإنشاء فی حواشینا علی الطلب و الإرادة و ملخصه أنّ الإنشاء إیجاد المعنی باللفظ إیجاداً لفظیاً بحیث ینسب الوجود الواحد إلی اللفظ بالذات و إلی المعنی بالعرض لا إلیهما بالذات فإنّه غیر معقول کما أن وجود المعنی حقیقة منفصلاً عن اللفظ بآلیته غیر معقول کما حقق فی محلّه».

بنحو وساطته للثبوت له، فمفاد الجملة الخبریة و الإنشائیة مشترکان فی حیثیة «وجود المعنی بعین وجود اللفظ»، إلّا أنّ الإنشائیة تتمیّز بتمحّض الکلام الإنشائی فی إثبات النسبة التامة بعین ثبوت اللفظ و الخبریة تتمیّز بزیادة عنوان الحکایة عن النسبة التامة.

و تقابلهما (الخبر و الإنشاء) تارةً بنحو تقابل العدم و الملکة و أخری بتقابل السلب و الإیجاب، فإنّ الإنشاء فاقد للحکایة و الخبر واجد لها و لفظ الإنشاء تارة قابل للحکایة و لم یحک فهو عدم الملکة مثل «بعتُ» و أخری غیر قابل للحکایة فهو سلب مقابل الإیجاب مثل «اضرب».

بیانه: إنّ مدلول ذات الجملة فی قولنا بعت و ملکت هی النسبة الإیجادیة المتعلقة بالمتکلم و المادة فإذا تمحّضت الجملة فی إثباتها بثبوت تنزیلی عرضی کانت إنشائیة و إذا زید علیها عنوان الحکایة عن تحقق النسبة المزبورة کانت خبریة فعدم الحکایة فی ما یقبل الحکایة عدم الملکة.

و مدلول الجملة فی قولنا «اضرب» و فی «أبعثک نحو الضرب» إخباراً مختلفان فإنّ البعث النسبی غیر نسبة البعث فعدم الحکایة فی مثل البعث النسبی مع عدم قبوله للحکایة سلب مقابل للإیجاب کما أوضحناه فی التعلیقة.

مناقشات ثلاث فی النظریة الثالثة:
اشارة

(1)

المناقشة الأُولی:

إنّ تقابل الإنشاء و الإخبار من قبیل تقابل المتضادین، و لیس من قبیل تقابل

ص: 193


1- . فی منتقی الأصول، ص129، بعد ذکر مختار المحقق الإصفهانی (قدس سره): «الحق أنّه غیر وجیه لوجهین: الأول: انّه لو کان الإنشاء هو إیجاد المعنی باللفظ بلحاظ انّ وجود اللفظ وجود للمعنی بالعرض بقید أن لایکون الغرض الحکایة عن الخارج أو الذهن بل الغرض کان فی نفس هذا الوجود العرضی للمعنی لزم أن تکون الجملة الخبریة غیر المستعملة بقصد الحکایة بل بداعی استمرار ارتکاز مدلولها فی ذهن المخاطب بتکرارها بلا أن یقصد بها الحکایة إذ لیس الداعی إلّا عدم شرود هذا المعنی من ذهن المخاطب لزم أن تکون مثل هذه الجملة إنشاء علی هذا القول مع أنّها لاتعدّ فی العرف من الجمل الإنشائیة کما لایخفی».

العدم و الملکة و لا من قبیل تقابل السلب و الإیجاب، فإنّ الإخبار و الإنشاء فی القسم الأوّل (مثل بعتُ) متّحدان فی الدلالة علی إثبات النسبة التامة الکلامیة و إیجاد المعنی باللفظ بوجوده العرضی و المتکلّم یقصد فی الجملة الخبریة الحکایة عن ثبوت النسبة و تحققها وراء النسبة الکلامیة و یقصد فی الجملة الإنشائیة إیجاد المعنی وراء النسبة الکلامیة.

المناقشة الثانیة:
اشارة

((1))

إنّ هذه النظریة تناسب المبنی الذی نسب إلی الفلاسفة فی باب الوضع و هو جعل اللفظ وجوداً تنزیلیاً للمعنی و لکن المحقق الإصفهانی (قدس سره) یقول: الوضع جعل اللفظ علی المعنی.((2))

ص: 194


1- تحقیق الأصول، ج1، ص154.
2- فی منتقی الأصول، ص129: «الثانی: أنّ کون الإنشاء هو إیجاد المعنی عرضاً بوجود اللفظ یبتنی إمکانه الثبوتی علی ثبوت کون الوضع هو تنزیل اللفظ منزلة المعنی فیکون اللفظ وجوداً تنزیلیاً للمعنی و بذلک یکون وجوده وجوداً للمعنی بالعرض إذ المنزل نحو وجود للمنزل علیه بالعرض و المسامحة فیمکن تصور أن یکون الإنشاء هو هذا النحو من إیجاد المعنی و لکنّک عرفت عدم ثبوت هذا المعنی للوضع و المناقشة فیه و عدم ارتضائه حتی من المحقق الأصفهانی (قدس سره) نفسه ... و بالجملة فأساس هذا المعنی للإنشاء و هو کون اللفظ وجوداً للمعنی بالعرض غیر ثابت فلاتتّجه دعوی أنّ الإنشاء هو هذا النحو من إیجاد المعنی».
الجواب عن المناقشة الثانیة:

إنّ حقیقة الوضع جعل اللفظ علامة علی المعنی و لکن بعد الوضع و علامیة اللفظ للمعنی یکون اللفظ وجوداً جعلیاً و عرضیاً للمعنی کما تقدّم.

المناقشة الثالثة:
اشارة

((1))

لو سلّمنا کون اللفظ وجوداً عرضیاً للمعنی فإنّ إیجاد المعنی بالوجود العرضی و الجعلی هو الاستعمال و الاستعمال متفرّع علی وجود المعنی و متأخّر عنه، فلایمکن تفسیر معنی الإنشاء بما هو عین استعمال الإنشاء، و بعبارة أخری إن کان الفرق بین الجملتین مجرد الحکایة و عدمها لزم کون الإنشاء مجرد التلفّظ و هذا ما لایلتزم به أحد.

الجواب عن المناقشة الثالثة:

إنّ استعمال الجملة الإنشائیة هو نفس الإنشاء و هو متأخّر عن معنی الجملة الإنشائیة، فقد وقع الخلط فی تعبیرهم «معنی الإنشاء» بین أن یکون بمعنی حقیقة الإنشاء (و هو حینئذ عین الاستعمال) أو یکون بمعنی مفاد الجملة الإنشائیة و معناه (و هو متقدّم علی الاستعمال) و علی هذا تدلّ الجملة الإنشائیة علی طبیعی المعانی الاسمیة و النسب الحرفیة، فالمعنی فی مثل «بعتُ» نفس نسبة إیجاد البیع إلی المتکلم و فی مثل «اضرب» النسبة البعثیة بین الآمر و المخاطب و الضرب الذی هو المأمور به و أمّا حقیقة الإنشاء فیتحقّق فی مرحلة إیجاد النسبة التامّة الکلامیة.

ص: 195


1- تحقیق الأصول، ج1، ص155.

مع أنّ الألفاظ المفردة و الهیئات الموجودة فی الجملة الإنشائیة تدلّ علی طبائع المعانی قبل ملاحظة وجودها العینی أو الذهنی و استعمال الهیئات و الألفاظ فی معانیها بإیجاد تلک المعانی هو حقیقة الإنشاء و یؤیّده إشراب معنی الوجود فی مفهوم الإنشاء.

النظریة الرابعة: مختار المحقق الخوئی (قدس سره)
اشارة

إنّ الإنشاء هو إبراز الأمور النفسانیة باللفظ من غیر حکایة.((1))

یلاحظ علیها:

(2)

إنّ الإنشاء قد یکون نفس الإبراز المذکور فی مثل التمنّی و الترجّی و أمّا فی بعض الإنشائیات مثل المعاملات فنفس الإبراز المذکور لایکون إنشاءً إلّا إذا کان بقصد إیجاده فی وعائه المناسب وراء النسبة الکلامیة.

ص: 196


1- راجع المحاضرات، ط.ق. ج1، ص88 و ط.ج. ص97 - 98. و فی منتقی الأصول، ج1، ص137: «و أمّا القول الرابع فهو الذی التزم به السیّد الخوئی (قدس سره) و هو کون الإنشاء إبراز ما فی النفس من الصفات من اعتبار أو غیره بواسطة اللفظ و قد قرّب مدعاه بنفی ما ذهب إلیه المشهور بدعوی أنّ الاعتبار الشخصی بید المعتبر نفسه فلایناط باللفظ و الاعتبار العقلائی یتوقف علی استعمال اللفظ فی المعنی فلابدّ من تشخیص المعنی هذا مع أنّ من الأمور الإنشائیة ما لایقبل الاعتبار کالتمنی و الترجی و نحوهما من الصفات الحقیقیة و لایخفی أنّ توقف الاعتبار العقلائی علی استعمال اللفظ فی معنی لایلازم فرض الإنشاء کما ذکره إذ یمکن أن یفرض انّ معنی الهیأة هو قصد الإیجاد کما التزم فی الهیأة الخبریة بأنّ معناها قصد الحکایة فإذا استعملت الهیأة الإنشائیة فی قصد الإیجاد ترتّب علیه الاعتبار العقلائی فلایلزم فرض الإنشاء عبارة عن إبراز الاعتبار النفسانی فتدبر».
2- . فی منتقی الأصول، ص138: «یرد علیه أوّلاً: انّ الاعتبار الشخصی و إن التزم به بعض الأکابر إلّا أنّه لا أساس له و لا وجه بعد إمکان التوصل إلی الاعتبار العقلائی باللفظ مباشرة کما هو مقتضی الرأی الثالث المشهور إذ لم یثبت فیه أی محذور فالاعتبار الشخصی بعد هذا یکون لغواً محضاً و لیس بذی أثر... و ثانیاً: انّ معنی الاعتبار هو بناء المعتبر علی ما اعتبره فیقال عند اعتبار العقلاء الملکیة لزید انّهم بنوا علی أنّه مالک و أنّهم یرونه مالکاً و نحو ذلک من التعبیرات المرادفة و علیه فاعتبار الشخص زیداً مالکاً - عند إرادة بیعه شیئاً - معناه أنّه بنی علی أنّه مالک و بعد ذلک یبرز هذا الاعتبار باللفظ و هذا المعنی یخالف الوجدان و الضرورة ... و ثالثاً: انّ من المعانی الإنشائیة ما لایقبل الجعل و الاعتبار أصلاً کالإنفاذ فانّ نفوذ المعاملة معناه تأثیرها و ترتب الأثر المرغوب علیها و التأثیر غیر قابل للاعتبار لما قرّر فی منع جعل السببیة و نحوها من الأمور الانتزاعیة من أنّها إنْ جعلت بنفسها بلا جعل المسبب کان ذلک منافیاً للسببیة» الخ.
النظریة الخامسة:
اشارة

إنّ الإنشاء اعتبار و إبراز (هی نظریة بعض الأساطین (حفظه الله)).

یلاحظ علیها:

أوّلاً: إنّ المختار هو أنّ الاعتبار متقدم علی الإنشاء و الإنشاء هو الإبراز المذکور مع زیادة التقیید بالقصد فی بعض الأقسام.

ثانیاً: یرد علیه ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) ((1)) حیث قال: إنّه لیس فی کل مورد من موارد الإنشاء اعتبار من العقلاء أو من الشرع، فإنّه فی موارد إنشاء التمنی و الترجی و الاستفهام لیس أی اعتبار من الاعتبارات لا من الشارع و لا من العقلاء.

النظریة السادسة: و هی الرأی الصحیح

إنّ الإنشائیات علی قسمین و لکل منهما تعریف یخصّه:

القسم الأوّل: ما لایعتبر فی تحققه قصد إیجاده و ذلک مثل التمنّی و الترجّی و

ص: 197


1- المحاضرات، ط.ق: ج1، ص89 و ط.ج: ص98.

التعجّب و الاستفهام و الأمر بصیغته و مادّته، فیصحّ فیه تعریف المحقق الإصفهانی (قدس سره)، فإنّ الإنشاء أمر إیجادی و لکن لایحتاج فی تحققه إلی القصد فی هذا القسم.

فلابدّ أن یقال فی تعریف الإنشاء بالنسبة إلی هذا القسم: إنّه إیجاد المعنی بوجوده العرضی الذی هو نفس وجود اللفظ.

القسم الثانی: ما یعتبر فی تحقّقه قصد إیجاده و حینئذ لابدّ أن یقال فی تعریف الإنشاء فی هذا القسم: إنّه إیجاد المعنی بوجوده العرضی-الذی هو نفس وجود اللفظ- مع قصد إیجاده فی وعاء اعتبار العقلاء الذی هو ما وراء النسبة الکلامیة و هو المناسب للمعنی الإنشائی و ذلک فی المعاملات.

ص: 198

الفصل الرابع: فی أسماء الإشارة و الضمائر و الموصولات

اشارة

ص: 199

ص: 200

معانی أسماء الإشارة و الضمائر و الموصولات

اشارة

اختلف أعلام المتأخّرین فی معانیها علی أقوال: ((1))

النظریة الأولی: للمحقق الخراسانی (قدس سره)
اشارة

النظریة الأولی: للمحقق الخراسانی (قدس سره) (2)

إنّ الوضع فی تلک الأسماء عام و الموضوع له عام و کذا المستعمل فیه و إنّ

ص: 201


1- هنا قول رابع من قدماء الأصحاب و هو کون الوضع فیها عاماً و الموضوع له خاصاً ففی المعالم، ص123: «و من القسم الثانی المبهمات کاسم الإشارة فلفظ "هذا" مثلاً موضوع لخصوص کل فرد ممّا یشار به إلیه لکن باعتبار تصور الواضع للمفهوم العام و هو کل مشار إلیه مفرد مذکر و لم یضع اللفظ لهذا المعنی الکلی بل لخصوصیات تلک الجزئیات المندرجة تحته و إنّما حکموا بذلک لأنّ لفظ (هذا) لایطلق إلّا علی الخصوصیات فلایقال: "هذا" و یراد واحد ممّا یشار إلیه بل لابدّ فی إطلاقه من القصد إلی خصوصیة معینة فلو کان موضوعاً للمعنی العام کرجل لجاز فیه ذلک و هکذا الکلام فی الباقی». و فی القوانین، ص301: «انّ وضع الضمائر قد عرفت أنّه من قبیل الوضع العام و إنّ الموضوع له فیها کل واحد من خصوصیات الأفراد لکن بوضع واحد إجمالی و بذلک یمتاز عن المشترک کما أشرنا إلیه فی أوّل الکتاب و علی هذا فضمیر المفرد المذکر الغائب مثلاً إذا استعمل فی کل واحد من أفراد المفرد المذکر الغائب یکون حقیقة و کذلک اسم الإشارة مثل هذا».
2- . فی کفایة الأصول، ص 12 و 13: «ثمّ إنّه قد انقدح ممّا حققناه، أنّه یمکن أن یقال: إنّ المستعمل فیه فی مثل أسماء الإشارة و الضمائر أیضاً عام و أنّ تشخصه إنّما نشأ من قبل طور استعمالها حیث أنّ أسماء الإشارة وضعت لیشار بها إلی معانیها و کذا بعض الضمائر و بعضها لیخاطب به المعنی و الإشارة و التخاطب یستدعیان التشخص کما لایخفی فدعوی أنّ المستعمل فیه فی مثل (هذا) أو (هو) أو (إیاک) إنّما هو المفرد المذکر و تشخّصه إنّما جاء من قبل الإشارة أو التخاطب بهذه الألفاظ إلیه فإنّ الإشارة أو التخاطب لایکاد یکون إلّا إلی الشخص أو معه غیر مجازفة» و راجع إلی هدایة المسترشدین، ج1، ص180 – 184.

التشخّص ناشئ من قبل طور الاستعمال، حیث إنّ أسماء الإشارة وضعت لیشار بها إلی معانیها و کذا بعض الضمائر أیضاً وضعت لیشار بها إلی معانیها مثل الضمیر الغائب و أمّا بعضها الآخر فوضعت لیخاطب به المعنی و الإشارة و التخاطب یستدعیان التشخص.

فالمستعمل فیه فی مثل «هذا أو هو أو إیّاک» إنّما هو «المفرد المذکر» و التشخّص إنّما جاء من قبل الإشارة أو التخاطب بهذه الألفاظ.

ملاحظتنا علیها:

((1))

قد تقدم النقاش علی هذه النظریة فلانعید.

ص: 202


1- فی نهایة الأصول، ص22: «و ما قیل: من کون کلمة (هذا) موضوعة للمفرد المذکر المشار إلیه فاسد جداً بداهة عدم وضعها لمفهوم المشار إلیه و لم یوضع لذات المشار إلیه الخارجی الواقع فی طرف الامتداد الموهوم أیضاً إذ لیس لنا - مع قطع النظر عن کلمة (هذا)- إشارة فی البین حتی یصیر المفرد المذکر مشاراً إلیه و یستعمل فیه کلمة (هذا )». و فی منتقی الأصول، ج1، ص155: «و یرد علی ما ذکره - بحسب النظر الأولی- وجهان: الأوّل: انّ الإشارة الخارجیة إنّما تتعلق بالفرد دون الطبیعة و الکلی بما هو کلی و علیه فیمتنع أن تکون أسماء الإشارة موضوعة لیشار بها إلی معانیها مع الالتزام بأنّ معانیها کلیة ... الثانی: ما قد یستشعر من کلام المحقق الأصفهانی (قدس سره) و هو أنّه لا إشکال فی عدم إرادة الإشارة الناشئة من قبل وضع اللفظ لمعنی و المساوقة لبیان المعنی باللفظ ... و إنّما المراد معنی آخر لا تحقق له فی غیر لفظ و لاتقتضیه طبیعة الوضع و هو ... الإشارة الحسیة لأنّها هی الموجبة للتشخص الخارجی» الخ.
النظریة الثانیة: للمحقق الإصفهانی (قدس سره)

النظریة الثانیة: للمحقق الإصفهانی (قدس سره) (1) و هی المختار

التحقیق أنّ أسماء الإشارة و الضمائر موضوعة لنفس المعنی عند تعلق الإشارة به خارجاً أو ذهناً بنحو من الأنحاء، فقولک: «هذا» لایصدق علی زید مثلاً إلّا إذا صار مشاراً إلیه بالید أو بالعین مثلاً.

فالفرق بین لفظ «المشار إلیه» و لفظ «هذا» هو الفرق بین العنوان و الحقیقة نظیر الفرق بین لفظ «الربط و النسبة» و لفظ «من» و «فی».

تذکر فی المقام:

لابدّ أن ینبّه علی أنّ معنی «هذا» معنی اسمی و لکن وقع طرف الإشارة، فهو موضوع لما یقع طرف الإشارة، کما أنّ الإشارة أیضاً معنی اسمی لأنّه ذو معنی مستقل.

النظریة الثالثة: للمحقق البروجردی (قدس سره)
اشارة

النظریة الثالثة: للمحقق البروجردی (قدس سره) (2)

و هذه النظریة مختار بعض الأساطین (حفظه الله) أیضاً.

ص: 203


1- . نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ج1، ص64. و فی منتقی الأصول، ج1، ص157: «تابعه علی هذا الاختیار السیّد الخوئی (قدس سره) إلّا أنّه خصّ الموضوع له بما تعلقت به الإشارة الخارجیة کما هو صریح تقریرات الفیاض و الذی یرد علی هذا الاختیار وجهان: أوّلهما: و هو جدلی أنّه یستلزم الوضع للموجود بما أنّه موجود و ذلک لأنّ الإشارة لاتتعلق إلّا بالموجود فإذا کان الموضوع له هو المعنی المقارن للإشارة إلیه کان معنی اسم الإشارة هو الموجود لا المفهوم و الوضع للموجود – و إن لم یتضح لدینا امتناعه إلّا أنّه- ممّا یلتزم بامتناعه کلا المحققین و ثانیهما: أنّه إذا کان الموضوع له هو المعنی المقارن للإشارة الخارجیة - کما یلتزم به السیّد الخوئی- امتنع استعمال اسم الإشارة فی الکلیات و الأمور الذهنیة لامتناع تحقق الإشارة الخارجیة إلیها مع أنّ استعمال اسم الإشارة فی الکلیات و الأمور الذهنیة ممّا لایحصی بلا تجوّز و لا مسامحة».
2- . فی نهایة الأصول، ص21: «انّ التحقیق کون جمیع المبهمات من وادٍ واحد و قد وضعت لأن یوجد بها الإشارة فیکون الموضوع له فیها نفس حیثیة الإشارة التی هی معنی اندکاکی و امتداد موهوم متوسط بین المشیر و المشار إلیه و یکون عمل اللفظ فیها عملاً إنشائیاً فقولک: "هذا" بمنزلة توجیه الإصبع الذی یوجد به الإشارة و یکون آلة لإیجادها ... و نظیر ذلک الضمائر و الموصولات فیشار بضمیر المتکلم إلی نفس المتکلم و بضمیر المخاطب إلی المخاطب و بضمیر الغائب إلی المرجع المتقدم ذکره حقیقة أو حکماً فیوجد بسببها فی وعاء الاعتبار امتداد موهوم بین المتکلم و بین نفسه أو المخاطب أو ما تقدّم ذکره و یشار بالموصول أیضاً إلی ما هو معروض الصلة و الحاصل انّ جمیع المبهمات قد وضعت بإزاء الإشارة لیوجد بسببها الإشارة إلی أمور متعیّنة فی حد ذاتها إمّا تعیّناً خارجیاً کما فی الأغلب أو ذکریاً کما فی ضمیر الغائب أو وصفیاً کما فی الموصولات» و راجع أیضاً حاشیة علی کفایة الأصول، ص35. و فی تهذیب الأصول، ج1، ص27: «التحقیق أنّها موضوعة لنفس الإشارة ... القول فی الموصولات الظاهر أنّها لاتفترق عن ألفاظ الإشارة و أخواتها فی أنّها موضوعة لنفس الإشارة إلی المبهم المتعقب بصفة ترفع إبهامه» الخ.

توضیح ذلک: إنّ هذه الأسماء موضوعة لنفس الإشارة، و لفظ هذا إشارة لفظیة کما أنّ تحریک الید إشارة فعلیة.

و استدلّ علیه المحقق البروجردی (قدس سره) بروایتین، و بعض الأساطین (حفظه الله) ادّعی ارتکازیته ویوافقه تنصیص بعض علماء الأدب کقول ابن مالک: «بذا لمفرد مذکر أشر».

یلاحظ علیها:

إنّ هذا یقع مبتدأ و یحکم علیه بما لایحمل إلّا علی الذات المشار إلیها فیقال: «هذا ضارب هذا رجل»، فلو قلنا بأنّ معنی «هذا» الإشارة فکیف یحمل هذه العناوین علیها.

ثم إنّ الموصولات أیضاً یجری فیها ما ذکر فی أسماء الإشارة.

فتحصّل فی المقام: أنّ المختار من هذه الأقوال هو ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) .

ص: 204

الفصل الخامس: فی تبعیة الدلالة الوضعیة للإرادة

اشارة

ص: 205

ص: 206

تبعیة الدلالة الوضعیة للإرادة

مقدمة فی أنّ أقسام الدلالة ثلاثة
اشارة

(1)

القسم الأوّل: الدلالة التصوریة

و هی الانتقال إلی المعنی بمجرّد سماع اللفظ و إن لم یقصده اللافظ و ذلک مثل خطور المعنی الحقیقی عند الاستعمال المجازی و مثل اللفظ الصادر من الساهی و النائم.

ص: 207


1- . فی دروس فی علم الأصول، ج1، ص76: «إن الجملة التامة لها إضافة إلی مدلولها التصوری اللغوی مدلولان تصدیقیان: أحدهما: الإرادة الاستعمالیة إذ نعرف عن طریق صدور الجملة من المتکلم أنّه یرید منّا أن نتصور معانی کلماتها و الآخر الإرادة الجدیة و هی الغرض الأساسی الذی من أجله أراد المتکلم أن نتصور تلک المعانی و أحیاناً تتجرد الجملة عن المدلول التصدیقی الثانی و ذلک إذا صدرت من المتکلم فی حالة الهزل لا فی حالة الجد و إذا لم یکن یستهدف منها إلّا مجرد إیجاد تصوّرات فی ذهن السامع لمعانی کلماتها فلاتوجد فی هذه الحالة إرادة جدیة بل إرادة استعمالیة فقط» و فی أجود التقریرات، ج1، ص 529 و 530: «انّ مراتب الدلالة ثلث: الأولی: الدلالة التصوریة الناشئة من سماع اللفظ عند العالم بالوضع الثانیة: الدلالة التصدیقیة أعنی بها انعقاد الظهور فی ما قاله المتکلم بحیث یکون قابلاً للنقل بالمعنی و هذه الدلالة تتوقف علی عدم وجود القرینة المتصلة و لایضر بها وجود القرینة المنفصلة الثالثة: الدلالة التصدیقیة الکاشفة عن مراد المتکلم واقعاً و هذه الدلالة تتوقف علی عدم وجود القرینة مطلقاً سواء کانت متصلة أم کانت منفصلة» الخ و راجع أیضاً ج2، ص91. و فی المحاضرات، ط.ق: ج1، ص103 و ط.ج: ص115: «إنّ الدلالة علی أقسام ثلاثة: القسم الأوّل: الدلالة التصوریة ... القسم الثانی: الدلالة التفهیمیة المعبّر عنها بالدلالة التصدیقیة أیضاً لأجل تصدیق المخاطب المتکلم بأنّه أراد تفهیم المعنی للغیر و هی عبارة عن ظهور اللفظ فی کون المتکلم به قاصداً لتفهیم معناه ... القسم الثالث: الدلالة التصدیقیة و هی دلالة اللفظ علی أنّ الإرادة الجدیة علی طبق الإرادة الاستعمالیة» الخ. و فی الرافد، ص144: «قد ذکر الأصولیون أنّ الدلالة علی ثلاثة أقسام: الدلالة الإنسیة المعبّر عنها بالدلالة التصوّریة ... الدلالة التفهیمیة و هی التی تتقوم بقصد المتکلم إخطار المعنی فی ذهن السامع فالمنسبق للذهن عند صدور الکلام من الملتفت القاصد یسمّی مدلولاً تفهیمیاً. الدلالة التصدیقیة و هی عبارة عن میثاق عقلائی بأنّ المتکلم الملتفت ملزم بظاهر کلامه فالمراد التفهیمی لکلامه هو مراده الجدی الواقعی ما لم ینصّ علی خلافه».

و قیل:((1)) إنّها لیست دلالة بل هی خطور لأنّ الدلالة تابعة للإرادة و الإرادة مفقودة هنا.

و یردّه ما سیجیء من أنّ الدلالة الوضعیة تابعة للإرادة لا مطلق الدلالة، حیث إنّ الدلالة عرّفت بأنّها کون الشیء بحیث یلزم من العلم به العلم بشیء آخر و الخطور هو التصوّر و التصوّر من أقسام العلم، ففی مرحلة الدلالة

ص: 208


1- فی أصول الفقه، ج1، ص65: «إنّ الدلالة فی الحقیقة منحصرة فی الدلالة التصدیقیة و الدلالة التصوریة التی یسمّونها دلالة لیست بدلالة و إن سمّیت کذلک فإنّه من باب التشبیه و التجوّز لأنّ التصوریة فی الحقیقة هی من باب تداعی المعانی الذی یحصل بأدنی مناسبة فتقسیم الدلالة إلی تصدیقیة و تصوریة تقسیم الشیء إلی نفسه و إلی غیره و السرّ فی ذلک أنّ الدلالة حقیقة - کما فسّرناها فی کتاب المنطق، الجزء الأول، بحث الدلالة - هی أن یکشف الدال عن وجود المدلول فیحصل من العلم به العلم بالمدلول سواء کان الدال لفظاً أو غیر لفظ».

التصوریة یلزم من العلم باللفظ العلم التصوری بالمعنی.

نعم الدلالة التصوریة لیست دلالة وضعیة لما سیأتی.

القسم الثانی: الدلالة التصدیقیة الأولی

و هی دلالة اللفظ علی کون المتکلم قاصداً لتفهیم معناه و هی تتوقّف علی عدم القرینة المتصلة.

و تتحقّق فی هذه المرحلة من الدلالة إرادتان: الإرادة الاستعمالیة و الإرادة التفهیمیة.

أمّا الإرادة الاستعمالیة فهی إرادة إیجاد المعنی باللفظ بالعرض و الإرادة التفهیمیة هی إرادة إحضار المعنی فی موطن فهم المخاطب.

القسم الثالث: الدلالة التصدیقیة الثانیة

و هی دلالة اللفظ علی أنّ الإرادة الجدیّة تکون علی طبق الاستعمال و هی تتوقف علی عدم القرینة المنفصلة.

و الإرادة المتحقّقة فی هذه المرحلة الثالثة هی المسمّاة بالإرادة الجدیة.

ص: 209

هل الدلالة تابعة للإرادة أو لا؟
اشارة

هنا نظریتان: ((1))

إنّهم اختلفوا فی أنّ الدلالة تابعة للإرادة أو لا، فإنّ بعض الأعلام قالوا بتبعیتها للإرادة و قد استند بعضهم إلی کلام الشیخ الرئیس (رحمة الله) حیث إنّه قال فی منطق الشفا: «إنّ معنی دلالة اللفظ هو أن یکون اللفظ اسماً لذلک المعنی علی سبیل القصد الأوّل».((2))

ص: 210


1- فی منتهی الأصول، ج1، ص36: «أمّا بالنسبة إلی الدلالة التصوریة فلایحتاج إلی الإرادة أصلاً بل کل من علم بالوضع و سمع اللفظ ینتقل منه إلی المعنی و یخطر بباله سواء أراد اللافظ أو لا و أمّا بالنسبة إلی الدلالة التصدیقیة و الحکم بأنّ هذا المعنی مراد له فتارة نتکلم فی مقام الإثبات و أخری فی مقام الثبوت، أمّا الأوّل - أی التکلم فی مقام الإثبات - فلا شک فی تبعیة الدلالة للظهورات و لابدّ أن یؤخذ بظواهر الکلمات و الجمل و یحکم بأنّها مرادة له ما لم یکن علم بالخلاف کما هو طریقة أهل العرف و المحاورة ... و أمّا الثانی - أی التکلم باعتبار مقام الثبوت ... فهذا شیء معلوم و لا شک فی تبعیتها لها بل هو من قبیل الضرورة بشرط المحمول لأنّه فی مقام الثبوت کیف یمکن أن یکون مراد بدون إرادة و لعلّ ما نسب إلی العلمین الشیخ الرئیس أبو علی ابن سینا و المحقق الطوسی (قدس سره) من أنّ الدلالة عندهما تتبع الإرادة التبعیة فی هذا المقام أی مقام الثبوت لا فی مقام الاثبات». و فی نهایة الأصول، ص30 و 31: «انّ عمل اللفظ فی المعنی إمّا أن یکون إیجادیاً و إمّا أن یکون إفهامیاً إعلامیاً و العمل الإفهامی أیضاً علی نوعین: إفهام تصوری و إفهام تصدیقی ... أمّا ما وضع من الألفاظ و الهیئات بداعی الإفهام التصوری فلایکون دلالتها علی معانیها متوقفة علی شیء ... و أمّا ما وضع بداعی الإفهام التصدیقی بأن کان المراد من استعمالها فی معناها تصدیق المخاطب بوقوعها فترتب ذلک علیه یتوقف علی أن یحرز المخاطب أموراً أربعة فی ناحیة المتکلم الأوّل: أن یکون المتکلم عالماً بالوضع الثانی: أن یکون مریداً لتصدیق المخاطب بأن یکون إلقائه للمعنی بداعی التصدیق لا بداع آخر الثالث: أن یکون عالماً جازماً بالنسبة لا شاکاً فیها الرابع: أن یکون علمه مطابقاً للواقع کما فی الأنبیاء و المرسلین» الخ.
2- منطق الشفا، ص42، المقالة الأولی من الفن الأول، الفصل الثامن.

کما أنّ المحقق الطوسی (قدس سره) (علی ما حکی عنه العلّامة لحلّی (قدس سره))((1)) أیضاً قال: «إنّ اللفظ لایدلّ بذاته علی معناه بل باعتبار الإرادة و القصد».

النظریة الأولی: من المحقق الخراسانی (قدس سره)

النظریة الأولی: من المحقق الخراسانی (قدس سره)((2))

إنّ الألفاظ موضوعة بإزاء معانیها بما هی هی و إرادة المعنی و قصده لیس قیداً للمعنی الموضوع له و لا قیداً للمعنی المستعمل فیه و لکنّه من مقوّمات الاستعمال بمعنی أنّ الدلالة التصدیقیة الأولی (الإرادة الاستعمالیة) تتبع إرادة المعانی من الألفاظ و هذه هی معنی تبعیة الدلالة للإرادة.((3))

ص: 211


1- الجوهر النضید، ص4.
2- فی کفایة الأصول، ص16: «الخامس لا ریب فی کون الألفاظ موضوعة بإزاء معانیها من حیث هی لا من حیث هی مرادة للافظها لما عرفت بما لا مزید علیه من أنّ قصد المعنی علی أنحائه من مقومات الاستعمال فلایکاد یکون من قیود المستعمل فیه» الخ. و فی نهایة الأفکار، ج2-1، ص63: «التحقیق هو الثانی من وضع الألفاظ لذات المعانی من حیث هل بل و امتناع وضعهما للمعانی المرادة و ذلک لوضوح أنّ الإرادة سواء أرید بها اللحاظ المقوم للاستعمال أو إرادة تفهیم المعنی أو إرادة الحکم فی مقام الجد إنّما هی من الأمور المتأخرة رتبة عن المعنی فیستحیل حینئذٍ أخذها قیداً فی ناحیة المعنی و الموضوع له فلا محیص حینئذٍ من تجرید المعنی و الموضوع له عن الإرادة مطلقاً».
3- قال فی الکفایة، ص16 و 17: «و أمّا ما حکی عن العلمین الشیخ الرئیس و المحقق الطوسی من مصیرهما إلی أنّ الدلالة تتبع الإرادة فلیس ناظراً إلی کون الألفاظ موضوعة للمعانی بما هی مرادة کما توهمه بعض الأفاضل بل ناظر إلی أنّ دلالة الألفاظ علی معانیها بالدلالة التصدیقیة أی دلالتها علی کونها مرادة للافظها تتبع إرادتها منها و یتفرع علیها تبعیة مقام الإثبات للثبوت و تفرّع الکشف علی الواقع المکشوف» الخ. و فی حقائق الأصول، ص 38 و 39: «أقول: قال الشیخ الرئیس فی محکی الشفاء إنّ اللفظ بنفسه لایدلّ البتة و لولا ذلک لکان لکل لفظ حق من المعنی لایجاوزه بل إنّما یدلّ بإرادة اللافظ ... إلی أن قال: فالمتکلم باللفظ المفرد لایرید أن یدلّ بجزئه علی جزء من معنی الکل ... إلی أن قال: و بالجملة فإنّه إن دلّ فإنّما یدلّ لا حین ما یکون جزء من اللفظ المفرد بل إذا کان لفظاً قائماً بنفسه فإمّا و هو جزء فلایدل علی معنی البتة انتهی و قال العلّامة (قدس سره) فی الجوهر النضید فی البحث عن إشکال انتقاض تعریفات الدلالات الثلاث بعضها ببعض فی ما لو کان اللفظ مشترکاً بین الکل و الجزء أو اللازم: و لقد أوردت علیه - یعنی المحقق الطوسی (قدس سره) هذا الإشکال و أجاب بأنّ اللفظ لایدلّ بذاته علی معناه بل باعتبار الإرادة و القصد و اللفظ حینما یراد منه المعنی المطابقی لایراد منه المعنی التضمنی فهو إنّما یدلّ علی معنی واحد لا غیر و فیه نظر انتهی و التأمل فی کلامهما یقضی بأنّ المراد أنّ الدلالة علی المعنی التی هی الدلالة التصوریة تابعة للإرادة بل کلام الثانی صریح فی ذلک و لاسیّما بملاحظة ظهوره فی تبعیة الدلالة الالتزامیة للإرادة إذ من المعلوم انّ الدلالة الالتزامیة تصوّریة لا تصدیقیة».
النظریة الثانیة: من المحقق الإصفهانی (قدس سره)

النظریة الثانیة: من المحقق الإصفهانی (قدس سره) ((1))

دخل الإرادة (بحیث یوجب انحصار الدلالة الوضعیة فی الدلالة التصدیقیة) لایکون متوقفاً علی صیرورة الإرادة قیداً فی المستعمل فیه، بل یمکن الدخل بأحد الوجهین:

الوجه الأوّل: إنّ العلقة الوضعیة تتقیّد بصورة الإرادة الاستعمالیة، فلا وضع فی غیر الإرادة الاستعمالیة و ما یری من الانتقال إلی المعنی بمجرد سماع اللفظ من وراء الجدار أو من لافظ بلا شعور و غیر اختیار، فمن جهة أنس الذهن بالانتقال من سماعه عند إرادة معناه هذا.

الوجه الثانی: إنّ اللفظ موضوع للمعنی الذی یتعلق به الإرادة الاستعمالیة، فهو إشارة إلی المعنی الخاص لا بوصف الخصوصیة و فائدته عدم العلقة الوضعیة بین اللفظ و المعنی الذی لایتخصّص بالمرادیة.

و قد عرفت أنّ الثانی أقرب إلی الاعتبار لأنّ اللحاظ و القصد من شؤون المعنی و الاستعمال فیصحّ جعلهما قیداً للمعنی و لایصحّ جعلهما قیداً لما

ص: 212


1- نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ج1، ص69.

لایکونان من شؤونه و أحواله أعنی الوضع.

یلاحظ علیها:

إنّ غایة الوضع هو تفهیم المعنی و هو متوقّف علی إرادته و لذا تتقیّد العلقة الوضعیة بالغایة و نتیجته تحدید العلقة الوضعیة بما إذا أرید المعنی بالدلالة التصدیقیة و حیث قیّدت العلقة الوضعیة بهذه المحدودة فلاتصل النوبة إلی الوجه الثانی الذی تصوّره المحقق الإصفهانی (قدس سره) بل الصحیح هو الوجه الأول.

ص: 213

ص: 214

الفصل السادس: فی الحقیقة و المجاز

اشارة

ص: 215

ص: 216

علائم الحقیقة و المجاز و هی ثلاث:

اشارة

(1)

إعلم أنّ المدار فی تشخیص مراد المتکلم هو ظهور کلامه بلا فرق بین أن یکون المعنی المراد حقیقیاً و مجازیاً و قد نحتاج إلی هذا البحث و التعمیق فیه عند إجمال الأمر من حیث وجود القرینة و عدمه.

و قد ذکروا علائم متعدّدة لتشخیص المعنی الحقیقی عن المعنی المجازی.

ص: 217


1- . فی الذریعة، ج1، ص11، بعد بیان علامیة الإطراد للحقیقة: «و أقوی ما یعرف به کون اللفظ حقیقة هو نص أهل اللغة و توقیفهم علی ذلک أو یکون معلوماً من حالهم ضرورة و یتلوه فی القوة أن یستعملوا اللفظ فی بعض الفوائد و لایدلّونا علی أنّهم متجوّزون بها مستعیرون لها فیعلم أنّها حقیقة ... و قد قیل فی ما یعرف به الحقیقة أشیاء غیرها علیها إذا تأملتها حق التأمّل طعن و فیها قدح و ما ذکرناه أبعد من الشبهة» و فی عدة الأصول، ط.ق. ج1، ص165: «الفصل بین الحقیقة و المجاز یقع من وجوه: منها: أن یوجد نص من أهل اللغة أو دلالة علی أنّه مجاز و منها: أن یعلم بأنّهم وضعوا تلک اللفظة لشیء ثمّ استعملوها فی غیره علی وجه التشبیه و منها: أن یعلم انّها تطرد فی موضع و لاتطرد فی آخر و لا مانع فیعلم انّها مجاز فی الموضع الذی لاتطرد فیه ... و منها: أن یعلم انّ للفظه حکماً و تصرفاً من اشتقاق أو تثنیة أو جمع أو تعلّق بالغیر فإذا استعملت فی موضع و هذه الأحکام منتفیة عنه علم أنّه مجاز ... و منها: أن یعلم أنّ تعلقها بالمذکور لایصحّ فیحکم أنّ هناک حذفاً و إنّ اللفظ مجاز ... و منها: أن یستعمل فی الشیء من حیث کان جزاء لغیره ... و منها: أن یستعمل فی الشیء لأنّه یفضی إلی غیره ... و هذه الجملة کافیة فی هذا الباب فإنّها تنبه علی ما عداها». و فی معارج الأصول، ص50 و 51: «المسألة الثانیة: فی ما یفصل به بینهما و هو إمّا بنص أهل اللغة بأن یقولوا هذا حقیقة و ذاک مجاز أو بالاستدلال بعوائدهم کأن یسبق إلی أذهانهم عند سماع اللفظ المعنی من دون قرینة و ههنا فروق أخر: الأوّل: الاطراد فی فائدتها دلالة علی کون اللفظ حقیقة فی تلک الفائدة. الثانی: صحة التصرف - کالتثنیة و الجمع- دلالة علی الحقیقة. الثالث: استعمال أهل اللغة دلالة علیها أیضاً. الرابع: تعلیق اللفظة بما یستحیل تعلقها به دلالة علی المجاز ... و فی الکل نظر». و فی مبادئ الوصول، ص74: «یعلم کون اللفظ حقیقة و مجازاً بالنص من أهل اللغة و مبادرة المعنی إلی الذهن فی الحقیقة و استغنائه عن القرینة و بضد ذلک فی المجاز و بتعلقه بما یستحیل تعلّقه علیه». و فی زبدة الأصول، ص57: «و قد یعرف بالسلب و لا دور و بعدم اطراده و لا عکس». و فی القوانین، ص13: «قانون اعلم أنّ الجاهل بکل اصطلاح و لغة إذا أراد معرفة حقائق ألفاظه و مجازاته فله طرق الأوّل تنصیصهم بأنّ اللفظ الفلانی موضوع للمعنی الفلانی و إن استعماله فی الفلانی خلاف موضوعه الثانی التبادر و هو علامة الحقیقة کما أنّ تبادر الغیر علامة المجاز» و فی ص17: «الثالث صحة السلب یعرف بها المجاز کما تعرف الحقیقة بعدمها و المعتبر فیه أیضاً اصطلاح التخاطب» و فی ص22: «الرابع الاطراد و عدم الاطراد فالأوّل علامة للحقیقة و الثانی للمجاز». و فی هدایة المسترشدین، ج1، ص213: «التاسعة لمعرفة کل من الحقیقة و المجاز طرق عدیدة: أحدها: تنصیص الواضع بالوضع أو بلوازمه أو بنفیه أو نفی لوازمه. ثانیها: النقل المتواتر و ما بمنزلته» و فی ص214: «و ثالثها: الاستقراء و هو تتبع موارد الاستعمالات» و رابعها: التردید بالقرائن و ملاحظة مواقع الاستعمال و هو طریقة معروفة فی الأوضاع. خامسها: أصالة الحقیقة فی ما إذا استعمل اللفظ فی معنی مخصوص و لم یعلم کونه موضوعاً بإزائه أو مستعملاً فیه علی سبیل المجاز و فی ص222: «سادسها: ورود اللفظ فی مقام البیان مجرداً عن القرائن مع حصول العلم بالمعنی المقصود من الخارج من غیر قرینة منصوبة من المتکلم أو ملحوظة له فی الإفهام» الخ. و سابعها: انتفاء المناسبة المصححة للتجوز بین مستعملات اللفظ فإنّه شاهد علی تعلق الوضع بالجمیع و ثامنها: استعمال اللفظ فی معنی مجازی بملاحظة معنی مخصوص من مستعملات اللفظ فإنّه یدلّ علی کونه حقیقة فی ذلک المعنی لعدم جواز سبک المجاز من المجاز و تاسعها: أصل العدم و یثبت به مبدأ الوضع فی ما إذا ثبت الوضع عندنا فی الجملة و فی ص226: «عاشرها: التبادر و هو سبق المعنی إلی الذهن من نفس اللفظ» و فی ص240: «حادی عشرها: عدم صحة السلب» و فی ص260: «ثانی عشرها: الاطراد وعدمه» . و فی الفصول الغرویة، ص32: «فصل یعرف کل من الحقیقة و المجاز بعلامات و دلائل منها نص أهل اللغة علیه مع سلامته من المعارض» و منها التبادر و تبادر الغیر فالأوّل علامة الحقیقة و الثانی علامة المجاز و فی ص34: «و منها صحة سلب المعنی و عدمها بحسب نفس الأمر أی من غیر بناء علی المسامحة و التأویل» و فی ص38: «و منها الاطراد و عدمه» و فی ص39: «و منها الاستقراء و هو تصفح کثیر من الجزئیات لإثبات حکم کلیها أو ما یلازم حکم کلیها» و منها صحة الاستثناء و عدمها و هذه العلامة توجب تمییز اللفظ الصالح للعموم وضعاً من غیره و منها أصالة عدم النقل و هی کالقیاس من الدلائل و لیست من العلائم و منها القیاس علی ما ذکره جماعة و هو عبارة عن إثبات معنی للفظ إلحاقاً بمشابهه . و فی تعلیقة علی معالم الأصول، ج2، ص10: «إعلم أنّ ما ادعی کونه أمارة من المتفق علیه و المختلف فیه أمور: أوّلها تنصیص الواضع و هو علی أقسام» إلی آخر ما ذکره من الأمور الخمسة عشر. و راجع أیضاً المحصول للرازی، ج1، ص345 و الإحکام للآمدی، ج1، ص30 – 32.

ص: 218

العلامة الأولی: التبادر
اشارة

((1))

و هو خطور المعنی فی الذهن بمجرد سماع اللفظ مع عدم وجود القرینة،((2)) فإنّ ذلک إمّا یستند إلی الحیثیة المکتسبة من القرینة الحالیة أو المقالیة و إمّا یستند

ص: 219


1- فی عنایة الأصول، ص43: هو أقوی علائم الحقیقة و أشهرها و فی جواهر الأصول، ص235: «تحصل من جمیع ما ذکرنا أنّ العلامة الوحیدة - لتشخیص المعانی الحقیقیة و تمییزها عن المعانی المجازیة- هو التبادر و غیر هذه العلامة إمّا لاتتم أو ترجع إلیها فتدبر» و فی المحکم، ص137: «و قد ظهر من جمیع ما تقدم انحصار علامة الوضع بالتبادر و أنّ صحة الحمل و عدم صحة السلب و الاطراد لاتصلح لذلک».
2- فی تعلیقة علی معالم الأصول، ج2، ص51: «التبادر تفاعل من البدور بمعنی السبق و السرعة إلّا أنّ الظاهر إنّه فیس الإطلاقات یرد علی حد ما هو الحال فی التقاعد و قد غلب فی اصطلاح الأصولیین علی معنی خاص اختلفت کلماتهم فی تعریفه إلّا أنّ أصحّها اعتباراً و أسلمها جمعاً و منعاً ما أفاده العلامة الطباطبائی (قدس سره) فی شرحه للوافیة من أنّه فهم المعنی من اللفظ مع التجرد عن القرینة أو قطع النظر عنها... و ممّن وافقه علی هذا التعریف الفاضل النراقی (قدس سره) فی مناهجه غیر أنّه أسقط القید الأخیر... و فی کلام غیر واحد تعریفه بسبق المعنی إلی الذهن أو سبق الذهن إلی المعنی و کأنّه لتوهم کون النقل هنا من باب النقل من العام إلی الخاص و یشکل بظهور عدم کون التبادر بمعناه المصطلح علیه من أفراده بمعناه اللغوی... و أضعف منه ما فی موائد العوائد من تعریفه بانسباق المعنی إلی الذهن بعد التلفظ باللفظ و نحوه مع تصریحه بانقسامه إلی الغیری و هو ما یستند إلی القرینة الخارجة من اللفظ و النفسی» الخ.

إلی الحیثیة المکتسبة من الوضع فهو- مع افتراض فقدان القرینة((1)) و استناده إلی حاقّ اللفظ- یکشف إنّاً عن المعنی الحقیقی و لابدّ -بعد ذلک- من تعمیم ذلک إلی الأزمنة السابقة علی التبادر المذکور لاحتمال عدم کون المعنی المتبادر إلی الذهن حقیقیاً فی الأزمنة السابقة.

و لإثبات هذا التعمیم یتمسّک بالاستصحاب القهقری((2)) فإنّه حجة فی باب الظهورات لبناء العقلاء علیه فی باب المحاورات أو بأصالة عدم النقل و هی أیضاً حجّة ببناء العقلاء.

إشکال الدور فی التبادر:

(3)

إنّ التبادر یتوقف علی العلم بالوضع، فلو توقف العلم بالوضع علیه للزم الدور.

ص: 220


1- فی جواهر الأصول، ج1، ص222: «هل یمکن إحراز کون التبادر من حاق اللفظ بأصالة عدم القرینة کما عن صاحب القوانین (قدس سره) أو بالظن بکون ذلک معناه الحقیقی کما عن صاحب الفصول و لعلّ هذا یرجع إلی أصالة عدم القرینة أو باطراد المعنی من اللفظ کما ذهب إلیه المحقق العراقی (قدس سره) ؟ وجوه». و فی مباحث الأصول، ج1، ص82: «و لایخفی أنّ الانفهام الغیر المستند إلی القرینة یکفی فیه الظن بعدم الاستناد إلی القرینة و لایلزم القطع الذی ربّما یحصل من تتبع الاستعمالات و استقرائها إلی حیث یحصل القطع من شهادة بعضها لبعض بکون الانفهام من حاق اللفظ».
2- فی المحاضرات، ط.ق: ج1، ص114 و ط.ج: ص129: «لایخفی أنّ تبادر المعنی من نفس اللفظ من دون قرینة لایثبت به إلّا وضع اللفظ لذلک المعنی و کون استعماله فیه حقیقیاً فی زمان تبادره منه و أمّا وضعه لذلک المعنی فی زمان سابق علیه فلایثبت بالتبادر المتأخر فلابدّ فی إثبات ذلک من التشبث بالاستصحاب القهقری الثابت حجیته فی خصوص باب الظهورات بقیام السیرة العقلائیة و بناء أهل المحاورة علیه فإنّهم یتمسکون بذلک الاستصحاب فی موارد الحاجة ما لم تقم حجة أقوی علی خلافه بل علی ذلک الأصل یدور استنباط الأحکام الشرعیة من الألفاظ الواردة فی الکتاب و السنة ضرورة أنّه لولا اعتباره لایثبت لنا أنّ هذه الألفاظ کانت ظاهرة فی تلک الأزمنة فی المعانی التی هی ظاهرة فیها فی زماننا و لکن ببرکة ذلک الاستصحاب نثبت ظهورها فیها فی تلک الأزمنة أیضا ما لم تثبت قرینة علی خلافها».
3- . فی هدایة المسترشدین، ج1، ص227: «قد أورد علیه [أی التبادر] بوجوه: أحدها أنّ سبق المعنی إلی الذهن من مجرد اللفظ موقوف علی العلم بالوضع ضرورة کون العلم بالوضع شرطاً فی فهم المعنی کذلک من اللفظ فإذا کان العلم بالوضع موقوفاً علی سبق المعنی إلی الذهن کذلک کما هو قضیة جعله دلیلاً علیه لزم الدور». و فی ص230: «ثانیها: النقض بجزء المعنی و لازمه فإنّهما یتبادران من اللفظ و یفهمان منه حال انتفاء القرائن مع أنّ استعمال اللفظ فی کل منهما مجاز قطعا». و فی ص232: «ثالثها: النقض بالمجاز المشهور لتبادر ذلک المعنی منه حال انتفاء القرائن مع کونه معنی مجازیاً». و فی ص235: «رابعها: النقض بالمشترک فإنّه لایتبادر منه عند الإطلاق إلّا أحد معنییه أو معانیه و لیس حقیقة فیه و إنّما هو حقیقة فی خصوص کل منها». و فی الفصول، ص33: «ثمّ علی المقام إشکالات منها أنّه لو صحت علامة الحقیقة لکان کل لفظ حقیقة فی أنّ له لافظاً لأنّ هذا المعنی یتبادر منه عند الإطلاق و بطلان التالی یقضی ببطلان المقدم... و منها أنّ اللفظ المشترک إذا استعمل فی غیر ما وضع له فلا ریب فی کونه مجازاً مع أنّه لایتبادر منه غیره فلاینعکس علامة المجاز... و منها أنّ هذه العلامة دوریة» الخ و منها أنّ اللفظ الموضوع للحقیقة المطلقة کثیراً ما یطلق و یتبادر منه الحقیقة فی ضمن الأفراد المتعارفة أو الکاملة فی تلک الحقیقة و حینئذٍ لو صحت تلک العلامة لکان اللفظ حقیقة فی تلک الأفراد و مجازاً فی الحقیقة المطلقة و المفروض خلافه و فی ص34: «و منها أنّ اللوازم البینة للمعنی تتبادر من اللفظ معه باعتبار وضعه له فلو کان التبادر یقتضی الحقیقة لوجب أن یکون اللفظ حقیقة فیها أیضا بالنظر إلی وضعه و هو خلاف الفرض». و فی بحوث فی علم الأصول، ص166، بعد ذکر إیراد الدور و جوابه قال: «یمکن الاعتراض علی علامیة التبادر ببیان آخر» ثمّ حل الإشکال فراجع.
جوابان عن هذا الإشکال:

الجواب الأوّل: (1)

إنّ التبادر یتوقف علی العلم الإجمالی الارتکازی بالوضع و العلم التفصیلی یتوقّف علی التبادر. بل قد لا یتوقف حتی علی العلم الإجمالی الإرتکازی بل العلم بالمعنی المستعمل فیه مع خطور فی الذهن بلاقرینة مقوم للتبادر.

ص: 221


1- . فی هدایة المسترشدین، ص227 فی الجواب الثانی: «إنّ تبادر المعنی من اللفظ مسبوق بالعلم بالوضع لکن لایستلزم ذلک علمه بذلک العلم فقد یحصل الغفلة عنه لطرو بعض الشبه للنفس و ارتکازه فی الخاطر إذ من البین جواز انفکاک العلم بالشیء عن العلم بالعلم به فهو حینئذٍ جاهل بذلک الشیء فی معتقده غیر عالم به و إن کان عالماً به بحسب الواقع» الخ. و فی الفصول، ص33: «و الجواب أنّ ما یتوقف علیه التبادر إنّما هو العلم بالوضع و لو إجمالاً و ما یتوقف علی التبادر إنّما هو العلم به تفصیلاً فلایتحد الطرفان علی أنّ ما یتوقف علی علمنا بالوضع إنّما هو نفس التبادر و أمّا علمنا بالتبادر کما هو المقصود هنا فلایتوقف علی علمنا بالوضع» الخ و فی مباحث الأصول، ص83: «و أمّا دفع الدور- بأنّ الموقوف العلم التفصیلی بالوضع و الموقوف علیه العلم الإجمالی الارتکازی من أهل المحاورة- فیمکن إصلاحه بأنّ الانفهام التفصیلی المستلزم للعلم التفصیلی یکشف عن سبق الارتکاز المنسی الذی یتنبّه له الإنسان بعد التأمل و یمکن المناقشة فیه بأنّه إن کان من التذکر بعد النسیان فلیس من أماریة العلامة و إیجابها العلم التفصیلی» و فی بحوث فی علم الأصول، ج1، ص163 - 166: «و قد أجیب عن هذا الدور بوجوه: منها ما نقله المحقق الأصفهانی عن صاحب المحجة": من أنّ التبادر لیس معلولاً للعلم بالوضع بل لنفس الوضع و من مقتضیاته و لذا یکشف عنه إنّاً و العلم بالوضع إنّما هو شرط فی تأثیر الاقتضاء الثابت للوضع فی التبادر و هذا الجواب فی غایة الغرابة ... و منها ما ذکره المحقق العراقی (قدس سره) من أنّه لا دور لأنّه یکفی فی ارتفاع الدور تغایر الموقوف و الموقوف علی بالشخص لا بالنوع، فلیفرض علمان تفصیلیان متماثلان أحدهما یتوقف علی التبادر و الآخر یتوقف علیه التبادر» و هذا البیان من الغرائب... و منها ما ذکره المحقق الخراسانی (قدس سره) من توقف التبادر علی العلم الإجمالی الارتکازی و توقف العلم التفصیلی علی التبادر... و الصحیح أنّ علامیة التبادر للمستعلم غیر معقولة بناء علی التصوّر المشهور للوضع بوصفه جعلاً اعتباریاً قائماً بالواضع ... و لکن بناء علی تصورنا للوضع بوصفه عملیة قرن بین تصوّر اللفظ و تصور المعنی فی ذهن السامع بنحو أکید یوجب انتقال الذهن من أحدهما إلی الآخر- تکون علامیة التبادر معقولة لأنّ انسباق ذهن السامع إلی معنی من اللفظ فرع الملازمة بین تصور اللفظ و تصور المعنی فی ذهنه و هذه الملازمة و التداعی فرع القرن الأکید بین اللفظ و المعنی الذی هو روح الوضع و هو أمر واقعی و لیس من مقولة العلم و التصدیق فلایکون التبادر موقوفاً علی العلم بالوضع».

الجواب الثانی:((1))

التبادر عند أهل اللسان دلیل علی المعنی الحقیقی عند المستعلم، فالتبادر یتوقف علی علم أهل اللسان بالوضع و علم المستعلم یتوقف علی التبادر، فلا

ص: 222


1- فی هدایة المسترشدین، فی الجواب الأوّل: «إنّ العلم بالوضع موقوف علی سبق المعنی من اللفظ عند العالم بالوضع و سبقه عنده موقوف علی علمه بالوضع لا علی علم ذلک الجاهل المتمسک بالتبادر فلا دور».

دور فی البین.

ثمّ إنّه إذا استفاد اللغوی معنی اللفظ من التبادر، فهل یکون ذلک حجةً لنا؟ فإنّ البحث عن حجیة قول اللغوی یتکفّل بیان ذلک و سیجیء تفصیل ذلک إن شاء الله تعالی.

ص: 223

العلامة الثانیة: صحة الحمل و عدم صحة السلب (هنا مقامان: )
اشارة

((1))

إنّ الحمل بما هو حمل، من مصادیق الاستعمال و الاستعمال أعمّ من الحقیقة و المجاز، إلّا أنّ الحمل بلا وجود القرائن الحالیة أو المقالیة علامة المعنی الحقیقی.

المقام الأوّل: فی الحمل الأولی الذاتی
اشارة

(2)

و قد أثبته المحقق الإصفهانی (قدس سره) (و نحن سلکنا سبیله) و أنکره بعض

ص: 224


1- فی بحوث فی علم الأصول، ص168 و 169: «و الصحیح عدم إمکان استعلام الحقیقة بصحة الحمل لأنّ غایة ما یستفیده المستعلم من صحة الحمل اتحاد المعنیین الموضوع و المحمول فی القضیة الحملیة ذاتاً أو وجوداً سواء کان ذلک المعنی مجازیاً للفظ المستعمل فیه أم حقیقیاً و لذلک یصح الحمل کذلک فی اللفظ المستعمل مجازاً و هذا یعنی أنّ علامیة صحة الحمل موقوفة علی العلم فی المرتبة السابقة بکون المعنی المستعمل فیه اللفظ حقیقیاً فلایعقل أن یستعلم منها الوضع و الحقیقة و لایمکن دفع هذا المحذور بما ذکرناه فی دفع محذور الدور عن علامیة التبادر لأنّ التبادر لم یکن متوقفاً علی العلم التصدیقی بالمعنی الحقیقی و أمّا صحة حمل اللفظ بما له من المعنی الحقیقی فتتوقف علی العلم التصدیقی بأنّ المعنی المحمول معنی حقیقی للفظ».
2- . فی منتهی الأصول، ج1، ص41: «یمکن أن یقال بأنّه علامة کون اللفظ حقیقة فی ذلک المعنی و إن کان لایخلو عن نظر أیضاً لأنّ اللفظ لم یجعل وجوداً تنزیلیاً لذلک المعنی التفصیلی بل العلاقة و الارتباط جعل بینه و بین الصورة البسیطة من ذلک المعنی لا الصورة التحلیلیة العقلیة المسماة بالحد التام مثلا» و فی بحوث فی علم الأصول، ص167: «قد یستشکل فی علامیة صحة الحمل فی الحمل الأولی ... لأنّ صحة الحمل تتوقف علی فرض التغایر بین المحمول و الموضوع کما تتوقف علی نحو من الاتحاد و علیه فکیف یکشف حمل اللفظ المراد استعلام معناه علی معنی عن کونه نفس المعنی الموضوع له مع لزوم المغایرة» ثمّ قال فی ص168: «أمّا الاستشکال الأوّل فی علامیة الحمل الأولی فیرد علیه أنّه لو سلم لزوم التغایر فی تصحیح الحمل فهو یتصور فی الحمل الأولی تارة: بلحاظ کون کل من الطرفین مدلولاً للفظ مغایر للفظ الدال علی الآخر و أخری: بلحاظ الإجمال و التفصیل، کما فی الحد و المحدود و الأوّل من التغایر لاینافی العینیة و الثانی لاینافی العینیة الذاتیة» و فی عنایة الأصول، ص 46 و 47، أیضاً أنکر علامیته فقال: «إنّّ الحمل الأولی الذاتی مطلقاً سواء کان من القسم الأول أو الثانی ممّا لایصلح لأن یکون علامة لشیء أصلاً حتی للاتحاد الماهوی فضلاً عن الاتحاد المفهومی و ذلک لأنّ العلم بکون الحمل أوّلیاً ذاتیاً ممّا یتوقف علی العلم بکون الموضوع و المحمول متحدین بحسب الماهیة أو بحسب المفهوم و الماهیة فلو کان العلم باتحادهما ماهیة أو مفهوما و ماهیة ممّا یتوقف علی العلم بالحمل الأولی الذاتی لدار و دعوی التغایر بین الموقوف و الموقوف علیه بالإجمال و التفصیل ممّا لاتنفع المقام فإنّ العلم بکون الحمل أولیّاً ذاتیاً ممّا یتوقف علی العلم التفصیلی باتحاد الموضوع و المحمول بحسب الماهیة أو بحسب المفهوم و الماهیة لا علی العلم الإجمالی الارتکازی»

الأعلام مثل المحقق الرشتی (قدس سره) ((1))و المحقق الخوئی (قدس سره) .((2))

بیان المحقق الإصفهانی (قدس سره):

((3))

مفاد الحمل الذاتی اتحاد الإنسان -بما له من المعنی- و الحیوان الناطق فیعلم أنّ معنی لفظ الإنسان المجرد عن القرینة هو الحیوان الناطق، إلّا أنّ الفرق بالإجمال و التفصیل و هذا التغایر الاعتباری مصححّ للحمل.

فلا مجال لما أفاده المحقق الرشتی (قدس سره) حیث أرجع الحمل الذاتی إلی حمل العام علی الخاص.

أمّا المحقق الخوئی (قدس سره) فلیس فی الحقیقة منکراً لعلامیّة الحمل الذاتی،((4)) بل

ص: 225


1- بدائع الأفکار، ص83.
2- المحاضرات، ط.ق: ج1، ص117 و ط.ج: ص131.
3- بحوث فی الأصول، ص29.
4- فی منتقی الأصول، ج1، ص178: «إنّ السیّد الخوئی (قدس سره) أنکر دلالة صحة الحمل بنوعیه الأولی و الصناعی علی الحقیقة و الوضع ببیان أنّ الحمل الأوّلی لایکشف إلّا عن اتحاد الموضوع و المحمول ذاتاً و لا نظر فی ذلک إلی حال الاستعمال و أنّه حقیقی أو مجازی فقولنا: "الحیوان الناطق إنسان" لایدلّ إلّا علی اتحاد معنییهما حقیقة أمّا أنّ استعمال لفظ الإنسان فی ما أرید به حقیقی أو مجازی فذلک أجنبی عن مفاد الحمل فلایدلّ علی الوضع إذ قد یکون المعنی المراد باللفظ مجازیاً».

یعتقد بأنّ الحمل من دون وجود القرینة یرجع إلی علامیة التبادر، و لذا قال فی المحاضرات: «نعم لو فرض فی القضیة الحملیة أنّ المعنی قد استفید من نفس اللفظ من دون قرینة کان ذلک علامة الحقیقة، إلّا أنّه مستند إلی التبادر لا إلی صحة الحمل».((1))

و الفرق بین التبادر و صحة الحمل((2)) هو أنّه فی التبادر ینسبق المعنی إلی الذهن بمجرد سماع اللفظ و لکن فی الحمل الذاتی نتصوّر مفهومین و نحکم باتحادهما و نستکشف المعنی الحقیقی من الاتحاد الذاتی بین المفهومین الذین أحدهما معلوم و الآخر مجهول. فلا شبهة فی تمامیة ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) .

هل یکون السلب الذاتی علامة المجازیة؟

قال المحقق الإصفهانی (قدس سره): و ممّا ذکرنا تعرف أنّ السلب الذاتی علامة المجازیة. و الظاهر تمامیة ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) .

ص: 226


1- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص117 و ط.ج. ص132.
2- فی المحکم فی أصول الفقه، ص136، بعد بیان الدور فی صحة الحمل و عدم صحة السلب: «و ما ذکره غیر واحد من اندفاع ذلک بالاکتفاء فی حصولهما بالعلم الارتکازی کما اکتفی به هناک غیر متجه للفرق بینهما و بین التبادر بأنّ التبادر من سنخ الانفعال فتکفی فیه العلاقة الذهنیة الارتکازیة بین اللفظ و المعنی کسائر الانفعالات بخلاف الحمل و السلب لأنّهما من سنخ الحکم و لایتسنی صدور الحکم للحاکم بنحو یعلم بصحته ما لم یتوجه تفصیلاً لطرفیه و لمّا یصححه و یطابقه من النسبة بینهما و لایکفی فیه الوجود الارتکازی الذهنی من دون أن یتجلی و یتضح له» و فی تسدید الأصول، ص52: «الفرق بین التبادر و صحة الحمل أنّه فی التبادر إنّما ینتقل من حاق اللفظ إلی المعنی المفصل الموضوع له و فی صحة الحمل یؤخذ من حاق اللفظ معنی ارتکازی جملی و یقاس مع معنی تفصیلی فإذا وجد وحدتهما فقد انکشف المعنی الحقیقی».
المقام الثانی: فی الحمل الشائع الصناعی
اشارة

((1))

إنّ المشهور بین الأصولیین عدم کونه علامة علی المعنی الحقیقی، کما أنّ المحقق الخوئی (قدس سره) أیضاً أنکر علامیّته للمعنی الحقیقی و لکن اختلف فی القسم الأول منها، فإنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) یقول بعلامیّته.

ص: 227


1- فی منتهی الأصول، ج1، ص41: «و أمّا إذا کان بالحمل الشائع الصناعی ... فلایدلّ علی أزید من اتحاد وجودی بینهما و بعبارة أخری لایدلّ إلّا علی أنّ اللفظ الحاکی عمّا هو الموضوع مع اللفظ الحاکی عن المحمول - بما لهما من المفهوم- متحدان وجوداً سواء کانا کلیین أو مختلفین نعم فی ما إذا کان الموضوع فرداً و مصداقاً ذاتیاً للمحمول کقولنا زید إنسان یدلّ علی أنّ المحمول تمام حقیقة الموضوع و ماهیته و هذا أیضاً شیء یعلم من الخارج لا من ناحیة صرف الحمل فظهر ممّا ذکرنا أنّ الحمل الشائع لا أماریة له لا علی الحقیقة و لا علی المجاز». و فی منتقی الأصول، ج1، ص179، بعد أنّ ذکر إنکار السیّد الخوئی (قدس سره) دلالة صحة الحمل الأولی علی الحقیقة و الوضع: «و هکذا الحال فی الحمل الشائع فإنّه لایکشف إلّا عن اتحاد الموضوع و المحمول وجوداً بلا نظر إلی حال استعمال المحمول فی ما أرید به و انّه حقیقی أو مجازی و ظاهر انّ الاستعمال أعم من الحقیقة و المجاز و بعبارة أخری - کما قال- انّ صحة الحمل و عدم صحته یرجعان إلی عالم المعنی و المدلول فمع اتحاد المفهومین ذاتاً یصحّ الحمل و إلّا فلا و أمّا الحقیقة و المجاز فیهما یرجعان إلی عالم اللفظ و الدال و بین الأمرین مسافة بعیدة». و فی مباحث الأصول، ص 85 و 86: «إنّ کون صحة الحمل الشائع علامة منحصر فی العموم و الخصوص و لایکون إلّا بعد العلم بالوضع لا من علّله و الظاهر أعمیة السلب فی هذا الحمل من المجازیة فی الصورتین إذا رجع إلی سلب الوحدة الحاصلة فی صورتی العموم فی الوجود فلاحظ لأنّ سلب الاتحاد فی الوجود - کعدم صحة الحمل- یجامع المبائنة و عدمها بنحو یصحّ الاستعمال المجازی، إذ المسلوب الاتحاد بما لکل من الموضوع له لا مطلقاً». و فی عنایة الأصول، ص47: «انّ الجاهل المستعلم إن رأی أنّه صحّ حمل شیء علی شیء بلا عنایة و لا رعایة علاقة فیمکنه أن یعرف بذلک أحد أمور ثلاثة فان کان الموضوع فرداً فیعرف منه أنّه من مصادیق المحمول و من أفراده الحقیقیة و إن کان کلیاً أخص فیعرف منه أنّه من أصنافه و من أقسامه الحقیقیة و إن کان کلیاً مساویاً مع المحمول فیعرف منه أنّ الموضوع متحد مع المحمول وجوداً و خارجاً».

أمّا القسم الأوّل فهو حمل الطبیعی علی أفراده و مصادیقه و حمل الجنس علی نوعه و الفصل علی نوعه، مثل «زید إنسان» و «الإنسان حیوان» و «الإنسان ناطق»

أمّا القسم الثانی فهو حمل العناوین العرضیة علی معروضاتها، کحمل الضاحک أو الکاتب علی زید، فإنّ هذه العناوین العرضیّة منتزعة عن قیام الأعراض بموضوعاتها.

أمّا القسم الثالث فهو حمل بعض العناوین العرضیة علی بعض آخر مثل «المتعجب ضاحک».

بیان نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره):

((1))

إنّ مقتضی الحمل الشائع التغایر المفهومی بین الموضوع و المحمول و الاتحاد الوجودی.

فلا وجه -مع فرض التغایر المفهومی بالجوهریة و العرضیة أو بمقولتین من العرض أو صنفین من العرض- لاستکشاف المعنی الحقیقی لتغایرهما فی الذاتیات.((2))

ص: 228


1- بحوث فی الأصول، ص29.
2- فی بحوث فی علم الأصول، ص167، عند بیان الإشکال فی علامیة صحة الحمل الشائع: «أمّا الثانی فلأنّ صحة الحمل الشائع کما تکون فی موارد حمل النوع علی فرده و الجنس علی النوع و الفصل علی النوع کذلک تکون فی موارد حمل أحد الکلیین المتساویین فی الصدق علی الآخر، کما فی قولنا الضاحک الناطق، أو أعم الکلیین علی أخصّهما صدقاً من دون أن یکون الموضوع فرداً حقیقیاً من المحمول کما فی قولنا: الضاحک حیوان ... و أمّا فی القسم الثانی من الموارد فلایصح الاستکشاف المذکور، لأنّ المحمول لیس ثابتاً فی مرتبة ذات الموضوع و إنّما هو منطبق معه علی وجود واحد و استکشاف المعنی بالحمل الشائع لایکون إلّا بأن یدل الحمل علی أنّ ما للمحمول من معنی متحد مع المعنی الموجود فی مرتبة ذات الموضوع لا معه ابتداء». ثمّ قال: «یرد علیه أنّ الحمل الشائع فی القسم الثانی من الموارد ینتج نتیجة أیضاً لأنّه یکشف عن الاتحاد الوجودی بین الناطق و الضاحک و انّ مدلول اللفظ المراد استعلام معناه أحد المفاهیم المنطبقة علی نفس الوجود الذی انطبق علیه المفهوم الآخر المعلوم و هذا یحتاج فی التعیین النهائی إلی إحصاء تمام المفاهیم التی تنطبق علی ذلک الوجود و تعیینه من بینها و شبه هذه الضمیمة نحتاجها فی القسم الأوّل أیضاً».

أمّا مع فرض التغایر المفهومی بالکلیة و الفردیة و المصداقیة، فلا تفاوت بین الفرد و الکلی من حیث الذات، فیمکن استکشاف المعنی الحقیقی، مثال ذلک: إنّه إذا علمنا حقیقة زید بأنّه الحیوان الخاص و جهلنا معنی الإنسان، ثم وجدنا حمل الإنسان علی زید باعتبار تقرّر حصّة الإنسان فی مرتبة ذات زید، فحینئذ نستکشف اتحاد حقیقة زید -بما أنّه حیوان خاص- و معنی الإنسان.

و هکذا الأمر فی حمل الجنس علی نوعه و حمل الفصل علی نوعه.

هل یکون السلب الشائع علامة المجازیة؟

قد فصّل المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی المقام:

الأوّل: السلب الشائع قبال الحمل الشائع الذی معناه الاتحاد فی الوجود، فإنّ السلب دلیل علی أنّ المسلوب لیس عین ذات المسلوب عنه و لا متقرّراً فی ذاته، لعدم اتحادهما فی الوجود، فهذا السلب علامة المجازیة.

الثانی: السلب الشائع قبال الحمل الشائع الذی معناه اندراج الموضوع تحت المحمول، فلایکون السلب دلیلاً علی عدم الاتحاد مفهوماً بل یدلّ علی عدم اندراجه تحته، کما یقال: الجزئی لیس بجزئی بل کلّی، حیث إنّ مفهوم الجزئی کلی بالحمل الشائع، و لابدّ من سلبه عن الجزئی بالحمل الشائع مع اتحادهما مفهوماً.

ص: 229

العلامة الثالثة: الاطّراد
اشارة

((1))

هنا بیانان:

و لیس معناه کثرة الاستعمال،((2)) لأنّ الاستعمال أعمّ من المجاز و الحقیقة، بل الاطّراد هو شیوع الاستعمال بدون اختصاصه بمورد خاصّ و ذلک مثل استعمال لفظ العبد و البشر فی أفراد الإنسان و أمّا استعمال لفظ الرقبة فی الإنسان فغیر مطّرد، بل یستعمل فی مورد العتق، مثل «أعتق رقبة» و لایستعمل فی سائر الموارد، مثل «رأیتُ رقبة».

ص: 230


1- فی حقائق الأصول، ج1، ص45: «ثمّ إنّ هذه العلامة [أی الاطراد] لیست مذکورة فی کلام الأکثر و إنّما نصّ علیها بعض من تأخّر کما قیل». أقول: و لکن فی الذریعة، ج1، ص11: «و من شأن الحقیقة أن تجری فی کل موضع تثبت فیه فائدتها من غیر تخصیص إلّا أن یعرض عارض سمعی یمنع من ذلک هذا إن لم یکن فی الأصل تلک الحقیقة وضعت لتفید معنی فی جنس دون جنس نحو قولنا: أبلق فإنّه یفید اجتماع لونین مختلفین فی بعض الذوات دون بعض لأنّهم یقولون: فرس أبلق و لایقولون: ثور أبلق و إنّما أوجبنا اطّراد الحقیقة فی فائدتها لأنّ المواضعة تقتضی ذلک و الغرض فیها لایتم إلّا بالاطراد». و فی عدة الأصول، ط.ق. ج1، ص165: «الفصل بین الحقیقة و المجاز یقع من وجوه ... و منها أن یعلم أنّها تطرد فی موضع و لاتطرد فی آخر و لا مانع فیعلم أنّها مجاز فی الموضع الذی لاتطرد فیه و إنّما شرطنا المانع لأنّ الحقیقة قد لاتطرد لمانع عرفی أو شرعی». و لکن فی المعارج، ص 50 و 51، بعد ذکر نص أهل اللغة و التبادر قال: «ههنا فروق أخر الأوّل الاطراد» الخ ثمّ قال: «و فی الکل نظر».
2- فی هدایة المسترشدین، ص260: «و المراد اطراد استعمال اللفظ فی المعنی المفروض بحسب المقامات بحیث لایختص جوازه بمقام دون آخر أو مع خصوصیة دون أخری و یصح إطلاقه علی مصادیق ذلک المعنی إذا کان کلیاً من غیر اختصاص له ببعضها» و فی الفصول، ص38: «و الأظهر عندی أن یفسر الاطراد بأن یکون المعنی الذی صحّ باعتباره استعمال اللفظ علی الحقیقة أو من غیر تأویل فی موارده المعلومة من حیث القدر المشترک بحیث یصحّ أن یستعمل کذلک فی موارده المشکوکة فیستعلم من ذلک أن اللفظ موضوع للقدر المشترک بین تلک الموارد و أنّ المعنی الذی یصحّ استعمال اللفظ باعتباره متحقق فی الجمیع» و فی جواهر الأصول، ص231: «یقرّر ذلک بوجوه: التقریب الأول: إنّه إذا رأینا إطلاق لفظ - بما له من المعنی الارتکازی- و استعماله فی شیء و أمر بحیثیة مثل أنّه أطلق لفظ الإنسان علی زید بحیثیة ثمّ لاحظنا صدقه علی عمرو بتلک الحیثیة ... و هکذا فی جمیع الموارد یستکشف من ذلک أنّ لفظ الإنسان -مثلاً- موضوع لمعنی جامع بین هذه الأفراد ... التقریب الثانی: أفاده بعض الأعاظم (حفظه الله) » و المراد المحقق البروجردی (قدس سره) کما فی التعلیقة «التقریب الثالث نسبه سماحة الأستاذ (حفظه الله) إلی أستاذة العلّامة الحائری (قدس سره) » و فی بحوث فی علم الأصول، ج1، ص 169 - 171: «و أمّا الاطراد و استعلام الوضع به فیمکن أن یراد به أحد معان: الأوّل: اطراد التبادر بأن یطلق المستعلم اللفظ مراراً عدیدة و فی أوضاع و حالات مختلفة و یتبادر منه فی جمیع ذلک معنی واحد ... الثانی: اطراد الاستعمال و یراد به صحة استعمال اللفظ فی معنی معین فی موارد مختلفة مع إلغاء جمیع ما یحتمل کونه قرینة علی إرادة المجاز و قد ذکر السیّد الأستاذ - دام ظله- انّ هذا الأسلوب هو الطریقة الوحیدة المتبعة غالباً لمعرفة الحقیقة و الوضع ... الثالث: الاطراد فی التطبیق بلحاظ الحیثیة التی أطلق من أجلها اللفظ، کما إذا أطلق (الأسد) علی حیوان باعتباره مفترساً و کان مطرداً فی تمام موارد وجود حیثیة الافتراس فی الحیوان فیکون علامة کونه حقیقة فی تلک الحیثیة و قد اعتراض علیه المحقق الخراسانی (قدس سره): بأنّ هذا المعنی من الاطراد ثابت فی المعانی المجازیة أیضاً إذا کان یحفظ فیه مصحح المجاز... و هذا الاعتراض متجه الرابع: اطراد الاستعمال من دون قرینة... بمعنی الاستدلال بشیوع الاستعمال فی معنی بلا قرینة علی أنّه المعنی الحقیقی، لأنّ الأمر یدور بین أن تکون جمیع تلک الاستعمالات الکثیرة مجازاً من دون قرینة أو حقیقة و المجاز بلا قرینة و إن کان استعمالاً صحیحاً و واقعاً خارجاً و لکنّه لا شک فی عدم کونه مطرداً و شائعاً بحیث یشکل اتجاهاً نوعیاً فی الاستعمالات فیکون الاطراد المذکور نافیاً لاحتمال المجازیة لا محالة» ثمّ قال: «العلامة الأساسیة علی الوضع هی التبادر من ناحیة و شیوع الاستعمال من غیر قرینة من ناحیة أخری».

و المحقق الإصفهانی (قدس سره) و المحقق الخوئی (قدس سره) قائلان((1)) بعلامیّة الاطراد للمعنی الحقیقی.

ص: 231


1- و فی هدایة المسترشدین، ص260: «و اختلفوا فی کون الاطراد علی الوجه المفروض دلیلاً علی کون اللفظ حقیقة فی ذلک المعنی و عدمه علی قولین: أحدهما دلالته علی ذلک و حکی القول به عن جماعة منهم الغزالی و السیّد العمیدی و العلّامة (قدس سرهم) فی ظاهر التهذیب و ثانیهما عدمها ذهب إلیه جماعة من العامة و الخاصة منهم الآمدی فی الإحکام و الحاجبی و العضدی و شیخنا البهائی (رحمة الله) و هو ظاهر العلّامة (رحمة الله) فی النهایة حیث ذکر الإیراد علی دلالته علی الحقیقة مقتصراً علیه و اختاره الشریف الأستاذ (قدس سره) ». و فی أصول الفقه، ص72: «الصحیح أنّ الاطراد لیس علامة للحقیقة لأنّ صحة استعمال اللفظ فی معنی بما له من الخصوصیات مرة واحدة تستلزم صحته دائماً سواء کان حقیقة أم مجازاً فالاطراد لایختص بالحقیقة حتی یکون علامة لها».
بیان الأوّل: من المحقق الإصفهانی (قدس سره)
اشارة

بیان الأوّل: من المحقق الإصفهانی (قدس سره) ((1))

إذا أطلق اللفظ باعتبار معنی کلّی علی أفراد و اطّرد إطلاقه علی تلک الأفراد (مع اختلاف الأفراد من حیث الخصوصیات و الأحوال)، یستکشف أنّ اللفظ حقیقة فی هذا المعنی الکلی، لأنّ العلائق المجازیة لا اطّراد لأنواعها بل تلک العلائق محدودة.

نعم إذا فرضنا التناسب بین المعنیین من جهات کثیرة بحیث یطّرد إطلاق اللفظ علی المعنی المجازی بحسب تلک الجهات الکثیرة (کما أنّ المتأخّرین لاینحصرون مصحّح الاستعمال المجازی فی العلائق المذکورة بل یقولون بأنّ الملاک هو الاستحسان الذوقی)، فحینئذ لیس الاطّراد علامة للحقیقة، إلّا أنّه مجرد فرض محض.

ثم إنّ عدم الاطراد یکون کاشفاً عن عدم الوضع له و إلّا یلزم تخلّف المعلول عن العلة، فإنّ الوضع علّة للاطّراد و عدم المعلول یکشف عن عدم تحقق علّته، کما أنّ وجود العلة أیضاً کاشف عن وجود معلوله، و لو فرضنا وجود الوضع مع عدم تحقق الاطّراد، یلزم تحقق العلّة مع عدم تحقّق معلوله، و معنی ذلک هو تخلّف المعلول عن علّته.

ص: 232


1- نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ج1، ص84.
یلاحظ علیه:

أوّلاً: ما قال من أنّ التناسب من الجهات الکثیرة بین المعنیین مجّرد فرض محض فیرد علیه: أنّه واقع فی بعض المجازات و لعلّ منها المجاز المشهور فی بعض الموارد مع أنّ الاستحسانات الذوقیة قد تکثر بین المعنیین و الحق أنّه إذا تحقّق التناسب و العلقة المجازیة بین ذات الأفراد و المعنی الحقیقی یتحقق الاطّراد المذکور و لکن لیس ذلک علامة علی المعنی الحقیقی.

ثانیاً: الوضع لیس علّة للاطّراد فی الاستعمال بل علّة لصحّة ذلک لا وقوعه، فعدم وقوع الاطراد لیس علامة للمجازیة، إلّا أن یراد من عدم الاطّراد عدم صحته و هو خلاف الظاهر.

بیان الثانی: من المحقق الخوئی (قدس سره)
اشارة

بیان الثانی: من المحقق الخوئی (قدس سره) ((1))

إنّ الاطّراد هو استعمال لفظ مخصوص فی موارد مختلفة بمحمولات عدیدة، مع إلغاء جمیع ما یحتمل أن یکون قرینة علی إرادة المجاز و هو علامة الحقیقة.

یلاحظ علیه:

إنّه راجع إلی التبادر و لانحتاج إلی کثرة الإطلاق بالنحو الذی ذکره، بل الإطلاق الواحد مع عدم القرینة دلیل علی المعنی الحقیقی من باب تبادر المعنی الحقیقی و انسباقه إلی الذهن من حاقّ اللفظ بلا وجود القرائن الحالیة و المقالیة.

فتحصّل إلی هنا ستة أمور:

أوّلاً: إنّ التبادر علامة الحقیقة.

ص: 233


1- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص124 و ط.ج. ص140.

ثانیاً: إنّ صحّة الحمل الأوّلی الذاتی أیضاً علامة الحقیقة.

ثالثاً: و أمّا صحة الحمل الشائع الصناعی، فهی فی القسم الأوّل منها علامة الحقیقة و فی القسمین الأخیرین لیست علامة الحقیقة.

رابعاً: إنّ صحة السلب الذاتی علامة المجازیة.

خامساً: إنّ صحة السلب الشائع إذا کان فی قبال الحمل الشائع الذی معناه الاتحاد فی الوجود فهی علامة المجازیة و أمّا إذا کان فی قبال الحمل الشائع الذی معناه اندراج الموضوع تحت المحمول فلیست علامة المجازیة (هذا کلّه وفاقاً للمحقق الإصفهانی (قدس سره)).

سادساً: إنّ الاطّراد لیس من علائم الحقیقة، خلافاً للمحقق الإصفهانی و المحقق الخوئی (قدس سرهما) .

ص: 234

البحث الثانی: المبادی التصدیقیّة اللغویّة لعلم الأصول (فیه فصول خمسة):

اشارة

الفصل الأول: الحقیقة الشرعیّة

الفصل الثانی: الصحیح و الأعمّ

الفصل الثالث: الاشتراک

الفصل الرابع: جواز استعمال اللفظ فی أکثر من معنی واحد

الفصل الخامس: المشتق

ص: 235

ص: 236

الفصل الأوّل: فی الحقیقة الشرعیة (فیه مقدمتان و تنبیه)

اشارة

المقدمة الأُولی: بحث الحقیقة الشرعیة من المبادی اللغویة التصدیقیة

المقدمة الثانیة: هل یتحقق الوضع بالاستعمال؟

تنبیه: فی ثمرة هذا البحث

ص: 237

ص: 238

الحقیقة الشرعیة

المقدمة الأُولی: بحث الحقیقة الشرعیة من المبادی اللغویة التصدیقیة

اشارة

إنّ هذا البحث من المبادی التصدیقیة اللغویة لعلم الأصول کما صرّح به المحقق الإصفهانی((1))و الأستاذ العلّامة البهجة (قدس سرهما) (2) و لکن علی ما ذهب إلیه بعض الأعاظم (حفظه الله) یعدّ من المسائل الأصولیة.

ص: 239


1- فی الأصول علی النهج الحدیث، ص17: «و البحث عن ثبوت الحقیقة الشرعیة ... من المبادئ التصدیقیة اللغویة بها یصحّ حمل الصلاة مثلاً علی معناها المتداول شرعاً» الخ و فی ص31: «المقام الثانی فی المبادئ التصدیقیة اللغویة و فیه فصول الفصل الأوّل فی الحقیقة الشرعیة و ثمرة إثباتها التمکن من الحمل علی معانیها المتداولة و إلّا لزم حملها علی معانیها اللغویة و بهذا الاعتبار یکون البحث مبدأ تصدیقاً للمسألة الأصولیة فانّ الحمل علی المعنی المعهود شرعاً لیس من النتائج الفقهیة».
2- . فی مباحث الأصول، ص25: «و قد جعل ... البحث عن الصحیح و الأعم من التصدیقیة اللغویة و کذا الحقیقة الشرعیة ... و جعلهما من المبادئ مبنی علی جعل المسألة نتیجة البحث فی البحثین أعنی ... و لزوم حمل أسامی العبادات علی المعانی الشرعیة بناء علی ثبوت الحقیقة الشرعیة مع أنّ النتیجة غیر معنونة لإغناء البحث عن المبدأ عن البحث عن النتیجة و لعلّ جعل المبدأین المذکورین لدخلهما فی الفقه من المسائل الأصولیة - کسائر ما وقع البحث فیه عن الوضع أو تعیین الموضوع له- أولی و تخلل واسطة - معنونة کانت أو لا للوصول إلی الحکم الفرعی- لاینافی ذلک کسائر ما وقع البحث فیه عن الظهورات و علیه فلایطرد صحة إخراج المبادئ من المسائل بل لابدّ فی کل مبحث من رعایة وجود ملاک المسألة و عدمه». و فی ص89 عند البحث عن الحقیقة الشرعیة: «و قد تقدّم ... أنّ جعل هذا البحث من الأصول أولی من جعل الثمرة منها و جعله من المبادئ مع عدم تعنونها بنفسها فی الأصول».
بیان بعض الأساطین (حفظه الله) لکون هذا البحث من المسائل الأصولیة:

بیان بعض الأساطین (حفظه الله)((1)) لکون هذا البحث من المسائل الأصولیة:

إنّ البحث عن الحقیقة الشرعیة هو فی الحقیقة بحث عن الظهور، کما أنّ البحث عن دلالة الأمر علی الوجوب یرجع إلی البحث عن الظهور فیکون من المسائل الأصولیة.

یلاحظ علیه:

أوّلاً: لو کان کذلک یلزم دخول جمیع المباحث اللغویة المرتبطة باستکشاف المعنی الحقیقی فی علم الأصول، حیث إنّ اللفظ المجرد عن القرینة ظاهر فی المعنی الحقیقی.

ثانیاً: قیاس هذا البحث بمباحث دلالة الأمر علی الوجوب و غیرها مع الفارق، حیث إنّ البحث عن ظهور الأمر فی الوجوب ممهّد للاستنباط، بخلاف المباحث اللغویة و إن کانت مخترعات شرعیة.

محلّ البحث: (2)

إنّ محلّ الکلام هو الماهیات المخترعة الشرعیة مثل الصلاة و الصوم و الحج

ص: 240


1- تحقیق الأصول، ج1، ص203.
2- . فی هدایة المسترشدین، ج1، ص411: «الذی یقتضیه النظر فی المقام أنّ هناک أمور إذا حصلت کان علیها مدار البحث فی المقام و القائل بالثبوت إنّما یثبتها مطلقاً بالنسبة إلی تلک الألفاظ أحدها: أن تکون الألفاظ متداولة فی ألسنة المتشرعة من قدیم الأیام، أعنی فی مبدأ وقوع النزاع فی الحقیقة الشرعیة إذ من البیّن انتفاء التفاوت فی موضوع البحث من ذلک الزمان إلی الآن. ثانیها: أن تکون مستعملة فی المعانی الجدیدة الشرعیة بالغة إلی حدّ الحقیقة عند المتشرعة فی ذلک الزمان. ثالثها: أن تکون تلک الألفاظ هی التی یعبر بها الشارع عن تلک المعانی غالباً و یستعملها فیها و یرید بها إفهامها و بالجملة إذا أراد التعبیر عن تلک المعانی عبّر عنها بتلک الألفاظ و إن عبّر بغیرها أیضاً علی سبیل الندرة».

والزکاة و أمّا المعاملات العرفیة و إن کان جریان البحث فیها بمکان من الإمکان إلّا أنّ لها مقاماً آخر.

ص: 241

المقدمة الثانیة: هل یتحقق الوضع بالاستعمال؟

اشارة

هنا نظریتان:

الوضع إمّا تعیینی و إمّا تعیّنی و البحث فی أنّه هل یتحقق الوضع التعیینی بالاستعمال.

النظریة الأولی: من المحقق الخراسانی (قدس سره)
اشارة

إنّ الوضع التعیینی کما یحصل بالتصریح بإنشائه، کذلک یحصل باستعمال اللفظ فی غیر ما وضع له، و ادّعی هنا الوضع التعیینی باستعمال اللفظ فی لسان الشارع و هذا الاستعمال لیس بحقیقة و لا مجاز.((1))

إیراد المحقق النائینی علی المحقق الخراسانی (قدس سرهما):

إیراد (2) المحقق النائینی علی المحقق الخراسانی (قدس سرهما):

إنّ تحقق الوضع بالاستعمال موجب للجمع بین اللحاظ الآلی و الاستقلالی فی آن واحد، فی شیء واحد و هو محال.

ص: 242


1- فی الکفایة، ص21: «إنّ الوضع التعیینی کما یحصل بالتصریح بإنشائه کذلک یحصل باستعمال اللفظ فی غیر ما وضع له کما إذا وضع له بأن یقصد الحکایة عنه و الدلالة علیه بنفسه لا بالقرینة ... و کون استعمال اللفظ فیه کذلک فی غیر ما وضع له بلا مراعاة ما اعتبر فی المجاز فلایکون بحقیقة و لا مجاز غیر ضائر بعد ما کان ممّا یقبله الطبع و لایستنکره ... إذا عرفت هذا فدعوی الوضع التعیینی فی الألفاظ المتداولة فی لسان الشارع هکذا قریبة جداً و مدعی القطع به غیر مجازف قطعاً و یدلّ علیه تبادر المعانی الشرعیة منها فی محاوراته».
2- . و فی حقائق الأصول، ذکر إیراداً آخر فقال فی ج1، ص48: «ثمّ إنّه یمکن الإشکال فی تحقق الإنشاء بالفعل کلیاً من جهة أنّ الأفعال لیست ممّا یتسبب بها عند العقلاء إلی تحقق المفاهیم الإنشائیة و الأفعال فی المعاطاة و غیرها ممّا ذکر لیست صادرة بقصد الإنشاء بها أصلاً بل صادرة جریاً علی الالتزامات النفسیة فلاتصلح إلّا للحکایة عنها». و فی منتهی الأصول، ص46: «فیه أوّلاً أنّه علی تقدیر صحة مثل هذا القسم من الوضع التعیینی یکون هذا الاستعمال حقیقة لا أنّه لا حقیقة و لا مجاز و تأخر الوضع عن الاستعمال رتبی و إلّا فهما فی زمان واحد کما هو الشأن فی باب العلة و المعلول فالاستعمال یقع فی زمان وجود الارتباط و العلاقة بین اللفظ و المعنی». و فی عنایة الأصول، ص53: «و فیه أنّ القرینة فی المجاز أیضاً لاتکون حاکیة عن المعنی و لا دالّة علیه بل الحاکی عنه و الدال علیه هو نفس اللفظ غایته أنّ القرینة تدلّ علی أنّ اللفظ قد أرید منه ذاک المعنی المجازی لا الآخر الحقیقی و لیست هی بنفسها ممّا تدلّ علی المعنی و تحکی عنه و لعلّه لذلک قال (قدس سره) کما سیأتی فافهم فالأولی فی مقام الفرق بین القرینتین أن یقال: إنّ القرینة فی سائر المقامات تدلّ علی أنّ اللفظ قد استعمل فی غیر ما وضع له تجوّزاً و فی المقام تدلّ علی استعماله فیه بقصد حصول الوضع به لا تجوّزاً». و فی مباحث الأصول، ص94: «لازم الوضع بالاستعمال کون اللفظ ممّا یتحقق به کل من الوضع و الاستعمال فیکون الواحد فی مرتبتین لأنّه ما به الوضع فهو داخل فی علّة الاستعمال و الإرائة و ما به الإرائة الفعلیة فهو داخل فی المعلول فبه یتحقق کل من الإرائة الشأنیة و الفعلیة و کون الشیء الواحد فی مرتبة العلة و المعلول محال و یمکن التفصی بأنّ اللفظ داخل فی الاستعمال و الإرائة الفعلیة فقط و إنّما یستکشف الوضع الذی هو جعل الملازمة بمقدمات الحکمة» الخ.

بیان ذلک: إنّ مقام الاستعمال یوجب لحاظ اللفظ آلیاً و مقام الوضع یوجب لحاظ اللفظ استقلالیاً، و الوضع بالاستعمال یجمع بین کلا اللحاظین.((1))

ص: 243


1- فی أجود التقریرات، ج1، ص33: «و توهّم إمکان الوضع بنفس الاستعمال کما أفاده المحقق صاحب الکفایة (قدس سره) مدفوع بأنّ حقیقة الاستعمال کما بیّناه إلقاء المعنی فی الخارج بحیث یکون اللفظ مغفولاً عنها فالاستعمال یستدعی کون الألفاظ مغفولاً عنها و توجه النظر إلیه بتبع المعنی بخلاف الوضع فإنّه یستدعی کون اللفظ منظوراً إلیه باستقلاله و من الواضح أنّه لایمکن الجمع بینهما فی آن واحد». و فی منتهی الأصول، ص46: «و ثانیاً أنّه لو کان هذا مصداقاً لمفهوم الاستعمال و الوضع معاً - کما هو المفروض و المدعی فی مثل المقام- للزم منه اجتماع اللحاظ الآلی و الاستقلالی بالنسبة إلی ملحوظ واحد فی استعمال واحد و هو محال».
جواب المحقق الإصفهانی (قدس سره):

((1))

إنّ الوضع بالاستعمال یتصور علی نحوین:

التصویر الأوّل: إنّ الاستعمال عین الوضع فحقیقة الاستعمال حقیقة الوضع و هذا التصویر هو ظاهر متن الکفایة.

و یرد علیه:

أوّلاً: ما أورده المحقق النائینی علی صاحب الکفایة (قدس سرهما) یتوجّه علی هذا التصویر، لأنّ الجمع بین اللحاظین فی آن واحد محال.

ثانیاً: إنّ مرتبة الوضع غیر مرتبة الاستعمال حیث إنّ الوضع فی مرتبة الملزوم و الاستعمال فی مرتبة اللازم و الوضع هنا جعل الملزوم بلازمه و اللفظ بما أنّه یستعمل فی معناه یلحظ آلیاً و بما أنّه موضوع للمعنی یلحظ استقلالیاً و لذا لابدّ من التصویر الثانی.

التصویر الثانی: إنّ الوضع یتحقّق مقارناً للاستعمال من باب جعل الملزوم بجعل لازمه و لا إشکال فی التقارن المذکور و ما یقتضیه الاستعمال الحقیقی (فی قبال المجازی) هو عدم تأخّر الوضع عن الاستعمال و لایقتضی تقدّم الوضع علی الاستعمال، فمع تقارن الوضع و الاستعمال یعدّ هذا الاستعمال حقیقیاً لا

ص: 244


1- نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ج1، ص86 - 88 و فی ص54، عند التعلیقة علی قوله (قدس سره): «فلایکون بحقیقة و لا مجاز»: «إن قلنا بأنّ الاستعمال حین الوضع کما هو ظاهر المتن فحقیقة الاستعمال حقیقة الوضع أو قلنا بأنّ الوضع یتحقق مقارناً للاستعمال من باب جعل الملزوم بجعل لازمه فلا مانع من کونه حقیقة لأنّ غایة ما یقتضیه الحقیقة عدم تأخّر الوضع عن الاستعمال لا تقدّمه علیه زماناً فیکفی مقارنة الوضع مع الاستعمال زماناً فضلاً عن عینیة له حیث لا تقدم للاستعمال حینئذٍ و لو بالعلیة فتدبر».

مجازیاً، فالوضع بالاستعمال ممکن و لیس استعمالاً غیر حقیقی و لا مجازی بل هو استعمال حقیقی إلّا أنّه علی مبنی المشهور فی الوضع من أنّه تعیین اللفظ للدلالة علی المعنی بنفسه و أمّا علی ما هو مختار المحقق الإصفهانی (قدس سره) فلا ملزم لهذا التکلّف کما سیأتی.

ثم إنّا - بعد کون جواب المحقق الإصفهانی (قدس سره) هو الحق فی المقام- لانتعرّض تفصیلاً إلی ما أفاده المحقق العراقی (قدس سره) من الجواب((1)) و هکذا لانتعرّض بالتفصیل إلی ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره)،((2)) بل نشیر إلیهما بالتلخیص.

و ملخّص جواب المحقق العراقی (قدس سره) ((3)) أنّ الملحوظ فی مقام الاستعمال شخص

ص: 245


1- فی مقالات الأصول، ج1، ص67: «تتمیم للمرام بإرشاد فی المقام و هو أنّ حقیقة الوضع کما أنّه قد یتحقق بجعل قبل الاستعمال فقد یتحقق بنفس استعمال لفظ فی معناه بقصد حصوله و توهم أوله إلی اجتماع اللحاظین غلط إذ النظر المرآتی متوجه إلی شخص اللفظ و المعنی حال الاستعمال و هما غیر ملحوظین استقلالاً حین الوضع و ما هو ملحوظ کذلک فهو طبیعة اللفظ و طبیعة المعنی حین وضعه و أحدهما غیر الآخر فی مقام اللحاظ کما لایخفی و العجب من صدور هذا الإشکال من بعض أعاظم المعاصرین علی ما فی تقریر بعض تلامذته».
2- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص128 و ط.ج. ص144: «قد أصبحت النتیجة أنّ محذور لزوم الجمع بین اللحاظ الآلی و الاستقلالی مندفع علی جمیع المسالک فی تفسیر حقیقة الوضع فإنّ الوضع أمر نفسانی ثابت فی أفق النفس و الاستعمال أمر خارج عن أفق النفس فالوضع سابق علی الاستعمال دائماً» الخ.
3- فی منتهی الأصول، ص47 بعد ذکر الإیراد: «و أجیب عنه بوجوه: الأول ما أفاده أستاذنا المحقق (قدس سره) من أنّ الملحوظ باللحاظ الاستقلالی هو طبیعة اللفظ و هو الملتفت إلیه و ما هو ملحوظ بالنظر الآلی و غیر ملتفت إلیه هو شخص اللفظ فلم یجتمع اللحاظان فی موضوع واحد» و ناقش فیه. أقول: نذکر الوجه الثانی و الثالث أیضاً تتمیماً للکلام. قال: «الثانی أنّ الوضع یحصل قبل الاستعمال بالبناء القلبی و یکون الاستعمال مظهراً و کاشفاً عنه و قد قال بمثل هذا شیخنا الأعظم الأنصاری (قدس سره) فی الفسخ الفعلی بالأفعال المتوقفة علی الملک بأنّ الفسخ یحصل بالبناء و یکون الفعل کاشفاً عنه» و ناقش فیه ثمّ قال: «الثالث أنّ حقیقة الوضع ترجع إلی جعل اللفظ حاکیاً عن المعنی بنفسه من دون قرینة علی إرادته منه و هو بهذا الاستعمال یوجد مصداقاً لمفهوم کون اللفظ حاکیاً عن المعنی بنفسه لأنّ المفروض أنّه لم ینصب قرینة علی حکایة اللفظ عن هذا المعنی المستعمل فیه بل جعل اللفظ حاکیاً عن المستعمل فیه بنفسه فیکون هذا الاستعمال بهذه الکیفیة أی کونه حاکیاً عن المعنی المستعمل فیه بنفسه من لوازم تلک العلاقة التی نسمّیها بالوضع و إنشاء الملزوم بإیجاد اللازم أمر معقول» و ناقش فیه أیضاً.

اللفظ و فی مقام الوضع طبیعة اللفظ فمتعلّق اللحاظین مختلف.((1))

و ملخّص جواب المحقق الخوئی (قدس سره) أنّ الوضع أمر نفسانی و الاستعمال عمل جوارحی و الوضع بهذا البیان مقدم علی الاستعمال.

و جواب بعض الأساطین (حفظه الله) أنّ الاستعمال لایتوقف علی ملاحظة اللفظ آلیاً بل کثیر من الناس یتأمّلون فی الألفاظ أثناء التکلّم و یختارون ما هو أحسنه.

النظریة الثانیة: المحقق الإصفهانی (قدس سره)
اشارة

النظریة الثانیة: المحقق الإصفهانی (قدس سره) ((2))

إنّ الوضع لایکون بالاستعمال علی المبنی المختار فی الوضع من أنّ حقیقة

ص: 246


1- فی مباحث الأصول، ص93: «و الاستشکال فیه بالجمع بین اللحاظین - الاستقلالی و الآلی- فی الاستعمال الواحد مندفع بأنّ اللحاظ فی الوضع المکشوف بالاستعمال غیر اللحاظ المصحح للاستعمال الذی لابدّ منه فیه کان الوضع سابقاً أو مقارناً و ما یقال بکونه آلیاً هو الثانی و معنی آلیته أنّه لوحظ لأنّ یفهم به المعنی کما أنّ اللحاظ فی الوضع یتعلق به لأن یعتبر ملازماً للمعنی فما فی الوضع لأجل الدلالة الشأنیة و ما فی الاستعمال لأجل الدلالة الفعلیة فهناک لحاظان اختلفا أو تماثلاً فی الآلیة و الاستقلالیة و أمّا الفناء فی اللحاظ فهو غیر ما هو الشرط فی الاستعمال و هو أمر مقارن أو لاحق للاستعمال و یمکن أن یکون اللفظ غیر ملحوظ فیه أصلاً و لیس بلازم و لا مطرد لجواز الجمع بین الدعاء و القراءة علی الأصح و الحاصل أنّ اللحاظ متعلق بالطبیعی فی الوضع و بالشخص المفرد للطبیعی فی الاستعمال».
2- نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ج1، ص86 و فی ص52: «و التحقیق: أنّ إنشاء الوضع حقیقة بمعنی جعل اللفظ ... و أمّا علی ما عرفت من أنّ حقیقة الوضع نحو اعتبار من الواضع فیکفی فی حصول الاختصاص مجرد سبق الاستعمال بالبناء علی اختصاص اللفظ بالمعنی و هو و إن کان خفیف المؤونة بل أخفّ مؤونة من قصد حصوله بالاستعمال حیث إنّه لا حجة إلی التسبب إلی حصوله بوجه من الوجوه إلّا أنّه یحتاج إلی دلیل».

الوضع نحو اعتبار من الواضع، فیکفی فی حصول الاختصاص الوضعی بناء الواضع علی اختصاص اللفظ بالمعنی قبل تحقّق الاستعمال و هذا أخفّ مؤونةً من قصد حصول الوضع بالاستعمال، حیث لا حاجة إلی التسبّب إلی حصوله بوجه من الوجوه، إلّا أنّه یحتاج إلی دلیل.

و مقتضی التحقیق فی المقام یوافق نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) .

هذا تمام الکلام فی المقدمة.

ص: 247

الدلیل علی ثبوت الحقیقة الشرعیة:

الدلیل علی ثبوت الحقیقة الشرعیة: (1)

الحق هو أنّ ثبوت الحقیقة الشرعیة ممّا لا ریب فیه، فإن قلنا بالوضع التعیینی فهو و إلّا فلابدّ من القول بالوضع التعیّنی، لکثرة استعمالها فی لسان النبی (صلی الله علیه و آله و سلم) و أصحابه، و لایضرّ عدم ثبوت الحقیقة الشرعیة فی خصوص لسانه (صلی الله علیه و آله و سلم) من دون

ص: 248


1- . نذکر هنا أمرین: الأمر الأوّل فی الأقوال: فی معارج الأصول، ص52: «الفائدة الثانیة: الحقیقة الشرعیة موجودة و صار جماعة من الأشعریة إلی نفیها و نعنی بالشرعیة ما استفید وضعها للمعنی بالشرع». و فی زبدة الأصول للشیخ البهائی، ص57: «و الحقیقة الشرعیة للمتشرعة شائعة و للشارع محل کلام و الظاهر ثبوتها» الخ. و فی الوافیة، ص60: «و أمّا الشرعیة ففی وجودها خلاف و الحق وجودها». و فی القوانین، ص36: «الحق کما یظهر من بعض المتأخرین التفصیل» ثمّ قال: «و کیف کان فالحق ثبوت الحقیقة الشرعیة فی الجملة و أمّا فی جمیع الألفاظ و الأزمان فلا و الذی یظهر من استقراء کلمات الشارع انّ مثل الصلاة و الصوم و الزکاة و الحج و الرکوع و السجود و نحو ذلک قد صارت حقائق فی صدر الإسلام ... و حصولها فیها و فی غیرها من الألفاظ الکثیرة الدوران فی زمان الصادقین (علیهما السلام) و من بعدهما ممّا لاینبغی التأمل فیه کما صرّح به جماعة من المحققین و أمّا مثل لفظ الوجوب و السنة و الکراهة و نحو ذلک فثبوت الحقیقة فیها فی کلامهما (علیهما السلام) و من بعدهما أیضاً محل تأمّل فلابدّ للفقیه من التتبع و التحری و لایقتصر و لایقلد». و فی هدایة المسترشدین، ص412: «لایخفی علیک أنّ المعروف بین الأصولیین هو القول بالإثبات و النفی المطلقین و لایعرف بینهم فی ذلک قول ثالث ... و المعروف بین الفریقین هو القول بالإثبات إذ لم ینسب الخلاف فیه إلّا إلی الباقلانی و شرذمة أخری من العامة و لایعرف من الأصحاب مخالف فی ذلک و لا نسب إلی أحد منهم ذلک بل حکی جماعة من متقدمیهم الإجماع علی ثبوت الحقیقة الشرعیة فی غیر واحد من الألفاظ منهم السیّد و الشیخ و الحلی (قدس سرهم) ... و کیف کان فقد ظهر بین المتأخرین من أصحابنا القول بالنفی و ممّن ذهب الیه المصنف و مال الیه جماعة من متأخری متأخریهم ثمّ إنّه قد أحدث جماعة منهم القول بالتفصیل ... و لهم فی ذلک تفاصیل عدیدة: منها: التفصیل بین العبادات و المعاملات فقیل بثبوتها فی الأولی دون الثانیة و منها: التفصیل بین الألفاظ الکثیرة الدوران کالصلاة و الزکاة و الصوم و الوضوء و الغسل و نحوها و ما لیس بتلک المثابة من الألفاظ فالتزم بثبوتها فی الأولی دون الثانیة و منها: التفصیل بین عصر النبی (صلی الله علیه و آله و سلم) و عصر الصادقین (علیهما السلام) و ما بعده فقیل بنفیها فی الأوّل إلی زمان الصادقین (علیهما السلام) و ثبوتها فی عصرهما و ما بعده ... و منها: التفصیل بین الألفاظ و الأزمان فقیل بثبوتها فی الألفاظ الکثیرة الدوران فی عصر النبی (صلی الله علیه و آله و سلم) و فی ما عداها فی عصر الصادقین (علیهما السلام) و من بعدهما ... و منها: التفصیل أیضاً بین الألفاظ و الأزمان فقال: إنّ الألفاظ المتداولة علی ألسنة المتشرعة مختلفة فی القطع بکل من استعمالها و نقلها إلی المعانی الجدیدة بحسب اختلاف الألفاظ و الأزمنة اختلافاً بیناً» الخ . و فی ص431: «قد ظهر ممّا قرّرناه من الوجوه قوة القول بالثبوت مطلقاً». و فی وقایة الأذهان، ص152: «و نقل عن الباقلانی إنکار استعماله فی غیر معانیها اللغویة و أنّ الزیادات شروط للصحة أو القبول و رمّاه القوم بالضعف و الوهن بقوس واحدة و لیس عندی بذلک البعد بل هو الحق فی الجملة لما ستعرف». و فی المحصول للرازی، ج1، ص298: «اختلفوا فی وقوعه فالقاضی أبو بکر منع منه مطلقاً و المعتزلة أثبتوه مطلقاً». الأمر الثانی فی الأدلة: فی معارج الأصول، ص52: «لنا وجودها فی ألفاظ الشارع فإنّ الصوم فی اللغة الإمساک و فی الشرع إمساک خاص» الخ. و فی معالم الدین، ص35: «احتجّ المثبتون بأنّا نقطع بأنّ الصلاة اسم للرکعات المخصوصة بما فیها من الأقوال و الهیئات و أنّ الزکاة لأداء مال مخصوص و الصیام لإمساک مخصوص و الحج لقصد مخصوص و نقطع أیضاً بسبق هذه المعانی منها إلی الفهم عند إطلاقها و ذلک علامة الحقیقة ثمّ إنّ هذا لم یحصل إلّا بتصرف الشارع و نقله لها إلیها و هو معنی الحقیقة الشرعیة» ثمّ ذکر إیراداً علیه و وجهین لردّ الإیراد ثمّ قال: «و فی کلا هذین الوجهین مع أصل الحجة بحث» الخ. و فی زبدة الأصول للشیخ البهائی، ص57: «و الظاهر ثبوتها للتبادر و فیه ما فیه». و فی الوافیة، ص60: «لنا تبادر الأرکان المخصوصة من لفظ الصلاة و القدر المخرج من المال من لفظ الزکاة و القصد الخاص من لفظ الحج و نحو ذلک مع أنّ هذه الألفاظ موضوعة فی اللغة لمعان أخر و التبادر من أمارات الحقیقة» . و فی القوانین، ص36: «لکل من الطرفین حجج واهیة و أقوی أدلّة النافین أصالة عدم النقل و أقوی أدلّة المثبتین الاستقراء فیدور الحکم مدار الاستقراء و قد یستدلّ بالتبادر بأنّا إذا سمعنا هذه الألفاظ فی کلام الشارع یتبادر فی أذهاننا تلک المعانی و هو علامة الحقیقة و هذا الاستدلال من الغرابة بحیث لایحتاج إلی البیان إذ من الظاهر أنّ المعتبر من التبادر هو تبادر المعنی من اللفظ عند المتحاورین بذلک اللفظ» و فی کشف الغطاء، ط.ق. ج1، ص20، کلام فی إثبات الحقیقة الشرعیة و قال فی ختامه: «فثبوت الحقیقة الشرعیة الدخول فی الأوضاع الابتدائیة غنی عن الاستدلال غیر محتاج إلی القیل و القال». و فی هدایة المسترشدین، ص428: «ثمّ إنّ هنا أدلة أخر غیر ما ذکروه تدلّ علی حصول الوضع فیها فی زمان الشارع بل من أوّل الأمر» ثمّ ذکر أدلّة خمسة. و فی الفصول، ص 43 و 44، ذکر وجوهاً سبعة لإثبات الحقیقة الشرعیة و وجوهاً ثلاثة لنفیها فراجع.

ص: 249

ملاحظة أصحابه حیث إنّ روایاته (صلی الله علیه و آله و سلم) من طریق أصحابه.((1))

أما نظریة المحقق الخراسانی (قدس سره): إنّها حقائق لغویة

أما نظریة المحقق الخراسانی (قدس سره): إنّها حقائق لغویة((2))

إنّ هذه الماهیات و المعانی (مثل الصلاة و الصوم) ثابتة فی الشرائع السابقة و لاتکون مستحدثة، کما أنّ بعض الآیات الکریمة یقتضی ذلک مثل قوله تعالی: (کُتِبَ عَلَیکُمُ الصِّیامُ کَمَا کُتِبَ عَلَی الَّذِینَ مِنْ قَبْلِکُمْ)((3)) و قوله تعالی: (وَأَذِّنْ فِی النَّاسِ بِالْحَجِّ)((4)) (خطاباً لإبراهیم الخلیل (علیه السلام)) و قوله تعالی: (وَأَوْصَانِی بِالصَّلَاةِ

ص: 250


1- فی المعالم، ص35: «لا نزاع فی أنّ الألفاظ المتداولة علی لسان أهل الشرع المستعملة فی خلاف معانیها اللغویة قد صارت حقائق فی تلک المعانی کاستعمال "الصلاة" فی الأفعال المخصوصة بعد وضعها فی اللغة للدعاء ... و إنّما النزاع فی أنّ صیرورتها کذلک هل هی بوضع الشارع و تعیینه إیّاها بإزاء تلک المعانی بحیث تدلّ علیها بغیر قرینة لتکون حقائق شرعیة فیها أو بواسطة غلبة هذه الألفاظ فی المعانی المذکورة فی لسان أهل الشرع و إنّما استعملها الشارع فیها بطریق المجاز بمعونة القرائن فتکون حقائق عرفیة خاصة لا شرعیة».
2- فی الکفایة، ص 21 و 22: «و أمّا بناءً علی کونها ثابتة فی الشرائع السابقة کما هو قضیة غیر واحد من الآیات مثل قوله تعالی ... فألفاظها حقائق لغویة لا شرعیة و اختلاف الشرائع فیها جزء و شرطاً لایوجب اختلافها فی الحقیقة و الماهیة إذ لعلّه کان من قبیل الاختلاف فی المصادیق و المحققات کاختلافها بحسب الحالات فی شرعنا کما لایخفی».
3- سورة البقرة(2):183.
4- سورة الحج(22):27.

وَالزَّکَاةِ مَا دُمْتُ حَیا)((1)) (نقلاً عن عیسی (علیه السلام)) و لازم ذلک کونها حقائق لغویة.((2))

یلاحظ علیها:

أولاً: هذا لاینافی ثبوت الحقیقة الشرعیة بل یمکن القول بثبوتها فی الشرائع السابقة و الغرض من البحث عن ثبوت الحقیقة الشرعیة حمل الألفاظ الواردة فی

ص: 251


1- سورة مریم(19):31.
2- ذکر هذا البیان فی هدایة المسترشدین، ص431، فی عداد أدلّة ثبوت الحقیقة الشرعیة قال (قدس سره): «و منها: أنّ جملة من تلک الألفاظ قد صارت حقائق فی المعانی الشرعیة فی الشرائع السابقة کالصلاة و الصوم و الزکاة و قد عبّر بها فی القرآن حکایة عن الأنبیاء السابقین و هو معلوم أیضاً من الخارج فهی حقیقة فیها قبل مجیء هذه الشریعة أیضا». و فی القوانین، ص36: «ربّما یقال إنّها کان حقائق فی هذه المعانی قبل شرعنا أیضاً لکن حصل اختلاف فی الکیفیة». و فی الفصول، ص43: «الذی یقوی عندی أنّ جملة من تلک الألفاظ قد کانت حقائق فی معانیها الشرعیة فی الشرائع السابقة کالصلاة و الصوم و الزکاة و الحج لثبوت ماهیاتها فیها کما یدلّ علیه قوله تعالی ... و إذا ثبت أنّ هذه الماهیات کانت مقرّرة فی الشرائع السابقة ثبت کون هذه الألفاظ حقیقة فیها فی لغة العرب فی الزمن السابق لتدینهم بتلک الأدیان و تداول ألفاظها بینهم و عدم نقل لفظ آخر عنهم بإزائها و لو کان لقضت العادة بنقله» الخ . و فی درر الفوائد، ص 45 و 46: «و قد یستدلّ ببعض الآیات ... علی کون هذه الألفاظ حقائق لغویة لا شرعیة تقریب الاستدلال أنّ هذه الآیات تدلّ علی وجود معانی هذه الألفاظ فی الشرائع السابقة و یثبت وضع هذه الألفاظ لها فیها بضمّ مقدمة أخری» الخ. و فی نهایة الأصول، ص37: «لایخفی أنّ ثبوت الحقیقة الشرعیة فی ألفاظ العبادات - کالصلاة و الصوم و الحج و نحوها- یتوقف علی کون ماهیاتها أموراً مخترعة لشارع الإسلام و الظاهر فساد ذلک فإنّ سنخ هذه العبادات کان معمولاً متداولاً بین جمیع أفراد البشر و أرباب الملل ... و لا محالة کان لهذا السنخ من العمل فی کل لغة لفظ یخصه و کان فی لغة العرب و عرّفهم یسمّی بالصلاة فاستعمال هذا اللفظ فی تلک العبادة الخاصة لیس بوضع شارع الإسلام بل کان مستعملاً فیها فی أعصار الجاهلیة أیضاً» الخ.

الروایات علی المعانی الشرعیة بل لو قلنا بعدم ثبوت الحقیقة الشرعیة فی الشرائع السابقة و استعمال هذه الألفاظ فی معانیها اللغویة بنحو الحقیقة فلا شک فی أنّها صارت حقیقة شرعیة فی زمن شریعتنا.

ثانیاً: لغة الشرائع السابقة المنقولة فی کلمات إبراهیم الخلیل (علیه السلام) و نوح النبی (علیه السلام) و کثیر من الأنبیاء لیست بعربیة بل هی مترجَمة إلی العربیة. ((1))

ص: 252


1- فی نهایة الدرایة، ص55: «مجرّد الثبوت فی الشرائع السابقة لایلازم التسمیة بهذه الألفاظ الخاصة و التعبیر بها عنها لاقتضاء مقام الإفادة کما هو کذلک بالإضافة إلی جمیع القصص و الحکایات القرآنیة مع أنّ جملة من الخطابات المنقولة کانت بالسریانیة أو العبرانیة و دعوی تدیّن العرب بتلک الأدیان و تداول خصوص هذه الألفاظ إذ لو تداول غیرها لنقل إلینا و لأصالة عدم تعدّد الوضع مدفوعة بعدم لزوم النقل لو کان لعدم توفر الدواعی علی نقل تعبیرات العرب المتدینین بتلک الآیات و أصالة عدم تعدد الوضع لایثبت الوضع لخصوص هذه الألفاظ لا تعییناً ولا تعیناً». و فی منتهی الأصول، ص50: «و أمّا إنکار الحقیقة الشرعیة بواسطة وجود هذه العبادات فی الشرائع السابقة - کما قیل- فإنّه لا وجه له أمّا أوّلاً فلأنّ وجود هذه العبادات فی الشرائع السابقة لایدلّ علی أنّها کانت فی تلک الشرائع بهذه الأسماء بل الظاهر خلافه لاختلاف ألسنتهم مع لسان شرعنا». و لکن فی هدایة المسترشدین، ص431: «و ما یورد علیه من مخالفة هذا اللسان للغاتهم فغایة الأمر أن یکون للمعانی المستحدثة عندهم ألفاظ موضوعة من لغاتهم و لایلزم من ذلک وضع هذه الألفاظ بإزائها ... مدفوع بأنّ الظاهر أنّ العرب کانوا یعبرون عنها بهذه الألفاظ و لذا وقع التعبیر بها فی الکتاب العزیز و قد کان کثیر من العرب متدینین ببعض تلک الأدیان و کانت تلک الألفاظ معروفة عندهم و إن کان المعبّر به عنها فی أصل شرعهم من غیر اللغة العربیة».

تنبیه: فی ثمرة هذا البحث هل لهذا البحث ثمرة؟ (فیه قولان):

اشارة

تنبیه: فی ثمرة هذا البحث ((1))

القول الأوّل:وجود الثمرة
اشارة

بعض الأعلام مثل المحقق الخراسانی و المحقق العراقی (قدس سرهما) ((2)) التزموا بوجود الثمرة.

ص: 253


1- فی تعلیقة علی معالم الأصول، ج2، ص272: «قد اضطربت عباراتهم فی تقریر الثمرة اضطراباً فاحشاً فمنهم من أطلق الحکم بالحمل علی الشرعی علی القول بالثبوت و اللغوی علی القول الآخر کالمصنف و غیره و منهم من فصل کبعض الأعلام بین وضع التعیین فیحمل علی الشرعی مطلقاً و وضع التعیّن فلایحمل علیه إلّا إذا علم بتأخر الصدور عن الوضع و أمّا إذا لم یعلم به فیمکن صدوره قبله مع احتمال إرادة المعنی الشرعی بقرینة اختفت علینا أو إرادة المعنی اللغوی فیحمل علی اللغوی فی الجمیع و إطلاقه یقضی بعدم الفرق بین العلم بصدوره قبله و عدمه و منهم من فصل بنحو ما ذکر لکن جعل الصور علی تقدیر وضع التعیّن ثلاثیة من حیث العلم بتاریخی الوضع و الصدور و العلم بتاریخ أحدهما و الجهل بتاریخهما فعلی الأوّل یحمل علی الشرعی إن کان المتقدم تاریخ الوضع و اللغوی إن کان المتقدم تاریخ الصدور ... و منهم من فصل بنحو ما ذکر مع ترجیح الحمل علی الشرعی فی الصورة الثالثة ... و منهم من اعترض علی إطلاق الحکم فی وضع التعیین أیضاً لجریان احتمال التقدّم و التأخر بالنسبة إلی الصدور و الوضع فیه أیضاً فلا وجه لتخصیص ما تقدّم من التفصیل بوضع التعین ... و منهم من التزم بإجراء التفصیل فی وضع التعیین أیضاً بزیادة یسیرة فیه و هو أنّه إمّا أن یعلم کون تحقق الوضع قبل أوائل الاستعمال أو یعلم کونه بعدها أو لایعلم بشیء منهما» ثمّ قال: «و فی جمیع ما ذکر من التشویش و عدم الانضباط ما لایخفی».
2- فی نهایة الأفکار، ص72: «إنّ الثمرة بین القولین إنّما هی فی الألفاظ المستعملة فی لسانه (صلی الله علیه و آله و سلم) من دون تعویل علی القرینة فإنّه بناء علی الثبوت یحمل علی المعنی الشرعی و بناء علی عدم الثبوت یحمل علی المعنی اللغوی فتدبر».
بیان المحقق الخراسانی (قدس سره):

((1))

أمّا بناء علی عدم ثبوتها فلابدّ من حمل الألفاظ المجرّدة عن القرینة علی المعنی اللغوی.

و أمّا بناء علی ثبوتها فإذا علمنا تأخّر الاستعمال عن وضع الحقیقة الشرعیة تحمل تلک الألفاظ المجرّدة عن القرینة علی المعنی الشرعی.

و أمّا إذا جهلنا تاریخ الاستعمال فهنا نظریات:

النظریة الأولی: التوقّف للجهل بزمان الاستعمال.

النظریة الثانیة: الحمل علی المعانی الشرعیة و استدلّ بأصالة تأخّر الاستعمال.

و یرد علیه:

أوّلاً: إنّه لم یثبت بناء من العقلاء علی التأخّر عند الشک.

ثانیاً: لا دلیل علی اعتبار أصالة تأخر الاستعمال تعبّداً و الاستصحاب فی هذه

ص: 254


1- فی الکفایة، ص22: «و أمّا الثمرة بین القولین فتظهر فی لزوم حمل الألفاظ الواقعة فی کلام الشارع بلا قرینة علی معانیها اللغویة مع عدم الثبوت و علی معانیها الشرعیة علی الثبوت فی ما إذا علم تأخر الاستعمال و فی ما إذا جهل التاریخ ففیه إشکال و أصالة تأخر الاستعمال مع معارضتها بأصالة تأخر الوضع لا دلیل علی اعتبارها تعبداً إلّا علی القول بالأصل المثبت و لم یثبت بناء من العقلاء علی التأخر مع الشک و أصالة عدم النقل إنّما کانت معتبرة فی ما إذا شک فی أصل النقل لا فی تأخره فتأمل». و فی المعالم، ص35: «و تظهر ثمرة الخلاف فی ما إذا وقعت مجردة عن القرائن فی کلام الشارع فإنّها تحمل علی المعانی المذکورة بناء علی الأوّل و علی اللغویة بناء علی الثانی و أمّا إذا استعملت فی کلام أهل الشرع فإنّها تحمل علی الشرعی بغیر خلاف». و فی مدارک الأحکام، ج1، ص53: «قد ثبت فی الأصول أنّ الواجب حمل الخطاب علی الحقیقة الشرعیة إن ثبتت و إلّا فعلی عرف زمانهم (علیهم السلام) خاصة إن علم و إن لم یعلم فعلی الحقیقة اللغویة إن ثبتت و إلّا فعلی العرف العام إذ الأصل عدم تقدیم وضع سابق علیه و عدم النقل عنه».

الموارد أصل مثبت.

ثالثاً: إنّها معارضة بأصالة تأخّر الوضع.

النظریة الثالثة: الحمل علی المعانی اللغویة، مستدلاً بأصالة عدم النقل.

و یرد علیه:

أنّ أصالة عدم النقل معتبرة عند الشک فی أصل النقل، لا فی تأخر النقل عن الاستعمال.

القول الثانی: عدم وجود الثمرة
اشارة

إنّ بعضهم أنکروا ((1)) وجود الثمرة مثل المحقق النائینی و المحقق

ص: 255


1- فی الوافیة، ص60: «إعلم أنّ هذه المسألة قلیلة الفائدة إذ صیرورة هذه الألفاظ حقائق فی معانیها الشرعیة فی کلام الأئمة الأطهار (صلی الله علیه و آله و سلم) ممّا یبعد النزاع فیه غایة البعد و استقلال القرآن و الأخبار النبویة المنقولة من غیر جهة الأئمة (علیهم السلام) بحکم ممّا لایکاد یتحقق بدون نص من الأئمة (علیهم السلام) علی ذلک الحکم» و فی هدایة المسترشدین، ص416: «لایذهب علیک أنّ النزاع فی المسألة لیس بتلک المثابة فی الفائدة إذ الثمرة المذکورة کما عرفت إنّما هو فی صورة انتفاء القرائن و لایتحقق ذلک فی الألفاظ الموصوفة فی الکتاب و السنة إلّا قلیلاً إذ الغالب أنّ فی الألفاظ الشرعیة المستعملة من القرائن المتصلة أو المنفصلة ما یفید إرادة المعنی الشرعی و خلوّ سابق الکلام و لاحقه عمّا یفید ذلک و انتفاء سائر الشواهد علیه کأنّه نادر فیهما و أیضاً معظم أحادیثنا المرویة فی الأحکام الشرعیة إنّما هی عن الصادقین (علیهما السلام) و من بعدهما و لیس عندنا من الروایات النبویة فی الأحکام من غیر جهتهم (علیهم السلام) إلّا أقل قلیل و لایکاد یوجد فی ما اختص غیرهم (علیهم السلام) بنقله حدیث معتبر یمکن التعویل علیه فی الأحکام إلّا قلیل من الروایات المعتضدة بالشهرة و مع ذلک فوجود تلک الألفاظ فیها خالیاً عن القرینة فی کمال الندرة» الخ. و راجع أیضاً وقایة الأذهان، ص151 و جواهر الأصول، ج1، ص256 و منتقی الأصول، ص193 و مباحث الأصول، ج1، ص90.

الخوئی((1)) (قدس سرهما) و بعض الأساطین (حفظه الله).

بیان المحقق النائینی (قدس سره):

((2))

إنّه لیس لنا مورد نشک فیه فی المراد الاستعمالی أصلاً.((3))

و الحق مع المحقق النائینی و المحقق الخوئی (قدس سرهما) إلّا أنّ کیفیة وضع هذه الألفاظ مؤثّرة فی البحث الآتی و هو مبحث الصحیح و الأعمّ. ((4))

ص: 256


1- فی المحاضرات، ط.ق. ج1، ص126 و ط.ج. ص142: «و التحقیق أنّه لا ثمرة لهذه المسألة أصلاً وفاقاً لشیخنا الأستاذ (قدس سره) و الوجه فی ذلک هو أنّ الکبری المذکورة – و هی حمل الألفاظ المستعملة فی لسان الشارع علی المعانی اللغویة أو التوقف بناء علی عدم الثبوت و علی المعانی الشرعیة بناء علی الثبوت- و إن کانت مسلمة إلّا أنّ الصغری غیر ثابتة لعدم الشک فی المراد الاستعمالی».
2- أجود التقریرات، ج1، ص48 و فی ص33: «الأمر الرابع فی الحقیقة الشرعیة: لایخفی أنّ البحث فی هذه المسألة لایترتب علیه ثمرة أصلاً فإنّه و إن ذکر بعض ثمرة له و هو حمل الألفاظ المستعملة بلا قرینة علی المعنی اللغوی بناء علی عدمها و علی المعنی الشرعی بناء علی ثبوتها إلّا أنّ التحقیق انّه لیس لنا مورد نشک فیه فی المراد الاستعمالی أصلاً».
3- فی کشف الرموز، للفاضل الآبی، ج1، ص471: «... لأنّ اللفظ إذا دار بین الحقیقة اللغویة و الشرعیة فالترجیح لطرف الشرع و یتحقق ذلک فی علم الأصول» و فی إیضاح الفوائد، ج3، ص42: « ... و لأنّ خطاب الشارع إنّما یحمل علی الحقیقة الشرعیة». و فی ص526: «لفظ الابن حقیقة شرعیة فی المتولد لغیر الزنا فلایکون ولداً شرعاً» الخ و فی جامع المقاصد، ج2، ص97: « و تردد فی ذلک فی الذکری من تعارض الحقیقة الشرعیة و اللغویة و لا وجه له لأنّ الشرعیة مقدمة»
4- فی الرافد، ص61: «من أهمّ نتائج تأثر الأصول بالفلسفة وقوع الخلط بین القوانین التکوینیة و الاعتباریة و أمثلتنا علی ذلک کثیرة: ... و الاعتراض علی مسلکنا القائل بمتمم الجعل التطبیقی الذی طرحناه فی بحث الحقیقة الشرعیة و بحث الصحیح و الأعم و مفاده أنّ الشرع الشریف کما قام باختراع بعض الماهیات الاعتباریة کالصلاة مثلاً قام بالتدخل الاعتباری فی مقام التطبیق أیضاً فالصلاة التی هی عبارة عن اللین الخضوعی أمام الخالق لاتنطبق قهراً علی صلاة الحضر و السفر و صلاة الغریق و إنّما الشارع قام بتطبیقها علی هذه الأفراد» الخ.

الفصل الثانی: فی الصحیح و الأعم (فیه مقدمتان و مقامان)

اشارة

المقدمة الأُولی: فی صلة هذا البحث ببحث الحقیقة الشرعیة

المقدمة الثانیة: فی معنی الصحة

المقام الأوّل: فی أنّ أسماء العبادات وضعت للصحیحة أو للأعم؟

المقام الثانی:وضع ألفاظ المعاملات

للصحیحة أو الأعم؟

ص: 257

ص: 258

المقدمة الأُولی: فی صلة هذا البحث ببحث الحقیقة الشرعیة

اشارة

إنّ جریان هذا البحث علی القول بثبوت الحقیقة الشرعیة واضح و أمّا علی القول بعدم ثبوتها فقد اختلف فی جریانه علی ثلاث نظریات. ((1))

النظریة الأُولی: ما أفاده الشیخ الأنصاری (قدس سره)
اشارة

النظریة الأُولی: ما أفاده الشیخ الأنصاری (قدس سره) ((2))

«إنّ اللفظ قد استعمل عند الصحیحی فی الصحیحة لعلاقة بینها و بین المعنی اللغوی، و فی الفاسدة لا لعلاقة بینها و بین المعنی الأصلی و لا لمشاکلة بینها (أی الفاسدة) و بین المعنی اللغوی أو الصحیحة، بل من جهة التصرف فی أمر عقلی و هو تنزیل المعدوم من الأجزاء و الشرائط منزلة الموجود لئلّا یلزم سبک المجاز من المجاز، فلا مجاز أصلاً من حیث المعنی إلّا فی استعمال اللفظ فی

ص: 259


1- فی منتقی الأصول، ج1، ص197: «و لایخفی أنّه لو لم یمکن تصویره [أی النزاع ] علی القول بعدم ثبوتها و اختصاص النزاع بالقول بثبوتها لایکون هذا المبحث مبحثاً مستقلاً فی مقابل المبحث السابق - أعنی مبحث الحقیقة الشرعیة- بل یکون من فروعه و مترتباً علیه لأنّه نتیجة أحد القولین فی تلک المسألة».
2- مطارح الأنظار، ص3 علی ما قرّره فی نهایة الدرایة، ج1، ص93 و فی ص57، عند التعلیقة علی قوله (قدس سره): «فی أنّ الأصل فی الألفاظ المستعملة مجازاً فی کلام الشارع».

الصحیحة و حیث إنّ الاستعمال دائماً فی الصحیحة من حیث المفهوم و المعنی یحمل - مع عدم القرینة علی التصرف فی أمر عقلی- علی الصحیحة و یترتب علیه ما یترتب علی الوضع للصحیحة من الثمرة.

و أمّا الأعمی فهو یدّعی علی ما ذکره المقرر (قدس سره) تساوی الصحیحة و الأعم فی المجازیة»

یلاحظ علیها:

أوّلاً: إنّ ما أفاده من التصرّف فی الأمر العقلی بتنزیل الفاقد للأجزاء و الشرائط منزلة الواجد للأجزاء و الشرائط هو بنفسه من العلائق المجازیة، و کونه تصرّفاً عقلیاً لایوجب عدم ارتباطه بالدلالة اللفظیة بل التصرّف و التنزیل المذکور یوجب المجازیة فی المعنی الأعمّ و نتیجة ذلک هو أنّ المعنی الأعمی أیضاً معنی مجازی فهو سبک المجاز من المجاز و یلزم من ذلک تساوی المعنیین المجازیین و عدم تقدیم أحدهما علی الآخر، فلایبقی وجه للنزاع بین الصحیحی و الأعمّی.

ثانیاً: یرد علیه ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) ((1)) من أنّ لازم ادعاء الأعمی (و هو تساوی الصحیحة و الأعم فی المجازیة) التوقف و هو ینافی غرضه من حمل اللفظ حینئذ علی المعنی الأعم.

فلابدّ من تقریب قول الأعمی بهذا البیان:

إنّ اللفظ یستعمل فی الأعم لمناسبة بینه و بین المعنی اللغوی و إفادة خصوص الصحیحة أو الفاسدة بدالّ آخر و مع عدم وجود الدال الآخر یحمل اللفظ علی

ص: 260


1- نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ج1، ص94؛ فی ص57: «و أمّا الأعمی فهو علی ما ذکره المقرر (قدس سره) یدعی تساوی الصحیحة و الأعم فی المجازیة إلّا أنّ لازمه التوقف و هو ینافی غرضه».

المعنی الأعم و لایلزم سبک المجاز من المجاز علی مبنی الأعمی أیضاً.

النظریة الثانیة: ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره)

النظریة الثانیة: ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) (1)

إنّ جریان النزاع فی فرض عدم ثبوت الحقیقة الشرعیة مشکل، لأنّ الأعمّی یقول بالاستعمال المجازی فی المعنی الأعم مع أنّه یعترف بأنّ الاستعمال فی

ص: 261


1- . فی الکفایة، ص23: «فی جریانه [أی الخلاف] علی القول بالعدم [أی عدم ثبوت الحقیقة الشرعیة] إشکال و غایة ما یمکن أن یقال فی تصویره أنّ النزاع وقع - علی هذا - فی أنّ الأصل فی هذه الألفاظ المستعملة مجازاً فی کلام الشارع هو استعمالها فی خصوص الصحیحة أو الأعم بمعنی أنّ أیّهما قد اعتبرت العلاقة بینه و بین المعانی اللغویة ابتداء و قد استعمل فی الآخر بتبعه و مناسبته کی ینزل کلامه علیه مع القرینة الصارفة عن المعانی اللغویة و عدم قرینة أخری معینة للآخر و أنت خبیر بأنّه لا یکاد یصح هذا إلّا إذا علم أنّ العلاقة إنّما اعتبرت کذلک ... و أنّی لهم بإثبات ذلک و قد انقدح بما ذکرنا تصویر النزاع - علی ما نسب إلی الباقلانی و ذلک بأن یکون النزاع فی أنّ قضیة القرینة المضبوطة التی لایتعدی عنها إلّا بالأخری- الدالة علی أجزاء المأمور به و شرائطه- هو تمام الأجزاء و الشرائط أو هما فی الجملة فلاتغفل». و فی نهایة النهایة، ص32، عند تعلیقة علی قوله: «و غایة ما یمکن أن یقال فی تصویره»: «ما یمکن أن یقال فی تصویره أمور ثلاثة: الأوّل أن یکون النزاع فی أنّ أی المعنیین أقرب المجازات إلی المعنی الحقیقی و أقوی علاقة من صاحبه حتی یتعیّن حمل اللفظ علیه عند قیام القرینة الصارفة عن المعنی الحقیقی. الثانی أن یکون النزاع فی أنّ أی المعنیین مجاز عن المعنی الحقیقی و ذو علاقة معه و الآخر مجاز عن المجاز ... الثالث أن یکون النزاع فی أنّ أی المعنیین متعیّن للإرادة بحسب القرینة العامة و لو کانت تلک القرینة هی اشتهار استعمال اللفظ فی لسان الشارع فیه و جریان عادته بإرادته بعد قیام الصارف عن المعنی الحقیقی مع تساوی المعنیین فی العلاقة و کون علاقتیهما جمیعا مع المعنی الحقیقی و لایخفی أنّ المصنف (قدس سره) لم یتعرض للوجه الأوّل و خلط بین الوجهین الأخیرین و أبرزهما بصورة وجه واحد و لایمکن تصویر النزاع علی مذهب الباقلانی إلّا بهذا الوجه الأخیر». و فی حقائق الأصول، ص53، عند التعلیقة علی قوله: «بمعنی أنّ أیّهما قد اعتبرت»: «هذا التحریر یترتب علیه سبک مجاز فی مجاز و یمکن تحریره بنحو لایلزم منه ذلک فیقال: بعد ما کانت هذه الألفاظ مجازاً فی المعانی المستحدثة فهل مقتضی القرینة النوعیة حملها علی المعنی الصحیح حتی تقوم قرینة شخصیة علی إرادة الأعم أو مقتضاها الحمل علی الأعم حتی تقوم القرینة الشخصیة علی إرادة الصحیح؟» الخ. و فی حاشیة علی کفایة الأصول، ص67: «اعلم أنّ تحقیق الحال فی هذا الأمر مبنی علی ذکر محتملات المسألة السابقة أی الاختلاف فی ثبوت الحقیقة الشرعیة بعد الفراغ عن ثبوت الحقیقة المتشرعة و المحتملات لاتخلو من أربعة: إحداها کون الألفاظ المستعملة فی لسان الشارع حقیقة فی معانیها المستحدثة إمّا بتصریحه و إمّا باستعماله تلک الألفاظ فی المعانی المستحدثة بقصد صیرورتها موضوعاً لها الثانیة کون تلک الألفاظ مستعملة فی لسانه مجازاً و بکثرة الاستعمال فی لسان تابعیه و أصحابه صارت حقیقة الثالثة کونها مستعملة فی تلک المعانی حقیقة بمعنی أنّ هذه المعانی ما کانت مستحدثة بل هی المعانی اللغویة الثابتة عند الشرائع السابقة و عند العرب قبل الشرع و استعملها الشارع موافقاً لاستعمال من کان قبله الرابعة کونها مستعملة فی معانیها اللغویة مثل الدعاء بالنسبة إلی لفظ الصلاة و أمّا الزوائد فهی دخیلة فی المأمور به لا فی مسمّی الصلاة و تدلّ علی هذه الزوائد ألفاظ أخری مثل لفظ السجود و الرکوع إلی غیرهما کما ذهب إلیه الباقلانی إذا عرفت هذا فاعلم أنّه لا شبهة فی تأتی الخلاف علی الاحتمال الأوّل... و کذا لا شبهة فی تأتی الخلاف علی الاحتمال الثالث و ذلک بأن یقال: إنّ الموضوع له فی تلک الألفاظ هل هو الصحیح أو الأعم فافهم و أمّا علی الاحتمال الثانی... و أمّا علی الاحتمال الرابع و هو ما نسب إلی الباقلانی فتصویر النزاع فیه علی ما ذکره المصنف (قدس سره) أنّ قضیة القرینة المضبوطة المتکلفة لبیان الأجزاء و الشرائط فی المأمور به هل هی تمام الأجزاء و الشرائط أو هما فی الجملة و فی هذا التصویر ما لایخفی» الخ. و اختار فی منتقی الأصول، ما ذهب إلیه المحقق الخراسانی (قدس سره) فقال فی ص200: «... و بذلک تکون النتیجة هی ما انتهی إلیه صاحب الکفایة (قدس سره) من عدم تحقق النزاع المزبور علی القول بعدم الحقیقة الشرعیة و کون هذه المسألة من متفرعات مسألة الحقیقة الشرعیة».

الصحیح أیضاً مجازی، کما أنّ الصحیحی أیضاً یقول بالاستعمال المجازی فی المعنی الصحیح و یعترف بأنّ الاستعمال فی الأعمّ أیضاً مجازی و إذا کان کلّ من الاستعمالین مجازیاً عندهما، فلابدّ من وجود القرینة المعیّنة لتعیین المعنی المجازی المراد من بین المعنیین بعد القرینة الصارفة عن المعنی الحقیقی، و لایبقی وجه للنزاع بین الصحیح و الأعمّ.

ص: 262

نعم علی القول المنسوب إلی الباقلانی((1)) یصحّ النزاع فإنّه قال بأنّ الألفاظ دائماً تستعمل فی المعانی اللغویة و قد یقرنه المستعمل بلفظ آخر و هذا اللفظ

ص: 263


1- هو المترجم فی تاریخ بغداد، ج2، ص455، حیث قال: «محمد بن الطیب بن محمد أبو بکر القاضی المعروف بابن الباقلانی المتکلم علی مذهب الأشعری من أهل البصرة سکن بغداد و سمع بها الحدیث... فأمّا الکلام فکان أعرف الناس به و أحسنهم خاطراً و أجودهم لساناً و أوضحهم بیاناً و أصحّهم عبارة و له التصانیف الکثیرة المنتشرة فی الرد علی المخالفین من الرافضة و المعتزلة و الجهمیة... قال أبو الفرج: و سمعت أبا بکر الخوارزمی یقول: کل مصنف ببغداد إنّما ینقل من کتب الناس إلی تصانیفه سوی القاضی أبی بکر فإنّ صدره یحوی علمه و علم الناس ... حدثنی علی بن أبی علی المعدل قال: مات القاضی أبو بکر محمد بن الطیب فی یوم السبت لسبع بقین من ذی القعدة سنة ثلاث و أربعمائة قلت: و صلی علیه ابنه الحسن و دفنه فی داره بدرب المجوس من نهر طابق ثمّ انتقل بعد ذلک فدفن فی مقبرة باب حرب». و راجع أیضاً تاریخ الإسلام، ج28، ص88 و سیر أعلام النبلاء، ج17، ص190. أقول: فی التعلیقة علی تقریرات آیة الله المجدد الشیرازی، ج1، ص194: «فی شرح الوافیة للسید الأعرجی (قدس سره) هکذا: و بالجملة فالنفی إنّما نسبه الآمدی و الرازی و غیرهما إلی القاضی أبی بکر و فی کتاب تیسیر التحریر، الجزء الثانی، ص 15 - 17 أیضاً نسبه إلیه». و فی المحصول، للرازی، ص298: «و اتفقوا علی إمکانه و اختلفوا فی وقوعه فالقاضی أبو بکر منع منه مطلقاً و المعتزلة أثبتوه مطلقاً». و فی الإحکام، ج1، ص35: «و إنّما الخلاف نفیاً و إثباتاً فی الوقوع و الحجاج هاهنا مفروض فی ما استعمله الشارع من أسماء أهل اللغة کلفظ الصوم و الصلاة هل خرج به عن وضعهم أم لا؟ فمنع القاضی أبو بکر من ذلک و أثبته المعتزلة و الخوارج و الفقهاء احتج القاضی بمسلکین: الأوّل أنّ الشارع لو فعل ذلک لزمه تعریف الأمة بالتوقیف نقل تلک الأسامی و إلّا کان مکلفاً لهم بفهم مراده من تلک الأسماء و هم لایفهمونه و هو تکلیف بما لایطاق و التوقیف الوارد فی مثل هذه الأمور لابدّ و أن یکون متواتراً لعدم قیام الحجة بالآحاد فیها و لا تواتر و هذه الحجة غیر مرضیة ... المسلک الثانی أنّ هذه الألفاظ قد اشتمل علیها القرآن فلو کانت مفیدة لغیر مدلولاتها فی اللغة لما کانت من لسان أهل اللغة کما لو قال: "أکرم العلماء" و أراد به الجهال أو الفقراء و ذلک لأنّ کون اللفظ عربیاً لیس لذاته و صورته بل لدلالته علی ما وضعه أهل اللغة بإزائه و إلّا کانت جمیع ألفاظهم قبل التواضع علیها عربیة و هو ممتنع و یلزم من ذلک أن لایکون القرآن عربیاً». و الحجتان مذکورتان فی معالم الأصول، ص36.

یکون قرینة دالة علی المعنی الثانی (شرعیاً کان أم غیره) فیتعدّد الدالّ و المدلول، فهنا دالّان (نفس اللفظ و القرینة) و مدلولان (المعنی اللغوی و المعنی الثانوی) فإنّ النزاع حینئذ فی أنّ القرینة المذکورة دالة علی خصوص الصحیحة أو الأعمّ. ((1))

النظریة الثالثة: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره)
اشارة

النظریة الثالثة: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) ((2))

إنّ النزاع جار علی القول بعدم ثبوت الحقیقة الشرعیة، بیانه: إنّ مرجع هذا القول إلی أنّ الشارع المقدّس من أوّل نزول القرآن الکریم هل استعمل هذه

ص: 264


1- فی حقائق الأصول، ص54: «یظهر الإشکال فی تصویر النزاع علی مذهبه [أی الباقلانی] بناء علی کون المطلق الوارد علیه التقیید حقیقة إذ لیست هی إلّا مستعملة فی نفس المعانی اللغویة لا فی الصحیح و لا فی الأعم».
2- المحاضرات، ط.ج. ص152 و ط.ق. ج1، ص134 و فی ص151: «الظاهر بل المقطوع به جریان النزاع علی هذا القول [القول بعدم ثبوت الحقیقة الشرعیة] أیضاً» الخ و فی القوانین، ص40: «و هذا الخلاف أیضاً لایتوقف علی القول بثبوت الحقیقة الشرعیة فیها بل یکتفی فیه بثبوت الحقیقة المتشرعة و مطلق استعمال الشارع تلک الألفاظ فیها فالنزاع فی الحقیقة فی أنّه متی أطلق لفظ دالّ علی تلک الماهیة المحدثة فهل یراد الصحیحة منها أو الأعم؟» و فی هدایة المسترشدین، ج1، ص434: «ثمّ إنّ الخلاف فی أنّ المعانی المقرّرة من الشرع التی استعمل فیها تلک الألفاظ هل هی خصوص الصحیحة أو هی أعمّ منها و من الفاسدة؟ فیصحّ النزاع فیها من القائلین بثبوت الحقیقة الشرعیة و نفاتها إذ لا کلام فی استعمال تلک الألفاظ فی المعانی الجدیدة کما عرفت و إنّما الکلام هناک فی کونه علی وجه الحقیقة أو لا کما مرّ». و فی تعلیقة علی معالم الأصول، ج2، ص297: «المقدمة الأولی: هذا الخلاف لیس من متفرعات القول بثبوت الحقیقة الشرعیة و خصائصه لئلّا یجری علی قول النافی مطلقاً بل یجری علی کلا القولین و یصح من کلا الفریقین وفاقاً للمحققین من مشایخنا المعاصرین و غیرهم». و راجع أیضاً درر الفوائد، ص47 و نهایة الأفکار، ص73 و فوائد الأصول، ص59 و منتهی الأصول، ص51 و أصول الفقه، ص84.

الألفاظ فی المعانی الصحیحة من جهة لحاظ علاقة بینها و بین المعانی اللغویة، أو استعملها فی الأعم من جهة لحاظ علاقة بینه و بین المعانی اللغویة؟

فعلی الأوّل یکون الأصل فی استعمالات الشارع الاستعمال فی الصحیح إلّا إذا قامت قرینة علی الخلاف و علی الثانی ینعکس الأمر.

یلاحظ علیها:

((1))

ما المراد من القرینة علی الخلاف فی قوله أخیراً «إلّا إذا قامت قرینة علی الخلاف»؟

فإن أراد القرینة الصارفة عن المعنی المجازی الأوّل، فهو سبک المجاز من المجاز و المعنی المجازی الأوّل یناسب المعنی اللغوی و المعنی المجازی الثانی یناسب المعنی المجازی الأوّل.

و حینئذٍ إن قامت القرینة علی عدم إرادة المعنی اللغوی (أی القرینة الصارفة

ص: 265


1- فی الفصول، ص46: «ربّما یتصوّر النزاع فی أنّه هل الأصل استعمال الشارع لها فی المعانی الصحیحة علی تقدیر إرادة معانیها الشرعیة أو الأعم منها و من الفاسدة فلایتوقف علی تقدیر ثبوت النقل لکنّه بعید عن التحریر المعروف و قولهم له هی أسام للصحیحة أو الأعم ظاهر أو صریح فی أنّ النزاع فیه بحسب الوضع لا مطلق الاستعمال و دون التأویل فیه خرط القتاد و یساعد علی ما ذکرنا ظاهر الأدلة الآتیة» و فی منتقی الأصول، ص199، بعد بیان کلام المحقق النائینی (قدس سره) فی رفع الإشکال عن التصویر المذکور فی الکفایة: «و هذا الوجه ضعیف للغایة لوجوه: الأوّل: انّه لا وجه لاستکشاف الأصل فی استعمالات الشارع بما هو المتبادر عندنا ... الثانی: انّ الوجه المذکور علی تقدیر تسلیمه فی إثبات نحو استعمال الشارع فهو لایثبت کون الأصل فیه ذلک الاستعمال و إن العلاقة لوحظت ابتداء بین المعنی المعین و المعنی اللغوی ... الثالث: انّه علی تقدیر تسلیم کشفه عن المعنی الذی لوحظت العلاقة فیه ابتداء فهو لایجدی ما لم یقم الدلیل علی ثبوت کون المعنی الذی لوحظت العلاقة فیه ابتداء هو الأصل فی الاستعمال و إن الکلام یحمل علیه بمجرد القرینة الصارفة عن المعنی اللغوی و عدم القرینة المعینة للآخر و قد عرفت أنّه لا طریق عادة إلی إثبات ذلک».

عن المعنی اللغوی) لایمکن إرادة خصوص المعنی المجازی الأوّل، لإمکان إرادة ما یناسب المعنی المجازی الأوّل لا ما یناسب المعنی اللغوی.

فمع عدم ثبوت الحقیقة الشرعیة لا تقدیم للمعنی الصحیح علی الأعم و بالعکس و لایمکن تعیین أی منهما إلّا بالقرینة المعینة فلا مجال لهذا البحث.((1))

ص: 266


1- راجع نهایة الدرایة، ج1، ص94.

المقدمة الثانیة: فی معنی الصحة

اشارة

المقدمة الثانیة: فی معنی الصحة ((1))

هنا نظریتان:

النظریة الأولی: من صاحب الکفایة (قدس سره)
اشارة

((2))

الظاهر أنّ الصحة عند الکل بمعنی واحد و هو التمامیة ((3)) و علی هذا تعریف

ص: 267


1- فی هدایة المسترشدین، ص489: «و لنتمّم الکلام فی المرام برسم أمور: أحدها أنّ الصحة المأخوذة فی المقام هل هی الصحة الواقعیة - أعنی الموافقة للأمر الواقعی- أو الصحة الشرعیة؟- سواء کانت حاصلة بموافقة الأمر الواقعی أو الظاهری فیندرج فیه الفعل الصادر علی سبیل التقیة المخالف لما علیه الفعل فی الواقع فی الموارد التی حکم الشرع بصحته و کذا الأفعال المختلفة باختلاف فتاوی المجتهدین و إن لم یجز کل من تلک الأفعال عند غیر القائل به نظراً إلی أنّ کلا من تلک الأفعال محکوم بصحته شرعاً قد دلّ الدلیل القاطع علی تعلقه بذلک المجتهد و مقلده فیندرج الکل فی ما یشمله أسامی تلک العبادات و إن قطع بعدم موافقة الجمیع للحکم الأولی الثابت بحسب الواقع- وجهان أوجههما الأخیر».
2- فی الکفایة، ص24: «إنّ الظاهر أنّ الصحة عند الکل بمعنی واحد و هو التمامیة و تفسیرها بإسقاط القضاء کما عن الفقهاء أو بموافقة الشریعة کما عن المتکلمین أو غیر ذلک إنّما هو بالمهم من لوازمها لوضوح اختلافه بحسب اختلاف الأنظار و هذا لایوجب تعدّد المعنی کما لایوجبه اختلافها بحسب الحالات من السفر و الحضر و الاختیار و الاضطرار إلی غیر ذلک کما لایخفی». و فی عنایة الأصول، ص63: «و قد أخذ المصنف هذا المعنی من صاحب التقریرات (قدس سره) قال فی المقام ما هذا لفظه: لیس المراد به یعنی الصحیح ما هو المنسوب إلی الفقهاء من أنّ الصحیح ما هو أسقط القضاء أو إلی المتکلمین من أنّه ما وافق الشریعة إلی أن قال: بل المراد به الماهیة الجعلیة الجامعة للأجزاء و الشرائط التی لها مدخل فی ترتب ما هو الباعث علی الأمر بها علیها و یعبر عنه بالفارسیة بدرست و هو معناه لغة و قد ذکرنا فی محلّه أنّ الفقهاء و المتکلمین أیضاً لم یصطلحوا علی إبداع معنی جدید غیر ما هو المعهود منه فی اللغة انتهی». و راجع أیضاً نهایة الأفکار، ص73 و فوائد الأصول، ج2-1، ص60.
3- ههنا کلمات للأعلام حول تفسیر الصحة: ففی تعلیقة علی معالم الأصول، ج2، ص321: «المقدمة الثالثة: الصحة علی ما یساعد علیه أمارات الحقیقة و کواشف الوضع یطلق فی العرف علی الصفة المنتزعة عن الشیء باعتبار اشتماله علی ما له دخل فی ترتب الأثر المقصود منه علیه» و فی نهایة النهایة، ص33: «التمام و النقصان ... إنّما یلاحظان بالنسبة إلی الخصوصیات الخارجة و الضمائم اللاحقة للطبیعة لحوقاً نوعیاً أکثریاً فما اشتمل علی تلک الخصوصیات هو صحیح تلک الطبیعة و ما تخلف عنها هو ناقصها و فاسدها ... فصفتا الصحة و الفساد منتزعان من اشتمال الفرد علی الخصوصیات التی تقتضیها الطبیعة فی حد ذاتها لولا القاسر الخارجی و عدم اشتماله علیها و ترتب جمیع الآثار و عدم ترتبها لازم لهما». و فی منتهی الأصول، ص52: «الثانی انّ الصحة و الفساد متقابلان تقابل العدم و الملکة و المراد من الصحة هو تمامیة الشیء بمقتضی أصل خلقته التکوینیة أو جعله التشریعی مقابل الفساد الذی هو عبارة عن عدم هذا المعنی و قد یعبّر عنه بالناقص و المعیب أیضاً». و فی حاشیة علی کفایة الأصول، ص72: «اختلفوا فی أنّ التمامیة و عدمها هل تعتبر و تضاف بالنسبة إلی الموجود الخارجی أو تعتبر بالإضافة إلی العنوان الذی یترقب منه أثر کذا فی ظرف وجوده ظاهر عبارة المصنف الأوّل ... و لکن السیّد الأستاذ اختار الثانی و هو التحقیق لأنّ کل موجود فی حد وجوده تام بحیث لایصح إضافة الفساد إلیه بخلاف العنوان فإنّه یصح إضافة الصحة و الفساد إلیه فی مرتبته و ماهیته لکن لا بما هی هی بل باعتبار وجوده» و راجع أیضاً نهایة الأصول، ص38. و فی أصول الفقه، ص85: «الثانیة: إنّ المراد من الصحیحة من العبادة أو المعاملة هی التی تمّت أجزاؤها و کملت شروطها و الصحیح إذا معناه تامّ الأجزاء و الشرائط». و کذا ما فی مباحث الأصول، ص98: «و المراد بالصحیح هو تام الأجزاء و الشرائط بالقیاس إلی الأثر المترقب من الشیء أو بالقیاس إلی وقوعه فی حیّز الأمر». و فی جواهر الأصول، ص266: «الظاهر أنّ بین مفهوم الصحیح و الفاسد تقابل التضاد لأنّ الصحیح و الفاسد کیفیتان عارضتان للشیء بحسب وجوده الخارجی بلحاظ اتّصافه بما یلائم طبیعته النوعیة أو منافرته إیاها ... و إطلاق الصحیح و الفاسد فی مثل الصلاة المرکبة من أجزاء و شرائط ... إنّما هو توسع باعتبار ملاحظة تلک الماهیة أمراً وحدانیاً و هیأة اتصالیة» الخ. و فی منتقی الأصول، ص203: «أمّا الصحة فهی نحو من أنحاء التمامیة لا التمامیة بقول مطلق و هو التمامیة من حیث ترتب الأثر المترقب لا من حیثیة أخری».

الفقهاء و المتکلمین للصحة تعریف بلوازم الصحة.

فإنّ الصحة عند المتکلمین موافقة الشریعة و عند الفقهاء إسقاط القضاء و الإعادة.

ص: 268

و المراد من التمامیة عند صاحب الکفایة (قدس سره) هل هی التمامیة من جمیع الجهات أو التمامیة من حیث الأجزاء و الشرائط؟ إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) لم یصرّح بذلک و لکن لابدّ أن تکون الصحّة عنده بمعنی التمامیة من جمیع الجهات، ((1)) لا التمامیة

ص: 269


1- فی فوائد الأصول، ص60: «إنّ وصف الصلاة مثلاً بالصحة باعتبار الشرائط تارة یکون باعتبار خصوص الشرائط الملحوظة فی مرحلة الجعل و تعیین المسمی التی یمکن الانقسام إلیها قبل تعلق الطلب بها کالطهور و الاستقبال و الستر و غیر ذلک من الانقسامات السابقة و أخری تکون باعتبار الشرائط التی لایمکن لحاظها فی مرحلة تعیین المسمی بل هی من الانقسامات اللاحقة عن مرحلة تعلق الطلب بها کقصد القربة و ما یستتبعها من قصد الوجه و وجه الوجه علی القول باعتباره لاینبغی الإشکال فی خروج الصحة بالاعتبار الثانی عن حریم النزاع فی المقام». و فی منتهی الأصول، ص52: «هل المراد من التمامیة فی المقام هو باعتبار خصوص الأجزاء أو باعتبار جمیع ما له دخل فی تمامیته و ترتب الأثر علیه سواء کان من الأجزاء أو الشرائط أو عدم الموانع و سواء کانت هذه الأمور فی الرتبة المتقدمة علی الأمر أو المتأخرة عنه و التحقیق أن یقال إنّ کل ما له دخل فی الملاک و ترتب الغرض - سواء کان بنحو الجزئیة أو الشرطیة أو بنحو عدم المانع- فله دخل فی الصحة إن کان فی الرتبة المتقدمة علی الأمر و أمّا الأمور المتأخرة عن الأمر کقصد القربة و عدم المزاحم أو النهی المتعلق بالعبادة فلا مدخلیة لها فی الصحة فی محل الکلام و إن کان لها دخل فی الملاک و الغرض» و فی مناهج الوصول إلی علم الأصول، ص145: «الحق إمکان جریان النزاع فی جمیع الشرائط أمّا عند من یری جواز أخذ ما لایتأتی إلّا من قبل الأمر فی المتعلق فواضح لتقدم رتبة المسمی علی الطلب و أمّا مع القول بامتناعه فلإمکان دعوی کون المسمی غیر ما یتعلق به الطلب و کون رتبته مقدمة علی الطلب، أوّل الکلام و أمّا حدیث عدم إمکان تسویة الأجزاء و الشرائط فی الرتبة فظاهر الفساد لأنّ الاجتماع فی التسمیة غیر الاجتماع فی الرتبة فی الواقع و المحال هو الثانی و اللازم هو الأوّل». و فی مباحث الأصول، ص98: «و لایخفی أنّ الصحة إذا فسرت بالتمامیة و کان إسقاط الإعادة و القضاء المترتب علی المطابقة فی المأتی به للمأمور به أو الاستجماع للأجزاء و الشرائط الدخیلة فی ترتب الأثر المترقب من لوازم التمامیة المهمّة فی نظر المتکلم أو الفقیه فلایعقل لها معنی إلّا ما یتأخر أو یلازم تعلق الأمر» الخ. و فی منتقی الأصول، ص208: «أمّا عدم النهی و عدم المزاحم فقد ذهب المحقق النائینی (قدس سره) إلی خروجهما عن مورد البحث لعدم إمکان أخذها فی المسمی جزماً... و التحقیق أمّا فی عدم النهی فلایتجه ما ذکره إذ تعلق النهی لایلزم أن یکون بما هو المسمی بما هو کذلک... و أمّا بالنسبة إلی عدم المزاحم فإن أرید من المزاحم هو المزاحم لنفس الشیء بلحاظ أنّه متعلق لأمر أقوی داعویة فیزاحم نفس العمل الآخر فلایتجه ما ذکره أیضاً إذ لایتوقف فرض المزاحم علی تحقق التسمیة کی یکون عدمه فرع المسمی... و إن أرید به المزاحم لأمر الشیء فالإزالة مزاحمة لأمر الصلاة لا نفس الصلاة کان ما ذکره وجیهاً» الخ.

من حیث الأجزاء و الشرائط و إلّا لایکون ملازماً لإسقاط الجزاء و موافقة الشریعة لما سیأتی فی ضمن نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) من أنّ الصلاة التامّة من حیث الأجزاء و الشرائط، قد یکون فاسداً للتزاحم.

إیراد المحقق الإصفهانی علی صاحب الکفایة (قدس سرهما):

((1))

لا إشکال فی أنّ الصحة بمعنی التمامیة، إلّا أنّ حیثیة إسقاط القضاء و موافقة الشریعة و غیرهما لیست من لوازم التمامیة بالدقّة بل من الحیثیات التی یتمّ بها حقیقة التمامیة، حیث لا واقع للتمامیة، إلّا التمامیة من حیث إسقاط القضاء أو من حیث موافقة الأمر أو من حیث ترتّب الأثر، إلی غیر ذلک.

و اللازم إن کان من لوازم الوجود، لیس من متمّمات معنی ملزومه.

نعم إن کان اللازم من لوازم الماهیة، یمکن کونه متمّماً لمعنی ملزومه و محققاً له کالفصل بالإضافة إلی الجنس، فإنّه عرض خاص له، مع أنّ تحصّل الجنس بتحصّله.

جواب المحقق الخوئی عن المحقق الإصفهانی (قدس سرهما):

((2))

إنّ اللازم لایعقل أن یکون من متمّمات معنی ملزومه، من دون فرق بین لازم الوجود و لازم الماهیة. نعم الفصل بحسب وجوده، محصّل لوجود الجنس

ص: 270


1- نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ج1، ص95.
2- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص136 و ط.ج. ص154.

و محقق له و لکنه بهذا الاعتبار، لیس لازماً له.((1))

یلاحظ علیه:

أوّلاً: إنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) یری أنّ هذه الحیثیات مثل إسقاط القضاء و موافقة الشریعة و ترتّب الأثر کلها متمّمات للتمامیة و لیست واحدة منها من لوازم التمامیة و لذا قال: «إنّ حیثیة إسقاط القضاء و موافقة الشریعة و غیرهما لیست من لوازم التمامیة بالدقّة بل من الحیثیات التی یتمّ بها حقیقة التمامیة».

ثانیاً: إنّ المحقق الخوئی (قدس سره) فی آخر کلامه، التزم بمقالة المحقق الإصفهانی (قدس سره) حیث اعترف بأنّ للفصل اعتبارین: اعتبار کونه من لوازم الجنس و عرضاً خاصّاً له و اعتبار کونه متمّماً لحقیقة الجنس و محصّلاً له، و المحقق الإصفهانی (قدس سره) لا یقصد إلّا وجود الاعتبارین فی بعض لوازم الماهیة، حیث تکون من جهة من لوازم الماهیة و من جهة أخری من محصّلاتها.

النظریة الثانیة: من المحقق الإصفهانی (قدس سره)
اشارة

((2))

إنّ التمامیة المذکورة هل تکون من حیث موافقة الأمر، أو من حیث إسقاط

ص: 271


1- بعد بیان نظریة صاحب الکفایة و إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سرهما) علیها و إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علی أستاذه یحسن ذکر ما فی منتقی الأصول، ص201 قال: «الأولی: انّه هل للتمامیة واقع مستقل غیر ما ذکر من الآثار کموافقة الأمر و إسقاط القضاء و الإعادة أو أنّها أمر ینتزع عن مقام ترتب الأثر؟ و بعبارة أخری: إنّ موافقة الأمر و نحوها من الآثار هل هی من لوازم التمامیة و آثارها أم أنّها من مقومات معناها؟ ذهب صاحب الکفایة (قدس سره) إلی أنّ هذه الآثار لوازم التمامیة و من آثارها و أنّ تفسیر الصحة فی کلام الفقهاء باسقاط الإعادة و القضاء و فی کلام المتکلمین بموافقة الأمر تفسیر لها بلوازمها و آثارها التی هی محط النظر و أنّ ذلک لایکون دلیلاً علی أنّ للصحة معنی غیر التمامیة و ظاهر کلامه فی مبحث دلالة النهی علی الفساد أنّ اتصاف العمل بالتمامیة إنّما هو بلحاظ ترتب الأثر و ذهب المحقق الأصفهانی (قدس سره) إلی الثانی» الخ.
2- نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ج1، ص95 و 96.

الإعادة و القضاء، أو من حیث تمامیة الأجزاء و الشرائط، أو من حیث ترتّب الثمرة؟

أمّا التمامیة من حیث موافقة الأمر، أو من حیث إسقاط الإعادة و القضاء، فلیستا محلاً للبحث، حیث إنّ الشیء لایتّصف بهذین العنوانین، إلّا بعد الأمر به و إتیانه، و لذا لایمکن أن یقع الصحیح بهذا المعنی، فی حیّز أمر الشارع بالصلاة الصحیحة.

أمّا التمامیة من حیث ترتّب الأثر، فلا إشکال فیه.

نعم إنّ الأثر خارج عن ذات المؤثّر و وجوده لکن اللفظ موضوع للفعل القائم به الأثر.

و کون حقیقة التمامیة، متعیّنة بلحاظ ترتّب الأثر، نظیر تعیّن الجنس بفصله، فلایقتضی دخول الأثر و ترتّبه فی حقیقة التمامیة، کما أنّ تعیّن الجنس و تحصّله بفصله، و مع ذلک حقیقة الجنس غیر حقیقة الفصل و مبدأ الجنس الطبیعی غیر مبدأ الفصل الطبیعی.

و المتحصّل أنّ مصداق الصحیح بمعنی التامّ من حیث ترتّب الأثر، هو ذات ما یترتّب علیه الأثر أی هذه الحصّة، لا بوصف الترتّب، حتی یقال: إنّه لم یوضع اللفظ لمصداق الصحیح بل لما یلازمه.

نعم لایعقل أخذ الصلاة بهذا المعنی موضوعاً فی قضیة (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَی عَنِ الْفَحْشَاءِ وَ الْمُنْکَرِ )،((1)) للزوم حمل الشیء علی نفسه و عروض الشیء لنفسه.

ص: 272


1- سورة العنکبوت(29):45.
إیرادان علی النظریة الثانیة:
الإیراد الأوّل: ملاحظتنا علی ما أفاده فی آخر کلامه

إنّ الصلاة التامّة من حیث ترتّب الأثر تقع موضوعاً فی قضیة (إنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَی عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْکَرِ )، ((1)) لما تقدّم فی کلامه من أنّ الأثر خارج عن ذات المؤثّر، فلا إشکال فی جعل الأثر محمولاً فی القضیة، و لایلزم حمل الشیء علی نفسه، فإنّ المحمول و إن کان الأثر و لکنّ الموضوع هو ذات المؤثّر بلا وصف ترتّب الأثر.

الإیراد الثانی: عن المحقق الخوئی (قدس سره)

((2))

إنّ المحقق الخوئی (قدس سره) یعتقد أنّ معنی الصّحة، هی التمامیة من حیث الأجزاء و الشرائط، و لذا لم یرتض بما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) و قال:

إنّه خلط بین تمامیة الشیء فی نفسه -أعنی بها تمامیته من حیث الأجزاء و الشرائط- و تمامیته بلحاظ مرحلة الامتثال و الإجزاء، فإنّه لا واقع لهذه التمامیة (فی نفسه) مع قطع النظر عن هذه الآثار و اللوازم.

أو وقع الخلط بین واقع التمامیة و عنوانها، فإنّ الصلاة لم توضع بإزاء ذلک العنوان (عنوان التمامیة) بل وضعت بإزاء واقعه و معنونه و هو الأجزاء و الشرائط، و من الظاهر أنّ حیثیة ترتب الآثار لیست من متممّات حقیقة تمامیة هذه الأجزاء و الشرائط.

ص: 273


1- سورة العنکبوت(29):45.
2- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص136 و ط.ج. ص154.
یلاحظ علی إیراد المحقق الخوئی (قدس سره):

إنّ نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) أیضاً تقتضی وضع الصلاة بإزاء واقع التمامیة و تؤکد علی أنّ الموضوع له، مصداق التمام و ذات ما یترتب علیه الأثر بدون وصف الترتب المذکور، فلایرد علیه ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) من أنّ حیثیة ترتب الأثر لیست من متممات حقیقة التمامیة.

و الوجه فی عدول المحقق الإصفهانی (قدس سره) عن التعبیر بالتمامیة من حیث الأجزاء و الشرائط، هو أنّه إذا نُهی عن الصلاة و بطلت للتزاحم مثلاً، فهی فاسدة، مع أنّها تامّة من حیث الأجزاء و الشرائط و علّة بطلانها هو وجود المانع و المزاحم، فالتمامیة من حیث الأجزاء و الشرائط، أخصّ من الصحّة المبحوث عنها فی هذا البحث و الصحیح بمعنی تام الأجزاء و الشرائط یشمل الصلاة الفاسدة للتزاحم (علی القول بفساد الصلاة).

هذا تمام الکلام فی المقدمتان.

ص: 274

البحث حول الصحیح والأعم

قال بعض الأعلام: إنّ هذه المسألة لم تکن معنونة فی کلمات القدماء من الأصولیین و إنما عنونها بعض المتأخرین.((1))

إنّ البحث یقع فی مقامین: المقام الأوّل أسماء العبادات و المقام الثانی أسماء المعاملات.

المقام الأوّل: فی أنّ أسماء العبادات وضعت للصحیحة أو للأعم؟

اشارة

قبل الورود فی البحث تنبغی الإشارة إلی أمران مهمان و تنبیه فی بیان الثمرة البحث:

و البحث فیها تارة ثبوتی و أخری إثباتی، فإنّ البحث الثبوتی فی إمکان الوضع للصحیحة أو للأعم. و البحث الإثباتی فی الأدلّة التی ذکروها لإثبات الوضع للصحیح أو الأعم.

ص: 275


1- فی وسیلة الوصول، ص77: «العاشر: فی أنّ ألفاظ العبادات موضوعة للصحیحة منها أو الأعم لایخفی أنّ هذه المسألة لم تکن معنونة فی کلمات القدماء و إنّما عنونها الوحید البهبهانی (قدس سره) و من تأخر عنه» الخ.
الأمر الأوّل: فی إمکان الوضع للصحیحة أو للأعم
الدلیل علی لزوم وجود الجامع:

((1))

قالوا: إنّ إمکان الوضع للصحیح یتوقف علی وجود الجامع بین أفراد الصحیحة و هکذا إمکان الوضع للأعم یتوقف علی وجود الجامع بین أفراد

ص: 276


1- فی نهایة الدرایة، ص61، عند التعلیقة علی قوله: «لابدّ علی کلا القولین من قدر جامع»: «وجه اللابدّیة أنّ الأعمی غرضه التمسک بالإطلاق و ینافیه الاشتراک اللفظی و الصحیحی یدعی الإجمال من حیث المفهوم لا من حیث المراد مضافاً إلی محاذیر أخر یأتی الإشارة إلیها». و فی المحاضرات، ط.ق. ج1، ص139 و ط.ج. ص158: «الجهة الرابعة: إنّه لابدّ علی کلا القولین من تصویر جامع وحدانی یشترک فیه جمیع الأفراد أمّا بناء علی أن یکون الموضوع له لأسماء العبادات و المعاملات عاماً کوضعها کما هو الصحیح فالأمر واضح فإنّ لفظ الصلاة و نحوه من أسماء الأجناس و قد تقدّم أنّ الموضوع له فیها عام غایة الأمر أنّ ذلک الجامع علی أحد القولین حصة خاصة و علی القول الآخر طبیعة مطلقة و هذا لایوجب التفاوت فی المقام و أمّا بناء علی أن یکون الموضوع له فیها خاصاً فالأمر أیضاً کذلک ضرورة أنّ تصور جمیع الأفراد تفصیلاً غیر معقول لعدم تناهیها فلابدّ حینئذٍ من تصوّرها بجامع یکون ذلک الجامع معرفاً لها إجمالاً و بوجه حتی یمکن وضع اللفظ بإزائها». و فی نهایة النهایة، ص34، عند التعلیقة علی قوله: «لابدّ علی کلا القولین من قدر جامع»: «و ذلک لوضوح فساد القول بالاشتراک اللفظی و احتیاج کل من القول بالاشتراک المعنوی و القول بالوضع العام و الموضوع له الخاص إلی الجامع ففی أحدهما الجامع بنفسه هو الموضوع له و فی الآخر آلة للحاظ الموضوع له» و نظیره ما جاء فی وسیلة الوصول، ص85 . و فی حاشیة علی کفایة الأصول، ص74، عند التعلیقة علیه: «لوضوح أنّ کل من تکون هذه الألفاظ متداولة فی لسانه إنّما یستعملها فی الموارد المختلفة بمعنی واحد و یحملها علی الأفراد المختلفة بحیث یری المحمول علی هذا عین المحمول علی ذاک و یری الحمل حقیقیاً شائعاً صناعیاً لا کحمل اللفظ علی المعنی فلا مجال لاحتمال الاشتراک و لا وضع العام للموضوع له الخاص مع أنّ الثانی مبنی علی وجود الجامع». و راجع أیضاً حقائق الأصول، ص56 و مناهج الوصول، ص148و عنایة الأصول، ص64.

الأعم من الصحیحة و الفاسدة، فلابدّ من وجود الجامع الذی هو الموضوع له. أو هو المعنی المتصور حین الوضع للأفراد الصحیحة أو الأعم.

و من جانب آخر قد یکون الموضوع له غیر قابل للتصور إمّا لإبهامه عندنا و إن کان معلوماً مبیناً عند صاحب الشریعة و إمّا لکثرة أفراد الموضوع له فی ما إذا قلنا بأنّ الوضع عام و الموضوع له خاص، فلکثرتها لانتمکن من تصویرها إلّا بالجامع و هذا الجامع هو المعنی المتصور حین الوضع أو هو عنوان للموضوع له و لو بعد تحقق الوضع.

و بهذا البیان ظهر بطلان قول من ادعی عدم لزوم الجامع.

استدلال علی عدم لزوم الجامع:
اشارة

إنّ بعض الأعلام استدلّ علی عدم لزوم الجامع بأنّ وضع هذه الألفاظ من قبیل الوضع العام و الموضوع له الخاص، فلانحتاج إلی تصویر الجامع، لأنّ الموضوع له خاص.

استشکل علیه المحقق الخوئی (قدس سره):

((1))

أوّلاً: إنّا نری وجداناً أنّ الموضوع له لتلک الألفاظ المعانی الکلیة و ذلک یستفاد من مناسبة المحمول و الموضوع فی مثل «الصلاة معراج المؤمن» فإنّ موضوع هذا الحکم و محموله أمر کلی.

ثانیاً: إنّا نحتاج إلی الجامع حیث إنّ الوضع عام علی مبنی هذا القائل و معنی عمومیة الوضع هو أنّ المعنی المتصوّر حین الوضع عام، فلابدّ من جامع حتی

ص: 277


1- فی الدراسات، ص70.

یتصوره الواضع حین الوضع.((1))

بیان المحقق النائینی (قدس سره) لعدم لزوم الجامع:

((2))

إنّ الموضوع له فی الصلاة هو المرتبة العلیا الواجدة لجمیع الأجزاء و الشرائط

ص: 278


1- فی زبدة الأصول، ص79: « للمحقق النائینی (قدس سره) فی المقام کلام و هو أنّه لابدّ من تصویر الجامع و إن کان الموضوع له خاصاَ إذ لابدّ من قدر جامع به یشار إلی الموضوع له و فیه ما مرّ منا فی مبحث الوضع انّه إذا لاحظ الواضع القدر المشترک بین الأفراد لایصحّ وضع اللفظ للأفراد إذ الجامع لایکون مرآة للخصوصیات و حاکیاً عن الأفراد بل لابدّ فی الوضع للأفراد من لحاظها تفصیلاً أو لحاظ عنوان منتزع عن الخصوصیات و علیه فبناء علی کون الموضوع له خاصاً القدر المشترک لایکون لازماً» و فی منتقی الأصول، ص211، ینقل کلام المحقق النائینی (قدس سره) من أنّه لابدّ من تصویر الجامع و لو التزم بأنّ الموضوع له خاص و یشیر إلی استدلاله (قدس سره) بهذه العبارة: «لأنّ الوضع لها [أی الأفراد الخاصة الجزئیة] یستدعی لحاظها و تصورها بأجمعها و لایمکن ذلک لعدم تناهیها أو حصرها و علیه فلابدّ من فرض جامع لها مشیر إلیها یکون واسطة فی الوضع للأفراد و یکون الحکم الوضعی علی الأفراد بواسطة ذلک الجامع» ثمّ یقول: «و أنت خبیر بأنّ هذا ... و إن کان فی نفسه تاماً» الخ.
2- فی أجود التقریرات، ص 35 و 36: «الکلام تارة یقع فی العبادات و أخری فی المعاملات أمّا الأولی فتصویر الجامع فیها فی غایة الإشکال علی الصحیح فضلاً عن الأعم فإنّ مراتب الصحة مراتب متعددة کالصلاة مثلاً فإنّ أقل مراتبها صلاة الغرقی و أعلی مراتبها صلاة الحاضر المختار و بینهما وسائط کثیرة فتصویر جامع حقیقی یکون متعلق الأمر و یجمع تمام تلک المراتب صعب جداً و أما علی الأعم فأشکل» الخ. و فی جواهر الأصول، ص281: «رجح شیخنا الأعظم الأنصاری (قدس سره) علی ما فی تقریرات بحثه أنّ الصلاة - مثلاً- موضوعة لقسم من الصلاة و هو الذی یأتی به القادر المختار العالم العامد و إطلاق الصلاة علی غیره کان مجازاً عند الشارع و لکن المتشرعة توسعوا فی تسمیتهم إیّاه صلاة فصار حقیقة عندهم لحصول ما هو المقصود من المرکب التام من غیره ... و قریب من مقالته ما فی تقریرات المحقق النائینی (قدس سره) ... بعد ما أحطت خبراً بما حکیناه عن العلمین علمت أنّ ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره) لیس هو عین ما أفاده شیخنا الأعظم (قدس سره) بل قریب منه ... فما قاله العلّامة الکاظمی (قدس سره) من أنّ ما أفاده أستاذه المحقق النائینی (قدس سره) موافق لما أفاده الشیخ فی تقریراته کأنّه غیر مستقیم و لعلّه اشتباه من المقرر» الخ.

ثم استعملت فی المراتب النازلة من باب الادعاء و التنزیل (تنزیل الفاقد منزلة الواجد) أو من باب الاشتراک فی الأثر و اکتفاء الشارع به فی مقام الامتثال کصلاة الغرقی.

والصحیحی و الأعمی یفترقان عند استعمال الصلاة فی غیر المرتبة العلیا، و الصحیحی یدعی صحة الاستعمال فی خصوص مرتبة الصحیحة من بین بقیة المراتب، و الأعمی یدّعی صحته علی الإطلاق، فإذا کان الموضوع له المرتبة العلیا عند الصحیحی و الأعمی، فلانحتاج إلی الجامع حتی یکون هو الموضوع له أو هو المعنی المتصور حین الوضع (هذه خلاصة مختاره).

مناقشة المحقق الخوئی (قدس سره) علیه

(1)

إنّ إطلاق ألفاظ العبادات علی جمیع مراتبها الدانیة و العالیة بعرضهما

ص: 279


1- . المحاضرات، ط.ق. ج1، ص141 و ط.ج. ص160. و فی منتقی الأصول، ص214: «و الذی یؤاخذ به هذا المسلک و یرد علیه بوضوح أنّ أفراد المرتبة العلیا کثیرة و لیست متعینة و منحصرة فی خصوص القصر و الإتمام کما نبّه علیه (قدس سره) فإنّ صلاة الصبح و الظهر و المغرب و الصلاة الیومیة و صلاة الآیات و صلاة العیدین کلّها فی عرض واحد بالقیاس إلی المرتبة العلیا فإنّ الأمر بکل منها فی عرض الأمر بالأخری و لیس تنزلی کصلاة الغریق بالنسبة إلی صلاة غیره و علیه فلابدّ لنا من فرض جامع لهذه الأفراد یکون اللفظ موضوعاً بإزائه و لایکون ما افاده (قدس سره) موجباً للتخلص من مرحلة تصویر الجامع و کون وصول النوبة إلی تصویره بعد التنزل عنه و من العجیب منه أنّه (قدس سره) غفل عن ذلک و انتبه إلی ورود الاستشکال فی خصوص القصر و الإتمام و حلّه بأنّ تصویر الجامع بینهما سهل و ممکن کما تقدّم و علی کل فالالتزام بما افاده (قدس سره) لایغنی عن لزوم تصویر الجامع بین الأفراد الصحیحة أو الأعم منها و من الفاسدة» و فی منتهی الأصول، ص54: «ما ذهب إلیه شیخنا الأستاذ – و نسب المیل إلیه أیضاً إلی الشیخ الأعظم الأنصاری (قدس سرهما) - لایخلو عن إشکال لأنّ لازم هذا الکلام أن یکون إطلاق الصلاة مثلا علی سائر أفراد الصلاة الصحیحة بالعنایة و التنزیل و یکون سلب الصلاتیة عنها صحیحاً مع أنّها صلوات صحیحة و هذا ممّا یقطع بخلافه».

العریض علی نسق واحد من دون لحاظ عنایة فی شیء منها.((1))

الجامع عند الصحیحی و الأعمی

قال صاحب الکفایة (قدس سره) بوجود الجامع بین الأفراد الصحیحة و عدم وجوده علی القول بالأعم و فی قباله المحقق الخوئی (قدس سره) قال((2)) بوجود الجامع علی القول بالأعم و عدم وجوده بین الأفراد الصحیحة بل استحالته و لذا قال: لانحتاج فی مقام الإثبات إلی الدلیل، أمّا المحقق الإصفهانی (قدس سره) و المحقق العراقی (قدس سره) قالا بوجود الجامع علی کلا القولین.((3))

ص: 280


1- فی تحریرات فی الأصول، ج1، ص209: «یمکن الجواب عنه بأنّ الأمر فعلاً کذلک إلّا أنّ هذه الطبیعة ما کانت تطلق علیها هذه اللفظة علی نسق واحد فی بدو الأمر بالضرورة، بل القرائن الخاصة کانت تصحح ذلک و الذی هو الحجر الأساس أنّّ هذه اللفظة لیست موضوعة بالوضع التعیینی لتلک الطبیعة فی الشرع الأنور قطعاً و مقتضی ما مرّ منّا أنّ هذه الطبیعة کانت قبل الإسلام متداولة و کان یطلق علیها تلک اللفظة فهذه اللفظة و سائر الألفاظ الموضوعة لسائر الطبائع علی نهج واحد و نسق فارد فکما أنّ لفظة البقرة و الحمار و لفظة الشجرة و الجدار و لفظة المأذنة و المنارة تطلق علی جمیع المصادیق المختلفة، من غیر تکلف الادعاء و التنزیل و تجشم المجاز و التأویل و لایخطر ببال أحد کون هذه الألفاظ موضوعة للمرتبة العلیا و الطبیعة الواجدة لجمیع الشرائط و الأجزاء کذلک الأمر هنا».
2- ففی المحاضرات، ط.ق. ج1، ص155 و ط.ج. ص176: «قد تلخص من جمیع ما ذکرناه أنّ الجامع بین الأفراد الصحیحة إمّا أنّه غیر معقول أو هو معقول و لکنّ اللفظ لم یوضع بإزائه». و راجع أیضاً أصول الفقه، ص88 و تحریرات فی الأصول، ص216.
3- و فی مقالات الأصول، ص150و راجع أیضاً نهایة الأفکار، ص85 و 86 و وسیلة الوصول، ص93 و نهایة الدرایة، ص73 و نهایة النهایة، ص36 و حقائق الأصول، ص61 و حاشیة الکفایة للعلّامة (قدس سره)، ص44 و غیرها من الکتب.
ما الجامع عند الصحیحی؟
اشارة

قلنا إنّ المحقق النائینی (قدس سره) لا یعتقد بوجود الجامع،((1)) أمّا علی القول بوجوده فهنا ثلاث نظریات:

النظریة الأولی: من المحقق الخراسانی (قدس سره)
اشارة

((2))

و ظاهر کلامه وجود الجامع الذاتی بین الأفراد الصحیحة، لأنّ اشتراکها فی الأثر یکشف عن الاشتراک فی جامع واحد، یؤثّر الکل فیه بذاک الجامع، فإنّ الأشیاء المتباینة بما هی متباینة، لاتؤثّر أثراً واحداً، فلابدّ من جهة وحدة ذاتیة بین مراتب الصحیحة المؤثّرة فی الانتهاء عن الفحشاء و نتصوّر هذا الموضوع له بآثاره مثل کونها ناهیة عن الفحشاء و المنکر و معراج المؤمن.

و قال فی دفع إشکال مطارح الأنظار: «الجامع إنّما هو مفهوم واحد، منتزع عن هذه المرکبات المختلفة زیادة و نقیصة بحسب اختلاف الحالات، متحد معها نحو اتحاد».

ص: 281


1- فوائد الأصول، ص73؛ أجود التقریرات، ص36.
2- فی الکفایة، ص24: «لا إشکال فی وجوده [أی القدر الجامع] بین الأفراد الصحیحة و إمکان الإشارة إلیه بخواصه و آثاره فإنّ الاشتراک فی الأثر کاشف عن الاشتراک فی جامع واحد یؤثر الکل فیه بذاک الجامع فیصحّ تصویر المسمی بلفظ الصلاة مثلاً بالناهیة عن الفحشاء و ما هو معراج المؤمن و نحوهما». و فی منتهی الدرایة، ص115، بعد ذکر قوله: «فی غایة الإشکال»: «بل غیر معقول» و راجع أیضاً منتهی الأصول، ص66.
إیرادان علی هذه النظریة:
اشارة

((1))

الإیراد الأول: عن المحقق البروجردی (قدس سره)
اشارة

(2)

إنّ السیّد المحقق البروجردی (قدس سره) فسّر کلام صاحب الکفایة (قدس سره) بأنّ الموضوع

ص: 282


1- و فی منتقی الأصول، ص219، بعد ذکر إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) بوجوه أربعة: «و قد أضاف المحقق النائینی (قدس سره) إیرادا خامساً یتلخص فی أنّ الغرض إنّما هو تصویر جامع للأفراد الصحیحة یدرکه العرف و یتوصل إلیه لفرض کونه هو المسمی و المأمور به و لابدّ من أن یفرض المسمی و المأمور به أمراً عرفیاً وجدانیاً یتوصل إلیه الذهن العرفی لا أن یکون طریق إثباته قاعدة فلسفیة لایعرفها العامة و لاتدرکها أذهان العرف لأوّل وهلة فلایجدی تصویر الجامع بالطریق المزبور بل لابدّ من تصویره بنحو عرفی قریب إلی الذهن و الذی یتحصل من مجموع ما ذکر عدم وجاهة ما ذکره صاحب الکفایة و عدم تمامیته». و فی جواهر الأصول، ج1، ص288: «أورد المحقق النائینی (قدس سره) علی تصویر المحقق الخراسانی (قدس سره) للجامع أربع إشکالات و لکنّها لاتخلو عن المناقشة: الإشکال الأوّل أنّ ما أفاده إنّما یتمّ إذا أحرز من وحدة الأثر علی کل من الصلاة الجامعة لجمیع الأجزاء و الشرائط و الفاقدة لبعضها و لا طریق لنا إلی إثبات وحدة الأثر فمن الممکن جدا أن یکون الأثر المترتب علی الصلاة الواجدة لجمیع الأجزاء و الشرائط غیر الأثر المترتب علی الصلاة الفاقدة لبعضها ... الإشکال الثانی أنّ الاشتراک فی الأثر لایقتضی وحدة المؤثر هویة و حقیقة و لا دلیل علی ذلک بل الوجدان یقتضی خلافه بداهة اشتراک الشمس مع النار فی الحرارة و مع ذلک مختلفان بالهویة ... الإشکال الثالث أنّ الأثر إنّما یکون مترتباً علی الصلاة المأتی بها فی الخارج و هو بعد الأمر بها و الأمر بها إنّما یکون بعد التسمیة فلایمکن أن یکون الأثر المتأخر عن المسمی بمراتب معرفاً و کاشفاً عنه... الإشکال الرابع: لو أخذ الأثر قیداً للمسمی لزمه القول بالاشتغال فی الشک بین الأقل و الأکثر الارتباطیین» و ناقش فی الإشکالات الثلاثة الأوّل و ناقش فی نظریة المحقق الخراسانی (قدس سره) ثلاث مناقشات فراجع. و فی بحوث فی علم الأصول، ج1، ص195: «و قد اعترض علی هذا الوجه فی کلمات جملة من الأعلام من وجوه» ثمّ یعدّ وجوهاً أربعة. و فی تحریرات فی الأصول، ص211: «و ما أفاده لایخلو من قصور لأنّ اللازم إثبات کون جمیع الأفراد مشترکة فی الحیثیة التی هی المسماة بالصلاة». و فی المحاضرات ط.ق. ج1، ص144-150 ط.ج. ص164 – 169 ذکر ستة وجوه فی مناقشته و ذکر فی منتهی الأصول، ص 54 و 55 إیرادات ثلاثة.
2- . فی نهایة الأصول، ص41: «و أمّا ما فی الکفایة من تصویر المسمی بلفظ الصلاة مثلا بالناهیة عن الفحشاء و ما هو معراج المؤمن و نحوهما فیرد علیه أنّ المتبادر من لفظ الصلاة لیس هذا السنخ من المعانی و الآثار کیف و لو کان لفظ الصلاة موضوعاً لعنوان الناهی عن الفحشاء مثلاً لصار قوله تعالی: (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَی عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْکَرِ) (العنکبوت:45) بمنزلة أن یقول: "الذی ینهی عن الفحشاء و المنکر ینهی عن الفحشاء و المنکر" و هذا واضح الفساد».

له عنده هو الناهیة عن الفحشاء و معراج المؤمن، ثم استشکل علیه باختلاف الصلاة مع هذه العناوین مفهوماً.

الجواب عن الإیراد الأوّل:

مراد صاحب الکفایة (قدس سره) ما قرّرناه من أنّ الموضوع له هو الجامع و نتصوّره بآثاره، و هذه العناوین من آثار الموضوع له، فلایرد علیه الإشکال باختلاف مفهوم الصلاة و مفهوم هذه العناوین.

الإیراد الثانی: عن المحقق الإصفهانی (قدس سره)

(1)

إنّ الصلاة مؤلّفة وجداناً من مقولات متباینة کمقولة الکیف و الوضع و

ص: 283


1- . نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ج1، ص99 و بحوث فی الأصول، ص33 و فی منتقی الأصول، ج1، ص217: «وقد أورد علیه المحقق الأصفهانی (قدس سره) بوجوه» الأوّل منها هو المذکور هنا «الثانی أنّ فرض الجامع البسیط المقولی المتحد مع الأفراد خارجاًً یلزم منه فرض اتحاد البسیط مع المرکب و کون المرکب وجوداً للبسیط و هو ممتنع ... الثالث الذی یرجع إلی المطالبة بالوجه الإثباتی و الدلیل علی ثبوت مثل هذا الجامع إذ معقولیته لاتعنی تحققه و ثبوته و الإشکال فی ما ذکره لإثباته من وحدة الأثر المترتب علی الأفراد الکاشف عن وحدة المؤثر و أنّه جهة جامعة حقیقیة بین الأفراد بأنّ ما یکشف عن وحدة المؤثر حقیقة إنّما هو وحدة الأثر ذاتاً و حقیقة إمّا شخصاً أو نوعاً و إمّا وحدة الأثر بالعنوان و تعدده حقیقة فلایکشف إلّا عن وحدة المؤثر بالعنوان لا وحدته بالحقیقة... الرابع: انّ کل ما یفرض جامعاً للصحیح یمکن فرضه جامعاً للأعم و ذلک لأنّ الجامع المفروض یفرض اتحاده مع ذات الأجزاء و الشرائط بلا لحاظ جهة اضافتها إلی الفاعل و صدورها من المکلف لأنّ هذه الجهة اعتباریة و لایعقل دخل الاعتباریة فی فرض الجامع المقولی إذ یمتنع تأثیر الأمر الاعتباری فی أمر حقیقی واقعی» الخ.

نحوهما و لاتندرج تحت مقولة واحدة، لأنّ المقولات أجناس عالیة، فلا جنس لها و لایمکن أن یکون المرکب مقولة برأسها.

النظریة الثانیة: من المحقق العراقی (قدس سره)
اشارة

((1))

إنّ الجامع بین الأفراد هو مرتبة من الوجود بنحو الوجود الساری مع إلغاء الخصوصیات، فإنّ لکل ماهیة من الماهیات الموجودة وجوداً خاصاً، فإذا ألغیت خصوصیة موجودٍ و خصوصیة موجودٍ آخر، تحقق وجود جامع بینهما سارٍ فیهما فی قبال الموجودات الأخر.

یلاحظ علیها:

(2)

أوّلاً: إنّ الموضوع له علی مختاره فی حقیقة الوضع هو طبیعی المعنی و

ص: 284


1- فی نهایة الأفکار، ص81: «طریق کشف الجامع إنّما هو أحد الأمرین علی سبیل منع الخلو الأوّل استکشافه من جهة ما ذکرنا من صدق مفهوم الصلاة علی الصلوات المختلفة بحسب الکمیة و الکیفیة و انسباق وحدة المفهوم منها الحاکیة عن اتحاد الحقیقة ... و حینئذٍ نقول بأنّه بعد عدم جامع صوری محفوظ فی البین بین تلک الأفراد و عدم جامع مقولی ذاتی أیضاً ... فلابدّ فی تصویره من أن یجعل الجامع المزبور عبارة عن الجامع الوجودی و ذلک إنّما هو بأن یؤخذ من کل مقولة من تلک المقولات المتعددة جهة وجودها بإلغاء الحدودات الخاصة المقومة لخصوصیات المقولات مع تحدید الوجود المزبور أیضاً بأن لایخرج عن دائرة أفعال الصلاة و أجزائها علی اختلافها حسب اختلاف حالات المکلفین ثمّ جعله أیضاً من التشکیکیات الصادقة علی الزائد و الناقص و علی القلیل و الکثیر» الخ. و فی تحریرات فی الأصول، ص215: «الوجه الثالث: ما أفاده العلّامة الأراکی (قدس سره) و لعلّ ما تخیّله متخذ ممّا قیل: إنّ حقیقة الوجود فی الخارج ساریة فی جمیع الماهیات و المقولات نازلة من الأعلی إلی الأدنی من غیر لزوم الکثرة الخارجیة الواقعیة و تکون المقولات و المظاهر مراتب تلک الحقیقة و تعیناتها و شؤونها و أطوارها».
2- . فی جواهر الأصول، ص297: «ظاهر کلمات هذا المحقق (قدس سره) مضطربة فیتراءی من بعضها أنّه یرید تصویر أنّ الحصة الساریة فی الخارج عبارة عن الصلاة و یظهر من بعضها الآخر – و لعلّه الأظهر- أنّه یرید تصویر أنّ حقیقة الصلاة - بالحمل الشائع- هو الوجود الساری فی المقولات و أنّ مفهوم الصلاة هو مفهوم الحصة الکذائیة فإن أراد أنّ الصلاة عبارة عن الوجود الساری فی المقولات المتباینة فیرد علیه أوّلاً: أنّ قوله: إنّ المرتبة الخاصة من الوجود ساریة فی وجود تلک المقولات لابدّ و أن یکون غیر وجود کل مقولة ... فعلی هذا یلزم أن یکون لکل من المقولات وجودان: 1) وجود یخص کل مقولة. 2) و وجود آخر یسری فیها ... و ثانیاً: لو کانت الصلاة عبارة عن الوجود الساری الموجود فی الخارج لزم أن تکون أوامر الشارع متعلقة بغیر عنوان الصلاة ... و ثالثاً: لو کانت الصلاة هی الوجود الساری فی المقولات لزم أن تکون الصلاة نفس الوجود الکذائی لا التکبیر و القراءة و الرکوع و السجود و غیر ذلک من الأفعال و هو خلاف ضرورة الفقه و رابعاً: لو کانت الصلاة وجوداً واحداً ساریاً فی المقولات لزم أن یکون الجامع وجوداً شخصیاً ... فلایمکن أن یکون الوجود الخارجی - المساوق للتشخص- قابلاً للصدق علی الکثیرین و الجامع الصدقی ینحصر فی الذاتی و العنوانی و خامساً: لو کان الجامع وجوداً ساریاً و جامعاً بین جمیع أفراد الصلاة لزم أن لاتصدق الصلاة علی ما أتی به کل فرد من أفراد المصلین و لازمه کون جمیع الصلوات صلاة واحدة و هو خلاف الضرورة من الدین هذا کلّه لو أراد بالوجود الساری الوجود الخارجی و أمّا إن أراد مفهوم الوجود الساری فیرد علیه أنّه لایخلو إمّا أن یکون جامعاً ذاتیاً أو عنوانیاً و لیس هناک شیئاً ثالثاً غیرهما». و راجع أیضاً منتهی الأصول، ص58 و بحوث فی علم الأصول، ص197و تحریرات فی الأصول، ص216.

الوجود السعی خارج عن الموضوع له، فهذه النظریة لاتناسب مختاره.

ثانیاً: الغرض من الوضع هو الانتقال (أی انتقال المفاهیم للتفهیم و التفهّم) و هو نحو وجود إدراکی، فإن کان الموضوع له الوجود الذهنی فلایمکن أن یوجد فی الذهن ثانیاً، لأنّ المماثل لایقبل المماثل، و إن کان الموضوع له الوجود الخارجی أیضاً، لایوجد بالوجود الإدراکی، لأنّ المقابل (و هو الوجود الذهنی الإدراکی) لایقبل المقابل (أی الوجود الخارجی).((1))

ثالثاً: إنّ الوجود متشخّص بنفسه، فلایمکن إلغاء الخصوصیات عنه حتی یکون نحو وجود سارٍ.

ص: 285


1- راجع بحوث فی الأصول، ص23.
النظریة الثالثة: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره)
اشارة

((1))

إنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) أشار إلی ستة أقسام من الجامع فإنّ الجامع للصحیحی إمّا جامع ذاتی أو جامع عنوانی بسیط أو جامع عنوانی مرکب أو جامع اعتباری أو جامع ترکیبی تشکیکی أو جامع ترکیبی غیر تشکیکی.

و القسم الأخیر هو مختار المحقق الإصفهانی (قدس سره) .

1) أمّا الجامع الذاتی
[إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) علیه:]

فقد مضی الإشکال علیه حیث إنّ الصلاة مؤلّفة من مقولات متباینة کمقولة الکیف النفسانی و المسموع و الوضع و لاتندرج تحت مقولة واحدة لأنّ المقولات أجناس عالیات فلا جنس لها و إذا لم یکن جامع ذاتی مقولی لمرتبة واحدة من الصلاة فعدم الجامع للمراتب المختلفة کمّاً و کیفاً بطریق أولی.

ص: 286


1- بحوث فی الأصول، ص33؛ و هی مختار منتقی الأصول، حیث قال فی ص223، بعد بیان هذه النظریة: «و هو بظاهره لا إشکال فیه و لا محذور فی الالتزام به». و فی المحاضرات، ط.ق. ج1، ص153 و ط.ج. ص174: «یتلخص نتیجة ما أفاده (قدس سره) فی ضمن أمور: الأوّل: أنّ الماهیة و الوجود متعاکسان من جهة السعة و الإطلاق فالوجود کلّما کان أشد و أقوی کان الإطلاق و الشمول فیه أوفر و الماهیة کلّما کان الضعف و الإبهام فیها أکثر کان الإطلاق و الشمول فیها أعظم و أوفر. الثانی: أنّ الجامع بین الماهیات الاعتباریة کالصلاة و نحوها سنخ أمر مبهم فی غایة الإبهام فإنّه جامع لجمیع شتاتها و متفرقاتها و صادق علی القلیل و الکثیر و الزائد و الناقص مثلاً: الجامع بین أفراد الصلاة سنخ عمل مبهم من جمیع الجهات إلّا من حیث النهی عن الفحشاء و المنکر أو من حیث فریضة الوقت. الثالث: أنّ الماهیات الاعتباریة نظیر الماهیات المتأصلة التشکیکیة من جهة إبهامها ذاتاً بل إنّ ثبوت الإبهام فی الاعتباریات أولی من ثبوته فی المتأصلات. الرابع: أنّ القول بالصحیح و الأعم فی تصویر الجامع المزبور علی حد سواء».

أمّا تأثیر الصلاة بمراتبها المختلفة کمّاً و کیفاً فی الانتهاء عن الفحشاء، فلایکشف عن وحدة حقیقیة ذاتیة لأنّ النهی عن الفحشاء واحد بالعنوان و الواحد بالعنوان لایکشف إلّا عن واحد بالعنوان.

2) أمّا الجامع العنوانی [المرکب]:
اشارة

کعنوان الناهی عن الفحشاء و ما یشبهه ممّا لایتوقف علی الأمر بالصلاة،

[إیرادان من المحقق الإصفهانی (قدس سره) علیه:]

فلازمه أوّلاً: مرادفة لفظ الصلاة مع مفهوم الناهی عن الفحشاء.

و ثانیاً: عدم جریان البراءة إذا تعلّق الأمر بالمسمّی حیث إنّ هذا العنوان (الناهی عن الفحشاء و ما یشبهه) مبین فلاینحلّ إلی المعلوم و المشکوک حتی تجری البراءة مع أنّ الصحیحی یقول بالبراءة کالأعمی.

یلاحظ علیه:

أولاً: إنّ الجامع لیس هو موضوع له حتی یلزم مرادفه بین لفظ الصلاة مع مفهوم ناهی عن الفحشاء.

و ثانیاً: إنّ البرائة تجری هنا أیضاً، لأنّ العنوان و إن کان مبیناً لکن قد یکون تطبیقه علی الأفراد مشکوکاً فتجری البرائة من جهة الشک فی تطبیقه.

3) أمّا الجامع العنوانی البسیط:
اشارة

مثل عنوان المطلوب و نحوه (مثل المقرّب و المحصّل لغرض الشارع).

ص: 287

[إیرادان من المحقق الإصفهانی (قدس سره) علیه:]

أوّلاً: یلزم اتحاد معنی الصلاة و معنی المطلوب.

یلاحظ علیه: قد تقدم أنّ الجامع العنوانی لیس هو الموضوع له حتی یلزم إتحاد معنی الصلاة و معنی المطلوب.

ثانیاً: إنّ الأمر بالصلاة علی هذا هو الأمر بالمطلوب، ولکن فیه أنّ الأمر بالمطلوب بالحمل الأوّلی لا معنی له و الأمر بالمطلوب بالحمل الشائع فیه أنّه إن أرید المطلوب بنفس الطلب المتعلق به لزم الدور علی المشهور و الخلف علی التحقیق لعدم تعدد الوجود فی الطلب و المطلوب الذی هو متعلق الطلب.

و إن أرید المطلوب بطلب آخر فلا خلف کما لا دور و إنّما هو تحصیل للحاصل لأنّ البعث بعد البعث الجدی تحصیل لما حصل بالبعث السابق، حیث إنّ البعث لجعل الداعی و قد حصل من قبل.

4) أمّا الجامع الاعتباری
اشارة

و هو ملاحظة المراتب الواحدة، باعتبار تعلّق غرضٍ واحدٍ بها، و جهة الوحدة الاعتباریة کافیة فی مثل الصلاة التی هی من المرکبات الاعتباریة

[إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) علیه:]

أنّ کل مرتبة من مراتب الصلاة [کالصلاة الثنائیة مثل الصبح و الثلاثیة مثل المغرب و الرباعیة مثل الظهرین و العشائین] لها جهة الوحدة الاعتباریة بوحدة الغرض و لمجموعها من حیث انتزاع الجامع عن جهة الوحدة جهة وحدة اعتباریة أیضا، کما أنّ لأجزاء المرتبة الواحدة أیضاً جهة وحدة الغرض.

ص: 288

فلو قلنا بوضع اللفظ لمجموع الآحاد بالاعتبار فیکون المجموع أیضاً واحداً بالاعتبار فیلزم مقومیة المراتب للمسمّی لا مصداقیتها للمسمّی[یعنی إنّ المراتب تکون أجزاءً للمعنی الموضوع له لا أفراد له].

یلاحظ علیه:

یمکن أن یکون الجامع الإعتباری ما یوجب تحقق الغرض، فیشمل المجموع کما یشمل المراتب بأجزائها.

5) أمّا الجامع الترکیبی التشکیکی
[إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) علیه:]

فلایعقل لأنّ التشکیک یتصور فی صدق الطبیعة علی أفرادها بالشدة و الضعف فلو کانت کل مرتبة من الصلاة (مثل الثنائیة و الثلاثیة و الرباعیة) فرداً من مقولة واحدة یمکن فرض التشکیک و لکن کل مرتبة من الصلاة أفراد مختلفة من مقولات مختلفة فلایمکن تصویر التشکیک فیها.

(نعم الکم المنفصل حقیقة تشکیکیة مثلاً عدد العشرین و الثلاثین المراتب التشکیکیة للعدد، فإنّا بعد تجرید عشرین دیناراً و عشرین حجراً و عشرین کذا و کذا عن الخصوصیات الفردیة و أیضاً تجرید ثلاثین دیناراً و هکذا عن الخصوصیات الفردیة نجد عدد العشرین و الثلاثین مراتب تشکیکیة للکم المنفصل فإنّ ما به الاشتراک و ما به الامتیاز فیهما هو العدد و هذا هو التشکیک لکنه مختصّ بالکم المنفصل و الصلاة لیست کماً منفصلاً).

ص: 289

6) أمّا الجامع الترکیبی المختار لمراتب صلاة:

((1))

فإنّ المجموع من أوّل الأمر هو رکعتان من الصلاة کما یستفاد من الأخبار فلاینافی خروج طبیعة التسبیحة من الصلاة أو جعلها بدلاً عن القراءة.

إنّ الماهیة المؤلّفة من عدّة أمور بحیث تُزاد و تنقص، تلاحظ فی مقام الوضع علی نحو مبهم فی غایة الإبهام بمعرفّیة بعض العناوین غیرِ المنفکّة عنها.

فکما أنّ الخمر مثلاً مائع مبهم من حیث اتخاذه من العنب و التمر و غیرهما و من حیث اللون و الطعم و الریح و من حیث مرتبة الإسکارو لذا لایمکن وصفه إلّا ﺑ«مائع خاصّ بمعرفیّة المسکریة» من دون لحاظ الخصوصیة تفصیلاً بحیث إذا أراد المتصوِّر تصوُّره، لم یوجد فی ذهنه إلّا مصداق مائع مبهم من جمیع الجهات إلّا حیثیة المائعیة بمعرِّفیة المُسکریة- کذلک لفظ الصلاة مع هذا الاختلاف الشدید بین مراتبها کمّاً و کیفاً لابدّ من أن یوضع لسنخ عمل، معرّفه النهی عن الفحشاء أو غیره من المعرّفات، بل العرف لاینتقلون من سماع لفظ الصلاة إلّا إلی سنخ عمل خاص مبهم إلّا من حیث کونه مطلوباً فی الأوقات الخاصة و لا دخل لما ذکرناه بالنکرة حیث لم یؤخذ فی ما ذکرنا خصوصیة البدلیة المأخوذة فی النکرة و بالجملة الإبهام غیر التردید و ما ذکرنا لیس بجامع ذاتی مقولی و لا بجامع عنوانی.

و قال فی موضع آخر:((2)) إنّ کیفیة الوضع فی الصلاة علی حدّ وضع سائر ألفاظ المرکبات کالمعاجین، فکما أنّ مسهل الصفراء مثلاً لو کان موضوعاً لعدّة أجزاء فلایتفاوت المسمی بالزیادة و النقصان فی تلک الأجزاء کمّاً، فتراهم یقولون: إنّ

ص: 290


1- نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ص101 و106؛ بحوث فی الأصول، ص35.
2- نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ج1، ص106.

مسهل الصفراء کذا و کذا إلی آخر طبائع الأجزاء من غیر تعیین المقدار و إن کان المؤثر الفعلی فی حق کل أحد غیر ما هو المؤثر فی حقّ الآخر و مع ذلک فلا تفاوت فی نفس طبائع الأجزاء، کذلک الصلاة موضوعة لطبیعة التکبیر و القراءة و الرکوع و السجود و غیرها الملحوظة بلحاظ وحدانی غایة الأمر أنّ المطلوب من هذه الطبیعة المرکبة تارةً رکعة و أخری رکعتان و هکذا، کما أنّ المطلوب من طبیعة الرکوع رکوع واحد و من طبیعة السجود سجودان فجیمع مراتب صلاة المختار حتی صلاة المسافر مندرجة فی ذلک من دون التزام بجامع وراء نفس طبائع الأجزاء.

و قال:((1)) و قد التزم بنظیره بعض أکابر فنّ المعقول فی تصحیح التشکیک فی الماهیة جواباً عن تصور شمول طبیعة واحدة لتمام مراتب الزائدة و المتوسطة و الناقصة حیث قال:((2)) نعم، الجمیع مشترک فی سنخ واحد مبهم غایة الإبهام [و

ص: 291


1- نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ج1، ص102.
2- فی الحکمة المتعالیة، ج2، ص431: «فإن قلت: الکلی الطبیعی موجود عندهم فی الخارج فالأمر المشترک بین المراتب الثلاث موجود فی الخارج و إن کان ظرف عروض الاشتراک إنّما هو الذهن فما بقی عند العقل بعد تجریده عن الزوائد و المشخصات هو مطابق للکامل أو لغیره من الناقص و المتوسط و علی أی تقدیر فلایکون مطابقاً للجمیع و لا مقتضیاً إلّا لمرتبه معینة من المراتب فیکون البواقی من المراتب مستندة إلی أمر خارج عن الطبیعة المشترکة فیلزم خرق الفرض قلت: الکلی الطبیعی علی ما تصورته إنّما یتحقق فی المتواطی من الذاتیات فإنّ الماهیات التی إذا جردت عن الزوائد تکون متفقة فی جمیع الأفراد غیر متفاوتة فیها تنحصر فی المتواطیات و المشکک لیس من هذا القبیل بل کل مرتبة توجد منه فی الخارج فی ضمن شخص أو أشخاص متعددة لو أمکن وجودها فی العقل فهی بحیث إذا جردها العقل عن الخارجیات توجد تلک المرتبة بعینها فی الذهن و کذا حال مرتبه أخری له أیضاً و تلک المراتب المأخوذة عن الأشخاص الخارجیة الموجودة فی الذهن لیست فی التمامیة و النقص بمنزلة واحدة فلاتعرض لواحدة منها الکلیة بالقیاس إلی جمیع الأشخاص المندرجة تحت جمیع المراتب نعم الجمیع مشترک» الخ. و فی بحوث فی الأصول، ص36: «و نظیره ما عن بعض الأکابر فی تصور الجامع التشکیکی بین مراتب نوع واحد مع بنائه علی أنّ المراتب مراتب نوع واحد و أنّ ذاتی نوع واحد تارة شدید و أخری ضعیف لا أن النوع الواحد و هو البیاض بالنسبة إلی مراتبه کالجنس بالإضافة إلی أنواعه و لا أنّ التشکیک بالشدة و الضعف فی وجود البیاض مثلاً بل حقیقة البیاض بما هی متقومة بذاتیین و هما جنسها و فصلها شدیدة تارة و ضعیفة أخری فذکر فی مقام تصور الجامع بین المراتب و هو ذلک النوع الواحد الذی هو بذاته شدید تارة و ضعیف أخری أنّ ذلک النوع لوحظ بنحو الإبهام من حیث تمام الحقیقة و نقصها فلیس هذا الإبهام کإبهام الجنس بالنسبة إلی أنواعه و لا کإبهام النوع بالنسبة إلی الخصوصیات المفردة الخارجة عن الحقیقة فهذا قسم آخر من الإبهام فی قبال سائر الأقسام».

هو الإبهام] بالقیاس إلی تمام نفس الحقیقة و نقصها وراء الإبهام الناشئ فیه عن الاختلاف فی الأفراد بحسب هویاتها.

و قال (قدس سره) فی بحوث فی الأصول:((1)) إنّ الواضع یلاحظ هذا المرکب الاعتباری من مقولات متباینة مبهماً من حیث ذاتیات تلک المقولات مع حفظ المقولة بالحمل الشائع کحفظ النوع فی مراتب التشکیک فینظر إلی مصداق عمل هو عین المرکب من مقولات خارجاً مع عدم النظر إلی ذاتیات تلک المقولات و لاینظر إلی مفهوم العمل حتی یکون الوضع لجامع عنوانی، و کما یلاحظ مهملاً من حیث ذاتیات تلک المقولات، کذلک یلاحظ مبهماً من حیث الوحدة و التعدد و الزیادة و النقص.

و کلما زیدَ إبهام الملحوظ اتّسعت دائرته. فافهم أو ذره لأهله.

ملاحظتنا علیها:

(2)

الحق وجود الجامع العنوانی و الاعتباری و الترکیبی.

ص: 292


1- بحوث فی الأصول، ص36.
2- . فی منتهی الأصول، ص56: «و أنت تدری بأنّ مراده إن کان إبهام الماهیة من حیث ذاتیاتها فهذا معنی غیر معقول لأنّ الذاتی لایختلف و لایتخلف لأنّ اختلافه أیضاً یرجع إلی تخلفه و تخلفه خلف ... و الإنصاف أن کون مراده من الماهیة الماهیة الذاتیة المقولیة بعید لایلائم کلامه و أمّا إن کان مراده من الماهیة المبهمة المفهوم الانتزاعی من أحد هذه المرکبات التی صارت متعلقة للأوامر الشرعیة – و ذلک کأغلب العبادات- فالإبهام لابدّ و أن یکون فی منشأ الانتزاع» الخ ثمّ قال: «فتلخص من جمیع ما ذکرنا أنّ کون الجامع بین أفراد الصلاة مثلاً ماهیة مبهمة من حیث قلة الأجزاء و کثرتها و دخول بعض الأشیاء و خروج ذلک البعض فی حین آخر غیر معقول». و فی بحوث فی علم الأصول، ج1، ص198: «فیه إن أرید أنّ المسمی مبهم ثبوتاً فهو غیر معقول حتی فیما یصطلح علیه بالمبهمات فضلاً عن أسامی العبادات أو المعاملات التی هی کأسماء الأجناس فإنَّ المبهمات لا إبهام فیها من حیث المعنی و المفهوم الموضوع له اللفظ و إنَّما إبهامها من حیث انطباقها فی الخارج و إن أرید انَّ المسمّی معنی عرضی یشار به إلی واقع تلک المرکبات فیکون مبهماً لعدم تبیّن المرکب المشار إلیه به - کعنوان الجامع لما أمر به الشرع- فهو خلاف الوجدان العرفی و المتشرّعی القاضی بأنَّ أسامی العبادات و المعاملات کأسماء الأجناس تحکی عن عناوین تفصیلیة حقیقیة». و فی منتقی الأصول، ص223: «و أمّا ما جاء فی تقریرات بحث السیّد الخوئی (حفظه الله) من الإیراد علیه أوّلاً: من إنکار الإبهام فی الماهیات الاعتباریة و انّ للصلاة حقیقة متعینة لدی مخترعها بل لایعقل دخول الإبهام فی تجوهر ذات الشیء فإنّ الشیء فی مرتبة ذاته متعین و إنّما الإبهام یکون بلحاظ الطواری الخارجیة و علیه فالعمل المبهم لایمکن أن یکون جامعاً ذاتیاً لعدم معقولیته و لا عنوانیاً لما عرفت من نفیه و ثانیاً: من أنّ المقصود فی تصویر الجامع تعیین المسمی المأخوذ فی متعلق الأمر و ظاهر عدم کون الجامع المزبور متعلقاً للأمر و إنّما متعلق الأمر هو نفس الأجزاء المتقیدة ببعض القیود و من هنا کان المتبادر عرفاً کمیة من الأجزاء و الشرائط المأخوذة فی متعلق الأمر لا العمل المبهم إلّا من حیث کونه مطلوباً کما یدعیه المحقق الأصفهانی (قدس سره) و ثالثاً: بأنّ المقصود بالنهی عن الفحشاء المأخوذ فی هذا الجامع إن کان هو النهی الفعلی توقف ذلک علی قصد القربة فی المسمی لدخالته فی فعلیة النهی عن الفحشاء و لایلتزم بدخوله القائل لامتناع أخذه فی متعلق الأمر و إن کان النهی الاقتضائی کان ذلک أعمّ من الصحیح و الفاسد لأنّ العمل الفاسد بالنسبة إلی شخص فیه اقتضاء النهی عن الفحشاء بحیث لو صدر من أهله کان مؤثراً فعلاً» الخ و لکن أجاب عن جمیعها. و راجع أیضاً جواهر الأصول، ص304 و تحریرات فی الأصول، ص214.

و لابدّ لبیان ذلک من مقدمتین:

المقدمة الأولی: إنّه یلتزم بوجود الجامع العنوانی فی ناحیة الموضوع له حیث

ص: 293

صرّح فی نهایة الدرایة ((1)) بأنّ الأثر الواحد العنوانی مثل النهی عن الفحشاء یکشف عن المؤثِّر الواحد العنوانی.

المقدمة الثانیة: إنّ کلامه فی الجامع فی المعنی الموضوع له و لکن قلنا: علی فرض إبهام الموضوع له عندنا یمکن تعریفه بجامع آخر یعرّفه.

تصویران للجامع العنوانی:

التصویر الأوّل للجامع العنوانی:((2)) أن یکون الوضع بمعرّفیة الأثر کالنهی عن الفحشاء لما یؤثّر فیه بعنوانه الواقعی غیرِ المعلوم لنا، بحیث یکون الوضع عاماً و الموضوع له عاماً، و هو مجموع هذه الأمور الدخیلة فی الغرض، المعنونة بالعنوان الملزوم للغرض، و هذه الأمور التی یکون مجموعها الصلاة، یعرّفها الأثر المعلوم لنا و ملزومه المعلوم للآمر و الواضع، لکنها ذات عرض عریض من حیث جزئیة هذه الأفعال فی حال الاختیار و الحضور، و عدم جزئیة بعضها فی حقّ المسافر و جزئیة بعضها للملتفت و عدمها لغیره و هکذا. فجمیع أفراد الصلاة بما لها من الأبدال للأصناف المختلفة صلوات ملزومة للنهی عن الفحشاء و لاتکون إحداها صلاة و الأخریات أبدالها بل کلها تسمی صلاة و تکون مأموراً بها فإنّ إطلاق الصلاة علی صلاة الصبح و المغرب کإطلاق الإنسان علی العالم و الشاعر و نحوهما.

التصویر الثانی للجامع العنوانی: بمعرّفیة الجامع البسیط من حیث تقیید المعنی الموضوع له بهذا الجامع مع خروج القید عنه.

ص: 294


1- نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ص100.
2- و هی نظریة أستاذنا العلّامة البهجة (قدس سره) فی مباحث الأصول، ص112.

بیانه: إنّ الموضوع له حصّة ذات الصلاة المطلوب وجودها أو المقرِّب وجودها أو المحصِّل وجودها للغرض، و لکن لا بوصف المطلوبیة أو المقرّبیة أو المحصّلیة للغرض، فهذه العناوین معرّفة لحصة الموضوع له من ذات الصلاة من دون دخلها فی الموضوع له و لذا لایرد علی هذا التصویر إشکال الدور و الخلف و تحصیل الحاصل.

تصویر الجامع الاعتباری:

أمّا الجامع الاعتباری بمعرّفیة الجامع البسیط الاعتباری، علی النحو الذی قرّرناه فی التصویر الثانی للجامع العنوانی، فإنّ الموضوع له حصّة ذات الصلاة التی توصف بالصحّة علی أن یکون القید (التوصیف بالصحة) خارجاً عن الموضوع له. أمّا مقوّمیة المراتب للعنوان الجامع باطل، لأنّ العنوان الجامع أخذ لا بشرط مثل الواحد.

تصویران للجامع الترکیبی:

و التصویر الذی أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) صحیح و لایرد علیه ما أورده المحقق الخوئی (قدس سره) فی المحاضرات((1))حیث توهم أنّ هذا التصویر جامع ذاتی، مع أنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) صرّح فی نهایة الدرایة((2)) بأنّه لیس جامعاً مقولیاً ذاتیاً و لا عنوانیاً و لعل تنظیر المقام بما قاله صدر المتألهین (قدس سره) فی التشکیک فی الماهیة، أوقعه فی هذا التوهم.

ص: 295


1- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص154 و ط.ج. ص175.
2- نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ج1، ص102.
تصویر آخر للجامع الترکیبی:

و لنا تصویر آخر للجامع الترکیبی مع فرض الإبهام فإنّ جامع الصحیحی هو أقلّ الأجزاء و الشرائط الذی تکون الصلاة معها صحیحة و الصلاة بالنسبة إلیها بشرط شیء، أمّا بعض الأجزاء و الشرائط مثل القراءة أجزاء لابشرط بالنسبة إلی الصلاة و ماهیة الصلاة بالنسبة إلی تلک الأجزاء مبهمة.

أمّا بقیة خصوصیات الصلاة مثل تعداد الرکعات بالنسبة إلی الأوقات المختلفة فهی خارجة عن الماهیة بل تکون من الخصوصیات المعتبرة فی الأفراد بحیث لولا تلک الخصوصیات لاتکون الأفراد مصادیقَ و أفراداً لماهیة الصلاة.((1))

ص: 296


1- هنا وجوه أخر لتصویر الجامع عند الصحیحی: 1) فی منتهی الأصول، ص58: «الرابع ما خطر بالبال و هو أنّه لا شک فی أنّ بین أفراد کل نوع من الأنواع و الماهیات المتأصلة الموجودة فی الخارج سنخیة وجودیة و هذه السنخیة غیر السنخیة التی بین جمیع الوجودات و تکون زائدة علیها ... فنقول: من الممکن أن یکون اللفظ موضوعاً لذلک السنخ الواحد و بعبارة أخری السنخیة معنی مشترک بین جمیع أفراد ذلک النوع فلیکن ذلک هو الجامع المطلوب فی هذا المقام و یکون هو الموضوع له لألفاظ العبادات کل واحد منها للسنخیة التی بین أفراد نوعه». 2) فی المحکم فی أصول الفقه، ص180: «قد ذکر شیخنا الأعظم (قدس سره) أنّه لا مجال لتقریر الجامع بنحو یشمل تمام أفراد الصحیح ... و حینئذٍ ذکر - کما فی التقریرات- أنّ الوجه هو الالتزام بأنّ الموضوع له هو خصوص الأجزاء و الشرائط الشخصیة الثابتة فی حق القادر المختار العالم العامد من دون حاجة إلی فرض جامع عنوانی بسیط بینها و لیس ما ثبت فی حق غیره من أفراد المسمی الحقیقة بل هو بدل مسقط عنه» الخ. 3) فی المحکم، ص183: «ربّما یقرّر الجامع الصحیحی بوجه لابدّ فی توضیحه من مقدمة ... و هی أنّه لا إشکال فی تعیّن الماهیات الحقیقة تبعاً لحدودها الواقعیة ... إذا عرفت هذا فاختلاف أفراد الصحیح فی الأجزاء و الشرائط سنخاً و کما لایمنع من فرض جامع اعتباری بینها قد أخذت فیه خصوصیات الأجزاء بنحو التردید، تبعاً لاختلاف الأفراد فیها، إلّا أنّه لابدّ فیه من لحاظ جهة تجمع شتات أفراده المختلفة و تقصر عن غیرها من أفراد الفاسد و الإشکال إنّما هو فی تعیین تلک الجهة» الخ. 4) فی تحریرات فی الأصول، ص217: «تنبیه حول ما جعله الأستاذ البروجردی (قدس سره) جامعاً للأخصی ... و ملخّص ما قاله هو أنّ الصلاة لیست عبارة عن نفس الأقوال و الأفعال المتباینة المتدرجة بحسب الوجود - حتی لایکون لها حقیقة باقیة إلی آخر الصلاة محفوظة فی جمیع المراتب و یترتب علی ذلک عدم کون المصلی فی حالة السکونات المتخللة مشتغلاً بالصلاة - بل هی عبارة عن حالة توجه خاص یحصل للعبد و یوجد بالشروع فیها و یبقی ببقاء الأجزاء و الشرائط و یکون هذا المعنی المخصوص کالطبیعة المشککة لها مراتب متفاوتة تنتزع فی کل مرتبة عمّا اعتبر جزء لها انتهی». 5) فی بحوث فی علم الأصول، ص193: «الأوّل و هو الوجه المختار أنّه لا موجب لافتراض أخذ کل الأجزاء و الشرائط المعتبرة فی الأفراد الصحیحة جمعاً فی الجامع الترکیبی لیستحیل صدقه علی الفاقد لبعضها، بل یؤخذ فی الجامع الترکیبی ما یلی: أوّلاً: القیود المعتبرة فی صحة الفعل مطلقاً و فی جمیع الحالات کقصد القربة فتؤخذ فی الجامع الترکیبی تعییناً. ثانیاً: القیود المعتبرة فی الفعل بنفسها أو ببدلها العرضی التخییری کالفاتحة و التسبیحات الأربع فی الأخیرتین فیؤخذ فی الجامع الترکیبی الجامع بینها و بین بدلها العرضی. ثالثاً: القیود المعتبرة فی الفعل بنفسها أو ببدلها العرضی التعیینی... فیؤخذ الجامع بینها و بین بدلها مع تقیید کل منهما بموضوعه فیکون صادقاً فی الحالتین معاً. و رابعاً: القیود المعتبرة و لها بدل طولی ... و خامساً القیود المعتبرة فی حال الاختیار و نحوه فقط من دون بدل عنها فی غیر تلک الحال» الخ.
ما الجامع عند الأعمی؟ (هنا ثلاثة تصاویر)
التصویر الأوّل: نظریة المحقق القمی (قدس سره)

(1)

الجامع عبارة عن جملةٍ من أجزاء العبادة کالأرکان و سائر الأجزاء و الشرائط دخیلةٍ فی المأمور به لا الموضوع له.

ص: 297


1- . فی القوانین، ص60: «تنبیه یمکن أن یستفاد ممّا ذکرنا فی هذا المقام من باب التأیید و الإشارة و الإشعار کون مهیة الصلاة مثلاً هو التکبیر و القیام و الرکوع و السجود و یکفی فی تحقق کل ذلک مجرّد حصول المهیة و أمّا الزاید علی الماهیة و غیرها من الواجبات فشروط و زواید و لعلّه إلی ذلک ینظر اصطلاح العلماء فی الأرکان و جعل الرکن فی کل من المذکورات المسمّی و إنّ بانتفاء کل منها ینتفی المرکب و جعل لباقی الواجبات أحکام أخر فلیتأمل». و فی المحاضرات، ط.ق. ج1، ص163 و ط.ج. ص185: «فقد أصبحت النتیجة أنّه لا مانع من الالتزام بأنّ الموضوع له هو خصوص الأرکان و لایرد علیه شیء ممّا تقدم». و راجع الکفایة، ص25 و حقائق الأصول، ص61 و عنایة الأصول، ص69.

هنا ثلاثة تصاویر: إشکالات ثلاثة لصاحب الکفایة (قدس سره) علی التصویر الأوّل:

((1))

الإشکال الأوّل:((2))

إنّ الصلاة تصدق عرفاً علی ما کانت مشتملة علی تمام الأجزاء و الشرائط إلّا بعض الأرکان و لازم هذه النظریة عدم صدقها.

هنا ثلاثة تصاویر: أجاب عنه المحقق الخوئی (قدس سره):

((3))

إن کانت الصلاة فاقدة لطبیعی الرکوع فی جمیع الرکعات أو لطبیعی السجود فی جمیع الرکعات فهی لیست بصلاة حقیقة و إنّما هو شکل صلاة.

و أمّا إن کانت الصلاة مشتملةً علی طبیعی الرکن و کانت ناقصةً فی العدد بأن کانت مشتملةً علی رکوع واحد فهی صلاة.

ص: 298


1- و فی منتقی الأصول، ص226، بعد ذکر التصویر الأوّل: «و ناقشه المحقق النائینی (رحمة الله) بما حاصله انّ الدعوی المذکورة تنحل إلی دعویین: إحداهما: الوضع للأرکان. الثانیة: عدم دخول سائر الأجزاء و الشرائط فی الموضوع له أمّا الدعوی الأولی فیردها ... و أمّا الدعوی الثانیة فیردها أنّه إمّا أن یلتزم بخروج سائر الأجزاء و الشرائط مطلقاً و دائماً و إمّا أن یلتزم بخروجها عند عدمها» الخ. و فی تحریرات فی الأصول، ص218، بعد ذکر التصویر الأوّل: «هذا هو مختار بعض المعاصرین و قد دافع عمّا توجّه إلیه فی کلمات القوم و لکنّ الذی یتوجّه إلیه و لیس مدفوعاً عنه و لایمکن دفعه هو أنّ المسمّی و الموضوع له لیس الأمر الشرعی و المعنی المخترع الإسلامی» الخ.
2- فی الکفایة، ص25: «و فیه ما لایخفی فإنّ التسمیة بها حقیقة لاتدور مدارها ضرورة صدق الصلاة مع الإخلال ببعض الأرکان ... عند الأعمی».
3- الدراسات، ص81.

الإشکال الثانی:((1))

إنّ الصلاة لاتصدق علی ما کانت مشتملة علی جمیع الأرکان و فاقدة لسائر الأجزاء و الشرائط مع أنّ لازم هذه النظریة صدقها.

أجاب عنه المحقق الخوئی (قدس سره):((2))

إنّا نلتزم بصدقها علیها بل ربما تکون صحیحة و مجزیة کما فی صورة نسیان سائر الأجزاء، مثلاً فرضنا أنّه کبّر و نسی القراءة فرکع و نسی الذکر فرفع رأسه و سجد و نسی ذکر السجود و التشهد و هکذا إلی أن سلّم فبمقتضی حدیث لاتعاد نقول بإجزاء تلک الصلاة فضلاً عن صدق الصلاة علیها.

الإشکال الثالث: (3)

یلزم أن یکون الاستعمال فی مجموع الأرکان و الأجزاء و الشرائط مجازاً عند

ص: 299


1- فی الکفایة، ص25: «بل و عدم الصدق علیها مع الإخلال بسائر الأجزاء و الشرائط عند الأعمی». و فی عنایة الأصول، ص70، بعد ذکر الإشکال الأوّل و الثانی من صاحب الکفایة (قدس سره): «هذا محصّل الجواب و قد أخذه المصنف من صاحب التقریرات قال أعلی الله مقامه ما لفظه: فجعل یعنی المحقق القمی الأرکان مدار صدق التسمیة و لازمه انتفاء الصدق بانتفاء أحد الأرکان و إن اشتملت علی بقیة الأجزاء و الصدق مع وجودها و إن لم یشتمل علی شیء من الأجزاء و الشرائط و هو ممّا ینبغی القطع بفساده لأنّه منقوض طرداً و عکساً کما لایخفی انتهی».
2- الدراسات، ص81.
3- . فی الکفایة، ص25: «مع أنّه یلزم أن یکون الاستعمال فی ما هو المأمور به - بأجزائه و شرائطه- مجازاً عنده [أی الأعمی] و کان من باب استعمال اللفظ الموضوع للجزء فی الکل لا من باب إطلاق الکلی علی الفرد و الجزئی کما هو واضح و لایلتزم به القائل بالأعم فافهم». و فی عنایة الأصول، ص70، بعد ذکر هذا الإشکال من صاحب الکفایة: «و قد أخذ المصنف هذا الجواب من التقریرات أیضاً قال أعلی الله مقامه فی ذیل الرّد علی الوجه الأوّل ما لفظه: فإن قلت: نحن لانقول بأنّ تلک الأرکان المخصوصة قدر مشترک بین الزائد و الناقص لیلزم ما ذکر من المحذور بل نقول إنّ لفظة الصلاة مثلاً موضوعة للأرکان المخصوصة و باقی الأجزاء خارجة عنها و عن المسمّی لکن مقارنتها لغیرها لایمنع من صدق اللفظ علی مسمّاه. قلت: ذلک أیضاً ممّا لایلتزم به القائل المذکور إذ بناء علی ذلک یصیر استعمال اللفظ فی الصحیحة المستجمعة للشرائط و الأجزاء من قبیل استعمال اللفظ الموضوع للجزء فی الکل و هو مجاز قطعاً و الظاهر من کلامه کونه انتهی موضع الحاجة من کلامه».

الأعمی و کان من باب استعمال اللفظ الموضوع للجزء فی الکل، لا من باب إطلاق الکلی علی الفرد و الجزئی و لایلتزم به الأعمی.

أجاب عنه المحقق الخوئی (قدس سره):

إنّ الموضوع له هو الأرکان و لکن الصلاة بالنسبة إلی سائر الأجزاء و الشرائط لابشرط مثلاً اسم الدار یصدق علی ما یکون له الحائط و الغرفة و أمّا السرداب فالدار بالنسبة إلیه لابشرط فإن وجد فهو جزء الدار و إن لم یوجد فلایضر بصدق عنوان الدار. فالصلاة بالنسبة إلی الأرکان بشرط شیء و بالنسبة إلی سائر الأجزاء و الشرائط لا بشرط. فإطلاق الصلاة علی الأرکان مع سائر الأجزاء و الشرائط من باب إطلاق الکلی علی فرده.

التصویر الثانی: ما نسبه الشیخ الأنصاری (قدس سره) إلی المشهور
اشارة

((1))

إنّ الصلاة موضوع بإزاء معظم الأجزاء و یدور صدقه مداره وجوداً و عدماً.

ص: 300


1- فی عنایة الأصول، ص71: «قال فی التقریرات: الثانی ما نسبه البعض إلی جماعة من القائلین بالأعم بل قیل و هو المعروف بینهم أنّ لفظة الصلاة موضوعة لمعظم الأجزاء و هو ما یقوم به الهیأة العرفیة و معها لایصحّ سلب الاسم عنها فکلّما حصل صدق الاسم عرفاً یستکشف به عن وجود المسمّی فیه فعلی هذا عکسه و طرده سلیمان عن الانتقاض انتهی موضع الحاجة من کلامه». و فی تحریرات فی الأصول، ص220: «و ما یتوجّه إلی هذه المقالة من أنّ سائر الأجزاء و الشرائط إن کانت داخلة فلاتحقق للمسمّی بدونها و إن کانت خارجة فإطلاقها علی المجموع مجاز مدفوع بما تقرّر فی کتاب الصلاة» الخ.
هنا ثلاثة تصاویر: إشکالان لصاحب الکفایة (قدس سره) علی التصویر الثانی:

((1))

الإشکال الأوّل:((2))

و هو بعینه الإشکال الثالث الذی أورده علی التصویر الأوّل.

هنا ثلاثة تصاویر: أجاب عنه المحقق الخوئی (قدس سره):

(3)

الجواب هو ما مضی سابقاً من أنّ معظم الأجزاء الذی أخذ مقوّماً للمرکب

ص: 301


1- و فی حاشیة علی کفایة الأصول، ص79: «إن کان مراد القائل مفهوم الأجزاء أو مفهوم معظم أجزاء الصلاة أو مفهوم أجزاء المطلوب بأمر "أقیموا الصلاة" أو الصحیح من الصلاة فتحصیله دوری لأنّ تحصل هذه المفاهیم متوقف علی تحصل مفهوم الصلاة و مفهوم الصلاة متوقف علی المفاهیم المفروضة فیدور و إن کان مراده مصداق معظم الأجزاء فمصادیقه کثیرة فلابدّ من الالتزام بتعدّد الوضع أو الوضع لواحد منها و کلاهما خلاف مطلوبه و خلاف الواقع». و فی منتهی الأصول، ص62، بعد أن ذکر التصویر الثانی بقوله: «و منها ما نسب إلی المشهور من أنّ الموضوع له معظم الأجزاء» قال: «أی ما یصدق علیه هذا المفهوم لا نفسه إذ المفاهیم - بما هی فی صقع الأذهان- لاتترتب علیها الآثار التی رتّبها الشارع علی کل واحد من هذه العبادات ... فلاینبغی أن یسند إلی المشهور مثل هذا المعنی الواضح البطلان و مع ذلک أیضاً لایمکن المساعدة معهم لأنّ مصداق معظم الأجزاء یختلف و یتبدّل بحسب حالات المکلفین قطعاً و الذاتی لایختلف و لایتخلف». و فی تحریرات فی الأصول، ص221: «یتوجّه إلی هذه المقالة أنّ الصلوات المشتملة علی الأجزاء الیسیرة عند الاضطرار لیست بصلاة حقیقة و لعلّهم یلتزمون بذلک بدعوی مساعدة العرف علی مجازیة تسمیة صلاة الغرقی و المیّت و بعض الأفراد الأخر صلاة ... ثانیاً: أنّ المراد من المعظم إن کان ما هو العظیم من حیث الدخالة فی الاسم بنظر العرف فهو مجهول و إن کان بنظر الشرع فهی راجعة إلی القول الأوّل فی الجامع و إن أرید منه أکثریة الأجزاء لا الأرکان کما هو المتفاهم منه فکثیر من الصلوات المشتملة علی الرکوع و السجدة و التکبیرة و السلام أو بعض الأجزاء الأخر - عوضاً عمّا ذکرناها- صلاة عرفاً و فاقدة للمعظم».
2- فی الکفایة، ص25: «و فیه مضافاً إلی ما أورد علی الأوّل أخیراً» الخ.
3- . المحاضرات، ط.ق. ج1، ص167 و ط.ج. ص190: «بما حقّقناه فی الوجه الأوّل من أنّ المسمی قد اعتبر لابشرط بالإضافة إلی الزائد قد تبیّن الجواب عن الإیراد الأوّل» الخ. و فی عنایة الأصول، ص72: «أقول: أمّا الجواب الأوّل من لزوم التجوّز إذا استعمل اللفظ فی المستجمع لتمام الأجزاء و الشرائط بل مطلق ما زاد علی معظم الأجزاء فقد عرفت أنّه لم یتم لما یرد من النقض علی الصحیحی أیضاً إذا استعمل اللفظ فی المستجمع لتمام المستحبات الخارجة عن ماهیة الصلاة فما به الجواب علی القول بالصحیح یکون هو الجواب علی القول بالأعم».

مأخوذ لابشرط بالقیاس إلی بقیة الأجزاء فهی داخلة فی المسمی عند وجودها و خارجة عنه عند عدمها.

الإشکال الثانی:

إنّه علیه یتبادل ما هو المعتبر فی المسمی فیکون شیء واحد داخلاً فیه تارةً و خارجاً عنه أخری، بل مردّداً بین أن یکون هو الخارج أو غیرُه عند اجتماع تمام الأجزاء [و ببیان آخر یلزم أن یکون المرکّب بالنسبة إلی بعض الأجزاء من قبیل الفرد المردّد الذی لا واقع له]. ((1))

ص: 302


1- فی عنایة الأصول، ص72، بعد ذکر الإشکال الأوّل و الثانی: «هذا محصل الجوابین و قد أخذهما المصنف من صاحب التقریرات قال أعلی الله مقامه فی مقام الجواب عن الوجه الثانی ما لفظه: لکن یرد علیه أنّه إن أرید أنّ اللفظ موضوع لمفهوم معظم الأجزاء الذی لایختلف ذلک المفهوم باختلاف مصادیقه ففساده غنی عن البیان بداهة أنّ لفظ الصلاة لایرادف لفظ معظم الأجزاء و إن أرید أنّه موضوع لمصداقه فلا ریب فی اختلاف تلک المصادیق بواسطة تبادل الأجزاء وجوداً و عدماً إلی أن قال: مضافاً إلی استلزامه أن یکون استعمال اللفظ فی ما زاد عن معظم الأجزاء مجازاً صحیحة کانت أو فاسدة انتهی موضع الحاجة من کلامه». و فی منتقی الأصول، ص227، بعد ذکر الإشکال و الثانی من صاحب الکفایة (قدس سره): «و بعین هذا الإیراد أورد المحقق النائینی (قدس سره) علی الوجه المذکور لکنّه صحّح کون الجامع هو المعظم بنحو آخر». و فی منتهی الأصول، ص62: «و أمّا ما أفاده شیخنا الأستاذ فی تصویر هذا الوجه و تصحیحه - بأنّ الموضوع له هو مصداق هذا المفهوم بنحو الکلی فی المعیّن مثلاً الصلاة مرکبة من عشرة أجزاء فالستة أو السبعة أو الثمانیة من هذه الأجزاء العشرة بنحو الکلی فی المعیّن بمعنی أنّه ینطبق علی أی ستة مثلاً من هذه العشرة مثل أن یبیع صاعاً من هذه الصیعان و له اختیار التطبیق علی أی صاع أراد من هذه الصیعان الموجودة فی الخارج - فمن أعجب ما صدر منه رضوان الله تعالی علیه و ذلک لأنّ فی باب الکلی فی المعیّن الحکم علی نفس الطبیعة المقیّدة بکونها من هذا الموجود الخارجی بمعنی تضییق دائرة انطباقها بواسطة ذلک التقیید و أمّا فی ما نحن فیه فلیس الارتباط أو الهوهویة و العلاقة المجعولة - بین اللفظ و طبیعة کلیة- تضییقاً فی انطباقها بواسطة تقییدها بکونها من هذا الخارج الموجود بل لابدّ و أن یکون الموضوع له مصداق مفهوم ستة من العشرة مثلاً المرددة بین أن تکون هذه الستة أو تلک الستة أو غیرهما من مصادیق الستة فالأولی أن یقاس ما نحن فیه بالفرد المردّد لا بالکلی فی المعیّن».

أجاب عنه المحقق الخوئی (قدس سره):((1))

إنّ معظم الأجزاء أخذ بواقعها فی الموضوع له و معنونه یختلف باختلاف المرکب نفسه مثلاً معظم أجزاء صلاة الصبح بحسب الکم غیر معظم أجزاء صلاة العشاء و هکذا.

فالمقوم للمرکب أحد أمور علی البدل فقد یکون المقوم للمرکب أربعة أجزاء و قد یکون ثلاثة أجزاء و لا مانع من الالتزام بذلک فی المرکبات الاعتباریة.

فالزائد علی معظم الأجزاء عند وجوده دخیل فی الموضوع له (ماهیة الصلاة)

ص: 303


1- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص167 و ط.ج. ص190: «إنّ عند اجتماع تمام الأجزاء کان المسمّی هو تمام الأجزاء لاخصوص بعضها لیقال: إنّه أمر مردّد بین هذا و ذاک و إن شئت فقل: إنّ اللفظ لم یوضع بإزاء مفهوم معظم الأجزاء و إلّا لترادف اللفظان و هو باطل قطعاً، بل هو موضوع بإزاء واقع ذلک المفهوم و معنونه» الخ. و فی عنایة الأصول، ص73: «و أمّا الجواب الثانی فهو فی مثل الصلاة التی لها الاختلاف الفاحش بحسب الحالات و الأوقات و إن کان صحیحاً وارداً علی الأعمی لعدم کون معظم الأجزاء فیها أمراً مضبوطاً معیّناً کی یمکن دعوی وضع اللفظ له حقیقة و لکن فی غیر الصلاة من سایر المرکبات التی لیس لها هذا الاختلاف هو أمر مضبوط معیّن واقعاً یمکن دعوی وضع اللفظ له حقیقة و بالجملة أنّ لسائر المرکبات أجزاء رئیسیة معیّنة مضبوطة لا متبادلة و لا مردّدة هی مدار التسمیة و الصدق العرفی و علیه فمذهب الأعمی فی غیر مثل الصلاة ممّا لیس له هذا الاختلاف أمر معقول ثبوتاً بعد تصوّر القدر الجامع له».

و عند عدمه خارج عنها فالموضوع له هو مفهوم وسیع جامع لجمیع شتاته و متفرقاته لا خصوص المعظم بشرط لا و لا مرتبة خاصة منه، و لذا یصدق علی القلیل و الکثیر و الزائد و الناقص علی نسق واحد.

ملاحظة من المحقق الخوئی (قدس سره) لتصحیح التصویر الثانی:

((1))

لابدّ من اعتبار الموالاة و الترتیب أیضاً فی المسمّی، إذ بدونهما لایصدق علی المعظم عنوان الصلاة فالمختار للمحقق الخوئی (قدس سره) هذان الوجهان.

تتمیم بیان لنظریة المحقق الخوئی (قدس سره):((2))

إنّ المحقق الخوئی (قدس سره) یعبّر عن جامع الأعمی الذی اختاره (بیان المحقق القمی (قدس سره) و التصویر الثانی) بالجامع الذاتی و صرّح فی المحاضرات((3)) بجواز تصویر جامع ذاتی للأعم من الصحیحة و الفاسدة، فاللفظ عنده موضوع للأرکان بمراتبها علی سبیل البدل لا للجامع بینها، حیث إنّ الأرکان فی صلاة الصبح و فی صلاة المغرب و فی الصلوات الرباعیة (الظهرین و العشاء) مختلفة.

إنّ الأرکان علی ما نطقت به الروایات عبارة عن التکبیر و الرکوع و السجود و الطهارة -الأعم من الطهارة المائیة و الترابیة- و المراد من الرکوع و السجود أعم ممّا هو وظیفة المختار أو المضطر (أی الرکوع و السجود الإیمائی) و هکذا

ص: 304


1- فی المحاضرات، ط.ق. ج1، ص167 - 168 و ط.ج. ص191: «و من جمیع ما ذکرناه یستبین أنّه لا بأس بهذا الوجه أیضاً مع الإغماض عن الوجه الأوّل بأن یکون اللفظ موضوعاً للمعظم لا بشرط هذا مع اعتبار الموالاة و الترتیب أیضاً فی المسمّی إذ بدونهما لایصدق علی المعظم عنوان الصلاة».
2- المحاضرات ط.ق: ج1، ص163- 165 و ط.ج: ص186-188، تذییل.
3- المحاضرات، ط.ق: ج1، ص169 و ط.ج: ص192.

یعتبر فی صدق الصلاة تحقق الموالاة و الترتیب و هنا بحث فی التسلیم.

التصویر الثالث: نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره)
اشارة

((1))

قال المحقق الإصفهانی (قدس سره): علی ما تصورنا الجامع، فالصحیحی و الأعمی فی إمکان الجامع علی حدّ سواء، لما عرفت أنّ مراتب الصحیحة و الفاسدة متداخلة.

بیانه: إنّ لفظ الصلاة إن وضع بإزاء ذاک العمل المبهم من جمیع الجهات بمعرفیة حیثیة کونها ناهیةً عن الفحشاء فعلاً فالوضع یختصّ بالصحیحة.

و إن وضع بإزاء المبهم بمعرّفیة اقتضاء النهی عن الفحشاء دون الفعلیة، فالوضع للمعنی الأعمّ، فإنّ کلّ مرتبةٍ من مراتب الصلاة، لها اقتضاء النهی عن الفحشاء لکن فعلیة التأثیر، موقوفة علی صدورها من أهلها، لا ممّن هو أهل للمرتبة الأخری (مثل المسافر الذی هو أهل للقصر لا للإتمام) و حیثیة الصدور عند الأعمی لیست من أجزاء الصلاة.

استشکل علیه المحقق الخوئی (قدس سره):

((2))

أوّلاً: هذا یتوقف علی صحّة تصویره للجامع الصحیحی مع أنّه ممنوع.

ص: 305


1- نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ص113. و اختاره أیضاً فی منتقی الأصول، ففی ص236: «بعد هذا کلّه یتضح أنّه لایمکن تصویر الجامع بنحو یکون معقولاً و خالیاً عن المحذور ثبوتاً و إثباتاً إلّا ما التزم به المحقق الإصفهانی و وافقه علیه المحقق النائینی (قدس سره) من کونه سنخ عمل مبهم إلّا من بعض الجهات و هو قابل للانطباق علی الکثیر و القلیل و تکون نسبته إلی الأفراد نسبة الکلّ إلی أفراده و الطبیع إلی مصادیقه».
2- الدراسات، ص78.

ثانیاً: إنّ ما أفاده لیس کلیاً من الطرفین، إذ کل ما یکون صحیحاً یمکن فرضه فاسداً و لکن لیس کل ما یکون فاسداً یمکن فرضه صحیحاً؛ کالصلاة بلا طهور أو بلا رکوع أو مع خمسة رکوعات.

الجواب عن إشکال المحقق الخوئی (قدس سره):

أمّا ما استشکله أوّلاً فهو علی المبنی المختار عنده و لکن سبق منا التصاویر المتعددة للجامع الصحیحی.

أمّا ما استشکله ثانیاً فإنّ مبناه لایتوقف علی کلیة ذلک کما توهّمه، بل إنّه أشار بحیثیة الصدور من أهله إلی أنّ کلّ ما کان من مراتب الصلاة، لها اقتضاء النهی عن الفحشاء و لکن صحتها و فعلیة تأثیرها، متوقف علی حیثیة الصدور من أهله، فعلی هذا إنّ الفرق بین الصلاة الصحیحة و الفاسدة التی یصدق علیها الصلاة هو أنّ الاقتضاء فی الصحیحة بلغ إلی حدّ الفعلیة و لکن فی الصلاة الفاسدة التی یصدق علیها الصلاة لم یبلغ هذا الاقتضاء إلی حدّ الفعلیة و هذا إمّا من جهة صدورها من غیر أهلها فی ما إذا تمّت من سائر الجهات (الأجزاء و الشرائط) و إمّا من جهة فقدان شرطها مثل فقدان الطهارة أو فقدان جزئها و المحقق الإصفهانی (قدس سره) لایقول بانحصار وجه عدم البلوغ إلی الفعلیة فی عدم صدورها من أهلها حتی یستشکل علیه بهذا البیان.((1))

ص: 306


1- هنا وجوه أخر ذکرت للجامع علی القول بالأعم: 1) فی الکفایة، ص26: «ثالثها: أن یکون وضعها کوضع الأعلام الشخصیة ک (زید) فکما لایضرّ فی التسمیة فیها تبادل الحالات المختلفة من الصغر و الکبر و نقص بعض الأجزاء و زیادته، کذلک فیها ... رابعهاً: إنّ ما وضعت له الألفاظ ابتداء هو الصحیح التام الواجد لتمام الأجزاء و الشرائط، إلّا أنّ العرف یتسامحون - کما هو دیدنهم- و یطلقون تلک الألفاظ علی الفاقد للبعض، تنزیلاً له منزلة الواجد، فلایکون مجازاً فی الکلمة - علی ما ذهب إلیه السکاکی فی الاستعارة- ... خامسها: أن یکون حالها حال أسامی المقادیر و الأوزان، مثل المثقال و الحقة و الوزنة إلی غیر ذلک، ممّا لا شبهة فی کونها حقیقة فی الزائد و الناقص فی الجملة». 2) و لکن فی نهایة النهایة، ص36: «إنّ ما عدا الوجهین الأوّلین من هذه الوجوه لیس من تصویر الجامع بل یصحّح القول بالأعم و لو بأوضاع متعدّدة ملفقة من تعیینیة و تعیّنیة أو باستعمالات مسامحیة بل فی الحقیقة بعض ما ذکره یرجع إلی القول بالصحیح بل إلی القول بالوضع لفرد خاص من الصحاح فلاحظ». 3) و فی عنایة الأصول، ص69: «هذه الوجوه سوی الخامس منها قد ذکرها صاحب التقریرات (قدس سره) لتصویر القول بالأعم لا لتصویر الجامع الأعمی و من هنا تری أنّ ما سوی الوجه الأوّل و الثانی أجنبی عن تصویر الجامع الأعمی و إنّما هو تصویر لمذهب الأعم کما لایخفی». 4) فی نهایة الأصول، ص40: «أمّا الجامع العرضی فتصویره معقول حیث إنّ جمیع مراتب الصلاة مثلاً بما لها من الاختلاف فی الأجزاء و الشرائط تشترک فی کونها نحو توجه خاص و تخشع مخصوص من العبد لساحة مولاه، یوجد هذا التوجّه الخاص بإیجاد أوّل جزء منها و یبقی إلی أن تتم ... و الحاصل أنّ الصلاة ... عبارة عن حالة توجّه خاص یحصل للعبد و یوجد بالشروع فیها و یبقی ببقاء الأجزاء و الشرائط و یکون هذا المعنی المخصوص کالطبیعة المشککة، لها مراتب متفاوتة تنتزع فی کل مرتبة عمّا اعتبر جزء لها ... و لعلّ ما ذکرناه هو المراد من الوجه الثالث المذکور فی الکفایة فی تصویر الجامع علی القول بالأعم، إلّا أنّ التمثیل لذلک بالأعلام الشخصیة ممّا یبعد ذلک فتدبر». 5) فی جواهر الأصول، ص305: «و من الجوامع: الجامع الذی اخترناه و هو تصویر جامع أعم لأفراد الصلاة مع عرضها العریض لا بالنسبة إلی خصوص الأفراد الصحیحة. یتوقف بیان ذلک علی تقدیم أمور ... المتحصل من الأمور الثلاثة هو أنّا نرید تصویر جامع اعتباری بین المصادیق و الأفراد التی یطلق علیها اسم الصلاة عرفاً من دون أن یکون الوضع و الموضوع له عامین و لا بالاشتراک اللفظی. بعد ما تمهد لک ما ذکرنا نقول: إنّ المرکب الاعتباری و الماهیة الاعتباریة و المخترع الشرعی - الذی تعرضه وحدة ما- علی أنحاء» و فی ص308: «إذا أحطت خبراً بما تلونا علیک، فحان التنبّه علی أنّ الصلاة یمکن أن تکون من هذا القسم - أی أخذت لابشرط من جهة المادة و الهیأة- فوضعت لفظة الصلاة لهیأة خاصة فانیة فیها موادها الخاصة و صورة اتصالیة حافظة لموادها حال کونها مأخوذة لابشرط من حیث الزیادة و النقیصة». 6) فی المحکم فی أصول الفقه، ص188: «بما سبق منّا فی تقریب الجامع الصحیحی یتضح تقریب الجامع الأعمی، لأنّه بعد ابتلاء أهل العرف أهل العرف الشرعی بالماهیات المخترعة الجدیدة و النظر إلی أفرادها المختلة و إدراک نحو سنخیة بینها فکما یمکنهم انتزاع جامع اعتباری بین أفرادها المشروعة مع أخذ خصوصیات الأجزاء فیه بنحو الترید حسب اختلاف الأفراد فیها، کذلک یمکنهم انتزاع جامع أوسع یشمل هذه الأفراد و ما یشبهها عرفاً ممّا یسانخها فی الأجزاء و إن کان فاسداً لعدم مشروعیته» ثمّ قال: «و لعلّه إلی هذا یرجع تقریر الجامع بأنّه عبارة عن معظم الأجزاء التی تدور التسمیة مدارها عرفاً» و قال: «و لعلّ هذا أحسن الوجوه المذکورة فی المقام و أبعدها عن الإشکال». 7) فی بحوث فی علم الأصول، ص199 و 200، بعد ذکر إشکال المحقق الخراسانی (قدس سره) فی إمکان تصویر الجامع علی القول بالوضع للأعم: «هذا الاستشکال لیس بشیء أمّا إذا شئنا السیر حسب منهجه فی تصویر الجامع فلإمکان تصویره بسیطاً و مرکباً. أمّا بسیطاً، فبأن نجعل المسمی عبارة عمّا یکون مؤثراً شأناً فی النهی عن الفحشاء و المنکر أی و لو فی بعض الحالات و الملابسات. لأنّ الفاقد لبعض الأجزاء أو الشرائط غیر الرکنیة عرفاً یکون صحیحاً فی حالات العذر و نحوه فیکون الجامع البسیط للصحیح المستکشف ببرکة القانون الفلسفی المتقدم بنفسه جامعاً للأعم و لکن لا بوجوده الفعلی المخصوص بالصحیح بل الشأنی المحفوظ فی الأعم و أمّا مرکباً، فبأخذ الأرکان لابشرط من حیث انضمام الأجزاء الأخری».

ص: 307

ص: 308

الأمر الثانی: الاستدلال علی القول بالصحیح و الأعم
اشارة

إنّ الأقوال هنا أربعة: (1)

القول الأوّل: مختار الشیخ و المحقق النائینی (قدس سرهما)
اشارة

و هو القول بوضع الألفاظ لما هو أخص من الصحیح (أی المرتبة العلیا).

قال المحقق النائینی (قدس سره) فی أجود التقریرات: «إنّ الموضوع له أوّلاً هی المرتبة العلیا الواجدة لتمام الأجزاء و الشرائط و الاستعمال فی غیرها من مراتب الصحیحة

ص: 309


1- . فی هدایة المسترشدین، ص436: «المقام الثانی فی بیان الأقوال فی المسألة و هی عدیدة: منها: القول بوضعها للصحیحة الجامعة لجمیع الأجزاء المعتبرة و سائر شروط الصحة و إلیه ذهب جماعة من الخاصة و العامة فمن الخاصة السیّد و الشیخ (قدس سرهما) فی ظاهر المحکی عن کلامیهما و العلّامة (قدس سره) فی ظاهر موضع من النهایة و السیّد عمید الدین (قدس سره) فی موضع من المنیة و الشهیدان (قدس سرهما) فی القواعد و المسالک و استثنی الأوّل منه الحج لوجوب المضی فیه و من فضلاء العصر الشریف الأستاذ (قدس سره) و عزاه إلی أکثر المحققین و الفقیه الأستاذ (رفع مقامه) و غیرهما و من العامة أبو الحسین البصری و عبد الجبار بن أحمد و حکی القول به عن الآمدی و الحاجبی و غیرهما و حکاه الإسنوی عن الأکثرین ... و منها: القول بوضعها للمستجمعة لجمیع الأجزاء المعتبرة فیها من غیر اعتبار للشرائط فی وضعها و هو محکی عن البعض ... و منها: أنّها موضوعة بإزاء الأعم من الصحیحة و الفاسدة من غیر مراعاة لاعتبار جمیع الأجزاء و لا الشرائط بل إنّما یعتبر ما یحصل معه التسمیة فی عرف المتشرعة و إلیه ذهب من الخاصة العلّامة فی غیر موضع من النهایة و ولده فی الإیضاح و السیّد عمید الدین فی موضع من المنیة و الشهید الثانی فی تمهیده و روضته و شیخنا البهائی و جماعة من الفضلاء المعاصرین (قدس سرهم) و من العامة القاضی أبو بکر و أبو عبد الله البصری و غیرهم ثمّ إنّه یمکن تقریر القول المذکور علی وجوه» الخ. و فی تعلیقة علی معالم الأصول، ج2، ص360، فی المقدمة السابعة: «أمّا الأقوال فالحق منها تحصیلاً و نقلاً قولان: الصحیحة مطلقاً کما نسب إلی جماعة من الخاصة و العامة و ربّما عزی إلی أکثر المحققین و قد یدّعی فیه الشهرة و الأعم کذلک کما صار إلیه جماعة من متأخری المتأخرین ... و قد اشتهر قول ثالث و هو التفصیل بین الأجزاء فالصحة و الشرائط فالعموم و المعروف فی الألسنة نسبة هذا القول إلی العلّامة البهبهانی (قدس سره) و فی النسبة ما عرفت فهذا القول إمّا لا أصل له أو قائله لیس بمعلوم و قد یحکی قول رابع عن الشهید فی القواعد و عبارته: "إنّ الماهیات الجعلیة کالصلاة و الصوم و سائر العقود لاتطلق علی الفاسدة إلّا الحج لوجوب المضی فیه» الخ.

علی قول الصحیحی أو الأعم منها علی الأعمی من باب الادّعاء و التنزیل».((1))

و الموضوع له علی کلا القولین هی المرتبة العلیا و بقیة مراتب الصحیحة أو الأعم یستعمل فیها الألفاظ ادّعاءً و من باب تنزیل الفاقد منزلة الواجد مسامحةً، کما فی جملة من الاستعمالات أو من باب اکتفاء الشارع بها، کما فی صلاة الغرقی، فإنّه لایمکن فیها الالتزام بالتنزیل المذکور.

و قال:((2)) ثمّ إنّ هذا الاحتمال الذی ذکرناه غیر بعید فی حدّ ذاته و یساعده الوجدان العرفی و لیس فی مقام فهم المفاهیم أمر آخر أوضح منه.

ناقش فیه المحقق الخوئی (قدس سره):

((3))

أوّلاً: إنّا نری بالوجدان صحة استعمال الصلاة فی غیر المرتبة الکاملة بلا عنایة و تنزیل أصلاً.

ثانیاً: إنّ الوجدان العرفی إمّا ینتهی إلی التبادر أو إلی الاستظهار العرفی و التبادر مفقود فی المقام و أمّا الاستظهار العرفی فلیس دلیلاً علی الوضع.

ص: 310


1- أجود التقریرات، ط.مؤسسة صاحب الأمر (عجل الله تعالی فرجه)، ج1، ص53 و فی ص36: «و یمکن دفع الإشکال عن کلا القولین بالتزام أنّ الموضوع له أوّلاً هی المرتبة العلیا» الخ.
2- أجود التقریرات، ط.مؤسسة صاحب الأمر (عجل الله تعالی فرجه)، ج1، ص54.
3- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص141 و ط.ج. ص160 و دراسات فی علم الأصول، ج1، ص70. و فی بحوث فی علم الأصول، ص210: «هذا إذا کان بقصد التخلّص من تصویر الجامع بلحاظ سائر المراتب فهو یواجه أیضاً مشکلة تصویر الجامع بلحاظ الأنحاء المختلفة للصلاة الاختیاریة لا من ناحیة القصر و التمام فقط بل من ناحیة کونها ثنائیة تارة و ثلاثیة أخری و رباعیة ثالثة».
القول الثانی: وضع الألفاظ للصحیحة
اشارة

و هو مختار صاحب الکفایة و الأستاذ العلّامة البهجة (قدس سرهما).((1))

أدلة القول بالصحیح خمسة:
الدلیل الأوّل: التبادر

((2))

الدلیل الثانی: صحة السلب

((3))

ص: 311


1- و اختاره أیضاً فی هدایة المسترشدین و فی الفصول، ص46 و فی عنایة الأصول، ص91. و فی حاشیة الکفایة للعلّامة (قدس سره)، ص45 و 46: «الحق أن یقال بالنظر إلی الأصول السابقة انّ الاعتبار إنّما یتعلق بالشیء لإیفائه بالغرض أی یتعلق بالمجعول الصحیح و الغرض من حیث البیان و التبین إنّما یتعلق ابتداء بالصحیح من المجعول فهو المکشوف عنه بالاسم أوّلاً ثمّ التداول و التناول یوجب وجود الفاسد منه فیطلق الاسم علیه بالعنایة أوّلاً و إن أمکن الاستغناء عن إعمال العنایة بالأخرة».
2- فی الکفایة، ص29: «و کیف کان فقد استدلّ للصحیحی بوجوه: أحدها: التبادر و دعوی أنّ المنسبق إلی الأذهان منها هو الصحیح» الخ. و فی هدایة المسترشدین، ص442: «الأوّل التبادر فإنّ أسامی العبادات کالصلاة و الصیام و الزکاة و الوضوء و الغسل و التیّمم و غیرها إذا أطلقت عند المتشرعة انصرفت إلی الصحیحة ألاتری أنّک إذا قلت: صلّیت الصبح أو صمت الجمعة أو توضأت أو اغتسلت لم ینصرف إلّا إلی الصحیح من تلک الأعمال و لم یفهم منها فی عرف المشترعة إلّا ذلک فإطلاق تلک الألفاظ لاینصرف إلّا إلی الصحیحة و لایحمل علی الفاسدة إلّا بالقرینة کما هو واضح من ملاحظة الإطلاقات الدائرة و ذلک من أقوی الأمارات علی کونها حقیقة فی الأولی مجازاً فی الثانیة».
3- فی الکفایة، ص29: «ثانیها: صحة السلب عن الفاسد بسبب الإخلال ببعض أجزائه أو شرائطه بالمداقة و إن صحّ الإطلاق علیه بالعنایة». و فی الفصول، ص46: «لنا وجوه الأوّل تبادر المعانی الصحیحة منها و قد مرّ أنّه علامة الحقیقة و صحة سلب الاسم عن غیر الصحیحة و عدم تبادر المعنی الأعم منها و قد تقدّم أنّهما علامة المجاز فتکون حقائق فی الصحیحة مجازات فی الفاسدة» و فی هدایة المسترشدین، ص446: «الثانی: صحة السلب فإنّه یصحّ سلب کل من العبادات عن الفاسدة فیصحّ أن یقال لمن صلّی مع الحدث متعمداً أو بدون القراءة کذلک: إنّه لم یصل حقیقة و إنّما وقع منه الصورة و کذا الحال فی غیرها من الوضوء و الغسل و التیمّم و نحوها و صدق تلک العبادات علی الفاسدة منها لیس إلّا من جهة المشاکلة و إلّا فصحة السلب عنها عند التأمل فی العرف ظاهر و ذلک دلیل علس عدم کون الفاسدة من الأفراد الحقیقیة لها فلا تکون أسامی لما یعمّها فینحصر الأمر فی کونها أسامی لخصوص الصحیحة منها و هو المدعی».
الدلیل الثالث: الأخبار الظاهرة فی تحقق الوضع للصحیح
اشارة

((1))

و هی علی طائفتین:

الطائفة الأولی:((2)) ما هی ظاهرة فی إثبات بعض الخواص و الآثار للمسمّیات مثل الصلاة عمود الدین أو معراج المؤمن و الصوم جنة من النار.

الطائفة الثانیة:((3)) ما هی ظاهرة فی نفی ماهیاتها و طبائعها مثل لا صلاة إلّا

ص: 312


1- فی الکفایة، ص29: «ثالثها: الأخبار الظاهرة فی إثبات بعض الخواص و الآثار للمسمّیات ... أو نفی ماهیتها و طبائعها ... ممّا کان ظاهراً فی نفی الحقیقة بمجرّد فقد ما یعتبر فی الصحة شطراً أو شرطاً» الخ و فی الفصول، ص47: «الثالث ما ورد فی الأخبار المستفیضة من أنّه لا صلاة إلّا بطهور و لا صلاة إلّا بفاتحة الکتاب و لا صیام لمن لم یبت الصیام من اللیل إلی غیر ذلک ممّا یدلّ بظاهره علی نفی الماهیة عند انتفاء بعض الأجزاء و الشرائط فیلزم أن لایکون اللفظ موضوعاً لها حینئذٍ و یتمّ المقصود فیها عند انتفاء غیر تلک الأجزاء و الشرائط و فی غیر تلک العبادات بعدم القول بالفصل».
2- فی هدایة المسترشدین، ص447: «الثالث: ظواهر الآیات و الأخبار کقوله تعالی: (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَی عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْکَرِ) (العنکبوت:45) ... فإنّ حمل تلک المحمولات علی مطلق الصلاة معرفاً باللام ظاهر جداً فی أنّ الطبیعة المقرّرة من الشارع المحدثة منه هی المتصفة بذلک لا أنّ نوعاً منها کذلک و البواقی أمور محرمة متصفة بما یضاد الصفات المذکورة کالزنا و السرقة فإنّه فی غایة البعد عن ظواهر تلک التعبیرات الواردة فی تلک الآیات و الروایات کما لایخفی».
3- فی هدایة المسترشدین، ص448: «الرابع: ما دلّ من الأخبار علی نفی الصلاة مع انتفاء بعض الأجزاء و الشرائط کقوله (علیه السلام): "لا صلاة إلّا بفاتحة الکتاب" ... فإنّ قضیة ذلک بحسب ظاهر اللفظ هو نفی الحقیقة و قد أخبر به صاحب الشریعة و لو کانت أسامی للأعم لما صحّ ذلک بل لزم حملها علی نفی صفة من صفاتها کالکمال أو الصحة مع بقاء الحقیقة و هو خروج عن ظاهر العبارة» الخ.

بفاتحة الکتاب.

یلاحظ علی هذه الأدلة الثلاثة:

إنّ الأعمی أیضاً یدّعی التبادر و عدم صحة السلب عن الفاسدة((1)) و أیضاً یستدل بالأخبار و یُجیب((2)) عن الأخبار التی استدلّ بها الصحیحی بأنّ الاستعمال أعمّ من الحقیقة، کما أنّ الصحیحی أیضاً أجاب عن الأخبار التی استدلّ بها الأعمّی هکذا، بل الأعمّی یقول: استعمال الصلاة فی الصحیحة منها لیس خارجاً عن الموضوع له الحقیقی بل هو استعمال الکلی فی حصّة خاصة من معناه.

ص: 313


1- فی القوانین، ص44، بعد ذکر اختیاره للقول بالأعم: «و یدلّ علیه عدم صحة السلب عمّا لم یعلم فساده و صحته بل و أکثر ما علم فساده أیضا و تبادر القدر المشترک منها».
2- فی هدایة المسترشدین، ص448، بعد ذکر الدلیل الرابع و هی الطائفة الثانیة: «و قد أورد علیه بوجوه: أحدها: المنع من کون العبارة المذکورة حقیقة فی نفی وجود الماهیة و إنّما مفادها نفی وجود صفة من صفاتها الظاهر ذلک فی بقاء الحقیقة ... فعلی هذا تکون تلک الأخبار أدلّة علی القول بوضعها للأعم علی عکس ما أراد المستدل. ثانیها: أنّ العبارة المذکورة قد شاع استعمالها فی نفی الکمال أو الصحة من غیر أن یراد بها نفی الحقیقة» الخ . و فی ص451: « ثالثها: أنّ ظاهر تلک العبارة و إن کان ذلک إلّا أنّ ظاهر المقام یصرفها عن ذلک فإنّ شأن الشارع بیان الأحکام الشرعیة لا مجرّد انتفاء الحقیقة و الماهیة و عدم حصول مسمی الموضوعات اللفظیة فینصرف إلی نفی الکمال أو الصحة ... رابعها: أنّه لو بنی علی ظاهر العبارة لزم أن لاتکون الصلاة الخالیة عن الفاتحة صلاة و لو کانت متروکة نسیاناً أو لعذر و لا قائل به» الخ . و فی ص452: «خامسها: أنّها معارضة بقوله (علیه السلام): "إذا دخل الوقت وجب الطهور و الصلاة" فإنّ ظاهر العطف قاض بالمغایرة و تحقق مفهوم کل منهما بدون الآخر و قوله (علیه السلام): "الصلاة ثلث طهور و ثلث رکوع و ثلث سجود" و نحو ذلک ممّا ورد فإنّ ظاهر العبارة تحقق الماهیة بذلک و هو یعمّ الصحیح و الفاسد» و فی ص453: «سادسها: المنع من عدم القول بالفصل» الخ.
الدلیل الرابع: استدلال الصحیحی بطریق اللمّ.

((1))

و هو دعوی القطع بأنّ طریقة الواضعین وضع الألفاظ للمرکبات التامة و الشارع غیر متخطّ عن هذه الطریقة.

الدلیل الخامس: استدلال الصحیحی بطریق اللمّ أیضاً.
اشارة

((2))

ص: 314


1- فی الکفایة، ص30: «رابعها: دعوی القطع بأنّ طریقة الواضعین و دیدنهم وضع الألفاظ للمرکبات التامة کما هو قضیة الحکمة الداعیة إلیه و الحاجة و إن دعت أحیاناً إلی استعمالها فی الناقص أیضاً إلّا أنّه لایقتضی أن یکون بنحو الحقیقة بل و لو کان مسامحة تنزیلاً للفاقد منزلة الواجد و الظاهر أنّ الشارع غیر متخط عن هذه الطریقة و لایخفی أنّ هذه الدعوی و إن کانت غیر بعیدة إلّا أنّها قابلة للمنع فتأمل».
2- فی هدایة المسترشدین، ص453: «الخامس: إنّ الأمر المهتم به فی الشریعة الذی یشتد إلیه الحاجة و به ینوط معظم الأحکام الواردة فی الکتاب و السنة و یکثر التعبیر عنه فی المخاطبات الدائرة فی کلام الشارع و المتشرعة إنّما هی الصحیحة إذ بها ینوط المثوبات الأخرویة و علیها بنیت أساس الشریعة فالطبیعة المقرّرة من الشارع هی تلک ... و علی ما اخترناه من ثبوت الحقیقة الشرعیة فالأمر أوضح إذ قضیة الحکمة وضع اللفظ بإزاء ما یشتد إلیه الحاجة و یعتد بشأنه سیّما بعد إثبات عرف خاص لأجل بیانه» الخ. و فی الفصول، ص46: «الثانی لا ریب فی أنّ فی الشرع ماهیات مخترعة مطلوبة هی ذوات أجزاء و شرائط قد تصدی الشارع لبیانها ببیان أجزائها و شرائطها و أحکامها و حثّ فی المواظبة علیها و ظاهر أنّ هذه لیست إلّا العبادات الصحیحة و حیث کان أسهل طرق التفهیم و التفاهم بتأدیة الألفاظ مسّت الحاجة إلی نصب ألفاظ علی تلک الماهیات» الخ. و فی تعلیقة علی معالم الأصول، ج2، ص372: «و منها: قضاء الوجدان بذلک فإنّا إذا راجعنا وجداننا بعد تتبع أوضاع المرکبات الخارجیة - عرفیة و غیرها- و فرضنا أنفسنا واضعین للفظ لمعنی مخترع مرکب نجد من أنفسنا حین الوضع عدم التخطی عن الوضع للمرکب التام الأجزاء و الشرائط مضافاً إلی أنّه الذی کونه الموضوع له ممّا یقتضی حکمة الوضع و هی مسیس الحاجة إلی التعبیر عنه و الحکم علیه بما هو من لوازمه و آثاره» الخ. و فی کفایة الأصول، ص30: «رابعها: دعوی القطع بأنّ طریقة الواضعین و دیدنهم وضع الألفاظ للمرکبات التامة کما هو قضیة الحکمة الداعیة إلیه ... و الظاهر أنّ الشارع غیر متخط عن هذه الطریقة و لایخفی أنّ هذه الدعوی و إن کانت غیر بعیدة إلّا أنّها قابلة للمنع فتأمل». و فی عنایة الأصول، ص89، عند ذکر الدلیل الرابع من صاحب الکفایة (قدس سره): «و قد جعله فی التقریرات أوّل الوجوه الثمانیة بل جعله المعتمد من بین سایر الوجوه قال ما لفظه: هدایة فی ذکر احتجاج القول بالصحیح و هو من وجوه: أحدها و هو المعتمد قضاء الوجدان الخالی عن شوائب الریب بذلک فإنّا إذا راجعنا وجداننا بعد تتبع أوضاع المرکبات العرفیة و العادیة و استقرائها و فرضنا أنفسنا واضعین اللفظ لمعین مخترع مرکب نجد من أنفسنا فی مقام الوضع عدم التخطی عن الوضع لما هو المرکب التام ... انتهی موضع الحاجة من کلامه» و راجع أیضاً مباحث الأصول، ص138.

إنّ وضع الألفاظ للمرکبات التامة مقتضی حکمة الوضع (الداعیة إلی وضع الألفاظ) و الحاجة و إن دعت أحیاناً إلی استعمالها فی الناقص أیضاً إلّا أنّه لایقتضی أن یکون بنحو الحقیقة بل و لو کان مسامحة تنزیلاً للفاقد منزلة الواجد.

و الظاهر أنّ الشارع الحکیم غیر متخطّ عما هو مقتضی حکمة الوضع.

بیان لتکمیل الدلیل الرابع و الخامس:
اشارة

إنّ الطریقة العقلائیة و سیرتهم تقتضی أن لایخترعوا شیئاً إلّا بالغایة المترتبة علیه، فعلی هذا دائرة اختراعات العقلاء للماهیات المخترعة المرکبة محدودة بالغایة و حصول الأثر الذی یترتب علی تلک الماهیة المخترعة فإذاً ترتب الغرض هو المدار فی تشخیص مخترعاتهم و لا شبهة فی أنّ الغرض من الماهیة المخترعة الصلاتیة یترتب علی الحصّة التی توصف بالصحّة فالمخترع نفس تلک الحصّة.

و أیضاً سیرتهم هو وضع الألفاظ لنفس مخترعاتهم.

و هذه الطریقة العقلائیة لیست أمراً لغواً بل منشؤها حکمة الوضع و الجعل، حیث إنّ الحکمة تقتضی جعل الماهیة المخترعة بحسب الغرض المترتّب علیها و أیضاً حکمة الوضع تقتضی وضع الألفاظ علامة علیها و الشارع لایتخطّی عن حکمة الجعل و الوضع و لا عن السیرة العقلائیة علی جعل الماهیات المرکبة

ص: 315

بحسب الغایة و السیرة العقلائیة علی وضع الألفاظ علیها.

فإن قلت: حکمة الاستعمال تقتضی وضع الألفاظ للمعنی الأعمّ، حیث نحتاج فی مقام التفهیم و التفهم إلی أن نعبّر عن المعنی الأعمّ من الصحیح و الفاسد.

قلت: إنّ حکمة الاستعمال لاتقتضی وضع الألفاظ علی المعانی التی نحتاج إلی استعمالها بل تقتضی وجود الألفاظ الدالة علی تلک المعانی حقیقةً أو مجازاً.

إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) علی هذا البیان:

(1)

إنّ الظاهر من الطریقة العرفیة خروج ما له دخل فی فعلیة التأثیر عن المسمّی

ص: 316


1- . نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ج1، ص125. و ذکر فی الفصول، ص46، إیراداً علی هذا الدلیل بعد بیانه فقال: «یجوز أن یکون قد تجوّز بها و استعملها فی المعنی الأعم و أطلقها علی المعنی الذی أراده من باب إطلاق العام علی الخاص لا من حیث الخصوصیة لئلّایلزم سبک مجاز من مثله» ثمّ أجاب عنه بقوله: «هذا بعید فإنّ الظاهر ممّن تجوّز بلفظ فی معنی اخترعه أنّه تجوّز به فیه لا فی غیره و لاینبغی التأمل فی حجیة مثل هذا الظهور فی مباحث الألفاظ و کذا الکلام لو قلنا بصیرورتها حقائق بغلبة الاستعمال فی لسان المتشرعة و لو مع الشارع أو بصیرورتها حقائق قبل زمانه». و فی تعلیقة علی معالم الأصول، ج2، ص372: «و جوابه تکذیب هذا الوجدان بإطلاقه و محصله أنّا نجد من أنفسنا بعد المراجعة و التتبع أنّ الواضع قد یتعلق غرضه بأن لایطلق اللفظ إلّا علی المرکب التام من حیث هو دون ما یغایره من زائد علیه أو ناقص منه و قد یتعلق غرضه بالإطلاق علیه و علی الناقص بمراتبه ... و ظاهر أنّ ماهیات العبادات من قبیل القسم الثانی» الخ. و فی نهایة النهایة، ص42، عند التعلیقة علی قول الکفایة: «کما هو قضیة الحکمة الداعیة إلیه»: «إنّما یکون قضیة الحکمة ذلک إذا کانت الحاجة إلی استعمال اللفظ فی الناقص نادرة و لکنّها ممنوعة فإنّها إن لم تزد علی الحاجة إلی استعماله فی التام لم تنقص عنها» . و راجع أیضاً وسیلة الوصول، ص105 و نهایة الأفکار، ص90 و حقائق الأصول، ص72 و منتقی الأصول، ص261 و بحوث فی علم الأصول، ص209 و حاشیة الکفایة للعلّامة (قدس سره)، ص.45 و فی مباحث الأصول، بعد ذکر تقریب الدلیل الرابع لکل من القول بالصحیح و القول بالأعم قال فی ص139: «یمکن التفصیل فی هذا المقام بین أسماء المعانی و الأعیان فالثانی یعبّر به عمّا له شأنیة التأثیر و ذلک لأنّ الأعیان توجد قابلة للاتصاف بکل من الصحة و الفساد بعد الوجود و الحاجة ماسة إلی التسمیة و الغایة و إن کانت هو المؤثر إلّا أنّ المقتضی ممّا هو العمدة فی الحاجة بعد وجوده بحیث إذا أرادوا المؤثر فعلاً قیّدوه بالصحة بخلاف أسماء المعانی و الأفعال فإنّها توجد صحیحة أو فاسدة و لیس لها بعد وجودها حالة اقتضاء لکل من الصحة و الفساد ... و یمکن أن یقال: إنّ ما قدّمناه - من البرهان من أنّ الاستعمال فی الصحیح لایحتاج إلی ملاحظة العلاقة فیکشف عن الوضع له و معه یستغنی عن الوضع التعیینی للأعم لصحة الاستعمال مع الوضع النوعی مع القرینة - یجری فی هذا المقام أیضاً فیدفع التفصیل المذکور» الخ.

فی أوضاعهم، فتراهم یضعون اللفظ بإزاءمعجون خاص مرکّب من عدّة أشیاء، من دون أخذ ما له دخل فی فعلیة تأثیرها من المقدمات و الفصول الزمانیة و غیرها فی المسمّی، بل یضعون اللفظ لذات ما یقوم به الأثر و ممّا ذکرنا ظهر إمکان استظهار اتحاد طریقتی الشارع و العرف فی الأوضاع و أنّ لازمه الوضع لذات ما یقتضی الأثر فالشرائط خارجة عن المسمّی.

یلاحظ علی کلامه:

إنّ الوضع لایتحقّق إلّا بالنسبة إلی المعنی المراد و فی الماهیات المخترعة یتحقّق إرادتان:

الإرادة الأولی: هی التی تتعلق بها فی مرحلة جعلها و اختراعها و هی تابعة لغایتها التی هی ترتب الأثر علیها و هذه الإرادة تتعلق بالماهیة المخترعة الصحیحة و هذه الإرادة موجودة فی مرحلة الوضع. ثمّ إنّ ما له دخل فی مطلوبیة طبیعة الصلاة فهو داخل فی الموضوع له دون ماله دخل فی مطلوبیة فرد الصلاة مثل خصوص صلاة الصبح.

ص: 317

الإرادة الثانیة: هی التی تتعلق بها فی مرحلة استعمالها لبیان أمرین:

الأمر الأوّل: بیان کیفیة تحقق الماهیة المخترعة من حیث أجزائها و شرائطها و موانعها و تعلقها بالمکلف.

الأمر الثانی: بیان الغایة المترتبة علیها و خواصّها .

و بیان الأمر الأوّل یقتضی تعلق الإرادة الثانیة بالمعنی الأعم و لکن هذه مربوطة بمرحلة الاستعمال و بیان التکالیف و هی متأخرة عن مرحلة الوضع و الإرادة التی هی دخیلة فی تحقق الوضع هی الإرادة فی المرحلة الأولی، ففی مرحلة الوضع یضع الواضع اللفظ للصلاة الصحیحة و فی مرحلة الاستعمال حکمة الاستعمال تقتضی استعمال اللفظ فی الماهیة المخترعة بما له اقتضاء التأثیر حتی یحکم علیها بالفساد عند فقد الجزء أو الشرط أو وجود المانع و حکمة الاستعمال تقتضی وجود الألفاظ الدالة علی المعنی الأعم سواء کانت الدلالة بنحو الحقیقة أم المجاز.

و هناک أدلّة أخری علی القول بالصحیح، لانطیل الکلام بذکرها. ((1))

ص: 318


1- هنا أدلّة أخری: ففی هدایة المسترشدین، ص454: «السادس: ما أفاده بعض المحققین من أنّا نعلم أنّ للعبادات أجزاء معتبرة فیها یتألف منها ماهیاتها کما هو ظاهر من ملاحظة الشرع و لو کانت للأعم لما کانت کذلک إذ صحة إطلاقها حینئذٍ مع فقد کل واحد منها یستلزم انتفاء جزئیتها أو تحقق الکل بدون الجزء هذا خلف» و فی ص455: «الثامن: ما أفاده المحقق المذکور أیضاً من أنّها لو کانت موضوعة للأعم لم تکن توقیفیة بل کان المرجع فیها إلی العرف إذ هو المناط فیها علی القول المذکور و التالی باطل ضرورة کونها أموراً توقیفیة متلقاة من صاحب الشریعة لا یصحّ الرجوع فیها إلی عرف و لا عادة». و فی، ص455: «السابع: ما أفاده المحقق المذکور أیضاً و هو أنّ کل واحد من العبادات متعلق لطلب الشارع و أمره و لا شیء من الفاسدة کذلک فلا شیء من تلک العبادات بفاسدة» و فی الفصول، ص47: «الرابع أنّ جمیع العبادات مطلوبة للشارع متعلقة لأمره و لا شیء من الفاسدة کذلک فلا شیء من الفاسدة بعبادة و هو المطلوب» الخ . و فی الفصول، ص47: «الخامس لو کانت تلک الألفاظ موضوعة للصحیحة کان له أوجه ضبط فی المعنی الموضوع له کالصحیحة أو المبرئة للذمة أو المطلوبة للشارع أو نحو ذلک و أمّا إذا کانت موضوعة للمعی الأعم لم یکن لها وجه ضبط بحیث یمکن تعقله حتی یصحّ أن تکون تلک الألفاظ موضوعة بإزائها و لایمکن القول بأنّها موضوعة لجملة من تلک الأفعال لعدم صدقها عندهم علی کل جملة منها و لایصحّ أخذها علی وجه یعتبر فیه الصدق عرفاً للزوم الدور» الخ. و قال: «السادس أنّها لو لم تکن موضوعة لخصوص الصحیحة لزم ارتکاب التقیید فی الأوامر المتعلقة بها لظهور أنّها لاتتعلّق بالفاسدة و التقیید علی خلاف الأصل و أمّا إذا کانت موضوعة للصحیحة فلایلزم ذلک» و لکن قال بعد ذکر السادس: «و هذا ضعیف إذ لا عبرة بهذا الأصل و نظائره فی إثبات الأوضاع».
القول الثالث: وضع الألفاظ للأعم
اشارة

و هو مختار المحقق الإصفهانی((1)) و المحقق الحائری((2)) و المحقق العراقی((3)) و المحقق الخوئی (قدس سرهم) ((4)) و بعض الأساطین (حفظه الله)((5))کما أنّ المذکور فی تقریرات جمع من أعلام الأصولیین هو القول بتمامیة هذه النظریة و صحتها، مثل تهذیب الأصول((6))

ص: 319


1- نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ج1، ص125؛ فی ص84: «مقتضی النظر الدقیق هو الوضع للأعم».
2- درر الأصول، ص51: «الإنصاف أنّا لانفهم من الصلاة و نظائرها إلّا الحقیقة التی تنطبق علی الصحیح و الفاسد و نری أنّ لفظ الصلاة فی قولنا: "الصلاة إمّا صحیحة أو فاسدة" لیس فیه تجوّز و ملاحظة علاقة صوریة بین ما أردنا من اللفظ و بین المعنی الحقیقی له و هذا ظاهر عند من راجع وجدانه و أنصف» الخ.
3- المقالات، ج1، ص159؛ فی ص152: «الأقوی المصیر إلی الأعم» الخ.
4- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص169 و ط.ج. ص192.
5- تحقیق الأصول، ج1، ص267.
6- تهذیب الأصول، ج1، ص63.

و منتقی الأصول((1)) و مباحث الدلیل اللفظی من بحوث فی علم الأصول.((2))

أدلة القول الثالث:
الدلیل الأول:
اشارة

عدم إمکان الوضع للصحیح لعدم وجود الجامع بین أفراد الصحیحی مع أن الجامع بین أفراد الأعمی موجود.

قال المحقق الخوئی (قدس سره): «إن ألفاظ العبادات - کالصلاة و نحوها - موضوعة للجامع بین الأفراد الصحیحة و الفاسدة، لا لخصوص الجامع بین الأفراد الصحیحة.

و من هنا لا مجال للنزاع فی مقام الإثبات عن أن الألفاظ موضوعة للصحیح أو للأعم، فإن النزاع فی هذا المقام متفرّع علی إمکان تصویر الجامع علی کلا القولین معاً، فإذا لم یمکن تصویره إلا علی أحدهما (و هو القول بالأعمّ) فلامجال له أصلا، إذاً لابدّ من الالتزام بالقول بالأعم و لامناص عنه، هذا من ناحیة».((3))

و یلاحظ علیه:

ما تقدّم من تصویر الجامع علی القولین.

ص: 320


1- منتقی الأصول، ج1، ص27 و فی ص270: «إنّ أسامی العبادات عند العرف لاتفترق عن سائر أسامی المرکبات و کون حالها حال غیرها و نحن نری بالوجدان القاطع بأنّ اللفظ لایختص فی المرکبات العرفیة بالصحیح فقط، بل یصدق علیه و علی الفاسد».
2- بحوث فی علم الأصول، مباحث الدلیل اللفظی، ج1، ص210: «یترجح القول بالوضع للأعم علی جمیع التقادیر».
3- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص169 و ط.ج. ص192.
الدلیل الثانی:
اشارة

أنّ المرتکز فی أذهان المتشرعة: هو أنّ إطلاق لفظ الصلاة علی جمیع أفرادها الصحیحة و الفاسدة علی نسق واحد من دون لحاظ عنایة فی شیء منها، ضرورة أنهم یستعملون هذا اللفظ فی الجمیع غافلین عن لحاظ قرینة المجاز و العنایة فی موارد إطلاقه علی الفرد الفاسد، فلو کان اللفظ موضوعا لخصوص الصحیح فلا محالة کان إطلاقه علی الفاسد محتاجا إلی لحاظ عنایة و قرینة، مع أن الأمر علی خلاف ذلک، و أنّ الاستعمال فی الجمیع علی نسق واحد فلافرق بین قولنا: فلان صلی صلاة صحیحة، أو تلک الصلاة صحیحة، و بین قولنا: فلان صلی صلاة فاسدة، أو هذه الصلاة فاسدة، و هکذا... و حیث إن استعمالات المتشرعة تابعة للاستعمالات الشرعیة فتکشف تلک عن عموم المعنی الموضوع له عند الشارع المقدس أیضاً. ((1))

یلاحظ علیه:

ما أفاده و إن کان متیناً إلا أنّه صحیح بالنسبة إلینا بعد تحقق الوضع التعینی الذی سنشیر إلیه فی القول الرابع، و لکنه لایصح بالنسبة إلی زمان الشارع قبل تحقق کثرة الاستعمال بل الوضع التعیینی فی زمان الشارع یقتضی الحمل علی المعنی الصحیح، فما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) إنما یصح بعد تحقق الوضع التعینی بکثرة الاستعمال.

و هنا أدلة أخری لانطیل الکلام بذکرها. ((2))

ص: 321


1- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص169 و ط.ج. ص192.
2- أمّا أدلة القول بالأعم فهی وجوه: 1) فی هدایة المسترشدین، ص458: «حجة القائلین بکونها للأعم وجوه: أحدها: قضاء أمارات الحقیقة به و هو من وجوه: منها: التبادر ... و منها: عدم صحة سلبها عن الفاسدة ... و منها: صحة تقسیمها إلی الصحیحة و الفاسدة و هو ظاهر فی کونها حقیقة فی المقسم و منها: أنّها تقیّد بالصحة تارة و بالفساد أخری و الأصل فیما هو کذلک أن یکون حقیقة فی القدر المشترک بین القیدین و منها: صحة استثناء الفاسدة منها إذا دخل علیها أداة العموم ... و منها: حسن الاستفهام فیما لو أخبر أحد بوقوع شیء من تلک العبادات أو حکم علیه بشیء أنّها هل کانت صحیحة أو فاسدة ... و منها: أنّها تطلق علی الصحیحة تارة و علی الفاسدة أخری و الأصل فیما هو کذلک أن یکون حقیقة فی القدر المشترک بین الأمرین، حذراً من الاشتراک و المجاز». 2) فی الفصول، ص47: «منها أنّ کون هذه الألفاظ موضوعة للصحیحة علی تقدیر تسلیمه لایقتضی أن لایطلق علی الفاسدة حقیقة بدلیل أنّ الأعلام موضوعة بإزاء تمام الأشخاص بشهادة قولهم دلالة زید علی یده و إصبعه دلالة تضمنیة و مع ذلک یصدق علیه بالوضع السابق عند انتفاء بعض أجزائه أو زیادته علیها و یلزم من ذلک أن تکون حقیقة فی الأعم و هو المطلوب». 3) فی الفصول، ص48: «منها أنّ هذه الألفاظ لو کانت موضوعة للصحیحة لزم فیما لو نذر أن یعطی مصلیاً حال تشاغله بالصلاة درهماً أن لاتبرأ ذمته بإعطائه لمن یراه مصلیاً و إن کان عنده فی أعلی مراتب العدالة و الصلاح ما لم یبحث عن کیفیة صلاته و یطلع علی صحتها الواقعیة باستکمالها الأجزاء و الشرائط و ذلک ممّا لایلتزم به أحد و کذا الکلام فی جواز الائتمام به» و ذکره فی هدایة المسترشدین، ص479، ضمن أمور أیّد المحقق القمی (قدس سره) بها القول بالأعم. 4) فی هدایة المسترشدین، ص475: «رابعها: أنّها لو کانت موضوعة لخصوص الصحیحة لما صحّ تعلّق الطلب بشیء من العبادات معلقاً له علی أسامیها و التالی ظاهر الفساد» الخ. 5) فی الفصول، ص48: «و منها ما ورد فی الروایات المستفیضة من الأمر بإعادة الصلاة عند حصول بعض المنافیات و هی عبارة عن الإتیان بالفعل ثانیاً بعد الإتیان به أوّلاً فیکون المراد بها المعنی الأعم إذ لیس الأمر هناک بإعادة الصحیحة و علی قیاسه الکلام فی سائر الألفاظ». 6) فی هدایة المسترشدین، ص461: «ثانیها: أنّه قد شاع استعمال تلک الألفاظ فی مواضع عدیدة فی الأعم من الفاسدة، یستفاد من کل منها وضعها بإزاء الأعم من الصحیحة و یبعد التزام التجوّز فی تلک الاستعمالات الشائعة. منها: أنّه قد شاع فی الأخبار بل جاوز حد التواتر بمرار الأمر بإعادة الصلاة و غیرها من العبادات إذا طرأها فساد لترک جزء أو ارتفاع شرط أو وجود مانع ... و منها: أنّه قد شاع فی الاستعمالات الجاریة و تداول بین الخاصة و العامة الحکم ببطلان الصلاة و فسادها عند حصول ما یفسدها ... و منها: أنّه قد تظافر النهی عن جملة من العبادات و لو کانت أسامی للصحیحة لما صحّ تعلق النهی بها أو لزم القول بعدم اقتضاء النهی عنها للفساد» الخ. 7) فی الفصول، ص48: «و منها أنّها لو کانت موضوعة بإزاء الصحیحة لزم أن یکون مورد النذر فیما لو نذر أن لایصلی فی مکان مرجوح هی الصلاة الصحیحة و التالی باطل فالمقدم مثله أمّا الملازمة» الخ و ذکره فی هدایة المسترشدین، ص478، من أمور أیّد بها المحقق القمی (قدس سره) هذا القول. 8) فی القوانین، ص44: «و یلزم علی القول بکونها أسامی للصحیحة لزوم القول بألف ماهیة لصلاة الظهر مثلاً ... و أمّا علی القول بکونها أسامی للأعم فلایلزم شیء من ذلک» الخ. 9) فی القوانین، ص44: «و ممّا یؤید کونها أسامی للأعم اتفاق الفقهاء علی أنّ أرکان الصلاة هی ما تبطل الصلاة بزیادتها و نقصانها عمداً أو سهواً إذ لایمکن زیادة الرکوع مثلاً عمداً إلّا عصیاناً و لا ریب فی کونه منهیاً عنه و مع ذلک یعدّ رکوعاً» الخ. 10) فی هدایة المسترشدین، ص476: «خامسها: أنّها لو کانت موضوعة لخصوص الصحیحة لزم دخول وصف الصحة فی مفاهیمها و هو بین الفساد لظهور کونها من عوارض وجودها فی الخارج». 11) فی هدایة المسترشدین، ص476: «سادسها: أنّها لو کانت موضوعة للصحیحة لزم دخول الشرائط فی مفاهیم تلک العبادات فلایبقی فرق بین أجزائها و شرائطها لاندراج الجمیع إذن فی مفاهیمها و هو فاسد بالإجماع و قد أشار إلی ذلک العضدی» و اختار القول بالأعم فی القوانین، ص44 و فی تعلیقة علی معالم الأصول، ج2، ص381 و فی وسیلة الوصول، ص112، و فی أصول الفقه، ص86 و فی تحریرات فی الأصول، ص258 و فی تسدید الأصول، ص65.

ص: 322

القول الرابع: و هی نظریتنا

بعد إثبات مسلک الصحیحی بالوضع التعیینی، نقول: إنّ کثرة الاستعمال فی المرحلة الثانیة صارت موجبةً لتحقق الوضع التعیّنی باستعمال الصلاة فی المعنی الأعمّ من دون اعتماد علی القرائن.

فهنا وضع تعیینی للمعنی الصحیحی و وضع تعیّنی لخصوص الحصّة الفاسدة من الصلاة.

نعم إنّ متعلق الوضع التعیّنی عند بعض الأصولیین هو المعنی الأعمّ و لکن

ص: 323

متعلق الوضع التعیّنی -علی مبنی تحقق الوضع التعیینی بالنسبة إلی أفراد الصحیحة- هو خصوص الحصّة الفاسدة فتأمل.

ثمّ إن کان الوضع التعیّنی فی طول الوضع التعیینی، فهذا یوجب توسعة المعنی الموضوع له بحیث کأنّه صار وضعاً واحداً لللفظ علی المعنی الأعمّ، و أمّا إن کان فی عرضه فیوجب إجمال المعنی مع عدم تعیین المعنی المستعمل فیه، فیشکل الأمر فی بعض الموارد من حیث الإطلاق.

لکن الحق هو أنّه فی طول الوضع التعیینی حیث إنّ الدالّ علی الأفراد الفاسدة نفس اللفظ الذی یدلّ علی المعنی الصحیح بقرینة المناسبة و المشابهة، فاللفظ بالحیثیّة التی تدلّ علی المعنی الصحیح یستعمل فی المعنی الفاسد أیضاً بدون القرینة لا بحیثیة أخری.

ص: 324

تنبیه: فی ثمرة البحث
اشارة

هنا ثمرتان:((1))

الثمرة الأولی: جریان البراءة أو الاشتغال
اشارة

((2))

هنا أقوال خمسة: ((3))

ص: 325


1- فی تعلیقة علی معالم الأصول، ج2، ص349: «ربّما یذکر فی المقام ثمرة أخری و هی ما یظهر فی مقام النذر کما لو نذر إعطاء دینار لمن یراه یصلّی فعلی القول بالأعم یبرء ذمته لو أعطی المصلّی من غیر تفتیش و فحص عن صحة صلاته، بخلافه علی القول بالصحیحة فلایبرأ بالإعطاء من غیر فحص و هاهنا ثمرة أخری تذکر فی المقام و هو جواز الاقتداء بالعدل من دون تفتیش عن صحة صلاته علی القول بالأعم و عدمه إلّا بعد التفتیش علی القول الآخر». و فی الکفایة، ص28: «و ربّما قیل بظهور الثمرة فی النذر أیضاً» الخ. و فی منتقی الأصول، ص255: «ومنها: مسألة النذر ... و أورد علی هذه الثمرة بوجهین ... و لکنّ التحقیق یقضی بعدم ورود کلا الوجهین» الخ. و فی ص258: «منها: فیما ورد من النهی عن الصلاة و بحذائه امرأة تصلی فإنّه بناءً علی الصحیح یختص المنع عن الصلاة بصلاة المرأة الصحیحة فإذا کانت صلاتها فاسدة لاتمنع من صحة صلاة الرجل و أما بناءً علی الأعم فیکون المانع من صحة صلاة الرجل الأعم من الصلاة الصحیحة التی یتؤدیها المرأة أو الفاسدة» الخ.
2- فی الفصول، ص49: «بقی الکلام فی الثمرة فنقول ذکر جماعة أنّ فائدة النزاع تظهر فی إجراء أصل البراءة عند الشک فی جزئیة شیء أو شرطیته للعبادة و الشک فی المانعیة راجع إلی الشک فی الشرطیة من حیث إنّ عدم المانع شرط بالمعنی الأعم فإنّه علی القول بأنّها موضوعة للأعم یمکن إجراء الأصل المذکور فی نفیها بعد تحصیل ما یصدق علیه الاسم لأنّ الأمر حینئذٍ إنّما تعلّق بالمفهوم العام و قضیة الأصل إجزاء کل ما یصدق علیه ذلک المفهوم ما لم یثبت اعتبار أمر زائد علیه شطراً و شرطاً و أمّا علی القول بأنّها موضوعة بإزاء الصحیحة فلایمکن نفی ما شکّ فیه بالأصل المذکور للشک فی حصول الماهیة بدونه کما لایمکن التمسک به فی نفی ما شکّ اعتباره فی صدق الاسم علی المذهب الأوّل».
3- فی منتقی الأصول، ص251: «بناءً علی کون الجامع الصحیحی جامعاً بسیطاً مقولیاً أو مرکباً مبهماً یعرفه النهی عن الفحشاء، یکون الشک فی الأقل و الأکثر من موارد البراءة و بناء علی کونه جامعاً بسیطاً عنوانیاً أو مرکباً مقیداً بالنهی عن الفحشاء یکون مورد الشک فی الأقل و الأکثر من موارد الاشتغال». و فی بحوث فی علم الأصول، ج1، ص200: «مهم ما ذکر بهذا الصدد ثمرتان: أولاهما: و هی مبنیة علی أن یکون المسمی عند الصحیحی جامعاً بسیطاً و عند الأعمی جامعاً ترکیبیاً، لعدم إمکان استکشاف جامع بسیط بین الصحیحة و الفاسدة فیقال عندئذٍ: بظهور ثمرة البحث فیما لو شک فی اعتبار جزء أو شرط، حیث یکون من الشک فی المحصل بناء علی الصحیح فیجب الاحتیاط و من الشک فی التکلیف الزائد بناءً علی الأعم فتجری البراءة» ثم استشکله و ذکر تحقیقه فی المقام.
القول الأوّل: نظریة المحقق القمی

((1)) و السیّد علی الطباطبائی (قدس سرهما) ((2))

قال المحقق القمی (قدس سره) فی القوانین و السیّد الطباطبائی (قدس سره) فی بعض عبارات الریاض: إنّ الصحیحی یتمسّک بالاشتغال و الأعمّی بالبراءة.

بیانه: إذا قلنا: إنّ الصلاة موضوعة للصحیحة فالشک فی جزئیة شیء أو شرطیته یرجع إلی الشک فی تحقّق الصلاة المأمور بها بدون هذا الجزء أو الشرط فی مقام الامتثال و القاعدة هی الاشتغال حتی یحصل الیقین بفراغ الذمة.

و إذا قلنا: إنّ الصلاة موضوعة للأعمّ، فالصلاة صادقة علی ما هو فاقد للجزء أو الشرط المشکوک اعتباره، فالصلاة محقّقة علی أیّ حال و لکن نشّک فی أنّ المأمور به هو الأقل أو الأکثر و القاعدة عند الشک فی الأقل و الأکثر الارتباطیین هی البراءة.

ص: 326


1- فی القوانین، ص43: «تظهر الثمرة فیما لو حصل الشک فی شرطیة شیء لصحة الماهیة فعلی القول بکونها أسامی للصحیحة الجامعة لشرائط الصحة فلابدّ من العلم بحصول الموضوع له فی امتثال الأمر بها و لایحصل إلّا مع العلم باجتماعه لشرائط الصحة و أمّا علی القول الآخر أعنی وضعها لنفس الأجزاء المجتمعة مع قطع النظر عن الشرائط فیحصل امتثال الأمر الوارد بالعبادة بمجرّد الإتیان بها بما علم من شرائطها».
2- فی أجود التقریرات، ج1، ص44: «الثانی ربّما یذکر للنزاع المذکور ثمرات (الأولی) ما ذکر فی القوانین و فی بعض عبارات الریاض أیضاً من أنّ الصحیحی یتمسک بالاشتغال و الأعمی بالبرائة». و فی مناهج الوصول، ص160: «تحصل ممّا ذکرنا: صحة جعل القول بالبراءة و الاشتغال ثمرة للقول بالأعم و الصحیح».
القول الثانی: نظریة الشیخ الأنصاری و المحقق الخراسانی (قدس سرهما)

((1))

إنّ إجراء أصالة البراءة و الاشتغال عند الشک فی جزئیة شیء أو شرطیته متفرّع علی القول بانحلال العلم الإجمالی و عدمه فی الأقل و الأکثر الارتباطیین فإن قلنا بالانحلال فتجری البراءة و إن قلنا بعدم الانحلال فتجری الاشتغال و حیث إنّ المشهور قالوا بانحلال العلم الإجمالی ذهبوا إلی جریان أصالة البراءة بلا فرق بین القائلین بالصحیح أو بالأعمّ.

القول الثالث: نظریة المحقق النائینی (قدس سره)
اشارة

(2)

إنّ المحقق النائینی (قدس سره) یتسلّم مبنی الشیخ الأنصاری و المحقق صاحب

ص: 327


1- فی الکفایة، ص28: «و بدونه [أی بدون کونه وارداً فی مقام البیان] لا مرجع أیضاً إلّا البراءة أو الاشتغال، علی الخلاف فی مسألة دوران الأمر بین الأقل و الأکثر الارتباطیین و قد انقدح بذلک: إنّ الرجوع إلی البراءة أو الاشتغال فی موارد إجمال الخطاب أو إهماله علی القولین فلا وجه لجعل الثمرة هو الرجوع إلی البراءة علی الأعم و الاشتغال علی الصحیح و لذا ذهب المشهور إلی البراءة، مع ذهابهم إلی الصحیح». و فی وسیلة الوصول، ص 97 و 98: «إنّ النزاع فی الرجوع إلی البراءة أو الاشتغال فیما إذا شک فی دخل شیء فی المأمور به یجری علی کل من القولین فیمکن للأعمی أن یقول بأنّ المرجع هو الاشتغال و للصحیحی أن یقول بأنّ المرجع هی البراءة» الخ. و فی حاشیة علی کفایة الأصول، ص89، بعد بیان صاحب الکفایة (قدس سره): «هذا علی ما هو التحقیق فی مسألة الشک فی جزئیة شیء للمأمور به أو شرطیته له، کما مرّ من عدم الفرق بین کون منشأ الشک عدم النص أو إجماله فی جریان البراءة و الاشتغال و أمّا علی القول بالفرق بینهما بإجزاء البراءة فی الأوّل و الاشتغال فی الثانی کما هو مذهب جماعة ممن قارب عصرنا فتظهر الثمرة فی صورة الإجمال».
2- . أجود التقریرات، ط.مؤسسة صاحب الأمر (عجل الله تعالی فرجه)، ج1، ص66. و فی منتهی الأصول، ص 65 و 66: «شیخنا الأستاذ (قدس سره) یقول بصحة هذه الثمرة، حیث إنّه یقول بامتناع جامع ذاتی بین الأفراد الصحیحة فالصحیحی عنده (قدس سره) لابدّ أن یقول بوضع هذه الألفاظ للجامع البسیط المنتزع عن هذه المرکبات بعنوان أنّها ذات أثر کذا و لا شک فی أنّ مثل هذا الجامع الانتزاعی الذی ینتزع منها - باعتبار کونها ذات أثر کذا- لاینطبق علی نفس المرکبات انطباق الکلی الطبیعی علی أفراده و یکون أمراً خارجاً عن حقیقة هذه المرکبات فالشک فی جزئیة شیء أو شرطیته لأحد هذه المرکبات یرجع إلی الشک فی حصول ذلک العنوان الانتزاعی الذی هو المأمور به بناءً علی هذا القول و فی سقوط الأمر فیکون مجری الاشتغال».

الکفایة (قدس سرهما) علی القول بالأعم((1)) و لکن یقول: لازم القول بالصحیح هو جریان الاشتغال کما قال المحقق القمی و صاحب الریاض (قدس سرهما).

بیان ذلک: إنّ الوضع للصحیح لایمکن إلّا بتقیید المسمّی إمّا من ناحیة المعلولات أو من ناحیة العلل و حیث إنّه یؤخذ أمر آخر خارج عن المأتی به فی المأمور به، لابدّ من القول بالاشتغال.

بیان مراده: إنّ الوضع للصحیح لازمه إمّا تقیید الموضوع له للصلاة بالعنوان الذی هو من ناحیة العلة مثل النهی عن الفحشاء حیث إنّه العلة الغائیة أو بالعنوان الذی هو من ناحیة المعلول مثل المُسقطیة للإعادة و القضاء و حینئذ المأمور به هو الصلاة مع هذا العنوان و المأتی به خارجاً موجب لتحقق المأمور به و لیس عین المأمور به لأنّ العنوان الذی هو إمّا من ناحیة العلّة و إمّا من ناحیة المعلول لیس فی المأتی به، بل هو مأخوذ فی المأمور به، فحینئذ إذا امتثل المکلف الصلاة بدون الجزء أو الشرط المشکوک جزئیته أو شرطیته فی الصلاة، یشک فی تحقق المأمور به و حینئذ الشک فی المأمور به شک فی المحصِّل و القاعدة هنا الاشتغال.

ثم قال: أمّا ذهاب المشهور القائلین بالصحیح إلی البراءة، فإمّا أن یحمل علی

ص: 328


1- فی المحاضرات، ط.ق. ج1، ص173 و ط.ج. ص197: «علی ضوء هذا یستبین فساد ما أفاده شیخنا الأستاذ (قدس سره) من أنّه علی الصحیحی لا مناص من الرجوع إلی قاعدة الاشتغال، کما أنّه علی الأعمی لا مناص من الرجوع إلی البراءة».

الغفلة منهم عن مبناهم أو علی تخیّلهم إمکان تصویر الجامع بلا تقید بأمر آخر.

نعم، جریان البراءة علی الأعمّ مبنی علی الانحلال الذی هو مقتضی التحقیق فی محلّه.

یلاحظ علیه:

((1))

ما تصوره فی الوضع للصحیح من تقیید المسمی بما هو خارج عن المأتی به مخدوش بل العنوان الذی إمّا من ناحیة العلة أو من ناحیة المعلول معرّف للمسمی من دون أن یکون داخلاً فیه کما قرره المحقق الإصفهانی (قدس سره) .

القول الرابع: نظریة المحقق الخوئی (قدس سره)
اشارة

اختلف مبناه فی الدراسات و المحاضرات.

بیانه (قدس سره) فی الدراسات:

((2))

علی القول بالأعم یکون الرجوع إلی البراءة أو الاشتغال متفرّعاً علی الانحلال و عدمه، فنظریة الشیخ الأنصاری (قدس سره) بالنسبة إلی هذا القول صحیح.

ص: 329


1- فی المحاضرات، ط.ق. ج1، ص173 و ط.ج. ص197: «ما ذکره (قدس سره): من أنّه علی الصحیحی لابدّ من تقیید المسمّی بعنوان بسیط: إمّا من ناحیة العلل أو من ناحیة المعلولات فیرده: أنّه خلط بین الصحة الفعلیة التی تنتزع عن انطباق المأمور به علی المأتی به فی الخارج و الصحة بمعنی التمامیة فالحاجة إلی التقیید إنّما تکون فیما إذا کان النزاع بین الصحیحی و الأعمی فی أخذ الصحة الفعلیة فی المسمّی و عدم أخذها فیه ... و لکن قد تقدّم: أنّه لایعقل أخذها فی المأمور به فضلاً عن أخذها فی المسمی فلاتکون الصحة بهذا المعنی مورداً للنزاع» الخ. و فی منتهی الأصول، ص66، بعد بیان نظریة المحقق النائینی (قدس سره): «تقدّم إمکان تصویر الجامع الذاتی الانطباقی بین الأفراد الصحیحة من کل واحد من هذه المرکبات و تثبته أدلّة الإثبات کما تقدّم فلاتمکن موافقته فیما أفاده (رضوان الله تعالی علیه)».
2- الدراسات، ج1، ص86.

و أمّا علی القول بالصحیح یتفرّع القول هنا علی کیفیة تصویر الجامع.

فإن کان الجامع الصحیحی عنواناً بسیطاً کلیاً بالنسبة إلی أفراده فحینئذ نواجه مبنیین:

إن قلنا بوجود الکلی الطبیعی فی ضمن الأفراد فلابدّ من الإتیان بالفرد الواجد للجزء أو الشرط فالشک هنا شک فی المحصِّل حتی یحصل الیقین بتحقق الکلی المذکور الذی هو العنوان البسیط فالقاعدة هنا الاشتغال.

و إن قلنا بعدم الوجود للکلی فالأمر لایتعلق به، بل الأمر متعلّق بأفراده فالشک لیس شکّاً فی المحصّل و القاعدة هنا البراءة.

و إن کان الجامع الصحیحی عنواناً انتزاعیاً أو عنواناً تولیدیاً فالشک یکون دائماً من الشک فی المحصِّل و القاعدة هنا الاشتغال (سواء قلنا بالانحلال أم لا).

بیانه (قدس سره) فی المحاضرات:

عدل عن ما فی الدراسات فی المحاضرات((1)) فقال: إذا قلنا بالوضع للأعم فیتفرّع الکلام هنا علی الانحلال و عدمه؛ و إذا قلنا بالصحیح فهنا صور مختلفة:

1. إمّا أن یکون متعلق التکلیف عنواناً بسیطاً مسبباً عن الأجزاء و الشرائط فالشک یکون فی المحصل و القاعدة الاشتغال إلّا أنّه مجرد فرض غیر واقع.

2. إمّا أن یکون متعلق التکلیف ماهیة متأصلة مرکبة فالجامع هو عین

ص: 330


1- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص170 و ط.ج. ص194 و فی ص190: «ذکروا لها ثمرات: الأولی: ما اشتهر فیما بینهم: من أنّ الأعمی یتمسک بالبراءة فی موارد الشک فی الأجزاء و الشرائط و الصحیحی یتمسک بقاعدة الاشتغال و الاحتیاط فی تلک الموارد و لکنّ التحقیق: أنّ الأمر لیس کذلک و لا فرق فی التمسک بالبراءة أو الاشتغال بین القولین أصلاً» الخ.

الأجزاء و الشرائط و یتفرع جریان الأصل العملی علی القول بالانحلال و عدمه.

3. إمّا أن یکون متعلق التکلیف الماهیة البسیطة بأن تکون طبیعیاً موجوداً بعین وجود أفراده خارجاً (سواء قلنا بأنّ متعلق الأوامر الطبائع أم قلنا بأنّه الأفراد) و أیضاً یتفرع البحث علی القول بالانحلال و عدمه.

4. إمّا أن یکون متعلق التکلیف عنواناً انتزاعیاً، فالأمر الانتزاعی لا وجود له خارجاً حتی یتعلق به الأمر و إنّما الموجود هو منشأ انتزاعه فالأمر بالحقیقة متعلق بمنشأ الانتزاع و هو فی المقام نفس الأجزاء و الشرائط و أخذ ذلک الأمر الانتزاعی فی لسان الدلیل متعلقاً للأمر إنّما هو لأجل الإشارة إلی ما هو متعلق الحکم فی القضیة، و أیضاً رجع البحث إلی القول بالانحلال و عدمه.

فالحقّ مع الشیخ الأنصاری و صاحب الکفایة (قدس سرهما) سواء قلنا بالصحیح أم الأعم فإنّ النزاع یرجع إلی القول بانحلال العلم الإجمالی بوجوب الأقل أو الأکثر الارتباطیین أو عدم انحلاله إلّا فی صورة واحدة علی القول بالصحیح و هی الصورة الأولی التی یرجع الشک فیها إلی الشک فی المحصِّل و لکن هذا مجرد فرض غیر واقع فی الخارج.

القول الخامس: نظریة المحقق الحائری (قدس سره)
اشارة

(1)

الصلاة بحسب المفهوم لیست هی التکبیرة و القراءة و الرکوع و السجود و

ص: 331


1- . درر الأصول، ص48: «الذی یمکن أن یقال فی تصویر الجامع بین الأفراد الصحیحة أنّ کل واحد من تلک الحقائق المختلفة إذا أضیفت إلی فاعل خاص یتحقق لها جامع بسیط یتّحد مع هذه المرکبات اتّحاد الکلی مع أفراده ... علی هذا فالصلاة بحسب المفهوم لیست هی التکبیرة ... من دون رجوعها إلی جهة واحدة» الخ.

کذا و کذا بل هی بحسب المفهوم المعنی الواحد البسیط الذی یتّحد مع تمام المذکورات تارة و مع بعضها أخری و هذا المعنی و إن کان أمراً متعقّلاً لا محیص عن الالتزام به بعد ما یعلم أنّ لتلک الحقائق المختلفة فائدة واحدة و هی النهی عن الفحشاء و المنکر و لایکاد أن تؤثّر الحقائق المتباینة فی الشیء الواحد من دون رجوعها إلی جهة واحدة.

فلایتصور معلوم و مشکوک حتی یقال: إنّ المعلوم قد أتی به و المشکوک یدفع بالأصل بل فی ما نحن فیه معلوم شک فی وقوعه و لا شبهة فی أنّه مورد للاشتغال.

إشکال و رفع:

أمّا الإشکال فهو أنّ الظاهر مما ارتکز فی أذهان المتشرعة أنّ الصلاة عبارة عن نفس تلک الأجزاء المعهودة التی أوّلها التکبیر و آخرها التسلیم.

أمّا رفعه:((1)) لایخفی أنّ اعتبار الوحدة بین أجزاء الصلاة علی وجه یأتی فی تصویر الجامع للأعمی مع قید کون هذا الواحد الاعتباری بحدّ مفید لذلک المعنی البسیط بحیث یکون الحدّ خارجاً عن الموضوع له رافع لهذا الإشکال.

مناقشة علی نظریة المحقق الحائری (قدس سره):

((2))

إنّ من البسیط ما هو آنی الوجود و هذا لایعقل فیه الأقل و الأکثر و المتیقن

ص: 332


1- حاشیة درر الأصول، ص48.
2- تحقیق الأصول، ص275.

و المشکوک کما ذکر، و من البسیط ما هو تدریجی الوجود و هذا هو مراد صاحب الکفایة (قدس سره) و هو متحد مع الأجزاء من التکبیر و غیره، یتحقق بالتدریج مع کل واحد من الأجزاء نظیر الخطّ فإنّه و إن کان خطّاً واحداً، لکنّه ممتدّ بسبب الوجود، و علیه یمکن تصویر الأقلّ و الأکثر بأن یقال مثلاً: قد علم بتعلق التکلیف بالتکبیرة إلی السجود و ما زاد عن ذلک فمشکوک فیه.

إنّ الصلاة عندنا هی الذکر الخاص البسیط التی هی تدریجیة الوجود و تنطبق علی أجزائه المتعددة انطباق الطبیعی علی فرده و تبتدء بالنیة التی هی ذکر قلبی و التکبیر الذی هو ذکر لسانی فإن کان المصلی هو الغرقی فیکتفی بهما و إلا لابدّ له من الإتیان بسائر أجزائها لأنّها أیضاً من مصادیق الذکر اللسانی أو الذکر القلبی أو الذکر العملی، فإن الرکوع نوع عمل دالّ علی التعظیم فإنه یعدّ ذکراً عملیاً.

و قد تقدم إنّ المحقق الخوئی (قدس سره) قال فی الصورة الثالثة من القول الرابع: إنّ الماهیة البسیطة إن اتّحد مع الأجزاء الصلاتی اتحاد الطبیعة و الفرد فالشک فی الجزء لیس من قبیل الشک فی وجود المحصل حتی قلنا بجریان الاشتغال بل تجری البرائة عند انحلال العلم الإجمالی.

ص: 333

الثمرة الثانیة: جواز التمسک بالإطلاق اللفظی
اشارة

(1)

مقدمة: فی أنّ الإطلاق إمّا مقامی و إمّا لفظی.
اشارة

أمّا الإطلاق المقامی فهو فی ما إذا کان المولی بصدد بیان ما تعلق به طلبه أو أجزائهأو شرائطه فأعلن أموراً و بیّنها و اعتبرها و سکت عن أخر، فحینئذٍ سکوته و عدم بیان المولی بالنسبة إلی بعض الأشیاء کاشف عن عدم تعلّق الطلب بها و فی هذا الإطلاق لانحتاج إلی وجود لفظ متعلّق.

أمّا الإطلاق اللفظی فیتوقف علی مقدمات ثلاث علی المشهور و مقدمات

ص: 334


1- . فی هدایة المسترشدین، یذکر الثمرة مع عدم التمییز بین الأولی و الثانیة قال فی ص484: «المقام الرابع فی بیان ثمرة النزاع فی المسألة: فنقول: عمدة الثمرة المتفرعة علی ذلک صحة إجراء الأصل فی أجزاء العبادات و شرائطها فإنّها إنّما یثبت علی القول بوضعها للأعم دون القول بوضعها للصحیح و علی القول بالتفصیل بین الأجزاء و الشرائط یفصل بینهما» الخ. و فی الفصول، ص49: «اتّضح ممّا حقّقناه أنّ الثمرة التی تترتب علی القولین هی نهوض الإطلاق السالم عن المعارض حجة علی نفی ما یحتمل جزئیته أو شرطیته بعد تحصیل القدر المعبّر فی صدق الاسم عرفاً علی القول بالأعم دون القول بالصحة». و فی کفایة الأصول، ص28: «إنّ ثمرة النزاع إجمال الخطاب علی قول الصحیحی و عدم جواز الرجوع إلی إطلاقه فی رفع ما إذا شک فی جزئیة شیء للمأمور به أو شرطیته أصلاً لاحتمال دخوله فی المسمّی کما لایخفی و جواز الرجوع إلیه فی ذلک علی القول الأعمی فی غیر ما إحتمل دخوله فیه ممّا شک فی جزئیته أو شرطیته نعم لابدّ فی الرجوع إلیه فیما ذکر من کونه وارداً مورد البیان کما لابدّ منه فی الرجوع إلی سائر المطلقات». و فی نهایة الدرایة، ص79: «التحقیق: فی بیان الثمرة أنّه لا ریب فی أنّ إحراز الوضع للأعم بضمیمة العلم بأنّ ما بأیدینا من أفراد مطلق الصلاة یوجب العلم باتحاد مفهوم الصلاة حقیقة مع هذا الفرد فیصح التمسک بإطلاقها عند اجتماع الشرائط» الخ. و فی درر الفوائد، ص54: «الرابع تظهر الثمرة بین القولین فی صحة الأخذ بالإطلاق و عدمه» الخ.

أربع عند صاحب الکفایة (قدس سره) .

أمّا المقدمات الثلاث التی یتوقف علیها التمسک بالإطلاق اللفظی عند المشهور:((1))

المقدمة الأولی: أن یکون الحکم قابلاً للانطباق علی نوعین أو أکثر.

المقدمة الثانیة: أن یحرز کون المتکلم فی مقام البیان لتمام المراد و لو بأصل عقلائی و لم یکن فی مقام الإهمال أو الإجمال.

المقدمة الثالثة: أن یحرز عدم نصبه القرینة علی التقیید.

و زاد علیها المحقق الخراسانی (قدس سره) «انتفاء القدر المتیقن فی مقام التخاطب».((2))

بیان الثمرة:

قال المحقق الخوئی (قدس سره) فی المحاضرات: «فإذا تمّت هذه المقدمات استکشف بها الإطلاق فی مقام الثبوت و أنّ مراده الاستعمالی مطابق لمراده الجدی و لیست لأیّة خصوصیةٍ مدخلیةٌ فی المراد الجدّی و إذا شککنا فی دخل خصوصیة فی ذلک، ندفعه بالإطلاق اللفظی فی مقام الإثبات».

ثمّ إنّ هذه المقدّمات تامّة علی قول الأعمّی حیث إنّ المسمّی عنده طبیعی الصلاة الأعمّ من الصحیحة و الفاسدة فیصدق طبیعی الصلاة علی الفرد الفاقد للجزء المشکوک أو الشرط المشکوک اعتباره و إذا أحرزنا کون المتکلم فی مقام البیان و لم نجد تقیید طبیعی الصلاة بما أنّه متعلق لطلب الشارع، بالنسبة إلی الجزء أو الشرط المشکوک نتمسّک بإطلاق طبیعی الصلاة فی مقام الإثبات لاستکشاف

ص: 335


1- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص175 و ط.ج. 199.
2- کفایة الأصول، ص247.

عدم اعتباره.

و لکن المقدمة الأولی من مقدمات الحکمة لم تتمّ فی حقّ الصحیحی لأنّ متعلق الطلب هو الطبیعة الصحیحة و لانعلم صدقها علی فردها الفاقد للجزء المشکوک أو الشرط المشکوک لاحتمال دخل الجزء أو الشرط فی الطبیعة الصحیحة التی تعلق بها الطلب.

و بعبارة أخری موضوع الإطلاق منتفٍ علی القول بالصحیح، لأنّ موضوع الإطلاق هو الطبیعة المأمور بها الشاملة للفرد الواجد للمشکوک جزئیته أو شرطیته و الفرد الفاقد له و لکن علی القول بالصحیح لاندری شمول الطبیعة المأمور بها للفرد الفاقد له حتی نتمسّک بإطلاقها.

إشکالات ثلاثة علی الثمرة الثانیة:
الإشکال الأوّل: من المحقق العراقی (قدس سره)
اشارة

(1)

إنّ هذه الثمرة مجرد فرض لا واقع له من جهة ابتنائها علی أن یکون تلک

ص: 336


1- . نهایة الأفکار، ج1، ص96. و فی المحاضرات، ط.ق. ج1، ص178 و ط.ج. ص203: «الثانی: أنّ الأعمی کالصحیحی فی عدم إمکان التمسک بالإطلاق عند الشک فی اعتبار جزء أو قید و ذلک لأنّ أدلّة العبادات جمیعاً من الکتاب و السنة مجملة و لم یرد شیء منها فی مقام البیان فإذا کان المتکلم فیها فی مقام الإهمال أو الإجمال فلایجوز التمسک بإطلاقها». و فی وسیلة الوصول، ص96: «و لایخفی أنّ هذه الثمرة فرضیه لا تحقق لها فی الخارج، إذ تحققها فرع کون الإطلاقات فی مقام البیان و الحال أنّها لیست کذلک، بل فی مقام التشریع و الحث و الترغیب إلی هذه العبادات فمثل: (أَقِیمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّکَاةَ) ( البقرة:43) و (لله عَلَی النَّاسِ حِجُّ الْبَیتِ) (آل عمران:97) و (کُتِبَ عَلَیکُمُ الصِّیامُ) ( البقرة:183) و غیرها لیست إلّا فی مقام تشریعها و جعلها و أمّا تفصیلها من حیث الأجزاء و الشرائط فلابدّ أن یثبت من دلیل خارج».

المطلقات مثل «أقیموا الصلاة» واردةً فی مقام البیان من جهة الأجزاء و الشرائط لا فی مقام الإهمال و هو أوّل شیء ینکر حیث نقول بأنّ ورودها إنّما کان لمحض التشریع من غیر أن تکون بصدد البیان من هذه الجهات.

أجاب عنه بعض الأساطین (حفظه الله):

(1)

إنّ بعض آیات الکتاب فی مقام التشریع کما أفاده المحقق العراقی (قدس سره) و لکن بعض الآیات فی مقام البیان و لذا یمکن التمسک بإطلاقه مثل:

1. آیة الوضوء (یا أَیهَا الَّذِینَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَی الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَکُمْ

ص: 337


1- . تحقیق الأصول، ج1، ص280. و فی فوائد الأصول، ص78: «تحصل من جمیع ما ذکرنا: إنّ التمسک بالإطلاقات الواردة فی الکتاب لایمکن علی کلا القولین و وجهه: أنّه لایمکن أن تکون تلک الإطلاقات واردة فی مقام البیان و التمسک بإطلاق مثل صحیحة حماد یمکن علی القولین و التمسک بإطلاق مثل قوله (علیه السلام): «إنّما صلوتنا هذه ذکر و دعاء» یصح علی الأعمی لو کان وارداً فی مقام بیان المسمّی» و فی منتهی الأصول، ص65: «إنّ قضیة عدم ورود الإطلاقات کلّها فی جمیع ألفاظ العبادات فی مقام البیان دعوی بلا بینة و برهان». و فی مناهج الوصول، ص161: «الإشکال تارة: بأنّه لیس فی الکتاب و السنة إطلاق فی مقام البیان حتی یثمر النزاع ... مردود ضرورة مجازفة الدعوی الأولی کما یظهر للمراجع و أمّا ما قیل من کفایة الثمرة الفرضیة للمسألة الأصولیة فهو کما تری». و فی المحاضرات، ط.ق. ج1، ص178 و ط.ج. ص203: «الجواب عنه مضافاً إلی أنّه رجم بالغیب: أنّ الأمر لیس کما ذکره القائل فإنّ من الآیات الکریمة ما ورد فی الکتاب و هو فی مقام البیان کقوله تعالی: (کُتِبَ عَلَیکُمُ الصِّیامُ کَمَا کُتِبَ عَلَی الَّذِینَ مِنْ قَبْلِکُمْ...) (البقرة:183) فالمفهوم من کلمة "الصیام" عرفاً کف النفس عن الأکل و الشرب و هو معناه اللغوی ... و علی ذلک فلو شککنا فی اعتبار شیء فی هذه الماهیة قیداً و عدم اعتباره کذلک فلا مانع من أن نرجع إلی إطلاق قوله تعالی: (کُتِبَ عَلَیکُمُ الصِّیامُ...) و به یثبت عدم اعتباره».

وَأَیدِیکُمْ إِلَی الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِکُمْ وَأَرْجُلَکُمْ إِلَی الْکَعْبَینِ)((1)) و تمسک الإمام (علیه السلام) بها للتفصیل بین المسح و الغسل بمجیء الباء فی الرؤوس الدال علی لزوم مسح بعض الرأس حیث أنه فی مقام بیان الحکم بعض ظاهر مسح الرجل لا استیعاب تمام ظاهر الرجل. ((2))

2. و آیة نفی الحرج حیث تمسّک الإمام (علیه السلام) بها فی حکم الجبیرة. ((3))

3. و آیة (أَحَلَّ اللهُ الْبَیعَ)((4)) حیث تمسک الإمام (علیه السلام) بها لصحة بیع المضطر.((5))

4. و آیة (ضَرَبَ اللّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوکًا لَا یقْدِرُ عَلَی شَیءٍ)((6)) حیث تمسّک الإمام (علیه السلام) بها لعدم صحة طلاق العبد.((7))

و فی السنة أیضاً کذلک فمن السنة ما جاء فی بدء البعثة، فهذا القسم من التشریع و أمّا ما صدر فی أواخره ففی مقام البیان.((8))

فلاتصل النوبة إلی ما أجاب به المحقق الإصفهانی (قدس سره) من کفایة ثبوت آیة واحدة فی مقام البیان عند مجتهد واحد. (إنّ المحقق الخوئی (قدس سره) ((9)) أجاب بآیة الصیام و لکن ناقشه بعض الأساطین (حفظه الله)).

ص: 338


1- سورة المائده(5):6.
2- الوسائل، ج1، ص413، أبواب الوضوء، باب23، ح1.
3- الوسائل، ج1، ص464، أبواب الوضوء، ب39، ح5.
4- سورة البقرة(2):275.
5- الوسائل، ج17، ص446، أبواب التجارة، ب40، ح1.
6- سورة النحل(16):75.
7- الوسائل، ج22، ص99، أبواب مقدمات الطلاق، ب43، ح2.
8- و مثّل لذلک المحقق الخوئی (قدس سره) فی المحاضرات، ط.ق. ج1، ص179 و ط.ج. ص204، بقوله (علیه السلام): «یتشهّد» فإنّ إطلاقه یدلّ علی عدم اعتبار أمر آخر غیر الشهادتین.
9- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص178 و ط.ج. ص203.
الإشکال الثانی: جواز التمسّک بالإطلاق علی کلا القولین
اشارة

(1)

مناط جواز التمسک بالإطلاق کون المتکلم فی مقام البیان و عدم نصب القرینة علی التقیید بلا فرق بین الأعمی و الصحیحی.

و لذلک تمسّک الفقهاء بإطلاق صحیحة حمّاد التی وردت فی مقام بیان الأجزاء و الشرائط و بیّن الإمام (علیه السلام) فیها جمیع أجزاء الصلاة من التکبیرة و القراءة و الرکوع و السجود و نحوها و حیث لم یبیّن فیها الاستعاذة مثلاً

ص: 339


1- . فی هدایة المسترشدین، ص486: «ممّا یستغرب من الکلام ما ذکره بعض الأعلام فی المقام حیث حکم بإجراء الأصل فیما یشک فیه من الأجزاء و الشرائط علی القولین و أسقط الثمرة المذکورة بالمرة من البین و محصّل کلامه: أنّا إذا تتبعنا الأخبار و الأدلّة و تصفحنا المدارک الشرعیة علی قدر الوسع و الطاقة و لم یثبت عندنا إلّا أجزاء مخصوصة للعبادة و شرائط خاصة لها حکمنا بأنّه لایعتبر فی تلک العبادة إلّا تلک الأجزاء و الشرائط الثابتة عندنا فإن ادعی أحد جزئیة شیء أو شرطیته من غیر أن یقیم علیه دلیلاً تطمئن النفس إلیه دفعناه بالأصل و لو قلنا بکون تلک الألفاظ أسامی للصحیحة الجامعة لجمیع الأجزاء و شرائط الصحة» ثمّ أورد علیه أربعة إیرادات . و فی حقائق الأصول، ص68: «قد یستشکل فی الحکم بالإجمال علی القول بالصحیح من جهة وجود الأخبار الکثیرة الوافیة ببیان تلک الماهیات فیرتفع عنها الإجمال ... و یندفع بأنّ موارد الشک فی الجزئیة ممّا لا تدخل تحت عد و التتبع شاهد بذلک - مع أنّ ذلک لایمنع من تحقق إجمال الخطاب فی نفسه و إن کان یندفع بالنظر إلی الأخبار لکن علیه تکون الثمرة فرضیة لا عملیة فتأمل». و فی منتهی الأصول، ص64: «قد یشکل علی هذه الثمرة ... أنّه قبل بیان الشارع لأجزاء هذه الماهیات المخترعة و شرائطها و موانعها لا معنی للتمسک بإطلاق الألفاظ الموضوعة لهذه الماهیات لعدم فهم شیء منها و إجمالها و بعد صدور البیان یمکن التمسک بالإطلاق المقامی لتلک الأدلّة المبینة للأجزاء و الشرائط و لایحتاج إلی إطلاق تلک الألفاظ أصلاً إن فرض لها إطلاق». و فی المحاضرات، ط.ق. ج1، ص176 و ط.ج. ص200 و 201: «و قد یورد علی هذه الثمرة بوجوه: الأوّل: أنّه لا فرق بین القولین فی جواز التمسک بالإطلاق و عدم جوازه و الوجه فی ذلک: هو أنّ مناط الجواز کون المتکلم فی مقام البیان و أنّه لم ینصب قرینة علی التقیید» الخ.

فیتمسّک بإطلاقها علی عدم وجوبها.

أجاب عنه المحقق الخوئی (قدس سره):

((1))

أوّلاً: قد مضی أنّ التمسک بالإطلاق اللفظی متوقف علی مقدمات الحکمة و المقدمة الأولی منها مفقودة فی المقام (أی علی القول بالصحیح).

ثانیاً: تمسّک الفقهاء بإطلاق صحیحة حمّاد لایرتبط بما نحن فیه، حیث إنّ الإطلاق فی صحیحة حمّاد مقامی و الإطلاق المبحوث عنه فی الثمرة إطلاق لفظی.

الإشکال الثالث: عدم جواز التمسّک بالإطلاق علی کلا القولین
اشارة

(2)

إنّ الإطلاق و التقیید فی العبادات إنّما یلاحظ بالإضافة إلی المأمور به (متعلّق

ص: 340


1- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص176 و 177 و ط.ج. ص201: «و الجواب عنه قد ظهر ممّا تقدّم و ملخّصه: أنّ التمسک بالإطلاق موقوف علی إحراز المقدمات الثلاث. أوّلها: إحراز تعلق الحکم بالجامع بحسب المراد الاستعمالی و قابلیة انقسامه إلی قسمین أو أقسام ... و أمّا ما استشهد علی ذلک بتمسک الفقهاء - رضوان الله علیهم- بإطلاق صحیحة حماد المتقدّمة فهو خلط بین الإطلاق الحالی و الإطلاق اللفظی» الخ. و فی منتهی الأصول، ص65: «أمّا إجمالها و عدم فهم شیء منها قبل صدور البیان من قبل الشارع و إن کان صحیحاً و لکن بعد ما صدر بیان من قبله بالنسبة إلی عدة من الأجزاء و الشرائط و الموانع بحیث یصدق علیه لفظ الصلاة مثلاً بناء علی الأعم و لم نحرز کون دلیل المبین فی مقام بیان تمام ماله مدخلیة فی الصلاة مثلاً حتی یمکن التمسک بإطلاقه المقامی ففی مثل هذا المورد یمکن التمسک بإطلاق الأدلّة العامة أی الألفاظ الموضوعة للماهیات المخترعة».
2- . فی هدایة المسترشدین، ذکر إیرادین علی هذه الثمرة ثمّ أجاب عنهما ففی ص484: «إن قلت: لا شک فی کون مطلوب الشارع و المأمور به فی الشریعة إنّما هو خصوص الصحیحة لوضوح کون الفاسدة غیر مطلوبة لله تعالی بل مبغوضة له لکونها بدعة محرمة فأی فارق إذن بین القولین مع حصول الشک فی إیجاد الصحیحة من جهة الشک فیما یعتبر فیها من الأجزاء و الشرائط؟» و فی ص485: «إن قیل: إنّ العلم الإجمإلی بکون مطلوب الشارع هو خصوص الصحیحة یوجب تقیید تلک الإطلاقات بذلک فیحصل الشک أیضاً فی حصول المکلف به إذ هو من قبیل التقیید بالمجمل فلایمکن تحصیل العلم بالامتثال بحسب الظاهر أیضاً». و فی المحاضرات، ط.ق. ج1، ص180 و ط.ج. ص205: «الثالث: أنّ الإطلاق و التقیید فی العبادات إنّما یلاحظ بالإضافة إلی المأمور به و متعلق الأمر، لا بالقیاس إلی المسمّی بما هو ضرورة أنّ الإطلاق أو التقیید فی کلام الشارع أو غیره إنّما یکون بالقیاس إلی مراده و أنّه مطلق أو مقید لا إلی ما هو أجنبی عنه و علی ذلک فلا فرق بین القولین فکما أنّ الصحیحی لایمکنه التمسک بالإطلاق فکذلک الأعمی» الخ. و فی منتقی الأصول، ص238: «ثمّ إنّ هناک وجهاً آخر ذکر لنفی الثمرة المزبورة بیانه: إنّ اللفظ و إن کان ینطبق علی الصحیح و الفاسد علی القول بالوضع للأعم إلّا أنّ المأمور به خصوص الصحیح و معه لایصح التمسک بالإطلاق علی هذا القول عند الشک و ذلک: لأنّ تقیید المراد الجدی کتقیید المراد الاستعمالی و ظهور اللفظ مانع من التمسک بالمطلق مع الشک فی دخوله فی المقید أو غیره ... و بکلمة واحدة: یکون التمسک بالإطلاق فی مورد الشک بعد إحراز تقییده بالصحیح من التمسک بالمطلق فی الشبهة المصداقیة و هو ممنوع».

الأمر) لا بالإضافة إلی المسمّی (مثل ما یسمّی بطبیعی الصلاة)، ضرورة أنّ الإطلاق و التقیید فی کلام الشارع أو غیره إنّما یکون بالقیاس إلی مراده لا بالقیاس إلی المسمّی.

و ما هو متعلق أمر الشارع حصّة خاصّة من المسمّی و هی الحصّة الصحیحة ضرورة أنّ الشارع لایأمر بالحصّة الفاسدة و لا بما هو الجامع بینها و بین الصحیح.

فلا فرق بین أن تکون الصحّة مأخوذة فی المسمّی (أی ما یسمّی بالصلاة) کما یقول الصحیحی أو مأخوذة فی المأمور به کما لابدّ أن یلتزم به الأعمی أیضاً فحینئذٍ لایمکن التمسک بالإطلاق اللفظی فی متعلق الأمر عند الصحیحی و الأعمی لأنّه التمسک بالإطلاق فی الشبهة المصداقیة.

ص: 341

یلاحظ علیه:

(1)

إنّه قد تصدّی الأعلام من الشیخ الأنصاری (قدس سره) و المحقق النائینی((2)) و

ص: 342


1- . فی منتقی الأصول، ص239: «قد اختلف کلمات الاعلام فی الإجابة عن هذا الإیراد و قد قیل فی ردّه وجوه: الأوّل: أنّه لا مانع من التمسک بالمطلق فی الشبهة المصداقیة إذا کان المقید لبیاً لا لفظیاً ... الثانی:- و هو ما جاء فی تقریرات بحث العراقی- إنّ الصحة علی الصحیح قید من قیود المعنی المأمور به فهی دخیلة فی قوام المعنی و لهذا لایصح التمسک بالإطلاق و أمّا علی الأعم فهی غیر دخیلة فی قوام المعنی المأمور به و إنّما تعلق الأمر بشیء مشروط بأمور أخری ... الثالث: ما ذکره الشیخ فی الرسائل و سیأتی بیانه و التحقیق أن یقال: - بعد فرض کون المراد بالصحة ترتب الأثر کما تقدّم دون غیرها من المعانی - إنّ ما ذکر من مانعیة تقیید المراد الجدی عن التمسک بالمطلق فی مورد الشک مسلّم. کمانعیة تقیید المراد الاستعمالی و لا کلام فیه لما تقدّم من تقریبه إلّا أنّه یمکن الالتزام فی ما نحن فیه بما یتّفق مع التقیید فی النتیجة بلا تقیید المراد الجدی أصلاً و علیه فلایجری فیه الحکم ... الرابع: ما ذکره المحقق الخوئی» الخ. و فی وسیلة الوصول، ص97: «فیه: أنّه من باب اشتباه المفهوم بالمصداق و هذه المناقشة نشأت من هذه الجهة إذ الصلاة علی هذا القول لم تقید بمفهوم الصحیحة حتی یکون من التقیید بالمجمل الذی یسری إجماله إلی المطلق، بل قیدت بمصداق الصحیحة» الخ. و فی حقائق الأصول، ص68: «قد یستشکل فی الرجوع إلی الإطلاق علی القول بالأعم لما دلّ علی امتناع تعلق الوجوب بالفاسد و اختصاصه بالصحیح و لا فرق فی سقوط الدلیل عن المرجعیة بین کون المقید داخلاً فی نفس المسمّی أو داخلاً فی موضوع الأمر ... و یندفع بأنّ حکم العقل بأنّ المأمور به لابدّ أن یکون هو الصحیح لایمنع من التمسک بالإطلاق، بل یکون الإطلاق دالاً علی أنّ المطلق هو الصحیح و منشأ الاشتباه الخلط بین الجهات التقییدیة و التعلیلیة مع وضوح الفرق بینهما». و فی مناهج الوصول، ص161: «و الإشکال ... بأنّ المأمور به هو الصحیح علی القولین و الأخذ بالإطلاق بعد التقیید أخذ فی الشبهة المصداقیة ... فیها: أنّ الأوامر متعلقة بنفس العناوین علی الأعم و لاینافی تقیدها بقیود منفصلة» الخ.
2- فی فوائد الأصول، ص78: «و ما یقال: من أنّه لا یمکن التمسک بإطلاق ذلک حتی علی القول بالأعمی للعلم بأنّ المراد و متعلق الطلب هو الصحیح و إن کان اللفظ موضوعاً للأعم فمجرّد صدق المسمّی لایکفی فی نفی ما شک فی جزئیته مع عدم العلم بحصول المراد، - ففساده غنی عن البیان لأنّ الصحیح لیس إلّا ما قام الدلیل علی اعتباره و المفروض أنّ ما قام الدلیل علی اعتباره هو هذا المقدار فبالإطلاق یحرز أنّ الصحیح هو ما تکفلّه الدلیل کما هو الشأن فی جمیع الإطلاقات و المانع من التمسک بالإطلاق - بناء علی قول الصحیحی- هو أنّ متعلق التکلیف أمر آخر غیر ما تکفّله الإطلاق فلایمکن إحرازه بالإطلاق و هذا بخلاف قول الأعمی فإنّ متعلق التکلیف بناء علیه هو نفس ما تکفّله الإطلاق فتأمّل فی المقام جیداً».

المحقق العراقی و المحقق الخوئی (قدس سرهم) ((1))و غیرهم بدفع هذا الإشکال و لانطیل الکلام بذکر ما أفادوه. ((2))

و الحق فی الجواب: أنّ الظاهر من تعلّق الأمر بطبیعة الصلاة مثلاً -علی القول بالأعمّ- هو مطلوبیة تلک الطبیعة بإطلاقها و صحّة جمیع أفرادها إلّا ما قامت القرینة علی خروجها عن الإطلاق و أمّا ما شک فی خروجه عن الإطلاق فنتمسّک فیه بأصالة الإطلاق و نثبت مطلوبیته و صحّته عند الشارع.

و بعبارة أخری إنّ المأمور به هذه الطبیعة بجمیع أفرادها لمکان إطلاق الطبیعة إلّا أنّ تقییدها ببعض الأجزاء و الشرائط یوجب تقیید الطبیعة المأمور

ص: 343


1- فی المحاضرات، ط.ق. ج1، ص181 و ط.ج. ص206: «الجواب عنه یظهر ممّا بیناه سابقاً فإنّ الصحة الفعلیة التی هی منتزعة عن انطباق المأمور به علی المأتی به خارجاً فی موارد الامتثال و الإجزاء غیر مأخوذة فی المأمور به قطعاً بل لایعقل ذلک کما سبق و إنّما النزاع فی أخذ الصحة بمعنی التمامیة أعنی به: تمامیة الشیء من حیث الأجزاء و القیود فی المسمّی ... و علی الجملة: فالمأمور به علی کلا القولین و إن کان هو الصلاة الواجدة لجمیع الأجزاء و الشرائط فلا فرق بینهما من هذه الناحیة أصلاً إلّا أنّ الاختلاف بینهما فی نقطة أخری و هی: أنّ صدق اللفظ علی الفاقد لما یشک فی اعتباره معلوم علی قول الأعمی و إنّما الشک فی اعتبار أمر زائد علیه و أمّا علی الصحیحی فالصدق غیر معلوم و علی أساس تلک النقطة یجوز التمسک بالإطلاق علی القول بالأعم دون القول بالصحیح».
2- راجع منتقی الأصول، ج1، ص238- 245. و فی المحاضرات، ط.ق. ج1، ص181 و ط.ج. ص206: «الجواب عنه یظهر ممّا بیناه سابقاً فإنّ الصحة الفعلیة التی هی منتزعة عن انطباق المأمور به علی المأتی به خارجاً فی موارد الامتثال و الإجزاء غیر مأخوذة فی المأمور به قطعاً بل لایعقل ذلک کما سبق و إنّما النزاع فی أخذ الصحة بمعنی التمامیة أعنی به: تمامیة الشیء من حیث الأجزاء و القیود فی المسمّی فالقائل بالصحیح یدعی وضع لفظ "الصلاة" - مثلاً- للصلاة التامة من حیث الأجزاء و الشرائط و القائل بالأعم یدعی وضع اللفظ للأعم» الخ.

بها و لکنّا فی التقیید نتبع الدلیل فما لم یثبت تقیید الطبیعة بشیء نحکم بصحتها و مطلوبیتها و کونها المأمور بها مع شمولها لذلک الشیء.

فإنّا نعلم تعلّق الأمر بحصص الصلاة التی توصف بالصحة (بدون أخذ وصف الصحة فی متعلّق الأمر) ثبوتاً بحکم العقل.

و أمّا إثبات ذلک فیکون بالأدلة الدالة علی تقییدها بالأجزاء و الشرائط، تارة بأن تدلّ علی أنّ الأفراد الصحیحة هذه الأفراد و بأصالة الإطلاق بالنسبة إلی بعض الأجزاء و الشرائط و أخری بأن یکون الفاقد لتلک الأجزاء و الشرائط أیضاً من أفراد الصحیح.

أقول: إنّ التملیک الإنشائی متحد حقیقة مع الملکیة فی اعتبار نفس المعتبر و لایتحد مع الملکیة فی اعتبار العقلاء و الشارع فالعقلاء یعتبرون ملکیة المشتری بعد تملیک البایع فی ظرف الاعتبار العقلائی.

و التمیک الإنشائی هو الاعتبار النفسانی الإنشائی بما أنّ اللفظ یعتبر وجوده عرضاً فهنا لاترکیب فی المعاملات بین الاعتبار و اللفظ بل اللفظ هو الوجود العرضی لهذا الاعتبار و المراد من السبب لیس نفس الاعتبار بدون اللفظ بل الاعتبار الذی یُظهره اللفظ بالوجود العرضی.

نعم فی عالم الاعتبار لامعنی للسبب و المسبب بل السببیة المدعاة بین التملیک الاعتباری الإنشائی من البایع و بین الملکیة العقلائیة أو الشرعیة، سببیة مسامحیة اعتباریة و لیست سببیة حقیقیة.

ص: 344

المقام الثانی:وضع ألفاظ المعاملات للصحیحة أو الأعم؟

اشارة

(1)

فیه أمور ثلاثة:

البحث الأصلی هو فی أنّ أسماء المعاملات موضوعة للصحیحة أو الأعم و لکن هذا البحث متفرّع علی البحث حول مقدّمة و هی أنّ أسامی المعاملات موضوعة للأسباب أو المسبّبات، لأنّه لو قلنا بوضع المعاملات للمسببات فلا مجال للنزاع.

ص: 345


1- . فی هدایة المسترشدین، ص490: «ثانیها: أنّه یمکن إجراء البحث المذکور فی غیر العبادات ممّا ثبت فیه للشارع معنی جدید کاللعان و الإیلاء و الخلع و المبارات... و نحوها بناء علی استعمال الشارع لتلک الألفاظ فی غیر المعانی اللغویة فیقوم احتمال کونها أسامی لخصوص الصحیحة منها أو الأعم منها و من الفاسدة و کان الأظهر فیها أیضاً الاختصاص بالصحیحة و یجری بالنسبة إلیها کثیر من الوجوه المذکورة». و فی الفصول، ص52: «الثانیة الحق أنّ ألفاظ المعاملات أیضاً موضوعة بإزاء الصحیحة فقط سواء قلنا بأنّها أسام للآثار المخصوصة کتملیک العین فی البیع و المنفعة فی الإجارة أو تملکهما أو قلنا بأنّها أسام للصیغ المستتبعة لها أمّا علی الأوّل فظاهر إذ لا أثر فی الفاسدة و ظنّ من لا خبرة له بالواقع به غیر مجد لأنّ الألفاظ موضوعة للمعانی الواقعیة علی ما هو التحقیق و أمّا علی الثانی فلان وصف کونها محصلة لها معتبر فی صدق الاسم للقطع بأنّ مثل عقد النائم و الساهی و الهاذل لیس عقد إلّا بیعاً و لا صلحاً و لا نکاحاً إلی غیر ذلک» الخ. و فی تعلیقة علی معالم الأصول، ج2، ص310: «المقدمة الثانیة: قضیة ما قرّرناه فی وجه إخراج ألفاظ العبادات عن النزاع علی مقالة القاضی، عدم جریان النزاع فی ألفاظ المعاملات مطلقاً فإنّ هذا النزاع إذا کان متفرعاً علی أحد الأمرین من الاختراع الشرعی أو التسمیة الشرعیة فکیف یندرج فیه ما انتفی عنه الأمران معاً» الخ. و فی منتقی الأصول، ص286: «ظاهر صاحب الکفایة (قدس سره) کون الموضوع له هو الصحیح بالمعنی الذی ذکرناه و هو العقد الحاوی لجمیع جهات التأثیر بحیث یترتّب علیه الأثر من قبل العقلاء بمجرّد الالتفات إلیه و لکنّ الانصاف عدم تمامیة هذه الدعوی فإنّ المرتکز فی الأذهان من اللفظ هو المعنی الأعم من الصحیح و الفاسد فإنّ إطلاق لفظ البیع علی بیع الغاصب الذی لایری العرف نفوذه لایختلف عرفاً عن إطلاقه علی بیع المالک فی کون إطلاق کل منهما حقیقیاً لا مسامحة فیه و هذا أمر لایقبل الإنکار بحسب الظاهر». و فی مباحث الأصول، ص151: «إنّها إن کانت أسامی للمسببات - کما هو الأظهر» الخ و راجع أیضاً نهایة النهایة، ص47 و نهایة الدرایة، ص91 و حقائق الأصول، ص81.

توضیح ذلک: إنّ بعض الأعلام منهم صاحب الکفایة (قدس سره) قالوا:

«إنّ أسامی المعاملات إن کانت موضوعة للمسببات فلا مجال للنزاع فی کونها موضوعة للصحیحة أو للأعم لعدم اتصافها بهما (الصحة و الفساد) بل المسبباب تتّصف بالوجود أو بالعدم و إن کانت موضوعة للأسباب فللنزاع فیه مجال».

و تحقیق ذلک یتوقف علی جهتین:

الجهة الأولی: فی أنّ المعاملات أسامٍ للأسباب أو المسبّبات و هنا اختار صاحب الکفایة (قدس سره) وضعها للأسباب.

الجهة الثانیة: إن کانت المعاملات أسامی للمسبّبات فهل یجری النزاع فی وضعها للصحیح أو الأعم أو لایجری کما یقول صاحب الکفایة (قدس سره) .

ص: 346

الأمر الأوّل: فی وضع أسامی المعاملات للأسباب أو المسببات (هنا نظریات)
النظریة الأولی: من صاحب الکفایة (قدس سره)

((1))

وهی الوضع للأسباب أوّلاً و للصحیحة منها ثانیاً.

قال: لایبعد دعوی کونها موضوعة للصحیحة و أنّ الموضوع له هو العقد المؤثر لأثر کذا شرعاً و عرفاً و الاختلاف بین الشرع و العرف فی ما یعتبر فی تأثیر العقد لایوجب الاختلاف بینهما فی المعنی، بل الاختلاف فی المحقّقات و المصادیق.

النظریة الثانیة: من المحقق الإصفهانی (قدس سره)

((2))

و هی الوضع للأسباب الأعمّ من الصحیحة و الفاسدة.

إنّ الطریقة العرفیة جاریة علی الوضع لذات المؤثّر و عدم ملاحظة ما له دخل فی فعلیّة التأثیر فی المسمّی و المفروض عدم تصرّف الشارع فی المسمّی من حیث التسمیة.

فیتعیّن القول بوضع ألفاظ المعاملات لذوات الأسباب، لا للصحیح المؤثّر

ص: 347


1- فی کفایة الأصول، ص32: «الأوّل إنّ أسامی المعاملات إن کانت موضوعة للمسببات ... و أمّا إن کانت موضوعة للأسباب فللنزاع فیه مجال، لکنّه لایبعد دعوی کونها موضوعة للصحیحة أیضاً» الخ و فی مباحث الأصول، ص155: «و کأنّ ما فی الکفایة مبنی علی اختیاره الوضع للسبب و لذا لم یتعرض لبیان صحة التمسک بالإطلاق إلّا فی تقدیر القول بالوضع للصحیح المنحصر جریانه فی تقدیر القول بالوضع للسبب».
2- نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ج1، ص136.

منها و لیست کألفاظ العبادات حتی یتوقّف علی دعوی اتّحاد طریقتی العرف و الشرع فی الأوضاع.

ثمّ إنّ الأسباب عنده تملیک إنشائی قولی أو فعلی.((1))

و ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) هو القول الصحیح المتین فی هذا الباب.

النظریة الثالثة: من السید المحقق الحکیم (قدس سره)

و هی وضع للمسببات.

قال (قدس سره): «لفظ البیع و الصلح و الإجارة و الملکیة و المبادلة موضوعة للمعانی المنشأة بلفظ "بعت" و "صالحت" و "آجرت" و "ملکت" و "بادلت"... فمعانیها هی التی تکون معلولة للإنشاء و موجودة به فإن کان الإنشاء جامعاً لما یعتبر فی ترتّبها علیه ترتب علیه و کان صحیحاً و إلّا لم یترتب علیه و کان فاسداً فلیست تلک الألفاظ إلّا موضوعة لنفس المسببات التی لاتتصف بالصحة و الفساد».((2))

النظریة الرابعة: من المحقق الخوئی و بعض الأعلام من تلامیذه

(3)

و هی عدم امکان الوضع للاسباب و المسببات.

ص: 348


1- البحوث، ص38.
2- حقائق الأصول، ص80. و فی منتهی الأصول، للبجنوردی، ص67: «الثانی إنّه من المعلوم أنّها موضوعة للمسببات لا للأسباب و ذلک لأنّ الشارع لم یستعمل هذه الألفاظ إلّا فیما یستعملها العرف فیها» الخ.
3- . فی منتقی الأصول، ص276: «هل یتصور الوضع للأسباب أو المسببات بالمعنی الذی ذکرناه لهما أو لایتصور ذلک ثبوتاً؟ التحقیق عدم إمکان الالتزام به. أمّا السبب: فقد عرفت أنّه اللفظ المستعمل بقصد إیجاد المعنی فی وعائه أو أنّه استعمال اللفظ بهذا القصد و لایخفی أنّ کلاً من اللفظ و الاستعمال لیس من المعانی الإنشائیة بل من الأمور الواقعیة التی لاتقبل الإنشاء ... و أمّا المسبب فقد عرفت أنّه الأثر المترتب علی الإنشاء الحاصل باعتبار العقلاء کالملکیة المترتبة علی البیع و لایخفی أنّ ذلک من فعل الشارع أو العقلاء و لیس من فعل الشخص فوضع اللفظ له ینافیه إسناد اللفظ بما له المعنی للشخص» الخ. و فی عنایة الأصول، ص98: «قد عرفت منّا فی أوّل الوضع أنّ أسامی المعاملات لیست هی موضوعة للأسباب ... بل عرفت منّا هناک أنّها لیست أسامی للمسببات أیضاً بل هی أسامی للأفعال التولیدیة التی تتولّد من الأسباب الخاصة فالبیع مثلاً لیس اسماً للعقد المخصوص فإنّه ممّا ینشأ به البیع و لا اسماً للملکیة أی الإضافة الخاصة الحاصلة بین المشتری و البائع فإنّه أثر للبیع بل هو اسم للتملیک أی إدخال المبیع فی ملک المشتری بوسیلة العقد المخصوص و هو الإیجاب و القبول و هکذا سایر أسامی المعاملات».

قال المحقق الخوئی (قدس سره):((1)) أنها أسام للمرکب من الأمر الاعتباری النفسانی و إبرازه باللفظ أو نحوه فی الخارج، فإن الآثار المترقبة منها لاتترتب إلا علی المرکب من الأمرین، فالبیع و الإیجار و الصلح و النکاح و ما شاکلها لایصدق علی مجرد الاعتبار النفسانی بدون إبرازه فی الخارج بمبرز ما، فلو اعتبر أحد ملکیة داره لزید - مثلا - أو ملکیة فرسه لعمرو بدون أن یبرزها فی الخارج باللفظ أو ما شاکله فلا یصدق أنه باع داره من "زید" أو فرسه من "عمرو"، کما أنه لاتصدق هذه العناوین علی مجرد إطلاق اللفظ أو نحوه من دون اعتبار نفسانی کما لو کان فی مقام تعداد صیغ العقود أو الإیقاعات، أو کان التکلم بها بداع آخر غیر إبراز ما فی أفق النفس من الأمر الاعتباری.

فلو قال أحد: بعت أو زوجت أو نحو ذلک من دون اعتبار نفسانی فلایصدق علیه عنوان البیع أو عنوان التزویج و النکاح، و هکذا... و علی ضوء ما ذکرناه یتضح أنه لا سبب و لا مسبب فی باب المعاملات، و لا آلة و لاذی الآلة.

ص: 349


1- المحاضرات، ط.ق: ج1، ص216؛ ط.ج: ج1، ص220.
الأمر الثانی: هل یجری النزاع علی القول بوضعها للمسبّبات أو لا؟ (هنا نظریات ثلاث):
اشارة

((1))

النظریة الأولی: من صاحب الکفایة

((2)) و المحقق الإصفهانی (قدس سرهما)

إنّ صاحب الکفایة و المحقق النائینی و المحقق الإصفهانی (قدس سرهم) قالوا بأنّه لو قلنا بوضع أسامی المعاملات للمسبّبات فالحق هو عدم جریان النزاع.((3))

ص: 350


1- و فی نهایة النهایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ص47: «یمکن تصویر النزاع علی تقدیر الوضع للمسببات بأن یکون النزاع فی أنّ الوضع هل هو للمسبب الشرعی و الأثر الحاصل فی نظر الشارع کما یقوله القائل بالصحیح أو للمسبب العرفی و الأثر الحاصل فی نظر العرف سواء کان حاصلاً فی نظر الشارع أیضاً أم لا کما یقوله القائل بالأعم» و فی حاشیة علی کفایة الأصول، ص97، بعد بیان مختار صاحب الکفایة (قدس سره): «هذا ما أفاده المصنف (قدس سره) و لکن تفصیله بین کونها أسامی للمسببات فی عدم قابلیة النزاع و بین کونها أسامی للأسباب فی إمکان الخلاف لایخلو عن الإشکال کما أفاد السید الأستاذ (حفظه الله) و ذلک لأنّ أسامی المعاملات عبارة عن ألفاظ المصادر کلفظ البیع و الصلح مثلاً و لا شبهة فی کونها موضوعة بإزاء الماهیات الصرفة من غیر إعتبار حیثیة الوجود و العدم فیها ... فما أفاده (قدس سره) من ملاک الفرق بین کونها أسامی للمسببات و بین کونها أسامی للأسباب ... فی غیر محلّه و ذلک لأنّ السببیة و المسببیة من لوازم الوجود لا الماهیة و قد ذکرنا أنّ أسامی المعاملات موضوعة بإزاء الماهیات المعراة عن حیثیة الوجود ... و علی ما ذکرنا فالتحقیق عدم تأتی الخلاف فی أسامی المعاملات مطلقاً من غیر تفصیل»
2- فی الکفایة، ص32: «الأوّل إنّ أسامی المعاملات إن کانت موضوعة للمسببات فلا مجال للنزاع فی کونها موضوعة للصحیحة أو للأعم لعدم اتصافها بهما کما لایخفی بل بالوجود تارة و بالعدم أخری».
3- نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ص 133 و 134 و بحوث فی الأصول، ص38 و فی أجود التقریرات، ص48: «لایخفی أنّ جریان النزاع المذکور فی المعاملات یتوقف علی کون ألفاظها أسامی للأسباب إذ لو کانت أسامی للمسببات فلاتتصف إلّا بالوجود و العدم دون الصحة و الفساد و المتصف بهما هی الأسباب فقط». و فی منتهی الأصول، ص66: «الأوّل فی أنّ جریان هذا النزاع مبنی علی کون هذه الألفاظ - أی ألفاظ المعاملات- موضوعة للأسباب و أمّا لو قلنا بوضعها للمسببات - کما هو کذلک- فلم یبق مجال للنزاع أصلاً و ذلک من جهة ما بینا أنّ الصحة و الفساد متقابلان تقابل العدم و الملکة و الفساد عبارة عن عدم التمامیة فی موضوع قابل للتمامیة و المسببات عناوین و اعتبارات بسیطة أمرها دائر بین الوجود و العدم». و فی أصول الفقه، ص88: «تنبیهان: 1- لایجری النزاع فی المعاملات بمعنی المسببات» الخ. و فی جواهر الأصول، ص350: «الحق کما علیه المشهور: أنّه لو قلنا بأنّ ألفاظ المعاملات أسماء للمسببات لایجری فیه النزاع نعم إن قلنا بکونها أسامی للأسباب فللنزاع فیه مجال کالعبادات». و فی منتقی الأصول، ص274، بعد بیان له: «هذا هو الوجه العرفی الواضح لبیان عدم جریان النزاع لو قیل بوضع اللفظ للمسبب فلا حاجة إلی تکلف الدقة فی بیانه، کما نهجه المحقق الأصفهانی (قدس سره) و إن کان ما ذکره متیناً فی نفسه». و فی عنایة الأصول، ص99، بعد ذکر مختاره من وضع ألفاظ المعاملات للأفعال التولیدیة: «جریان نزاع الصحیحی و الأعمی فی ألفاظ المعاملات طرأ متوقف علی کونها موضوعة للأسباب لا للمسببات و لا للأفعال التولیدیة فتأمّل جیداً».

بیانه: المراد بالمسبّبات التملیک بالحمل الشائع و حیث إنّ التملیک و الملکیة من قبیل الإیجاد و الوجود و هما متحدان بالذات و مختلفان بالاعتبار صحّ أن یعبّر عنه بالمسبّب و إلّا فالمسبّب الحاصل بالتملیک الإنشائی القولی هی الملکیة و لا شبهة فی أنّ البیع لم یوضع للملکیة بل للتملیک.

و المعاملات إن کانت بمعنی المسبّبات فهی لا توصف بالصحّة و الفساد و توصیفها بالصحة مسامحة.

ثمّ إنّ التملیک بالحمل الشائع متّحد مع الملکیة ذاتاً، فعلی هذا لیست الملکیة أثر التملیک بالحمل الشائع و ترتّب الأحکام الشرعیة علی التملیک و الملکیة من باب ترتب الحکم علی موضوعه فلیس للمسبّب أثر حتّی یتّصف بلحاظه بالصحة و الفساد.

فعلی هذا لایجری النزاع علی القول بوضع المعاملات للمسبّبات.

ص: 351

النظریة الثانیة: من المحقق الخوئی (قدس سره)
اشارة

((1))

إنّه یفصّل فی المقام و یقول بجریان النزاع علی أحد الأقوال (و هو القول المختار عنده) و بعدم جریانه علی القولین الآخرین.

قال: «إنّا لانعقل للمسبَّب فی باب المعاملات معنی ما عدا الاعتبار النفسانی القائم بالمعتبِر بالمباشرة و من الظاهر أنّ المسبّب بهذا المعنی یتّصف بالصحة و الفساد فإنّ الاعتبار إذا کان من أهله -و هو البالغ العاقل- یتّصف بالصحة حتی عند العقلاء و إذا کان من غیر أهله -و هو المجنون أو الصبی غیر الممیّز- یتّصف بالفساد کذلک. نعم، لو کان صادراً من الصبی الممیّز یتّصف بالصحة عند العقلاء و بالفساد عند الشارع.»

نعم، إن کان المسبّب بمعنی الإمضاء الشرعی فإنّه غیر قابل لأن یتّصف بالصحة و الفساد بل هو إمّا موجود أو معدوم. و کذا لو کان عبارة عن إمضاء العقلاء فإنّه لایقبل الاتّصاف بالصحة و الفساد بل هو إمّا موجود أو معدوم.

إلّا أنّ هذین المبنیین باطلان، لأنّ المعاملات من العقود و الإیقاعات أسامٍ للأفعال الصادرة عن آحاد الناس، فالبیع اسم للفعل الصادر عن البائع و الهبة اسم للفعل الصادر عن الواهب.

یلاحظ علیها:

إنّ مقتضی التحقیق أنّ الاعتبار المذکور لیس إلّا اعتبار الملکیة و هذا الاعتبار أمره یدور بین الوجود و العدم، سواء قلنا بأنّه موجود فی وعاء اعتبار خصوص المعتبر شخصاً أو فی وعاء اعتبارات العقلاء أو فی وعاء اعتبارات

ص: 352


1- المحاضرات ط.ق. ج1، ص195 و ط.ج. ص222.

الشارع، فجریان النزاع فیه ممنوع بلا کلام، مع أنّ البیع لم یوضع له عرفاً بدون إبرازه فی الخارج و لو علی القول بالأعم، فلامحالة لابدّ أن یقال: إنّ البیع أو نحوه موضوع للمؤلّف من الاعتبار و إبرازه إمّا مطلقاً أو فی ما أمضاه العقلاء، أو یقال بأنه أمر بسیط و هو الوجود العرضی للاعتبار الشخصی أی الاعتبار الموجود بوجود اللفظ بالعرض.

النظریة الثالثة: من بعض الأساطین (حفظه الله)
اشارة

و هی جریان النزاع علی بعض المبانی. ((1))

إنّ المسببات أمور اعتباریة و هذا الاعتبار لایخلو من أن یکون اعتبار نفس المنشئ أو یکون اعتبار العقلاء أو اعتبار الشارع.

فإن قلنا بأنّ البیع اسم للمسبب فی اعتبار المنشئ فقط جری فیه بحث الصحیح و الأعم إذ بناء علیه یکون صحیحاً فی ما لو رتّب العقلاء و الشارع الأثر علی اعتبار المنشئ و یکون فاسداً فی ما لم یرتّبوا الأثر.

و کذا إن قلنا بأنّه اسم للمسبب فی اعتبار العقلاء فإنّ ترتّب الأثر موقوف علی اعتبار الشارع فیکون صحیحاً و إلّا فهو فاسد.

فیکون المسبب (و هو البیع) إمّا باعتبار المنشئ و إمّا باعتبار العقلاء و أمّا باعتبار الشارع فباطل لأنّ الشارع شأنه الإمضاء و لا تأسیس له فی المعاملات.

یلاحظ علی نظریة المحقق الخوئی (قدس سره) و من بعض الأساطین (حفظه الله):

إنّ التوصیف بالصحة و الفساد بلحاظ ترتب الأثر علیه و لکن أی أثر

ص: 353


1- تحقیق الأصول، ص290.

یترتب علی العقد المسببی؟ بل قال المحقق الإصفهانی (قدس سره): إنّ الأحکام الشرعیة بالنسبة إلی المسببات لیست إلّا أحکاماً و أیضاً قلنا: إنّ الملکیة متحد ذاتاً مع التملیک بالحمل الشائع و لیست أثراً له حتی یتصف التملیک بالصحة عند ترتب الملکیة.

ص: 354

الأمر الثالث: فی جواز التمسک بإطلاق المعاملات عند الشک فی اعتبار شیء فی تأثیرها شرعاً علی القولین
اشارة

قال المشهور بجواز التمسک بإطلاقات المعاملات سواء قلنا بالصحیح أم الأعم. ((1))

ص: 355


1- فی المکاسب، ج3، ص19، بعد ذکر کلام من الشهید الأوّل و الشهید الثانی (قدس سرهما): «و یشکل ما ذکراه بأنّ وضعها للصحیح یوجب عدم جواز التمسک بإطلاق نحو(أَحَلَّ اللهُ الْبَیعَ) (البقرة:275) و إطلاقات أدلّة سائر العقود فی مقام الشک فی اعتبار شیء فیها، مع أنّ سیرة علماء الإسلام التمسک بها فی هذه المقامات» ثمّ قال: «أمّا وجه تمسک العلماء بإطلاق أدلّة البیع و نحوه فلأنّ الخطابات لما وردت علی طبق العرف، حمل لفظ "البیع" و شبهه فی الخطابات الشرعیة علی ما هو الصحیح المؤثر عند العرف أو علی المصدر الذی یراد من لفظ "بعت" فیستدل بإطلاق الحکم بحله أو بوجوب الوفاء علی کونه مؤثراً فی نظر الشارع أیضاً فتأمّل فإنّ للکلام محلاً آخر» و فی هدایة المسترشدین، ص491: «ثالثها: أنّه نصّ الشهید الثانی فی المسالک بکون عقد البیع و غیره من العقود حقیقة فی الصحیح مجازاً فی الفاسد لوجود خواص الحقیقة و المجاز ... و قد یشکل ذلک بأنّه بناء علی ما ذکر یکون ألفاظ المعاملات مجملة کالعبادات متوقفة علی بیان الشارع لها لفرض استعمالها إذن فی غیر معناها اللغوی فلایصح الرجوع فیها إلی الإطلاقات العرفیة و الأوضاع اللغویة... فالأظهر أن یقال بوضعها لخصوص الصحیحة أی المعاملة الباعثة علی النقل و الانتقال أو نحو ذلک ممّا قرّر له تلک المعاملة الخاصة فالبیع و الإجارة و النکاح و نحوها إنّما وضعت لتلک العقود الباعثة علی الآثار المطلوبة منها و إطلاقها علی غیرها لیس إلّا من جهة المشاکلة أو نحوها علی سبیل المجاز لکن لایلزم من ذلک أن تکون حقیقة فی خصوص الصحیح الشرعی حتی یلزم أن تکون توقیفیته متوقفة علی بیان الشارع لخصوص الصحیحة منها» الخ. و فی الفصول، ص52، بعد أن ذکر وضع ألفاظ المعاملات بإزاء الصحیحة و أنّ ما ثبت لها فی الشرع من شرائط مستحدثة هی شرائط لتحقق معانیها اللغویة: «نعم فرق بینها و بین ألفاظ العبادات بعد مساواتها إیاها فی ذلک من حیث إنّ المرجع فی هذه الألفاظ عند الإطلاق إلی المعانی المتداولة و الحقائق المعهودة بین أهل العرف بخلاف ألفاظ العبادات» الخ. و فی الکفایة، ص33: «الثانی إنّ کون ألفاظ المعاملات أسامی للصحیحة لایوجب إجمالها کألفاظ العبادات کی لایصح التمسک بإطلاقها عند الشک فی اعتبار شیء فی تأثیرها شرعاً و ذلک لأنّ إطلاقها - لو کان مسوقاً فی مقام البیان- ینزل علی أنّ المؤثر عند الشارع هو المؤثر عند أهل العرف و لم یعتبر فی تأثیره عنده غیر ما اعتبر فیه عندهم کما ینزل علیه إطلاق کلام غیره حیث أنّه منهم» الخ. و راجع أیضاً درر الفوائد، ص55 و نهایة الدرایة، ص93 و وسیلة الوصول، ص114 و منتهی الأصول، ص68 و حاشیة علی کفایة الأصول، ص100 و أصول الفقه، ص 89 و 90 و المحاضرات، ط.ق. ج1، ص184 و ط.ج. ص209 و جواهر الأصول، ص353 و مباحث الأصول، ص156. و هنا أقوال أخر: ففی نهایة النهایة، ص 47 و 48: «المختار هاهنا هو مختار الباقلانی فی ألفاظ العبادات و علیه فیتمسک بالإطلاق عند الشک فی اعتبار قید کما أنّه لایصحّ التمسک به علی الاحتمال الآخر و هو أن یکون الاستعمال فی الصحیح الشرعی فلایفترق ألفاظ المعاملات عن ألفاظ العبادات علی القول بالصحیح لیجوز التمسک بالإطلاق فی المعاملات دون العبادات». و فی حاشیة علی کفایة الأصول، ص100: «لا شبهة فی جواز التمسک بالإطلاق فی المقام بناء علی ما اختاره المصنف ... و هذا بخلاف ما ذهب إلیه السید الأستاذ من تعلّق الأحکام بنفس الطبایع فإنّه علیه یشکل التمسک بالإطلاق لإثبات عدم مدخلیة ما شک فی دخالته لأنّ الشک فی اعتباره شیء یوجب الشک فی فردیة العقد الفلانی للطبیعة الکذائیة و علی ذلک یکون التمسک به تمسکاً بالإطلاق فی الشبهة المصداقیة و قد ذکرنا فی غیر المقام بعدم قابلیة الإطلاق لإثبات فردیة ما شک فی فردیته للطبیعة» الخ ثمّ دفعه المقرّر بثلاثة أمور فراجع. و فی حقائق الأصول، ص83: «یتسجّل الإشکال بناءً علی الوضع للصحیح الشرعی نظیر الإشکال فی إطلاق أدلّة العبادات فإنّه إذا شک فی صحة البیع شرعاً فقد شک فی کون العقد الخارجی بیعاً فلا مجال للتمسک فی مثل قوله تعالی: (أَحَلَّ اللهُ الْبَیعَ) (البقرة:275) مع أنّ بناء الأصحاب علی التمسک بها لإثبات الصحة کما یظهر بأدنی مراجعة ... أقول: یمکن دفع الإشکال فی مثل المثال بأنّه لو کان البیع موضوعاً لما هو صحیح شرعاً کما هو المفروض امتنع حمله علیه لأنّ الحل یکون داخلاً فی المراد من لفظ البیع لا حکماً له فلو جاز عقلاً جعله حکماً له کان لغواً فیمتنع فلابدّ أن یحمل علی البیع العرفی فلا مجال للإشکال المذکور إذ لا مانع حینئذٍ من التمسک به بمجرّد إحراز کون العقد الخارجی بیعاً نعم یختص الإشکال بالأحکام الزائدة علی وصف الصحة کما أنّه أیضاً یندفع بناء علی ما عرفت من کونها أسامی للمسببات بالإطلاق المقامی الذی ذکره المصنف (قدس سره) فلاحظ» و راجع أیضاً مقالات الأصول، ص155.

إنّ المعاملات أمور عرفیة عقلائیة و لیست ماهیات مخترعة شرعیة و الشارع

ص: 356

أمضاها علی ما کانت تلک المعاملات علیه إلّا أنّه قیدها بأمور مثل اعتبار البلوغ و الصیغة و نهی عن بعضها مثل البیع الربوی و الغرری.

فهذه الألفاظ تحمل علی المعانی العرفیة مع القیود التی اعتبرها العرف و العقلاء عند الصحیحی أو تحمل علی المعانی العرفیة الأعم من الواجدة لتلک القیود عند الأعمی.

و علی کلا القولین إذا شککنا فی اعتبار قید فی السبب العرفی شرعاً نتمسک بإطلاق المعاملة (سواء قلنا بالصحیح أم الأعم) فلا ثمرة للنزاع فی الصحیح و الأعم من حیث اعتبار القیود الشرعیة بل یتمسک بالإطلاق علی أی حال.

أمّا ثمرة الصحیح و الأعم فی ألفاظ المعاملات فتظهر عند الشک فی اعتبار شیء فی المعاملة عرفاً.

بیان المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی تقریر مبنی المشهور
اشارة

((1))

إن کانت الألفاظ موضوعة للأسباب فحیث إنّها قابلة للاتصاف بالصحة و الفساد تکون قابلة للنزاع.

و حینئذ إن قلنا بأنّها موضوعة للسبب المستجمع للشرائط العرفیة الملزومة للتأثیر فی الملکیة عرفاً فلامحالة لایمکن التمسک بإطلاقها مع الشک فی ما هو شرط لتأثیره عرفاً.

و إن قلنا بأنّها موضوعة لذوات الأسباب فیمکن التمسک بإطلاقها حتی مع الشک فی ما هو شرط له عرفاً.

ص: 357


1- بحوث فی الأصول، ص39.
إشکال علی التمسک بالإطلاق علی القولین عند الشک فی اعتبار شیء شرعاً:

((1))

إنّ المستشکل یری التفصیل فی المقام بین وضع الألفاظ للأسباب فیتمسک بالإطلاق و وضعها للمسببات فلایتمسک بالإطلاق.

بیان الإشکال علی ما نقله فی المحاضرات:

((2))

إنّ التمسک بالإطلاق فی المعاملات إنّما یتم فی ما لو کانت المعاملات أسامی للأسباب فلنا حینئذ مجال للتمسک بإطلاق قوله تعالی: (أَحَلَّ اللهُ الْبَیعَ)((3)) و (تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ)((4)) و نحوهما لإثبات إمضاء کل سبب عرفی إلّا ما نهی عنه الشارع.

ص: 358


1- فی منتقی الأصول، ص290: «أمّا بناءً علی کونها موضوعة للمسببات فهل یمکن التمسک بإطلاق الدلیل فی إثبات صحة المعاملة مع الشک فی إمضاء السبب کما إذا شک فی صحة العقد بالفارسیة و نحوه أو لایمکن بل دلیل الإمضاء یتکفل إمضاء المسبب دون السبب؟ و تقریب الإشکال فی التمسک بالإطلاق و نفی تکفّل دلیل إمضاء المسبب إمضاء السبب: إنّ الدلیل إنّما یتکفّل إمضاء المسبب و تکفّله إمضاء السبب یتوقف علی أن یکون نظره إلی ذلک إلّا أنّ العرف فی مثل ذلک لایری نظر الدلیل إلی ذلک بل لایری سوی نظره إلی إمضاء السبب بلا لحاظ أسبابه و علیه فلایمکن التمسک بالإطلاق فی إثبات إمضاء السبب المشکوک لعدم کونه فی مقام البیان من هذه الجهة». و فی ص291: «و قد بین المحقق النائینی (قدس سره) الإشکال بنحو آخر و هو: أنّ الدلیل إذا کان متکفّلاً لإمضاء المسببات مع قطع النظر عن الأسباب التی یتوسل بها إلیها فلایدلّ علی إمضاء الأسباب العرفیة مع وجود القدر المتیقن و لایخفی أنّ هذا لیس تقریباً للإشکال بحسب القواعد و أنّه أشبه بالقضیة المأخوذ موضوعها بشرط المحمول، إذ فرض فیه عدم النظر إلی الأسباب فی الدلیل و أنّه مفروغ عنه و علیه فلایتمسک بالإطلاق ... و أنت خبیر بأنّ هذا لایدفع الإشکال بالنحو الذی ذکره... هذا مع أنّ فی ما أفاده مواقع للنظر ... و قد حاول السید الخوئی (قدس سره) تصحیح التمسک بالإطلاق بوجه آخر بعد إبطاله لما ذکره المحقق النائینی (قدس سره) فی وجه التصحیح و محصّله» الخ.
2- المحاضرات، ص186.
3- سورة البقرة(2):275.
4- سورة النساء(4):29.

أمّا لو کانت المعاملات أسامی للمسببات فالإمضاء الشرعی المتوجه إلیها لایدلّ علی إمضاء أسبابها، لعدم الملازمة بین إمضاء المسبب - و هی المبادلة فی البیع و ما شاکلها- و إمضاء سببه و هو المعاطاة أو الصیغة الفارسیة و من الواضح أنّ أدلّة الإمضاء جمیعاً من الآیات و الروایات ناظرة إلی إمضاء المسببات لا إمضاء الأسباب أصلاً، لأنّ الحلیة فی قوله تعالی: (أَحَلَّ اللهُ الْبَیعَ)((1)) ثابتة لنفس المبادلة و الملکیة فی مقابل تحریمها و لا معنی لحلیة نفس الصیغة أو حرمتها.

فلو شککنا فی حصول مسبب من سبب خاصّ کالمعاطاة مثلاً فمقتضی الأصل عدم حصوله و الاقتصار علی الأخذ بالقدر المتیقن و فی الزائد علیه نرجع إلی أصالة العدم.

أجاب عنه المحقق الخوئی (قدس سره):

(2)

إنّ الإشکال إنّما یتمّ فی ما إذا کان هناک مسبب واحد و له أسباب عدیدة، فحینئذ یقال: إنّ إمضاءه لایلزم إمضاءها جمیعاً، فلابدّ من الاقتصار علی القدر المتیقن لو کان و فی الزائد نرجع إلی أصالة عدم حصوله.

ص: 359


1- سورة البقرة(2):275.
2- . المحاضرات، ط.ق. ج1، ص189 و ط.ج. ص215 و فی منتقی الأصول، ص294، بعد الإیراد علی کلام المحقق الخوئی (قدس سره): «الذی ینبغی أن یقال فی حلّ الإشکال: إنّ المراد بالمسبب - کما تقدم- هو التملیک الإنشائی الحاصل بالعقد و الذی یترتب علیه التملیک الاعتباری العقلائی و لایخفی أنّ نسبة هذا التملیک إلی العقد نسبة العنوان إلی المعنون إذ یقال للعقد أنّه تملیک إنشائی نظیر نسبة التعظیم إلی الفعل الصادر من المعظم فإنّ التعظیم أمر اعتباری لکنّه ینطبق علی الفعل و یتعنون به الفعل و لذلک یسند الفعل و التعظیم إلی الشخص لا العقلاء ... و جملة المدعی: إنّ الدلیل المتکفّل للإمضاء و نحوه یختلف عن غیره بنظر العرف فإنّ العرف یری أنّه ناظر إلی جهة الأسباب و معه یمکن التمسک بالإطلاق لکون المتکلم فی مقام البیان فالجواب یرجع إلی إنکار أساس الإشکال من کون الدلیل غیر ناظر إلی جهة الأسباب و نتیجة ما ذکرناه: أنّه یمکن التمسک بإطلاق لفظ المعاملة سواء قلنا بوضعه للسبب أو للمسبب فلا ثمرة فی البحث عن تعیین الموضوع له منهما».

نعم لو فرضنا أنّه لم یکن هناک قدر متیقن بل کانت نسبة الجمیع إلیه علی حدّ سواء أمکننا أن نقول بأنّ إمضاء المسبب إمضاء لجمیع أسبابه، فإنّ الحکم بإمضاء بعض دون بعض ترجیح من دون مرجح و الحکم بعدم الإمضاء رأساً مع إمضاء المسبب علی الفرض غیر معقول و لکنّه فرض نادر جداً بل لم یتحقق فی الخارج.

أمّا إذا کانت المسببات کالأسباب متعددة -کما هو کذلک- فلایتم الإشکال.

بیان ذلک:

إنّ المراد بالمسبب إمّا أن یکون هو الاعتبار النفسانی (کما هو مسلکنا) أو یکون هو الوجود الإنشائی المتحصل من الصیغة أو غیرها کما هو مسلک المشهور حیث فسّروا الإنشاء بإیجاد المعنی باللفظ أو الإمضاء العقلائی فإذا صدر من البائع بیع یترتب علیه إمضاء العقلاء ترتب المسبب علی السبب أو الإمضاء الشرعی و لکنه لایعقل أن یکون مسبباً لأنّ المسبب هو ما یتعلق به الإمضاء من قبل الشارع المقدس فلا یعقل أن یکون هو نفسه.

أمّا المبنی الأوّل فی المسبب فهو أنّه الاعتبار القائم بالنفس فلامحالة یتعدد المسبب بتعدد مبرزه خارجاً، مثلاً إنّ زیداً اعتبر ملکیة داره لشخص و أبرزها باللغة العربیة و اعتبر ملکیة بستانه لآخر و أبرزها باللغة الفارسیة و اعتبر ملکیة حانوته لثالث و أبرزها بالمعاطاة و اعتبر ملکیة کتابه لرابع و أبرزها بالکتابة أو الإشارة فهنا اعتبارات متعددة خارجاً و کل واحد منها یباین الآخر فإذا فرضنا

ص: 360

إمضاء الشارع لجمیع المسببات فیکون إمضاء لجمیع أسبابها و إلّا فإمضاء المسبب بدون إمضاء سببه لغو بل مناقض لما فرضنا من حصول المسبب.

أمّا المبنی الثانی فی المسبب بأن یکون عبارة عن الوجود الإنشائی الحاصل بالتلفظ بصیغ العقود، فلما کان لکل مسبب وجود إنشائی بوجود سببه فلایعقل انفکاکه عن الإنشاء و سببه فإمضاء الشارع للوجود الإنشائی إمضاء لسببه.

أمّا المبنی الثالث فی المسبب بأن یکون عبارة عن إمضاء العقلاء فحینئذ لیس متعلق الإمضاء طبیعی البیع فإنّه لا أثر له و الآثار إنّما تترتب علی الآحاد و أفراد البیع و العقلاء إنّما یمضون تلک الآحاد المترتبة علیها الآثار و لکل واحد منها إمضاء علی حیاله و استقلاله.

فإذا کان لدلیل الإمضاء إطلاق دلّ بإطلاقه علی نفوذ کل إمضاء عقلائی فلامحالة دلّ بالالتزام علی إمضاء کل سبب یتسبب إلیه و لایعقل إمضاء المسبب بدون إمضاء سببه فإنّه نقض للغرض.

فالنتیجه من جمیع ذلک أنّ الإیراد المزبور إنّما یتمّ فی ما لو کان هناک مسبب واحد و له أسباب عدیدة و لکن قد عرفت أنّه لا أصل له علی جمیع المسالک فی تفسیر المسبب و لایعقل أن یکون لمسبب واحد أسباب متعددة علی الجمیع بل لکل سبب مسبب فإمضاؤه بعینه إمضاء سببه. تمّ کلام المحقق الخوئی (قدس سره) .((1))

ص: 361


1- فی منتقی الأصول، ص292، بعد ذکر محاولة السیّد الخوئی (قدس سره) فی التمسک بالإطلاق: «و لایخفی ما فی هذا الوجه فإنّه لایصلح رداً للإشکال الذی ذکرناه فإنّه بعد ثبوت أنّ الدلیل المتکفّل لإمضاء المسبب لایکون ناظراً عرفاً إلی جهة السبب و یکون مجملاً من هذه الجهة فلایجدی تعدّد المسبب فی إثبات إمضاء السبب المشکوک لعدم العلم بإمضاء المسبب الناشیء من السبب المشکوک للشک فیه من جهة السبب و المفروض إجمال الکلام من هذه الجهة فلا إطلاق للکلام کی یتمسک به و من هنا یظهر أنّه لایجدی فی إثبات إمضاء السبب کونه من قبیل المبرز و الکاشف عن الاعتبار النفسانی لا السبب و المسبب - کما هو مذهب السید الخوئی (قدس سره) فی باب الإنشاء- و أنّه لیس لدینا سبب و مسبب بل کاشف و منکشف إذ إمضاء الاعتبار النفسانی لایستلزم إمضاء کاشفه - بعد فرض دخله فی تحقق الأثر- إذا ثبت عدم نظر الدلیل عرفاً إلی جهة العقد و سمّی کاشفاً أو سبباً أو آلة لإجمال الدلیل من جهة العقد».

ص: 362

الفصل الثالث: فی الاشتراک (و فیه تنبیه)

اشارة

ص: 363

ص: 364

فی إمکان الاشتراک أقوال ثلاثة

اشارة

المشهور بین الأعلام هو وقوع الاشتراک بل لا مجال لإنکارها و لکن اختلفوا علی أقوال ثلاثة: وجوب الاشتراک، استحالته و إمکانه.

القول الأوّل: وجوب الاشتراک
اشارة

((1))

الاستدلال علی هذا القول:

((2))

ص: 365


1- فی الکفایة، ص35: «و ربّما توهم وجوب وقوع الاشتراک فی اللغات لأجل عدم تناهی المعانی و تناهی الألفاظ المرکبات فلابدّ من الاشتراک فیها».
2- فی المحصول للرازی، ص262: «أمّا القائلون بالوجوب فقد احتجوا بأمرین الأوّل أنّ الألفاظ متناهیة و المعانی غیر متناهیة و المتناهی إذا وزع علی غیر المتناهی لزم الاشتراک و إنّما قلنا إنّ الألفاظ متناهیة لأنّها مرکبة من الحروف المتناهیة و المرکب من المتناهی متناهی و إنّما قلنا إنّ المعانی غیر متناهیة لأنّ الأعداد أحد أنواع المعانی و هی غیر متناهیة و أمّا أنّ المتناهی إذا وزع علی غیر المتناهی حصل الاشتراک فهو معلوم بالضرورة». و فی الإحکام للآمدی، ص19: «قد قال قوم إنّه لو لم تکن الألفاظ المشترکة واقعة فی اللغة مع أنّ المسمیات غیر متناهیة و الأسماء متناهیة ضرورة ترکّبها من الحروف المتناهیة خلت أکثر المسمیات عن الألفاظ الدالة علیها مع دعوی الحاجة إلیها و هو ممتنع».

استدلوا علیها بعدم تناهی المعانی مع تناهی الألفاظ فلابدّ من الاشتراک فیها

أجاب عنه المحقق الخراسانی (قدس سره) بوجوه أربعة:
الوجه الأوّل:

((1)) إنّ وضع الألفاظ للمعانی غیرِ المتناهیة یستدعی الأوضاع غیرَ المتناهیة و هو خارج عن عهدة البشر (نعم، ما یمکن للبشر وضعه بمقدار کان یتصور فیه الألفاظ المتعددة بحیث لایحتاج إلی الاشتراک.)

الوجه الثانی:

((2)) إنّ الاستعمال متناه و وضع الألفاظ غیرِ المتناهیة لایجدی إلّا فی الاستعمالات المتناهیة.

الوجه الثالث:
اشارة

((3)) إنّ کلیات المعانی متناهیة و الوضع لها یغنی عن الوضع للجزئیات غیرِ المتناهیة.

أشکل علیه المحقق الخوئی (قدس سره):

((4)) إنّ الکلیات أیضاً غیر متناهیة.

ص: 366


1- فی الکفایة، ص35: «و هو فاسد لوضوح امتناع الاشتراک فی هذه المعانی لاستدعائه الأوضاع الغیر المتناهیة».
2- فی الکفایة، ص35: «و لو سلّم لم یکد یجدی إلّا فی مقدار متناه».
3- فی الکفایة، ص35: «مضافاً إلی تناهی المعانی الکلیة و جزئیاتها و إن کانت غیر متناهیة إلّا أنّ وضع الألفاظ بإزاء کلیاتها یغنی عن وضع لفظ بإزائها کما لایخفی».
4- فی المحاضرات، ط.ق. ج1، ص200 و ط.ج. ص228: «إن أراد بکلیات المعانی المفاهیم العامة: کمفهوم الشیء و الممکن و الأمر فما أفاده (قدس سره) و إن کان صحیحاً فإنّها منحصرة و متناهیة إلّا أنّ جمیع الألفاظ لم توضع بإزائها یقیناً علی نحو الوضع العام و الموضوع له الخاص أو الوضع العام و الموضوع له العام... و إن أراد (قدس سره) بها المراتب النازلة منها کالإنسان و الحیوان و الشجر و الحجر و ما شاکل ذلک فیرده أنّها غیر متناهیة باعتبار أجزائها من الجنس و الفصل و عوارضها من الملازمة و المفارقة المتصورة لها... و هکذا تذهب إلی غیر النهایة بل یکفی لعدم تناهی هذه المعانی نفس مراتب الأعداد فإنّک عرفت أنّ مراتبها تبلغ إلی حد لا نهایة له و کل مرتبة منها معنی کلی لها أفراد و حصص فی الخارج و الواقع».
أجاب عنه شیخنا الأستاذ (حفظه الله):

کیف یحصل غیر المتناهی من ضمّ المتناهی إلی المتناهی؟

و یردّه أنّ القیود أیضاً غیر متناهیة.

الوجه الرابع:

إنّ المجاز باب واسع. ((1))

القول الثانی: استحالة الاشتراک
اشارة

و التزم به المحقق الإیروانی (قدس سره)، و استدلّ علیه بدلیلین:((2))

الدلیل الأوّل:
اشارة

((3))

استدلوا علیها بأنّ الاشتراک مناف لغرض الوضع لأنّه یخلّ بالتفهم المقصود

ص: 367


1- فی الکفایة، ص35: «مع أنّ المجاز باب واسع فافهم».
2- فی نهایة النهایة، ص50: «حیث إنّ المختار عندنا هی الاستحالة فلنذکر ما هو دلیلنا علی ذلک إذ لم یبین المصنف (قدس سره) دلیل الاستحالة حق البیان فنقول إنّ الغرض من الوضع و من تعیین اللفظ للمعنی إمّا أن یکون هو حصول تفهیم المعنی بذلک اللفظ عند ذکره و کونه آلة لإحضار المعنی فی ذهن المخاطب أو یکون الغرض عدم حصول هذا التفهیم أو یکون حصول أمور خارجیة أخر مثل إیقاظ النائم أو حصول تفهیم المعانی الأخر غیر المعنی الموضوع له و کل من الأخیرین باطل بالضرورة ... فتعین أن یکون الغرض هو حصول التفهیم و التفهیم لکن هذا الغرض لایحصل مع تعدّد الوضع لعدم حصول تفهیم خصوص المعنی الأوّل الذی وضع له اللفظ و لا خصوص المعنی الثانی الذی وضع له اللفظ أیضاً فلایمکن أن یقصد المتکلم تفهیم کل من المعنیین و أمّا القدر المشترک بین المعنیین أو أحد المعنیین مردداً فلم یوضع له اللفظ و لایکون الغرض من الوضع لمعنی حصول تفهیم معنی آخر» الخ.
3- فی الکفایة، ص35: «الحق وقوع الاشتراک... و إن أحاله بعض لإخلاله بالتفهم المقصود من الوضع لخفاء القرائن». و فی المحصول للرازی، ص263: «أمّا القائلون بالامتناع فقد قالوا المخاطبة باللفظ المشترک لاتفید فهم المقصود علی سبیل التمام و ما یکون کذلک کان منشأ للمفاسد علی ما سیأتی تقریره فی مسألة أنّ الأصل عدم الاشتراک و ما یکون منشأ للمفاسد وجب أن لایکون».

من الوضع لخفاء القرائن و نقض الغرض محال علی الواضع الحکیم.

أجاب عنه المحقق الخراسانی (قدس سره):

أوّلاً: یمکن الاتکال علی القرائن الواضحة کما فی المجازات.((1))

ثانیاً:((2)) إنّ الإجمال لاینافی الحکمة لأنّه قد یتعلق غرض المتکلم بالإجمال و هذا الإجمال قد یقع بالاشتراک و أخری بالألفاظ المشترکة مثل شیء و أمر و غیرهما.

الدلیل الثانی: استدلال القائلین بمبنی التعهد علی الاستحالة
اشارة

قال المحقق الخوئی (قدس سره):

((3)) إنّ وضع اللفظ ثانیاً لمعنی آخر بمعنی تعهد

ص: 368


1- فی الکفایة، ص35: «لمنع الإخلال أوّلاً لإمکان الاتّکال علی القرائن الواضحة». و فی نهایة النهایة، ص51، أورد علی هذا الجواب فقال: «هذا الجواب نشأ من إدراج المستدل فی البرهان المزبور ما لا دخل له فیه أعنی به قوله لخفاء القرائن لما عرفت من تمامیة الاستدلال بدون ذلک فإنّ الغرض من الوضع لایکاد یکون إلّا حصول التفهیم بنفس اللفظ و أمّا حصول التفهیم بمعونة القرینة فکونه غرضاً یفضی إلی کون القرینة جزء من اللفظ الموضوع لمعناه و قد فرض أنّ اللفظ بنفسه هو تمام ما وضع لمعناه فهو تمام العلّة المفهمة و تمام الواسطة فی الإفهام و ما یتوسل به إلی إحضار المعنی فی ذهن المخاطب و بالجملة لایکون الغرض من الوضع حصول التفهیم بمعونة القرینة».
2- فی الکفایة، ص35: «و منع کونه مخلّاً بالحکمة ثانیاً لتعلق الغرض بالإجمال أحیاناً». و فی نهایة النهایة، ص51، أورد علی هذا الجواب فقال: «الإجمال هو عدم حصول تفهیم الموضوع له تفصیلاً مع تفهیمه فی الجملة و قد عرفت إنّ الغرض من الوضع لایکاد یکون عدم حصول تفهیم المعنی بل لایکون الغرض منه إلّا حصول تفهیم المعنی باللفظ الموضوع له فالغرض من الوضع رفع الإجمال لا حصول الإجمال» الخ.
3- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص202 و ط.ج. ص230: «و أمّا علی ما نراه: من أنّ حقیقة الوضع التعهد و الالتزام النفسانی فلایمکن الاشتراک بالمعنی المشهور و هو تعدّد الوضع علی نحو الاستقلال فی اللفظ الواحد. و الوجه فی ذلک: هو أنّ معنی التعهد - کما عرفت- عبارة عن تعهد الواضع فی نفسه بأنّه متی ما تکلم بلفظ مخصوص لایرید منه إلّا تفهیم معنی خاص و من المعلوم أنّه لایجتمع مع تعهده. ثانیاً: بأنّه متی ما تکلم بذلک اللفظ الخاص لایقصد إلّا تفهیم معنی آخر یباین الأوّل ضرورة أنّ معنی ذلک لیس إلّا النقض لما تعهده أولاً».

الواضع ثانیاً بأنّه إذا أراد تفهیم المعنی الآخر یتکلم بهذا اللفظ و هذا التعهد ینافی تعهده الأوّل.

یلاحظ علیه:

أولاً: إنّ اللفظ یدل علی المعنی کما أنّ الملزوم یقتضی لازمه فلازم مبنی التعهد علی القول بالاشتراک اللفظی هو أن یرید المستعمل الواضع کلا المعنیین أو جمیع المعانی لما تعهده حین الوضع و هذا لا اشکال فیه بناء علی جواز استعمال اللفظ فی اکثر من معنی واحد و هذا مبنی علی تعریف الوضع بأنّه التعهد علی إفهام المعنی عند ذلک اللفظ.

ثانیاً: إنّ الاشتراک لاینافی مبنی التعهد، فإنّ الواضع علی مبنی التعهد یتعهد عند قصد المعنی بذکر اللفظ المشترک مع القرینة المعینة.

القول الثالث: إمکان الاشتراک و هو المختار

قال المحقق الخوئی (قدس سره) بما ینتج نتیجة الاشتراک.

قال أوّلاً:((1)) «نعم یمکن علی مسلکنا ما تکون نتیجته نتیجة الاشتراک و هو الوضع العام و الموضوع له الخاص و لا مانع منه، فإنّ الوضع فیه واحد و محذور الامتناع إنّما جاء فی تعدد الوضع».

ص: 369


1- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص203 و ط.ج. ص230.

و قال ثانیاً:((1)) إنّه یقع الاشتراک من جهة تعدد الوضّاع.

و أیضاً قال:((2)) «فلایهمّنا تحقیق ذلک و إطالة الکلام فیه بعد أن کان الاشتراک ممکناً فی نفسه بل واقعاً کما فی أعلام الأشخاص بل فی أعلام الأجناس.»

و هو المختار الإیراد علی المحقق الخوئی (قدس سره):

إنّ الاشتراک واقع باعترافه فعلی هذا لمّا کان کل مستعمل عنده واضعاً یلزم المحذور السابق من لزوم إرادة جمیع المعانی أو المنافاة بین التعهدین.

ص: 370


1- الدراسات، ص99.
2- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص 204 و ط.ج. ص233.

تنبیه: فی توهم عدم وقوع الاشتراک فی القرآن الحکیم

اشارة

استدلّوا أوّلاً بأنّه یلزم من وقوع الاشتراک اعتماده علی القرینة المعینة و هو تطویل بلا طائل و ثانیاً: مع عدم الاعتماد علی تلک القرائن یلزم الإجمال فی کلامه تعالی و کلاهما فاسد.((1))

و هو المختار أجاب عنه المحقق الخوئی (قدس سره):

((2))

جوابه (قدس سره) عن الدلیل الأوّل: یمکن اعتماده علی القرائن الحالیة فلایلزم التطویل بلا طائل مضافاً إلی أنّه إذا کان الغرض من القرینة المقالیة أمراً آخر مفیداً فالتطویل مع الطائل.((3))

جوابه (قدس سره) عن الدلیل الثانی: إنّ الغرض قد یتعلق بالإجمال و هو واقع فی کلامه تعالی کما قال تعالی: (فِیهِ آیاتٌ مُحْکَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْکِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ) ((4)).((5))

ص: 371


1- فی الکفایة، ص35: «کما أنّ استعمال المشترک فی القرآن لیس بمحال کما توهّم لأجل لزوم التطویل بلا طائل مع الاتّکال علی القرائن و الإجمال فی المقال لولا الاتّکال علیها و کلاهما غیر لائق بکلامه تعالی (جلّ شأنه) کما لایخفی».
2- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص203 و ط.ج. ص232.
3- فی الکفایة، ص35: «و ذلک لعدم لزوم التطویل فیما کان الاتّکال علی حال أو مقال أتی به لغرض آخر».
4- سورة آل عمران(3):7.
5- فی الکفایة، ص35: «و منع کون الإجمال غیر لائق بکلامه تعالی مع کونه ممّا یتعلق به الغرض و إلّا لما وقع المشتبه فی کلامه و قد أخبر فی کتابه الکریم بوقوعه فیه قال الله تعالی» الخ.

ص: 372

الفصل الرابع: استعمال اللفظ فی أکثر من معنی واحد (و فیه تنبیه)

اشارة

ص: 373

ص: 374

استعمال اللفظ فی أکثر من معنی واحد

مقدمه

قد اختلف الأعلام((1)) فی إمکان هذا الاستعمال فبعضهم قالوا بالاستحالة((2))

ص: 375


1- فی معالم الأصول، ص38: «إنّ القائلین بالوقوع [أی وقوع الاشتراک] اختلفوا فی استعماله فی أکثر من معنی إذا کان الجمع بین ما یستعمل فیه من المعانی ممکناً فجوّزه قوم مطلقاً و منعه آخرون مطلقاً و فصّل ثالث: فمنعه فی المفرد و جوّزه فی التثنیة و الجمع و رابع: فنفاه فی الإثبات و أثبته فی النفی. ثمّ اختلف المجوّزون فقال قوم منهم: إنّه بطریق الحقیقة و زاد بعض هؤلاء: أنّه ظاهر فی الجمیع عند التجرّد عن القرائن فیجب حمله علیه حینئذٍ و قال الباقون: إنّه بطریق المجاز». و فی منتقی الأصول، ص312: «الذی ننتهی إلیه انّ امتناع الاستعمال فی أکثر من معنی و إمکانه یبتنی علی تفسیر الاستعمال و حقیقته و کونها إفناء اللفظ فی المعنی أو جعله علامة علیه فیمتنع علی الأوّل و یمکن علی الثانی کما تقدم». و راجع عنایة الأصول، ص111. و فی تحریرات فی الأصول، ص292: «و الذی هو التحقیق: جوازه عقلاً و ممنوعیته عرفاً إلّا مع الشواهد کما فی کلمات البلغاء و الفصحاء».
2- فی القوانین، ص67: «و الأظهر عندی عدم الجواز مطلقاً» و فی هدایة المسترشدین، ص520: «و إذ قد عرفت ضعف ما ذکره المصنف فی المقامین تبین قوة القول بالمنع مطلقاً و قد ظهر الوجه فیه ممّا قرّرناه إجمالاً».

مثل المحقق الخراسانی و المحقق النائینی و المحقق العراقی و المحقق الإصفهانی (قدس سرهم) .

و بعضهم قالوا بجوازه کما فی وقایة الأذهان((1)) و المحاضرات و تهذیب الأصول و تحقیق الأصول، و الحقّ عندنا جوازه بل وقوعه،((2)) لبطلان أدلّة الإستحالة.

ص: 376


1- فی وقایة الأذهان، ص84: «و الحق جوازه مطلقاً بل وقوعه کثیراً بل حسنه و ابتناء کثیر من نکات الصناعة علیه. أمّا الأوّل فلوجود المقتضی و عدم المانع. أمّا المقتضی فهو الوضع لأنّ الموضوع له هو ذوات المعانی بأوضاع عدیدة من غیر تقیید بالوحدة وجداناً و لا تمانع بین الوضعین فکل وضع یقتضی الاستعمال مطلقا و أمّا عدم المانع فلأنّه إن کان ثمة منع فإمّا أن یکون من جهة نفس الوضع أو الواضع أو من العقل أمّا من جهة الوضع فقد عرفت أنّه لایمنع منه بل یقتضیه و أمّا من جهة الواضع فلأنّه لم یلاحظ حال الوضع وجود وضع آخر و لا عدم وجوده فاستعماله فی حال الاجتماع عمل بالوضع کاستعماله حال الانفراد و أمّا عدم المانع عقلاً فلیس فی المقام ما یوهمه إلّا ما ذکره غیر واحد». ثمّ قال فی ص87: «و اعلم أنّ أقوی أدلّة الإمکان و أسدّها الوقوع و هذا النحو من الاستعمال واقع کثیراً و هو فی کثیر من المواقع حسن جیدٌ جداً.
2- فی معالم الدین، ص39: «و الأقوی عندی جوازه مطلقاً لکنّه فی المفرد مجاز و فی غیره حقیقة.» و فی مقدمة وقایة الأذهان، ص16: «... آیة الله المحقق السید علی الفانی حیث یقول: فتلخص من جمیع ما ذکرنا جواز استعمال لفظ واحد فی غیر واحد من المعانی کما ظهر أنّ استشهاد شیخ مشایخنا النجفی (قدس سره) لجواز الاستعمال بأبیات عربیة و استعمالات أدبیة الذی سمّاه بعض الأعاظم (رحمة الله) بالاستشهاد بأبیات و حکایات إنّما هو استدلال لإمکان الشیء بوقوعه». و فی درر الفوائد، ص55: «الحق الجواز بل لعلّه یعدّ فی بعض الأوقات من محسنات الکلام». و فی الرافد، ص190: «نستعرض الشواهد علی الوقوع و هی علی قسمین: الأول ما یتعلّق بإطلاق اللفظ مع إرادة عدة معانی. الثانی ما یتعلق باستعمال اللفظ فی عدة معانی. الأول و هو إطلاق اللفظ و إرادة صنفه أو نوعه أو مثله مع إرادة معناه و له عدة أمثلة» ثمّ ذکر ثلاثة أمثلة و قال: «القسم الثانی: فی ذکر شواهد استعمال اللفظ فی عدة معانی و هی کثیرة ذکرها المحقق أبو المجد الأصفهانی (قدس سره) فی کتابه وقایة الأذهان منها: أ- ما ورد فی مدح الرسول (صلی الله علیه و آله و سلم): المرتمی فی دجی و المبتلی بعمی و المشتکی ظمأ و المبتغی دینا یأتون سدته من کل ناحیة و یستفیدون من نعمائه عینا. فلفظ العین قد استعمل فی المقام فی أربعة معانی» ثمّ ذکر ثلاثة أمثلة غیره ثمّ ذکر ثلاث مناقشات فی الاستشهاد بتلک الأمثلة و أجاب عنها.

أدلة القائلین بالاستحالة

اشارة

و المهم من تلک الأدلّة أربعة:

الدلیل الأوّل: من صاحب الکفایة (قدس سره)
اشارة

((1))

إنّ حقیقة الاستعمال((2)) جعل اللفظ وجهاً و عنواناً للمعنی بل بوجه نفسه کأنّه الملقی لأنّ الوجه فان فی ذی الوجه و العنوان فانٍ فی معنونه و إفناء الواحد فی الاثنین محال.

ص: 377


1- فی الکفایة، ص36: «إنّ حقیقة الاستعمال لیس مجرّد جعل اللفظ علامة لإرادة المعنی بل جعله وجهاً و عنواناً له بل بوجه نفسه کأنّه الملقی و لذا یسری إلیه قبحه و حسنه کما لایخفی و لایکاد یمکن جعل اللفظ کذلک إلّا لمعنی واحد ضرورة أنّ لحاظه هکذا فی إرادة معنی ینافی لحاظه کذلک فی إرادة الآخر حیث إنّ لحاظه کذلک لایکاد یکون إلّا بتبع لحاظ المعنی فانیاً فیه فناء الوجه فی ذی الوجه و العنوان فی المعنون و معه کیف یمکن إرادة معنی آخر معه کذلک فی استعمال واحد» و فی حاشیة علی کفایة الأصول، ص107: «التحقیق کما أفاده المصنف (قدس سره) و مال إلیه السید الأستاذ (حفظه الله) عدم جوازه عقلاً و ذلک لأنّ استعمال اللفظ فی المعنی عبارة عن دکه و إفنائه فی المعنی فاللفظ بالإضافة إلی معناه یکون بمثابة فی مقام کأنّه عینه و نفسه کأنّه الملقی» الخ و فی مباحث الأصول، ص168: «و أمّا دعوی استلزام الاستعمال فناء اللفظ فی المعنی و رؤیته عینه و لایمکن رؤیة الشیء شیئین فکأنّها ترجع إلی دعوی الوجدان و یمکن تقریرها بنحو ترجع إلی البرهان بأن یقال: اللفظ فانٍ فی المعنی بنظر المستعمل و بینهما الهوهویة فی نظره التابع لنظر الواضع و المعنی لا اتحاد بینه و بین المعنی الآخر لعدم الجامع الموجب لاتحاد ما فاللفظ لایمکن وحدته مع المعنی الآخر مع هذه المغایرة لما اتحد به».
2- للوقوف أزید علی حقیقة الاستعمال راجع ما ذکره المؤلف (حفظه الله) فی تنبیه بعد بحث حقیقة الوضع بهذا العنوان: «تنبیه فی حقیقة استعمال اللفظ فی المعنی».
مناقشتان فی الدلیل الأوّل:
اشارة

((1))

المناقشة الأولی: عن المحقق الخوئی (قدس سره)
اشارة

((2))

هذا مبتنٍ علی أن یکون حقیقة الوضع عبارة عن جعل وجود اللفظ وجوداً تنزیلیاً للمعنی و قد سبق بطلانه((3)) (بأنّه أمر دقیق لایفهمه العرف الواضع للمعنی).

ص: 378


1- و فی مباحث الأصول، ص169: «یمکن أن یقال فیها: ... فدعوی استحالة الدلالة التصدیقیة مع اشتراکها مع التصوریة و وجدانیة وقوع التصوریة استناداً إلی أنّ الفناء فی الشیء و فیما یباینه و قد لایکونان تحت جامع واحد فی قوة فناء شیء فی شیء و عدم فنائه فیه مدفوعة بما مرّ من أنّ الفناء فی الواحد فی حال الانفراد لایستلزم الفناء فیه فی حال الاجتماع بل فی المجموع و إن کان کل جزئیه علی نحو لو کان وحده لکان اللفظ مرآة له بل مرّ أنّ اللفظ علّة لحضور مدلوله المراد فی ذهن السامع بحضور اللفظ کان المراد واحداً أو متعدداً و الفرض کفایة القرینة للإثبات علی تقدیر إمکان الاستعمال فلاتغفل و علیة العلّة المعدة الناقصة الواحدة لشیئین أی لحضورهما فی ذهن السامع بالفعل کما کان بالقوة بالوضع لایجری فیها برهان امتناع صدور الکثیر من الواحد». و فی بحوث فی علم الأصول، ص152: «یرد علی التقریب الأوّل أنّ آلیة اللفظ ذهناً فی عالم اللحاظ المدعاة شرطاً ثانیاً فیما تقدّم إن أرید بها الآلیة بالمعنی المقابل لتوجه النّفس و التفاتها تفصیلاً إلی الشی ء بمعنی أنّ الألفاظ تستعمل استعمالاً أداتیاً مع الغفلة عنها عادة فهذه ظاهرة عامّة فی عالم الاستعمال و لکنّها لیست مقومة لعملیة الاستعمال ذاتاً - کما عرفت - و لاتستدعی امتناع استعمال اللفظ فی أکثر من معنی ... و إن أرید بالآلیة ملاحظة اللفظ فانیاً فی المعنی و کأنّه المعنی بحیث یری المعنی برؤیة اللفظ فهی علی فرض ثبوتها فی الاستعمال توجب امتناع الاستعمال فی أکثر من معنی و لکن هذا المعنی من الآلیة غیر معقول فی المقام».
2- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص207 و ط.ج. ص237.
3- فی المحاضرات، ط.ق. ج1، ص207 و ط.ج. ص236: «لایخفی أنّ ما أفاده (قدس سره) إنّما یتمّ علی ما هو المشهور بین المتأخرین من أنّ حقیقة الاستعمال لیست مجرّد جعل اللفظ علامة لإرادة تفهیم المعنی بل إیجاد للمعنی باللفظ و جعل اللفظ فانیاً فی المعنی و وجهاً و عنواناً له ... و أمّا بناء علی مسلکنا: من أنّ حقیقة الوضع هی التعهد و الالتزام النفسانی فلامانع من ذلک، لأنّ الاستعمال لیس إلّا فعلیة ذلک التعهد و جعل اللفظ علامة لإبراز ما قصده المتکلم تفهیمه ... و من هنا یظهر: أنّ تفسیر الوضع باعتبار الملازمة بین طبیعی اللفظ و المعنی الموضوع له أو بجعل اللفظ علی المعنی فی عالم الاعتبار أیضاً لایستدعی فناء اللفظ فی مقام الاستعمال».
جواب عن المناقشة الأولی:

فیه: أنّ کلامه فی حقیقة الاستعمال لا حقیقة الوضع.((1))

المناقشة الثانیة: عن بعض الأساطین (حفظه الله)

(2)

لانسلم أنّ الاستعمال إفناء اللفظ فی المعنی بل عند الاستعمال لسنا بغافلین من الألفاظ لرعایة الفصاحة و البلاغة.

ص: 379


1- فی منتقی الأصول، ج1، ص312: «قد بنی السید الخوئی (قدس سره) کون حقیقة الاستعمال أحد هذین المعنیین [إفناء اللفظ فی المعنی و جعله علامة علیه] علی ما یختار فی حقیقة الوضع ... و لکنّه غیر سدید و ذلک لأنّ حقیقة الاستعمال و کونها إفناء اللفظ فی المعنی أو جعل اللفظ علامة للمعنی لاترتبط بحقیقة الوضع و لاتبتنی علیها أصلاً و لم یظهر وجه الملازمة بینهما بل یمکن دعوی أنّ الاستعمال إفناء اللفظ فی المعنی و لو ادعی أنّ الوضع هو التعهد إذ ما یحصل بالوضع أیا کانت حقیقته هو العلاقة بین اللفظ و المعنی و الارتباط بینهما ... و ما یستدلّ به علی أحد الطرفین فی باب الاستعمال جار علی جمیع تقادیر الوضع و ما ادعی من الملازمة لایعلم له وجه و یشهد لذلک: بعض الموارد العرفیة ... کما یدلّ علی ما ذکرناه: إنّ عنوان النزاع أعمّ من الوضع لأنّه یتعدی إلی الاستعمال فی المعنی الحقیقی و المجازی أو المعنیین المجازیین مع أنّه لا وضع ههنا کی یبتنی جواز الاستعمال و عدمه علی تحقیق حقیقته و مقتضی ما ذکر عدم جریان النزاع فی ذلک المورد مع أنّ جریانه و تأتی کلا القولین فی الاستعمال أمر لا شبهة فیه و لا توقف عنده فتدبّر».
2- . و فی وقایة الأذهان، ص86، بعد ذکر کلام والده و صاحب الکفایة (قدس سرهما): «و هذان الکلامان مغزاهما واحد و هو إثبات درجة رفیعة للاستعمال فوق ما نعرفه من الکشف عن المراد و الدلالة علی المعنی بواسطة الوضع فکأنّه کلام أخذ من کتب أهل المعقول فجعل فی غیر موضعه من کتب الأصول و لا أظن الوالد و لا هذا الأستاذ ینازعان فی إمکان الکشف عن المراد بغیر هذا الطریق الذی سمّیاه استعمالاً بل علی نحو العلامة الذی صرّح بجواز جعله لأشیاء متعددة و نحن لانتصور قسمین للإفهام یسمّی أحدهما استعمالاً و یکون إلقاء للمعنی و فناء للفظ فیه و نحو ذلک من التعبیر و یسمّی الآخر علامة تدلّ علی المراد فإذا ضممت إلی ذلک ما عرفت من أنّ الإفهام فی المحاورات لیس إلّا بجعل الألفاظ علائم للمعانی ارتفع النزاع بیننا و بینه و صحت لنا دعوی الاتفاق علی الإمکان حتی فی متعارف المحاورات و لم یبق إلّا النزاع فی تسمیة ذلک بالاستعمال و عدمها و هذا نزاع لفظی بحت لا طائل تحته و نحن ندع له إنشاء هذا اللفظ لینحل له ذلک المعنی الغیر المتصور کرامة له و کراهة للمنازعة معه». و فی نهایة النهایة، ص55: فی التعلیقة علی قوله: «و بیانه أنّ حقیقة الاستعمال لیس مجرّد»: «بل الصحیح أنّ حقیقة الاستعمال إنّما هو مجرّد جعل اللفظ علامة و آلة للانتقال إلی المعنی و أمّا ما یری من غفلة المتکلم عن نفس اللفظ فی مرحلة استعماله فکان الملقی فی الخارج هو عین المعنی المستعمل فیه و ذلک أیة کون اللفظ فانیاً فی معناه و متحداً معه وجوداً فهو مدفوع بأنّ ذلک ناشئ عن الأنس الحاصل من تکرّر الاستعمال و کثرته و لذا لایکون ذلک فی أوائل تعلم اللسان فحقیقة الاستعمال لایزید علی جعل اللفظ علامة للمعنی المختص به و العینیة المتخیلة أمر زائد علی أصل الاستعمال لا أنّها عینه» الخ و قد ذکر لاستعمال اللفظ فی أکثر من معنی بناء علی کونه جعل اللفظ علامة محذور «و تقریبه - کما جاء فی حاشیة المحقق الإصفهانی (قدس سره) -: إنّ جعل اللفظ علامة للمعنی معناه أنّه سبب لحصول العلم و الانتقال إلی المعنی فهو سبب للإعلام و التفهیم الذی معناه إیجاد العلم و الفهم و علیه فیمتنع أن یکون اللفظ محققاً لإعلامین و تفهیمین لامتناع أن یکون الوجود الواحد إیجادین لاتحاد الوجود و الإیجاد حقیقة و تغایرهما اعتباراً» ذکر هذا فی منتقی الأصول، ص307، ثمّ ذکر إشکالین علیه فراجع.
الدلیل الثانی: ما أفاده أیضاً صاحب الکفایة (قدس سره)
اشارة

((1))

و تقریر المحقق النائینی و العراقی (قدس سرهما) أیضاً یرجع إلیه.

إنّ المعنی الثانی یستلزم لحاظاً آخر لللفظ غیر لحاظه فانیاً فی المعنی الأوّل فیجتمع اللحاظان الآلیان علی لفظ واحد.

قال المحقق النائینی (قدس سره):
اشارة

((2)) لازم الاستعمال فی المعنیین تعلق اللحاظ الاستعمالی فی آن واحد بمعنیین و لازمه الجمع بین اللحاظین فی آن واحد و هو ممتنع عقلاً.

أمّا وجه استحالة ذلک فلم یذکرها فی الکفایة و یمکن تقریر الاستحالة أوّلاً: بأنّه اجتماع المثلین و ثانیاً: بأنّ اللحاظ هو الوجود الذهنی و اجتماع اللحاظین

ص: 380


1- فی الکفایة، ص36: «و مع استلزامه للحاظ آخر غیر لحاظه کذلک فی هذا الحال».
2- أجود التقریرات، ط.مؤسسة صاحب الأمر (عجل الله تعالی فرجه)، ج1، ص76.

لللفظ معناه وجود الماهیة اللفظیة بالوجودین الذهنیین مع أنّ الماهیة الواحدة لایقبل الوجودین أو الوجودات.((1))

یلاحظ علیه:

سنشیر إلی عدم لزوم اجتماع المثلین و أما وجود الماهیة الواحدة بوجودین أو بوجودات لا استحالة فیه بل الماهیة غالباً توجد بوجودین أو وجودات.

تقریر المحقق العراقی (قدس سره):
اشارة

المحقق العراقی (قدس سره) قرر هذا الوجه فی المقالات((2)) و وجّه استحالته بأنّه اجتماع المثلین و إلیک نصّ عبارته: لو کان باب استعمال اللفظ فی معناه کون اللفظ مرآة لمعناه بمعنی کون لحاظ المعنی بعین لحاظ اللفظ بنحو یعبر اللحاظ من اللفظ إلی المعنی و أنّ النظر إلی اللفظ عبوری علی وجه لایلتفت الإنسان إلیه بل تمام التفاته إلی المعنی بحیث کأنّه یوجد المعنی بلسانه فلا شبهة فی أنّ لازم هذا المسلک عند إرادة المعنیین بنحو الاستقلال فی شخص لحاظه بتوسیط لفظ واحد توجّه اللحاظین إلی لفظ واحد و هو محال لأوله إلی اجتماع المثلین فی شیء واحد کما لا یخفی.

إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) علی هذا الوجه:

(3)

إنّه بعد تقریر الاستحالة بوجه آخر قال: لایدور الامتناع و الجواز مدار امتناع تقوّم الواحد بلحاظین و عدمه ضرورة أنّ اللفظ بوجوده الخارجی لایقوّم

ص: 381


1- تحقیق الأصول، ج1، ص315.
2- مقالات الأصول، ج1، ص162.
3- . نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ج1، ص153. و فی مباحث الأصول، ص165: «و یمکن أن یقال: إنّ متعلق اللحاظ المصحح للاستعمال و إیجاد اللفظ لتفهیم المعنی طبیعی اللفظ لا شخصه و لا محذور فی تعدّد وجود طبیعة واحدة فی زمان واحد من شخص واحد لغایتین متعدّدتین کما نلاحظ وجودی الطبیعة فی زمان واحد تصوراً لا تصدیقاً لاشتراکهما فی المحذور العقلی المراد فی هذا الوجه و تأثیر لحاظی الطبیعة فی إیجاد واحد لازمه تأثیر مجموع السببین المجتمعین فی الواحد بحیث لو انفردا أثر کل منهما فی إیجاده لإحدی الغایتین فلمّا اجتمعا أثرا معاً و تحققت الغایتان و هو إفهام المعنیین و المفروض وفاء مقام الإثبات بالإفهام» ثمّ استدلّ علی أنّ المتعلق هو الطبیعة لا الشخص . و فی بحوث فی علم الأصول، ص152، بعد أن قال «الثانی ما جاء فی کلمات صاحب الکفایة (قدس سره) و مرجعه إلی الاستناد إلی الشرط الثالث لإثبات الامتناع إمّا بتقریب ... و إمّا بتقریب أشار إلیه المحقق العراقی (قدس سره) فی مقالاته الخ »: «و یرد علی التقریب الثانی أنّ اللحاظ الآلی للفظ فی مقام الاستعمال لیس معناه أنّ لحاظاً واحداً یعبّر من اللفظ إلی المعنی فیکون لحاظاً استقلالیاً للمعنی باعتبار استقراره علیه و لحاظاً آلیاً للفظ باعتبار استطراقه منه لیلزم محذور عبور لحاظین عن اللفظ، بل معناه - علی ما تقدم - أنّ اللفظ ملحوظ بلحاظ و موجود فی الذهن بوجود و لکنّه لیس محطاً للتوجه و الالتفات من قبل النفس بحکم العادة التی تجعل المعتاد یستعمل الأداة فیما أعدّت له من دون توجه إلیها بالفعل و قد عرفت أنّ الوجود الذهنی أعم من التوجه و الالتفات و علیه فلایلزم من استعمال اللفظ استعمالاً أداتیاً لتفهیم معنیین اجتماع لحاظین آلیین علیه».

اللحاظ، بل المقوّم له صورة شخصه فی أفق النفس فأی مانع من تصور شخص اللفظ الصادر بتصورین فی آنٍ واحد مقدمة لاستعمال اللفظ الصادر فی معنیین لو لم یکن جهة أخری فی البین.

الدلیل الثالث:
اشارة

((1))

إنّ لحاظ المعنیین فی آن واحد محال لأنّ اللافظ لایقدر علی ذلک.

ص: 382


1- و فی بحوث فی علم الأصول، ص150: «قد ادّعی الامتناع و قرّب بعدة وجوه: الأوّل استلزامه صدور الکثیر من الواحد، إمّا بتقریب منسوب إلی المحقق النائینی (قدس سره) من أنّ النفس باعتبار بساطتها یمتنع فی حقها أن تلحظ معنیین مستقلین فی آنٍ واحد و الاستعمال فی أکثر من معنی یستدعی ذلک إذ بدونه یفقد الاستعمال أهم مقوّماته و هو اللحاظ».
إیرادات ثلاثة علی الدلیل الثالث:

أوّلاً: إنّ ذلک لایجری فی کلامه تعالی و فی روایات أهل البیت (علیهم السلام) بل الکمّلین.

ثانیاً: لا محذور فی تصور المعنیین متتابعاً ثم إلقاء اللفظ حاکیاً عنهما.

ثالثاً: إنّ تصور المعنیین فی آن واحد لیس بمستحیل.((1))

الدلیل الرابع: تقریر المحقق الإصفهانی (قدس سره) للاستحالة
اشارة

(2)

إنّ حقیقة الاستعمال إیجاد المعنی فی الخارج باللفظ و الإیجاد عین الوجود فوجود اللفظ فی الخارج وجود المعنی بالتنزیل و لکن الموجود الخارجی بالذات

ص: 383


1- فی منتقی الأصول، ص310، بعد ذکر الدلیل الثالث: «و یندفع هذا الوجه بما حقق من قابلیة النفس لحصول صورتین لمعنیین فی آن واحد و یستشهد علی ذلک بشواهد: منها: انّ الشخص قد یفعل فعلین فی آن واحد کأن یقرأ و یکتب مع أنّ الفعل أمر اختیاری یتوقف علی اللحاظ و التصور فإنّه من مبادئ الإرادة و منها: الحکم علی الموضوع بالحمول فإنّه یتوقف علی لحاظ کل من المحمول و الموضوع کی یتجه حکمه به علیه و حمله علی الموضوع». و فی بحوث فی علم الأصول، ص150: «أمّا التقریب الأوّل فیرد علیه ما ذکره المحقق الإصفهانی و غیره من اقتدار النفس علی انتقالات و تصورات متعددة فی آنٍ واحد و لاینافی ذلک بساطتها کما هو محقق فی محلّه و ممّا یدلّ علی ذلک أنّ تصورات أجزاء القضیة لابدّ من اجتماعها کلّها فی زمان إیقاع النسبة و الحکم بل انّ تصور اللفظ و تصور المعنی متزامنان دائماً و هما وجودان ذهنیان».
2- . نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ج1، ص152 . و فی بحوث فی علم الأصول، ص 152 و 153: «الثالث ما جاء فی کلمات المحقق الإصفهانی (قدس سره) تارة بتقریب: أنّ الاستعمال المذکور یقتضی صیرورة اللفظ وجوداً تنزیلیاً لکل من المعنیین و مع کون الوجود الحقیقی واحداً فلیس هناک أمران حقیقیان لینزل کل منهما منزلة معنی و أخری بتقریب: انّ استقلال کل من المعنیین فی مقام الاستعمال الذی هو المفروض معناه استقلاله فی الإیجاد التنزیلی لأنّ الاستعمال عین الإیجاد کذلک و الاستقلال بالإیجاد التنزیلی یستدعی الاستقلال بالوجود التنزیلی لأنّ الإیجاد عن الوجود و الاستقلال بالوجود التنزیلی یقتضی الاستقلال بالوجود اللفظی الحقیقی لأنّ الوجود التنزیلی للمعنی عین الوجود الحقیقی للفظ فالاستقلال فی أحدهما مساوق للاستقلال فی الآخر». و فی منتهی الأصول، ص70: «التحقیق عدم جوازه مطلقاً لا علی نحو الحقیقة و لا علی نحو المجاز لا فی المفرد و لا فی التثنیة و لا فی الجمع.» و فی أصول الفقه، ص78: «إنّ استعمال أی لفظ فی معنی إنّما هو بمعنی إیجاد ذلک المعنی باللفظ لکن لا بوجوده الحقیقی، بل بوجوده الجعلی التنزیلی، لأنّ وجود اللفظ وجود للمعنی تنزیلاً... و علی هذا، لایمکن استعمال لفظ واحد إلّا فی معنی واحد فإنّ استعماله فی معنیین مستقلاً - بأن یکون کلّ منهما مراداً من اللفظ کما إذا لم یکن إلّا نفسه- یستلزم لحاظ کل منهما بالأصالة فلابدّ من لحاظ اللفظ فی آنٍ واحد مرّتین بالتبع و معنی ذلک اجتماع لحاظین فی آنٍ واحد علی ملحوظ واحد - أعنی به اللفظ الفانی فی کل من المعنیین- و هو محال بالضرورة فإنّ الشیء الواحد لا یقبل إلّا وجوداً واحداً فی النفس فی آنٍ واحد».

واحد فهذا الوجود الخارجی لایمکن أن یکون وجوداً تنزیلیاً لمعنیین لأنّ لکل من المعنیین إیجاداً و الإیجاد متحد مع الوجود فلابدّ من الوجودین لللفظ فی الخارج حتی یکون أحدهما عین إیجاد المعنی الأوّل و الوجود الثانی عین إیجاد المعنی الثانی مع أنّ وجود اللفظ فی الخارج واحد.

و بالجملة یلزم أن یکون الوجود الواحد متحداً مع الإیجادین و لکنّه محال.

إیرادات ثلاثة علیه من بعض الأساطین (حفظه الله):
اشارة

(1)

الإیراد الأوّل:
اشارة

إنّه خلاف مختار المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی باب الوضع حیث إنّ هذا البیان

ص: 384


1- . و فی منتقی الأصول، ص311: «و قد أورد علیه ... ثانیاً: بأنّ الشیء الواحد یمکن أن یکون وجوداً بالعرض لمعان متعددة إذ یمکن أن یتعنون الشیء بعناوین متعدّدة بلا کلام» ثمّ قال: «و یرد الثانی: بأنّ تعدّد العناوین المنطبقة علی شیء واحد إنّما هو لتعدد الجهات التی یشتمل علیها الشیء فینتزع عن کل جهة عنوان خاص و إلّا فیمتنع انتزاع عناوین متعدّدة عن جهة واحدة فی الشیء کما لایخفی» و فی مباحث الأصول، ص 166 و 167: «و أمّا تبعیة الوجود التنزیلی، للحقیقی فی الوحدة و التعدّد فیمکن أن یقال فیه: إنّ اللفظ - بالوضع- لیس وجوداً تنزیلیاً للمعنی بأن یجعل عین المعنی اعتباراً و إنّما ذلک فی الإنشائیات، لا فی مطلق الموضوعات، کما مرّ منّا سابقاً و لیس البحث فی خصوصها و إنّما الوضع، اعتبار وضع شیء علی شیء أو فی شیء لغایة الملازمة فی الانتقال و لا مانع من اعتبار وضع شیء علی شیئین لأن یحصل بسببه الانتقال الذهنی إلیهما» و فی بحوث فی علم الأصول، ص153: «و یرد علی التقریب الأوّل وضوح أنّ تعدّد المنزل علیه لایستدعی تعدّد المنزل إذ یمکن أن یکون الوجود الواحد منزلاً منزلة أمور متعدّدة بتنزیلات متعدّدة فلانحتاج إلی وجود حقیقی آخر لینزل منزلة المعنی الآخر و لولا ذلک لسری الإشکال إلی أصل وضع اللفظ للمعنیین و لم یختص الإشکال باستعماله فیهما فإذا صحّ فی مقام الوضع تنزیل اللفظ الواحد بتنزیلین بإزاء معنیین لم یکن ما یمنع من إخراج کل من التنزیلین عن القوة إلی الفعل. و أمّا التقریب الثانی فیرد علیه: أوّلاً: ما یشترک فیه البیانان، من أنّه إن أرید بکون الاستعمال إیجاد المعنی باللفظ تنزیلاً کون اللفظ أداة لإیجاد المعنی و مرآة له فی مقام الاستعمال فلایمکن أن یکون کذلک بالنسبة إلی معنیین و إلّا لزم فناؤه فی اثنین أو اجتماع اللحاظین، رجع إلی الوجه السابق و إن أرید بذلک مجرّد اعتبار انّ اللفظ عین المعنی کما یعتبر الطواف بالبیت صلاة مثلاً فلیس هذا حقیقة الاستعمال؛ ثانیاً: إنّ الاستقلال فی الإیجاد التنزیلی و إن کان یقتضی الاستقلال فی الوجود التنزیلی إلّا أنّ هذا لایقتضی الاستقلال فی الوجود الحقیقی، إذ المراد باستقلال وجود ما استقلاله فی عالم ثبوته و موطن تحققه و هو بالنسبة إلی الوجود التنزیلی عالم الاعتبار أو ما یشبه فلابدّ من استقلاله فی هذا العالم، بمعنی أنّه لابدّ أن یکون کل من المعنیین إیجاداً مستقلاً فی عالم الاعتبار و وجوداً مستقلاً کذلک و هذا حاصل فی المقام و لایلازم مع استقلال کل منهما بالوجود فی عالم الخارج».

یناسب القول بأنّ اللفظ وجود تنزیلی للمعنی و لکن المحقق الإصفهانی (قدس سره) یری أنّ الوضع فی عالم الاعتبار.((1))

جواب عن الإیراد الأوّل:

فیه أنّ الکلام فی حقیقة الاستعمال لا حقیقة الوضع.((2))

ص: 385


1- تحقیق الأصول، ج1، ص320.
2- فی منتقی الأصول، ص312: «انّ ما ذکره المحقق الأصفهانی (قدس سره) وجیه فی نفسه إلّا أنّ الإشکال فی أصل مبناه و هو کون الاستعمال إیجاد المعنی تنزیلاً باللفظ فإنّه و إن وقع فی کلام الفلاسفة إلّا أنّه لایعلم له وجه ظاهر و لم یذکر دلیل علیه بل هو یقع فی الکلمات بنحو إرسال المسلمات فهو قابل للإنکار لأنّه دعوی بلا دلیل بل قد مرّ علیک ما یوهنه من عدم تصور معنی معقول لتنزیل اللفظ منزلة المعنی فراجع».
الإیراد الثانی:

إنّ الوضع هو فعلنا و نحن فی أوضاعنا لانجعل اللفظ وجوداً تنزیلیاً للمعنی بل إنّ الاسم یوضع علی المسمی لأن یکون علامة له.

فیه: ما تقدم من أنّ الکلام فی الاستعمال لا فی الوضع.

الإیراد الثالث:

إنّ قاعدة الوحدة الحقیقیة بین الإیجاد و الوجود من أحکام الموجودات الحقیقیة و أمّا إیجاد الشیئین فی عالم الاعتبار بوجود واحد فلا مانع عقلی عنه.((1))

فتحصل أنّه لا وجه لاستحالة استعمال اللفظ فی أکثر من المعنی الواحد.

وهنا أدلّة أخری أقیمت علی القول بالاستحالة، و لکن لا یهمّنا التعرّض بها، فلا نطیل الکلام بذکرها. ((2))

ص: 386


1- فی منتقی الأصول، ص311: «قد أورد علیه: أوّلاً: بأنّ الوجود الواحد لایمکن أن یکون إیجاداً لمعنیین إنّما هو فی الوجود الحقیقی العینی لا التنزیلی لأنّ التنزیل ترجع سعته و ضیقه إلی المنزل فیمکن أن ینزل اللفظ منزلة المعنیین» ثمّ قال: «و یرد الأوّل: بأنّ المدعی امتناع کون اللفظ الواحد إیجادین لمعنیین و لو تنزیلاً لا إیجاداً لهما فإمکان تنزیل اللفظ منزلة المعنیین لایعنی إمکان کون اللفظ إیجادین لمعنیین».
2- فی الفصول، ص54: «الحق أنّ هذا الاستعمال غیر جائز مطلقاً لا فی المفرد و لا فی غیره لا حقیقة و لا مجازاً من غیر فرق بین الأقسام المذکورة لنا علی أنّه غیر جائز فی المفرد مطلقاً حقیقة وجوه الأوّل: أنّ الوضع علی ما یساعد علیه التحقیق عبارة عن نوع تخصیص ینشئه الواضع و مرجعه إلی قصر اللفظ علی المعنی ... فإذا أطلق ... و أرید به کلا المعنیین لم یصح لأنّ قضیة کل من الوضعین أن لایراد منه المعنی الآخر ففی الجمع بینهما نقض لهما فلایکون اللفظ مستعملاً فیما وضع له بحسب شیء من الوضعین ... الثانی الاستقراء فإنّا تتبعنا لغة العرب من قدیمهم و حدیثهم و تصفحنا فی موارد استعمالاتهم و مجاری کلماتهم فلم یتحقق عندنا صدور مثل هذا الاستعمال ممّن یعتدّ منهم بکلامه فی نظم و لا نثر بل تصفحنا فلم نقف علی ذلک فی سائر اللغات ... الثالث أنّ الذی ثبت من الوضع جواز استعمال اللفظ فی معنی واحد و أمّا استعماله فیما زاد علیه فلم یتبین لنا بعد الفحص ما یوجب جوازه و مجرّد إطلاق الوضع علی تقدیر تسلیمه مدفوع بعدم مساعدة الطبع علیه فقضیة کون الأوضاع توقیفیة الاقتصار علی القدر المعلوم الرابع ما ذکره بعض المعاصرین من أنّ الوضع إنّما صدر مع الانفراد و فی حال الانفراد لا بشرط الانفراد فیلزم أن تکون الوحدة جزء للموضوع له و حینئذٍ فاستعماله فی الزائد علی المعنی الواحد إخلال بالوضع و فیه نظر ... الخامس أنّ اللفظ المشترک بین المعنیین أو المعانی إمّا أن یکون موضوعاً للمجموع أیضاً أو لایکون فإن کان الأوّل فإن أرید به المجموع فقط کان مستعملاً فی بعض معانیه دون الجمیع و لا کلام فیه و إن أرید به کل واحد أیضاً لزم التناقض لأنّ إرادة کل واحد یقتضی الاکتفاء به و إرادة المجموع یقتضی عدم الاکتفاء به و ذلک تناقض ... السادس ما استدلّ به بعضهم و محصّله بعد تنقیحه و تصحیحه أنّه لو جاز ذلک لکان بطریق الحقیقة و التالی باطل فکذا المقدم» الخ ثمّ أقام الدلیل علی عدم جواز الاستعمال فی المفرد مجازاً مطلقاً و علی عدم جوازه فی التثنیة و الجمع حقیقة و علی عدم جوازه فیهما مجازاً فراجع. و فی وقایة الأذهان، ص84: «قال الوالد العلّامة - أعلی الله مقامه- فی المقدمة الرابعة من کتاب التفسیر ما لفظه: إنّ المانع من استعمال اللفظ فی أکثر من معنی عدم إمکان حقیقة الاستعمال فیه و ملخّص بیانه: أنّ الاستعمال عبارة عن إیراد اللفظ بإزاء المعنی و جعله قالباً له و مرآة للانتقال إلیه و آلة لتصویره فی ذهن السامع کما أنّ الوضع عبارة عن تعیین لفظ المعنی و تخصیصه به علی وجه کلی بحیث متی أطلق أو أحس فهم منه ذلک المعنی و مفاد المقامین هو صیرورة اللفظ کلیة فی الثانی و فی الکلام الخاص فی الأوّل بإزاء المعنی بحیث یکون اللفظ المرکب من حیث کونه مجتمعاً وحدانیاً بإزاء المعنی البسیط أو المرکب من حیث کونه مرکباً وحدانیاً فالمحاکاة هنا بین اللفظ الواحد و المعنی الواحد و لو کانت الوحدة اعتباریة و الحاکی الواحد فی الاستعمال الواحد لایحکی إلّا حکایة واحدة عن الشیء الواحد و من ضروریته أن لایقع بإزاء الأکثر و لا قالباً له و لا مرآة له لبساطته فی هذا اللحاظ إلّا أن یلاحظ الأکثر من حیث الاجتماع واحداً فیخرج عن العنوان و یندرج تحت استعمال اللفظ فی مجموع معنیین و هو غیر الموضوع له فإن تمّت العلاقة صحّ مجازاً و إلّا بطل و إن شئت قلت: معنی الوضع تخصیص لفظ بمعنی بحیث یکون الأوّل بتمامه واقعاً بحذاء الثانی و یصیر بکلیته مرآة له و متمحضاً فی الدلالة علیه فلایطابقه الاستعمال إلّا حال وحدة المعنی و توضیحه موکول إلی فنّه انتهی» ثمّ ذکر بیان صاحب الکفایة (قدس سره) ثمّ قال فی ص86: «أقول: و هذان الکلامان مغزاهما واحد». و فی نهایة النهایة، ص55: «انّ استعمال اللفظ فی أکثر من معنی واحد علی نحو الاستقلال غیر معقول لما ذکرناه من أنّه یؤدی إلی التناقض فإنّ إرادة المتعدّد مع استقلال کل واحد بالإرادة مرجعه إلی إرادة المتعدّد و عدم إرادة المتعدّد فی استعمال واحد». و فی وسیلة الوصول، ص128: «الحق عدم الإمکان و ذلک لما عرفت من أنّ محل النزاع فی الجواز و عدم الجواز هو استعمال اللفظ الواحد فی أکثر من معنی واحد و إرادتهما منه علی نحو إرادتهما من لفظین فکما أنّ کل واحد من المعنیین مراد بالإرادة التفصیلیة فیما إذا أریدا من لفظین فلابدّ أن یکون کل واحد منهما - أیضاً - مراداً بالإرادة التفصیلیة عند إرادتهما من لفظ واحد و لا ریب أنّه لایمکن ذلک فی استعمال واحد» الخ. و فی عنایة الأصول، ص110: «الأولی فی مقام إثبات الامتناع العقلی أن یقال إنّ استعمال اللفظ فی معنیین أو أکثر و جعله وجهاً لهما و فانیاً فیهما یکون علی قسمین: فتارة ... و أخری یجعل اللفظ بتمامه وجهاً لتمام المعنی کما إذا لم یستعمل إلّا فیه و فی عین جعله کذلک یجعل أیضاً وجهاً بتمامه لتمام المعنی الآخر فی استعمال واحد و هذا القسم من الاستعمال فی الأکثر ممتنع عقلاً فإنّ اللفظ بعد ما جعل بتمامه وجهاً المعنی لایبقی هناک شیء یجعل بتمامه وجهاً لتمام المعنی الآخر» الخ. و فی بحوث فی علم الأصول، ص150: «قد ادّعی الامتناع و قرب بعدة وجوه: الأوّل استلزام صدور الکثیر من الواحد إمّا بتقریب ... و إمّا بتقریب أشار إلیه المحقق العراقی (قدس سره) من أنّ استعمال اللفظ فی معنیین مرجعه إلی کون اللفظ مقتضیاً لإیجاد انفهامین فی ذهن السامع مع أنّه لایمکن ترتّب الفهمین علی مقتض واحد حذراً من توارد المعلولین علی علّة واحدة» ثمّ أورد علیهما فراجع.

ص: 387

ص: 388

تنبیه: هل یکون استعمال اللفظ فی أکثر من معنی خلاف الظهور العرفی؟

((1))

ادّعی المحقق الخوئی (قدس سره) ((2)) أنّه خلاف الظهور العرفی لأنّ المتفاهم العرفی من اللفظ عند إطلاقه إرادة المعنی الواحد، فلابدّ من نصب قرینة علی إرادة جمیع المعانی أو خصوص معنی واحد و إلّا یکون اللفظ مجملاً.

ص: 389


1- فی الرافد، ص205: «الجهة الخامسة: و تدور حول القاعدة المتبعة عند إطلاق اللفظ بدون نصب قرینة علی إرادة معنی واحد أم جمیع المعانی أم مجموعها و هنا صورتان: أ) إذا دار المقصود بین إرادة معنی خاص أو إرادة جمیع المعانی ... أمّا بالنسبة للصورة الأولی فهناک رأیان: 1- حمل اللفظ علی إرادة جمیع المعانی. 2- الحکم بالإجمال و الرجوع للأصل العملی و ذهب للأوّل جماعة کما فی المعالم و الفصول و بعض قدماء العامة و الخاصة کما فی هدایة الأبرار و اختاره من المتأخرین السید البروجردی (قدس سره) بینما ذهب الأکثر للثانی. دلیل القول الأوّل: و یتلخص فی أمرین: أ- بما أنّ اللفظ یتضمن علقة وضعیة مع جمیع المعانی فإذا دار أمر المقصود بین إرادة معنی واحد أم إرادة الجمیع فمقتضی أصالة الحقیقة الحمل علی إرادة الجمیع ... ب) انّ القانون العرفی الکاشف عن الإرادة التفهیمیة هو المقتضی لحمل اللفظ علی جمیع المعانی و القانون العرفی حسب المبنی المختار هو قانون السببیة الذی مرّ شرحه و هو أنّ کل من أوجد سبباً لمسبب ما مع التفاته للسببیة فهو قاصد لإیجاد المسبب عند العقلاء و بما أنّ اللفظ ذو علقة وضعیة مع جمیع المعانی فلابدّ من حمله علی إرادة جمیع المعانی بناءً علی قانون السببیة المذکور مع عدم نصبه قرینة علی المقصود و کذلک لو اخترنا مسلک الالتزام و التعهد فبما أنّ متعلّق التعهد هو جمیع المعانی فلابدّ من حمل اللفظ علیها جریاً علی وفق التعهد المذکور» ثمّ أجاب عن الأمر الأوّل بقوله: «انّ أصالة الحقیقة موردها دوران الاستعمال بین کونه حقیقیاً أم مجازاً و أمّا لو دار الاستعمال بین استعمالین حقیقیین کما فی المقام فإنّ استعمال اللفظ فی معنی معین کاستعماله فی جمیع المعانی حقیقی فلامرجح لأحدهما علی الآخر و نتیجة ذلک الحکم بالإجمال» و أجاب عن الأمر الثانی بثلاثة أجوبة و قال فی الجواب الثانی: «انّ المتفاهم العرفی فی مقام الاستعمال هو استعمال اللفظ فی معنی واحد و أمّا استعماله فی عدة معان فهو خلاف المتبادر عرفاً لایصار إلیه إلّا مع القرینة» الخ.
2- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص209 و ط.ج. ص238 و 239.

یلاحظ علیه:

إذا کان المولی فی مقام البیان لا الإجمال (کما هو الأصل العقلائی فی المکالمات لأنّها بغرض التفهیم و التفهّم) فإن قامت القرینة علی خصوص معنی من المعانی أو جمیع المعانی فهو و إلا فلو أحرزنا أنّه فی مقام بیان الحقائق و المعانی و لم ینصب قرینة علی خصوص معنی من تلک المعانی مع التفات المولی إلی جمیع تلک المعانی فیما إذا کانت جمیع هذا المعانی فی معرض ابتلاء المخاطب بحیث ینتظر إلقائها من المولی فحینئذ نقول: لابدّ من ارادة جمیعها و إلا لوجب علی الحکیم أن ینصب القرینة علی مراده بالخصوص و احتمال خفاء القرائن خلاف الأصل.

ص: 390

الفصل الخامس: المشتق (فیه مقدمات ثلاث و أمران و تنبیهات أربعة)

اشارة

المقدمة الأولی: فی معرفة موضوع المسألة و هو عنوان المشتق

المقدمة الثانیة: فی معرفة محمول المسألة من جهة أنحاء التلبس

المقدمة الثالثة: فی معنی الحال المذکور فی محمول المسألة

الأمر الأوّل: فی مقتضی الأصل اللفظی و العملی

الأمر الثانی: التحقیق حول نظریات الأعلام فی مسألة المشتق

التنبیه الأوّل: هل یکون المشتق بسیطاً أو مرکباً؟

التنبیه الثانی: الفرق بین المشتق و المبدأ

التنبیه الثالث: ملاک الحمل

التنبیه الرابع: رابطة المبدأ و الذات

ص: 391

ص: 392

مقدمات ثلاث

اشارة

لا إشکال فی أنّ إطلاق المشتق علی المتلبّس بالمبدأ فعلاً حقیقی و علی ما یتلبس بالمبدأ استقبالاً مجازی و أمّا إطلاقه علی ما انقضی عنه المبدأ فوقع النزاع فیه بین الأعلام من حیث کونه حقیقة أو مجازاً ذهب المشهور إلی أنّه مجاز((1)) و لکن نسب إلی العلّامة و ابن ادریس و جماعة من الأعلام (قدس سرهم) أنّه علی نحو الحقیقة.((2))

و قبل الورود فی البحث لابدّ من تقدیم أمور لمعرفة موضوع هذه المسألة و محمولها بجمیع قیودهما، فإنّ عنوان المسألة هو أنّ المشتق حقیقة فی ما تلبّس

ص: 393


1- فی هدایة المسترشدین، ج1، ص371: «ثانیهما: القول باشتراط البقاء و عزی إلی الرازی و البیضاوی و الحنفیة و حکاه فی النهایة عن قوم».
2- فی هدایة المسترشدین، ج1، ص371: «أحدهما: عدم اشتراط بقاء المبدأ فی صدق المشتق و هو المعروف بین أصحابنا و قد نصّ علیه العلّامة (رحمة الله) فی عدة من کتبه و السید العمیدی و الشهید و المحقق الکرکی (قدس سرهم) و عزاه جماعة إلی أصحابنا الإمامیة مؤذنین باتفاقهم علیه منهم السید العمیدی و الشهید الثانی (قدس سرهما) و أسنده فی المبادئ إلی أکثر المحققین و فی المطوّل إلی الأکثر و قد ذهب إلیه کثیر من العامة منهم عبد القاهر و الشافعی و من تبعه و حکی ذلک من الجبائی و المعتزلة و عزی إلی ابن سینا وغیره».

بالمبدأ فی الحال فقط أو حقیقة فی ما تلبس بالمبدأ فی الحال و فی ما انقضی عنه المبدأ.

فالأمر الأوّل: فی معرفة موضوع البحث و هو المشتق و الأمر الثانی: فی معرفة المحمول من جهة أنحاء التلبّس بالمبدأ و الأمر الثالث فی معرفة المحمول من جهة المعنی المراد من الحال.

و یقع البحث بعد ذلک عن مقتضی الأصل اللفظی و الأصل العملی و تصل النوبة بعد ذلک إلی التحقیق حول نظریّات الأعلام فی مسألة المشتقّ و فی الختام یبحث عن تنبیهات مسألة المشتق.

ص: 394

المقدمة الأولی: فی معرفة موضوع المسألة و هو عنوان المشتق (فیها بحثان)
البحث الأوّل: فی مغایرة المشتق الأصولی و الأدبی
اشارة

إنّ المشتق الأصولی هنا غیر المشتقّ الأدبی.

المشتق الأدبی:

إنّ المشتق الأدبی هو کل ما کان لهیأته وضع مستقل و لمادّته أیضاً وضع مستقل((1)) و فی قباله الجامد الأدبی هو ما کان وضع واحد لمادته و هیأته معاً.

ص: 395


1- فی زبدة الأصول، ص59: «المشتق: فرع وافق الأصل بأصول حروفه و أنواعه خمسة عشر» و فی معارج الأصول، ص49: «إن دلّ [الاسم الکلی] علی الماهیة فهو اسم الجنس عند النحاة و إن دلّ علی موصوفیتها فهو المشتق» و فی مبادئ الوصول، ص66: «الخامس: الاسم إن دلّ علی الذات فهو اسم العین و إلّا فهو المشتق و لابدّ فی الاشتقاق: من اتحاد بین اللفظین و تناسب فی المعنی و الترکیب» و فی الفصول، ص58: «المشتق هو اللفظ المأخوذ من لفظ و یسمّی الأوّل فرعاً و الثانی أصلاً و لابدّ بینهما من مناسبة لیتحقق الأخذ و الاشتقاق و أقسامه ثلاثة لأنّ الفرع إمّا أن یشتمل علی أصول حروف الأصل و ترتیبه أو لا و الأوّل هو المشتق بالاشتقاق الصغیر و یقال له الأصغر أیضاً ... و حیث یطلق المشتق هنا فالمراد منه القسم الأوّل و حدّه لفظ وافق أصلاً بأصول حروفه و لو حکماً مع مناسبة المعنی و موافقة الترتیب» و فی تعلیقة علی معالم الأصول، ج2، ص389: «ثمّ إنّ لهم فی الاشتقاق و المشتق تعریفات کثیرة، لایسلم شیء منها عن شیء مع ابتناء کثیر منها علی تکلفات واضحة مثل ما فی التهذیب من تعریف الاشتقاق: "باقتطاع فرع عن أصل یدور فی تصاریفه حروف ذلک الأصل" و ما عن أرباب الصناعة من تعریفه: "بأن یکون بین اللفظین تناسب فی أحد المدلولات الثلاث مع اتحاد الحروف الأصلیة أو وجود أکثرها مع المناسبة فی الباقی" و ما حکاه الفاضل فی شرح الزبدة من تعریفه: "بأن تجد بین اللفظین تناسباً فی المعنی و الترکیب فتردّ أحدهما إلی الآخر" و ما حکاه أیضاً عن بعضهم من تعریفه: بأن تأخذ من اللفظ ما یناسبه فی الترکیب فتجعله دالّاً علی معنی ما یناسب معناه ... و ما فی الزبدة من تعریف المشتق: بأنّه فرع وافق الأصل بأصول حروفه و ما فی شرحها للفاضل: بأنّه فرع وافق الأصل بالحروف الأصول و ما فی کلام بعض الأعاظم بأنّه: الفرع الموافق لأصله فی حروف أصوله و ما فی کلام بعض الفضلاء من: أنّه لفظ وافق أصلاً بأصول حروفه و لو حکماً مع مناسبة المعنی و موافقة الترتیب ... و إن شئت تعریف الاشتقاق بما یسلم عن جمیع الحزازات فقل - بملاحظة الضابط المذکور-: إنّ الاشتقاق أن یؤخذ من اللفظ الموضوع ما یوازن هیأة موضوعة فی اللغة و بحسبه تعریف المشتق و هو أنّه اللفظ المأخوذ من لفظ موضوع بوزان هیأة موضوعة فی اللغة». و فی المحصول للرازی، ص237: «أمّا الماهیة فقال المیدانی (رحمة الله) الاشتقاق أن تجد بین اللفظین تناسباً فی المعنی و الترکیب فتردّ أحدهما إلی الآخر و أرکانه أربعة أحدها اسم موضوع لمعنی و ثانیها شیء آخر له نسبة إلی ذلک المعنی و ثالثها مشارکة بین هذین الاسمین فی الحروف الأصلیة و رابعها تغییر یلحق الاسم فی حرف فقط أو حرکة فقط أو فیهما معاً و کل واحد من الأقسام الثلاثة فإمّا أن یکون بالزیادة أو بالنقصان أو بهما معاً فهذه تسعة أقسام». و فی الإحکام للآمدی، ص54: «المشتق هو ما غیر من أسماء المعانی عن شکله بزیادة أو نقصان فی الحروف أو الحرکات أو فیهما و جعل دالّاً علی ذلک المعنی و علی موضوع له غیر معین کتسمیة الجسم الذی قام به السواد أسود و البیاض أبیض». و فی المزهر للسیوطی، ج1، ص346: « قال [ابن دحیة] فی شرح التسهیل: الاشتقاق أخذ صیغة من أخری مع اتفاقهما معنی و مادّة أصلیة و هیأة ترکیب لهما لیدلّ بالثانیة علی معنی الأصل بزیادة مفیدة لأجلها اختلفا حروفاً أو هیأة کضارب من ضرب و حَذِر من حذر». و فی الرافد، ص210: «إنّ المشتق له اصطلاحان: أ- الاصطلاح النحوی و یراد به اللفظ المأخوذ من لفظ آخر مع توافقهما فی الحروف و ترتیبها کالضارب و الضرب».

أمّا المشتق الأدبی، فهو علی قسمین:

الأوّل: ما یجری علی الذات المتلبسة بالمبدأ مثل اسم الفاعل و المفعول و الزمان و المکان و الصفة المشبهة و صیغة المبالغة.

الثانی: ما لایجری علی الذات کالأفعال و المصادر المزیدة و أیضا المصادر

ص: 396

المجردة علی القول باشتقاقها. ((1))

ص: 397


1- فی شرح الرضی علی الکافیة، ج1، ص103: «... کما أنّ الأفعال فرع الأسماء إفادة و اشتقاقاً» و فی ص310: «و المصدر أصل فی باب التصرف و الاشتقاق إذ جمیع أنواع الأفعال و الأسماء المتصلة بها صادرة عنه علی الصحیح من المذهب». و فی شرح الشافیة، ج2، ص260: «... و إن کانت المصادر أصول الأفعال فی الاشتقاق علی الصحیح لأنّها فی التصرف و الاعتلال فروع الأفعال کما یبین فی باب الإعلال نحو لاذ لیاذا و لاوذ لواذا». و فی شرح الکافیة، ج3، ص400: «استدلّ الکوفیون علی أصالة الفعل بعمله فیه کقعدت قعوداً و العامل قبل المعمول و هو مغالطة لأنّه قبله بمعنی أنّ الأصل فی وقت العمل أن یتقدم لفظ العامل علی لفظ المعمول و النزاع فی أنّ وضعه غیر مقدّم علی وضع الفعل فأین أحد التقدمین من الآخر؟ و ینتقض ما قالوا بنحو: "ضربت زیداً" و بزید و لم یضرب فإنّه لا دلیل فیها علی أنّ وضع العامل قبل وضع المعمول و قال البصریون: کل فرع یؤخذ من أصل و یصاغ منه ینبغی أن یکون فیه ما فی الأصل مع زیادة هی الغرض من الصوغ و الاشتقاق کالباب من السباح و الخاتم من الفضة و هکذا حال الفعل، فیه معنی المصدر مع زیادة أحد الأزمنة التی هی الغرض من وضع الفعل لأنّه کان یحصل فی قولک: "لزید ضرب" مقصود نسبة الضرب إلی زید لکنّهم طلبوا بیان زمان الفعل علی وجه أخصر فوضعوا الفعل الدالّ بجوهر حروفه علی المصدر و بوزنه علی الزمان». و فی تعلیقة علی معالم الأصول، ج2، ص391: «فی کون الأصل هو المصدر و الفعل فرع علیه أو العکس خلاف معروف وقع بین البصریین و الکوفیین من أهل العربیة و لکل من الفریقین أدلّة واهیة غیر ناهضة علی مطلوبهم. حیث إنّ الفریق الأوّل استدلّوا: أوّلاً: بأنّ مفهوم المصدر واحد لأنّه یدلّ علی الحدث لا غیر و مدلول الفعل متعدد لدلالة علی الحدث و الزمان و الواحد قبل المتعدد و أصل له؛ ثانیاً: بأنّ المصدر اسم و الاسم مستغن عن الفعل و هو غیر مستغن عنه و ما هو مستغن أصل؛ ثالثاً: بأنّ المصدر إنّما یسمّی مصدراً لصدور الفعل عنه و هو فی اللغة موضع یخرج منه الإبل فیکون الفعل فرعاً علیه؛ رابعاً: بأنّ المصدر لو اشتق من الفعل لوجب أن یدلّ علی أکثر ممّا یدلّ علیه الفعل لوجوب زیادة المشتق علی المشتق منه و هو أنقص منه لعدم دلالته علی الزمان. و الفریق الثانی استدلّوا: أوّلاً: بأنّ إعلال المصدر یدور مدار إعلال الفعل وجوداً و عدماً فإنّه یعلّ حیث علّ فعله و لم یعلّ إذا لم یعلّ فعله و حاصل الدلیل: أنّه لو کان أصلاً لم یکن تابعاً للفعل فی إعلاله و حیث إنّه تابع علمنا أنّه لیس بأصل؛ ثانیاً: إنّ الفعل یؤکد بالمصدر فیکون أصلاً لأنّ المؤکد تابع و التابع فرع؛ ثالثاً: إنّ المصدر یسمّی مصدراً لکونه مصدوراً عن الفعل، کما قالوا فی"مشرب عذب" و "مرکب" بمعنی مشروب و مرکوب فیکون فرعاً و لایخفی ما فیها من الوهن و لا جدوی فی التعرض لبیان ما فیها و إنّما العمدة هو النظر فیما أحدثه غیر واحد ممّن تأخر من علماء الأصول من تخطئة الفریقین و الإعراض عن کلا المذهبین باختیار مذهب ثالث و هو أنّ الأصل فی المشتقات إنّما هو المؤلف من الحروف المرتبة تقدیماً و تأخیراً المعراة عن الحرکات و السکنات الموضوعة للحدث المطلق بشرط تحققها فی ضمن هیأة موضوعة ... و قیل: أصل هذا المذهب من المحقق الشریف فی بعض تحقیقاته و هذا هو الأقوی بل المقطوع به لکن لا لمجرّد ما عرفته من التعلیل بل - مضافا إلی ضعف أدلّة القولین و وضوح فسادها - لوجوه أخر» ثمّ ذکر ثلاثة أوجه.
الجامد الأدبی:

أمّا الجامد الأدبی، فهو أیضا علی قسمین:

الأوّل: ما یدل علی الذات و الموضوع لها کالإنسان و الحیوان.

الثانی: ما یجری علی الذات حیث إنّه موضوع لما هو خارج عن الذات مثل الزوج و الزوجة و الرقّ و الحرّ.

المشتق الأُصولی:

هو کل مایجری علی الذات لتلبّسها بالمبدأ الذی مفهومه مأخوذ فی المشتق بحیث یمکن انقضاء هذا المبدأ و بقاء تلک الذات. ((1))

ص: 398


1- فی بحوث فی علم الأصول، ص363: «قد ذکر جملة من المحققین أنّ الضابط فی الاسم الذی یقع موضوعاً لهذا البحث أن یتوفّر علی شرطین: الشرط الأول: أن یصحّ حمله علی الذات، إذ البحث عن صحة إطلاق المشتق علی المنقضی عنه المبدأ فرع أن یکون ممَّا یجری علی الذات و یحمل علیها و بذلک خرجت المصادر عن هذا البحث. و الشرط الثانی:أن لاتکون حیثیة المبدأ التی بها صحّ حمل الاسم علی الذات ذاتیة لها بحیث یستحیل انفکاکها عنها کما فی أسماء الماهیات من الأجناس و الأنواع لعدم انحفاظ ما یمکن أن یصدق علیه الاسم فیها بعد انقضاء المبدأ». و فی الرافد، ص212: «المشتق الأصولی: و هو العنوان المنتزع من الذات بلحاظ انضمام أمر خارج عنها لها ... و ینقسم المشتق الأصولی بلحاظ المبدأ الذی یصاغ منه إلی خمسة أقسام: القسم الأول: ما کان المبدأ من الأعراض المتأصلة خارجاً و هی المقولات التسع کالقائم و القاعد فإنّ مبدأهما من القیام و القعود و هما عرضان خارجیان؛ القسم الثانی: ما کان المبدأ من الأمور الاعتباریة کالواجب و الحرام باعتبار انضمام الوجوب و الحرمة لشیء ما؛ القسم الثالث: ما کان المبدأ من الأمور الانتزاعیة الواقعیة لواقعیة منشأ انتزاعها کالابن و الأخ ...؛ القسم الرابع: ما کان المبدأ من الجواهر کاللابن و التامر بناءً علی کون مبدئه هو التمر و اللبن ثمّ أطلق المشتق علی المتلبس ببیعها و سیأتی مناقشة ذلک؛ القسم الخامس: ما کان المبدأ من سنخ الوجود و العدم لا من سنخ الماهیات بشتی أنواعها من المتأصلة و الاعتباریة و الانتزاعیة و الجوهریة و مثاله لفظ موجود و معدوم». ثمّ قال: «هل المراد بالمشتق المبحوث عنه هو المشتق النحوی ام المشتق الأصولی و قد أجیب عن ذلک بجوابین: الأول: إنّ المراد به المشتق النحوی لأنّه هو معنی المشتق لغة ...؛ والثانی: إنّ المراد به المشتق الأصولی و ذلک أوّلاً: لملائمته المعنی اللغوی باعتبار اشتقاقه و انتزاعه من الذات بلحاظ انضمام أمر لها فإنّ الاشتقاق العقلی کاف فی صحة تسمیته بالمشتق و إن لم یکن هناک اشتقاق لفظی؛ ثانیاً: إنّ قانون انتخاب الأسهل هو الذی یعطینا القناعة بأنّ المراد بالمشتق المشتق الأصولی باعتبار أنّه ما دام الاصطلاح الأصولی موجوداً و وافیاً بتحدید موضوع البحث بدون استثناءات أو استدراکات فلا حاجة لتبنی الاصطلاح النحوی ثمّ تعقیبه بالاستثناء».

و هذا یشتمل علی رکنین:

الرکن الأوّل: جریان المشتق علی الذات لتلبّسها بالمبدأ المأخوذ فی مفهوم المشتق.

و بهذا الرکن خرجت الجوامد و المصادر المزیدة و المصادر المجردة علی القول بکونها من المشتقات.

الرکن الثانی: اعتبار إمکان بقاء الذات و انقضاء المبدأ.

و بهذا الرکن خرجت الجوامد التی تدلّ علی الذوات (أی القسم الأوّل من الجوامد) مثل الحیوان و الإنسان بل یمکن إخراج تلک الجوامد بالرکن الأوّل حیث اعتبرنا المبدأ فی مفهوم المشتقّ.

ص: 399

فالمشتق الأصولی یشتمل علی القسم الأوّل من المشتق الأدبی و القسم الثانی من الجامد الأدبی.((1))

ص: 400


1- هنا أمران: الأمر الأوّل: هل النزاع یعمّ جمیع المشتقات فی جمیع الحالات أو لا؟ راجع إلی هدایة المسترشدین، ص369 و 370؛ و الفصول، ص60 و تعلیقة علی معالم الأصول، ج2، ص444. ثمّ نقول: هنا قولان: القول الأول: عموم النزاع. فی الکفایة، ص38: «إنّ المراد بالمشتق هاهنا ... کأسماء الفاعلین و المفعولین و الصفات المشبهات بل و صیغ المبالغة و أسماء الأزمنة و الأمکنة و الآلات کما هو ظاهر العنوانات و صریح بعض المحققین مع عدم صلاحیة ما یوجب اختصاص النزاع بالبعض إلّا التمثیل به و هو غیر صالح کما هو واضح. فلا وجه لما زعمه بعض الأجلة من الاختصاص باسم الفاعل و ما بمعناه من الصفات المشبهة و ما یلحق بها و خروج سائر الصفات و لعلّ منشأه توهّم کون ما ذکره لکل منها من المعنی ممّا اتفق علیه الکل و هو کما تری ...» و راجع أیضاً إلی هدایة المسترشدین، ص369؛ و وقایة الأذهان، ص175. القول الثانی: عدم عموم النزاع فی الفصول، ص60: «هل المراد به [أی المشتق] ما یعمّ بقیة المشتقات من اسمی الفاعل و المفعول و الصفة المشبهة و ما بمعناها و أسماء الزمان و المکان و الآلة و صیغ المبالغة کما یدلّ علیه إطلاق عناوین کثیر منهم کالحاجبی و غیره أو یختص باسم الفاعل و ما بمعناه کما یدلّ علیه تمثیلهم به و احتجاج بعضهم بإطلاق اسم الفاعل علیه دون إطلاق بقیة الأسماء علی البواقی مع إمکان التمسک به أیضاً وجهان أظهرهما الثانی لعدم ملائمة جمیع ما أوردوه فی المقام علی الأوّل». الأمر الثانی: هل النزاع یعمّ بعض الجوامد؟ هنا قولان: القول الأوّل: عدم العموم راجع إلی تعلیقة علی معالم الأصول، ج2، ص445؛ و نهایة النهایة، ص63. القول الثانی: عموم النزاع فی الکفایة، ص39: «ثمّ إنّه لایبعد أن یراد بالمشتق فی محل النزاع مطلق ما کان مفهومه و معناه جاریاً علی الذات و منتزعاً عنها بملاحظة اتصافها بعرض أو عرضی و لو کان جامداً کالزوج و الزوجة و الرق و الحر و إن أبیت إلّا عن اختصاص النزاع المعروف بالمشتق کما هو قضیة الجمود علی ظاهر لفظه فهذا القسم من الجوامد أیضاً محل النزاع. کما یشهد به ما عن الایضاح فی باب الرضاع ... فعلیه کلّما کان مفهومه منتزعاً من الذات بملاحظة اتصافها بالصفات الخارجة عن الذاتیات - کانت عرضا أو عرضیاً- کالزوجیة و الرقیة و الحرّیة و غیرها من الاعتبارات و الإضافات کان محل النزاع و إن کان جامداً» الخ. و راجع أیضاً إلی حقائق الأصول، ص97؛ و درر الفوائد، ص58؛ مقالات الأصول، ص178 و نهایة الدرایة، ص115 و وسیلة الوصول، ص136 و فوائد الأصول، ص83 و منتهی الأصول، ص75 و بحوث فی علم الأصول، ص365 و الرافد، ص214 و نهایة الأصول، ص59 و أصول الفقه، ص97 و مناهج الوصول، ص188 و المحاضرات، ط.ق. ج1، ص216 و ط.ج. ص247.
استشهاد صاحب الکفایة (قدس سره) بفرع فقهی

إنّه استشهد علی الدخول القسم الثانی من الجوامد فی محل النزاع بما نقله فخرالمحققین عن العلّامة و ابن إدریس (قدس سرهم) و أیضا ما نقله الشهید الثانی (قدس سره) فی المسالک من أنّه من کانت له زوجتان کبیرتان مدخولتان أرضعتا زوجته الصغیرة تحرم علیه الزوجة الکبیرة التی هی المرضعة الأولی و أیضاً تحرم علیه الزوجة الصغیرة، و أمّا حرمة الزوجة الکبیرة التی هی المرضعة الثانیة فهی تبتنی((1)) علی وضع المشتق للمعنی الأعم حتی یصدق علی المرضعة الثانیة عنوان «أم الزوجة».((2))

ص: 401


1- فی منتهی الأصول، ص77: «یمکن أن یقال إنّ حصول الزوجیة و لو کان فی زمان متقدّم کاف لحرمة أمّها و لو فی زمان متأخر عن زمان الزوجیة مثلاً لو عقد علی امرأة ثمّ طلّقها تحرم أمّها أبداً و لو بعد طلاق بنتها فلیکن الأمر فی الأمومة الحاصلة من الرضاع أیضاً کذلک و بعبارة أخری فی باب النسب تحرم أمّ من کانت زوجته فکذلک فی باب الرضاع و بناء علی هذا لاتکون حرمة المرضعة الثانیة أیضاً مبنیة علی مسألة المشتق».
2- فی تعلیقة علی معالم الأصول، ج2، ص447: «أمّا استظهار التعمیم ممّا تقدّم من مسألة الرضاع فلعلّه لیس علی ما ینبغی لعدم دلالة فی التعلیل المذکور علی أنّه وقع باعتقاد أنّ "الزوجة" من الجوامد - کما یؤمی إلی خلافه التعبیر بالمشتق- فمن الجائز ابتنائه علی اعتقاد کونها مع "الزوج" من المشتقات علی حد "الصعب و الصعبة" و نحوهما من صیغ الصفة المشبهة کما ربّما یشعر به لحوق أداة التأنیث الفارقة بین ما یقع علی المذکر و ما یقع علی المؤنث الذی هو من خصائص المعنی الاشتقاقی الوصفی علی ما قرّر فی محلّه فی الفرق بین الجامد و المشتق من أنّ الأوّل ما کان فارغاً عن الضمیر و الثانی ما کان متحملاً له بناءً علی أنّ أداة التأنیث إنّما تعتبر للدلالة علی تأنیث المضمر و من هنا جاء اشتراط مطابقة الخبر للمبتدأ إذا کان مشتقاً غیر رافع للظاهر و حینئذٍ فیمکن الالتزام بکون "الزوج" و مؤنثه فی هذا المورد للمعنی الوصفی الاشتقاقی" کالمتزوج و المتزوجة" أو "المزوج و المزوجة" إمّا بحسب أصل اللغة أو بحسب العرف و لو من باب النقل المستند إلی الغلبة».
تحقیق فی هذا الفرع: (هنا نظریّتان)
النظریة الأولی: عن المشهور

إنّ حرمة المرضعة الأولی و الزوجة الصغیرة هی المشهور بین الفقهاء.((1))

و الدلیل علیه هو أنّ المرضعة الأولی یصدق علیها عنوان أمّ الزوجة فتحرم أبداً.

و الزوجة الصغیرة أیضاً یصدق علیه أنّها بنت الزوجة فتحرم علیه أبداً، لأنّ اللبن إن کان من الزوج فالزوجة الصغیرة تکون بارتضاعها بنتاً له و إن کان من غیر الزوج (أی من رجل آخر) فهی تکون بنت الزوجة المدخول بها و هی أیضاً تحرم أبداً.

و أمّا حرمة المرضعة الثانیة((2)) فمتوقّفة علی بحث المشتق فإنّه علی القول

ص: 402


1- فی جامع المقاصد، ج12، ص238: «لا نزاع فی تحریم المرضعة الأولی وکذا الصغیرة إن کان قد دخل بإحدی الکبیرتین و نقل الشارح الفاضل فیه الإجماع و ینبّه علیه أنّ المرضعة أم الزوجة و الصغیرة بنت زوجة مدخول بها سواء کانت المدخول بها هی الأولی أم الثانیة».
2- هنا قولان: القول الأول: التحریم فی المختلف، ج7، ص22: «قد بینا فیما تقدّم تحریم الجمیع لأنّ الکبیرة الأولی أم زوجته و الثانیة أم من کانت زوجته». و فی المسالک، ج7، ص269: «و ذهب ابن إدریس و المصنف فی النافع و أکثر المتأخرین إلی تحریمها أیضاً و هو الظاهر من کلام الشیخ فی المبسوط علی التباس یسیر فیه». و فی نهایة المرام، ج1، ص129 نسب هذا القول إلی أکثر من تأخر عن المحقق (قدس سره) . و فی جامع المقاصد، ج12،ص238: «و بالتحریم قال ابن إدریس و جمع من المتأخرین کأبی القاسم بن سعید و المصنف و هو المختار». القول الثانی: عدم التحریم فی المسالک، ج7، ص268: «فقد قیل إنّها لاتحرم و إلیه مال المصنف حیث جعل التحریم أولی و هو مذهب الشیخ فی النهایة و ابن الجنید». و فی کفایة الأحکام، ج2، ص125، بعد قوله: «ومذهب ابن إدریس و المحقق فی النافع و أکثر المتأخرین التحریم». و فی کشف اللثام، ج7، ص150: «و ذهب الشیخ فی النهایة و أبو علی و ابنا سعید فی الجامع و الشرائع إلی عدم حرمة الأخیرة و هو قوی». و فی الحدائق، ج23، ص421، بعد نقل القول بعدم الحرمة عن جمع: «و إلی هذا القول مال السید السند فی شرح النافع و شیخنا المجلسی فی حواشیه علی الکافی و هو الأظهر و یعضده أصالة الإباحة». و فی الریاض، ج10، ص164: «فیه قولان أشبههما عند المصنف هنا صریحاً و فی الشرائع ظاهراً وفاقاً للحلّی و أکثر المتأخرین کما حکی أنّها تحرم أیضاً... فإذا القول بالحل أقوی وفاقاً لظاهر الکلینی و الشیخ و الإسکافی و السید فی شرح الکتاب و جماعة من الأصحاب». و فی الجواهر، ج29، ص333 بعد نقل کلام الریاض: «قلت علی أنّ الدلیل غیر منحصر فی الخبر بل یکفی فیه الأصل و عموم "أحلّ" و غیر ذلک بعد عدم الاندراج فی أمّهات النساء فالخبر مؤید حینئذٍ لا دلیل و لاینافی ذلک الحکم بالتحریم فی الصورة الأولی لما عرفت من کفایة اتصال زمن الزوجیة بزمان صدق الأمّیة فی الاندراج تحت أمّهات النساء کما ذکرناه سابقاً و کشف عنه الخبر أیضاً لاحقاً حیث حرم الأولی و الصغیرة». و فی کتاب النکاح للشیخ الأنصاری، ص360، بعد نقل روایة علی بن مهزیار - التی قال عنها سابقاً: «ما رواه فی الکافی بسند ضعیف بصالح بن أبی حماد»-: «و لایبعد العمل بها لموافقتها للأصل». راجع أیضاً إلی مرآة العقول، ج20، ص222؛ و ملاذ الأخیار، ج12، ص107؛ و جامع المدارک، ج4، ص204.

المشهور من وضع المشتقّ لخصوص المتلبّس فی الحال فلایصدق علیها أمّ الزوجة فلاتحرم المرضعة الثانیة.

ص: 403

النظریّة الثانیة: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره)
اشارة

((1))

قد خالفهم المحقق الخوئی (قدس سره) فذکر ستة أدلة علی حرمة المرضعة الأولی و ناقش فی جمیعها فقال بعدم تحریمها و اختصاص الحرمة بالمرتضعة الصغیرة.

و ممّا استدلّ علی ذلک هو أنّ زمان تحقق الرضاع زمان ارتفاع الزوجیة من الصغیرة و ذلک الزمان بعینه زمان تحقق الأمومة للکبیرة و فی ذلک الزمان لایصدق علی الصغیرة عنوان الزوجة لیصدق علی الکبیرة عنوان أمّ الزوجة، أو فقل: فی زمان کانت الصغیرة زوجة له لم تکن الکبیرة أمّاً لها و فی زمان صارت الکبیرة أمّاً لها ارتفعت الزوجیّة عنها و انقضت.((2))

ص: 404


1- المحاضرات ط.ق. ج1، ص219- 227 و ط.ج. ص250-259.
2- و فی نهایة الأفکار، ص130: «قد یشکل تحریم المرضعة الأولی أیضاً بمقتضی القواعد بتقریب أنّ السبب الموجب لنشر الحرمة و هو عشر رضعات أو خمس عشرة رضعة کما کان موجباً لاتصاف المرضعة بالأمومة فتحرم کذلک موجب أیضاً لخروج الصغیرة عن الزوجیة و اتصافها بالبنتیة فیکون العنوانان أی الأمومة و البنتیة کلاهما معلولین عرضیین للرضاع یترتب فاء واحد بینه و بینهما من دون تقدّم لأحدهما علی الآخر و لو بحسب المرتبة و حینئذٍ فیشکل بأنّه کیف الحکم بتحریم المرضعة بعنوان الأمومة مع أنّه لایکون فی البین زمان بصدق فیه علیها أنّها أمّ الزوجة لأنّه قبل کمال الرضعة الأخیرة و إن کان یصدق الزوجة علی الصغیرة إلّا أنّ الکبیرة فی ذلک الآن لم تکن بأمّ لها و بعد إکمال الرضعة الأخیرة و إن تحققت الأمومة لها و لکنّه فی رتبة تحقق هذا العنوان خرجت الصغیرة عن الزوجیة و تعنونت بالبنتیة فلابدّ حینئذٍ و أن یکون حرمة الکبیرة الأولی أیضاً مبنیة علی عدم اعتبار بقاء المشتق منه فی صدق المشتق مع أنّ ظاهر الإیضاح بل ظاهر الروایة هو کون الحکم بالتحریم بالنسبة إلی المرضعة بمقتضی القواعد» الخ و فی جامع المدارک، ج4، ص204: «و أورد علیه بأنّ الحکم بحرمة الکبیرة بناء علی ما هو الحق و المختار عنده (قدس سره) من اعتبار بقاء التلبس بالمبدء فی صدق المشتق حقیقة فی غایة الإشکال لأنّ الکبیرة لاتصیر أمّ الزوجة کی یحکم بحرمتها مؤبداً لأنّ ارتفاع زوجیة الصغیرة فی مرتبة صیرورة الکبیرة أمّا لأنّهما مستندان فی عرض واحد إلی علّة ثالثة و هو الرضاع» الخ. و فی نهایة النهایة، ص 63 و 64: «لا فرق فی ابتناء نشر الحرمة علی نزاع المشتق بین المرضعة الأولی و المرضعة الثانیة فإنّ عنوانی الأمومة و البنتیة یحصلان فی مرتبة واحدة عند تمامیة الرضعات الناشرة للحرمة ففی المرتبة التی صارت هذه أمّاً لتلک خرجت تلک عن الزوجیة فلم تکن هذه أمّ زوجة فعلیة بل أم زوجة سابقة». و فی نهایة الدرایة، ص116: «أمّا ترتب الثمرة فواضح کما یشهد له ما عن الایضاح و المسالک و إن کان تسلیم حرمة المرضعة الأولی و الخلاف فی الثانیة مشکلاً لاتحادهما فی الملاک و ذلک لأنّ أمومة المرضعة الأولی و بنتیة المرتضعة متضائفتان متکائفتان فی القوة و الفعلیة و بنتیة المرتضعة و زوجیتها متضادّتان شرعاً ففی مرتبة حصول أمومة المرضعة تحصل بنتیة المرتضعة و تلک المرتبة مرتبه زوال زوجیة المرتضعة فلیست فی مرتبة من المراتب أمومة المرضعة مضافة إلی زوجیه المرتضعة حتی تحرم بسبب کونها أمّ الزوجة» و راجع أیضاً منتهی الأصول، ص77 و حقائق الأصول، ص98 و عنایة الأصول، ص120 و مباحث الأصول، ص181.
إیرادات ثلاثة علی نظریة المحقق الخوئی (قدس سره):
اشارة

((1))

الإیراد الأوّل:

(2)

إنّ تحقّق الرضاع ملازم لتحقق عنوانین متضایفین و هما البنتیّة و الأمومة و

ص: 405


1- و فی نهایة الأفکار، ص131: «التفصی عن الإشکال المزبور لایکون إلّا بالتشبث بفهم العرف بدعوی أنّ المعیار فی اتحاد الظرفین إنّما هو علی الأنظار العرفیة لا علی النظر الدقی العقلی و إنّ العرف فی مثل الفرض یری ظرف الأمومة متحداً مع ظرف الزوجیة بملاحظة شدة اتصال أحد الظرفین بالآخر فیرون المرضعة الأولی من هذه الجهة أمّاً لزوجته الفعلیة و إن لم یکن کذلک بحسب الدقة العقلیة بل و لئن تدبّرت تری کونه کذلک بحسب الدقة أیضاً نظراً إلی أنّ الأمومة و إن کانت فی رتبة متأخرة عن علّتها التی هی الرضعة الأخیرة لکنّها متقارنة معها زماناً کما هو شأن کل معلول مع علته و حینئذٍ فإذا کانت الأمومة متحدة ظرفها زماناً مع ظرف علّتها و کانت الزوجیة أیضاً متحققة للصغیرة فی ذلک الظرف فلاجرم یلزمه اتحاد ظرفی الأمومة و الزوجیة أیضاً بحسب الزمان علی نحو الدقة العقلیة و حینئذٍ فإذا لم یکن المعیار فی اتحاد الظرفین علی الاتحاد بحسب المرتبة بل علی الاتحاد بحسب الزمان و کان الظرفان أیضاً متحدین بحسب الزمان فقهراً یندفع الإشکال المزبور من رأسه بلا حاجة أیضاً إلی التشبث بفهم العرف و المصیر إلی تسامحهم فی مدلول الکلام کما هو واضح فتدبر».
2- . فی منتهی الأصول، ص78، بعد بیان الإشکال السابق: «و أجیب عن هذا بأنّ الرضاع الشرعی سواء کان تحققه بخمس عشرة رضعة متوالیة أو بشدّ العظم و إنبات اللحم علّة لحصول أمومة المرضعة و بنتیة المرتضعة فالأمومة و البنتیة معلولان لعلّة واحدة و فی رتبة واحدة و ما هو سبب ارتفاع الزوجیة هو بنتیة المرتضعة لزوجته أی صیرورتها ربیبة له فیکون ارتفاع الزوجیة متأخراً رتبة عن حصول البنتیة التی هی فی رتبة حصول الأمومة فالزوجیة ثابتة فی مرتبة حصول الأمومة للمرضعة و البنتیة للمرتضعة و إلّا یلزم ارتفاع النقیضین فی تلک المرتبة فیتحقق موضوع الحرمة أی عنوان أمّ الزوجة فی رتبة حصول الأمومة للمرضعة و حصول البنتیة للمرتضعة» . و لکن قال بعد ذلک: «و لکن أنت تدری بأنّ التقدّم و التأخر الرتبی لایفید فی مثل هذه الموارد مع وحدة زمان حصول أمومة المرضعة و حصول بنتیة المرتضعة مع ارتفاع و عدم الزوجیة بحکم وحدة زمان العلّة مع زمان المعلول ففی زمان حصول الأمومة لا زوجیة فی البین و إلّا یلزم اجتماع النقیضین مع أنّه یجب فی التحریم اجتماع الأمومة مع الزوجیة فی عالم الوجود زماناً لکی یتحقق موضوع الحکم». و راجع أیضاً وسیلة الوصول، ص136 و فی فوائد الأصول، ص86 و نهایة الأصول، ص63 و حقائق الأصول، ص98 و مناهج الوصول، ص195 و مباحث الأصول، ص181.

حیث إنّهما من المفاهیم ذات الإضافة فالمتحقّق هو عنوان بنت الزوجة و أمّ الزوجة و کل من العنوانین (أمّ الزوجة و بنت الزوجة) موضوع لحکم ارتفاع الزوجیة و حرمتها أبداً.

توضیح ذلک: إنّ عنوان أمّ الزوجة موضوع لحکم ارتفاع زوجیة الکبیرة، کما أنّ عنوان بنت الزوجة موضوع لحکم ارتفاع زوجیّة الصغیرة.

و لابدّ من التأکید علی أنّ رابطة حکم ارتفاع الزوجیة بالنسبة إلی کل من العنوانین رابطة الحکم و الموضوع لا المعلول و العلّة.

ثمّ إنّ ارتفاع زوجیة الصغیرة متأخّر رتبة عن موضوعه و هو عنوان بنت الزوجة و حیث إنّ عنوان أمّ الزوجة متحد رتبة مع عنوان بنت الزوجة فینتج أنّ ارتفاع زوجیة الصغیرة متأخّر رتبة عن تحقق عنوان أمّ الزوجة للکبیرة.

ص: 406

الإیراد الثانی:

یمکن النقض علیه بأنّ تحقق الرضاع إن کان هو عین ارتفاع زوجیة الصغیرة، فیوجب ارتفاع زوجیة الکبیرة المرضعة الأولی فی زمان تحقق الرضاع و حینئذ لایصدق علی البنت أنّها بنت الزوجة فیلزم عدم حرمة الزوجة الصغیرة أیضاً.

الإیراد الثالث: بما فی روایة علی بن مهزیار
اشارة

یمکن أن یستدل علی ذلک بروایة علی بن مهزیار فی الکافی:((1))

محمد بن یعقوب عن علی بن محمد [علّان الکلینی] عن صالح بن أبی حماد عن علی بن مهزیار عن أبی جعفر (علیه السلام) قال: «قیل له: إنّ رجلاً تزوّج بجاریة صغیرة فأرضعتها امرأته ثم أرضعتها امرأة له أخری فقال ابن شبرمة: حرمت علیه الجاریة و امرأتاه فقال أبو جعفر (علیه السلام): أخطأ ابن شبرمة، ((2)) تحرم علیه الجاریة و امرأته التی أرضعتها، فأمّا الأخیرة فلم تحرم علیه کأنّها أرضعت ابنته».

ص: 407


1- ج5، ص446، أبواب ما یحرم بالرضاع، باب 14.
2- فی شرح أصول الکافی للمولی محمد صالح، ج2، ص131، عند ذکر ابن شبرمة: «اسمه عبد الله ذکره ابن داود فی قسم الممدوحین من کتابه و قال: کان قاضیاً للمنصور علی سواد الکوفة و کان فقیهاً شاعراً و أورده العلّامة فی الخلاصة فی قسم المجروحین و قال بعض العلماء: إنّه مستقیم مشکور و طریق الحدیث من جهته لیس إلّا حسناً ممدوحاً و لست أری لذکر العلّامة له فی قسم المجروحین وجهاً إلّا أنّه قد تقلّد القضاء من قبل الدوانیقی و هو شیء لایصلح للجرح کما لایخفی و شبرمة ضبطه ابن داود بالشین المعجمة و الباء الموحدة الساکنة و الراء و سکون الباء الموحدة و قال بعض علمائنا: رأیت بخط من یعتدّ به من أصحابنا ضبطه بفتح الشین المعجمة».
المناقشة فیه بضعف الروایة بصالح بن أبی حماد:

قد أورد علی السند((1)) بوجوه متعدّدة لإثبات ضعفها بإرسالها:((2))

منها: أنّه قد نوقش فی سندها بصالح بن أبی حمّاد لما عن النجاشی((3)) أنّه یعرف و ینکر و لما عن ابن الغضائری((4)) أنّه ضعیف.

ص: 408


1- فی المختلف، ج7، ص22: «و نمنع صحة سند الروایة» و فی جامع المقاصد، ج12، ص238: «و المستمسک ضعیف لأنّ سند الروایة غیر معلوم فلایعارض حجة الأوّلین» و فی کفایة الأحکام: «الروایة ضعیفة السند».
2- فی المسالک، ج7، ص269: «و مع ذلک فهی مرسلة لأنّ المراد بأبی جعفر حیث یطلق الباقر (علیه السلام) و بقرینة قول ابن شبرمة فی مقابله لأنّه کان فی زمنه و ابن مهزیار لم یدرک الباقر (علیه السلام) و لو أرید بأبی جعفر الثانی و هو الجواد (علیه السلام) بقرینة أنّه أدرکه و أخذ عنه فلیس فیه أنّه سمع منه ذلک بل قال: قیل له و جاز أن یکون سمع ذلک بواسطة فالإرسال متحقق علی التقدیرین مع أنّ هذا الثانی بعید لأنّ إطلاق أبی جعفر لایحمل علی الجواد (علیه السلام) ».
3- رجال النجاشی، ص198: «صالح بن أبی حماد أبو الخیر الرازی و اسم أبی الخیر زاذویه لقی أبا الحسن العسکری (علیه السلام) و کان أمره ملبساً (ملتبساً) یعرف و ینکر». و فی المسالک، ج7، ص269: «لکنّها ضعیفة السند فی طریقها صالح بن أبی حماد و هو ضعیف» و فی الفهرست، ص147: «صالح بن أبی حماد له کتاب رویناه بالإسناد الأوّل [أراد به جماعة عن أبی المفضل عن ابن بطة] عن أحمد بن أبی عبد الله عنه» و هذا الطریق ضعیف بأبی المفضل و ابن بطة کما فی ص311 من الفهرست و عدّه الشیخ فی رجاله، ص376 من أصحاب أبی جعفر محمد بن علی الثانی (علیه السلام) و قال: «یکنی أبا الخیر» و فی ص399 من أصحاب أبی محمد الحسن بن علی (علیه السلام) و فی إیضاح الاشتباه، ص202: «صالح بن أبی حماد أبو الخیر الرازی و اسم أبی الخیر زاذویه» و فی رجال ابن داود، ص250 نقل عبارة النجاشی. و فی خلاصة الأقوال، ص359: «و المعتمد عندی التوقف فیه لتردّد النجاشی و تضعیف ابن الغضائری له».
4- فی رجال ابن غضائری، ص70: «صالح بن أبی حماد الرازی أبو الخیر ضعیف». و فی التحریر الطاووسی، ص87 عند ذکر بشیر النبال: «روی حدیثاً فیه ذکره و لیس صریحاً فی تعدیل و طریقه متعدّد الضعف فیه صالح بن أبی حماد و محمد بن سنان» و فی ص229 عند ذکر زرارة بن أعین: «قد روی فی خلاف ذلک آثاراً أنّا موردها و مورد علیها ما یتفق ... حدیث ثالث: من روایة صالح بن أبی حماد الرازی و علی بن أبی حمزة عن أبی بصیر عن أبی عبد الله (علیه السلام) من معناه: إنّ زرارة و أبا حنیفة لبسوا إیمانهم بظلم وقال ابن الغضائری فی صالح بن أبی حماد الرازی: أبی الخیر، ضعیف» و فی ص533 عند ذکر محمد بن زید الشحام: «روی حدیثا ذکر فیه جماعة هو أحدهم، ولیس صریحا فی تعدیل وطریقه متعدد الضعف فیه صالح بن أبی حماد ومحمد بن سنان».
ملاحظتنا علیها: الحق توثیقه بأدلة ثلاثة

((1))

أوّلاً: لکثرة روایة الأجلّاء عنه.((2))

و ثانیاً: لأنّه من رجال صاحب نوادر الحکمة (قدس سره) ((3)) و قد قلنا: إنّ رجاله إلّا

ص: 409


1- فی نهایة المرام، ج1، ص129: «هذه الروایة و إن کانت ضعیفة السند لکنّها مطابقة لمقتضی الأصل السالم من المعارض صریحاً فیترجح العمل بمضمونها و الله تعالی أعلم». و فی الحدائق، ج23، ص422 بعد نقل کلام المسالک قال: «فیه أوّلاً: أنّ ما طعن به من ضعف السند فهو عندنا غیر مسموع و لا معتمد کما تقدّمت الإشارة إلیه فی غیر موضع ممّا تقدّم مع أنّ ذلک لایقوم حجة علی الشیخ و أمثاله من المتقدّمین الذین لا وجود لهذا الاصطلاح المحدث عندهم علی أنّک قد عرفت أنّ سبطه الذی هو من المتصلبین فی هذا الاصطلاح قد عمل بالخبر المذکور و خرج عن قاعدة اصطلاحه فی الأخبار لاعتضاد الخبر بأصالة الإباحة» إلی آخر الإشکالات الخمسة فراجع. و فی الریاض، ج10، ص164: «لیس فی سندها من یتوقف فیه عدا صالح بن أبی حماد و هو و إن ضعف فی المشهور إلّا أنّ القرائن علی مدحه کثیرة و توهم الإرسال فیها ضعیف». و فی طرائف المقال، ج1، ص238: «و إدخاله فی الممدوحین أولی» و فی مشایخ الثقات لغلامرضا عرفانیان، ص67 عدّه ثقة.
2- فی معجم رجال الحدیث، ج10، ص59: «و أمّا روایة الأجلّاء عنه فلا دلالة فیها علی الوثاقة کما غیر مرة». و قد ناقشنا فی ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) غیر مرّة.
3- فی تعلیقة علی منهاج المقال للوحید البهبهانی، ص203: «قوله صالح بن أبی حماد روی عنه محمد بن أحمد بن یحیی فی الصحیح فی العیون و لم یستثن». قال النجاشی (فی الفهرست، ص348): "محمد بن أحمد بن یحیی بن عبد الله بن سعد بن مالک الأشعری القمی أبو جعفر: کان ثقة فی الحدیث إلّا أنّ أصحابنا قالوا: کان یروی عن الضعفاء و یعتمد المراسیل و لایبالی عمّن أخذ و ما علیه فی نفسه مطعن فی شیء و کان محمد بن الحسن بن الولید یستثنی من روایة محمد بن أحمد ابن یحیی ما رواه عن محمد بن موسی الهمدانی ... قال أبو العباس بن نوح: و قد أصاب شیخنا أبو جعفر محمد بن الحسن ابن الولید فی ذلک کلّه و تبعه أبو جعفر بن بابویه (رحمة الله) علی ذلک إلّا فی محمد بن عیسی بن عبید فلا أدری ما رأیه فیه لأنّه کان علی ظاهر العدالة و الثقة و لمحمد بن أحمد بن یحیی کتب منها: نوادر الحکمة و هو کتاب حسن کبیر یعرفه القمّیون بدبة شبیب قال: و شبیب فامی کان بقم له دبة ذات بیوت یعطی منها ما یطلب منه من دهن فشبهوا هذا الکتاب بذلک و له کتاب الملاحم و کتاب الطب و کتاب مقتل الحسین (علیه السلام)، کتاب الإمامة، کتاب المزار».

من استثنی منها مشمول لتوثیق صاحب النوادر و الصدوق و ابن الولید و أبی العبّاس بن نوح (قدس سرهم) .

و ثالثاً: أنّه من رجال تفسیر القمی.((1))

و ممّا یؤیّد ذلک: ما نقله الکشی عن الفضل بن شاذان أنّه یرتضیه و یمدحه.((2))

ص: 410


1- و فی معجم رجال الحدیث، ج10، ص59: «یمکن إثبات وثاقته بوقوعه فی إسناد تفسیر علی بن إبراهیم». فی تفسیر القمی، ج1، ص313: «و لو أنّ لکل نفس ظلمت آل محمّد حقهم ما فی الأرض جمیعاً لافتدت به فی ذلک الوقت یعنی الرجعة و قوله: (أَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَقُضِی بَینَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا یظْلَمُونَ).(یونس:54) حدثنی محمد بن جعفر قال حدثنی محمد بن أحمد عن أحمد بن الحسین عن صالح بن أبی عمار عن الحسن بن موسی الخشاب عن رجل عن حماد بن عیسی عمن رواه عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: سئل عن قول الله تبارک و تعالی: (وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ) (یونس:54) قال قیل له ما ینفعهم أسرار الندامة و هم فی العذاب؟ قال: کرهوا شماتة الأعداء»
2- فی خلاصة الأقوال، ص359: «روی الکشی عن علی بن محمد القتیبی، قال: سمعت الفضل بن شاذان یقول فی أبی الخیر و هو صالح بن سلمة أبی حماد الرازی کما کنی و قال علی: کان أبو محمد الفضل یرتضیه و یمدحه و لایرتضی أبا سعید الآدمی و یقول: هو أحمق». و فی معجم رجال الحدیث، ص59، بعد نقل عبارة الکشی: «أقول: إنّ علی بن محمد القتیبی إذا کان قد ثبتت وثاقته لأمکن أن یقال بحسن الرجل لشهادة الفضل بن شاذان و لایعارضها تردد النجاشی بقوله: وکان أمره ملتبساً فإنّ التردید و عدم إحراز الوثاقة لایعارض الشهادة بالحسن و أمّا تضعیف ابن الغضائری فلم یثبت لعدم ثبوت نسبة الکتاب إلیه و لکن وثاقة علی بن محمد لم تثبت».

هذا مضافاً إلی أنّ الروایة موجودة فی الکافی و بعض الأعلام مثل المحقق النائینی (قدس سره) قالوا باعتبار روایاته و الأستاذ المحقق البهجة (قدس سره) أیضاً قال باعتباره فی غیر المتعارضات.

و لبحث المشتق ثمرات أخری، فی الفروع الفقهیة. ((1))

ص: 411


1- و لهذا البحث ثمرة فی مسائل کثیرة من الفقه: 1) فی روض الجنان، ط.ق. ص76: «ثانیها: إنّ الصوم من الحائض غیر صحیح قطعاً و الوصف ثابت بعد النقاء بل و بعد الغسل لما تقرّر فی الأصول من أنّه لایشترط لصدق الاشتقاق بقاء المعنی المشتق منه لکن خرج من ذلک ما أخرجه الدلیل و هو ما بعد الغسل فیبقی الباقی علی أصله». 2) فی مسالک الأفهام، ج8، ص146: «و اعلم أنّه لا فرق فی بنت المهیرة بین کون أمّها حرة فی الأصل أو معتقة لما عرفت من أنّ المراد منها لغة الحرة و هی شاملة لهما و یحتمل ضعیفاً الفرق بناء علی أنّ المعتقة یصدق علیها أنّها کانت أمة إذ لایشترط فی صدق المشتق بقاء المعنی المشتق منه». 3) فی روض الجنان، ص370: «هل للبعید التحرم قبل المتوسط یحتمل ذلک و هو الذی استقربه الشهید (قدس سره) فی البیان لأنّ ذلک فی حکم الاتصال لأنّ المتخلل مأموم بالقوة القریبة من الفعل و لأنّ الشروع فی مقدمات الصلاة من الإقامة و الدعاء کالشروع فی الصلاة و یمکن المنع ... و إطلاق اسم المصلّی علی من یرید الابتداء مجاز کما یمکن إطلاقه علی من انتهت صلاته بسبب ما یؤل إلیه و ما کان علیه فلا ترجیح بل ربّما قیل بترجح الثانی فإنّ بقاء المعنی المشتق منه لیس شرطاً فی صحة الاشتقاق عندنا فیصحّ إطلاق المصلّی و المؤتم علیه علی وجه الحقیقة دون من یؤل إلیها وبالجملة فالمسألة موضع إشکال» الخ. 4) فی زبدة البیان، ص46: « قال القاضی: و فیه دلیل علی عصمة الأنبیاء من الکبائر قبل البعثة و أنّ الفاسق لایصلح للإمامة و الأولی أن یقول: و لو فبل البعثة و لعلّ وجه الدلالة أنّ فاعل الکبیرة وقتاً ما یصدق علیه أنّه ظالم فی الجملة و قد نفی الله العهد الذی هو الإمامة مطلقاً عمن صدق علیه أنّه ظالم فی الجملة و هو ظاهر علی تقدیر کون المشتق حقیقة لمن اتصف به وقتاً ما و کذا علی تقدیر کونه حقیقة حین اتصاف المشتق بالمبدء فقط فإنّ ذلک لیس بمراد هاهنا فیتعین الأوّل». 5) فی المسالک، ج1، ص32، عند شرح قوله: «و المکروهات: الجلوس فی الشوارع و المشارع و تحت الأشجار المثمرة»: «أی التی من شأنها الثمر و إن لم یکن الثمر حاصلاً بالفعل أو تبقی النجاسة إلی أوانه للعموم و لعدم اشتراط بقاء المعنی المشتق منه فی صدق الاشتقاق». 6) فی روض الجنان، ص161: «و یکره الطهارة بالماء المسخّن فی الشمس فی الأوانی ... و لایشترط القصد إلی التسخین فیعمّ الحکم المتسخّن بنفسه فلو قال المتسخّن کان أولی و کذا لایشترط بقاء السخونة استصحاباً لما ثبت و لصدق الاسم مع زوالها إذ المشتق لایشترط فی صدقه بقاء أصله و ربّما قیل باشتراطهما». 7) فی المسالک، ج7، ص204: «لما بین سابقاً أنّ النسب یثبت بالنکاح الصحیح و الشبهة أتبعه بذکر مسألة یمکن فیها اجتماع الأمرین و هی ما إذا طلّق زوجته فوطئت بالشبهة و أتت بولد فإنّه قد یمکن إلحاقه بهما لکون نکاحهما معاً موجباً لإلحاق النسب ... و حاصلها یرجع إلی أربع صور ... الرابعة: أنّ تلده لستة أشهر فصاعداً إلی ما دون الأقصی من وطء الثانی و لأقصی مدة الحمل فما دون من وطء الأول فتولّده من کل واحد منهما ممکن و قد اختلف فی حکمه حینئذٍ ... و اختار المصنف و الأکثر الحکم به للثانی لأنّ فراش الأوّل قد زال و فراش الثانی ثابت فهو أولی من الزائل و لأنّ صدن المشتق علی من وجد فیه المعفی المشتق منه حالته أولی ممن سبق مع التعارض للخلاف المشهور أنّه مع سبقه یکون مجازاً لا حقیقة و هذا أقوی». 8) فی کشف اللثام، ج8، ص493: «و یجب علی السید إعانة المکاتب من الزکاة إن وجبت علیه ... لقوله تعالی: (وَآَتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللهِ الَّذِی آَتَاکُمْ) (النور:33) ... و لو أخلّ بالإیتاء حتی انعتق بالأداء قیل فی المبسوط: وجب القضاء لأنّه قضیة کل حق مالی ثبت علی ذمة و لصدق المکاتب علیه أبداً بناءً علی عدم اشتراط بقاء المبدأ فی إطلاق المشتق فیشمله عموم الأمر». 9) فی کشف اللثام، ج9، ص205: «قیل فی المقنع و النهایة إن لم یکن معه ما یذبحه به ترک الکلب یقتله ثمّ یأکله إن شاء و هو خیرة أبی علی و المختلف و فیه نظر ممّا مرّ و من منع الخروج بالإمساک أو بالجرح عن اسم الصید ... و هو فی المجروح مبنی علی عدم اشتراط بقاء المبدأ فی صدق المشتق و لعموم النصوص بالأکل ممّا أمسکن» الخ. 10) فی غنائم الأیام، ج1، ص572: «و الأکثر علی وجوب دلو لبول الرضیع أیضاً لروایة علی بن أبی حمزة المشتملة علی نزح دلو لبول الفطیم و لعلّه من باب الأولویة و قد یستشکل مع القول بوجوب السبع فی بول الصبی و یمکن أن یمنع صدق الصبی علی الفطیم فإنّ لإطلاق الفطیم زماناً قصیراً محدوداً و المشتق حقیقة فی المتلبس بالمبدأ و الأصل عدم ثبوت الزائد من الدلو الواحد». 11) فی غنائم الأیام، ج2، ص108: «إنّ الأقوی عندی فی تحقق صدق المشتق حقیقة هو اعتبار وجود المبدأ و کذلک ما فی معنی المشتق کالوطن بل و کذلک الجامدات کالماء فلایطلق الماء علی الهواء المنقلب عنه حقیقة. إذا عرفت هذا فالوطن لایطلق حقیقة إلّا علی ما کان وطناً بالفعل و أمّا إطلاق کثیر من أهل العرف الوطن علی المولد أو مقرّ الآباء مع حصول الاستمرار فیه مدة معتداً بها و إن انقطعت علاقته عنه فهو مجاز أو اصطلاح خاص فإن سلّمنا کونه حقیقة فیه فیکون اللفظ مشترکاً لأنّ کون الإطلاق علی غیره ممّا أخذه وطناً و استمرّ فیه مدة ثمّ انقطعت علاقته عنه حقیقة غیر مسلّم بل هو مجاز لما بینا بل الظاهر کون الأوّل أیضاً مجازاً لأنّ المتبادر هو محل السکون بالفعل و المجاز خیر من الاشتراک». 12) فی غنائم الأیام، ج4، ص112: «قد مرّ استحباب الزکاة فی مال التجارة و هو المال الذی ملکه بعقد معاوضة قاصداً للاکتساب عند التملک ... إنّ رأس المال لایطلق علی قیمة ما اشتراه للقنیة و قصد التجارة بالمال فی البین لایوجب کون إطلاق رأس المال علی الثمن حقیقة، بل هو مجاز لاشتراط التلبس بالمبدأ فی المشتق و هو حین الاشتراء لم یکن متلبساً بهذا الوصف و لا فرق فی ذلک بین الجامد و المشتق».

ص: 412

ص: 413

البحث الثانی: تعمیم المشتقّ الأصولی لبعض المصادیق (هنا مطالب أربعة)
اشارة

بعد تعریف المشتق الأصولی تصل النوبة إلی البحث عن بعض الموارد التی اختلف الأعلام فی دخولها تحت ذلک أو یحتمل ذلک و هی:

1. اسم الزمان؛

2. الأفعال و المصادر المزیدة و المصادر المجردة؛

3. اسم المفعول؛

4. اسم الآلة.

المطلب الأوّل: جریان النزاع فی اسم الزمان
اشارة

إنّهم اختلفوا فی جریان النزاع فی اسم الزمان؛ و قد اختار کثیر من الأعلام جریان النزاع فیه مثل صاحب الکفایة و المحقق النائینی و المحقق الإصفهانی و المحقق العراقی و المحقق الخوئی و السیّد الروحانی و السیّد الصدر (قدس سرهم) .

و اختار أیضاً جمع من الأعلام عدم جریان النزاع فیه((1)) مثل الأستاذ المحقق البهجة (قدس سره) و بعض الأساطین (حفظه الله).

إشکال علی جریان النزاع فی اسم الزمان:

(2)

استشکل علی جریان النزاع فی اسم الزمان بأنّ الذات المتلبّسة بالمبدأ فی اسم

ص: 414


1- فی مناهج الوصول، ص197: «الظاهر خروج اسم الزمان عن محطّ البحث لعدم بقاء الذات مع انقضاء المبدأ فیه و أجیب عن الإشکال بوجوه غیر مقنعة».
2- . فی الکفایة، ص40: «ثانیها: قد عرفت أنّه لا وجه لتخصیص النزاع ببعض المشتقات الجاریة علی الذوات إلّا أنّه ربّما یشکل بعدم إمکان جریانه فی اسم الزمان لأنّ الذات فیه و هی الزمان بنفسه ینقضی و ینصرم فکیف یمکن أن یقع النزاع فی أنّ الوصف الجاری علیه حقیقة فی خصوص المتلبس بالمبدأ فی الحال أو فیما یعمّ المتلبس به فی المضی؟».

الزمان متصرمة بنفسها و لا استقرار لها، لأنّ الذات فی اسم الزمان هو شخص الزمان فلایمکن أن یقع النزاع فی أنّ المشتق فیه حقیقة فی خصوص المتلبس أو الأعم من المتلبّس و المنقضی عنه المبدأ.

محاولات الأعلام لدفع الإشکال: (هنا نظریات أربع)
اشارة

((1))

أمّا القائلون بجریان النزاع فیه فقد حاولوا دفع الإشکال تارة من ناحیة عموم مفهوم المشتق و أخری من ناحیة تعمیم الذات المعروضة للمشتقّ (و هی الزمان) بتصویرها بحیث یلاحظ بقاؤها.

ص: 415


1- و فی تحریرات فی الأصول، ص320 بیان آخر قال (قدس سره): «ثمّ إنّه ربّما یتصدی بعض الأعلام لدفع الشبهة العقلیة بإبقاء الذات و ذلک - ببیان منّا- لما تقرّر: من أنّ الوحدة الشخصیة الاتصالیة مساوقة للوجود و الزمان المتصرم واحد بالشخص و لیس ذا وحدات و کثرة فعلیة للزوم تتالی الآنات المنتهیة إلی إمکان الجزء اللایتجزأ فلا فناء للذات المذکورة و التقاسیم المعروفة خیالیة وهمیة لا خارجیة فکیة و إن شئت قلت: لایعقل اتصاف الوجود بالعدم لأنّ الشیء لایقبل نقیضه و لیس الزمان إلّا معتبراً عن الحرکة الطبعیة فی ذوات الأشیاء الباقیة و لو کان الزمان فانیاً فهو بمثابة فناء الزمانی و کما أنّه باق فهو یتبعه فی ذلک فلو کان عنوان "مقتل" منطبقاً علی الزمان الخیالی فهو باق کما یحکم علی الأزمنة السابقة بالأحکام الإیجابیة و إن کان منطبقاً علی الزمان و التدرّج الواقعی التابع للمتدرج فکما أنّ ذات زید باقیة و متدرجة فهو مثلها ضرورة أنّ الحرکات العرضیة الأینیة و غیرها تابعة للحرکات الذاتیة و إلّا یلزم الخلف کما تقرّر فی مقامه ... فبالجملة: خروج أسماء الزمان لشبهة عقلیة یستلزم خروج جمیع الهیئات لأنّ التدرّج ثابت فی الذوات علی الإطلاق و الجواب إن کان عرفیاً عن الشبهة فی الذوات فهکذا الأمر فی الزمان و إن کان عقلیاً فهکذا و کما أنّ الوحدة الشخصیة فی نفس الذات محفوظة فهکذا فی الزمان الذی هو معتبر عن التدرّج الذاتی».

و المحقق الخراسانی و المحقق الإصفهانی و المحقق الخوئی و السیّد الروحانی و السیّد البروجردی (قدس سرهم) سلکوا الطریقة الأولی.

و المحقق العراقی و المحقق النائینی و السیّد الصدر (قدس سرهم) التزموا بالطریقة الثانیة.

النظریة الأولی: عن المحقّق الخراسانی (قدس سره) (إنّه أجاب عن الإشکال بوجهین)
اشارة

((1))

الوجه الأوّل: الجواب الحَلّی

إنّ مفهوم المشتق عام و انحصاره فی الفرد لایوجب أن یکون وضع اللفظ بإزاء الفرد دون العام.((2))

ص: 416


1- فی الکفایة، ص40: «و یمکن حلّ الإشکال بأنّ انحصار مفهوم عام بفرد - کما فی المقام- لایوجب أن یکون وضع اللفظ بإزاء الفرد دون العام و إلّا لما وقع الخلاف فیما وضع له لفظ الجلالة مع أنّ الواجب موضوع للمفهوم العام مع انحصاره فیه تبارک و تعالی».
2- فی منتهی الأصول، ص79: «أجاب صاحب الکفایة (قدس سره) عن هذا الإشکال ... هذا ما أفاده بتقریب منّا و أنت خبیر أوّلاً: أنّه بناء علی هذا یکون هذا البحث لغواً لا ثمرة فیه أصلاً لأنّ ذلک المفهوم العام و لو کان لاینقضی بانقضاء الحدث و لکن حیث أنّه لم یکن له مصداق آخر فلم یبق ثمرة و فائدة لإطلاق المشتق علیه حتی یقع النزاع فی أنّ الاستعمال حقیقی أو مجازی. ثانیاً: إنّ حمل المشتق علی الذات یکون علی مفهوم الذات باعتبار حکایته و مرآتیته عن مصادیقه و إلّا فنفس المفهوم بما هو هو لایحکم علیه بهذه الأحکام... إذا عرفت هذا فنقول حیث أنّه لا مصداق آخر لهذا المفهوم غیر ما انقضی و انعدم بانقضاء الحدث فلایمکن أن یصیر موضوعاً للمشتق أصلاً حتی و لو التزمنا باللغویة و قلنا بعدم مضریة عدم الثمرة». و فی مناهج الوصول، ص197: «فیه: أنّ الوضع إنّما هو للاحتیاج إلی إفهام المعنی و لیس له موضوعیة فالوضع لمعنی غیر محتاج إلیه رأساً لغو... و أمّا الذات الباقیة فی الزمان مع انقضاء المبدأ عنها فلایکون لها مصداق خارجی و لایتصور له مصداق عقلی مع حفظ ذاته فإنّه متصرم متقض بالذات فلا احتیاج لإفهام ما لایتصور له وجود و لایتعقل له مصداق و بالجملة: ماهیة الزمان آبیة عن البقاء مع انقضاء المبدأ فلاتقاس بمفهوم الذات الجامعة للصفات أو الشمس و القمر فإنّ مفاهیمها بما هی لاتأبی عن الکثیرین». و فی المحاضرات، ط.ق. ج1، ص231 و ط.ج. ص264: «لایخفی أنّ ما أفاده (قدس سره): من أنّه لا مانع من وضع لفظ للمعنی الجامع بین الفرد الممکن و الممتنع صحیح ... و لکن وقوع مثل هذا الوضع متوقف علی تعلق الحاجة بتفهیم الجامع المزبور و ذلک لأنّ الغرض من الوضع التفهیم و التفهم فی المعانی التی تتعلق الحاجة بإبرازها کما فی الأمثلة المذکورة فإنّ الحاجة کثیراً ما تتعلق باستعمال تلک الألفاظ فی الجامع بل تطلق کثیراً و یراد منها خصوص الفرد المستحیل و الحصة الممتنعة و أمّا إذا لم تتعلق الحاجة بذلک کان الوضع له لغواً فلایصدر عن الواضع الحکیم و لمّا لم تکن حاجة متعلقة باستعمال اسم الزمان فی الجامع بین الزمان المنقضی عنه المبدأ و الزمان المتلبس به فعلاً کان الوضع له لغواً إذا یخرج عن مورد النزاع». و فی بحوث فی علم الأصول، ص368: «و فیه وجود استحالة منطقیة فی افتراض انحفاظ ذات الزمان بعد انقضاء مبدئه الذی هو نفس الزمان أیضاً ما لم تبرز عنایة أخری».
الوجه الثانی: الجواب النقضی
اشارة

و هو إمّا من جهة اسم الجلالة حیث وقع النزاع فی أنّه وضع لجنس الإله أو أنّه علم شخصی للذات المقدسة جلّ جلاله.

و إمّا من جهة واجب الوجود حیث إنّه وضع لمفهوم عام مع انحصاره فیه تبارک و تعالی.

مناقشة بعض الأعلام بالنسبة إلی النقض الأوّل:

إنّ اسم الجلالة لم یبق علی مفهومه العام بل هو عَلَم له تعالی،((1)) کما صرّح

ص: 417


1- فی مجمع البیان، ج1، ص51: «أمّا الکلام فی اشتقاقه: فمنهم من قال: إنّه اسم موضع غیر مشتق إذ لیس یجب فی کل لفظ أن یکون مشتقاً لأنّه لو وجب ذلک لتسلسل هذا قول الخلیل. و منهم من قال: إنّه مشتق ثمّ اختلفوا فی اشتقاقه علی وجوه: فمنها: إنّه مشتق من الألوهیة التی هی العبادة و التأله التعبد ... و منها: إنّه مشتق من الوله: و هو التحیر ... و منها: إنّه مشتق من قولهم: "ألهت إلی فلان" أی: فزعت إلیه لأنّ الخلق یألهون إلیه ... و منها: إنّه مشتق من ألهت إلیه أی: سکنت إلیه عن المبرّد ... و منها: إنّه من لاه أی: احتجب فمعناه: إنّه المحتجب بالکیفیة عن الأوهام الظاهر بالدلائل و الأعلام»؛ و فی تفسیر کنز الدقائق، ص37: «و الله أصله الإله ... علم للذات الواجب المستحق لجمیع المحامد ... ثمّ وضعه لشیء مخصوص».

بذلک بعض اللغویین مثل الخلیل (قدس سره) و بعض الأعلام مثل العلامة الطباطبائی (قدس سره) فی تفسیر المیزان((1))و المحقق الخوئی (قدس سره) فی البیان.((2))

ص: 418


1- فی المیزان، ج1، ص18: «أمّا لفظ الجلالة فالله أصله الإله حذفت الهمزة لکثرة الاستعمال و إله من أله الرجل یأله بمعنی عبد أو من أله الرجل أو وله الرجل أی تحیر فهو فعّال بکسر الفاء بمعنی المفعول ککتاب بمعنی المکتوب سمّی إلهاً لأنّه معبود أو لأنّه ممّا تحیرت فی ذاته العقول و الظاهر أنّه علم بالغلبة ... و ممّا یدلّ علی کونه علماً أنّه یوصف بجمیع الأسماء الحسنی و سائر أفعاله المأخوذة من تلک الأسماء من غیر عکس فیقال: الله الرحمن الرحیم و یقال: رحم الله و علم الله و رزق الله و لایقع لفظ الجلالة صفة لشیء منها و لایؤخذ منه ما یوصف به شیء منها» الخ.
2- فی البیان، ص425: «الله علم للذات المقدسة ... و من توهم أنّه اسم جنس فقد أخطأ و دلیلنا علی ذلک أمور: الأول: التبادر فإنّ لفظ الجلالة ینصرف بلا قرینة إلی الذات المقدسة و لایشک فی ذلک أحد و بأصالة عدم النقل یثبت أنّه کذلک فی اللغة و قد حققت حجیتها فی علم الأصول. الثانی: أنّ لفظ الجلالة - بما له من المعنی - لایستعمل وصفاً فلایقال: العالم الله، الخالق الله، علی أن یراد بذلک توصیف العالم و الخالق بصفة هی کونه الله و هذه آیة کون لفظ الجلالة جامداً و إذا کان جامداً کان علماً لا محالة فإنّ الذاهب إلی أنّه اسم جنس فسّره بالمعنی الاشتقاقی. الثالث: أنّ لفظ الجلالة لو لم یکن علماً لما کانت کلمة "لا إله إلّا الله" کلمة توحید فإنّها لاتدلّ علی التوحید بنفسها حینئذٍ کما لایدلّ علیه قول: لا إله إلّا الرازق أو الخالق أو غیرهما من الألفاظ التی تطلق علی الله سبحانه و لذلک لایقبل إسلام من قال إحدی هذه الکلمات. الرابع: أنّ حکمة الوضع تقتضی وضع لفظ للذات المقدسة کما تقتضی الوضع بإزاء سائر المفاهیم و لیس فی لغة العرب لفظ موضوع لها غیر لفظ الجلالة فیتعین أن یکون هو اللفظ الموضوع لها». و قال فی ص427: «و لا مضایقة فی کون کلمة الجلالة من المنقول و علیه فالأظهر أنّه مأخوذ من کلمة "لاه" بمعنی الاحتجاب و الارتفاع فهو مصدر مبنی للفاعل لأنّه سبحانه هو المرتفع حقیقة الارتفاع التی لایشوبها انخفاض و هو - فی غایة ظهوره بآثاره و آیاته - محتجب عن خلقه بذاته فلاتدرکه الأبصار و لاتصل إلی کنهه الأفکار ... و لا موجب للقول باشتقاقه من "أله" بمعنی عبد أو "أله" بمعنی تحیر لیکون الإله مصدراً بمعنی المفعول - ککتاب - فإنّه التزام بما لایلزم».
مناقشة المحقق الإصفهانی (قدس سره) بالنسبة إلی النقض الثانی:

((1))

إنّ الواجب بما هو لا اختصاص له خارجاً به تعالی بل توصف به الأفعال الواجبة أیضاً و کذلک واجب الوجود لایختصّ به تعالی لأنّ کلّ موجود واجب الوجود حیث إنّ الشیء ما لم یجب لم یوجد. نعم، واجب الوجود بذاته مختصّ به تعالی و هو أیضاً مفهوم عام، لکنّه من المفاهیم المرکّبة لا ممّا وضع له لفظ مخصوص کی یکون نظیراً للمقام.

النظریة الثانیة: من المحقق الإصفهانی (قدس سره)
اشارة

(2)

إنّ المحقّق الإصفهانی (قدس سره) یعتقد بأنّ الذات المتلبّسة بالمبدأ فی اسم الزمان هو نفس الزمان بشخصه و لذا یتصدّی حلّ الإشکال من طریقة تعمیم مفهوم اسم الزمان بما وقع فیه الحدث بحیث یشترک مع اسم المکان بحسب المعنی.

ص: 419


1- نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ج1، ص73.
2- . نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ج1، ص172 و فی الرافد، ص236: «الجواب الأوّل: ما طرحه المحقق الأصفهانی و اختاره الأستاذ السید الخوئی (قدس سرهما) » الخ ثمّ قال: «و قد سجل بعض الأعاظم علی هذا الجواب ملاحظتین» ثمّ أجاب عنهما و قال فی ص241: «فالصحیح هو تمامیة الجواب الأوّل الذی طرحه المحقق الأصفهانی و الأستاذ السید الخوئی (قدس سرهما) لدفع الإشکال الوارد علی دخول اسم الزمان فی محل النزاع و هو أنّ النزاع فی المقام فی هیأة مفعل بمعناها الجامع و هو مطلق الوعاء و عدم تصوّر بقاء الذات بعد انقضاء المبدأ فی بعض مصادیقه - و هو المصداق الزمانی- لایستلزم عدم تصوّر ذلک فی المفهوم بما هو جامع عام و لو بلحاظ بعض أفراده و مصادیقه و هو المصداق المکانی إلّا أنّنا لانلجأ لهذا الجواب کجواب فاصل فی البحث إلّا بعد عدم تمامیة الأجوبة الأخری المطروحة فی البحث». و قال فی آخر البحث فی ص251: «و ینحصر الجواب الصحیح فی هذا المجال فی الجواب الأوّل الذی طرحه المحقق الإصفهانی (قدس سره) و هو کون النزاع فی هیأة مفعل بلحاظ بقاء بعض أفرادها - و هو الفرد المکانی- بعد زوال المبدأ و انقضائه».

فإنّ القائل بالوضع للأعمّ یقول: إنّ مفهوم اسم المکان (تحلیلاً) هو المکان الذی وقع فیه الحدث فیعمّ المتلبس و المنقضی عنه، فکذا هنا یقول بأنّ مفهوم اسم الزمان تحلیلاً هو الزمان الذی وقع فیه الحدث فهو بمفهومه یعمّ المتلبس و المنقضی، لکنّه بحسب الخارج حیث إنّ المکان قارّ الذات له مصداقان و هما المتلبس و المنقضی عنه المبدأ و الزمان حیث إنّه غیر قارّ الذات له مصداق واحد و هو المتلبس.

و یؤیّده أنّ المقتل و المغرب و غیرهما (من الألفاظ المشترکة بین اسمی الزمان و المکان) لها مفهوم واحد، و هو ما کان وعاء القتل أو الغروب زماناً کان أم مکاناً و لا إباء للمفهوم من حیث هو مفهوم للشمول و العموم للمتلبس و المنقضی عنه و إن لم یکن له فی خصوص الزمان إلّا مصداق واحد.

وجمع من الأعلام ذهبوا إلی هذه الطریقة مثل السیّد المحقق البروجردی((1)) و

ص: 420


1- فی نهایة الأصول، ص63: «أقول: أوّلاً: یمکن أن یقال: إنّ الألفاظ الدالة علی زمن صدور الفعل (کالمقتل و المضرب و نحوهما) لم توضع لخصوص ظرف الزمان مستقلاً حتی تکون مشترکاً لفظیاً بین الزمان و المکان بل وضعت هذه الألفاظ للدلالة علی ظرف صدور الفعل زماناً کان أو مکاناً فتکون مشترکاً معنویاً بینهما فیمکن النزاع فیها باعتبار کون بعض الأفراد من معانیها و هو المکان قاراً بالذات» و فی أصول الفقه، ص99: «و الجواب: أنّ هذا صحیح لو کان لاسم الزمان لفظ مستقل مخصوص و لکنّ الحق أنّ هیأة اسم الزمان موضوعة لما هو یعمّ اسم الزمان و المکان و یشملهما معاً فمعنی "المضرب" مثلاً: "الذات المتصفة بکونها ظرفاً للضرب" و الظرف أعمّ من أن یکون زماناً أو مکاناً و یتعین أحدهما بالقرینة و الهیأة إذا کانت موضوعة للجامع بین الظرفین فهذا الجامع یکفی فی صحة الوضع له و تعمیمه لما تلبس بالمبدأ و ما انقضی عنه أن یکون أحد فردیه یمکن أن یتصور فیه انقضاء المبدأ و بقاء الذات».

المحقق الخوئی((1)) و السیّد الروحانی (قدس سرهم)، إلّا أنّ بعضهم یقولون:((2)) إن کان وضع صیغة مفعل علی سبیل الاشتراک المعنوی فیجری النزاع و إن کان علی سبیل الاشتراک اللفظی فلا و بعضهم رجّحوا جانب الاشتراک المعنوی و بعضهم عیّنوه من غیر تردید.

کما أنّ بعض الأعلام یقولون بعدم إثبات الاشتراک المعنوی کما یصرّح بذلک بعض الأساطین (حفظه الله) إیراداً علی المحقق الإصفهانی (قدس سره) و یظهر ترجیح ذلک (الاشتراک اللفظی) من الأستاذ المحقق البهجة (قدس سره) .

ص: 421


1- فی المحاضرات، ط.ق. ج1، ص232 و ط.ج. ص265: «و التحقیق فی المقام: أنّ أسماء الأزمنة لم توضع بوضع علی حدة فی قبال أسماء الأمکنة بل الهیأة المشترکة بینهما - و هی هیأة "مفعل"- وضعت بوضع واحد لمعنی واحد کلی و هو ظرف وقوع الفعل فی الخارج أعمّ من أن یکون زماناً أو مکاناً».
2- فی منتقی الأصول، ص332: «التحقیق أن یقال: إنّ صیغة: "مفعل" کمقتل و مضرب و مرمی و نحوها إمّا أن یلتزم بأنّه موضوع بوضعین أحدهما للزمان و الآخر للمکان أو یلتزم بوضعها لمعنی واحد جامع بین الزمان و المکان و هو وعاء المبدأ و ظرفه سواء کان زماناً أو مکاناً ... فعلی الأوّل: لایتّجه النزاع فی اسم الزمان للغویته و عدم ترتب الأثر علیه لعدم مصداق مورد الأثر و هو الذات المنقضی عنها التلبس؛ و علی الثانی: یتجه النزاع إذ یکفی فی صحته ترتب الثمرة بالنسبة إلی بعض المصادیق التی ینطبق علیها العنوان و هو المکان و إن لم تکن هناک ثمرة بالنسبة إلی الزمان إذ الوضع واحد فیبحث عن سعة دائرة الموضوع له و ضیقه لترتب الثمرة علی ذلک و لو فی بعض الموارد و المصادیق فإنّه کاف فی تصحیح وقوع النزاع». و فی مباحث الأصول، ص183: «و أمّا أسماء الزمان - أعنی أسماء أزمنة الفعل- فیلغو النزاع فیها بعد انحصار الفرد فیها فی المتلبس لعدم الفرد الباقی بذاته المنقضی عنه التلبس بالوصف و لو قیل بعموم المفهوم مع اختصاص المصداق إلّا إذا قیل بالاشتراک المعنوی کأن یوضع «المقتل» مثلاً لظرف القتل بحیث یعمّ المکان فله فردان و انحصار خصوص ظرف الزمان فی فرد لایلغی النزاع فی لفظ المفهوم العام الذی له فردان فی الجملة».
إیراد السیّد المحقق الصدر علی نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سرهما):

(1)

إن أرید الوضع لمفهوم الظرف فهو واضح البطلان، فإنّ مفهوم الظرف کمفهوم الفاعل و المفعول معانٍ اسمیة منتزعة عن المعنی الحرفی النسبی الذی هو مدلول الهیئات الاشتقاقیة بحسب الفرض.

ص: 422


1- . بحوث فی علم الأصول، مباحث الدلیل اللفظی، ج1، ص368. فی مناهج الوصول، ص200: «فیه: أنّه لا جامع ذاتی بین الزمان و المکان و کذا بین وعائیتهما للمبدأ فإنّ الوقوع فی کل علی نحو یباین الآخر فلابدّ من انتزاع جامع عرضی بینهما کمفهوم الوعاء أو الظرف مثلاً و الالتزام بوضعه له مع أنّه خلاف المتبادر من أسماء الزمان و المکان ضرورة أنّه لایفهم من لفظ المقتل مفهوم وعاء الحدث أو مفهوم ظرفه بل لو کان الوعاء جامعاً ذاتیاً بینهما - أیضاً- لم یوضع اسمهما له لما ذکر فالظاهر أنّ أسماء الزمان و المکان مشترکة لفظاً بل یختلج فی الذهن أنّ الوعائیة و الظرفیة بالنسبة إلی الزمان لیست علی نحو الحقیقة بل أطلقت علیه بدعوی کون الزمان کالمکان محیطاً بالزمانی إحاطة المکان بالتمکن». و فی الرافد، ص236: «قد سجل بعض الأعاظم علی هذا الجواب ملاحظتین: الأولی هی الملاحظة التی سجلها بعض الأعاظم (قدس سره) و ملخصها: إنّ الثابت فی الفلسفة أنّ علاقة الزمان بالفعل و علاقة المکان بالفعل أیضاً علاقة المقارنة لا علاقة الوعائیة و الاحتواء فالعمل و الزمان و المکان موجودات ممتدة فی أوعیتها و لایوجد احتواء و لا اشتمال من الزمان و المکان علی العمل و حینئذٍ فلا وجه لفرض جامع الوعائیة و الظرفیة بین الفردین الزمانی و المکانی حتی توضع له هیأة مفعل و یکون النزاع فی المدلول العام لهذه الهیأة إذ لا وعائیة فی الزمان. و لکنّنا لانوافق علی هذه الملاحظة المذکورة فی تهذیب الأصول و السبب فی ذلک أنّ النظرة الفلسفیة للزمان و المکان فی اعتبارهما مقارنین للعمل لا وعائین له لا دلیل علی واقعیتها فی مقابل الرؤیة العقلائیة العامة للزمان و المکان و هی رؤیة الوعائیة و الظرفیة کما تدلّ علیه اللغات البشریة المعروفة فی تعبیرها عن الزمان و المکان بأدوات الاحتواء و الاشتمال و علی فرض صحة النظریة الفلسفیة فإنّ الألفاظ فی مقام وضعها لم تلاحظ مدالیلها الفلسفیة و إنّما وضعت للمفاهیم العرفیة العقلائیة و لاریب أنّ العقلاء یرون علاقة المکان و العمل هی علاقة الوعائیة و الاشتمال و بما أنّ المکان وعاء فالزمان وعاء أیضاً و ذلک لأنّ المجتمع العقلائی إنّما تصوّر الزمان و قام برسمه و انتزاعه من خلال زاویة المکان» الخ. و فی ص238: «الملاحظة الثانیة: و هی التی سجلها شیخنا الشیخ الحلّی (قدس سره) و خلاصتها أمران: أ- إنّه لا جامع بین الزمان و المکان باعتبار أنّ الزمان یعنی مقولة المتی و المکان یعنی مقولة الأین کما فی المنظومة: هیأة کون الشیء فی المکان أین متی الهیأة فی الزمان و المقولات أجناس عالیة متباینة بتمام الذات فلایوجد لها جامع حتی یکون اللفظ موضوعاً بإزائه. ب- علی فرض وجود الجامع بین المقولتین فهو جامع انتزاعی لا وجود له فی مقام الاستعمال أصلاً فإنّ هیأة مفعل لاتستعمل إلّا فی خصوص الزمان أو خصوص المکان و لم نجد من استعملها فی الجامع بینهما فإذا کان الجامع غیر ملحوظ للمستعمل و لا متبادراً فی مقام التخاطب فوضع اللفظ له لغو و علی هذا فلایبعد کون الهیأة مشترکاً لفظیاً یحتاج للقرینة المعینة کبقیة المشترکات». ثمّ أجاب عن الملاحظة الثانیة بوجهین قال: «و ثانیاً: ما ذکر فی الاعتراض من لغویة وضع هیأة مفعل - مثلاً- للجامع الوعائی مع عدم استعمالها فیه و لا تبادره عن التخاطب و المحاورة مدفوع بأنّه یمکن أن یقال: بأنّ المستعمل فیه دائماً هو الجامع الوعائی و استفادة خصوصیة الزمان أو المکان من القرینة من باب تعدّد الدال و المدلول لا من باب إشارة القرینة للمراد الاستعمالی من اللفظ فمثلاً إذا قلنا: "الیوم العاشر مقتل الحسین (علیه السلام) " فالمستعمل فیه لفظ المقتل هو مطلق الوعاء و خصوصیة الوعاء الزمانی مستفادة من دال لفظی آخر فکلمة الیوم العاشر دالة علی خصوصیة الوعاء الزمانی لا أنّها مشیرة لمدلول کلمة مقتل و أنّ المراد به هو الوعاء الزمانی کما یدّعی ذلک فی قرینة المشترک اللفظی». و راجع أیضاً تحریرات فی الأصول، ص318.

و إن أرید واقع النسبة الظرفیة المتقوّمة بالظرف و المظروف فمن المعلوم أنّ النسبة الظرفیة فی ظروف الزمان تختلف سنخاً عن النسبة الظرفیة المکانیة حقیقة و عرفاً و لذلک کانت أحدهما مقومة لمقولة الأین و الأخری مقومة لمقولة متی و لا جامع حقیقی بین المقولات.((1))

ص: 423


1- فی الرافد، ص238: «أوّلاً: إنّ کون مقولة المتی و مقولة الأین مقولتین مستقلتین لا جامع ذاتی بینهما و إن کان هو المشهور و لکنّه غیر مسلّم و ذلک لذهاب بعض الفلاسفة إلی کون جمیع الأعراض النسبیة عرضاً واحداً و هو العرض النسبی و لکن ینتزع منه عناوین متعددة بلحاظ تفنّن الذهن فی إبداع أنحاء النسبة و ألوانها و المعنون الخارجی واحد و هو العرض النسبی بل ذهب بعضهم إلی کون جمیع الأعراض النسبیة و غیرها ألواناً للتطور الوجودی الجوهری بدون وجود محمولی بإزائها فی الخارج فعلی هذین المسلکین لاترد ملاحظة الشیخ الحلّی (قدس سره) و هی عدم وجود جامع ذاتی بین المقولات العرضیة».
یلاحظ علیه:

بعد اختیار الشقّ الثانی نقول: إنّ النسبة الظرفیة الزمانیة لیست من مقولة متی و النسبة الظرفیة المکانیة أیضا لیست من مقولة الأین، بل النسبة لا ماهیة لها فمقولة الأین و متی أنحاء الظرفیة، فکما أنّ کلمة «فی» عندما یقول القائل «قُتل فلان فی مکان کذا و زمان کذا» تدلّ علی النسبة الظرفیة بین القتل و المکان و الزمان، فهذه النسبة الظرفیة موجودة فی صیغة مقتل بین القتل و الذات التی هی مکان کذا أو زمان کذا.

و لکن التفاوت بین النسبة الظرفیة فی کلمة «فی» و النسبة الظرفیة فی صیغة اسم الزمان هو أنّ اسم الزمان یجری علی الذات فاختلاف مقولة الأین و متی لایوجب اختلاف سنخ النسبة کما قال به السیّد الصدر (قدس سره) بل هما أنحاء الظرفیة.

النظریة الثالثة: من المحقق النائینی (قدس سره)
اشارة

((1))

إنّ المحقق النائینی (قدس سره) یتصدی حل الإشکال بتعمیم الذات المتلبسة بالمبدأ حیث إنّ الذات المعروضة للمشتق عنده هو الکلی لا الشخص، و لذا یقول:

إنّ هذا التوهم إنّما یتم إذا کان المعروض هو الشخص دون الکلی و إلّا فبقاء

ص: 424


1- أجود التقریرات، ط.مؤسسة صاحب الأمر (عجل الله تعالی فرجه)، ج1، ص83 . و فی منتهی الأصول، ص80: «و أجیب أیضاً بأنّ الموضوع فی مثل مقتل الحسین (علیه السلام) أو میلاد النبی (صلی الله علیه و آله و سلم) و أمثالهما لیس تلک القطعة من الزمان الذی حصل فیه قتله (علیه السلام) أو میلاده (صلی الله علیه و آله و سلم) بل هو مفهوم یوم العاشر من المحرّم من دون تقییده بتلک السنة التی وقع فیها هذه المصیبة العظمی بل بما هو مرأة و حاک عن مصادیق هذا المفهوم من أی سنة من السنین التی بعد وقوع ذلک الحادث العظیم و نفس تلک السنة و معلوم أنّ هذا المعنی باق بمر الدهور إلی قیام یوم القیامة و هکذا الحال فی لفظة المیلاد و غیره ممّا یشبهه».

الذات فیه أوضح من أن یخفی.

بیان ذلک: إنّه لا إشکال فی أنّ لفظ السبت و أوّل الشهر و غیرهما من أسماء الأزمنة موضوعة لمعان کلیة، لها أفراد تدریجیة و لایمکن اجتماع فردین منها فی الوجود، فإن کان أسماء الأزمنة المصطلحة کالمقتل و المضرب و غیرهما موضوعة لزمان کلّی متصف بالقتل و الضرب ککلّی الیوم العاشر من المحرّم مثلاً، فلا إشکال فی بقاء الذات و لو مع انقضاء العارض.

و أمّا إذا کان الزمان المأخوذ فیها شخص ذلک الیوم بعینه لا کلیه، فللتوهم المذکور مجال.

لکن کون المأخوذ فیها هو الشخص فی حیّز المنع بل الظاهر أنّه الکلّی کما فی بقیّة أسماء الأزمنة غیر المصطلحة کأسماء الأیام و الشهور و السنین.

ثم یقول: لایخفی أنّ هذا الذی اخترناه أولی مما اخترناه فی الدورة السابقة من أنّ المعروض هو الشخص و لکنّه یجرّد عن الخصوصیّة فیکون باقیاً بعد زوال الوصف.

ملاحظة علی نظریة المحقق النائینی (قدس سره):

(1)

مقتضی التحقیق هو تمامیة ما أفاده من أنّ ذات الزمان الذی هو معروض المشتق أمر کلی عند العرف و لذا هو باق بوجود أفراده مثل الیوم العاشر من المحرّم، فإنّ هذا العنوان کلی عند العرف و له فی کلّ سنة فرد واحد، فعلی هذا نظریته وافٍ بدفع الإشکال.

ص: 425


1- . فی منتهی الأصول، ص80: «أنت خبیر بأنّه لو کان الموضوع للفظ مقتل الحسین (علیه السلام) هو ماهیة یوم العاشر من دون ملاحظة وجودها الخارجی لکان لهذا الکلام وجه لأنّ الماهیة الکلیة لاتتبدل بتبدل الأفراد فیکون الموضوع محفوظاً بعد انقضاء المبدأ و أمّا لو کان الموضوع هو الیوم العاشر من المحرم مثلاً بوجوده الخارجی بمعنی أنّ المفهوم موضوع و لکن بما هو حاک عن وجوده الخارجی و مرأة له فذلک الوجود الذی کان متلبساً بالمبدأ انقضی قطعاً لأنّ وجود الطبیعة فی ضمن کل فرد غیر وجوده فی ضمن فرد آخر فیعود الإشکال». و فی مناهج الوصول، ص198: «هو لایخلو من غرابة لأنّ اسم الزمان موضوع لکل زمان یکون وعاء الحدث لا لکل زمان مطلقاً و معلوم أنّ وعاءه هو الزمان الخارجی و هو غیر باق». و فی تحریرات فی الأصول، ص319: «أنت خبیر بما فیه: فأوّلاً: إنّ العنوان الکلی المأخوذ یتصور فی بعض الأمثلة لا فی جمیع الحوادث الزمانیة و اختراع العنوان الکلی خروج عن المتبادر من مفاد هیأة اسم الزمان؛ ثانیاً: معنی ما أفاده جواز إطلاق "القائم" علی من لم یتلبس بالقیام بعد لأنّ العنوان المأخوذ فیه هو "الإنسان الکذائی" أو سائر العناوین القابلة للانطباق علی الأفراد الأخر فما أفاده خروج عن الجهة المبحوث عنها: "و هی زوال الوصف و المبدأ عن الشخص الموصوف و بقاؤه بشخصه و هو غیر متصور هنا کما صرّح به نفسه الشریفة (رحمة الله)؛ ثالثاً: القائلون بالأعم یریدون إطلاق اسم "المقتل" علی مطلق الأیام المتأخرة عن الیوم العاشر من المحرّم لا علی الأفراد المسانخة معه فی الاسم و هو کل یوم عاشر من المحرم فافهم».

لکن یلاحظ علیه: أنّ الزمان الذی هو معروض أسماء الأزمنة و یعبّر عنه بالذات غیر الزمان الذی أخذ فی مفهوم عارضه الذی هو اسم الزمان من المشتقات و الکلام فی بقاء الذات مع انقضاء المبدأ فی الذات التی هی معروضة للمشتق، فما قال من أنّ أسماء الأزمنة إمّا موضوعة للزمان الکلی أو للزمان الشخصی لایتمّ، حیث إنّ المشتق لم یوضع للذات التی یعرضها المشتق بل الزمان المأخوذ فی المشتق غیر الذات التی تکون معروضة له و إن قلنا بأخذ الذات فی مفهوم المشتق حیث إنّ الذات المأخوذ فی المشتق مبهم من حیث الکلیة و الشخصیة. مضافاً إلی أنّه یصرّح ببساطة المشتق و خروج الذات عن المشتق.((1))

ص: 426


1- أجود التقریرات، ط.مؤسسة صاحب الأمر (عجل الله تعالی فرجه)، ج1، ص98.
النظریة الرابعة: من المحقق العراقی (قدس سره)
اشارة

((1))

و تبعه السید الصدر (قدس سره) ((2)) و قد نسب هذا القول إلی المحقق الطهرانی (قدس سره) مؤلف حاشیة الرسائل المسمی بمحجّة العلماء.((3))

ص: 427


1- المقالات، ج1، ص179؛ نهایة الأفکار، ج1، ص129. و فی منتهی الأصول، ص80: «التحقیق فی الجواب انّ الیوم و الشهر و السنة و القرن و أمثالها و لو کان بالنظر الدقیق ما لم ینعدم جزء منها لایوجد الجزء اللاحق لذلک الجزء و لکنّه عند العرف توجد هذه الأمور تماماً و کمالاً فی آن أوّل وجودها و فیما بعد ذلک الآن و یری العرف بقاء وجودها لا حدوث الأجزاء الأخر و سیجیء بیان هذا المطلب فی باب استصحاب الزمان و الأمور التدریجیة غیر القارة مفصلاً إن شاء الله فبناء علی هذا یکون الیوم العاشر من المحرم الذی قتل فیه الحسین (علیه السلام) مثل (زید) مثلا له حدوث و بقاء فإذا کان فی ساعة منه متلبساً بالمبدأ و فی ساعة أخری غیر متلبس به بل کان منقضیاً عنه یصدق فی الساعة الثانیة أنّ هذه الذات کانت متلبسة بهذا الحدث و الآن انقضی عنها مع بقاء الذات». و فی حاشیة علی کفایة الأصول، ص118: «الثانی ما أفاده السید الأستاذ (حفظه الله) و هو أنّ الزمان لیس کما توهمه المستشکل من أنّ کل آن منه فرد حتی یقال بانصرامه و عدم بقاءه و ذلک لاستلزامه تتالی الآنات و هی تستلزم القول بالجزء الذی لایتجزأ مع أنّه باطل عقلاً بل إنّما یکون الزمان من أوّل وجوده إلی آخر وجوده فرداً واحداً مستمراً کالخط المستطیل و علیه یتضح جریان النزاع فی اسم الزمان أیضاً لصدق عنوان الانقضاء بالنسبة إلی المبدء مع بقاء الذات المتلبس به و هو الزمان»؛ و راجع أیضاً نهایة الأصول، ص64 و مناهج الوصول، ص198 و حقائق الأصول، ص99.
2- مباحث الدلیل اللفظی، ج1، ص369.
3- فی الرافد، ص241: «الجواب الثانی: إنّ بقاء الذات الزمانیة مع انقضاء المبدأ الواقع فی خلالها أمر معقول و بیان معقولیة ذلک بأحد تصویرین: أ- اعتبار الزمان کلیاً. ب- اعتبار الزمان کلاً. التصویر الأوّل و هو النظر للزمان بنحو الحرکة التوسطیة و یشتمل هذا النظر علی أربعة أمور: 1) إنّ معنی الحرکة التوسطیة هو أن یؤخذ الزمان بمعنی الآن السیال الذی تکون نسبته للآنات المتصلة المتعاقبة نسبة الکلی لجزئیاته و أفراده فهو مسبوق بآن و ملحوق بآن آخر و هذا هو مرادهم بالحرکة التوسطیة. 2) إنّ هذا الآن لا امتداد له بالنظر لماهیته بل الماهیة محدودة بحد قبلها و حد بعدها و لکنّه ممتد بالنظر لوجوده بلحاظ تعاقب الآنات و اتصالها. 3) إنّ هذا الآن غیر قابل للتقسیم بل هو کالنقطة لاتقبل الانقسام فی الأبعاد الثلاثة باعتبار لحاظه حداً مندمجاً فیما بعده و مرتبطاً بما قبله. 4) إنّ بقاء هذا الآن ببقاء أفراده المتصلة المتعاقبة کما ذکر فی القسم الثالث من القسم الثالث من استصحاب الکلی ... التصویر الثانی: و هو النظر للزمان بنحو الحرکة القطعیة و یشتمل هذا النظر علی أمرین: أ- إنّ معنی الحرکة القطعیة هو ملاحظة قطعة الزمان بنحو الکل المرکب بحیث تکون الآنات أجزاءً لهذه القطعة ... ب- إنّ الکل المرکب من أجزاء الزمان مفهوم متقوم بالامتداد ... و بعد اتضاح التصویرین المذکورین للزمان یقع الکلام فعلاً فی أنّ أی واحد منهما هو الأنسب بالبحث فی المشتق لتصور بقاء الذات فیه و إن انقضی المبدأ الواقع فیه و قد اختار المحقق الطهرانی التصویر الأوّل و اختار المحقق العراقی کما فی بدائع الأفکار التصویر الثانی».

قال المحقق العراقی (قدس سره):

العمدة فی الجواب عن الإشکال هو ما ذکرناه هناک (أی فی البحث عن الإشکال المعروف فی استصحاب الأمور التدریجیة غیرِ القارّة من حیث عدم بقاء الموضوع و عدم اتحاد القضیة المتیقنة و المشکوکة) من أنّ الأزمنة و الآنات و إن کانت وجودات متعددة متعاقبة متحدة بالسنخ و لکنه حیثما لایتخلّل بینها سکون، یعدّ المجموع عند العرف موجوداً واحداً مستمراً نظیر الخط الطویل من نقطة کذا إلی نقطة کذا، فیتصور أمر قارّ وحدانی ینقضی عنه التلبس بالمبدأ.

ثم قال (قدس سره): نعم ذلک إنّما هو فی ما لم یکن تلک القطعات المتعاقبة من الزمان مأخوذة موضوعاً للأثر فی لسان الدلیل معنونة بعنوان خاص کالسنة و الشهر و الیوم و الساعة و نحوها و إلّا فلابدّ من لحاظ جهة الوحدانیة فی خصوص ما عنون بعنوان خاصّ من القطعات فیلاحظ جهة المقتلیة مثلاً فی السنة أو الشهر أو الیوم أو الساعة بجعل مجموع الآنات التی فی ما بین طلوع الشمس مثلاً و غروبها أمراً واحداً مستمراً فیضاف المقتلیة إلی الیوم و الشهر و السنة.

ص: 428

مناقشتان من المحقق الإصفهانی علی المحقق العراقی (قدس سرهما):
اشارة

(1)

المناقشة الأولی:

إنّ اتصال الهویات المتغایرة لایصحّح بقاء تلک الهویة التی وقع فیها الحدث حقیقة و إلّا لصحّ أن یقال: کل یوم مقتل الحسین (علیه السلام) للوحدة المزبورة.

ص: 429


1- . نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ج1، ص170. فی مناهج الوصول، ص199: «و فیه: أنّ العرف کالعقل کما یحکم بالوحدة الاتصالیة للزمان یری تجدّده و تصرمه و عدم اجتماع لاحقة بسابقة فللزمان هویة إتصالیة لکنّها متصرمة متقضیة فالیوم لدی العرف عبارة عن هویة باقیة لکن علی نحو التصرم لا بمعنی کون حدّه الأوّل باقیاً إلی آخره فیری أوّله غیر وسطه و آخره فإذا حدثت فی أوّل الیوم حادثة لایری زمان الوقوع باقیاً و قد زال عنه المبدأ بل یری الیوم باقیاً و زمان الوقوع منقضیاً» و فی الرافد، ص249: «و قد یرد علی هذا التصویر بعض الملاحظات و نحن نکتفی بعرض واحدة منها و هی أنّ النظر للزمان بنحو الحرکة القطعیة و الوجود الترکیبی الامتدادی علی لونین: أ- لحاظ التغایر بین المجموعات الزمانیة کیوم السبت و یوم الجمعة و شهر جمادی و شهر رجب و عام الحرب و عام الصلح و بهذا اللحاظ لایعقل بقاء الذات بعد انقضاء المبدأ الواقع فیها ... ب- لحاظ التداخل بین المجموعات الزمانیة کالساعة بالنسبة للیوم و الیوم بالنسبة للأسبوع و الأسبوع بالنسبة للشهر و الشهر بالنسبة للسنة و بهذا اللحاظ لایتصور انقضاء المبدأ أصلاً فلایعقل النزاع أیضاً. بیان ذلک: إنّ الزمان تارة ینظر إلیه من زاویة (المتی) و تارة من زاویة (الکم) ... و الذی یرتبط بمحل کلامنا هو علاقة الظرفیة لا علاقة المقدار الکمی لأنّ علاقة المقداریة لا بقاء لها بعد زوال المقدر بهذا المقدار بینما محور النزاع فی بحث المشتق یقتضی بقاء الذات المتلبسة حتی بعد زوال المبدأ و هذا إنّما یتلائم مع علاقة الظرفیة و الاشتمال لا مع علاقة الکمیة و المقدار و إذا نظرنا للزمان من الزاویة الأولی و هی زاویة المتی التی تعنی نسبة الشیء للزمان المشتمل علیه فقد ذکر الفلاسفة أنّه یتحقق التلبس بالمبدأ بمجرد اشتمال الزمان بسعته علی ذلک المبدأ حیناً من الأحیان ... یقال یوم العاشر مقتل الحسین (علیه السلام) و یقال شهر عاشوراء مقتل الحسین (علیه السلام) و یقال عام (61.ه) مقتل الحسین (علیه السلام) و یقال القرن الأوّل مقتل الحسین (علیه السلام) و کل هذه الإطلاقات علی نسق واحد بلا عنایة و لاتجوز عرفاً ممّا یکشف عن کون النظرة للزمان بنحو الکل المرکب إذا توجهت للمجموعات الزمانیة المتداخلة فلایتصور حینئذٍ انقضاء المبدأ أبداً بل کلّما وسعت الرؤیة لمجموعة زمانیة أوسع من المجموعات الأولی رأیت التلبس بالمبدأ ما زال صادقاً و ما زال الإطلاق حقیقیاً باعتبار تداخل المجموعات و اندراجها تحت عمود زمنی واحد و مع عدم انقضاء المبدأ لایصح النزاع فی کون إطلاق المشتق حقیقیاً أم مجازیاً».
المناقشة الثانیة:

ربما یطلق المقتل و یراد مثلا الشهر الواقع فیه القتل فهو -ما دام الشهر باقٍ- متلبس بالقتل و لا انقضاء فهذا من أنحاء التلبس حقیقتاً و بعد مضی الشهر لا بقاء للذات التی یطلق علیها المشتق فلایجری النزاع.

جواب السیّد الصدر (قدس سره) عن المناقشة الأولی

((1))

إنّ الاعتراض متّجه فی الجزء و الکل العرضیین لا التدریجیین، لأنّ الکل التدریجی یکون موجوداً بتمامه بوجود کل جزء من أجزائه فالنهار موجود بشخصه لا بجزئه فی جمیع الآنات المتدرجة منه.

نعم قد یقال: إنّه یلزم علی القول بالوضع للأعم حینئذ صحة إطلاق اسم الزمان علی الزمان إلی یوم القیامة، فیقال: إنّ هذا الزمان مثلاً مقتل زکریا لأنّه متصل بزمان قتله.

و الجواب هو أنّ المناط فی تقطیع الزمان بنظر العرف الذی یقطع الزمان إلی دهور و سنین و شهور و أسابیع و أیّام و ساعات فالمقتلیة مثلاً لیست وصفاً للدهر کله بل لتقطیع یدخل فیه لحظة القتل.

مقتضی التحقیق:

إنّ مقتضی التحقیق تمامیة بیان السیّد الصدر (قدس سره) ولکن المناقشة الأولی، واردة

ص: 430


1- مباحث الدلیل اللفظی، ج1، ص369.

علی المحقق العراقی (قدس سره) باعتبار أنّه یری أنّ مناط وحدة القطعة المبانة من الزمان هو اتصال الآنات و عدم تخلل السکون بینهما و هذا المناط باطل عند المحقق الإصفهانی (قدس سره) لأنّه لو صحّ هذا المناط للزم اتحاد جمیع الأزمنة بحیث یمکن أن یقال هذا الیوم مقتل الحسین (علیه السلام) .

نعم اصل کلام المحقق العراقی (قدس سره) من الوحدة العرفیة لقطعات الزمان مثل الساعة و الیوم و الشهر و السنة صحیح، لکن ما ذکره فی مناط الوحدة العرفیة المذکورة باطل و إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) ناظر إلی المناط المذکور لا إلی الوحدة العرفیة لقطعات الزمان.

نعم إنّ جواب المحقق العراقی (قدس سره) یبتنی علی اتخاذ الزمان عرفاً بنحو الکل التدریجی و إن کانت هویة الزمان التی وقع فیه الحدث منقضیة بنفسها فی الحقیقة.

لکن الحق هو أنّ المناقشة الثانیة التی أوردها المحقق الإصفهانی (قدس سره) علی المحقق العراقی (قدس سره) تام، لأنّ إطلاق المقتل علی الشهر الذی وقع فیه القتل بعد مضی العاشر من المحرّم هو باعتبار تلبس الشهر بوقوع القتل فیه فهو مرتبط بأنحاء التلبس فلو اعتبرنا تلبس الیوم العاشر لایمکن أن یقال: الیوم الثانی عشر مقتل الحسین (علیه السلام) باعتبار الوحدة العرفیة للشهر فلایجری النزاع حینئذ مع عدم بقاء الذات، و هکذا لو اعتبرنا تلبس الشهر فإطلاق مقتل الحسین (علیه السلام) حینئذ باعتبار تلبس الشهر بوقوع القتل فیه و بعد مضی الشهر لا بقاء للذات و هکذا لو اعتبرنا تلبس السنة فإطلاق المقتل بعد الشهر یکون باعتبار السنة التی تتلبس بوقوع القتل فیها و أمّا بعد السنة فلا بقاء للذات المعروضة لاسم الزمان و حیث لم یتعارف وحدة اعتباریة فی وعاء عشر سنین مثلاً لایمکن إطلاق مقتل

ص: 431

الحسین (علیه السلام) باعتبار بقاء الذات و انقضاء المبدأ.

و التحقیق هو أن یقال:

إنّ العرف قد یلاحظ الزمان بشخصه و لایشک فی انقضائه و مضیه و قد یلاحظ قطعة من الزمان و هو أیضا ینقضی و یمضی بانقضاء تلک القطعة.

و لکن قد یلاحظ عناوین کلیة باقیة فی الزمان و ذلک اللحاظ العرفی مثل بقاء أیّام السنة فکأنّ الزمان المذکور عنده ینقضی ثم یتجدد و هکذا بالنسبة إلی فصول السنوات فإنّه یتصور بقاء الیوم العاشر من المحرّم مع انقضاء ما وقع فیه من الداهیة الکبری، فإنّ أمر الزمان من حیث بقائه موکول إلی العرف، فیمکن جریان النزاع فی إطلاق المقتل علی الیوم العاشر من محرّم سنتنا هذه مع علمنا بانقضاء مبدأ القتل بأنّه هل یکون الإطلاق حقیقیاً أو مجازیاً.

فتحصّل أنّ الجواب الصحیح هو ما أجاب به المحقق الإصفهانی (قدس سره) و أیضاً ما یستفاد من کلام المحقق النائینی (قدس سره) الذی حقّقناه قبل أسطر.

ص: 432

المطلب الثانی: عدم جریان النزاع فی الأفعال و المصادر المزیدة و المصادر المجردة
اشارة

((1))

بیان صاحب الکفایة (قدس سره):

إنّ من الواضح خروج الأفعال و المصادر المزید فیها عن حریم النزاع لکونها غیر جاریة علی الذوات.

و هذا لا ریب فیه إلّا أنّه لم یذکر المصادر المجردة حیث إنّها عند بعض علماء الأدب أصل فی الاشتقاق و لیست من المشتقات الأدبیة.

نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره):

((2))

إنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) أیضاً تبع صاحب الکفایة (قدس سره) فی بیانه إلّا أنّه زاد علیه المصادر المجردة أیضاً لأنّها ترکبت من المادة و الهیأة التی تدلّ علی النسبة

ص: 433


1- فی الفصول، ص60: «الأوّل لا خفاء فی أنّ المشتق المبحوث عنه هنا لایعمّ الأفعال و المصادر المزیدة فإنّ عدم مساعدة النزاع المحرر علی ذلک واضح جلی». و فی درر الفوائد، ص58: «إنّ النزاع لیس فی جمیع المشتقات لأنّ الماضی و المضارع و الأمر و النهی خارجة عن محل النزاع قطعاً و کذا المصادر و إن قلنا بأنّها مشتقات أیضاً». و فی نهایة النهایة، ص61: «هناک طائفة أخری من الألفاظ قد وضعت بإزاء المرکب من المعانی الثلاثة المتقدمة أعنی بها الذوات و العوارض و النسب و هذه الطائفة المعبّر عنها بالمشتقات علی قسمین قسم منها قد وضع بإزاء الذوات لکن لا مطلقة بل محدودة بحد خاص و متخصصة بمبدأ مخصوص من المبادی کاسم الفاعل و المفعول و أضرابها و قسم آخر قد وضع بإزاء الأحداث المنتسبة إلی الذات بنحو من النسبة کالمصادر و الأفعال ... و محل البحث فی المقام إنّما هو القسم الأوّل». و راجع أیضاً مقالات الأصول، ص178؛ و وسیلة الوصول، ص134.
2- نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ج1، ص174.

الناقصة فما اشتهر من أنّ المصدر هو الأصل فی الکلام ممّا لایرجع إلی محصل.((1))

هل تدلّ الأفعال علی الزمان؟
اشارة

البحث عنه فی صورتین:

قال صاحب الکفایة (قدس سره): قد اشتهر فی ألسنة النحاة دلالة الفعل علی الزمان حتی أخذوا الاقتران بها فی تعریف الفعل و هو اشتباه.

و لابدّ من بیان ذلک: إنّ المشهور بین النحویین هو أنّ الفعل الماضی یدلّ علی تحقق المبدأ فی الزمان السابق علی التکلم و المضارع یدل علی تحققه فی زمان الحال و الاستقبال، و الأمر یدلّ علی طلب الفعل فی زمان الحال.

و لکن المشهور عند الأصولیین عدم دلالة الأفعال علی الزمان.

الصورة الأولی: الدلالة بالمطابقة أو بالتضمن
اشارة

(2)

بیان المحقق الخراسانی (قدس سره) فی الکفایة:

إنّ الأمر و النهی یدلّان علی إنشاء طلب الفعل أو الترک غایة الأمر نفس

ص: 434


1- فی الرافد، ص211: «أمّا المصدر و هو الدال علی الحدث المنتسب لفاعل ما فلایصحّ جعله أصلاً للمشتقات باعتبار أنّ الأصالة إن أرید بها کونه أوّل لفظ موضوع فذلک یحتاج لدلیل تاریخی و إن أرید بها سریان المعنی و الصیاغة البنائیة فی جمیع المشتقات فالمصدر لایطرد معناه فی جمیع المشتقات کاسم المصدر مثلاً فإنّ معناه یغایر المعنی المستفاد من المصدر فکیف یکون متفرعاً عنه کما أنّه لایمکن سریان الهیأة البنائیة لجمیع المشتقات لاستحالة کون المادة متشکلة بهیئتین متغایرتین».
2- . فی نهایة الأفکار، ص125: «الجهة الثانیة: قد اشتهر فی کلماتهم دلالة الفعل علی زمان حتی أنّهم أخذوا الاقتران بالزمان فی تعریفه و جعلوه فارقاً بینه و بین الأسماء فعرفوا الاسم بأنّه کلمة تدلّ علی معنی فی نفسه غیر مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة و الفعل بأنّه کلمة تدلّ علی معنی فی نفسه مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة قال شارح الجامی: الفعل ما کان دالّاً علی معنی فی نفسه مقترن بأحد الأزمنة باعتبار معناه التضمنی أعنی الحدث و نحوه کلام ابن مالک فی منظومته قال: المصدر اسم ما سوی الزمان من مدلولی الفعل کامن من امن و ظاهر کلامهما هو کون الزمان مدلولاً تضمنیاً للفعل و أصرح من ذلک عبارة نجم الأئمة حیث قال فیما حکی عنه فی شرح قول ابن الحاجب: الاسم ما دلّ علی معنی غیر مقترن بأحد الأزمنة ما لفظه المحکی عنه: قوله غیر مقترن صفة بعد الصفة لقوله معنی و یبین معنی قوله غیر مقترن ببیان قوله فی حد الفعل: بأنّه ما دلّ علی معنی فی نفسه مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة أی علی معنی واقع فی أحد الأزمنة الثلاثة معیناً بحیث یکون ذلک الزمان المعین أیضاً مدلول ذلک اللفظ الدالّ علی ذلک المعنی بوضعه له أوّلاً فیکون الظرف و المظروف مدلولی لفظ واحد بالوضع الأصلی إنتهی و مثله أو ما یقرب منه عبائر غیره من النحویین فراجع حیث تری إطباقهم ظاهراً علی دلالة الفعل علی الزمان بمقتضی وضعه». ثمّ أورد علیه فقال: «و لکنّ الذی یقتضیه التحقیق هو خلافه کما یظهر وجهه بالتأمل فیما ذکرنا من انحلال الوضع فی المشتقات إلی وضع نوعی للمادة فیها و وضع شخصی للهیأة فی کل واحد من الصیغ إذ نقول: بأنّ الدلالة المزبورة لو کانت فإمّا أن تکون من طرف المادة أو من طرف الهیأة مع أنّه لایکون فی شیء منهما الدلالة وضعه علی ذلک» الخ.

الإنشاء بهما فی الحال.((1))

و أمّا الفعل الماضی و المضارع فیمکن دلالتهما علی الزمان بشرطین: إطلاق الکلام و إسنادهما إلی الزمانیات.

و مع فقد هذین الشرطین لایدلّان علی الزمان لأنّه یلزم حینئذ المجاز عند الإسناد إلی غیر الزمانیات من نفس الزمان و المجردات (مثل مضی الزمان و علم الله).((2))

ص: 435


1- راجع هدایة المسترشدین، ج2، ص51 و الفصول، ص75. و راجع أیضاً تعلیقة إلی معالم الأصول، ج3، ص222 و درر الفوائد، ص59.
2- و فی مباحث الأصول، ص186: «إنّه قد یمنع دلالة الفعل علی الزمان و المعروف بحسب النقل و السماع الدلالة و قد یوجه المنع بلزوم التجرید مع الإسناد إلی غیر الزمانی کالمجردات و الزمان و فیه أنّ المدلول السبق علی زمان النسبة أو المقارنة و لیس لازم ما یعمّ السبق و المقارنة عدم الأزلیة کما لایلزم عدم الأبدیة فالحدوث الزمانی و الانقطاع بعد الحدوث فی الحادث کلاهما غیر ما یستلزمه السبق أو المقارنة بل المقوم له التحقق فی زمان متقدّم علی زمان النسبة أو مقارن بتحقق المطلق المجامع للأزلی و الأبدی و غیرهما» الخ. و قال فی ص188: «إنّ الظاهر أنّ الهیأة الدالة علی خصوصیة النسبة و أنّها ماضویة أو غیرها إنّما هو فیما إذا أسند الفعل إلی الزمان أو الزمانی بل فیما کان الفعل زمانیاً مسبوقاً بالعدم فی الزمان کما فی مثل «خلق الله نوحاً قبل إبراهیم (علیهما السلام) » فالهیأة الخاصة تدلّ علی أنّ الزمان المفهوم متعین فی زمان خاص فلو أسند إلی غیره فلا زمان مفهوم للفعل أصلاً حتی یتعین بالهیأة فلایلزم التجرید فی مثل علم الله» الخ.
بیان المحقق الإصفهانی (قدس سره):

((1))

إنّ الزمان معنی اسمی و الهیأة لاتدلّ علی المعنی الاسمی بل مفاد الهیئات المعانی الحرفیة و السیّد الروحانی (قدس سره) أیضاً اختار هذا البیان.((2))

الصورة الثانیة: الدلالة بالالتزام (هنا نظریات ثلاث:)
اشارة

(3)

النظریة الأولی: من صاحب الکفایة (قدس سره)

لایبعد أن یکون لکل من الماضی و المضارع (بحسب المعنی) خصوصیة

ص: 436


1- نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ج1، ص176 و أیضاً أشیر إلیه فی ج1، ص181.
2- منتقی الأصول، ج1، ص335.
3- . فی وقایة الأذهان، ص168: «إنّ دلالة الفعل علی الزمان لیس بالتضمن کما یظهر من جمهور علماء العربیة لخروج الزمان - بداهة- عن مدلوله و إنّما هو بالالتزام البین بالمعنی الأخص لأنّ مدلوله لمّا کان الحدث المقید بالزمان فتصوّره یتوقف علی تصوّر الزمان کما فی العمی و البصر إذ العمی لما کان موضوعاً لعدم البصر ممّا هو من شأنه فتصوّر العمی موقوف علی تصوّر البصر» الخ و فی فوائد الأصول، ص100: «انّ الفعل الماضی إنّما هو متکفل لبیان النسبة التحققیة أی کون العرض متحققاً فی الخارج مع انتسابه إلی فاعله بنسبة تامة خبریة فالماضی إنّما یدلّ علی تحقق الحدث من فاعله و لیس مفاده أزید من ذلک و ما اشتهر من أنّه یدلّ علی الزمان الماضی فهو اشتباه بل إنّ الفعل الماضی بمادته و هیأته لایدلّ إلّا علی تحقق الحدث من فاعله نعم لازم الإخبار بتحققه عقلاً هو سبق التحقق علی الإخبار آناً ما قبل الإخبار و إلّا لم یکن إخباراً بالتحقق» و فی نهایة الأفکار، ص127: «حیثما انّ فی الأفعال فی مثل الفعل الماضی و المضارع خصوصیة زائدة عن المعنی الحدثی الذی هو مبدأ الاشتقاق بنحو ینسبق منها فی الذهن جهة السبق فی الماضی و اللحوق فی المضارع أمکن دعوی الدلالة علیه بنحو الالتزام بتقریب أنّه کما أنّ للمبدأ نحو خصوصیة و ربط خاص بالنسبة إلی ما یقوم به و هو الفاعل کذلک له نحو خصوصیة و ربط بالنسبة إلی الظرف الذی یقع فیه بنحو ینتزع عنه مفهوم السبق فی الماضی و اللحوق فی المضارع و ذلک أیضاً لا بمعنی خصوص السبق و اللحوق الزمانیین بل الأعم منه و من غیره ... ثمّ إنّه بمثل هذا البیان أیضاً أمکن أن یوجه کلامهم بدلالة الفعل علی الزمان و ذلک بحمل الدلالة فی کلامهم علی الدلالة بنحو الالتزام بالبیان الذی ذکرنا و دخول الزمان فیه علی الدخول بنحو خروج القید و دخول التقید و إن کان یساعد لهذا الحمل کلام بعضهم فتدبر» و فی منتهی الأصول، ج1، ص88: «جمیع الأفعال و الأحداث لکل واحد منها أنحاء من اللحاظ» ثمّ عدّ ستة أنحاء قال فی ص89: «ثالثها ملاحظتها منتسبة إلی الذات بالنسبة التحققیة الانقضائیة و بهذا الاعتبار تکون مفاد هیأة الفعل الماضی. رابعها ملاحظتها منتسبة إلی الذات بالنسبة التحققیة التلبسیة أی بتحقق الارتباط بین الذات و الحدث و بهذا الاعتبار تکون مفاد هیأة الفعل المضارع».

أخری موجبة للدلالة علی وقوع النسبة فی الزمان الماضی فی الماضی و فی الحال و الاستقبال فی المضارع، فی ما کان الفاعل من الزمانیات. ((1))

و قال المحقق المشکینی (قدس سره) فی توضیح مرامه: ((2))

ص: 437


1- راجع إلی نهایة النهایة، ص64 و فی حقائق الأصول، ص102.
2- و فی عنایة الأصول، ص125 أیضاً: «و هی التحقق فی فعل الماضی و الترقب فی فعل المضارع». و فی منتقی الأصول، ص336: «قد وقع الکلام فی الکشف عن هذه الخصوصیة و بیان حقیقتها فقیل: إنّها تحقق الفعل فی الماضی و ترقبه فی المضارع و تحقق الفعل من الفاعل الزمانی لابدّ أن یکون فی الزمان الماضی کما أنّ ترقبه منه یلازم صدوره منه فعلاً أو بعد حین فی الزمان المستقبل و لکنّه یشکل ذلک: بأنّ الفعل المضارع قد یستعمل فی مورد لایشتمل فیه علی هذه الخصوصیة بلا مسامحة و لا عنایة مثل قول القائل: "إنّی أترقب أن یعلم زید أو یأکل أو یسافر" ... و قیل: إنّ الخصوصیة لیست هی التحقق فی الماضی و الترقب فی المضارع کی یرد هذا الإشکال بل هی بالنسبة التحققیة فی الماضی و النسبة الترقبیة فی المضارع بمعنی أنّ مدلول المضارع هو النسبة القابلة لورود الترقب علیها و التی من شأنها تعلّق الترقب بها کما أنّ مدلول الماضی هو النسبة التحققیة شأناً لا فعلاً و أنت خبیر: بأنّ هذا لیس تفریقاً و بیاناً لجهة الفرق بل هو عین المدعی إذ المطلوب بیان الجهة الواقعیة التی بها کانت النسبة المدلولة للفعل الماضی هی غیر النسبة المدلولة للفعل المضارع و الکشف عن حقیقة الخصوصیة المفرقة و ما ذکر لایفی بذلک إذ هو لایعدو کونه بیاناً لأنّ مدلول الماضی و المضارع هو النسبة و لکنّها مختلفة فیهما بخصوصیة ما بلا بیان لتلک الخصوصیة و ظاهر أنّ هذا هو عین التسائل السابق الذی صرنا فی مقام الإجابة عنه فلاحظ جیداً».

إنّ هیأة الماضی موضوعة للنسبة التحققیة و هیأة المضارع موضوعة للنسبة التوقعیّة.

و قال السیّد الجزائری (قدس سره) فی شرحه علی الکفایة: إنّ الخصوصیة فی الماضی تحقق النسبة و فی المضارع الحالی التلبس بالمبدأ و فی المضارع الاستقبالی التهیّؤ لإیجاد مقدمات حصول المبدأ.

النظریة الثانیة: من المحقق الإصفهانی (قدس سره)
اشارة

(1)

أمّا کیفیة اشتمال الماضی و المضارع علی الزمان فمجمل القول فیها:

ص: 438


1- . نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ج1، ص177 و 181. و فی مناهج الوصول، ص205: «الفرق بین الماضی و المضارع أنّ الأوّل یحکی عن سبق تحقق الحدث و الثانی عن لحوقه لکن لا بمعنی وضع اللفظ بإزاء الزمان الماضی و المستقبل أو بإزاء السبق و اللحوق بل اللفظ موضوع لحصة من التحقق الملازم للسبق أو اللحوق لزوماً بیناً فإنّ الإیجاد بعد الفراغ عنه یکون سابقاً لا محالة و إذا لم یتحقق لکن یصیر متحققاً یکون لاحقاً لا محالة» الخ. و فی منتقی الأصول، ص337: «التحقیق أن یقال: إنّ الخصوصیة التی یدلّ علیها الفعل الماضی الملازمة للزمان فی الزمانیات هی السبق فهو یدلّ علی سبق تحقق النسبة و الخصوصیة التی یدلّ علیها الفعل المضارع هی اللحوق فهو یدلّ علی لحوق تحقق النسبة و توضیح ذلک: أنّ السبق و اللحوق لایتقومان بالزمان... الشیئان إذا لوحظ أحدهما بالإضافة إلی الآخر فتارة یکون أحدهما موجوداً فی فرض وجود الاخر و أخری لایکون أحدهما موجوداً فی فرض وجود الآخر فعلی الأوّل ینتزع عنوان التقارن و علی الثانی ینتزع عنوان السبق و اللحوق ... فوضع الماضی للأولی و المضارع للثانیة فیکون دالّاً علی الزمان بالالتزام فیما کان الفاعل زمانیاً لملازمة السبق و اللحوق للزمان فی الزمانیات تأمل تعرف».

أمّا بالنسبة إلی المحبوسین فی الزمان فإنّ هیأة الماضی موضوعة للنسبة المتقیدة بالسبق الزمانی علی ما أضیفت إلیه (بالمعنی المتقدم من السبق) بنحو یکون التقید داخلاً و القید خارجاً.

و هیأة المضارع موضوعة للنسبة المتقیّدة بعدم السبق الزمانی علی ما أضیفت إلیه علی الوجه المذکور (بنحو یکون التقیّد داخلاً و القید خارجاً).

فالخصوصیة الموجبة لاشتمال الماضی و المضارع علی الزمان هی السبق و اللحوق الزمانیان مع خروج هذه الخصوصیة عن معنی الفعل و تقیّد المعنی بها فزمان المضی أو الحال أو الاستقبال غیر مأخوذ فی الهیأة.

و أمّا بالنسبة إلیه تعالی فله تبارک و تعالی مع الزمان السابق معیّة قیومیة لاتنافی تقدسه عن الزمان فهو تعالی باعتبار معیّته مع السابق سابق و باعتبار معیّته مع اللاحق لاحق، کما قال تعالی: (وَهُوَ مَعَکُمْ أَینَ مَا کُنْتُمْ). ((1))

و أمّا بالنسبة إلی المجردات و المفارقات فإنّها و إن لم تکن فی الزمان إلّا أنّها معه بمعنی أنّ للمجردات معیة مع الزمان و الزمانیات و کون عالمها فی طول عالم الطبیعة لاینافی معیّتها لما فی عالم الطبیعة فی الوجود.

فتوصیف الشیء بالسبق و اللحوق الزمانیین بأحد الاعتبارین: إمّا اعتبار وقوعه فی الزمان السابق و اللاحق کالزمانیات و إمّا اعتبار المعیّة مع الزمان السابق أو اللاحق کما فی المقام.

إیراد السیّد الخوئی علی نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سرهما):

((2))

احتمال کون الزمان قیداً لمدالیل الأفعال بأن یکون معنی الفعل مقیداً به علی

ص: 439


1- سورة الحدید(57):4.
2- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص234 و ط.ج. ص267.

نحو یکون القید خارجاً عنه و التقیّد به داخلاً فهو و إن کان أمراً ممکناً فی نفسه إلّا أنّه غیر واقع و ذلک لأنّ دلالة الأفعال علیه لابدّ أن تستند إلی أحد أمرین: إمّا وضع المادة أو وضع الهیأة و من الواضح أنّ المادة وضعت للدلالة علی نفس طبیعی الحدث اللابشرط و الهیأة وضعت للدلالة علی تلبس الذات به بنحو من أنحائه کما عرفت و شیء منهما لایدل علی الزمان.

یلاحظ علیه:

إنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) قائل بخروج السبق الزمانی -و هو القید- عن الموضوع له و یصرح بأنّ الزمان الماضی و المضارع و الحال غیر مأخوذ فی الهیأة بل الهیأة تدلّ علی أنحاء النسب إلّا أنّ الخصوصیة التی توجب اشتمال الفعل علی الزمان بالدلالة الالتزامیة هی السبق و اللحوق الزمانیان و هی خارجة عن معنی الفعل مع تقیّد معنی الفعل (و هی النسبة) بها.

النظریة الثالثة: من السیّد الخوئی (قدس سره)
اشارة

((1))

إنّ الأفعال لاتدلّ علی الزمان لا بنحو الجزئیة و لا بنحو القیدیة لا بالدلالة المطابقیة و لا بالدلالة الالتزامیة.

نعم إنّها تدل علی الزمان بالدلالة الالتزامیة إذا کان الفاعل أمراً زمانیاً و هذه الدلالة غیر مستندة إلی الوضع بل هی مستندة إلی خصوصیة الإسناد إلی الزمانی.

و هذه الخصوصیة فی الفعل الماضی هی أنّه وضع للدلالة علی قصد المتکلم الحکایة عن تحقق المادة مقیداً بکونه قبل زمان التکلم و فی الفعل المضارع هی أنّه

ص: 440


1- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص236 و ط.ج. ص269.

وضع للدلالة علی قصد المتکلم الحکایة عن تحقق المادة فی زمان التکلم أو بعده و لایدلّ علی وقوعها فی زمان الحال و الاستقبال، فقولنا علم الله و ما شاکله یدل علی أنّ المتکلم قاصد للإخبار عن تحقق المادة و تلبس الذات بها قبل زمان التکلم و إن کان صدور الفعل ممّا هو فوق الزمان لایقع فی زمان.

ملاحظتان علی هذه النظریة:

أوّلاً: إنّه جعل الموضوع له قصد المتکلم و هذا مبنی علی مختاره فی الوضع و هو مسلک التعهد و نحن لانلتزم به.

و ثانیاً: إنّ مفاد الهیأة لیس إلّا النسبة و هذه النسبة إن کانت متقیدة بالسبق الزمانی فهی نسبة تحققیة و إن کانت متقیدة بعدم السبق فهی نسبة توقعیة و لکن ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) خال عن بیان النسبة المذکورة.

فالحق فی المقام هو نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) .

ص: 441

المطلب الثالث و الرابع: جریان النزاع فی اسم الآلة و اسم المفعول
نظریة صاحب الفصول و المحقق النائینی (قدس سرهما):
اشارة

قال المحقق النائینی تبعاً لصاحب الفصول (قدس سرهما) بخروجهما عن محل النزاع.

أمّا اسم الآلة:

تقریب ذلک أنّ الهیأة فی اسم الآلة قد وضعت للدلالة علی قابلیة الذات للاتصاف بالمادة شأناً (القابلیة و الاستعداد) و هذا الصدق حقیقی و إن لم تتلبس الذات بالمبدأ فعلاً.

و أمّا اسم المفعول:((1))

فلأنّ الهیأة فیه وضعت لأن تدلّ علی وقوع المبدأ علی الذات و هذا المعنی لایعقل فیه الانقضاء، لأنّ ما وقع علی الذات کیف یعقل انقضاؤه عنها، ضرورة أنّ الشیء لاینقلب عمّا وقع علیه و المفروض أنّ الضرب قد وقع علیها، فدائماً یصدق أنّها ممّا وقع علیه الضرب، إذا لافرق فی صدق المشتق بین حال التلبس و الانقضاء، فهو فی کلا الحالین علی نسق واحد بلا عنایة فی البین بل لایتصور فیه الانقضاء.

ص: 442


1- فی هدایة المسترشدین، ص369: «و ربّما یقال بخروج اسم المفعول عن محل البحث ... لظهور الوضع للأعم... و یضعفه إطلاق کلمات الأصولیین من غیر إشارة منهم إلی تخصیص النزاع باسم الفاعل و التعبیر الغالب فی کلماتهم بلفظ المشتق الشامل للجمیع و قد فرع غیر واحد من الأفاضل علی المسألة کراهة الوضوء بالماء المسخن بالشمس بعد زوال حرارته مع أنّه من قبیل اسم المفعول... و کیف کان فمع البناء علی الإطلاق فی محل البحث کما هو الظاهر یکون التخصیصات المذکورة فی بعض الوجوه تفصیلاً فی المسألة».
إیراد المحقق الخوئی علی المحقق النائینی (قدس سرهما):

((1))

ما أفاده فی اسم الآلة، فیرد علیه:

أنّ الهیأة فی اسم الآلة إذا دلّت علی قابلیة الذات للاتصاف بالمادة شأناً، فما دامت القابلیة موجودة کان التلبس فعلیاً و إن لم تخرج المادة عن القابلیة إلی الفعلیة أصلاً.

فما أفاده مبتن علی الخلط بین شأنیة الاتصاف بالمبدأ و فعلیته به، فإنّ المحقق النائینی (قدس سره) تخیل أنّ المعتبر فی التلبس إنّما هو التلبس بفعلیة المبدأ.

و ما أفاده فی اسم المفعول، فیرد علیه:

أوّلاً: ((2)) أنّه ینقض علیه باسم الفاعل حیث إنّ الهیأة فیه موضوعة لأن تدلّ علی صدور الفعل عن الفاعل و من المعلوم أنّه لایتصور انقضاء الصدور عمّن صدر عنه الفعل خارجاً، لأنّ الشیء لاینقلب عمّا وقع علیه و المبدأ الواحد کالضرب لایتفاوت حاله بالإضافة إلی الفاعل أو المفعول غایة الأمر أنّ قیامه بأحدهما قیام صدوری و بالآخر قیام وقوعی.

و ثانیاً: ((3)) أنّ اسم المفعول کاسم الفاعل وضع للمفهوم الکلی لما تقدم من أنّ الألفاظ وضعت بإزاء المعانی لا بإزاء الموجودات الخارجیة لأنّها غیر قابلة لأن تحضر فی الأذهان و من هنا قد یکون للموضوع له مطابق فی الخارج و قد لایکون، فالمضروب قد یکون موجوداً و قد یکون معدوماً، فالنزاع هنا فی أنّ

ص: 443


1- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص239 و ط.ج. ص273.
2- الجواب النقضی.
3- الجواب الحلّی.

اسم الفاعل أو اسم المفعول موضوع لمعنی لاینطبق إلّا علی خصوص المتلبس أو لأعم منه و من المنقضی؟

مثلاً لو فرض أنّ زیداً کان عالماً بقیام عمرو ثم زال عنه العلم به، فالنزاع جارٍ فی صحة إطلاق المعلوم علی قیام عمرو أو عدم صحة إطلاقه علیه إلّا علی نحو المجاز -کما أنّ النزاع جارٍ فی صحة إطلاق العالم علی زید أو عدم صحة إطلاقه علیه إلّا مجازاً- ضرورة أنّه لا فرق بین الهیأتین هنا أصلاً فإنّ المبدأ فی کلتیهما واحد و المفروض أنّه بزوال ذلک المبدأ کان إطلاق العالم علی زید و إطلاق المعلوم علی قیام عمرو من الإطلاق علی المنقضی عنه المبدأ لا محالة.

التحقیق حول جریان النزاع فی اسم الفاعل و اسم المفعول:

هذا الإشکال ینحل بملاحظة البحث الآتی أعنی أنحاء تلبس الذات بالمبدأ.

توضیح ذلک: إنّ فی الأفعال الخارجیة مثل القتل و الضرب قد یکون صدور الفعل عن الفاعل و وقوعه علی المفعول بحیث کلّما اشتغل به الفاعل یعدّ متلبساً به مثل الباکی و الضاحک و هکذا کلما وقع علیه المفعول یعدّ متلبساً به.

و أخری یکون الفعل نادر الوجود و بعید التحقق مثل القتل و التلبس به یتحقق بصدور الفعل و لو مرّة.

و بعبارة أخری ملاک التلبس یکون تارة حدوث المبدأ و إن لم یبق فی ما بعده و أخری فعلیة المبدأ.

فإذا ظهر ذلک تبین أنّه إذا کان ملاک التلبس هو حدوث المبدأ فلایتصور زوال التلبس بعد حدوثه فلا مصداق للفرد المنقضی عنه المبدأ فالنزاع حینئذ و إن کان جاریاً بملاحظة عموم المفهوم إلّا أنّه لا ثمرة له لأنّه لایتصور المصداق المنقضی عنه المبدأ.

ص: 444

المقدمة الثانیة: فی معرفة محمول المسألة من جهة أنحاء التلبس

إنّ مبادئ المشتقات علی أقسام أربعة: ((1))

القسم الأوّل: ما یکون من قبیل الملکة((2)) و القوّة کما فی المجتهد و المفتاح و

ص: 445


1- فی القوانین، ص78: «تتمیم ینبغی أن یعلم أنّ مبادئ المشتقات مختلفة فقد یکون المبدأ حالاً کالضارب و المضروب و قد تکون ملکة و قد یعتبر مع کونه ملکة کونه حرفة و صنعة مثل الخیاط و النجّار و البناء و نحوها و قد یکون لفظ یحتمل الحال و الملکة و الحرفة کالقاری و الکاتب و المعلم و التلبس و عدم التلبس یتفاوت فی کل منها فالذی یضرّ بالتلبس فی الملکة هو زوالها بسبب حصول النسیان و فی الصناعة الأعراض الطویل بدون قصد الرجوع و أمّا الأعراض مع قصد الرجوع و لو کان یوماً أو یومین بل و شهراً أو شهرین أیضاً مع إرادة العود فغیر مضرّ و یصدق علی من لم ینس و من أعرض و قصد العود فی العرف أنّه متلبس بالمبدء فیهما و إن طرء الضد الوجودی لأصل ذلک الفعل أیضاً و أمّا فی الأحوال فالتلبس فیها أیضاً یختلف فی العرف فأمّا فی المصادر السیّالة فیکفی الاشتغال بجزء من أجزائه و أمّا فی غیرها کالسواد و البیاض و غیرهما من الصفات الظاهرة و الباطنة فالمعتبر بقاء نفس الصفات و قد اختلط علی بعض المتأخرین و اشتبه علیه الأمر و أحدث مذهباً فی التفصیل» و راجع أیضاً هدایة المسترشدین، ج1، ص395 و الفصول، ص60 و تعلیقة علی معالم الأصول، ج2، ص462، و نهایة الأفکار، ص131 و نهایة الدرایة، ص126 و منتهی الأصول، ص83 و نهایة الأصول، ص60 و أصول الفقه، ص103 و مناهج الوصول، ص208 و المحاضرات، ط.ق. ج1، ص237 و ط.ج. ص270 و مباحث الأصول، ص191، و الرافد، ص252.
2- فی تعلیقة علی معالم الأصول، ج2، ص463: «و لیس المراد بالحال و الملکة هاهنا ما هو المعنی المصطلح علیه عند أهل المعقول أعنی الکیفیة النفسانیة - أی المختصة بذوات الأنفس الغیر الراسخة فی المحل و هو الحال أو الراسخة فیه و هو الملکة- بل معناهما العرفی المعبّر عنه بالفعل علی معنی التلبس بالعمل فعلاً و القوة القریبة من الفعل و الأولی إسقاط قید "القرب" لتشمل نحو الملکة الاستعدادیة الفطریة کما فی الشجرة المثمرة علی ما ینساق منها عرفاً من صلاحیة الإثمار و إن لم یثمر فعلاً بل و لم یبلغ أوان الإثمار ... و نحو الملکة الاستعدادیة الجعلیة کما فی المجلس و المسجد و غیرهما من کثیر من أسماء المکان و المفتاح و المقراض و غیرهما من أسماء الآلة فإنّ إطلاقهما فی العرف علی ما أعد لأن یجلس أو یسجد فیه و ما أعد لأن یفتح أو یقرض به کثیر ... و نحو الملکة العملیة و هی القوة المتأکدة علی العمل الناشئة عن الممارسة و تکرّر العمل ... فالحال مع الملکة بمعنی القوة العملیة حیثیتان فی المبدأ تلحقان الذات فی مرتبتین مترتبتین لتأخر مرتبة الملکة عن مرتبة الحال».

ینقضی بانقضائهما و من کان واجداً لهذه الملکة و القوة متلبس بهما بالفعل.

القسم الثانی: ما یکون من قبیل الحرفة و الصناعة((1)) کما فی البنّاء و الخیّاط و القاضی و ینقضی بانقضاء الحرفة و ترکها و من اتّخذ حرفة و شغلاً متلبس بها بالفعل.

القسم الثالث: ما یکون من قبیل الأفعال النادر الوجود و البعید التحقق التی لها تبعات و آثار عرفاً و التلبس بها یدور مدار بقاء الآثار و التبعات عرفاً کما فی القتل و الضرب و الشکایة فإذا صدر الضرب عن رجل و وقع علی شخص آخر ثم شکی المضروب عن الضارب فیصدق علیهما الضارب و المضروب و الشاکی ما بقیت تلک التبعات و هذه التبعات مختلفة دواماً، مثلاً بعد التیام أثر الضرب و حلّ الخصومة و رفع الشکایة یزول التلبس بالضرب عرفاً، فلایصدق علیهما الضارب و المضروب بعد زوال المبدأ عرفاً و إن کان التلبس حقیقة حین الضرب فقط.

و قد یکون الفعل بعید التحقق و نادر الصدور من الفاعل و شدید الأثر و التبعة علی المفعول مثل القتل فإنّ ملاک التلبس حینئذٍ صدور المبدأ عن الفاعل و وقوعه علی المفعول و لذا یصدق علیهما بعد حدوثه القاتل و المقتول مادام الحیاة.

نعم، یتصور فیهما أیضاً ارتفاع الأثر مثل تجدید حیاتهما بالرجعة فلایصدق

ص: 446


1- فی تعلیقة علی معالم الأصول، ج2، ص464: « أمّا الحرفة مع الصنعة فقد یقال بعدم الفرق بینهما بحسب المعنی و هو المستفاد أیضاً من بعض أهل اللغة حیث یأخذ کلا منهما فی تفسیر صاحبه و قد یفرق بینهما بأنّ الحرفة ما لایقتصر إلی آلة و لا إلی صرف مال بخلاف الصنعة».

علیهما القاتل و المقتول إلّا فی مصادیق قلیلة مثل قتلة کربلاء مع أنّ القتل فی ترتب الآثار و التبعات یتوقف علی کونه عمدیاً أو غیر عمدی و أیضاً علی علوّ المقتول و دنوّه مثلاً قتل الإنسان و قتل الحیوان مختلفان من هذه الجهة.

القسم الرابع: ما یکون من قبیل الصفات و الأفعال المتدوالة الکثیر الوقوع و المدار فی التلبس بها وجود تلک الصفة و ذلک الفعل مثل العالم و الجواد.

ص: 447

المقدمة الثالثة: فی معنی الحال المذکور فی محمول المسألة
اشارة

((1))

هنا ستة احتمالات فی تعیین المراد من الحال:((2))

الأوّل: زمان النطق، الثانی: حال النطق، الثالث: زمان النسبة، الرابع: حال النسبة، الخامس: زمان التلبس، السادس: حال التلبس.

ص: 448


1- فی حقائق الأصول، ص107 عند التعلیقة علی قوله: «المراد بالحال»: «إذا قیل: زید عالم فهناک أحوال ثلاث حال النطق و حال التلبّس أعنی تلبّس زید بالعلم و حال الجری و هو حال النسبة الإیقاعیة و لا إشکال فی کون المشتق حقیقة مع اتفاق هذه الأحوال کما إذا قلت: «زید عالم الآن» و کان زید عالماً فی حال النطق أمّا لو اختلفت هذه الأحوال فقد یکون حقیقة بالاتفاق و قد یکون مجازاً بالاتفاق و قد یکون محل الخلاف فی هذه المسألة و قد وقع الخلاف فی معیار الاختلاف و الاتفاق فالتحقیق الذی بنی علیه المصنف (رحمة الله) و غیره أنّ المعیار هو اختلاف زمان الجری مع زمان التلبس و اتفاقهما فإن اتفقا کان حقیقة بالاتفاق و إن تقدّم زمان الجری علی زمان التلبس فهو مجاز بالاتفاق أیضاً کما إذا قلت: «زید قائم أمس» إذا کان لیس بقائم أمس و إنّما کان قائماً حال النطق و إن تأخر زمان الجری عن زمان التلبس فهو محل الخلاف فی هذا المبحث و لا عبرة بزمان النطق أصلاً و المحکی عن صریح بعض أنّ العبرة بزمان النطق فإن اتفق مع زمان التلبس کان حقیقة بالاتفاق و إن تقدّم علیه کان مجازاً بالاتفاق و إن تأخّر عنه کان محل الخلاف فی المقام». و فی وسیلة الوصول، ص146: «إنّ هنا أزمنة ثلاثة: زمان التلبس و زمان النطق و زمان الجری و الاتحاد فهل یقاس زمان التلبس إلی زمان النطق فإن کان زمان التلبس ماضیاً بالنسبة إلیه کان محل الخلاف فی کونه حقیقة أو مجازاً و إن کان حالاً بالنسبة إلیه کان حقیقة اتفاقاً و إن کان مستقبلاً کان مجازاً اتفاقا ... أو یقاس زمان التلبس إلی زمان الجری و الحمل فإن کان زمان التلبس ماضیاً بالنسبة إلیه کان محل الخلاف و إن کان حالاً بالنسبة إلیه کان حقیقة اتفاقاً و إن کان مستقبلاً بالنسبة إلیه کان مجازاً اتفاقاً و الظاهر هو الأخیر کما یظهر من کلمات بعض المحققین بل کثیر منهم و إن کان فی عبارتهم نوع تشویش و اضطراب و قصور عن إفادة المراد لکن بعد التأمّل یظهر أنّه المراد».
2- قد وقع فی بعض الکلمات تعبیرات أخر مثل: 1) حال الإطلاق و الإجراء و الحمل کما فی درر الفوائد، ص61؛ و مثل: 2) حال الجری و التطبیق کما فی نهایة الأصول، ص66؛ و المراد منهما ظاهراً حال النسبة.

ثم إنّ المختار هو أنّ المراد من الحال فی عنوان المسألة هو حال التلبس لا حال النطق (بمعنی زمان النطق) و لا حال النسبة و لا زمان کل منها بمعنی أنّ الحمل و الإسناد (إسناد المشتق إلی الذات و جریه علیها) و الجری و التطبیق إن کان بلحاظ حال فعلیة التلبس فلا نزاع فی کونه حقیقة و إن کان بلحاظ سبق فعلیة التلبس فهو محل النزاع.

الاحتمال الأوّل: زمان النطق
إیرادان علی الاحتمال الأوّل:

إنّ هذا الاحتمال لیس بمراد قطعاً و الدلیل علیه:

أوّلاً: ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) ((1)) من أنّه إن کان المراد زمان النطق فیلزم مجازیة قولهم: «کان زید ضارباً أمس» أو «سیکون غداً ضارباً» إذا کان متلبّساً بالضرب فی الأمس فی المثال الأول و متلبساً به فی الغد فی المثال الثانی مع أنّه حقیقة بلا شک.

ثانیاً: ما أفاده المحقق الإصفهانی((2)) و تبعه هنا المحقق الخوئی (قدس سرهما) ((3)) من أنّ الزمان خارج عن مدالیل الأسماء((4)) و منها الأوصاف، کما أنّ الوصف ربّما

ص: 449


1- فی الکفایة، ص 43 و 44: «خامسها: إنّ المراد بالحال فی عنوان المسألة هو حال التلبس لا حال النطق ضرورة أنّ مثل " کان زید ضارباً أمس" أو "سیکون غداً ضارباً" حقیقة إذا کان متلبساً بالضرب فی الأمس فی المثال الأوّل و متلبساً به فی الغد فی الثانی فجری المشتق حیث کان بلحاظ حال التلبس و إن مضی زمانه فی أحدهما و لم یأت بعد فی آخر کان حقیقة بلا خلاف».
2- نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ج1، ص187.
3- المحاضرات ط.ق. ج1، ص240و241 و ط.ج. ص274، الأمر الرابع.
4- فی بحوث فی علم الأصول، ص370: «إنّا لانتبادر من المشتقات زمان الحال و لا أی زمن من الأزمنة لا بنحو المعنی الاسمی و لا الحرفی و یدلّ علیه: إنَّ الزمان بنحو المعنی الاسمی لا دالّ علیه فی المشتقات إذ لو أرید استفادته من موادها فالمفروض أنّها لم توضع إلّا للدلالة علی المبدأ بنحو الوضع النوعی القانونی و إن أرید استفادته من هیئاتها فهی لاتدلّ علی معنی اسمی و أمّا استفادة الزمان بنحو المعنی الحرفی فلها صیغتان کلتاهما ممّا لایمکن المساعدة علیهما: الأولی أن یدعی تقید النسبة المدلول علیها بهیأة المشتق بالمقارنة لزمان النطق. الثانیة أن یدعی تقیدها بالتقارن لزمان الجری و التطبیق - أی زمان الحکم و إسناده فیه إلی موضوع فی نسبة تامة و أمّا النسبة الناقصة المدلول علیها بالمشتق نفسه فلیست جریاً لأنّها مفهوم إفرادی کما تقدّم و یرد علی الفرضیة الأولی-: 1- لزوم أن یکون قولنا: «زید ضارب بالأمس أو غداً» مجازاً و هو خلاف الوجدان العرفی. 2- إن أرید التقید بمفهوم زمان النطق فهو واضح الفساد و إن أرید التقید بواقع زمان النطق و وجوده التصدیقی الخارجی فکلمة «عالم» مثلاً موضوعة للمتلبس بالعلم مقارناً مع صدور النطق به من شخص فلازمه أن لایتصور معنی للفظ من دون تحقق نطق خارجاً مضافاً: إلی استلزامه أن یکون المدلول الوضعی التصوری متقیداً بأمر تصدیقی و هو غیر معقول علی ما حقّقناه سابقاً و یرد علی الفرضیة الثانیة: 1- ما أوردناه ثانیاً علی الفرض السابق. 2- إنّ واقع الحکم لو کان هو القید فهو فی طول المحمول المنتسب إلی موضوعه فکیف یعقل أن یؤخذ فیه فالصحیح عدم تقیّد المشتق بالزمان علی القول بوضعه للمتلبس».

لایکون زمان لمبدئه و لتلبس الذات بهذا المبدأ کما فی الوجودات المفارقة و المجردات التی هی فوق الزمان.

الاحتمال الثانی: حال النطق
اشارة

((1))

و هذا القول هو مختار العلّامة المحقق السیّد علی البهبهانی الرامهرمزی (قدس سره) فی مقالات حول مباحث الألفاظ.((2))

ص: 450


1- فی القوانین، ص75: «قد یعبّر بإرادة ما حصل له المبدأ و انقضی قبل زمان النطق فیعتبر المضی بالنسبة إلی زمان النطق و ما ذکرناه أحسن». و راجع أیضاً هدایة المسترشدین، ج1، ص364.
2- مقالات حول مباحث الألفاظ، ص46.
الإیراد علی الاحتمال الثانی

((1))

و هذا الاحتمال أیضاً لیس بمراد لما نقلنا عن صاحب الکفایة (قدس سره) فی الوجه الأوّل.

الاحتمال الثالث: زمان النسبة
إیرادان علی الاحتمال الثالث:

و هذا الاحتمال أیضاً لیس بمراد، و الدلیل علیه: أوّلاً: إذا قلنا «إنّ زیدا سیکون ضارباً غداً» فالتلبس استقبالی کما أنّ النسبة أیضاً استقبالیة و لا شبهة فی کونه مجازاً مع أنّه یلزم حینئذ أن یکون الاستعمال حقیقیاً.

ثانیاً: إنّ الوصف قد یکون فی المجردات الخارجة عن أفق الزمان.

الاحتمال الرابع: حال النسبة
اشارة

الاحتمال الرابع: حال النسبة (2)

الإیراد علی الاحتمال الرابع:

هذا الاحتمال أیضاً لیس بمراد لما تقدم فی الملاحظة الأولی ذیل الاحتمال الثالث

ص: 451


1- فی الرافد، ص217: «أمّا المعنی الأوّل [أی حال النطق] فهو غیر مراد قطعاً لوجهین:أ) لو کان زمان النطق مدلولاً لکانت الأوصاف دالّة علی الزمان و لیست کذلک بدلیل إسنادها إلی نفس الزمان بدون عنایة أصلاً فیقال الزمان مسرع و إسنادها إلی المجردات الخارجة عن وعاء الزمان نحو الله عالم و خالق و الملائکة قائمون و نحوه فإذا صحّ إطلاقها علی المجرد عن الزمان و علی الزمان نفسه و علی الزمانی بلا عنایة تبین خلوّها من الدلالة علی الزمان فانسباق زمان النطق فی بعض الاستعمالات نحو زید قائم لاتحاد زمان النطق مع زمان الجری و الانطباق فلو لم یتحدا لم یتحقق هذا الظهور نحو "لاتکرم الفاسق" فإنّ الظاهر منها فعلیة الفسق حین الإکرام لا حین النطق بالجملة.ب) إنّ لازم هذا القول کون قولنا زید قائم أمس و کان زید قائماً مجازاً لعدم التلبس حال النطق مع أنّه حقیقة بلا ریب عندهم».
2- . فی الرافد، ص218: «أمّا المعنی الثانی: و هو أنّ المراد بالحال حال الجری و النسبة أی حال انتساب المحمول للموضوع سواءً تقدّم علیه النطق أم تأخّر أم قارن فظاهره أنّ البحث فی المشتق بحث فی مرحلة التطبیق و الإسناد لا بحث فی المدلول الأفرادی للمشتق أی أنّه بعد الفراغ عن المفهوم المتبادر من لفظ المشتق بما هو لفظ نبحث فی صدقه و تطبیقه علی الموضوع فنقول: هل یشترط فی صدقه علی الموضوع تلبسه بالمبدأ حال النسبة و الإسناد أم یصحّ صدقه علیه بمجرّد تلبسه به فی الزمان السابق و إن لم یکن متلبساً به فعلاً إذن فعلی هذا القول لایکون البحث بحثاً لغویاً حول مدلول لفظ المشتق بل هو بحث متعلّق بمقام الإسناد و النسبة».
الاحتمال الخامس: زمان التلبس
إیرادان علی الاحتمال الخامس:

و هذا أیضاً غیر مراد أوّلاً: لما تقدم عن المحقق الإصفهانی (قدس سره) حول الاحتمال الأوّل.

و ثانیاً: لأنّ أخذ التلبس متقیداً بزمانه لغو فی ما إذا کان زمانیاً، لأنّ التلبس بالمبدأ فی الزمانیات لایعقل تخلفه عن زمانه و أمّا فی غیر الزمانیات من المجردات فهو باطل.

الاحتمال السادس: حال التلبس

(1)

و بعد بطلان سائر الاحتمالات یتعیّن هذا الوجه الأخیر و هذا الاحتمال

ص: 452


1- . فی تعلیقة علی معالم الأصول، ج2، ص441: «و شمول الخلاف ... مبنی علی تحقیق معنی الحال فی قضیة الاتفاق علی الحقیقیة فیه و النظر فی أنّ المراد به هل هو حال النطق کما زعمه بعضهم ... أو هو حال الاتصاف و النسبة و هی التی یقصد المتکلم إفادتها کما جزم به جماعة من الفحول و غیر واحد من أساطین أهل الأصول ... و یظهر الثمرة فی"زید کان قائماً بالأمس" أو "یصیر قائماً غداً" أو فی مثل "أکرمت قائماً" أو "سأکرم قائماً" إذا کان المراد "بالقائم" من له الوصف حال الإکرام لا حال النطق فإنّ الأوّل من کل من المثالین یدخل فی محل الخلاف علی المعنی الأوّل و یخرج عنه علی المعنی الثانی ... و التحقیق فی ذلک: هو مختار الجماعة لوضوح أنّ الوضع للذات المتصفة لایقتضی إلّا اعتبار حال الاتصاف و کونه فی زمان النطق ممّا لا مدخل له فی الوضع مع أنّه لا مستند له إلّا توهم تبادر الحال فی مثل "زید قائم" و "عمرو قاعد" و هذا کما تری خلط بین مقتضی المشتق و ما هو من مقتضیات القضیة الحملیة التی یغلب علیها الحکم بثبوت المحمول للموضوع فی زمان النطق» الخ و راجع أیضاً هدایة المسترشدین، ج1، ص363 و الفصول، ص60 و نهایة الأفکار، ص118 و فوائد الأصول، ص90 و منتهی الأصول، ص81 و مناهج الوصول، ص210 و المحاضرات، ط.ق. ج1، ص240 و ط.ج. ص274 و الرافد، ص218 و مباحث الأصول، ص190 و منتقی الأصول، ص340.

سلیم عن المناقشات((1)) فالصحیح من الاحتمالات الستّة هو «حال التلبس».

ص: 453


1- فی منتقی الأصول، ص341: «قد یستشکل فیما ذکره المحقق الخراسانی لوجهین: الأوّل الاتفاق القائم علی مجازیة مثل "زید ضارب غداً" فإنّه لو کان المراد بالحال فعلیة التلبس و اعتبار اتحادها مع الجری لم یکن ذلک مجازاً کما تقدّم نظیره. الثانی أنّ الظاهر من الحال عند إطلاقه و عدم تحدیده بشیء هو زمان الحال المساوق لحال النطق کما أنّه - أی زمان الحال- الظاهر من المشتق لانصرافه من الإطلاق أو لمقدمات الحکمة و علیه فلابدّ أن یراد بالحال فی عنوان النزاع حال النطق و زمان الحال و یدفع الأوّل بأنّ مجازیة مثل المثال المزبور إنّما هو لأجل انفکاک الجری عن فعلیة التلبس إذ الظاهر من الإطلاق و قضیته کون الجری فی الحال و القید المذکور و هو "غداً" بیان لزمان التلبس فالجری فی الحال و التلبس فی الاستقبال و هو مجاز ... و یدفع الثانی بأنّ المقام مقام تعیین الموضوع له المشتق و بیانه و أنّه هل خصوص المتلبس فی حال النطق أو مع فعلیة التلبس أو الأعم منه و ممّا انقضی عنه فلایثبت بحدیث الانسباق و القرینة العامة» الخ.

ص: 454

المقصود فی الموضوع له للمشتق (هنا أمران)

الأمر الأوّل: فی مقتضی الأصل اللفظی و العملی (هنا صورتان)
اشارة

لابدّ من ملاحظة مقتضی الأصل عند الشک فی ما وضع له المشتق.

مقتضی الأصل قد یقع من جهة لحاظ المسألة الأصولیة و قد یقع من جهة لحاظ المسألة الفقهیة.

الصورة الأولی: فی تأسیس الأصل بالنسبة إلی المسألة الأصولیة
اشارة

الأصل إمّا أصل لفظی عقلائی و إمّا أصل عملی

أما الأصل اللفظی العقلائی
اشارة

فلهذا الأصل تقریران:

ص: 455

التقریر الأوّل:
اشارة

((1))

إنّ الأمر یدور بین وضع المشتق للمعنی الأعم و نتیجته الاشتراک المعنوی و وضع المشتق لخصوص المتلبس و نتیجته مجازیة الأعم.

و إذا دار الأمر بین الاشتراک المعنوی و المجاز فالراجح هو الاشتراک المعنوی.

أوّلاً: لأنّ الاشتراک خیر من المجاز.

و ثانیاً: لأنّه الأغلب و الشیء یلحق بالأعم الأغلب فی السیرة العقلائیة (من جهة أماریة الغلبة).

ص: 456


1- و فی هدایة المسترشدین، ص372: «حجة القول بعدم اشتراط البقاء وجوه: أحدها: الأصل فإنّها تستعمل تارة فی الحال و أخری فی الماضی و الأصل فیما استعمل فی معنیین أن یکون حقیقة فی القدر المشترک بینهما دفعاً للاشتراک و المجاز» و فی تعلیقة علی معالم الأصول، ج2، ص449: «قد یذکر فی المقام أصل لفظی و هو أولویة الاشتراک معنی علیه لفظاً مع المجاز فإنّ المشتق مستعمل فی کل من المتلبس بالمبدأ و المنقضی عنه المبدأ و کونه علی وجه الاشتراک أو علی وجه المجاز فی الثانی خلاف الأصل فتعین کونه للجامع بینهما و هو المتصف بالمبدأ الموجود و قد تبین فی محله إنّ هذا الأصل حیثما قابل المجاز للاشتراک المعنوی ممّا لم یتبین له أصل» و فی عنایة الأصول، ص134: «لم أر فیما راجعته من الکتب الأصولیة من تعرّض حال الأصل سوی صاحب البدائع (رحمة الله) فالمصنف قد اقتدی به و أخذه منه» و فی قبال ذلک قال فی القوانین، ص76: «الثانی أنّه لا ریب فی کونه حقیقة فی حال التلبس فلو کان حقیقة فیما انقضی عنه أیضاً للزم الاشتراک و المجاز خیر منه کما مرّ مراراً و ما یقال من أنّ المشتق إنّما یستعمل فی المعنی الأخیر من الثلاثة المتقدمة و هو أعمّ من الماضی و الحال و استعمال العام فی الخاص حقیقة إذا لم یرد منه الخاص من حیث الخصوصیة فلا مجاز و لا اشتراک ففیه أنّه مناف لکلمات أکثرهم و کثیر منهم ادعی الإجماع علی کونه حقیقة فی الحال و لو کان حقیقة فی ذلک المعنی العام أیضاً للزم الاشتراک» الخ.
إیرادان علی التقریر الأوّل:

((1))

أوّلاً: إنّ رجحان الاشتراک المعنوی علی المجاز غیر ثابت، لأنّ المجاز قد یشتمل علی لطیفة لیست موجودة فی الاشتراک المعنوی (و هی لمکان العلائق و المناسبات المجازیة).

و ثانیاً: إن غلبة الاشتراک المعنوی و تحقق السیرة العقلائیة بالأخذ بالأغلب فهو محل التأمل صغرویاً و کبرویاً کما قال بعض الأساطین (حفظه الله)((2)) فإنّ الصغری ممنوع لأنّ الغلبة غیر ثابتة((3)) و الکبری أیضاً ممنوع لأنّ السیرة غیر مسلّم و لذا أستاذنا المحقق البهجة (قدس سره) أیضا ناقش فی اعتبار الکبری.((4))

التقریر الثانی:
اشارة

إنّ ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) فی ابتداء الأمر السادس((5)) قد یحمل علی الأصل العملی کما حمله کذلک المحقق الخوئی (قدس سره) و بعض الأساطین (حفظه الله) و السیّد الصدر (قدس سره) ((6)) و سیأتی بیانه إن شاء الله تعالی.

ص: 457


1- فی الکفایة، ص45: «و أمّا ترجیح الاشتراک المعنوی علی الحقیقة و المجاز. إذا دار الأمر بینهما لأجل الغلبة فممنوع لمنع الغلبة أوّلاً و منع نهوض حجة علی الترجیح بها ثانیاً».
2- تحقیق الأصول، ج1، ص373.
3- فی حقائق الأصول، ص110 فی التعلیقة علی قوله: «لمنع الغلبة»: «کیف و قد قیل: إنّ أکثر لغة العرب مجاز».
4- مباحث الأصول، ص193.
5- قال (قدس سره) فی الکفایة، ص45: «سادسها: إنّه لا أصل فی نفس هذه المسألة یعوّل علیه عند الشک و أصالة عدم ملاحظة الخصوصیة مع معارضتها بأصالة عدم ملاحظة العموم لا دلیل علی اعتبارها فی تعیین الموضوع له».
6- مباحث الدلیل اللفظی، ج1، ص379.

و قد یحمل علی الأصل اللفظی کما قرّره أستاذنا المحقق البهجة (قدس سره) ((1))و احتمله صاحب منتقی الأصول (قدس سره) أیضاً.((2))

و أمّا بیان الأصل اللفظی علی هذا التقریر فهو أنّ أصالة عدم ملاحظة الخصوصیة تقتضی الوضع للأعم من المتلبس و المنقضی عنه المبدأ.

إیرادان علی التقریر الثانی:

((3))

أوّلاً: إنّها معارضة بأصالة عدم ملاحظة عموم الموضوع له بنحو الاشتراک

ص: 458


1- مباحث الأصول، ج1، ص192.
2- منتقی الأصول، ج1، ص343.
3- فی مباحث الأصول، ص192: «لا أصل فی المسألة یتعین بها المشکوک المبحوث عنه لفظیاً لتعارض أصالتی عدم تخصص الموضوع له بالتلبس و عدم عمومه بنحو الاشتراک المعنوی مع أنّه علی تقدیر السلامة عن المعارضة لا دلیل علی اعتبارها من بناء من العقلاء فی تعیین الأوضاع و لیس کأصالة عدم القرینة فی تعیین المراد لإحراز البناء فیها». و فی بحوث فی علم الأصول، ص379: «هذه الدعوی لا مأخذ لها إذ یرد علیه من أوجه المفارقة: أوّلاً: ابتنائه علی تخیل أنّ لحاظ المعنی الأعم أو الأخص من باب المطلق و المقید الذی یکون أصل الجامع متیقّناً فی مقام لحاظه و الشک فی الخصوصیة و هو غیر صحیح فإنّ المعنیین و إن کانا متّحدین بحسب الصدق فی الخارج إلّا أنّهم بحسب عالم اللحاظ و المفهوم متباینان - بناء علی إمکان تصویر معنی جامع أعمّ- فلیس الشک فیما لاحظه الواضع حین الوضع دائراً بین الأقل و الأکثر لینفی الزائد بالأصل؛ ثانیاً: ابتنائه علی کون التقابل بین الإطلاق و التقیید تقابل السلب و الإیجاب لا تقابل الضدّین - کما اختاره السید الأستاذ- أو العدم و الملکة کما یظهر من المحقق النائینی و إلّا کان إثبات الوضع للأعم ینفی الخصوصیة من الأصل المثبت؛ ثالثاً: إنّ غایة ما یثبت من نفی لحاظ الخصوصیة أنّ الواضع قد لاحظ حین الوضع المعنی الأعم الجامع بین المتلبس و المنقضی و ما هو موضوع الحکم الشرعی بالحجیة إنّما هو الظهور المسبب من الوضع فلایمکن تعیینه فی الأعمّ بالاستصحاب المذکور إلّا بالأصل المثبت أیضاً».

المعنوی. ((1))

و ثانیاً: لا دلیل علی اعتبارهما. ((2))

و أما الأصل العملی
اشارة

فهذا بأن نحمل کلام صاحب الکفایة (قدس سره) علی الاستصحاب فحینئذٍ تقریره هو

ص: 459


1- فی تعلیقة علی معالم الأصول، ج2، ص448: «الثالث قد یقال: لیس فی المسألة أصل یرجع إلیه فی الموارد المشتبهة أو علی تقدیر بقاء الشبهة لرجوع الشک فیها إلی الحادث من جهة دوران الموضوع له بعد الیقین بحدوث الوضع بین المتبائنین و هما المتلبسة بالمبدأ و المتصفة بالمبدأ الموجود فإنّهما و إن کانا من قبیل الفرد و الکلی إلّا أنّهما بحسب الذهن مفهومان متغایران و إن کانا قد یتحدان بحسب الخارج و المعتبر فی باب الأوضاع مفاهیم الأشیاء لا وجوداتها الخارجیة ... أقول: و یمکن الذب عنه بفرض جریان الأصل فی نحو ما نحن فیه من دون محذور فإنّ الوضع المردّد بین الکلی و الفرد قد یستلزم فی لحاظ الواضع ملاحظة الماهیة الکلیة علی کلا تقدیری تعلّقه بالکلی أو بالفرد علی وجه یرجع الشک إلی ملاحظة الزیادة الموجبة لفردیة الفرد و اعتبارها مع الماهیة الملحوظة فی متن الوضع ... و قد لایستلزم ملاحظتها علی أحد التقدیرین ... و هذا هو الذی لا مجری للأصل فیه لکون الشک فیه من جهة الحادث بخلاف الصورة الأولی لرجوع الشک فیها إلی الحدوث بالنسبة إلی الزیادة و الأصل یدفعها و محل البحث من هذا الباب لتیقّن ملحوظیة الذات المتصفة بالمبدأ الموجود و رجوع الشک إلی قید کون الوجود فی حال الاتصاف. نعم یبقی الکلام فی اعتبار هذا الأصل فی نظائر المقام و هو فی محل منع لعدم نهوض مدرک له کما أشرنا إلیه مراراً». و راجع أیضاً نهایة النهایة، ص69 و نهایة الدرایة، ص133 و حقائق الأصول، ص110 و المباحث الأصولیة، ج2، ص377.
2- فی حقائق الأصول، ص110 فی التعلیقة علی قوله: «لا دلیل علی اعتبارها»: «یعنی إلّا بناء علی القول بالأصل المثبت إذ لا أثر شرعی لعدم ملاحظة الخصوصیة إلّا بتوسط إثبات الوضع لیثبت به الظهور فیثبت به الأثر الشرعی». و فی عنایة الأصول، ص135: «لا دلیل علی اعتبارها فی تعیین الموضوع له. أقول بل لا دلیل علی اعتبارها من أصلها إذ لم یثبت بناء من العقلاء علی عدم ملاحظة الخصوصیة عند الشک فی ملاحظتها أو ملاحظة العموم».

أنّ استصحاب عدم لحاظ الواضع خصوصیة حالة التلبس یقتضی الوضع للأعم.

إیرادات ثلاثة علیه:

((1))

أوّلاً: إنّها معارضة باستصحاب عدم لحاظ العموم.

ثانیاً: إنّ لحاظ الخصوصیة أو لحاظ العموم أو عدمهما کلها لیست موضوع الأثر حتی یجری فیها الاستصحاب.

ثالثاً: إنّ جریان استصحاب عدم لحاظ الخصوصیة لازمه لحاظ الأعم کما أنّ جریان استصحاب عدم لحاظ العموم لازمه لحاظ خصوص المتلبس فالاستصحاب فی الطرفین أصل مثبت.

وهذا الإشکال الثالث مما أفاده المحقق العراقی (قدس سره) فی المقالات((2)) و أیضاً بعض الأساطین (حفظه الله).

ص: 460


1- فی مباحث الأصول، ص192: «مع أنّ الوضع المحقّق بأحد اللحاظین لایجری فیه الأصل إن رجع إلی الاستصحاب لعدم الحالة السابقة إلّا محمولیاً فتقع المعارضة لو عمّت الحجیة للمثبت و لم نبحث عن المدرک و إن لم یرجع إلیه فلابدّ من دلیل علی حجیة الأصل المذکور».
2- مقالات الأصول، ص186.
الصورة الثانیة: فی تأسیس الأصل بالنسبة إلی المسألة الفقهیة
نظریة المحقق الخراسانی (قدس سره):
اشارة

((1))

إذا کان زید متلبساً بالعلم ثم زال عنه و من جهة أخری أمر المولی بإکرام العلماء، فإنّه یتصور فی هذه المسألة صورتان:

الصورة الأولی: إن کان زوال التلبس مقدماً علی أمر المولی بإکرام العلماء

ص: 461


1- قال (قدس سره) فی الکفایة، ص45: «و أمّا الأصل العملی فیختلف فی الموارد فأصالة البراءة فی مثل "أکرم کل عالم" یقتضی عدم وجوب إکرام ما انقضی عنه المبدأ قبل الإیجاب کما أنّ قضیة الاستصحاب وجوبه لو کان الإیجاب قبل الانقضاء». و فی بحوث فی علم الأصول، ص 379 و 380: «فی ما یتعلّق بالأصل فی المسألة الفقهیة الفرعیة إن أرید إجراء الاستصحاب الموضوعی و نعنی به: استصحاب بقاء صدق المشتق بعد الانقضاء لترتیب أثره الشرعی ففیه: أنّه من الأصل فی الشبهة المفهومیة و هو خلاف ما حقّقناه فی موضعه من بحوث الاستصحاب و إن أرید استصحاب بقاء الحکم المترتب علی المشتق فتارة ... و أخری یفرض ترتبه [أی الحکم] علی مطلق وجوده [أی المشتق] کما إذا قال: "أکرم کل عالم" ... و فی الفرض الثانی فصل صاحب الکفایة (قدس سره) بین ما إذا تنجّز الحکم بعد انقضاء المبدأ و ما إذا کان متنجّزاً من حین التلبس فشک فی ارتفاعه بانقضاء التلبس فحکم باستصحاب عدم الحکم فی الأوّل و استصحاب بقاء الحکم فی الثانی و فی کلا الشقّین من هذا التفصیل کلام: أمّا الشقّ الأوّل فلأنّ مقتضی التحقیق المطابق مع مسالکه (قدس سره) أیضاً التفصیل بین حالتین: الأولی ما إذا تأخّر جعل الحکم عن زمان التلبس فتجری أصالة البراءة عن التکلیف أو استصحاب عدمه لکونه من الشک فی حدوث التکلیف. الثانیة ما إذا کان الجعل ثابتاً فی زمان التلبس أیضاً و لکنّه کان معلّقاً علی شرط - کنزول المطر مثلاً- یتحقق بعد انقضاء التلبس و فی مثله یجری استصحاب الحکم بنحو القضیة التعلیقیة حیث یقال إنّ المطر لو کان قد نزل قبل الانقضاء کان الحکم فعلیاً و یشک فی فعلیته بعده لاحتمال دخل فعلیة التلبس فیه کاحتمال دخل العنبیة فی حرمة العصیر المغلی فیجری الاستصحاب التعلیقی عند القائلین به» الخ. و راجع درر الفوائد، ص61 و مباحث الأصول، ص193.

فنشک فی وجوب إکرام زید من جهة احتمال صدق العالم علیه بناء علی وضع المشتق للأعم فتجری البراءة.((1))

الصورة الثانیة: و إن کان الأمر بالإکرام مقدماً علی زوال التلبس بالعلم، نشک بعد زوال التلبس فی بقاء وجوب إکرام زید فحینئذ نستصحب وجوب إکرامه.

إیرادان من المحقق الخوئی علی نظریة صاحب الکفایة (قدس سرهما):
اشارة

((2))

إنّ الأصل العملی عند المحقق الخوئی (قدس سره) هی البراءة فی کلتا الصورتین و لذا نراه یناقش فی ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) من جریان الاستصحاب فی الصورة الثانیة بوجهین:

الإیراد الأوّل:
اشارة

إنّ جریان الاستصحاب فی الشبهات الحکمیة عندنا دائماً معارض باستصحاب عدم سعة المجعول فیتساقط الاستصحابان.

جواب عن هذا الإیراد:

إنّه إشکال مبنائی و نذکر إن شاء الله فی مبحث الاستصحاب أنّ الحق

ص: 462


1- فی تعلیقة علی معالم الأصول، ج2، ص448: «قد یقال: لیس فی المسألة أصل یرجع إلیه فی الموارد المشتبهة ... نعم ربّما یجری فیه - کنظائره- الأصل فی نفی الآثار المترتبة علی الحقیقة و الموضوع له فیما لو قال الشارع: "یجوز التیمم علی الصعید" و "یکره البول تحت الأشجار المثمرة" فإنّ القدر المتیقن من مورد الحکم هو المفهوم الخاص لأنّه إمّا نفس الحقیقة أو فرد منه و ما عداه موضع شک فینفی الحکم عنه بالأصل لأصالة عدم تعلقه بالزائد». و فی حقائق الأصول، ص111: «أقول: الأولی الرجوع فی الفرض الأوّل إلی استصحاب عدم وجوب الإکرام عکس الفرض الثانی لا أصالة البراءة».
2- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص243 و ط.ج. ص278.

جریان الاستصحاب فی الشبهات الحکمیة و الموضوعیة کما هو المشهور و اختاره الشیخ الأنصاری (قدس سره) .

الإیراد الثانی:

((1))

إنّه شبهة مفهومیة و الاستصحاب لایجری فی الشبهات المفهومیة لا حکماً و لا موضوعاً.

أمّا عدم جریانه حکماً فلأنّا إذا شککنا فی بقاء وجوب صلاة العصر أو الصوم بعد استتار القرص و قبل ذهاب الحمرة المشرقیة عن قمة الرأس من جهة الشک فی مفهوم المغرب فإن کان مفهوم المغرب متقوماً باستتار القرص فالنهار منقض و معدوم و إن کان مفهوم المغرب متقوّماً بذهاب الحمرة المشرقیة فالنهار باقٍ و موجود.

فالأمر مردّد بین متیقن الزوال و متیقن البقاء فلم نحرز وحدة القضیة المتیقنة

ص: 463


1- و فی نهایة النهایة، ص69، فی التعلیقة علی قوله: «کما أنّ قضیة الاستصحاب»: «الموضوع فی الاستصحاب المذکور لم یحرز بقائه لتردّده بین ما هو باق جزماً أعنی به الأعم من المتلبس و المنقضی و ما هو مرتفع جزماً أعنی به خصوص المتلبس و معه لایجری الاستصحاب علی ما بین فی محلّه». و فی بحوث فی علم الأصول، ص381: «الاعتراض الثانی مبنی علی دعوی السیّد الأستاذ (حفظه الله) ذکرها فی أبحاث الاستصحاب، حاصلها: إنّ الشبهات المفهومیة لا مجال فیها للاستصحاب الحکمی کما لا مجال للاستصحاب الموضوعی لأنّ الشک فی بقاء الحکم ناشئ عن الشک فی بقاء الموضوع و یشترط فی الاستصحاب إحراز بقائه و قد أوضحنا هناک: أنّ مسألة انحفاظ موضوع الحکم المستصحب و عدمه لا ربط لها بکون الشبهة الحکمیة مفهومیة أم لا و إنّما ترتبط بمدی تشخیص العرف للحیثیة المفقودة المحتمل دخلها فی الحکم و اعتبارها رکناً مقوّماً للموضوع أم لا فقد تکون الشبهة مفهومیة و مع ذلک لاتکون حیثیة التلبس المنقضیة مقوّمة للموضوع بحسب نظر العرف فیکون الاستصحاب جاریاً فالصحیح ملاحظة هذه النکتة فی التفصیل کما هو واضح». و راجع وسیلة الوصول، ص150 و منتقی الأصول، ص344.

و المشکوکة لعدم إحراز بقاء الموضوع فلایجری الاستصحاب.

و أمّا عدم جریانه موضوعاً فلعدم الشک فی الأمر الخارجی لأنّ استتار القرص خارجاً معلوم لنا بالعیان و هکذا ذهاب الحمرة غیر محقق بالعیان و الاستصحاب متقوم بالیقین السابق و الشک اللاحق مع أنّ الشک اللاحق مفقود فی المقام.

تتمیم صور المسألة:

هنا صورة أخری و هی أن یتعلق الأمر بوجوب الإکرام بعنوان العالم بنحو الإطلاق البدلی فحینئذٍ إن أکرمنا من انقضی عنه المبدأ فشککنا فی امتثال الأمر فالأمر یدور بین امتثال الفرد المنقضی عنه المبدأ أو المتلبس تخییراً و امتثال المتلبس بالمبدأ تعییناً، فهذه المسألة صغری دوران الأمر بین التعیین و التخییر.

و قال المحقق العراقی (قدس سره) هنا بالاشتغال و نتیجته هو وجوب خصوص المتلبس بالمبدأ و لکن مختار بعض الأساطین (حفظه الله) ((1)) و أیضاً السیّد الصدر (قدس سره) ((2)) البراءة.

ص: 464


1- تحقیق الأصول، ج1، ص377.
2- مباحث الدلیل اللفظیة، ج1، ص380؛ فی بحوث فی علم الأصول، ص 379 و 380: «تارة یفرض أنّ الحکم مرتب علی المشتق بنحو الإطلاق البدلی علی صرف وجوده کما إذا قال: "أکرم عالماً" ... ففی الفرض الأوّل الذی یکون الشک فیه بحسب الحقیقة فی متعلّق الحکم لا موضوعه - فیما إذا لم یفرض انحصار العالم فی المنقضی عنه المبدأ- یکون الدوران بین التعیین و التخییر الذی هو مجری أصالة البراءة عن التعیین عندنا مطلقاً فیجوز الاکتفاء فی مقام الامتثال بإکرام من کان عالماً سابقاً».
الأمر الثانی: التحقیق حول نظریات الأعلام فی مسألة المشتق
اشارة

إنّ أکثر أعلام المتأخرین قالوا بوضع المشتق لخصوص المتلبس بالمبدأ و لکن اختلفوا فی کیفیة الاستدلال.

فبعضهم منعوا الوضع للأعم ثبوتاً لعدم الجامع بین الفرد المتلبس و المنقضی کما أفاده المحقق النائینی((1)) و المحقق الإصفهانی((2)) و السیّد الخوئی (قدس سرهم) فی الدورة السابقة((3))- و لکن عدل عنه فی المحاضرات- و السیّد الروحانی((4)) و السیّد الصدر (قدس سرهم) .((5))

و بعضهم قالوا بوضعها لخصوص المتلبس للدلیل الإثباتی مثل صاحب الکفایة و المحقق العراقی((6)) و الأستاذ المحقق البهجة (قدس سرهم) ((7)) و بعض

ص: 465


1- أجود التقریرات، ط.مؤسسة صاحب الأمر (عجل الله تعالی فرجه)، ج1، ص 110 و 115 و فی فوائد الأصول، ص119 و 120: «لا وجه للتفصیل بین مبادئ المشتقات أو هیئاتها فالعمدة فی المسألة هو إثبات وضع المشتق لخصوص المتلبس مطلقاً فی جمیع الموارد أو وضعه للأعمّ کذلک مطلقاً و الأقوی: انّه موضوع لخصوص المتلبس مجاز فی غیره».
2- نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ج1، ص195.
3- دراسات فی علم الأصول، ج1، ص120 و 121، قال هنا بعدم إمکان الجامع علی القول بالأعم بین المتصف و غیر المتصف و صرّح بامتناع الجامع لکن عدل عن ذلک فی المحاضرات.
4- منتقی الأصول، ج1، ص349.
5- مباحث الدلیل اللفظی، ج1، ص374، قال (قدس سره): «یکفینا دلیلاً علی بطلان الوضع للأعم ما تقدّم من عدم تیسّر تصوّر معنی جامع بین المتلبس و المنقضی عنه المبدأ».
6- مقالات الأصول، ص186 قال (قدس سره): «و أمّا الأقوال فکثیرة من دخل خصوص حال التلبس مطلقاً و عدمه کذلک و التفاصیل المزبورة فی کتبهم بأنحاء مختلفة لایهمّنا شرحها بعد ما لم یکن لها أساس قابل للذکر فالعمدة هو القولان الأوّلان و الذی یقتضیه النظر فیهما أیضاً هو اختیار القول الأوّل».
7- مباحث الأصول، ج1، ص180 و 193 و..

الأساطین (حفظه الله) و هو المختار فی المحاضرات((1)) و تهذیب الأصول.((2))

و لذا لابدّ من بحثین فی ضمن المقامین:

المقام الأول: بحث ثبوتی؛ و المقام الثانی: بحث إثباتی.

و هنا أقوال أخری فی بحث المشتقّ لا یهمّنا الکلام حولها، فعدلنا عنها. ((3))

ص: 466


1- المحاضرات ط.ق. ج1، ص251و252 و ط.ج. ج1، ص287 «إن تصویر الجامع علی القول بالأعم بأحد هذین الوجهین بمکان من الإمکان و علی هذا الضوء یظهر أن للنزاع فی مقام الإثبات مجالا واسعا ... و أما الکلام فی مقام الإثبات فلاینبغی الشک فی أن المشتق وضع للمتلبس بالمبدأ فعلا و یدل علی ذلک أمور» الخ .
2- تهذیب الأصول، ج1، ص85، مستدلاً بخصوص التبادر.
3- هنا أقوال أخری: 1) فی مبادئ الوصول، ص67: «لایشترط بقاء المعنی فی صدقه [أی المشتق]» و فی زبدة الأصول، ص59: «و لایلزم بقاء المعنی فی صدقة [أی المشتق] حقیقة». و فی هدایة المسترشدین، ج1، ص371 ذکر أنّ هذا القول «هو المعروف بین أصحابنا و قد نصّ علیه العلّامة (رحمة الله) فی عدة من کتبه و السید العمیدی و الشهید و المحقق الکرکی و عزاه جماعة إلی أصحابنا الإمامیة مؤذنین باتفاقهم علیه منهم السید العمیدی و الشهید الثانی و أسنده فی المبادئ إلی أکثر المحققین و فی المطوّل إلی الأکثر و قد ذهب إلیه کثیر من العامة منهم عبد القاهر و الشافعی و من تبعه و حکی ذلک من الجبائی و المعتزلة و عزی إلی ابن سینا و غیره». و راجع تعلیقة علی معالم الأصول، ج2، ص451 و إیضاح الفوائد، ج3، ص52 و جامع المقاصد، ج1، ص103 و روض الجنان، ج1، ص83 و الفوائد الملیة، ص46 و المسالک، ج9، ص179 و مصابیح الظلام، ج6، ص80 و معالم الدین، ج1، ص398 و ذخیرة المعاد، ج1، ص144 و أنوار الفقاهة، کتاب النکاح، ص82. 2) فی القوانین، ص76: «و المشهور بینهم فی محلّ الخلاف قولان المجاز مطلقاً و هو مذهب أکثر الأشاعرة و الحقیقة مطلقاً و هو المشهور من الشیعة و المعتزلة و هناک أقوال أخر منتشرة و الظاهر أنّها محدثة من إلجاء کل واحد من الطرفین فی مقام العجز عن ردّ شبهة خصمه ففصل جماعة ... و الأقوی کونه مجازاً مطلقاً». و ذکر فی هدایة المسترشدین، ج1، ص371، أنّ هذا القول «عزی إلی الرازی و البیضاوی و الحنفیة و حکاه فی النهایة عن قوم». و فی شرح طهارة قواعد الأحکام للشیخ جعفر کاشف الغطاء، ص96: «أمّا لو بنی علی أنّ المشتق حقیقة فی المتصف بالمبدأ حال التلبس کما هو الأقوی». راجع تقریرات المجدّد الشیرازی، ص263 و رسالة فی المشتق، ص148 و الکفایة، ص45 و درر الفوائد، ص62 و وسیلة الوصول، ص156 و وقایة الأذهان، ص175 و منتهی الأصول، ص103 و أصول الفقه، ص102 و زبدة الأصول، ص140 و المحکم فی أصول الفقه، ص237: و الرافد، ص252 و إیضاح الفوائد، ج4، ص145 و الحدائق، ج2، ص71. و راجع أیضاً إلی المستمسک، ج4، ص17 و مصباح الهدی، ج3، ص96 و جامع المدارک، ج14، ص204. 3) فی الوافیة، ص62: «الحق: أنّ إطلاق المشتق باعتبار الماضی حقیقة إذا کان اتصاف الذات بالمبدأ أکثریاً بحیث یکون عدم الاتصاف بالمبدأ مضمحلاً فی جنب الاتصاف و لم تکن الذات معرضة عن المبدأ أو راغبة عنه سواء کان المشتق محکوماً علیه أو محکوماً به و سواء طرأ الضد أم لا لأنّهم یطلقون المشتقات علی المعنی المذکور من دون نصب القرینة کالکاتب و الخیاط و القارئ و المتعلم و المعلّم و نحوها و لو کان المحل متصفاً بالضد الوجودی کالنوم و نحوه». 4) فی هدایة المسترشدین، ج1، ص386: «الذی یتقوی فی بادئ النظر أن یقال بالتفصیل بین المشتقات المأخوذة علی سبیل التعدیة و لو بواسطة الحرف و المأخوذة علی سبیل اللزوم فالأولی موضوعة للأعم من الماضی و الحال و الثانیة موضوعة لخصوص الحال فیکون هناک وضعان نوعیان متعلقین بالمشتقات باعتبار نوعیها و لو مع اتحاد الصیغة فاعتبر فی أحدهما حصول الاتصاف فی الجملة سواء کان حاصلاً فی الحال أو لا و فی الآخر تحقّقه بالفعل علی النحو المذکور. یشهد بذلک استقراء الحال فی المشتقات». و فی الفصول، ص60: «الحق أنّ المشتق إن کان مأخوذا من المبادی المتعدیة إلی الغیر کان حقیقة فی الحال و الماضی أعنی فی القدر المشترک بینهما و إلّا کان حقیقة فی الحال فقط». و راجع مفتاح الکرامة، ج18، ص396. 5) فی نهایة النهایة، ص70 عند التعلیقة علی قوله: «لأجل توهم اختلاف المشتق باختلاف»: «المختار عندنا هو التفصیل تفصیلاً ثلاثیاً بین اسم الفاعل و اسم المفعول و سائر المشتقات بأن یقال إنّ اسم الفاعل لایعتبر فی مدلوله التلبس بالمبدأ أصلاً لأنّ مدلوله لایزید علی الذات مقیدة بکونه علة و مصدراً للمبدأ فالذات الفاعل للمبدأ فاعلیة اقتضائیة مدلول اسم الفاعل سواء کان هناک تأثیر فی الخارج فی إحدی الأزمنة أم لم یکن و أمّا اسم المفعول فیعتبر فی مدلوله التلبس بالمبدأ فی الجملة أعمّ من الفعلی و الانقضائی و لاتکفی القابلیة الاقتضائیة فیه و أمّا بقیة المشتقات فیعتبر فی مدالیلها فعلیة التلبس بالمبدأ» الخ. 6) فی نهایة الأصول، ص64، قال بعد ذکر القول بأنّه حقیقة فی الأعم إن کان مبدئه ممّا ینصرم و فی الأخص إن کان ممّا یمکن بقائه و ثباته: «کان هذا القول وجیهاً عندنا فی السابق». و راجع أیضاً تحریرات فی الأصول، ص345. 7) فی مصباح الهدایة فی إثبات الولایة للسیّد علی البهبهانی، ص131: «إنّما لایصدق المشتق حقیقة علی ما انقضی عنه المبدأ إذا کان المبدأ من قبیل الصفات کالعالم و الجاهل و القائم و القاعد و أمّا إذا کان المبدأ من قبیل الأفعال التی یکون العنوان المأخوذ منها منتزعاً من حدوث المبدأ من الذات کالضارب و القاتل و الوالد و الولد فصدق المشتق فیها دائر مدار حدوث المبدأ و لایعتبر فیه بقاؤه» الخ.

ص: 467

ص: 468

المقام الأوّل: فی البحث الثبوتی (هنا نظریتان:)
اشارة

(1)

قال بعض الأعلام بعدم إمکان الوضع للأعم.

ص: 469


1- . و فی مناهج الوصول، ص212: «إنّ الجامع الذاتی بینهما غیر ممکن لأنّ المدعی أنّ الفاقد یصدق علیه المشتق فی حال فقدانه لأجل التلبس السابق لا الجری علیه بلحاظ حال التلبس فإنّه لا نزاع فی أنّه حقیقة حتی فیما سیأتی و معلوم أنّ الجامع بین الواجد و الفاقد ممّا لایعقل و الجامع الانتزاعی البسیط - أیضاً - غیر متصوّر بحیث یدخل فیه الواجد و الفاقد الذی کان متلبساً و یخرج منه ما سیتلبس و الجامع البسیط الذی ینحلّ إلی المرکب - أیضاً - غیر معقول لأنّ مثله إنّما یتصوّر فیما إذا کان الواقع کذلک فإنّه مأخوذ منه فلابدّ من الالتزام بالترکیب التفصیلی و هو یرجع إلی الاشتراک اللفظی و لو بوضع واحد ... و یعود محذور عدم الجامع مطلقاً و الترکیب التفصیلی الراجع إلی الاشتراک اللفظی فلیس للقائل بالأعم وجه معقول یعتمد علیه» الخ. و فی جواهر الأصول، ج2، ص73: «یظهر من المحقق العراقی (قدس سره): أنّه یمکن تصویر الجامع بین المتلبس و المنقضی عنه علی بعض الأقوال فی المشتق و لایمکن تصویره علی بعض آخر و ذلک لأنّه لو قلنا: إنّ المشتق موضوع لمفهوم مرکب من الذات و المبدأ و النسبة أو قلنا بأنّه موضوع للحدث المنتسب إلی الذات بحیث تکون النسبة داخله و الذات خارجه أو قلنا بأنّه موضوع للحدث المنتسب إلی ذات ما بنحو تکون الذات و النسبة معاً خارجین عن مفهومه و یکون الموضوع له عبارة عن الحصة من الحدث المقترنة بالانتساب إلی ذات ما فیمکن تصویر الجامع بین المتلبس و المنقضی عنه و أمّا لو قلنا بأنّ مفاده الحدث الملحوظ لابشرط فی قبال المصدر و اسمه - اللذین یکون مفادهما الحدث الملحوظ بشرط شیء- فیشکل تصویر الجامع ... انتهی ملخصاً». و فی مباحث الأصول، ص197: «قد یستدلّ للوضع للمتلبس بما دلّ علی بساطة المشتق فإنّ النزاع مبتن علی الترکیب الذی یتحقق معه بقاء الذات المأخوذ فی المشتق مع انقضاء التلبس بالوصف المأخوذ فی المشتق انتساب الذات إلیه و أمّا علی البساطة فالمشتق کالجامد فی کون المدلول شیئاً فارداً لا بقاءً له مع الانقضاء إذ المنتفی فیهما نفس المدلول لا صفة مأخوذة فیه بل القائم حینئذٍ کالقیام و الحجریة فی عدم مجیء احتمال الصدق مع الانقضاء و إن افترقت ببقاء علاقة التجوّز فی القائم دون القیام و الحجر و نحوهما و قد نسب القول بابتناء النزاع علی الترکیب إلی الشیخ الأنصاری (قدس سره) فی ما عن بعض تلامذته»
النظریة الأولی:ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره)
اشارة

((1))

ما أفاده فی المقام أوّلاً هو التفصیل و الوجه فیه ابتناء النزاع علی القول ببساطة المشتق (فیکون موضوعاً لخصوص المتلبس) أو ترکّبه (فیکون موضوعاً للأعم)

فقال: إن قلنا بالترکّب فحیث إنّ مفهوم المشتق أخذ فیه انتساب المبدأ إلی الذات و یکفی فی الانتساب التلبس فی الجملة فلامحالة یکون موضوعاً للأعم.

و إذا قلنا بالبساطة فإنّه علیها لیس المشتق إلّا نفس المبدأ المأخوذ لابشرط فهو ملازم لصدق نفس المبدأ و مع انتفائه (أی انتفاء المشتق) ینتفی العنوان الاشتقاقی أیضاً و یکون حاله حینئذ حال الجوامد بعینها فی أنّ مدار صدق العنوان هو فعلیة المبدأ فکأنّ معنی المنقضی عنه المبدأ المنقضی عنه المشتق.

ثم عدل عن هذا البیان و قال بالوضع لخصوص المتلبس سواء قلنا بالبساطة أم بالترکیب، فقال ثانیاً: إنّه لایمکن تصور الجامع حتی بناء علی الترکیب.

بیانه: إنّ مفهوم المشتقات بناء علی الترکیب لیس مرکباً من مفهوم المبدأ و نسبة ناقصة تقییدیة حتی یکون المفهوم مرکباً من مفهوم اسمی و حرفی، إذ علیه لایمکن الحمل علی الذات أبداً، بل القائل بالترکّب إنّما یدّعی الترکّب من الذات و المبدأ، غایة الأمر أنّ المفهوم متضمن لمعنی حرفی کأسماء الإشارة و الموصولات

ص: 470


1- أجود التقریرات، ط.مؤسسة صاحب الأمر (عجل الله تعالی فرجه)، ج1، ص110 و 115 و فی بحوث فی علم الأصول، ص376 عدّ من الوجوه التی استدلّ بها علی الوضع لخصوص المتلبس ما ذکره المحقق النائینی (قدس سره) و قال: «یتألف من خطوتین أولاهما أنّ مدلول المشتق أمر بسیط کمدلول المصدر نفسه و لکن ملحوظاً لا بشرط من ناحیة الحمل. الثانیة: إنّ المشتق إذا کان بسیطاً فلایعقل وضعه للأعم لعدم الجامع عندئذٍ بین حالتی التلبّس و الانقضاء و الخطوة الثانیة من هاتین صحیحة علی ما تقدّم أیضاً إلّا أنّ الأولی منهما محل تأمّل بل منع علی ما تقدّم الکلام فیه مفصلاً فی الهیآت الإفرادیة».

و غیر ذلک و لذا قلنا: إنّه بناء علی الترکب فالذات هی الرکن، لکنّها لم تؤخذ مطلقة بحیث یکون المفهوم مرکباً من المبدأ و الذات علی إطلاقها بل بما هی متضمنة لمعنی حرفی فلما کان فردیة الفردین (أی المنقضی عنه و المتلبس) بلحاظ الزمان، فلابدّ أن یکون هناک زمان جامع بینهما و من المعلوم أنّ مفاهیم المشتقات عاریة عن الزمان، فماذا یکون جامعاً بینهما مع قطع النظر عن الزمان؟

فمع عدم اعتبار الزمان فی المفهوم و عدم تعقّل جامع آخر بین المتلبس و المنقضی عنه لابدّ أن یکون المشتق موضوعاً لخصوص المتلبس.

بیان منتقی الأصول لتوجیه نظریة المحقق النائینی (قدس سره):

((1))

إنّ نسبة المبدأ إلی الذات فی حال التلبس تختلف عنها فی حال الانقضاء فإنّ الربط بین المبدأ و الذات فی حال التلبس ربط حقیقی واقعی و فی حال الانقضاء ربط مسامحی و ادعائی، إذ لا ارتباط حقیقة بینهما عند انعدام المبدأ لانعدام أحد طرفی النسبة فسنخ نسبة المبدأ إلی الذات حال التلبس یختلف عن سنخ نسبته إلیها فی حال الانقضاء.

فالوضع للأعم مع أخذ النسبة فی مفهوم المشتق یتوقف علی تصور جامع بین هاتین النسبتین و قد عرفت أنّ الجامع بین سنخین من النسبة مفقود لتغایر أنحاء

ص: 471


1- منتقی الأصول، ج1، ص349، قال (قدس سره) بعد ذکر إشکال المحقق الخوئی (قدس سره): «و التحقیق تمامیة ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره) من عدم إمکان تصوّر الجامع سوی الزمان. بیان ذلک: أنّه قد عرفت فیما تقدّم أنّ المعانی الحرفیة من سنخ الوجود لا المفاهیم و علیه فکل منها یغایر الآخر لتغایر الوجودین فلایتصور الجامع بین سنخین من النسبة و الربط نعم الجامع بین أفراد سنخ واحد من الربط ممکن کالجامع بین النسب الظرفیة و هو النسبة الظرفیة و غیرها و من الظاهر أنّ نسبة المبدأ إلی الذات» الخ.

النسب و تباینها و لعل نظر المحقق النائینی (قدس سره) إلی هذا المعنی.

قبل بیان الملاحظات علی کلام المحقق النائینی (قدس سره) لابدّ من ملاحظة عدول هذا المحقق عما أفاده أوّلاً من أنّه إن قلنا بالترکیب فالجامع بین المتلبس و المنقضی موجود و هو تلبس الذات بالمبدأ فی الجملة و الوجه فی عدوله عنه هو أنّ المشتق المرکب یتضمن المعنی الحرفی.

مناقشتان فی نظریة المحقق النائینی (قدس سره):
اشارة

((1))

الأولی: مناقشة المحقق الخوئی (قدس سره) بالنسبة إلی ما أفاده علی القول بالبساطة

((2))

إنّ المحقق الخوئی (قدس سره) قرّر فی ابتداء کلامه نظریة أستاذه المحقق النائینی (قدس سره) علی المبنی حیث لایتصور عنده الجامع بین المتلبس و المنقضی((3)) بل زوال المبدأ و انقضاؤه بمعنی انقضاء المشتق لاتحاد المبدأ و المشتق علی هذا القول.

ثم ناقش فی کلام المحقق النائینی (قدس سره) بوجهین فقال أوّلاً: إنّ المبنی مخدوش لترکّب المشتق؛ و ثانیاً: علی فرض بساطة المشتق لایکون المشتق عین مفهوم المبدأ بل هو مباین له.

ص: 472


1- فی منتهی الأصول، ص105: «و أنت خبیر بأنّ الجامع هو حصول التلبس بمبدأ للذات سواء کان باقیاً إلی زمان الجری و الانتساب أو کان منقضیاً عنها و هذا المعنی ملازم للزمان من جهة أنّ حصول التلبس أمر یقع فی الزمان کسائر الحوادث الزمانیة فلایلزم من الالتزام بمثل هذا الجامع دخول الزمان فی مفهوم الاسم و مدلوله کی یلزم منه ذلک المحذور».
2- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص251 و ط.ج. ص287.
3- فی بحوث فی علم الأصول، ص371: «لاینبغی التردّد فی عدم معقولیة الجامع الأعم بناء علی القول ببساطة المشتق و أنّه موضوع بإزاء المبدأ ملحوظاً لا بشرط من حیث الحمل لعدم صدق المبدأ علی الفاقد له و لو لوحظ لا بشرط من حیث الحمل بداهة رکنیة المبدأ حینئذٍ فی صدقه».

و أمّا بالنسبة إلی ما أفاده علی القول بالترکیب:

قال المحقق الخوئی (قدس سره): إنّ کلام المحقق النائینی (قدس سره) مخدوش لوجود الجامع بأحد الوجهین:((1))

الوجه الأوّل: إنّ الجامع هو اتصاف الذات بالمبدأ فی الجملة فی مقابل الذات التی لم تتّصف به بعد فالموضوع له علی القول بالأعم هو صرف الوجود للاتصاف العاری عن أیّة خصوصیة کما هو شأن الجامع.

أو فقل: إنّ الجامع بینهما خروج المبدأ من العدم إلی الوجود.

الوجه الثانی: إنّا لو سلمنا أنّ الجامع الحقیقی بین الفردین غیر ممکن، إلّا أنّه یمکننا تصویر جامع انتزاعی بینهما و هو عنوان أحدهما و لا ملزم هنا لأن یکون الجامع ذاتیاً، لعدم مقتضٍ له، إذ فی مقام الوضع یکفی الجامع الانتزاعی، لأنّ

ص: 473


1- فی بحوث فی علم الأصول، ص 371 - 373: «أمّا تصویر معنی جامع أعمّ علی القول بترکب المشتق فیمکن أن یذکر بشأنه عدة وجوه» الثالث و الرابع منها هو ما ذکره المحقق الخوئی (قدس سره) و جاء فی المتن قال: «1- أن یفرض المعنی الجامع عبارة عن الذات التی لها التلبس بالمبدأ فی أحد الزمانین الماضی أو الحاضر و فیه: ما تقدّم من عدم أخذ الزمان فی مدلول المشتق 2- إنّ الجامع هو الذات التی صدر عنها المبدأ بأن یکون مفاد الفعل الماضی بنحو النسبة الناقصة مأخوذاً فی مدلول المشتق "فعالم" یعنی"من علم" و "قائم"، "من قام" و هکذا فیصدق علی المتلبس و المنقضی عنه التلبس بالمبدأ معاً و فیه: أوّلاً: یلزم عدم صدق المشتق علی الذات بلحاظ آن حدوث المبدأ ... و ثانیاً: یلزم عدم صحة إجراء المشتق بلحاظ المستقبل ... و ثالثاً: عدم صحة أخذ مفاد الفعل الماضی فی جمیع المشتقات کما یتّضح بمراجعة أسماء الآلة أو المکان و الزمان أو غیرها من المشتقات و رابعاً: إنّ الفعل الماضی یدلّ علی حرکة المبدأ و صدوره من ذات و مثل هذا المعنی غیر مأخوذ فی المشتقات فإنّها تحکی عن الذات المتّصفة بالمبدأ و لاتحکی عن حیثیة حرکة المبدأ و صدوره منها» و قال فی ص373: «5- أن یکون الجامع عبارة عن الذات المنتقض عدم المبدأ الأزلی فیه و هو صادق علی المنقضی لأنّ عدم المبدأ فیه لیس بأزلی و فیه: ما تقدّم فی الاعتراض الأوّل علی الوجه السابق» أی الوجه الأوّل ممّا ذکره المحقق الخوئی (قدس سره) .

الحاجة التی دعت إلی تصویر جامع هنا هی الوضع بإزائه وهو لایستدعی أزید من تصویر معنیً ما، سواء کان المعنی من الماهیات الحقیقیة أم من الماهیات الاعتباریة أم من العناوین الانتزاعیة.

یلاحظ علیها:

أمّا الوجه الأوّل:((1)) فهو المستفاد من کلام المحقق النائینی (قدس سره) فی أوّل الأمر ثم أعرض عنه و وجّهه فی منتقی الأصول بعدم إمکان الجامع بین سنخین من النسبة و قد نقلنا بیانهما. و أمّا الاتصاف الجامع فلیس مدلولاً للهیأة لأنّ الهیأة لاتدلّ علی المعنی الاسمی.

و أمّا الوجه الثانی: فقد أشکل علیه بعض الأساطین (حفظه الله)((2)) و السیّد الصدر (قدس سره) ((3)) بأنّه لو وضع المشتق لعنوان أحدهما فلابدّ أن یحضر هذا المعنی فی الذهن مع عدم

ص: 474


1- فی بحوث فی علم الأصول، ص373: «فیه: أوّلاً: عدم انفهام انتقاض عدم المبدأ أو خروجه من العدم فی المشتقات بل العرف بشکل عام یفهم معانی المشتقات من طرف وجود المبادئ فیها ابتداءً لا بتوسیط إعدامها؛و ثانیاً: إن أرید أخذ مفهوم الانتقاض الاشتقاقی کعنوان المنتقض فهو أیضاً مشتق لابدّ من تحدید معنی جامع له لکی لایختص بالمنتقض فیه العدم بالفعل و إن أرید أخذ الانتقاض بنحو الفعل الماضی رجع إلی الوجه الثانی المتقدّم و قد عرفت عدم المساعدة علیه و إن أخذ مبدأ الانتقاض منسوباً إلی الذات بنحو النسبة الناقصة کان کنسبة أی مبدأ اشتقاقی بحاجة إلی تصویر معنی جامع یشمل صورة انقضائه تلبس الذات به».
2- تحقیق الأصول، ج1، ص382.
3- مباحث الدلیل اللفظی، ج1، ص372 و 373، قال (قدس سره): «إنّ مجرّد معقولیة جامع انتزاعی کعنوان أحدهما الذی یمکن أن ینتزع من النقیضین فضلاً عن غیرهما، لایکفی إذ المقصود تصویر جامع یحتمل بشأنه أن یکون هو المعنی الموضوع له للمشتقات و لا إشکال فی عدم انفهام مفهوم أحدهما عن المشتق و لو کان المشتق موضوعاً بإزاء مفهوم أحد الفردین المتلبس و المنقضی لزم عدم تعقل الشمولیة فیه لأنّ عنوان أحدهما أو واحد منها عنوان بدلی دائماً».

انفهام مفهوم أحدهما عن المشتق.

الثانیة: ملاحظتنا علی کلام المحقق النائینی (قدس سره)

یلاحظ علی کلام المحقق النائینی (قدس سره) و تقریر منتقی الأصول بأن الوضع للأعم لایتوقف علی أن یکون الموضوع له هو المعنی الجامع الأعم حتی یقال باستحالة الجامع الحقیقی بین أنحاء النسب التی هی مفاد الهیأة بل الموضوع له فی الهیئات ذات النسب الشخصیة و آحادها.

بل یکفی فی الوضع للأعم وجود الجامع العنوانی و تصوره حین الوضع بحیث یکون الموضوع له معنوناته والجامع العنوانی بین المتلبس و المنقضی عنه موجود مثل الاتصاف و التلبس فی الجملة فالوضع للمعنی الأعم ممکن.

النظریة الثانیة: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) هنا فروض ثلاثة:
اشارة

((1))

إنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) أشار إلی مبانی الأعلام فی هذا البحث من جهة إمکان وجود الجامع بین المتلبس و المنقضی عنه.

ص: 475


1- نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ج1، ص195؛ و فی مناهج الوصول، ص214: «و یتلوه ما قیل: من أنّ مفهوم الوصف بسیط، إمّا علی ما یری العلّامة الدوانی من اتحاد المبدأ و المشتق ذاتاً و اختلافهما اعتباراً أو علی نحو آخر و معه لایعقل الوضع للأعم ثمّ أخذ فی الاستدلال علی الامتناع و فیه: أنّ بساطة مفهوم المشتق و ترکیبه فرع الوضع و طریق إثباته التبادر لا العقل و سیأتی الکلام فی الوجوه العقلیة التی أقاموها علی البساطة و بالجملة هذه المسألة اللغویة الراجعة إلی مفهوم اللفظ لا طریق لإثباتها إلّا مبانی إثبات سائر اللغات و العقلیات بمراحل عنها إلّا أن یکون المقصود تقریبات لإثبات التبادر و الحق تبادر المتلبس لا المعنی الأعم علی فرض تصویره».
الفرض الأوّل: القول بالبساطة التی ذهب إلیها المحقق الدوانی (قدس سره)

إنّ المحقق الدوانی (قدس سره) یری اتحاد المبدأ و المشتق ذاتاً و اختلافهما اعتباراً فإنّ المبدأ یلاحظ من أطوار موضوعه و شؤونه و یکون مرتبة من الموضوع فحینئذ مع زوال المبدأ و انقضاء التلبس به لا شیء هناک حتی یعقل لحاظه من أطوار موضوعه، فکیف یعقل الحکم باتحاد المبدأ مع الذات فی مرحلة الحمل مع عدم قیام المبدأ بالذات؟ و مع القول بالبساطة بهذا الوجه لایعقل الوضع للأعم.

الفرض الثانی: القول بالبساطة التی هو المختار

إنّ مختار المحقق الإصفهانی (قدس سره) هو أنّ مفهوم المشتق صورة مبهمة متلبسة بالقیام علی نهج الوحدانیة کما هو کذلک فی الخارج.

فعلی هذا إنّ مطابق هذا المعنی الوحدانی لیس إلّا الشخص علی ما هو علیه من القیام مثلاً، فحینئذٍ لایعقل معنی بسیط یکون له الانتساب حقیقة إلی الصورة المبهمة المقوّمة لعنوانیة عنوان المشتق و مع ذلک یصدق علی فاقد التلبس. و مع القول بالبساطة بهذا الوجه أیضاً لایعقل الوضع للأعم.

الفرض الثالث: القول بترکب مفهوم المشتق (هنا احتمالان: )
اشارة

أمّا علی القول بترکب مفهوم المشتق حقیقة - سواء کان مفهوم المشتق «من حصل منه الضرب» مثلاً کما هو الرأی فی بادی النظر عن العلّامة (قدس سره) (فی تهذیب الأصول إلی علم الأصول) أو کان مفهوم المشتق «من له الضرب» کما عن صاحب الفصول (قدس سره) - فإنّ الصدق علی الأعم فی «من حصل منه الضرب» بملاحظة أنّ من زال عنه الضرب یصدق علیه أنّه من حصل منه الضرب و

ص: 476

الصدق علی الأعم فی «من له الضرب» بملاحظة إهمال النسبة من حیث الفعلیة و الانقضاء.

الاحتمال الأوّل: ترکب المشتق بمعنی من حصل منه الضرب
إیرادان علی هذا الاحتمال:

أوّلاً: یلزم ترکب المشتق من الفعل الماضی (حصل) و زیادة.

ثانیاً: یلزم المجازیة فی مثال «زید ضارب الآن» أو «زید ضارب غداً» لأنّ قید الآن و قید غداً مناف للفعل الماضی المأخوذ فی المشتق.

الاحتمال الثانی: ترکب المشتق بمعنی من له الضرب
إیرادان علی الاحتمال الثانی:
اشارة

أوّلاً: علی فرض الإهمال فی النسبة من حیث الفعلیة و الانقضاء تکون النسبة مهملة بالنسبة إلی الاستقبال أیضاً فیصدق علی من یتلبّس استقبالاً بالحقیقة لا بالمجاز.

ثانیاً: إنّ النسبة حقیقتها الجامعة لجمیع أنحائها هو الخروج من العدم إلی الوجود و هو عین الفعلیة فلا معنی لإهمالها و لا لکونها أعم من الوجود و العدم. (فإنّ النسبة متشخصة و الشخصیة عین الفعلیة).

جواب بعض الأساطین (حفظه الله) عن هذین الإیرادین:

أجاب بعض الأساطین (حفظه الله) عن بیان المحقق الإصفهانی (قدس سره) علی القول بترکب المشتق و تفسیر المشتق «بمن له الضرب» مثلاً:

ص: 477

أمّا الجواب عن إیراده الأوّل: فبأنّ الإهمال لیس من جمیع الجهات بل إهمال النسبة من جهة الفعلیة و الانقضاء أمّا النسبة فهی متعینة من جهة الاستقبال فلاتصدق علی المستقبل إلّا بالمجاز.

و أمّا الجواب عن إیراده الثانی: فبالنقض فی مثل عنوان الممتنع و المعدوم حیث یستحیل خروجهما من العدم إلی الوجود و هکذا بالنقض فی المجردات فإنّها لاتخرج من العدم إلی الوجود.

تحقیق المقام:

إنّ النسب اللفظیة حاکیة عن النسب الواقعیة الخارجیة أو نفس الأمریة و لکن النسبة الواقعیة بین الذات و المبدأ منتفیة فی المنقضی عنه المبدأ فمطابق النسبة فی المنقضی عنه المبدأ معدوم.

و لایجدی سبق وجود النسبة فی المقام، لأنّ ذلک یتوقف علی وجود ما یدلّ علی معنی السبق مع خلوّ المادة و الذات و مفاد الهیأة عن إفادة ذلک.

نعم، إن کان فی المشتق ما یدل علی الاتصاف فی الجملة أو علی الزمان الأعم فیمکن تصحیح الوضع للأعم و لکن لیس فی المشتق ما یدل علیهما.

هذا غایة ما یمکن أن یقال فی تصحیح کلام المحقق الإصفهانی (قدس سره) لکن التحقیق هو ما ذکرناه فی المناقشة علی کلام المحقق النائینی (قدس سره) .

بیانه: إنّ الکلام فی إمکان الوضع للجامع لا وقوعه فإنّ الوضع للجامع یصح بتصویر الجامع العنوانی الأعم حین الوضع و نتیجته الوضع لذات النسبة التقییدیة الناقصة المحققة سابقاً أو فعلاً علی أن یکون السبق خارجاً عن الموضوع له و لکن معرفاً لذات النسبة المحققة سابقاً و النسبة دائماً فعلیة إلّا أنّ

ص: 478

النسبة الفعلیة قد یکون وعاؤها الزمان السابق((1)) فلابدّ من البحث عن وقوع ذلک فی مقام البحث عن الدلالة الإثباتیة و عدم وجود ما یدلّ علی ذلک بل وجود ما یدلّ علی خلافه مرتبط بمقام الإثبات لا الثبوت.

فالمتحصّل أنّه إن قلنا ببساطة المشتق فیستحیل وضعه للمعنی الأعم من المتلبس و المنقضی و إن قلنا بترکب المشتق فیمکن وضعه للمعنی الأعم.

ص: 479


1- و الزمان السابق لیس قیداً للنسبة بل ظرف و وعاء له کما ذکرنا فی بحث دلالة الفعل علی الزمان الماضی.
المقام الثانی: فی البحث الإثباتی
استدلال القائلین بالوضع لخصوص المتلبس:
اشارة

قد استدل علی القول بوضع المشتق لخصوص المتلبس بأمور و المهمّ منها: التبادر و صحة السلب عن المنقضی عنه المبدأ و برهان التضادّ.

الدلیل الأوّل: التبادر
اشارة

((1))

بیانه: إنّ المرتکز عند أذهان أهل اللغة هو المتلبس بالمبدأ فعلاً أمّا ما انقضی عنه التلبس فلایصدق المشتق علیه إلّا بالقرینة.

و ذلک فی المشتقات الأدبیة -التی لها وضع نوعی باعتبار هیئاته- لایختصّ

ص: 480


1- فی القوانین، ص76: «لنا وجوه الأوّل تبادر الغیر منه و هو المتلبس بالمبدأ و هو علامة المجاز». و فی الکفایة، ص45: «و یدلّ علیه تبادر خصوص المتلبس بالمبدأ فی الحال». و فی نهایة الأصول، ص64: «و عمدة الدلیل علیه هو التبادر». و فی منتهی الأصول، ص103: «و الدلیل علی ذلک هو تبادر خصوص المتلبس و صحة سلب المشتق عن المنقضی عنه مبدأ الاشتقاق بلا شک و ارتیاب فإنّه یصحّ أن یقال للرجل الذی کان عادلاً و الآن هو فاسق أنّه الآن لیس بعادل بحیث یکون الآن قیداً للموضوع أو للسلب لا للمسلوب». و فی أصول الفقه، ص102: «و دلیلنا: التبادر و صحة السلب عمّن زال عنه الوصف فلایقال لمن هو قاعد بالفعل: "إنّه قائم" و لا لمن هو جاهل بالفعل: "إنّه عالم" و ذلک لمجرّد أنّه کان قائماً أو عالماً فیما سبق. نعم، یصحّ ذلک علی نحو المجاز أو یقال: "إنّه کان قائماً" أو "عالما" فیکون حقیقة حینئذٍ إذ یکون الإطلاق بلحاظ حال التلبس». و فی مناهج الوصول، ص213: «إنّ التبادر هو الدلیل الوحید فی مثل المقام الذی یکون البحث فیه لغویاً لا عقلیاً و هو یساعد علی المتلبس به لا الأعم و صحة السلب ترجع إلیه کما تقدّم و کذا ما یقال من تضاد الصفات المأخوذة من المبادئ المتضادة علی ما ارتکز لها من المعانی فإنّه لولا التبادر لما کان بینها تضاد ارتکازاً».

بلغة دون لغة لاشتراک اللغات فی الوضع النوعی.

و هذا التبادر مستند إلی حاق اللفظ و لایستند إلی القرینة کما هو المفروض و أیضاً لایستند إلی کثرة الاستعمال فی خصوص المتلبس.

إشکال فی المقام:

(1)

إنّ التبادر ینشأ من الإطلاق حیث إنّ المطلق عند الإطلاق ینصرف إلی الفرد

ص: 481


1- . فی هدایة المسترشدین، ص380 بعد أن قال: «أحدها: أنّ المتبادر من الأحمر و الأصفر و الأبیض و الحسن و القبیح و الجمیل و الکریم و الصالح و التقی و الزاهد و العالم و الجاهل و نحوها هو خصوص من اتصف بتلک المبادئ فی الحال و التبادر دلیل الحقیقة» قال: «و یجاب عنه تارة بمنع کون التبادر المدعی مستندا إلی نفس اللفظ بل إلی غلبة الاستعمال و یکشف عنه أنّه لو کان کذلک لاطّرد فی غیرها من المشتقات لاتّحاد جهة الوضع فیها لما تقرّر من کون أوضاعها نوعیة و لعدم قائل بالتفصیل فی الألفاظ علی ما یظهر من کلماتهم کما عرفت و لیس کذلک إذ لایتبادر ذلک فی نحو القاتل و الجارح و البائع و المشتری و المعلّم و المضروب و المنصور و نحوها و أخری بأنّ التبادر المدعی فی تلک الأمثلة معارض بتبادر خلافه فی أمثلة أخری فإن أجیب بکون تبادر الأعم فی تلک الأمثلة من جهة الغلبة لم یکن ذلک أولی من العکس» و فی تعلیقة علی معالم الأصول، ج2، ص457: «حجة القول باشتراط بقاء المبدأ وجوه: منها: تبادر المتلبس بالمبدأ دون المنقضی عنه المبدأ و التبادر علامة الحقیقة کما أنّ عدمه علامة المجاز و فیه: أنّ تلبس الذات بالمبدأ لا معنی له إلّا وجود المبدأ للذات فإن أرید بتبادره تبادر وجود المبدأ علی أنّه مدلوله باعتبار الوضع ففیه: منع تقدّم وجهه فإنّ وجود المبدأ و إن حصل الانتقال إلیه إلّا أنّه لیس لدخوله فی الوضع بل لکونه من باب الخارج اللازم لما دخل فیه و هو النسبة الواقعیة التی لاتتأتی بین الذات و المبدأ إلّا بوجوده و دخوله فی ظرف الخارج و إن أرید به تبادره علی أنّه مدلول له بالالتزام فهو لایقضی بمدخلیة بقائه فی بقاء مدلوله باعتبار الوضع» الخ. و فی تحریرات فی الأصول، ص348: «قد عرفت فی محلّه: أنّ الدور فی التبادر غیر قابل للدفع و لو سلّمنا تمامیته هناک فهاهنا مشکل آخر لأنّ الذی یتبادر من المفاهیم التصوریة هی الذات المبهمة مع الوصف و المبدأ و أمّا أنّ التلبس یکون بوصف الفعلیة أو الأعم فهو ممّا لایتبادر من اللفظ تصوّراً. نعم، المتبادر منه حال التطبیق و الصدق هو الفعلیة و لکنّه لایثبت کون منشأ التبادر هو الوضع فی هیأة المشتق بل من الممکن کون المنشأ أمراً آخر من غیر دخالة هیأة المشتق فی ذلک».

الأکمل أو ینصرف إلی الفرد الأغلب، فحیث إنّ التلبس الفعلی بالمبدأ هو الأغلب ینصرف المشتق إلیه و هو ینسبق إلی الذهن و التبادر الإطلاقی لیس دلیلاً علی الوضع.

جوابان عن هذا الإشکال:
اشارة

((1))

الجواب الأوّل: عن المحقق الخراسانی (قدس سره)
اشارة

أجاب عنه المحقق الخراسانی (قدس سره) بکثرة استعمال المشتق فی موارد الانقضاء لو لم یکن بأکثر.

إشکال السیّد الصدر علی جواب المحقق الخراسانی (قدس سرهما):

(2)

استشکل السیّد الصدر علی جواب المحقق الخراسانی (قدس سرهما) فقال: إنّ موارد استعمالات المشتق إمّا الجملة غیرُ التطبیقیة کما إذا وقع المشتق فی سیاق الإنشاء و لا شبهة فی عدم صحة الاستشهاد بها علی الاستعمال فی المنقضی.

ص: 482


1- فی مباحث الأصول، ص193: «المناقشة فی التبادر بإمکان کونه من الانسباق من الإطلاق لا من الوضع غیر مقبولة هنا کما فی سائر موارد الاستدلال بالتبادر فی الوضع للخاص فی قبال الوضع للعام کالصحیح و الأعم و غیره و الجواب فی الجمیع أنّه إن کان انسباقاً معوّلاً علیه عند العرف المنسوب إلیهم الانسباق بحیث یحکمون به و لایتوقفون فی العمل علیه فلا فرق فی مقام العمل بین الانصراف المانع عن الأخذ بالإطلاق بهذا القید و بین الوضع فی جمیع موارد عدم القرینة علی الخلاف و إن کان غیر معوّل علیه فإن کان موجباً لتحیر العرف فهو خلف الفرض من دعوی ما لایتوقف معه فی العمل و إن کان غیر مانع عن العمل عندهم بالإطلاق الموافق للوضع للأعم فلازمه أنّه - مع خلوّ الذهن عمّا لا قرینیة له و لا اعتماد علیه و قصر النظر إلی حاق اللفظ - فالمتبادر حینئذٍ الأعم و الموجود فیه صحة الحمل لا صحة السلب و المفروض أنّه مع قطع النظر عن الأمور الخارجیة من مثل کثرة الاستعمال و قلّته فالمتبادر من حاق اللفظ هو المتلبس فی الحال» الخ.
2- . مباحث الدلیل اللفظی، ج1، ص275. و فی مباحث الأصول، ص195 بعد ذکر جواب الکفایة: «و یمکن المناقشة فیه بأنّ الجری بلحاظ حال التلبس أو بلحاظ حال الجری معنیان لا معنی واحد فیکون حقیقة علی الأعم مطلقاً بخلاف الوضع للخاص حیث یکون مجازاً إلّا مع ملاحظة حال التلبس فلا مجوّز للتجوّز مع التمکن من الاستعمال الحقیقی بلحاظ حال التلبس إلّا أن یقال: إنّ المعنیین متحدان بالنتیجة و الاختلاف بعد لحاظ حال التلبس فی الاستعمال المجازی فی حال الانقضاء و عدمه فیقال: الکثرة مشترکة بین المتلبس بالفعل فی زمان الجری و المتلبس بلحاظ الزمان الماضی فتبادر الأوّل لایکون منشأه الکثرة المشترکة مع کون الاستعمال حقیقیاً فی النحوین بل لا منشأ له إلّا الوضع لخصوص المتلبس فعلاً فی زمان الجری و الحمل کما یشهد به تبادر هذا من حاق اللفظ لا من کثرة الاستعمال کما مرّ فإنّه لا داعی علی الأعم إلی ملاحظة غیر زمان الجری مع کون الاستعمال حقیقة باللحاظین فلایکون انسباق المتلبس معلولاً إلّا للوضع للمتلبس لعدم الداعی إلی تبادر المتلبس مع الوضع للأعم و کون الإطلاق علی الحقیقة بلحاظ زمان الجری».

و إمّا الجملة التطبیقیة الإسنادیة مثل الضرب و ضربت العالم و الاستعمال فیها بلحاظ زمان إسناد الفعل.

و إمّا الجملة التطبیقیة الحملیة و فیها قد لاتکون الذات باقیة حین استعمال المشتق مثل قولنا: « الشیخ المفید عالم» و یتعین فیها أن یکون الجری بلحاظ زمان التلبس.

فموارد الاستعمال فی ما انقضی عنه التلبس بالمبدأ لیست کثیرة فضلاً عن أن تکون أکثر.

الجواب الثانی: عن السیّد الصدر (قدس سره)

لو سلّمنا استناد التبادر إلی الانصراف الناشئ من کثرة الاستعمال فی المتلبس فعلاً یکشف عن تعیّن اللفظ فیه تدریجاً.

فالتبادر إمّا یکشف عن الوضع التعیینی للمتلبس خاصّة أو لا أقل من کشفه

ص: 483

عن تعیّن الوضع له و هو علی حد الوضع التعیینی من جهة غرض الفقیه.

الدلیل الثانی: صحة السلب
اشارة

((1))

بیانه: إنّه یصحّ السلب مطلقاً عمّا انقضی عنه المبدأ کالمتلبس به فی الاستقبال حیث إنّ المشتق لایصدق علی من لم یکن متلبساً بالمبدأ و إن کان متلبساً به قبل الجری و الانتساب و یصح سلبه عنه.

إیراد المحقق الرشتی (قدس سره):

(2)

إنّه أورد علی الاستدلال بصحة السلب بأنّه إن أرید من صحة السلب

ص: 484


1- فی الفصول، ص61: «حجة القول بأنّه مجاز فی الماضی أنّه یصدق السلب المطلق أعنی السلب فی الجملة لصدق الأخص منه و هو السلب فی الحال فلایکون حقیقة فیه». و فی عنایة الأصول، ص 137 و 138: «لایخفی أنّ صحة السلب عمّا انقضی عنه المبدأ هی دلیل أقوی من التبادر فإنّ التبادر قد یناقش فیه الخصم بدعوی کونه إطلاقیاً مستنداً إلی کثرة الاستعمال لا حاقیاً مستنداً إلی الوضع أو یناقش فیه بالمنع عنه رأساً بدعوی تبادر الأعم و لکن صحة السلب عمّا انقضی عنه المبدأ هی سالمة عن جمیع هذا کلّه سیما إذا انضمّ إلیها کلمة الآن فنقول بعد انقضاء الضرب مثلاً عن زید، "إنّ زیداً لیس بضارب الآن" فلو کان المشتق موضوعاً للأعم لم یصح ذلک قطعاً بل صحّ أن یقال: "إنّ زیداً ضارب الآن».
2- . فی بدائع الأفکار، ص180: «و ربّما أورد علی صحّة السّلب و حاصله أنّه إن أرید بصحّة السّلب صحّته مطلقاً فممنوع و إن أرید صحّته مقیداً بالحال فغیر مجد لأنّ علامة المجاز صحّة السّلب المطلق و أجیب بأنّ التقیید بالحال فی القضیة السلبیة کقوله هذا لیس بضارب الآن إذا انقضی عنه الضرب إنّما یلاحظ بالقیاس إلی السلب دون المسلوب فالمراد النفی المقید بالحال لا نفی التقیید و من الواضح أنّ النفی المقید یستلزم نفی المطلق ضرورة ثبوت الملازمة بین الخاصّ و العام». و فی هدایة المستشردین، ص381: «ثانیها: صحة السلب مع انتفاء التلبس فی الحال فی الأمثلة المذکورة و یرد علیه المعارضة المذکورة بعدم صحته فی الأمثلة الأخیرة و قد یقرّر ذلک بوجه آخر، بیانه: أنّه یصحّ أن یقال لمن انقضی عنه الضرب فی الحال: "إنّه لیس بضارب الآن" و إذا صحّ السلب المقید صحّ السلب المطلق ضرورة صدق المطلق بصدق المقید ... و یمکن الإیراد علیه بالنقض و الحلّ، أمّا الأوّل فلأنّه لو تمّ ذلک لدلّ علی صحة سلبه عن المتلبس فی الحال أیضاً إذ یصحّ أن یقال لمن لم یکن متلبساً بالضرب فی الماضی و قد تلبّس به فی الحال: "إنّه لیس بضارب أمس" و صدق المقید یستلزم صدق المطلق... إلی آخر الدلیل و أمّا الثانی فبأنّ قوله: "الآن" إمّا أن یؤخذ قیداً فی المحمول أو ظرفاً للحکم فعلی الأوّل یسلم صدق السالبة المذکورة لکن لایکون نفس السلب حینئذٍ مقیداً بل یکون من قبیل سلب المقید و من البین أنّ سلب المقید لایستلزم سلب المطلق و علی الثانی صدق القضیة المذکورة ممنوع بل هو أوّل الدعوی إذ القائل بعدم اشتراط البقاء یقول بصدق الضارب علیه فی الحال مع تلبسه به فی الماضی» الخ. و فی تعلیقة علی معالم الأصول، ج2، ص457: «و منها: صحة سلب الاسم عن المنقضی عنه المبدأ لوضوح صحة قولنا - لمن ضرب بالأمس-: "إنّه لیس بضارب الآن" و فیه: إنّ السلب فی صحة السلب و عدمها تابع لما یقصد من اللفظ فإن قصد إرجاع السلب إلی التلبس بمعنی وجود المبدأ فی الذات فصحته مسلّمة غیر أنّه لایقضی بعدم صدق اللفظ باعتبار ما بقی بعد الانقضاء من الارتباط الواقعی... و إن قصد إرجاعه إلی أصل الارتباط لیکون مفاده إنّ الذات لا ربط بینها و بین المبدأ الموجود منها بعد انقضائه ففیه: إنّه کذب و فریة بل دعوی صحة السلب علی هذا التقدیر مدافعة لضرورة الوجدان». و راجع تحریرات فی الأصول، ص349.

صحته مطلقاً (أی زید لیس بضارب فی جمیع الأزمنة) فهذا غیر سدید لأنّه کذب حیث إنّ المفروض تلبس زید بالضرب فی الزمان الماضی.

و إن أرید من صحة السلب صحته مقیداً (أی زید لیس بضارب الآن) فهو صحیح لکنّه غیر مفید لأنّ علامة المجاز هی صحة السلب المطلق لا المقید.

أجاب عنه صاحب الکفایة (قدس سره):

(1)

هنا احتمالات ثلاثة:

الاحتمال الأوّل: إرادة صحة السلب مقیداً بتقیید المسلوب (أعنی المشتق)

ص: 485


1- . فی منتهی الأصول، ص103: «بناء علی ما ذکرنا لایرد علی هذا الدلیل أنّه إن أراد المستدل صحة السلب مطلقاً فغیر سدید و إن أراد صحته مقیداً فغیر مفید لأنّنا أخذنا التقیید فی ناحیة الموضوع أو السلب و مثل هذا التقیید لایضر بالاستدلال». و فی عنایة الأصول، ص143 بعد ذکر جواب صاحب الکفایة: «أقول: و الإنصاف أنّ الجواب ممّا لایحتاج إلی مثل هذه التکلّفات بل نلتزم برجوع القید إلی نفس المسلوب کما هو ظاهر قولک: "زید لیس بضارب الآن" و نقول فی مقام الجواب إنّ صحة سلب الضارب المقید بالآن و إن لم یکن علامة لکون الضارب مطلقاً مجازاً فیه و لکنّه لا محالة علامة لکون الضارب المقید بالآن مجازاً فیه و هو یکفی إذ الذی نحن ندعیه فی المسألة هو هذا المقدار فقط أی کون الضارب الآن مجازاً فیه و إن لم یکن الضارب مطلقاً مجازاً فیه بل کان حقیقة فیه سابقاً فالذی نحن ندعیه یثبته صحة السلب المقید و ما لم یثبته هو نحن لاندّعیه و لانقول به». و فی بحوث فی علم الأصول، ص376: «هذا الاعتراض نشأ من الخلط بین تقیید الوصف الاشتقاقی بالفعلیة و تقیید مبدأ الاشتقاق فإنّ الذی لایضرّ بمقالة الخصم تقیید مبدأ الاشتقاق بالفعلیة و أمّا تقیید جری المشتق نفسه بذلک فی قولنا: "زید الآن لیس بجاهل" فهو ضار بمقالته لا محالة و الصحیح المناقشة فی کبری علامیة صحّة السلب بالنحو الذی تقدّم شرحه فی علامات الحقیقة و المجاز». و فی مباحث الأصول، ص 213 - 216: «أجیب بأنّ تقیید المسلوب و إن کان غیر مقتض للمجازیة کما تقدّم إلّا أنّه ممنوع و المسلّم تقیید السلب أو المسلوب عنه بحال الانقضاء مع إطلاق المسلوب فإنّه یقتضی المجازیة لصدق المطلق فی جمیع الأحوال و علی جمیع أطوار موضوعه فالسلب فی بعضها یکشف عن عدم إطلاق الموضوع له و أمّا لزوم التقیید فلمکان القطع بعدم صحة السلب مطلقاً بنحو یعمّ حال التلبس فالتقیید لأجل إخراج الجری بلحاظ حال التلبس الذی هو حقیقة علی کل من القولین و أمّا کون القید إحترازیاً فلایقتضی تقیید المسلوب لأنّ الاحتراز إنّما هو عن الجری فی زمان التلبس أو بلحاظ التلبس الماضی الزائل لا لتقیید المسلوب» الخ. و راجع أیضاً مقالات الأصول، ص 186 و 187.

مثل زید لیس بضارب فی حال الانقضاء و صحة هذا السلب علامة لعدم وضع المشتق لخصوص المنقضی عنه المبدأ و لیس علامة لعدم وضع المشتق للأعم من المتلبس و المنقضی، إلّا أنّه لا دلیل علی تقیید المشتق بحال الانقضاء.

الاحتمال الثانی: أن یکون القید للسلب، فصحة السلب حینئذ علامة للمجاز، لأنّ سلب الضارب عن زید فی ما إذا کان السلب بلحاظ حال الانقضاء معناه

ص: 486

أنّ زیداً لیس من أفراد الضارب بحسب حال انقضاء التلبس، فوضع المشتق لیس للأفراد المنقضی عنها المبدأ، فلو کان وضع المشتق للأعم فلابدّ من صدق الضارب علی زید لأنّ المطلق یصدق علی أفراده.

الاحتمال الثالث: أن یکون القید للمسلوب عنه أی الذات التی یحمل علیها المشتق، فصحة السلب حینئذ مطلق لا مقید، فتکون علامة علی مجازیة الضارب بالنسبة إلی ما انقضی عنه المبدأ.

نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره): (هنا فرضان)
اشارة

((1))

إنّ صحة السلب بالحمل الأوّلی و صحة السلب بالحمل الشائع إذا کان بنحو حمل الطبیعی علی أفراده و حمل الجنس علی نوعه و الفصل علی نوعه (السلب الشائع قبال الحمل الشائع الذی معناه الاتحاد فی الوجود لا السلب الشائع قبال الحمل الشائع الذی معناه اندراج الموضوع تحت المحمول و مضی بیان الفرق بینهما فی بحث علائم الحقیقة و المجاز فراجع) علامة علی المجازیة عند المحقق الإصفهانی (قدس سره) و لکن بعض الأعلام خالفوا فی ذلک و قالوا بعدم علامیتها علی المجازیة مطلقاً (مثل المحقق الخوئی و السیّد الصدر (قدس سرهما)) و بعد اختیار مبنی المحقق الإصفهانی (قدس سره) یصح الاستدلال بصحة السلب بالحمل الأوّلی و بالحمل الشائع.

و لکن هناک تصاویر متعددة لصحة السلب و المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی ابتداء الأمر یقول بأنّ جمیع التصاویر یثبت المجازیة و تکون صحة السلب علامة علیها

ص: 487


1- نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ج1، ص197.

إلّا أنّ بعض هذه التصاویر لایمکن الالتزام بها.

الفرض الأوّل: أن یعتبر السلب بالحمل الأوّلی الذاتی

إنّ السلب إن اعتبر بالحمل الأوّلی الذاتی فاللازم سلب ما ارتکز فی الأذهان أو تعارف فی عرف أهل اللسان من المعنی الجامع، لا من خصوص ما انقضی عنه المبدأ بمعنی أنّا نتصوّر المفهوم الجامع بین المتلبّس و المنقضی عنه المبدأ فی موضوع القضیة ثم نتصور المشتق بمعناه الارتکازی فی محمول القضیة ثم نحکم بسلب مفهوم المشتق بمعناه الارتکازی عن المعنی الجامع بین المتلبس و المنقضی عنه و نتیجة السلب الذاتی تغایر مفهوم المشتق و المعنی الجامع فلیس المشتق حقیقة فی المعنی الأعم.

الفرض الثانی: أن یعتبر السلب بالحمل الشائع

إن اعتبر السلب بالحمل الشائع فهنا صور ثلاث:

الصورة الأولی: و هی أن نلاحظ الزمان قیداً للسلب مثل زید لیس فی حال انقضاء الضرب بضارب فنسلب الضارب بمعناه المرتکز عن زید و لکن السلب بلحاظ حال الانقضاء فلو کان المشتق موضوعاً للأعم لما صحّ سلبه عن مصداقه فی حین من الأحیان.

الصورة الثانیة: و هی أن نلاحظ الزمان قیداً للمسلوب عنه (و هو زید مثلاً) فی حال الانقضاء و نسلب عنه المشتق بسلب مطلق مثل: زید فی حال انقضاء الضرب لیس بضارب و صحة السلب حینئذ مطلق و هذا السلب أیضاً علامة للمجازیة لأنّه لو وضع المشتق للمعنی الأعم لما صح سلبه عن مصداقه بحسب وجود هذا المصداق فی زمان من الأزمنة.

ص: 488

الصورة الثالثة: و هی أن نلاحظ الزمان قیداً للمسلوب (فالمشتق مثلاً ضارب الیوم) و نسلب المسلوب المقید بزمان الیوم عن ذات الموضوع (زید) مثل: زید لیس بضارب فی هذا الیوم فلو کان المشتق موضوعاً للأعم فعنوان ضارب لابدّ أن یصدق علیه سواء کان عنوان الضارب مطلقاً أم مقیداً بالماضی أو الحال (أی بهذا الیوم).

فاتضح بما ذکرنا أماریة صحة السلب مقیداً للمجازیة سواء کان القید قیداً للسلب أم المسلوب أم المسلوب عنه.

مناقشة المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی الالتزام بهذه الصور الثلاث:

مناقشة فی الصورة الأولی:

أمّا الصورة الأولی و هی تقیید السلب فقط فیرد علیه أنّه غیر سدید لأنّ العدم غیر واقع فی الزمان، بل القضایا السلبیة لیست کالقضایا الإیجابیة مشتملة علی النسبة بل مفادها سلب النسبة الإیجادیة.

مناقشة فی الصورة الثانیة:

أمّا الصورة الثانیة و هی تقیید المسلوب عنه (زید فی المثال) بالزمان فیرد علیه أنّه لایخلو عن الإشکال لأنّه لامعنی لتقیّد الثابت و تحدّده بالزمان.

مناقشة فی الصورة الثالثة:

أمّا الصورة الثالثة و هی تقیید المسلوب أیضاً بالزمان فیرد علیه: أنّه لا معنی له، توضیحه: إنّ القابل للتقیّد و التحدد بالزمان نفس التلبس بالضرب الذی هو نحو حرکة من العدم إلی الوجود، فإنّه واقع بنفسه فی الزمان ثم إنّ النسبة

ص: 489

الاتحادیة بین الوصف و الموصوف موصوفة بالوقوع فی الزمان بالتبع، أمّا الوصف بما هو وصف غیر واقع فیه، لأنّ الوصف بما هو وصف غیر موجود إلّا بتبع وجود زید متلبساً بالضرب.

التزام المحقق الإصفهانی (قدس سره) بالصورة الثانیة بتقریب آخر:

إنّه (قدس سره) التزم بتصویر تقیید المسلوب عنه بالزمان فقال:((1)) و یمکن إصلاح قیدیة الزمان للمسلوب عنه بتقریب أنّ الثابت الذی له وحدة مستمرّة بلحاظ الوجود و إن لم یتقدر بالزمان (لأنّه شأن الأمر غیرِالقارّ) لکنّه (أی هذا الأمر الثابت مثل زید) مع کلّ جزء من أجزاء الزمان و بهذا الاعتبار (معیّة زید مع أجزاء الزمان) یقال بمرور الزمان علیه.

فصح أن یلاحظ زید مع جزء من الزمان الذی له المعیة معه فیسلب عنه (مطلقاً) مطلق الوصف. (صحة السلب عن زید المقید بالزمان صحة السلب المطلق). تمّ کلامه رفع مقامه.

ملاحظة علی نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی کلامه الأخیر:

یمکن أن یقال: إنّ ما صحّحه به تقیید المسلوب عنه بالزمان یجری بالنسبة إلی تقیید المسلوب (أی المشتق) بالزمان أیضاً حیث قال قبل أسطر: «لأنّ الوصف بما هو وصف غیر موجود إلّا بتبع وجود زید متلبساً بالضرب» فلهذا للوصف أیضاً بتبع موصوفه معیّة مع أجزاء الزمان فیمکن تقییده بالزمان.

و هکذا فی تقیید السلب بالزمان فإنّ السلب لیس عدماً مطلقاً بل هو عدم مضاف فله معیة مع أجزاء الزمان باعتبار المضاف إلیه.

ص: 490


1- نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ج1، ص200.
النظریة المختارة:

مقتضی التحقیق فی المسألة بعد اختیار نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) و بیان الملاحظة علی بعض ما یتعلق به، هو أنّ هنا أربعة أمور کلّها علامة علی عدم وضع المشتق للمعنی الأعمّ:

الأوّل: صحة السلب بالحمل الأوّلی.

الثانی: صحة السلب بتقیید المسلوب عنه.

الثالث: صحة السلب بتقیید المسلوب.

الرابع: صحة السلب بتقیید السلب.

الدلیل الثالث: برهان التضاد بین المفاهیم
اشارة

قرّره صاحب الکفایة (قدس سره) نقلاً عن صاحب البدائع (قدس سره) . (1)

بیان ذلک: إنّه لا ریب فی مضادّة الصفات المتقابلة المأخوذة من المبادی

ص: 491


1- . بدائع الأفکار، ص181: «و قد یستدلّ أیضاً بما أشار إلیه العضدی معارضة لبعض أدلّته النافی الآتی و ارتضاه المحقق القمّی (رحمة الله) أیضاً و بیانه علی ما فی حاشیة المحقق الشّریف و الباغنوی هو أنّ صدق الأبیض حقیقة علی الجسم بعد عروض البیاض له کما یدّعیه النافی للاشتراط ملزوم لمحال و هو اجتماع الضدین و ملزوم المحال محال بیان الملازمة أنّ صدق الأبیض علی الجسم المتحد فی الخارج مع مفهوم الأسود لایکون إلّا مع وجود مفهوم أبیض فی ذلک الجسم و اتحاده معه فی الوجود ضرورة توقف الصّدق الحقیقی علی وجود مفهوم اللّفظ فی المصداق و من الواضح تضادّ مفهوم أبیض مع مفهوم أسود و استحالة تصادقهما فی موضوع واحد فی آنٍ واحد و بعبارة أخری إنّ مفهوم أبیض بعد عروض السّواد إن کان فانیاً کان الصّدق مجازیاً و إلّا لزم تصادق المتضادین قلت و هذا الاستدلال فی غایة السقوط و نهایة الفساد لأنّ مفهوم أبیض علی القول بعدم اشتراط بقاء المبدأ فی صدق المشتق لیس مضاداً لمفهوم أسود بل النسبة بینهما علی هذا القول نسبة التخالف بطریق العموم من وجه لا نسبة التضاد کما لایخفی فالجسم العارض له السواد بناء علی هذا القول مادة لاجتماع المفهومین فلا إشکال». و فی القوانین، ص76: «الثالث أنّه إذا کان جسم أبیض صار أسوداً فینعدم عنه حینئذٍ مفهوم الأبیض جزماً و إلّا للزم اجتماع المتضادین فإطلاق لفظ الأبیض حین انعدام مفهومه إطلاق علی غیر ما وضع له و یرد علی أنّه إنّما یسلّم لو لم یکن مراد من لایشترط بقاء المبدأ هو المعنی العام و إلّا فلا منافاة حینئذٍ و لایلزم اجتماع الضدین». و فی هدایة المسترشدین، ص383، «ثالثها: أنّها لو کانت موضوعة للأعم لصحّ إطلاق القاعد علی القائم و القائم علی القاعد و النائم علی المستیقظ و المستیقظ علی النائم و نحوها و من الواضح فساده و کذا یلزم صحة إطلاق الکافر علی المؤمن و المؤمن علی الکافر و لیس کذلک و إلّا لکان جملة من أکابر الصحابة کفاراً علی الحقیقة و المرتد عن الدین مؤمناً علی الحقیقة و لیس کذلک إجماعاً». و راجع أیضاً الکفایة، ص45 و مقالات الأصول، ص186 و منتهی الأصول، ص104.

المتضادة علی ما ارتکز لها (لتلک الصفات) من المعانی مثل العالم و الجاهل المأخوذ من العلم و الجهل.

فلو کان المشتق حقیقة فی الأعمّ لما کان بینها مضادّة بل مخالفة لتصادقها فی ما انقضی عنه المبدأ و تلبس بالمبدأ الآخر، فارتکاز التضاد بین هذه العناوین بمعانیها من دون وجود قرینة فی البین دلیل علی الوضع للمتلبّس.

استشکل علیه بعض الأساطین (حفظه الله):

(1)

إنّ هذا الاستدلال لیس دلیلاً علی حدة غیر التبادر، فإنّ مفاد الاستدلال یرجع إلی أنّ المعنی المتبادر من حاقّ لفظ «قائم» هو ضد المعنی المتبادر من حاقّ لفظ «قاعد» مثلاً و التضاد بین المعنیین المرتکزین متفرّع علی التبادر المذکور.

ص: 492


1- . تحقیق الأصول، ج1، ص395. و فی هدایة المسترشدین، ص383: «و أجیب أوّلاً: بالتزام المنع و التخصیص فی محل النزاع لطریان الضد الوجودی فی المقام و محل النزاع ما إذا لم یطرأ ذلک و کون المبدأ ثبوتیاً فی بعضها و محل النزاع ما إذا کان حدوثیاً و قد عرفت ما فیه؛ ثانیاً: بأنّ ذلک معارض بأنّه لو کان موضوعاً للحال لما صحّ إطلاق القاتل و الضارب و الجارح و البائع و المشتری و نحوها علی من انقضی عنه المبدأ إلّا علی سبیل المجاز مع أنّ ملاحظة الاستعمالات تشهد بخلافه». و فی مباحث الأصول، ص196: «و یمکن المناقشة فی ذلک بأنّ التضاد حکم عقلی لاینوط بالأوضاع و لایرتبط به الأوضاع و حقیقة التضاد فی التشخص الذی هو الوجود و جریانه فی المفاهیم و الکلیات أمر بالعرض فالتضاد بین "القائم" و "القاعد" لیس إلّا التضاد بین القیام و القعود وافق الوضع فی العنوانین أو لا و اللازم فی التضاد المعتبر فیه وحدات التناقض اجتماع الوجودین المتخالفین فی موضوع واحد بتلک الوحدات فتضاد العنوانین یتبع تضادهما و لیس للعقل فیهما حکم مستقلاً بالتضاد حتی یتبع الوضع أو یعرف الوضع و لیس شیئاً یعرف من قبل الوضع و لا من العرف العارف بالوضع و لا ربط لشیء من الوضع و التضاد بالآخر». و راجع أیضاً تعلیقة علی معالم الأصول، ج2، ص458؛ و تحریرات فی الأصول، ص351.
یلاحظ علیه:

إنّ التضادّ المتفاهم معلول للعلم الإجمالی بالمعنی الموضوع له ارتکازاً و کاشف عنه کما أنّ التبادر أیضا معلول للعلم بالوضع.

و هنا أدلّة أخری لا یهمّنا التعرض بها، احترازاً عن التطویل. ((1))

ص: 493


1- هنا أدلّة أخری أیضاً: 1) فی القوانین، ص76: «الرابع إنّا لانفهم من لفظ المشتق إلّا الذات المبهمة و الحدث و النسبة و لکن یتبادر منه حصول المبدأ فی زمان صدق النسبة الحکمیة» الخ. 2) فی تعلیقة علی معالم الأصول، ج2، ص 458 و 459: «و منها: أنّ حال المشتقات کالجوامد فی اعتبار فعلیة الاتصاف بمبادئها. ألا تری أنّ الماء و النار لایصدقان إلّا مع بقاء وصف المائیة و الناریة فکذلک المشتق فإنّه لایصدق إلّا مع بقاء وصف المبدأ». 3) فی تعلیقة علی معالم الأصول، ج2، ص459: «و منها: إنّه لولا اعتبار بقاء المبدأ فی الصدق لجاز ترتیب آثار العدالة علی من کان عادلاً ففسق أو آثار الفسق علی من کان فاسقاً فعدل و هذا ضروی البطلان». 4) فی درر الفوائد، ص62: «و الدلیل علی ذلک أنّک عرفت عدم اعتبار المضی و الاستقبال و الحال فی معانی الأسماء و بعد ما فرضنا عدم اعتبار ما ذکر فی مثل ضارب و أمثاله من المشتقات فلم یکن مفاهیمها إلّا ما أخذ من الذوات مع اعتبار تلبسها بالمبادی الخاصة إمّا علی نحو التقیید و الترکیب و إمّا علی نحو انتزاع المعنی کما سیأتی و علی أی حال المعنی المتحقق بالذات و المبدأ من دون اعتبار أمر زائد لایصدق إلّا علی الذات مع المبدأ لدخالة المبدأ فی تحقق المعنی بنحو من الدخالة» الخ. 5) فی وقایة الأذهان، ص175: «الحق أنّها حقیقة فی المتلبس به فی ظرف الحمل و زمان النسبة کما فی الجوامد فی العناوین المنتزعة من الذات بما هی ذات فکما أنّ الحجر لایصدق علی ما کان حجراً سابقاً و النطفة علی من هو إنسان فعلاً فکذلک الضارب و نحوه إذ لا فرق بین الجوامد و بین المشتقات من هذه الجهة و هذا لوضوحه غنی عن إطالة البیان و مع ذلک یرد علی من یجعله حقیقة فیما انقضی عنه المبدأ أن یکون المشتق مشترکاً بین الحال و الاستقبال فیلزم أن یتوقف بینهما إذا ورد اللفظ مجرّداً عن القرینة و یحتاج فی التعیین إلی القرینة و الوجدان یدلّ علی خلافه إلّا أن یتمسک الخصم بالتبادر الإطلاقی نظراً إلی کثرة استعماله فی الحال و هو ممنوع. هذا علی أنّ لازم مذهبه أن یصح قول القائل: "زید ضارب" فعلاً فی المستقبل و هذا لوضوحه لاینبغی أن یکون محطاً لأنظار العلماء». 6) فی مقالات الأصول، ص186: «یکفی له مساعدة الوجدان بعدم صدق الفارغ علی المشتغل و بالعکس». 7) فی مناهج الوصول، ص214: «و قد یستدلّ بوجوه عقلیة: من أنّ الحمل و الجری لابدّ له من خصوصیة و إلّا لزم حمل کل شیء علی کل شیء و هی نفس المبادئ القائمة بالذوات و لایمکن الحمل علی الفاقد المنقضی عنه المبدأ فلابدّ للقائل بالأعمّ أمّا إنکار الخصوصیة فی الجری و هو خلاف الضرورة أو دعوی بقاء الخصوصیة بعد الانقضاء و لیس بعده شیء إلّا بعض العناوین الانتزاعیة. هذا و فیه: أنّ هذا الوجه إن رجع إلی التبادر فوجیه بأن یقال: إنّ المشتق یتبادر منه المتلبس بالفعل و إلّا فالحمل و الجری متأخران عمّا هو محل البحث فلو وضع اللفظ لمعنی أعمّ یکون الحمل صحیحاً بعد الانقضاء علی فرض تصویر الجامع». 8) فی بحوث فی علم الأصول، ص374: «الواقع أنّ قلیلاً من التدبّر و التأمّل فی إطلاقات المشتق کافٍ فی رأینا للجزم بوضعها للمتلبس بالمبدأ خاصة لأنّ المشتق له مادة و هیئة، أمّا المادة فموضوعة للدلالة علی الحدث و أمّا الهیأة فللدلالة علی نسبة ذلک الحدث إلی الذات و تلبّسها به علی اختلاف أنحائه و کیفیاته و هی فرع وجود الحدث و عدم انقضائه».

ص: 494

أدلة القائلین بالوضع للأعم ثلاثة:
الدلیل الأوّل: التبادر
اشارة

((1))

إیراد علی الدلیل الأوّل:

فیه ما عرفت من أنّ المتبادر هو خصوص حال التلبس.

الدلیل الثانی:
اشارة

(2)

و هو عدم صحة السلب فی مضروب و قاتل عمّن انقضی عنه المبدأ.

ص: 495


1- فی هدایة المسترشدین، ص372: «ثانیها: التبادر، إذ المتبادر من القاتل و الضارب و المحسن و المکرم و البائع و المشتری و نحوها هو من تحقق منه تلک المبادئ سواء کان فی حال صدوره أو بعدها». و قال فی الجواب عنه فی ص376: «و أمّا عن الثانی فبما عرفت من انتقاضه بتبادر خلافه أیضاً فی موارد کثیرة أخری علی أنّ تبادر القدر المشترک منها فی الأمثلة المذکورة محل نظر حسب ما یأتی بیانه إن شاء الله تعالی». و فی الکفایة، ص48: «الأوّل: التبادر و قد عرفت أنّ المتبادر هو خصوص حال التلبس». و فی مناهج الوصول، ص215: «منها: دعوی التبادر فی مثل "المقتول" و "المضروب" حتی التجأ بعض الأعاظم إلی إخراج اسم المفعول عن محط النزاع قائلاً: إنّ اسم المفعول موضوع لمن وقع علیه الحدث و هو أمر لایعقل فیه الانقضاء و فیه: منع التبادر و إنّما استعمال "المضروب" و "المقتول" و أمثالهما بلحاظ حال التلبس و إلّا فالضاربیة و المضروبیة متضایفان عرفاً فلا فرق بینهما مع أنّ لقائل أن یعارضه و یقول: إنّ اسم الفاعل وضع لمن صدر منه الضرب و هو أمر لایعقل فیه الانقضاء ثمّ العجب منه (رحمة الله) مع إشکاله فی تصویر الجامع التزم بالأعم».
2- . فی هدایة المسترشدین، ص372: «ثالثها: عدم صحة السلب إذ لایصحّ سلب القاتل و الضارب مطلقاً عمّن وقع منه القتل أو الضرب و انقضی فیفید ذلک اندراجه فی المفهوم المذکور فیکون موضوعاً لما یعمّه». و قال فی الجواب عنه فی ص376: «و أمّا عن الثالث فبأنّه إن أرید بذلک عدم صحة سلب الضارب عنه بالنسبة إلی ماضی النطق و إن کان بملاحظة حال تلبسه به فممنوع و لایفید إلّا کونه حقیقة فی حال التلبس و هو کما عرفت خارج عن محل البحث و إن أرید عدم صحة سلبه عنه بحسب حال النطق نظراً إلی تلبسه به فی الماضی فممنوع علی أنّه معارض بصحة السلب فی أمثلة کثیرة أخری ممّا تقدّم الإشارة إلیها» و فی الکفایة، ص48: «الثانی: عدم صحة السلب فی مضروب و مقتول عمّن انقضی عنه المبدأ و فیه: إنّ عدم صحته فی مثلهما إنّما هو لأجل أنّه أرید من المبدأ معنی یکون التلبس به باقیاً فی الحال و لو مجازاً».
الإیراد علی الدلیل الثانی:

قد أشبعنا الکلام حول المثالین فی بحث أنحاء التلبس فراجع.

الدلیل الثالث:
اشارة

((1))

و هو استدلال الإمام (علیه السلام) بقوله تعالی: (لَا ینَالُ عَهْدِی الظَّالِمِینَ)((2)) علی أنّ من کان من عبدة الأوثان فی بعض أیّام عمره یکون ظالماً لقوله تعالی: (إِنَّ

ص: 496


1- فی هدایة المسترشدین، ص 373 و 374: «عاشرها: ما یستفاد من ظاهر غیر واحد من الأخبار: فعن الصادق (علیه السلام) بعد ذکر قوله تعالی: (لَا ینَالُ عَهْدِی الظَّالِمِینَ): ( البقرة:124) «من عبد صنماً أو وثناً لایکون إماماً» و لیس الوجه فی ذلک إلّا صدق الظالم علیه بذلک و إن تاب عنه و فی خبر آخر عن النبی (صلی الله علیه و آله و سلم) أنّه قال: «أنّا دعوة أبی إبراهیم» فسئل عن ذلک فذکر (صلی الله علیه و آله و سلم) ما أوحی الله إلی إبراهیم من جعله إماماً للناس و سؤاله ذلک لبعض ذریته إلی أن قال: «قال لاأعطیک لظالم من ذریتک عهداً» فقال إبراهیم عندها: «و اجنبنی و بنی أن نعبد الأصنام»، قال (صلی الله علیه و آله و سلم): «فانتهت الدعوة إلی و إنی و علی لم نسجد للصنم و اتخذنی نبیاً و اتخذ علیاً وصیاً» فإنّ الظاهر من سیاقه أنّ من سجد للصنم لایناله العهد و لیس ذلک إلّا لاندراجه فی الظالم». و فی الکفایة، ص49: «الثالث: استدلال الإمام (علیه السلام) تأسیاً بالنبی (صلی الله علیه و آله و سلم) کما عن غیر واحد من الأخبار بقوله:(لَا ینَالُ عَهْدِی الظَّالِمِینَ)علی عدم لیاقة من عبد صنماً أو وثناً لمنصب الإمامة و الخلافة تعریضاً بمن تصدّی لها ممّن عبد الصنم مدة مدیدة و من الواضح توقف ذلک علی کون المشتق موضوعاً للأعم و إلّا لما صحّ التعریض لانقضاء تلبسهم بالظلم و عبادتهم للصنم حین التصدی للخلافة». و فی عنایة الأصول، ص146: «هذا من أهمّ الوجوه التی تمسّک بها القائلون بوضع المشتق للأعم و قد تعرضه من بین الأصولیین صاحب البدائع (رحمة الله)».
2- سورة البقرة(2):124.

الشِّرْکَ لَظُلْمٌ عَظِیمٌ)((1)) فلایناله عهد الخلافة و منصب الإمامة و هذا الاستدلال متفرّع علی الوضع للأعم و إلّا لو ادّعی انقضاء المبدأ (عبادة الأوثان) فلایصدق الظالم.

إیراد علی الدلیل الثالث:

(2)

إنّ معنی الآیة الشریفة هو أنّ من تلبس بالظلم و صدق علیه الظالم لایناله عهدالله و هو انتصابه لمنصب الخلافة الإلهیة لا حین الظلم و لا بعده فإنّ الظالم

ص: 497


1- سورة لقمان(31):13.
2- . فی الکفایة، ص49: «الجواب منع التوقف علی ذلک بل یتمّ الاستدلال و لو کان موضوعاً لخصوص المتلبس و توضیح ذلک یتوقف علی تمهید مقدمة و هی: إنّ الأوصاف العنوانیة التی تؤخذ فی موضوعات الأحکام تکون علی أقسام: أحدها: أن یکون أخذ العنوان لمجرّد الإشارة إلی ما هو فی الحقیقة موضوعاً للحکم لمعهودیته بهذا العنوان من دون دخل لاتصافه به فی الحکم أصلاً. ثانیها: أن یکون لأجل الإشارة إلی علیة المبدأ للحکم مع کفایة مجرّد صحة جری المشتق علیه و لو فیما مضی. ثالثها: أن یکون لذلک مع عدم الکفایة بل کان الحکم دائراً مدار صحة الجری علیه و اتصافه به حدوثاً و بقاءً. إذا عرفت هذا فنقول: إنّ الاستدلال بهذا الوجه إنّما یتمّ لو کان أخذ العنوان فی الآیة الشریفة علی النحو الأخیر» الخ. و فی درر الفوائد، ص63: «و الجواب أنّ الظلم علی قسمین قسم له دوام و استمرار مثل الکفر و الشرک و قسم لیس له إلّا وجود إنّی من قبیل الضرب و القتل و أمثال ذلک و هو بمقتضی الإطلاق بکلا قسمیه موضوع للقضیة و الحکم المرتب علی ذلک الموضوع أمر له استمرار إذ لا معنی لعدم نیل الخلافة فی الآن العقلی فإذا جعل الموضوع الذی لیس له إلّا وجود إنّی موضوعاً لأمر مستمر یعلم أنّ الموضوع لذلک الأمر لیس إلّا نفس ذلک الوجود الإنّی و لیس لبقائه دخل إذ لا بقاء له بمقتضی الفرض» الخ. و فی عنایة الأصول، ص148 بعد ذکر جواب المصنف: «لا محیص فی المشتق المأخوذ موضوعاً فی الآیات الثلاث و أمثالها عن الالتزام بکونه مستعملاً فی الأعم و إن الموضوع للحکم فیها هو عنوان من تلبس بالزنی أو السرقة أو الظلم سواء کان المبدأ باقیاً أو زائلاً و نجیب حینئذٍ عن المستدل باستدلال الإمام علیه السلام انّ استدلال الإمام و إن کان مبنیاً علی استعمال المشتق فی الآیة الشریفة فی الأعم أی فیمن تلبس بالظلم سواء کان الظلم باقیاً أو زائلاً و لکنّ الاستعمال فیه أعمّ من الحقیقة کما أشیر قبلاً فی تعارض الأحوال فتذکر». و راجع أیضاً فوائد الأصول، ص126 و منتهی الأصول، ص105 و مناهج الوصول، ص217 و المحاضرات، ط.ق. ج1، ص259 و ط.ج. ص295 و مباحث الأصول، ص 217 – 219.

استعمل فی خصوص المتلبس و لایعمّ المنقضی عنه المبدأ و المستدل توهم أنّ استدلال الإمام (علیه السلام) متوقف علی تعمیم عنوان الظالم و لکن الاستدلال لایتوقف علیه بل الظالم مختص بمن تلبس و لکن الحکم یعمّ زمان الحال و الاستقبال کما هو ظاهر الآیة الشریفة.

ص: 498

تنبیهات مسألة المشتق

اشارة

إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) أشار إلی تنبیهات فی آخر بحث المشتق، فإنّ التنبیه الأوّل و الثانی مرتبط بتفسیر المحمول الذی هو المشتق و التنبیه الثالث إلی السادس مرتبط ببیان رابطة الموضوع (أی الذات) و المحمول (أی المشتق).

توضیح ذلک: إنّ التنبیه الأوّل لبیان بساطة المشتق أو ترکیبها((1)) و التنبیه الثانی لبیان نسبة المشتق و المبدأ کما أنّ التنبیه الثالث لبیان رابطة ذات الموضوع و المشتق و أمّا سائر التنبیهات فهی لبیان رابطة ذات الموضوع و المبدأ.

فلنشرع فی بیان اهم التنبیهات تفصیلاً:

ص: 499


1- فی فوائد الأصول، ص103: «هو من أشکل الأمور المبحوث عنها فی المشتق».
التنبیه الأوّل: هل یکون المشتق بسیطاً أو مرکباً؟ (هنا مطلبان)
اشارة

((1))

قال بعض الأعلام((2)) ببساطة المشتق مثل المحقق الخراسانی((3))و المحقق النائینی و المحقق الإصفهانی((4)) و المحقق العراقی و المحقق الدوانی (قدس سرهم) و السیّد الشریف الجرجانی.

ص: 500


1- فی تعلیقة علی معالم الأصول، ج2، ص410: «و قد یفصل فی المقام بین ما لو کان المشتق للثبوت کالأبیض و الأسود و الحسن و القبیح و العطشان و الجوعان و الشریف و الظریف و الطاهر و النجس و ما أشبه ذلک فإنّ المنساق منها - حسبما یجده الذوق السلیم و الوجدان المستقیم- لیس إلّا أموراً بسیطة ... و بین ما لو کان للحدوث کالضارب و القاتل و الناصر و البایع و ما أشبه ذلک فإنّ معانیها مفاهیم مرکبة تتضمّن نسباً إجمالیة ... و هذا التفصیل قد استفدناه من بعض مشایخنا (حفظه الله) فالأقوال ثلاث» و فی تعلیقة حفید المؤلف السیّد علی الموسوی القزوینی: «من المظنون قویاً أنّه هو الشیخ الأعظم (قدس سره) ».
2- فی نهایة النهایة، ص76: «و التحقیق أنّ مفهوم المشتق مفهوم واحد بسیط أعنی به الذات مقیدة بقید التخصص بالمبدأ بضرب من التخصص و من أجله لایحمل إلّا علی الذات المزبورة و أمّا الفعل فهو بعکس ذلک لأنّ مفهومه الحدث المتخصص بالذات المتعلق و المرتبط به بنحو من التعلق و الارتباط» الخ. و فی حاشیة علی کفایة الأصول، ص134: «إنّ مفهوم المشتق علی ما أفاده السید الأستاذ أمر بسیط و مفهوم واحد لا ترکیب فیه أصلاً خلافاً لمن ذهب إلی أخذ الذات أو الشیء فی مفهومه».
3- فی الکفایة، ص51: «الأوّل إنّ مفهوم المشتق - علی ما حقّقه المحقق الشریف فی بعض حواشیه-: بسیط منتزع عن الذات - باعتبار تلبسها بالمبدأ و اتصافها به- غیر مرکب». و فی نهایة النهایة، ص75 فی التعلیقة علی قوله: «بسیط منتزع عن الذات»: «یعنی بذلک أنّ الصورة الوحدانیة التی تقع فی النفس عند مشاهدة زید قائماً و علی صفة القیام و عمرو علی هیأة القعود و نحوهما بسیطة منتزعة عن الذات باعتبار تلبّسها بالمبدأ» الخ.
4- إنّ المحقق الخوئی (قدس سره) عدّه من القائلین بالترکیب (المحاضرات، ط.ق. ج1، ص267 و ط.ج. ص304) و لکن سیجیء أنّه قائل بالبساطة العنوانیة (نهایة الدرایة، ج1، ص219) و لاینافی ذلک قوله بالترکیب من جهة أخری، کما سیأتی بیانه إن شاء الله تعالی.

و خالفهم شارح المطالع و المحقق الخوئی (قدس سره) و بعض الأساطین (حفظه الله) و السیّد الصدر (قدس سره) . ((1))

و هذا البحث وقع أوّلاً بین المنطقیین، فقال صاحب المطالع فی تعریف الفکر إنّه «ترتیب أمور معلومة لتحصیل أمر مجهول».

و ربما یورد علیه بالحدّ أو الرسم الناقص حیث لیس فیهما إلّا أمر واحد، لا أمور معلومة.

و أجاب عنه صاحب المطالع بأنّ الفصل و الخاصّة بحسب الواقع مرکّبان من أمرین (أی الذات و المبدأ).((2))

و استشکل علیه السیّد الشریف الجرجانی فی حاشیة المطالع بأنّ المشتق أمر

ص: 501


1- و فی الرافد، ص335: «إنّ مختارنا هو کون المشتق عنواناً انتزاعیاً و العناوین الانتزاعیة بسیطة فی عالم التصوّر مرکبة فی عالم التحلیل ... و الفرق بین الترکیب الماهوی المتحقق فی مفهوم الإنسان و الترکیب التحلیلی المتحقق فی مفهوم المشتق أمران: أ- إنّ العناصر التی ینحلّ لها المفهوم الماهوی للإنسان ذات دور واحد و هو دور تقویم الماهیة فإنّ الحیوانیة و الناطقیة کلاهما عنصران مقوّمان لمفهوم الإنسان بینما العناصر التی ینحلّ لها مفهوم المشتق ذات دور مختلف ... ب- إنّ الترکیب الماهوی لمفهوم الإنسان طارئ علیه بینما الترکیب التحلیلی لمفهوم المشتق سابق علیه و لاحق به» ثمّ قال: «النقطة الثالثة: إنّ دلیلنا علی مختارنا - و هو البساطة اللحاظیة مع الترکیب التحلیلی- هو الوجدان فإنّ الوجدان شاهد بأنّ المتبادر العرفی من لفظ المشتق حین إطلاقه هو صورة واحدة لا متعدّدة و لکن مع التأمل العقلی یتبین الترکیب التحلیلی فیه» الخ.
2- فی تعلیقة فوائد الأصول، ص109: «إلیک نصّ عبارته: و إنّما قال أمور لأنّ الترتیب لایتصور فی أمر واحد و المراد منها ما فوق الواحد ثمّ قال الشارح: و الإشکال الذی استصعبه قوم بأنّه لایشتمل تعریف النظر التعریف بالفصل وحده أو بالخاصة وحدها حتی غیروا التعریف إلی ترتیب أمر أو أمور فلیس من تلک الصعوبة فی شیء و ذلک لأنّ التعریف بالمفردات إنّما یکون بالمشتقات و المشتق و إن کان فی اللفظ مفرداً إلّا أنّ معناه شیء له المشتق منه فیکون من حیث المعنی مرکباً».

بسیط منتزع عن الذات باعتبار تلبّسها بالمبدأ، ثمّ استدلّ علی استحالة ترکیبه بما سیأتی إن شاء الله تعالی.((1))

ص: 502


1- فی حقائق الأصول، ص120 عند التعلیقة علی قوله: «و قد أفاد فی وجه ذلک»: «ذکر هذا فی حاشیته علی شرح المطالع بعد ما عرف ماتنه النظر بأنّه ترتب أمور... الخ فذکر الشارح: إنّما قال أمور لأنّ الترتیب لایتصور فی الأمر الواحد... إلی أن قال: و الإشکال الذی استصعبه قوم من أنّه لایشمل التعریف بالفصل وحده أو بالخاصة وحدها فلیس فی تلک الصعوبة فی شیء لأنّ التعریف بالمفردات إنّما یکون بالمشتقات و المشتق و إن کان فی اللفظ مفرداً إلّا أنّ معناه شیء له المشتق فیکون من حیث المعنی مرکباً فأورد الشریف فی حاشیته علیه بأنّ مفهوم الشیء لایعتبر ... الخ».
المطلب الأوّل: فی المراد من البساطة (هنا قولان)
اشارة

قد اختلف فی أنّ المراد هنا من البساطة((1)) هل هی البساطة الإدراکیة أو البساطة التحلیلیة.

فإنّ بعض المحققین((2))مثل صاحب الکفایة (قدس سره) و المحقق الحائری (قدس سره) قالوا: إنّ محل النزاع البساطة المفهومیة و الإدراکیة و اللحاظیة((3)) و لکن جمع من

ص: 503


1- فی الرافد، ص271: «الأمر الأوّل: فی بیان معانی الترکیب و البساطة و هی أربعة: المعنی الأوّل: الترکیب اللفظی و هو الذی عبّر عنه علماء النحو و علماء المنطق بقولهم: "المرکب ما دلّ جزؤه علی جزء معناه" کغلام زید ... المعنی الثانی: الترکیب اللحاظی و المقصود منه: أنّ لفظ المشتق إذا خطر فی الذهن فهل تخطر معه صورتان أم صورة واحدة؟ ... المعنی الثالث: الترکیب الماهوی و المراد به: انحلال الماهیة عند التأمل العقلی لجزءین عقلیین و هما ما به الاشتراک و ما به الامتیاز ... المعنی الرابع: الترکیب الإسنادی و المقصود به: أنّ مفهوم المشتق هل هو مفهوم إسنادی أخذت الذات فیه أم أنّه مفهوم إفرادی لا دخالة للذات فیه بغض النظر عن کون ماهیة المشتق فی واقعها ماهیة بسیطة أم مرکبة» الخ.
2- فی وسیلة الوصول، ص166: «المراد بالبساطة و الترکیب البساطة و الترکیب بحسب المفهوم لا بحسب الذات إذ قد یکون الشیء مرکباً ذاتاً من الجنس و الفصل و المادة و الصورة و یکون بسیطاً مفهوماً کالإنسان - مثلاً- » الخ
3- و البسیط بهذا المعنی هو مختار المحقق الحائری (قدس سره) قال فی درر الفوائد، ص66: «هل یکون هذا المفهوم مرکباً من الذات و غیرها کما اشتهر فی ألسنتهم من أنّ معنی الضارب مثلاً ذات ثبت له الضرب و کذا باقی المشتقات أو لایکون کذلک بل هو مفهوم واحد من دون اعتبار ترکیب فیه و إن جاز التحلیل فی مقام شرح المفهوم کما یصحّ أن یقال فی مقام شرح مفهوم الحجر أنّه شیء أو ذات ثبت له الحجریة الحق هو الثانی لأنّا بعد المراجعة إلی أنفسنا لانفهم من لفظ ضارب مثلاً إلّا معنی یعبّر عنه بالفارسیة (به زننده) و بعبارة أخری (دارای ضرب) و لا إشکال فی وحدة هذا المفهوم الذی ذکرنا و إن جاز فی مقام الشرح أن یقال شیء أو ذات ثبت له الضرب».

الأعلام((1)) مثل المحقق النائینی و المحقق الإصفهانی و المحقق الخوئی (قدس سرهم) قالوا: إنّ البحث فی البساطة التحلیلیة.((2))

القول الأوّل: البساطة الإدراکیة

قال به المحقق الخراسانی (قدس سره) ((3)) و هو المختار.

«لایخفی أنّ معنی البساطة بحسب المفهوم وحدته إدراکاً و تصوراً، بحیث لایتصور عند تصوّره إلّا شیء واحد لا شیئان و إن انحلّ بتعمّل من العقل إلی شیئین((4)) کانحلال مفهوم الشجر و الحجر إلی شیء له الحجریة و الشجریة مع وضوح بساطة مفهومهما و بالجملة لاینثلم بالانحلال إلی الإثنینیة بالتعمل

ص: 504


1- فی وقایة الأذهان، ص170: «لا شک أنّ المشتق دال واحد علی معنی واحد و هذا من الوضوح ممّا لایرتاب فیه أحد و القائل بالترکیب فی معناه لایرید به هذا المعنی و إنّما یرید به کونه ذا أجزاء و أنّه قابل للتحلیل إلیها و فی مقابل هذا القول أنّه بسیط لایقبل الانحلال و إن کان منشؤه ذا أجزاء فعلیة اللّهم إلّا باللحاظ الثانوی الذی هو حقیقة غیر معنی المشتق فإنّه لایضرّ بالبساطة» و فی نهایة الأصول، ص69: «انّ النزاع بین المحقق الشریف و بین خصمه لیس فی بساطة مفهوم المشتق و ترکّبه عند النظر إلیه إجمالاً بل فی بساطته و ترکّبه عند التحلیل العقلی و النظر الدقیق الفلسفی کیف و لاینسب إلی البلهاء أیضاً النزاع فی أنّ مفهوم المشتق هل هو بسیط أو مرکب عند النظر الإجمالی و المسامحی فکیف ینسب إلی المحققین و المدققین». و راجع أیضاً جواهر الأصول، ص83 و منتقی الأصول، ص354 و بحوث فی علم الأصول، ص320 و مباحث الأصول، ص220 و الرافد، ص274.
2- فی حاشیته علی کفایة الأصول، ص140 اختار کون المشتق بسیطاً بهذا المعنی.
3- کفایة الأصول، ص 54 و 55.
4- قال فی نهایة النهایة، ص80 فی توضیحه: «لکن ذلک لایضرّ ببساطة المعنی الموضوع له لأنّ الصورة الانحلالیة العقلیة لم توضع اللفظ لها بل الصورة الواحدة البسیطة الحاصلة فی النفس ابتدأ و فی بدو النظر هی التی وضع اللفظ بإزائها فلا منافاة بین الالتزام بهذا المعنی و القول ببساطة المعانی الاشتقاقیة».

العقلی وحدة المعنی و بساطة المفهوم کما لایخفی و إلی ذلک یرجع الإجمال و التفصیل الفارقان بین المحدود و الحد مع ما هما علیه من الاتحاد ذاتاً، فالعقل بالتعمل یحلل النوع و یفصّله إلی جنس و فصل بعد ما کان أمراً واحداً إدراکاً و شیئاً فارداً تصوراً فالتحلیل یوجب فتق ما هو علیه من الجمع و الرتق.»

القول الثانی: البساطة التحلیلیة
نظریة المحقق النائینی (قدس سره):
اشارة

((1))

الغرض من البساطة و الترکّب هی البساطة و الترکب بحسب التحلیل العقلی و إلّا فلا ریب فی أنّ مفهوم المشتق لیس مرکباً من مفاهیم تفصیلیة و هی مفهوم «ذات ثبت له المبدأ» و القائل بالترکب یسلّم وحدة المفهوم، غایة الأمر یدّعی انحلاله إلی أمور متعددة فی العقل، بداهة أنّ لازم الترکب المفهومی هو انقلاب الإدراک التصوری اللازم فی المحمول إلی إدراک تصدیقی و لایلتزم به أحد من القائلین بالترکب.

یلاحظ علی نظریة المحقق النائینی (قدس سره):

إن کان النزاع فی البساطة التحلیلیة لا الإدراکیة و اللحاظیة فکیف یستشکل علی القول بالترکیب بقوله: ((2))

إنّ الواضع الحکیم لابدّ أن یلاحظ فی أوضاعه فائدة مترتّبة علیها، و لاتترتّب فائدة علی أخذ الذات أصلاً فهذا الإشکال یتّجه فی ما إذا کان النزاع فی المعنی

ص: 505


1- أجود التقریرات، ط.مؤسسة صاحب الأمر (عجل الله تعالی فرجه)، ج1، ص95 و راجع أیضاً فوائد الأصول، ص103.
2- أجود التقریرات، ط.مؤسسة صاحب الأمر (عجل الله تعالی فرجه)، ج1، ص99.

الموضوع له.

نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره):
اشارة

((1))

إنّه بعد بیان معنی البساطة اللحاظیة قال: إنّ البساطة اللحاظیة ممّا لم یقع لأحد فیها شک و ریب، إنّما الکلام فی البساطة الحقیقیة من وجهین:

أحدهما: ما هو المعروف الذی استدلّ له السیّد الشریف و هی البساطة من حیث خروج الذات عن المشتقّات و تمحّضها فی المبدأ و النسبة.

ثانیهما: ما ادّعاه المحقق الدوانی (قدس سره) من خروج النسبة کالذات عن المشتقات و تمحّضها فی المبدأ فقط و أنّ الفرق بین مدلول لفظ المشتق و مدلول لفظ المبدأ بالاعتبار.

ملاحظة علی نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره):

إنّه یمکن الملاحظة علی کلام المحقق الإصفهانی (قدس سره) بأنّه یستدل بالوجدان علی إدراک صورة مبهمة متلبّسة بالقیام و یبرهن علی لزوم تلک الصورة المبهمة المقوّمة لعنوان المشتق و إلّا لایصحّ حمل المبدأ علی الذات و یقول فی مقام الاستدلال بالوجدان بأنّا لانشک عند سماع لفظ القائم فی تمثّل صورة مبهمة متلبّسة بالقیام.

فإنّه و إن قال ببساطة المشتق إلّا أنّ تلک الصورة المبهمة عنده هی المدرکة من سماع اللفظ و المحقق الخوئی (قدس سره) یقول: إنّ هذه الصورة المبهمة هی مفهوم الذات خلافاً للمحقق الإصفهانی (قدس سره) حیث یقول: إنّها مبهمة حتی من جهة

ص: 506


1- نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ج1، ص 216 و 218.

کونها ذاتاً و علی أی حال إن لم نتمکّن من تصویر وحدانیّتها -مع إدراک هذه الصورة المبهمة- یلزم ترکب المشتق تصوراً من تلک الصورة المبهمة و المبدأ.

بیان المحقق الخوئی (قدس سره):
اشارة

((1))

إنّ البساطة اللحاظیة لاتصلح لأن تکون محوراً للبحث و مرکزاً لتصادم الأدلّة و البراهین العقلیة، بل لاتقع تحت أی بحث علمی کما لایخفی، بل المرجع فی إثبات البساطة اللحاظیة فهم العرف و مناط البساطة اللحاظیة وحدة المفهوم إدراکاً و وحدة المفهوم فی مرحلة التصوّر فی کل مفهوم و مدلول للفظ واحد ممّا لم یقع لأحد فیه شک و ریب.

یلاحظ علی بیان المحقق الخوئی (قدس سره):

(2)

إن کان البحث فی البساطة التحلیلیة و الترکیب التحلیلی فکیف یستدل علی

ص: 507


1- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص265 و266 و ط.ج. ص304 و فی منتهی الأصول، ص92 بعد اختیاره کون معنی البساطة ما لاینافی التحلیل العقلی: «إن قلت: فما المرکب فی مقابل هذا المعنی؟ لأنّه إذا کان التحلیل العقلی غیر مضرّ بالبساطة فلابدّ أن یکون المفهوم المرکب مرکباً من الصورتین فی الذهن بدون تحلیل من طرف العقل و لیس فی باب المفاهیم الأفرادیة ما یکون کذلک بل جمیع المفاهیم الأفرادیة تأتی بصورة وحدانیة إلی الذهن غایة الأمر العقل یحلّل بعضها إلی أجزاء عقلیة دون بعض آخر».
2- . فی منتهی الأصول، ص92 بعد ذکر الإشکال: «قلت: إنّ المفاهیم من هذه الجهة علی أربعة أقسام: الأوّل - أن یکون فی الذهن مرکباً من صورتین متمایزتین من دون أن تکون وحدانیة فی البین و هذا کمفاهیم الجمل ... و هذا القسم من الترکیب خارج عن محل بحثنا لأنّ کلامنا فی المفاهیم الأفرادیة أی ما یفهم من الألفاظ المفردة و هذا من الجمل و الألفاظ المرکبة. الثانی - أن تأتی إلی الذهن صورة وحدانیة و لکن حیث إنّ ما ینطبق علیه ذلک المفهوم الواحد مرکب خارجی له أجزاء خارجیة و الصورة الذهنیة طبق ما فی الخارج ... و هذا القسم هو محل النزاع فی مسألة المشتق بناء علی ما هو المشهور عند المحققین فمن یقول بالترکیب یقول بأنّ الصورة الذهنیة من المشتق صورة وحدانیة و لکن لها فی الذهن أجزاء من دون احتیاج إلی تحلیل عقلی ... الثالث - أن تأتی إلی الذهن صورة وحدانیة بسیطة بحیث لایمکن تعدّد الأجزاء إلّا بالتحلیل العقلی و ذلک کماهیات الأنواع فی الذهن حیث أنّها مفاهیم بسیطة لا تعدّد فیها إلّا باعتبار التحلیل العقلی فلو کان المشتق من هذا القسم لکان بسیطاً عند جماعة من المحققین خلافاً لشیخنا الأستاذ حیث یراه مرکباً لو کان کذلک. الرابع - هو أن تأتی إلی الذهن صوره بسیطة لایمکن تجزئتها حتی بالتحلیل العقلی و ذلک کمفهوم اسم الجلالة و مفهوم الوجود و شیخنا الأستاذ (قدس سره) یقول: إنّ مفهوم المشتق بناء علی البساطة من هذا القبیل غایة الأمر بالنسبة إلی جزئیة الذات لا مطلقاً».

مختاره و هو الترکیب التحلیلی بالتبادر العرفی وجداناً.((1))

فتحصل من ذلک: أنّ النزاع فی البساطة اللحاظیة و الإدراکیة أو الترکیب اللحاظی و الإدراکی لا البساطة التحلیلیة العقلیة أو الترکیب التحلیلی العقلی.

مع أنّ التحلیل العقلی باب واسع و مع فتح هذا الباب یمکن تحلیل أکثر المشتقات بالأجناس و الفصول فلایبقی للقول بالبساطة مجال((2)) فالحق مع صاحب الکفایة (قدس سره) .

و المتحصل عندنا هو أنّ الذهن یتصور من القائم حقیقتین أحدهما جوهری

ص: 508


1- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص268 و ط.ج. ص306.
2- فی منتهی الأصول، ص91 بعد ذکر معنیین للبساطة و ذهاب شیخه الأستاذ (قدس سره) إلی البساطة الحقیقیة: «لایقال: کیف یقول بالبساطة بهذا المعنی مع أنّ نفس المبدأ لیس بسیطاً هکذا لأنّ العقل یحلّله إلی جنس و فصل فکیف یکون المشتق بسیطاً بهذا المعنی؟ و الحال أنّ البسیط - بهذا المعنی- منحصر بواجب الوجود جلّ جلاله ... (لأنّا نقول): إنّ مقصود شیخنا الأستاذ (قدس سره) من البساطة فی باب المشتق بهذا المعنی لیس أنّه لایحلّلها العقل حتی إلی جنس و فصل لأنّ المبدأ - کما تقدّم- یحلّله العقل إلی جنس و فصل فکیف لایکون المشتق کذلک بل المراد أنّه لیس مرکباً من الذات و المبدأ حتی بالتحلیل العقلی و لبّ هذا الکلام یرجع إلی أنّ الذات خارجة عن مفهوم المشتق رأساً و لذا نقول بأنّها لیست مأخوذة فی مفهوم المشتق حتی عند التحلیل».

و الآخر عرضی و لایمکن اتحادهما مفهوماً و إدراکاً لاختلافهما ذاتاً.

نعم إذا قلنا بالترکیب اللحاظی و الإدرکی من مفهوم الذات أو الصورة المبهمة و مفهوم المبدأ فیلزم الترکیب الحقیقی و التحلیلی أیضاً.

ص: 509

المطلب الثانی: فی استدلال القائلین بالبساطة و الترکیب
اشارة

((1))

الأدلة علی بساطة المشتق خمسة:
اشارة

(2)

الدلیل الأوّل: من السیّد الشریف الجرجانی (قدس سره)
اشارة

إنّ المشتق عنده أمر بسیط منتزع عن الذات باعتبار تلبسها بالمبدأ و قال الجرجانی فی وجه استحالة الترکیب:

ص: 510


1- فی بحوث فی علم الأصول، ص321: «الأقوال فی المشتق من حیث البساطة و الترکیب: 1) ما اختاره المحقق الدوانی و تبعه المحقق النائینی (قدس سرهما) من أنّ المشتق موضوع بمادّته للحدث و بهیئته للدلالة علی أنّه ملحوظ لا بشرط عن الحمل علی الذات بخلاف المصدر الملحوظ بشرط لا عن الحمل. 2) ما یظهر من کلمات المحقق الخراسانی (قدس سره) من دلالة المشتق علی معنی بسیط منتزع عن الذات بلحاظ تلبسها بالمبدأ بحیث تکون نسبته إلیها نسبة العنوان الانتزاعی إلی منشأه و نسبته إلی المبدأ نسبة العنوان المنتزع إلی مصحح الانتزاع. 3 ) ما یظهر من کلمات المحقق العراقی (قدس سره) من أنّ المشتق یدلّ بمادته علی الحدث و بهیئته علی نسبته إلی الذات فیکون مدلول "قائم" مثلاً قیام صادر من ذات. 4) ما یظهر من کلمات المحقق الإصفهانی (قدس سره) و تبعه السید الأستاذ (حفظه الله) من دلالة المشتق علی الذات المنتسب إلیها المبدأ فیکون مدلول "قائم" مثلاً ذات لها القیام» و راجع أیضاً نهایة الأفکار، ص141و منتهی الأصول، ص93 و مباحث الأصول، ص220 و ص243.
2- . و فی درر الفوائد، ص66: «إنّا بعد المراجعة إلی أنفسنا لانفهم من لفظ ضارب مثلاً إلّا معنی یعبّر عنه بالفارسیة (به زننده) و بعبارة أخری (دارای ضرب) و لا إشکال فی وحدة هذا المفهوم الذی ذکرنا و إن جاز فی مقام الشرح أن یقال شیء أو ذات ثبت له الضرب و لیس فی باب فهم معانی الألفاظ شیء أمتن من الرجوع إلی الوجدان». و فی فوائد الأصول، ص106: «الأوّل أنّ المشتق علی ما عرفت مراراً إنّما ینتزع من لحاظ المبدأ لابشرط فلو کانت الذات مأخوذة فی مفهومه و جزء لمدلوله لخرج عن کونه لابشرط إلی بشرط شیء و هذا خلف إذ الفرق بین المشتق و مبدئه لیس إلّا باللابشرطیة و البشرط اللائیة و اعتبار الذات یلازم البشرط الشیئیة و هو خلاف ما اتفقوا علیه. الثانی أنّ الألفاظ موضوعة بإزاء المفاهیم بما أنّها مرآة الحقایق لا بما هی هی حتی یمتنع صدق ما وضع له الألفاظ علی الخارجیات و المفهوم عبارة عن المدرک العقلانی و هو فی غایة البساطة لیس فیه شائبة الترکیب فلایمکن أن یکون مفهوم المشتق مرکباً من الذات و المبدأ». و راجع أیضاً وقایة الأذهان، ص 170 و 171و حاشیة علی کفایة الأصول، ص134 و وسیلة الوصول، ص171 و منتهی الأصول، ص99. و أورد فی تعلیقة علی معالم الأصول، ج2، ص 410 علی بساطة المشتق بقوله:«مع ما فی القول بالأمر البسیط المنتزع من فساده بعدم معقولیة معنی هذه العبارة فإنّ معنی اللفظ الموضوع الدائر فی الاستعمالات الجاری علی لسان کافة أهل اللسان لابدّ و أن یکون أمراً معقولاً مدرکاً بحسب الذهن یعرفه کل أحد و یمتنع کونه وضعاً لما لایعقله أحد أو لایعقله إلّا الأوحدی و نحن لانتعقل من الأمر البسیط المنتزع سوی اللفظ الخالی عن المعنی».

إنّ الشیء لو کان مأخوذاً فی المشتقات فإمّا أن یراد منه مفهوم الشیء و إمّا أن یراد منه مصداق الشیء.

فإن قلنا بأنّ مفهوم الشیء (أو فقل: مفهوم الذات کما قرّره السیّد الخوئی (قدس سره) فی المحاضرات)((1)) معتبر فی مفهوم الناطق فیلزم دخول العرض العام فی الفصل و إن قلنا بأنّ مصداق الشیء معتبر فی مفهوم الناطق فیلزم انقلاب مادة الإمکان الخاص إلی الضرورة، فإنّ جملة: الإنسان ضاحک قضیة ممکنة حیث إنّ الضحک بما له من المعنی ممکن الثبوت للإنسان فلو قلنا باعتبار مصداق الشیء فی الضاحک یکون المعنی: الإنسان الشیء (الإنسان) الذی له الضحک و ثبوت الشیء لنفسه ضروری. هذا ما أفاده السیّد الشریف الجرجانی (قدس سره) .

ص: 511


1- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص269 و ط.ج. ص307.
التحقیق حول استدلال السیّد الشریف علی البساطة:
اشارة

((1))

هنا صورتان:

و لابدّ من تحقیق هذا الاستدلال بملاحظة کلتا الصورتین (أخذ مفهوم الشیء و مصداقه).

الصورة الأولی: أخذ مفهوم الشیء فی المشتق
اشارة

تقریبات ثلاثة للمناقشة فی الصورة الأولی:((2))

قد نوقش فی أخذ مفهوم الشیء فی المشتق بتقریبات:
اشارة

الأوّل ما أفاده السیّد الشریف و الثانی ما أفاده صاحب الفصول (قدس سره) و الثالث ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره) .

ص: 512


1- فی فوائد الأصول، ص116: «علی کل حال لا إشکال فیما ذکره السید الشریف فی کلا شقی التردید و إن کان الأولی تبدیل الشق الأوّل بدخول الجنس فی الفصل» و فی نهایة الأصول، ص68: «ما ذکره الشریف من بساطة مفهوم المشتق حق لا مریة فیه دلیلنا التبادر إذ المتبادر من لفظ الکاتب فی"زید کاتب" لیس إلّا حیثیة الکتابة من دون أن یتصوّر مفهوم الشیئیة أو ذات الموضوع ثانیاً» و ذکر فی الرافد، ص 312 و 313 هذا الدلیل بعنوان الإیراد الرابع علی القول بترکیب المشتق. و راجع أیضاً الفصول، ص62 و تعلیقة علی معالم الأصول، ج2، ص411 و نهایة الأفکار، ص147 و مناهج الوصول، ص222.
2- فی حقائق الأصول، ص127: «یمکن جعل التالی فی الشرطیة الأولی قولنا: لزم عدم صحة التعبیر عن مفهوم الناطق بموجود له النطق أو ذات لها النطق أو نحو ذلک لمباینة هذه المفاهیم لمفهوم الشیء و التالی باطل أو لزم دخول الأمر الاعتباری فی الفصل بناء علی أنّ الشیء من المفاهیم الاعتباریة و دخول الاعتباری فی الفصل أشکل من دخول العرضی فیه أو قولنا: لکان إمّا داخلاً فی مفهوم المادة أو فی مفهوم الهیأة أو فی مفهوم المرکب و التالی باطل بأقسامه أمّا الأوّل فلأنّ لازمه دخوله فی مفهوم جمیع المشتقات حتی الفعل و المصدر لوجود المادة فیها و أمّا الثانی فلأنّ الهیأة موضوعة وضع الحروف للنسبة الخاصة و أمّا الثالث فلأنّ لازمه خروجه عن کونه مشتقاً بل یکون موضوعاً وضع الجوامد بوضع واحد لمادته و هیأته».
التقریب الأوّل من السیّد الشریف:
اشارة

((1))

إنّ السیّد الشریف الجرجانی یعتقد بأنّه یلزم من أخذ مفهوم الشیء فی المشتق دخول العرض العام فی الفصل.

أجوبة عن التقریب الأوّل:
اشارة

((2))

الجواب الأوّل: ما أفاده صاحب الفصول (قدس سره)
اشارة

إنّه أجاب صاحب الفصول (قدس سره) ((3)) من إشکال دخول العرض العام فی الفصل

ص: 513


1- فی الفصول، ص61: «إنّ المراد بالذات و الشیء إن کان مفهومهما لزم دخول العرض العام فی مفهوم الفصل فیکون الفصل عرضیاً للنوع لأنّ مفهوم الذات و الشیء عرضی لأفراده و المرکب من الذاتی و العرضی لایکون ذاتیاً بالضرورة».
2- و فی نهایة النهایة، ص76 فی التعلیقة علی قوله «و یدفع الإشکال بأنّ کون الناطق»: «قد عرفت أنّ إطلاق الفصل علیه باعتبار أنّ به یتحقق الفصل و یمتاز النوع عن سائر ما عداه و إطلاق الفصل علی الناطق واقعاً لایقتضی بوجه کونه بتمام مدلوله فصلاً بحیث لایشتمل مفهومه علی معنی خارج عن الفصل» الخ و فی بحوث فی علم الأصول، ص331: «أمّا الصیاغة المنسوبة إلی المحقق الشریف فجوابها: أنّ ما مثل به المناطقة للفصول کالناطق و الصاهل لم یرد جعله بتمام مدلوله اللغوی فصلاً ... و الواقع انّ ما ذکره المحقق الشریف أجنبی عن مسألتنا الأصولیة بالمرة لأنّه یذکر کلامه هذا فی التعلیق علی مقالة شارح مطالع الأنوار فی دفع شبهة کان یوجه علی تعریف الإدراک بأنّه: ترتیب أمور معلومة یتوصّل به إلی أمر مجهول من لزوم خروج التعریف بالحد الناقص الذی هو تعریف بالفصل فقط حیث أجاب عنها: بأنّ الفصل أیضاً مرکّب من أمور و لیس بسیطاً فالناطق مثلاً عبارة عن شی ء له النطق فعلّق علیه المحقق الشریف بلزوم دخول العرض فی الذاتی و واضح انّ تمام نظره إلی الفصل الحقیقی و التعریف به مع قطع النظر عن باب الدلالات اللغویة» و راجع أیضاً الرافد، ص314 و نهایة الأفکار، ص147 و وسیلة الوصول، ص168 و فوائد الأصول، ص111 و مناهج الوصول، ص 222 و 223.
3- فی الفصول، ص61: «یمکن أن یختار الوجه الأوّل و یدفع الإشکال بأنّ کون الناطق مثلاً فصلاً مبنی علی عرف المنطقیین حیث اعتبروه مجرّداً عن مفهوم الذات و ذلک لایوجب أن یکون وضعه لغة کذلک» و اختار هذا الجواب المحقق البروجردی (قدس سره) فی حاشیته علی کفایة الأصول، ص137 بقوله: ثانیاً الخ.

بأنّ ما اشتهر بینهم من کون الناطق مثلاً فصلاً مبنی علی عرف المنطقیین حیث اعتبروه مجرّداً عن مفهوم الذات و ذلک لایوجب وضعه لغةً کذلک.

إیراد صاحب الکفایة علی صاحب الفصول (قدس سرهما):

((1))

إنّ الناطق قد اعتبر فصلاً بلا تصرف فی معناه.((2))

الجواب الثانی: ما أفاده صدر المتألهین والحکیم السبزواریوصاحب الکفایة
اشارة

الجواب الثانی: ما أفاده صدر المتألهین((3))والحکیم السبزواری((4))وصاحب الکفایة((5))

إنّهم أجابوا بأنّ الناطق لیس فصلاً حقیقیاً((6)) بل هو فصل مشهوری منطقی

ص: 514


1- فی الکفایة، ص52: «فیه: إنّه من المقطوع أنّ مثل الناطق قد اعتبر فصلاً بلا تصرّف فی معناه أصلاً بل بماله من المعنی کما لایخفی». و فی حقائق الأصول، ص121 فی التعلیقة علی قوله: «مبنی علی عرف»: «یعنی أنّ مفهوم الناطق عند المنطقیین غیر مفهومه عند اللغویین فعند الأوّلین تدخل فیه الذات و عند الآخرین تخرج عنه لکن هذا لایدفع الإشکال عن شارح المطالع لأنّ کلامه کان فی الفصل المنطقی الذی یکون معرفاً فافهم».
2- فی حقائق الأصول، ص121: «هذا غیر ظاهر بل الظاهر منهم کون الفصل هو النطق و کون العرض العام و الخاص هو المشی و الضحک و التعبیر عنها بالمشتقات لتصحیح الحمل فی التعریف حداً أو رسماً مع الإشارة بها إلی مبادیها التی هی أجزاء الماهیة أو أعراضها فی الحقیقة».
3- الأسفار، ج2، ص25.
4- شرح المنظومة، قسم المنطق، ط.ق. ص35.
5- فی الکفایة، ص52: «التحقیق أن یقال إنّ مثل الناطق لیس بفصل حقیقی بل لازم ما هو الفصل و أظهر خواصه و إنّما یکون فصلاً مشهوریاً منطقیاً یوضع مکانه إذا لم یعلم نفسه بل لایکاد یعلم کما حقّق فی محله» الخ.
6- فی مباحث الأصول، ص221: «و أورد علیه بأنّ مثل "الناطق" لیس بفصل إمّا لأنّ البسیط لایعلم بالعلم الحصولی المتحصل فی الحد المشتمل علی الجزئین المتوقف علی الترکب لأنّه خلف کما عن الشیخ الرئیس و یمکن الخدشة فیه بأنّ ترکب المحدود و الحد لایستلزم ترکب کل جزء من أجزاء الحد و هو المدعی فی الفصل أو لأنّ حقائق الأشیاء غیر معلومة لغیر خالقها و یمکن الخدشة فیه بأنّ المنحصر فیه تعالی العلم بالکنه مطلقاً و فی جمیع ما ینتهی إلیه المعلومات فی الشیء لا مطلق العلم بالحقائق کما یظهر من تعلیمه تعالی "آدم" للأسماء أو لأنّ النطق بمعنی التکلم من الکیف المسموع و بمعنی إدراک الکلیات من الکیف النفسانی و هما غیر ذاتیین للحقیقة الجوهریة الإنسانیة و إنّما هو لازم الفصل و دخول العرض فیه غیر مستحیل و سیأتی ما یرجع إلی الوجه الأخیر».

یوضع مکان الفصل الحقیقی حیث لایکاد یعلم، فلا بأس بأخذ مفهوم الشیء فی مثل الناطق.

و قال المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی توضیح کلامهم:((1))

إنّ المراد من النطق إمّا هو النطق الظاهری و هو کیف مسموع فلایکون مقوّماً للجوهر النوعی و إما هو النطق الباطنی أعنی إدراک الکلیات و هو کیف نفسانی أو إضافة أو انفعال و علی أی حال إنّه من الأعراض و لایکون فصلاً مقوّماً للنوع الجوهری و لا محصلاً للجوهر الجنسی.

و سرّ جعل مثله فی مقام التحدید هو أنّ الذاتی لمّا لم یعلم، بل لایکاد یعلم (کما عن الشیخ الرئیس فی التعلیقات((2)) علی ما حکی عنه) لم یکن بدّ إلّا من التعریف باللوازم و الخواصّ.

مناقشة المحقق النائینی (قدس سره) فی الجواب الثانی:

(3)

إنّ الناطق بمعنی المتکلم أو مدرک الکلیات و إن کان من عوارض الإنسان إلّا أنّه بمعنی صاحب النفس الناطقة یکون فصلاً حقیقیاً فیلزم من أخذ مفهوم

ص: 515


1- نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ج1، ص204.
2- التعلیقات، ص34.
3- . أجود التقریرات، ط.مؤسسة صاحب الأمر (عجل الله تعالی فرجه)، ج1، ص102. و فی نهایة النهایة، ص76 عند التعلیقة علی قوله: «و التحقیق أن یقال»: «هذا أوهن ممّا أفاده صاحب الفصول (قدس سره) لأنّه یستلزم انحصار الکلیات فی اثنین إذ کما لا طریق لنا إلی الفصل کذلک لا طریق لنا إلی الجنس و النوع فکل المفاهیم التی تحصل فی نفوسنا هی من قبیل الأعراض إمّا عامّاً أو خاصاً و هذا خلاف مبنی المنطقیین و صریح تقسیمهم الکلیات إلی خمس مع أنّ مفهوم الشیء کما أنّه أجنبی عن الفصل أجنبی عن ما هو لازم الفصل و ما هو أظهر خواصه و إنّما لازمه هو النطق و لیس مفهوم الشیء بعد تقییده بالنطق لازم الفصل نعم هو بعد هذا التقیید یکون خاصة للإنسان و ملازماً لفصله». و فی حقائق الأصول، ص121 فی التعلیقة علی قوله: «فلا بأس بأخذ مفهوم الشیء فی مثل الناطق»: «الإشکال لایختص بالناطق بل هو جار فی جمیع المشتقات التی لایتمیز الفصل منها عن الخاصة و لا الجنس عن العرض العام فیرجع الإشکال لا علی التفصیل بل علی الإجمال فتأمل». و فی نهایة الأفکار، ص148: «و علی مقالة الکفایة من سلب الفصلیة عن الناطق و جعله فصلاً مشهوریاً و من أظهر الخواص یتوجه علیه محذور لزوم دخول الخارج المحمول فی الخاصة التی هی من المحمولات بالضمیمة من جهة أنّ مفهوم الذات لایکون إلّا أمراً الخاصة التی هی من المحمولات بالضمیمة من جهة أنّ مفهوم الذات لایکون إلّا أمراً اعتباریاً منتزعاً عن منشئه من دون أن یکون له ما بإزاء فی الخارج أصلاً و معلوم أیضاً أنّ محذور دخول الخارج المحمول فی الخاصة لایکون بأقل من محذور دخول العرض فی الذاتی». و فی نهایة الأصول، ص68: «فیه أنّه یلزم علی هذا أیضاً تجریده من الشیئیة فإنّ ما هو من أظهر خواص الفصل الحقیقی للإنسان لیس هو الشیئیة المقیدة بالنطق بل نفس حیثیة النطق و ضمّ الشیئیة إلیه نظیر ضمّ الحجر إلی جنب الإنسان» و راجع أیضاً منتهی الأصول، ص101.

الشیء فیه أخذ العرض العام فی الفصل.

(و سیجیء أنّ المحقق النائینی (قدس سره) یغیّر الإشکال بأنّه یلزم دخول الجنس فی الفصل فیوجب انقلاب الفصل إلی النوع و هو محال).

مناقشة المحقق الخوئی علی کلام المحقق النائینی (قدس سره):

((1))

إنّ صاحب النفس الناطقة هو الإنسان و هو نوع لا فصل، إذن لا مناص من الالتزام بکون الناطق فصلاً مشهوریاً وضع مکان الفصل الحقیقی لتعذّر

ص: 516


1- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص270، ط.ج. ص 309.

معرفته غالباً بل دائماً.

یلاحظ علیه:

إنّ النوع هو تمام ذاتیات الإنسان و هو مرکب من الجنس و الفصل ولکن النفس الناطقة هی النفس المختصة بالنوع الإنسانی و أما النفس الحیوانیة هی ما یشترک بین النوع الإنسانی و سائر انواع الحیوانیات فالنفس الناطقة لاتکون نوعاً بل هی فصل مقوم للنوع الإنسانی.

جواب المحقق الإصفهانی (قدس سره):

((1))

إنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) رأی صحة الجواب الثانی و لذا قال: إنّه کان صواباً کیف و قد صدر عن جملة من الأکابر.

و لکن لاحظ علیه بأنّه یمکن أن یجعل الناطق فصلاً حقیقیاً للإنسان و أفاد فی بیان ذلک وجهین:

الأوّل: أن یکون المراد منه ما له نفس ناطقة و النفس الناطقة بما هی مبدأ لهذا الوصف فصل حقیقی. ((2))

ص: 517


1- نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ج1، ص204 و 205.
2- فی مباحث الأصول، ص222: «قد یتفصی عن الإشکال بجعل الفصل مبدأ الاشتقاق الجعلی و هو النفس الناطقة و إنّما یحتاج فی التعبیر عنه بما یصح حمله علی الآخر و علی النوع إلی المشتق الجعلی کالناطق أو إضافة کلمة ذی بمعنی الصاحب المتحد معنی مع المشتق الجعلی و فیه: أنّه هدم لصحة الحمل فی الأجزاء التحلیلیة فی بعضها علی البعض و فی مجموعها علی الکل لأنّ المحمول حینئذٍ غیر الجزء منتزع عن الشیء الذی له الجزء و الجزء غیر قابل للحمل لأنّ ترکب غیر النفس معها لیس حینئذٍ حقیقیاً و الحمل یستدعی الاتحاد الحقیقی فی المفهوم فی المقام و فی الوجود فی الحمل الشائع» الخ.

فإنّ کلام بعض الأکابر و الأعلام من أنّ الناطق فصل مشهوری یلاحظ علیه أنّه یمکن أن یجعل الناطق فصلاً حقیقیاً من دون محذور (أی لایترتب علیه محذور دخول العرض العام فی الفصل أو دخول الجنس فی الفصل و انقلاب الفصل إلی النوع) بأن یکون المراد منه ما له نفس ناطقة و النفس الناطقة بما هی مبدأ لهذا الوصف فصل حقیقی الإنسان.

ثم أعرض عن هذا الوجه لأنّ توصیف النفس بالناطقة بمعنی المدرکة للکلیات یوجب أن لایکون الفصل ذاتیاً.

الثانی: أن یکون المراد منه مبدأ الناطق و هو النطق و هذا المبدأ هو الفصل الحقیقی للإنسان و أخذ الشیء و الذات و نحوهما لتصحیح الحمل.

[أقول: إنّ النطق بمعنی إدراک الکلیات من مقولة العلم و العلم أمر وجودی، و ماهیته جوهریة، فلا إشکال فی إمکان جعله فصلاً.]

ثم حاول لدفع إشکال السیّد الشریف الجرجانی بطریق آخر؛

بیانه: إنّ مفهوم الشیء لم یتخذ فی مبدأ الناطق الذی هو النطق و هو الفصل الحقیقی للإنسان بل اعتبر فی المشتق لأنّ النطق هو بشرط لا عن الحمل لأنّه المبدأ فما لم یلحظ لابشرط عن الحمل لایقبل الحمل فلذا یجب فی تصحیح الحمل من إضافة لفظة «ذو» فیقال: الإنسان ذو نطق أو من اشتقاق لغوی أصلی أو جعلی فیقال: الإنسان ناطق.

و أخذ مفهوم الشیء و الذات و نحوهما لتصحیح الحمل فإنّ أخذ مفهوم الشیء فی هذا المشتق الجعلی لایوجب محذور دخول العرض فی الذاتی بداهة أنّ الفصل الحقیقی هو المبدأ.

کما لا شبهة فی أنّ خاصة الإنسان هو الضحک و لایصح حمله إلّا بعنوان

ص: 518

اشتقاقی جعلی مثل الضاحک فمناقشة المحقق النائینی (قدس سره) أیضاً مدفوع حیث إنّه توهّم أنّ فصل الإنسان هو الناطق لا النطق و أنّ خاصّة الإنسان مثلاً هو الضاحک لا الضحک.

ملاحظة علی کلام المحقق الإصفهانی (قدس سره):

و التحقیق هو أن یقال تفسیر النطق بإدراک الکلیات صرف اصطلاح جعلی لایوافق العرف و اللغة فالأولی أن یجعل فصل الإنسان مبدء النفس الملهمة أی الإلهام و معنی الملهمة هی المدرکة شأناً للکلیات و الحقائق من الأسماء الإلهیة و من الخیرات و الشرور المتنزلة منها.

و لذلک قال تعالی: (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ کُلَّهَا)((1)) و قال تعالی:(وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا). ((2))

التقریب الثانی: من صاحب الفصول (قدس سره)
اشارة

((3))

إنّ صاحب الفصول (قدس سره) قرّب الإشکال فی هذا الفرض بنحو آخر.

بیان ذلک: إنّه یلزم من أخذ مفهوم الشیء فی المشتق انقلاب القضیة الممکنة إلی الضروریة مثلاً قضیة: الإنسان شاعر ممکنة و لکن لو قلنا بأخذ مفهوم الشیء یلزم کونها ضروریة، لأنّ صدق الشیء علی جمیع الأشیاء ضروری.

ص: 519


1- سورة البقرة(2):31.
2- سورة الشمس(91): 7-8.
3- الفصول، ص61 قال (قدس سره): «لایذهب علیک أنّه یمکن التمسّک بالبیان المذکور علی إبطال الوجه الأوّل أیضاً لأنّ لحوق مفهوم الذات أو الشیء لمصادیقهما أیضاً ضروری و لا وجه لتخصیصه بالوجه الثانی».
مناقشة الأعلام علیه:

إنّ صاحب الکفایة ((1)) و المحقق النائینی((2)) و المحقق الخوئی (قدس سرهم) ((3)) ناقشوا فی ما أفاده صاحب الفصول (قدس سره) فی هذا الفرض بأنّ مفهوم الذات إن أخذ مطلقاً فهو ضروری الثبوت و لکنّه إذا أخذ مقیداً بقید غیر ضروری کما فی المقام فهو غیر ضروری أیضاً.((4))

ص: 520


1- کفایة الأصول، ص54 قال (قدس سره): «و قد انقدح بذلک عدم نهوض ما أفاده (رحمة الله) بإبطال الوجه الأوّل کما زعمه (قدس سره) فإنّ لحوق مفهوم الشیء و الذات لمصادیقهما إنّما یکون ضروریاً مع إطلاقهما لا مطلقاً و لو مع التقید إلّا بشرط تقید المصادیق به أیضاً و قد عرفت حال الشرط فافهم». و فی حاشیة علی کفایة الأصول، ص139: «بیانه أنّ ثبوت مفهوم الشیء لمصداقه مثل الإنسان مثل و لحوقه له إنّما یکون ضروریاً فیما إذا اعتبر المفهوم مطلقاً و مجرّداً عن التقیید و التوصیف بالوصف الکذائی کالضحک و أمّا مع التقید و التوصیف فلایکون ثبوته و لحوقه کذلک ضروریاً کما ذکرناه آنفاً فی إبطال الوجه الثانی، نعم القضیة بشرط المحمول و ثبوته واقعاً کما ذکره أخیراً فی تصحیح الانقلاب تصیر القضیة ضروریة لکنّه عرفت أنّ المناط فی القضایا بحسب الجهات و المواد إنّما هو ملاحظة نفسها بما هی هی من دون النظر إلی الواقع ثبوتاً أو نفیاً فافهم».
2- أجود التقریرات، ط.مؤسسة صاحب الأمر (عجل الله تعالی فرجه)، ج1، ص107.
3- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص273 و ط.ج. ص312.
4- فی نهایة الدرایة، ص149 عند التعلیقة علی قوله «فإنّ لحوق مفهوم الذات و الشیء لمصادیقهما إنّما یکون ضروریاً»: «الأولی أن یقال أنّ إلزام الشریف بالانقلاب إن کان من باب ثبوت الشیء لنفسه کما هو ظاهر الشریف فمن البدیهی أنّ مفهوم الشیء غیر مفهوم الإنسان و إن کان من باب أنّ الموجهة بجهة الإمکان لیس بالإمکان بل بالضرورة ففیه أنّ الإنسان بإنسانیته یقتضی الکتابة لکنّ الشیء بشیئیته لایقتضی الکتابة بل الشیء إن کنی به عن الإنسان کان مقتضیاً بالإمکان فیرجع إلی مصداق الشیء و إن کنی به عن غیر الإنسان لم یکن بهناک اقتضاء بل صحّ السلب بالضرورة فالشیء بشیئیته لا حکم له و إن کان إلزامه من باب أنّ الإنسان شیء لا أنّه لا شیء و الشیئیة لاتنسلخ عنه فی جمیع المراتب ففیه أنّه قابل للتقیید بقید لایکون بما هو ضروریاً للإنسان و لیس کنفس الإنسان کی یکون محفوظاً فی جمیع المراتب حتی یکون حمله غلطاً للزوم حمل الأخص مفهوماً علی الأعم بل مفهومه حینئذٍ أعمّ مفهوماً من الموضوع، نعم انحلال القضیة إلی ضروریة و ممکنة من باب انحلال الخبر إلی خبرین جار بناء علی إرادة مفهوم الشیء و إن کان ظاهر کلام صاحب الفصول هو الشق الثالث». و فی حقائق الأصول، ص126: «المصنف (رحمة الله) لما حمل عبارته المتقدمة علی إرادة شرط المحمول حمل هذه العبارة أیضاً علی ذلک فأورد علیها بما تقدّم من أنّ الانقلاب إلی الضروریة بشرط المحمول و إن کان صحیحاً إلّا أنّه خارج عن محل الکلام و حیث عرفت مراده ممّا سبق تعرّف مراده هنا و إنّ الانقلاب إلی الضروریة لایختص بأخذ المصداق بل یتمّ و لو أخذ مفهوم الشیء المقید بالوصف المقید بمادّته الواقعیة إذ یصدق الإنسان شیء کاتب بالإمکان بالضرورة لأنّ الشیء الممکن له الکتابة ضروری الثبوت للإنسان لکنّه سابقاً ردّد بین الإیجاب الضروری و السلب الضروری لتردّد الذات بین الواجدة للوصف الخاص و الفاقدة له و هنا عین الانقلاب إلی الإیجاب الضروری لتعین کون الشیء واجداً للوصف المذکور و فیه مضافاً إلی ما عرفت من خروجه عن محل الکلام أنّ مفهوم الشیء ممّا لایقبل الوصف المذکور فاللازم الانقلاب إلی الضروریة السالبة» الخ. و فی عنایة الأصول، ص 159 و 160: «أقول: قد أشرنا آنفاً أنّ المصنف (قدس سره) استفاد من کلام الفصول فی وجه التنظر أی من قوله لأنّ الذات المأخوذة مقیدة بالوصف ... الخ إنّ المراد هو الذات المجعول موضوعاً فی القضیة و ذلک بقرینة ما أورده علیه من أنّ مرجع ذلک إلی صیرورة القضیة بشرط المحمول ... ألخ و هاهنا قد استفاد من کلام الفصول فی جواز التمسّک بالبیان المذکور علی إبطال الوجه الأوّل أنّ المراد هو الذات المأخوذة فی المشتق و ذلک بقرینة ما أورده علیه من أنّ لحوق مفهوم الشیء و الذات لمصادیقهما ... الخ مع أنّ کلامی الفصول فی المقامین علی نمط واحد بل شیء واحد و هذا من المصنف عجیب جداً» الخ. و راجع أیضاً الرافد، ص 329.
التقریب الثالث: من المحقق النائینی (قدس سره)
اشارة

إنّ المحقق النائینی (قدس سره) قرّر الإشکال بنحوآخر فقال:((1)) التحقیق أنّ الشیء لیس من العرض العام فی شیء، فإنّ العرض العام ما کان خاصّة للجنس القریب أو البعید کالماشی و المتحّیز مثلاً و الشیئیة تعرض کل ماهیة من الماهیات و هی

ص: 521


1- أجود التقریرات، ط.مؤسسة صاحب الأمر (عجل الله تعالی فرجه)، ج1، ص102.

جهة مشترکة بین جمیعها و لیس ورائها أمر آخر یکون هی الجهة المشترکة و جنس الأجناس حتی تکون الشیئیة عارضةً و خاصةً له.

فإنّ الشیء جهة مشترکة بین تمام الموجودات فلامحالة یکون جنساً عالیاً لها فاللازم علی تقدیر أخذ مفهوم الشیء فی المشتق هو دخول الجنس فی الفصل.

مناقشتان للمحقق الخوئی فی تقریب المحقق النائینی (قدس سرهما):

((1))

إنّ المحقق الخوئی (قدس سره) ناقش تارةً فی ما ذکره من ملاک العرض العام و أخری فی ما أفاده من أنّ مفهوم الشیء جنس الأجناس.

المناقشة الأولی فی ملاک العرض العام عند المحقق النائینی (قدس سره):

إنّ ملاک العرض العام عند المحقق النائینی (قدس سره) هو ما کان خاصّة للجنس القریب أو البعید و فیه: أنّ المراد من العارض هنا ما هو خارج عن ذات الشیء و محمول علیه و لذا ذکروا أنّ الوجود من عوارض الماهیة بمعنی أنّه خارج عن حیطة ذاتها و محمول علیها، فانحصار العرض بما کان خاصّة للجنس القریب أو البعید لا وجه له.

المناقشة الثانیة فی ما أفاده من أنّ الشیء جنس الأجناس: (2)

أنّ الشیء لایعقل أن یکون جنساً عالیاً للأشیاء جمیعاً من الواجب و الممکن و الممتنع بداهة استحالة الجامع الماهوی بین المقولات المتأصلة و

ص: 522


1- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص 271و272 و ط.ج. ص310و311.
2- . فی بحوث فی علم الأصول، ص 330 و 331: «إنّ الشیء لیس جنساً أعلی ... لأنّ مفهوم الشی ء لو کان جنساً لزم ترکب کلّ مقولة منه و من فصّل یمیزه عن المقولات الأخری و ذاک الفصل شی ء لامحالة و إلّا لم یکن جزءاً زائداً فإن کان تمام حقیقته الشیئیة لزم اتحاد الجنس و الفصل و إن کانت جزئه لزم ترکّبه من جزئین فننقل الکلام إلی جزئه الثانی الذی هو شی ء لامحالة فإمّا نرجع إلی الشیئیة فی النهایة أو نتسلسل إلی ما لا نهایة دون أن نصل إلی ما یمیز المقولات و کلاهما باطل کما هو واضح» الخ.

الماهیات المنتزعة و الأمور الاعتباریة بل کیف یعقل أن یکون الشیء جامعاً ماهویّاً بین ذاته تعالی و بین غیره؟

أمّا دعوی أنّه جنس لما تحته من المقولات الواقعیة التی هی أجناس عالیات دون غیرها فیرد علیها:

أوّلاً: أنّ صدق الشیء علی المقولات الواقعیة و غیرها علی حد سواء و لیس صدقه علی المقولات ذاتیاً و علی غیرها عرضیّاً.

و ثانیاً: أنّ الشیء لایمکن أن یکون جنساً للمقولات الحقیقیة لاستحالة جامع حقیقی بینها بل قد برهن فی محلّه أنّ الجامع الحقیقی لایعقل بین المقولات التسع العرضیة فضلاً عن الجامع بین جمیع المقولات.

فالتحقیق أنّ مفهوم الشیء مفهوم عام مبهم معرّی عن کل خصوصیة من الخصوصیات کمفهوم الأمر و الذات و یصدق علی الأشیاء جمیعاً صدقاً عرضیاً فیکون من العرض العام لا من العرض المقابل للجوهر (تمّ کلام المحقق الخوئی (قدس سره)).

فتحصل إلی هنا أنّ أخذ مفهوم الشیء فی المشتق یوجب دخول العرض العام فی الفصل عند السیّد الشریف و دخول الجنس فی الفصل عند المحقق النائینی (قدس سره) .

و صدر المتألهین و الحکیم السبزواری و المحقق الخراسانی و المحقق

ص: 523

الخوئی (قدس سرهم) قالوا بعدم لزوم ذلک لأنّ الناطق لیس فصلاً حقیقیاً بل هو فصل مشهوری.

و المحقق الإصفهانی (قدس سره) قال بأنّ مبدء الناطق مجرداً عن الذات هو الفصل الحقیقی فلایلزم دخول العرض العام أو الجنس فی الفصل و ما أفاده هو الأدقّ.

الصورة الثانیة: أخذ مصداق الشیء فی المشتق
مناقشات ثلاث فی الصورة الثانیة:
اشارة

((1))

إنّه قد نوقش فی أخذ مصداق الشیء فی المشتق مناقشات عدیدة، المناقشة الأولی ما قاله السیّد الجرجانی و المناقشة الثانیة ما أفاده الحکیم السبزواری و تبعه صاحب الکفایة (قدس سرهما) و المناقشة الثالثة ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) .

ص: 524


1- فی بحوث فی علم الأصول، ص334: «الصحیح عدم أخذ مصداق الشیء فی المشتق علی القول بالترکیب إذ لو أرید به ما جعل موضوعاً للقضیة فمن الواضح أنّ المشتقات لاتکون محمولات دائماً کما فی قولنا: "أکرم الکاتب" و إن أرید أخذ الطبیعة التی من شأنها الاتصاف بالمبدأ کالإنسان فهو ینافی ما نحسّه وجداناً من صحّة استعمال الکاتب مثلاً فی غیر الإنسان و إن کانت القضیة کاذبة فیتعین أن یکون المشتق مرکباً من مفهوم الشی ء و المبدأ و النسبة إلّا أنّ هذا الکلام إنّما نقوله فی المشتقات الموضوعة بوضع نوعی أی الأوصاف الاشتقاقیة بحسب مصطلح النحاة لا مثل السیف و الصارم و السریر و نحوها فانّ المأخوذ فیها واقع الشی ء بمعنی الطبیعی الذی یکون معروضاً لمبادئها و لذلک لایصدق علی غیره کما یظهر بمراجعة العرف و اللغة». و فی مباحث الأصول، ص233: «إنّ الالتزام بأخذ المصداق فی مفهوم المشتق أمر مستبعد لا داعی إلیه فإنّه لا مانع من الوضع للجامع العنوانی کعنوان کل قابل للاتصاف بحیث یکون تطبیقه علی المصداق فی مرحلة الاستعمال بید المتکلم و یکون الاستعمال فی ذلک الجامع المراد به شیء خاص بخصوصیة جنسیة أو نوعیة أو شخصیة أو نحوها من الخصوصیات».
المناقشة الأولی:

((1))

قد استشکل السیّد الشریف (قدس سره) بلزوم انقلاب((2)) القضیة الممکنة إلی الضروریة.

ص: 525


1- فی الفصول، ص61: «إن أرید ما صدق علیه الذات أو الشیء فمع أنّه لایناسب وقوعه محمولاً یلزم أن ینقلب مادة الإمکان الخاص ضروریة لأنّ ذاتاً أو شیئاً له الکتابة أو الضحک هو الإنسان لا غیر فیصدق کل إنسان کاتب أو ضاحک بالضرورة لأنّ ثبوت الشیء لنفسه ضروری» و فی بحوث فی علم الأصول، ص332 بعد أن ذکر المناقشة الأولی و الجواب عنها حلّاً و نقضاً: «هناک عدة محاولات لتوجیه الاعتراض بنحو یسلّم عن هذا الجواب نذکر بعضها فیما یلی: 1) تغییر مورد الإشکال من مثال "الإنسان کاتب" إلی "زید کاتب" فلو کان المأخوذ واقع الشی ء فی الکاتب رجع إلی قولنا "زید زید له الکتابة" و التقیید فی هذا المثال غیر معقول لأنّ زیداً جزئی لایقبل التقیید و إنّما هو مجرّد معرف و مشیر فتکون القضیة ضروریة ... 2) إنّ القید الإمکانی إن أرید به المعرفیة و المشیریة إلی ذات المقید کان المحمول نفس الموضوع فتکون القضیة ضروریة و إن أرید به التقیید و التحصیص فالمقید بما هو مقید و إن کان ثبوته غیر ضروری إلّا أنّه یستلزم أن یکون الحمل وضعیاً لا طبعیاً لکونه من حمل الأخص علی الأعم بحسب المفهوم و هو باطل و بهذه المحاولة یندفع الحل و النقض معا ... 3) أن أخذ واقع الشیء فی المشتق یستلزم انحلال القضیة الواحدة الممکنة إلی قضیتین: إحداهما: ضروریة و هی"الإنسان إنسان" و الأخری ممکنة هی"الإنسان له الکتابة" مع أنّ "الإنسان کاتب" لیس إلّا قضیة واحدة عقلاً و عرفاً و هذه المحاولة لاتدفع النقض و إن کانت تعالج الحل» و أورد علی کل منها. و راجع أیضاً الرافد، ص331.
2- فی الرافد، ص316: «إنّ الجهات قد تتداخل و من ألوان التداخل انقلاب الممکنة للضروریة و هناک ثلاثة موارد یحتمل فیها الانقلاب من الإمکان للضرورة: 1- أخذ المحمول فی الموضوع نحو الإنسان الکاتب کاتب و هو المعبّر عنه بالضرورة بشرط المحمول لأنّ الکتابة و إن کانت ثابتة للإنسان بالإمکان إلّا أنّها ثابتة للکاتب بالضرورة فهذا المورد من موارد انقلاب الممکنة للضروریة 2- دخول الجهة فی المحمول نحو الإنسان کاتب بالإمکان علی نحو یکون قید بالإمکان مرتبطاً بالمحمول - و هو کاتب- لا بنسبة المحمول للموضوع و هذا المورد من موارد انقلاب القضیة الممکنة للضروریة باعتبار أنّ ثبوت الکتابة بما هی للإنسان أمر ممکن إلّا أنّ ثبوت الکتابة المقیدة بالإمکان له أمر ضروری و هذا التصوّر لیس خاصاً بجهة الإمکان بل هو عام لسائر الجهات أیضاً و قد ذهب شیخ الإشراق السهروردی إلی رجوع جمیع القضایا الممکنة للضروریة باعتبار أخذ الجهة قیداً فی المحمول لا مرآة معبّرة عن نسبة المحمول للموضوع ... 3- أخذ الموضوع فی المحمول بعکس المورد الأوّل و هو أخذ المحمول فی الموضوع و مثاله: محلّ کلامنا فإنّا إذا قلنا الإنسان کاتب فبناءً علی الترکیب تنحل القضیة لقولنا: "الإنسان إنسان له الکتابة" فهل هذا المورد من موارد انقلاب الممکنة للضروریة أم لا؟».

جواب صاحب الفصول (قدس سره) ((1)) عن المناقشة الأولی: (2)

أجاب عنه صاحب الفصول (قدس سره) بأنّ المحمول لیس مصداق الشیء و الذات مطلقاً بل المحمول هو مصداق الشیء مقیداً بوصف المبدأ و ثبوت الشیء المقید بوصف المبدأ للموضوع لیس ضروریاً.

ص: 526


1- فی الفصول، ص61: «یمکن أن یختار الوجه الثانی أیضاً و یجاب بأنّ المحمول لیس مصداق الشیء و الذات مطلقاً بل مقیداً بالوصف و لیس ثبوته حینئذٍ للموضوع بالضرورة لجواز أن لایکون ثبوت القید ضروریاً و فیه نظر لأنّ الذات المأخوذة مقیدة بالوصف قوّة أو فعلاً إن کانت مقیدة به واقعاً صدق الإیجاب بالضرورة و إلّا صدق السلب بالضرورة و لکن یصدق زید الکاتب بالفعل أو بالقوة بالضرورة» و استشکل فی تعلیقة علی معالم الأصول، ج2، ص414 ما أورده صاحب الفصول (قدس سره) علی الوجه الثانی و قال: «فیه: من المغالطة ما لایخفی فإنّ ما أخذ فی الواقع قیداً لذات الإنسان المأخوذ موضوعاً إنّما هو الوصف بالقوة و المأخوذ فی طرف المحمول لیس إلّا الوصف بالفعل فکون الأوّل ضروریاً لذات الإنسان لایناقض عدم ضروریة الثانی فیصدق قولنا: " کل إنسان کاتب بالضرورة" مع قولنا: "لا شیء من الإنسان بکاتب بالإمکان" إذا اعتبر الأوّل بمعنی الکتابة بالقوة و الثانی بمعناها بالفعل» و فی الکفایة، ص53 بعد ذکر إیراد صاحب الفصول (قدس سره): «لایذهب علیک أنّ صدق الإیجاب بالضرورة بشرط کونه مقیداً به واقعاً لایصحّح دعوی الانقلاب إلی الضروریة ضرورة صدق الإیجاب بالضرورة بشرط المحمول فی کل قضیة و لو کانت ممکنة کما لایکاد یضرّ بها صدق السلب کذلک بشرط عدم کونه مقیداً به واقعاً لضرورة السلب بهذا الشرط» الخ و فی نهایة الدرایة، ص143: «هذا الذی أجاب به فی الفصول ممّا قد سبقه إلیه بعض أهل المعقول و سبقهما إلیه نفس المورد أعنی المحقق الشریف فی کلام آخر له و حاصله أنّ المقید بغیر الضروری غیر ضروری» و اختار هذا الجواب المحقق البروجردی (قدس سره) فی حاشیة علی کفایة الأصول، ص137 و فی عنایة الأصول، ص154. و راجع أیضاً بحوث فی علم الأصول، ص332.
2- . فی تعلیقة علی معالم الأصول، ج2، ص413 دفع الانقلاب بقوله: «أنّ الجهة من الضرورة و اللاضرورة و غیرهما إنّما تتبع النسبة المأخوذة فی القضیة و هی تتبع الحیثیة التی أخذ المحمول محمولاً بالنظر إلیها فإن کان النظر فیه إلی حیث هی هی کما فی" کل إنسان حیوان" لابدّ و أن یعتبر الجهة راجعة إلی حیث هی هی و لذا یکون هذه القضیة ضروریة و إن کان النظر فیه إلی حیث الوصف کما "فی کل إنسان کاتب" لابدّ و أن یعتبر الجهة راجعة إلی حیث الوصف و لذا یکون هذه القضیة ضروریة إن أخذ وصف الکتابة بمعنی الکتابة بالقوة و ممکنة خاصة إن أخذ الوصف بمعنی الکتابة بالفعل فإنّه الذی لیس وجوده کعدمه ضروریاً للإنسان» الخ و فی حاشیة علی کفایة الأصول، ص136: «لایلزم من أخذ مصداق الشیء محذور عقلی أصلاً غایة الأمر یکون علی خلاف مذهبهم [أی المنطقیین] من أنّ مثل قضیة "الإنسان ضاحک" قضیة ممکنة و علی فرض أخذ مصداق الشیء تکون ضروریة و أنّه خلاف ما یتبادر منها من کونها ممکنة و لکن قول المنطقیین لیس وحیاً منزلاً حتی یجب علینا اتباعهم». و فی فوائد الأصول، ص116: «یمکن أن یجاب عن الشق الثانی و هو لزوم انقلاب الممکنة إلی الضروریة بأنّ الانقلاب إنّما یکون إذا أخذ الکاتب مثلاً بمفهومه المرکب من الذات و المبدأ محمولاً فی القضیة و أمّا إذا جرّد عن الذات کما لا محیص عنه لئلّا یلزم حمل الشیء علی نفسه فلاتنقلب القضیة إلی الضروریة». و راجع أیضاً مباحث الأصول، ص231.

توضیح ذلک علی ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) فی المحاضرات:((1)) إنّ قضیة «الإنسان کاتب» مثلاً و إن انحلّت علی هذا إلی قضیة «الإنسان إنسان له الکتابة» إلّا أنّ المحمول فیها لیس هو الإنسان وحده لیکون ثبوته للإنسان من قبیل ثبوت الشیء لنفسه الذی هو ضروری، بل المحمول هو الإنسان المقید بالکتابة و من المعلوم أنّ ثبوته بهذا الوصف لایکون ضروریاً.

دفاع المحقق السبزواری ((2)) و الخراسانی (قدس سرهما) عن السید الشریف: (3)

إنّ المحقق السبزواری (قدس سره) حاول الدفاع عن نظریة السیّد الشریف بلزوم

ص: 527


1- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص274 و ط.ج. ص314.
2- حاشیة الأسفار، ج1، ص42.
3- . فی نهایة الدرایة، ص143: «الذی یسنح بالبال عدم سلامة هذا الجواب عن الإشکال ... لأنّ بعض الموضوعات کالجزئیات الحقیقیة غیر قابلة للتقیید لأنّها لا تتعدّد بإضافة القیود فلیست کالأجناس کی تصیر بالقیود أنواعاً و لا کالأنواع کی تصیر بالقیود أصنافاً فلا معنی لقولک [زید] زید له الکتابة و أمّا بعض الموضوعات الأخر القابلة للتقیید فلاتقبل الحمل و لا السلب ... لأنّ حمل الأخص علی الأعم بحسب المفهوم غیر صحیح فلایصح أن یقال [لحیوان إنسان] إلّا بنحو القضیة الشرطیة المنفصلة بأن یقال الحیوان إمّا إنسان أو حمار أو غیر ذلک و علیه فالحمل غیر صحیح لا أنّه صحیح و انقلاب المادة مانع» الخ. و فی فوائد الأصول، ص114: «إذا أخذ مصداق الشیء فی مفهوم الضاحک مثلاً فلایمکن أن یکون المصداق مقیداً بالضحک لأنّ المصداق لیس هو إلّا الجزئی و قد عرفت أنّ الجزئی غیر قابل للتقیید فلیس المحمول فی قولک: "زید ضاحک" أو "الإنسان ضاحک" هو زید المقید بالضحک بل المحمول زید الموصوف بالضحک و من المعلوم: أنّ المحمول حینئذٍ یکون کلاً من الموصوف و الصفة فتنحلّ قضیة "زید ضاحک" أو "الإنسان ضاحک" إلی قولنا: "الإنسان إنسان" و قولنا: "الإنسان ذو ضحک" لأنّ القضیة تتعدّد حسب تعدّد الموضوع أو المحمول و فی المقام المحمول متعدّد واقعاً و إن کان واحداً صورة لما عرفت من أنّ المحمول یکون کلاً من الصفة و الموصوف و لیس المحمول أمراً واحداً مقیداً فقضیة "الإنسان ضاحک" أو کاتب تنحل إلی قضیة ضروریة و هی قولنا: "الإنسان إنسان" و إلی قضیة ممکنة و هی قولنا: "الإنسان ذو ضحک أو کتابة" و المراد من الانقلاب فی کلام السید الشریف هو هذا» الخ.

الانقلاب فی هذا الفرض و تبعه صاحب الکفایة (قدس سره) و قال:

«إنّ عدم کون ثبوت القید ضروریاً لایضرّ بدعوی الانقلاب فإنّ المحمول إن کان ذات المقیّد و کان القید خارجاً و إن کان التقید داخلاً بما هو معنی حرفی (تقیّد جزء و قید خارجی)، فالقضیة لامحالة تکون ضروریة، ضرورة ضروریة ثبوت الإنسان الذی یکون مقیداً بالنطق للإنسان.

و إن کان المقیّد به بما هو مقید علی أن یکون القید داخلاً فقضیة «الإنسان ناطق» تنحلّ فی الحقیقة إلی قضیتین: إحداهما قضیة «الإنسان إنسان» و هی ضروریة و الأخری قضیة «الإنسان له النطق» و هی ممکنة».

ص: 528

جواب المحقق الخوئی (قدس سره) عن المحققینِ (قدس سرهما):((1))

أمّا بالنسبة إلی الشقّ الأوّل (و هو خروج القید عن المحمول و دخول التقیید فیه) فیرد علیه((2)) أنّ المحمول حینئذ هو الإنسان المتقیّد بالضحک مثلاً (أی تلک

ص: 529


1- المحاضرات ط.ق. ج1، ص274 و ط.ج. ص314. و فی حاشیة علی کفایة الأصول، ص 137 و 138: «اعلم أنّ ما أجاب المصنف به عن "الفصول" ... لایخلو عن تأمّل و إشکال لأنّ خروج القید من المحمول مع کون التقید داخلاً فیه لایوجب کون القضیة ضروریة بل إنّما تکون ممکنة لأنّ ثبوت الذات إنّما یکون ضروریاً فیما إذا کان مطلقاً و أمّا مع التقید و الاتصاف فلا کما لایخفی هذا فی الشق الأوّل و أمّا فی الشق الثانی منه فلأنّ انحلال القضیة الواحدة الممکنة إلی القضیتین: الضروریة و الممکنة لایوجب خروجها عن الإمکان و انقلابها إلی الضرورة فی حال وحدتها و قبل الانحلال بلا إشکال فتأمل». و فی حقائق الأصول، ص123: «إنّه لم یتضح إشکال المصنف (رحمة الله) علی الفصول علی کل من التقدیرین إذ مرجع الإشکال إن کان إلی أنّ الانحلال لایقول به فی الفصول فهو غیر ظاهر و إن کان إلی أنّه لایقول به أحد لأنّ الانحلال عندهم فی عقد الوضع لا عقد الحمل ففیه إنّ بناءهم علی عدمه کان من جهة بنائهم علی کون المحمول فی جمیع القضایا هو المفهوم لا المصداق و الکلام هنا مع الشریف بعد فرض کون المحمول هو المصداق» الخ. و فی نهایة الأفکار، ص150: «لایخفی علیک أنّه لا مجال لإیراد هذا الإشکال علی الفصول لأنّ المحمول بعد إن کان عبارة عن المقید بالوصف بما هو مقید یلزمه لامحالة کونه أخص و أضیق من الموضوع و معه لایکون ثبوت الخاص للعام ضروریاً بل إنّما هو یکون بالإمکان هذا بناء علی فرض دخول التقید و أمّا علی فرض دخول القید فکذلک أیضاً من جهة أنّ دائرة المحمول لا محالة تکون أخص و أضیق من الموضوع و معه یکون ثبوته له بالإمکان لا بالضرورة» الخ.
2- و فی نهایة النهایة، ص 76 و 77 بعد بیان له: « و من ذلک ظهر فساد ما أورده المصنف (قدس سره) من ضروریة ثبوت الذات المقیدة علی أن یکون التقیید داخلاً فی المحمول دون قیده فإنّ الضروری إنّما هو ثبوت الذات المهملة للذات أو الذات المقیدة لنفسها و أمّا ثبوت الذات المقیدة بقید ممکن للذات المهملة فلامحالة یکون ممکناً سوءً أخذ القید داخلاً أم کان القید خارجاً و التقید داخلاً» و فی عنایة الأصول، ص155 بعد ذکر کلام صاحب الکفایة (قدس سره) فی الشقّ الأوّل: «و فیه ما لایخفی فإنّ ثبوت الإنسان المقید بالضحک للإنسان لیس ضروریاً بالضرورة فإنّ القید و إن فرض کونه خارجاً و التقید داخلاً و لکن مجرّد دخول التقید بعد کونه أمراً ممکناً فی حدّ ذاته ممّا یکفی فی صیرورة القضیة ممکنة». و فی نهایة الأصول، ص68: «فیه أنّ ثبوت الذات المقیدة بقید إمکانی لیس ضروریاً لنفسها نعم إن کان مراده أنّ القید لا دخالة له فی الحکم أصلاً بل جیء به لمحض الإشارة إلی المحکوم به کان دعوی الانقلاب بحالها إلّا أنّ التقید علی هذا مثل نفس القید فی خروجه من المحکوم به هذا مضافاً إلی أنّه خلاف موارد استعمال المشتقات إذ المراد من "زید قائم" لیس إثبات أنّ زیداً زید و یکون عنوان القیام للإشارة إلی زید بل المراد إثبات القیام له». و فی الرافد، ص318: «أمّا الشقّ الأوّل فیرد علیه عدّة وجوه: أ) إنّ مسلکنا فی المعنی الحرفی یختلف عن مسلک صاحب الکفایة (قدس سره) و ذلک لأنّ مسلکنا هو کون الفارق بین المعنی الحرفی و الاسمی بالخفاء و الوضوح لا بالآلیة و الاستقلالیة... ب) إنّ التقیید لیس معنی حرفیاً مرآتیاً بل هو عمل إبداعی تقوّم به النفس بهدف الربط بین ماهیتین و حینئذٍ فلایعقل أن لایکون له أی موضوعیة فی الحمل و أن یکون مجرّد مرآة حاکیة عن المقید أو القید... ج) إنّ التقیید بناءً علی مرآتیته: إمّا أن یکون مرآة لذات المقید بما هی ذات و إمّا أن یکون مرآة لذات المقید بما هی مقیدة فإن کان مرآة لذات المقید بما هی ذات فلازم ذلک اللغویة ... و إن کان مرآة لذات المقید بما هی مقیدة فلایلزم من ذلک الانقلاب من الإمکان إلی الضرورة» الخ.

الحصة من الإنسان) و ثبوته حینئذ لیس بضروری.

و أمّا بالنسبة إلی الشقّ الثانی (1) (و هو دخول القید فی المحمول و انحلال القضیة إلی قضیتین) ففیه أنّ الانحلال المذکور باطل.

ص: 530


1- . فی نهایة النهایة، ص77: «و أمّا ما أفاده (قدس سره) من أنّ القضیة بعد فرض أخذ الذات فی المحمول تنحلّ إلی قضیتین ... ففیه إنّه إذا کان ثبوت القید للذات ممکناً کان ثبوت الذات المقیدة للذات المهملة الذی هو مفاد أصل القضیة لامحالة ممکناً فلاتکون القضیة ضروریة لأنّ الذات إذا أخذت فی طرف المحمول مقیدة لحقها حکم قیدها و لیس المحمول فی أصل القضیة الذات المهملة و إن آلت القضیة فی مقام التحلیل إلیها و إلی ثبوت القید للذات المهملة و المدار فی جهات القضایا علی ما هو جهاتها فعلاً لا علی ما هو جهاتها فی مقام تحلیلها» الخ. و فی عنایة الأصول، ص155 بعد ذکر کلام صاحب الکفایة (قدس سره) فی الشق الثانی: «و فیه ما لایخفی أیضاً فإنّ المحمول إذا کان هو الإنسان المقید بالضحک علی أن یکون القید داخلاً فلاتنحلّ القضیة إلی قضیتین تامّتین بل تنحلّ إلی قضیتین إحداهما تامّة و هی الإنسان إنسان له الضحک و أخراهما ناقصة و هی محمول القضیة التامة أی إنسان له الضحک و شیء من القضیتین لیس ضروریاً قطعاً» الخ. و فی منتهی الأصول، ص102، بعد ذکر إیراد صاحب الکفایة (قدس سره) فی الشقّ الثانی: «و أنت خبیر بعدم تمامیة هذا الکلام لأنّ المرکب من أمرین تارة یکون کل جزء منه خبراً مستقلاً للمبتدأ المتقدّم علیهما مثل زید شاعر کاتب و أخری یکون المجموع خبراً واحداً من دون تقیید أحدهما بالآخر کقولک: "هذا الرمان حلو حامض" و ثالثة یکون المجموع أیضاً و لکن مع تقیید أحدهما بالآخر کقولک: "هذه رقبة مؤمنة" أو "زید رجل طویل القامة" و هذا الکلام لایستقم إلّا فی الشق الأوّل من هذه الشقوق الثلاثة ... و لا شکّ فی أنّ ما نحن فیه من قبیل الشقّ الثالث لأنّ المحمول فیه مصداق الذات مقیداً بکونه کذا فلاینحلّ إلی قضیتین کما توهم». و فی نهایة الأصول، ص68: «أمّا ما ذکره ثالثاً: من کون قضیة "الإنسان ناطق" منحلة إلی قضیتین فمردود أیضاً إذ المقصود لیس إلّا إثبات أمر واحد لموضوع فارداً عنی إثبات النطق للإنسان أو إثبات الشیئیة أو الإنسانیة المقیدة بالنطق له بناء علی أخذ الذات فی المشتق و لیس المقصود إثبات الإنسانیة للإنسان و إثبات النطق له ثانیاً». و فی الرافد، ص319: «أمّا الشق الثانی من کلامه فیرد علیه وجهان: أوّلاً: إنّ التحلیل العقلی لعقد الحمل فی قولنا: "الإنسان کاتب" بناءً علی الترکیب یقتضی الالتزام بأحد أمرین علی سبیل منع الخلو: إمّا عدم الانقلاب و إمّا الانقلاب الصحیح ... و ثانیاً: إنّ دعوی انحلال عقد الحمل - و هو قولنا إنسان له الکتابة- إلی قضیتین معناه أخذ المحمول - و هو لفظ کاتب- علی نحو العموم الاستغراقی بلحاظ أجزائه التی ینحلّ إلیها بناءً علی الترکیب مع أنّ القول بالترکیب یقتضی النظر إلی المحمول علی نحو العموم المجموعی و هو کون المحمول عبارة عن وحدة ترکیبیة اعتباریة تنتفی بانتفاء أحد أجزائها فلاتوجد حینئذٍ قضیتان مختلفتان جهة و محمولاً کما هو المدعی».

و أمّا الوجه فی بطلان الانحلال فهو أنّه إن أرید بالانحلال انحلال عقد الوضع إلی قضیة فعلیة أو ممکنة علی النزاع بین الشیخ الرئیس و الفارابی (قدس سرهما)، فهو جارٍ فی جمیع القضایا فلایختص ببعض دون بعض (لکنّه لیس مراد صاحب الکفایة (قدس سره) قطعاً کما صرّح به فی عبارته).

و إن أرید به الانحلال الحقیقی بأن یدّعی أنّ قضیة الإنسان کاتب مثلاً تنحل حقیقة إلی قضیتین ففیه أنّا لانعقل له معنی محصّلاً بل المحمول منحلّ إلی أمرین

ص: 531

و هذا لیس من انحلال القضیة إلی قضیتین. بل القضیة الأولی علی فرض الانحلال لیس مراد المتکلم لأنّ محمولها طبیعی الإنسان مع أنّ مراد المتکلم مصداق الشیء المتقید بحصة الضحک و هو أخصّ من طبیعة الإنسان (إنّ عقد الوضع هو اتصاف ذات الموضوع بوصف الموضوع مثلاً إذا قلنا: کل کاتب متحرک الأصابع فعقد الوضع هو زید الکاتب و الشیخ الرئیس (قدس سره) یقول بأنّ عقد الوضع ینحل إلی قضیة مطلقة عامة یعنی زید الکاتب بالفعل و الفارابی (قدس سره) یقول بأنّ عقد الوضع ینحل إلی قضیة ممکنة یعنی زید الکاتب بالإمکان العام).

فالحق مع صاحب الفصول (قدس سره) و إشکال السیّد الشریف علی أخذ مصداق الشیء فی المشتق لا وجه له.

المناقشة الثانیة: عن الحکیم السبزواری و تبعه المحقق الخراسانی (قدس سرهما)

((1))

قال المحقق السبزواری (قدس سره):((2)) إنّ أخذ مصداق الشیء یوجب أخذ النوع فی الفصل((3)) و هذا أسدّ و أحکم ممّا جعله السیّد الشریف (قدس سره) .

ص: 532


1- قال فی الکفایة، ص54: «ثمّ إنّه لو جعل التالی فی الشرطیة الثانیة لزوم أخذ النوع فی الفصل ضرورة أنّ مصداق الشیء الذی له النطق هو الإنسان کان ألیق بالشرطیة الأولی بل کان أولی لفساده مطلقاً و لو لم یکن مثل الناطق بفصل حقیقی ضرورة بطلان أخذ الشیء فی لازمه و خاصته فتأمّل جیداً».
2- حاشیة الأسفار، ج1، ص42.
3- قال فی نهایة النهایة، ص80 فی توضیحه: «إنّ من جملة أجزاء النوع هو الفصل فیلزم بالآخرة أخذ الفصل فی نفسه و بالجملة أخذ الذات فی المشتق یستلزم ترکب الفصل من نفسه و من النوع المرکب من الجنس و الفصل المفروض کونه نفس مدلول اللفظ ابتدأ». و فی نهایة الدرایة، ص149 عند التعلیقة علی قوله: «لزوم أخذ النوع فی الفصل»: «التحقیق أنّ النطق و هو إدراک الکلیات لیس لازماً لماهیة الإنسان بل لهویة النفس الإنسانیة فیلزم دخول الشیء فی لازم وجوده و من الواضح أنّ الشیء لایتأخر بالوجود عن وجود نفسه إلّا أن یقال کما أشرنا إلیه فی بعض الحواشی المتقدّمة أنّ الناطق ماله نفس ناطقة و الفصل الحقیقی مبدأ هذا العنوان فدخول الإنسان فی هذا العنوان لایستلزم الدخول فی الفصل الحقیقی و کذا لو قلنا بأنّ الناطق لازم الفصل فإنّ اللازم الحقیقی مبدئه لا المعنی الاشتقاقی و الاشتقاق لتصحیح الحمل فی مقام التعریف فلایلزم دخول النوع فی لازمه و لا فی لازم وجوده».

و وجّهه صاحب الکفایة (قدس سره) بأنّه أولی لفساده مطلقاً و إن قلنا بأنّ الناطق لیس فصلاً حقیقیاً حیث یلزم حینئذٍ أخذ النوع فی العرضی الخاص.

المناقشة الثالثة: من المحقق الخوئی (قدس سره)

((1))

قال المحقق الخوئی (قدس سره):((2)) إنّ هذه الدعوی باطلة لاستلزامها تکثّر معنی المشتق حیث إنّ الذات المأخوذة فی کل واحدة من الجمل مباینة للذات المأخوذة فی غیرها (مثل زید قائم و الجدار قائم) فیلزم أن یکون الوضع عاماً و الموضوع له خاصّاً و هذا مخالف للفهم العرفی.

و المتحصل إلی هنا هو أنّ أخذ مفهوم الشیء فی المشتق لا محذور فیه و إشکال السیّد الشریف و المحقق النائینی (قدس سره) مخدوش بما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) .

و أمّا أخذ مصداق الشیء فی المشتق فهو أوّلاً مستلزم لأخذ النوع فی الفصل کما أفاده الحکیم السبزواری و المحقق الخراسانی (قدس سرهما) و ثانیاً إنّه خلاف المتفاهم العرفی کما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) فی المناقشة الثالثة.

ص: 533


1- فی نهایة الأصول، ص69: «إنّه یلزم علی القول بأخذ مصادیق الشیء فی المشتقات کون الوضع فیها عامّا و الموضوع له خاصاً فإنّ مصادیق الشیء أمور غیر متناهیة لایمکن لحاظها حین الوضع إلّا بعنوان جامع و الفرض أنّ ألفاظ المشتقات موضوعة لذوات المصادیق فیلزم ما ذکر».
2- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص 267 و ط.ج. ص305.
الدلیل الثانی علی بساطة المشتق: من الحکیم السبزواری و المحقق الخراسانی و المحقق النائینی (قدس سرهم)

((1))

قال المحقق السبزواری (قدس سره):((2)) دلیل آخر علی عدم دخل الذات فی المشتق هو أنّا نعلم بالبدیهة أنّه لیس فی توصیف الثوب بالأبیض تکرار الموصوف أصلاً لا بطریق العموم و لا بطریق الخصوص و الحال أنّه لو اعتبر فیه الشیء (و الذات) لیلزم التکرار فإنّ الترکب مستلزم لتکرار الموصوف سواء قلنا بأنّ المشتق مرکب من مفهوم الشیء أم من مصداق الشیء.

و قد أوضحه صاحب الکفایة ((3)) و أیضاً المحقق النائینی (قدس سرهما) ((4)) بأنّ أخذ مفهوم الشیء فی المشتق مستلزم لتکرار الموضوع فی قضیة زید قائم و الإنسان کاتب و أمثال ذلک و هذا خلاف الضرورة و الوجدان.

جواب المحقق الخوئی (قدس سره): (5)

إنّ المحقق الخوئی (قدس سره) فصّل هنا بین أخذ مفهوم الشیء فالتزم بعدم لزوم

ص: 534


1- و فی حاشیة علی کفایة الأصول، ص134: «و الشاهد علیه... عدم التکرار وجداناً فی مثل "زید عالم" مع أنّه علی فرض أخذ الذات فی مفهومه یلزم التکرار».
2- تعلیقة الأسفار، ج1، ص42.
3- کفایة الأصول، ص54 قال (قدس سره): «یمکن أن یستدلّ علی البساطة بضرورة عدم تکرار الموصوف فی مثل "زید الکاتب" و لزومه من الترکب و أخذ الشیء مصداقاً أو مفهوماً فی مفهومه» و لکن فی حقائق الأصول، ص128: «هذه الضرورة غیر ظاهرة بعد ما اشتهر و ارتکز فی الأذهان أنّ معنی المشتق ذات لها المبدأ».
4- أجود التقریرات، ط.مؤسسة صاحب الأمر (عجل الله تعالی فرجه)، ج1، ص100.
5- . المحاضرات، ط.ق. ج1، ص 275 و ط.ج. ص315 و فی وسیلة الوصول، ص172: «فیه: أنّه لو أخذ مصداق الشیء یلزم التکرّر لأنّه یصیر المعنی فی: "زید کاتب"، "زید زید کاتب" و أمّا لو أخذ فیه مفهوم الشیء فلایلزم التکرّر لأنّه یصیر المعنی حینئذٍ زید شیء له الکتابة و لیس فیه تکرّر». و فی منتهی الأصول، ص100: «فیه أنّه لو کان المأخوذ فیه هو مفهوم الذات لا مصداقها لارتفع کلا الإشکالین أمّا الإشکال الثانی فواضح لأنّ مبناه علی أخذ المصداق لا المفهوم و أمّا الأوّل فلأنّ الموضوع فی القضایا غالباً هو مصداق الذات و المأخوذ فی جانب المحمول - أی المشتق- هو المفهوم علی الفرض فلا تکرار و لا رکاکة فی حمل مفهوم الذات متصفة بصفة علی مصداقها». و فی مباحث الأصول، ص244: «أمّا لزوم التکرّر من أخذ المفهوم أو المصداق فقد مرّت الإشارة إلی دفعه فیما تقدّم و الظاهر عدم لزومه فی أخذ الشیء و نحوه من المفاهیم العامة و لیس تطبیق الکلی علی مصادیقه مستلزماً للتکرار و لیس لاعتبار المصداق وجه حتی یدفع محذور التکرار فیه بوجه». و راجع أیضاً مناهج الوصول، ص 224 و 225.

التکرار و بین أخذ مصداقه فالتزم حینئذ بلزوم التکرار فقال:

إنّ المأخوذ فی المشتق شیء مبهم معرّی عن کل خصوصیة من الخصوصیات ما عدا قیام المبدأ به و لا تعیّن له إلّا بالانطباق علی ذوات معینة فی الخارج کزید و عمرو و نحوهما و علیه لایلزم التکرار بداهة أنّه لا فرق بین جملة «الإنسان کاتب» و جملة «الإنسان شیء له الکتابة» و ذکر کلمة «شیء» فی الجملة الثانیة لایعدّ تکراراً.

نعم، إن قلنا بأنّ المأخوذ فی المشتق مصداق الشیء فیلزم التکرار و لکنّک عرفت أنّه خلاف الفهم العرفی.

الدلیل الثالث علی بساطة المشتق: من المحقق النائینی (قدس سره)
اشارة

(1)

إنّه قد استدلّ المحقق النائینی (قدس سره) علی بساطة المشتق بلغویة أخذ الذات فی

ص: 535


1- . ذکره فی الرافد، ص307 بعنوان الإیراد الثانی علی القول بالترکیب قال: «الإیراد الثانی: ما فی کلمات المحقق النائینی (قدس سره) من لغویة أخذ الذات فی مفهوم المشتق و بیانه یتمّ بأمرین: أ) إنّ المنطلق الذی انطلقت منه الحرکة اللغویة هو الحاجة للتفهیم و التفهم و مقتضاه عدم حشویة اللغة و زیادتها علی مقدار حاجة التفهیم و التفهم سواءً کانت اللغة ظاهرة فردیة کما یتصوّره معظم علماء الأصول أم کانت ظاهرة اجتماعیة کما هو المختار. ب) إنّ المتکلم فی مقام الإسناد یحتاج لتفهیم ثلاثة مدالیل: 1- الموضوع. 2- المحمول. 3- الربط بینهما ... فالقول ببساطة المشتق منسجم مع مقدار الحاجة للتفهیم بینما القول بالترکیب مستلزم لتفهیم موضوع القضیة مرتین» الخ ثمّ ذکر ملاحظات ثلاث علیه قال: «1) إنّ لغویة أخذ الذات فی مفهوم المشتق ناشئ من تکرار الدلالة علی الموضوع فی الجملة الإسنادیة المعتمدة علی الأعلام الشخصیة و هذا المنشأ غیر مطرد لجمیع موارد استعمال المشتق ... 2) إنّ محذور اللغویة الناشئ عن تکرار الإشارة للذات تارة علی نحو الصراحة و أخری علی نحو الاندماج مشترک الورود بین القول بالبساطة و القول بالترکیب ... 3) إنّ اللغة میثاق عرفی و تسالم عقلائی ناشئ عن الحاجة للتفهیم و التفهم عند المجتمع فتحدید دائرة اللغة تبعاً لتحدید مقدار الحاجة لها بید البناء العرفی نفسه لا بید العقل و الارتکاز العقلائی العرفی لایری تکرار الإشارة للذات مخلاً بمقدار الحاجة للتفهیم و التفهم».

المشتق فقال فی أجود التقریرات:((1)) إنّ الواضع الحکیم لابدّ أن یلاحظ فی أوضاعه فائدة مترتبة علیها و لاتترتب فائدة علی أخذ الذات أصلاً.

مناقشة المحقق الإصفهانی و المحقق الخوئی (قدس سرهما) علیه:

قال السیّد الخوئی ((2))تبعاً للمحقق الإصفهانی (قدس سرهما):((3))

الجواب أنّ أخذه مصحح لحمل المبدأ علی الذات لاحتیاج حمل العرض علی موضوعه لأنّ وجود الجوهر مباین لوجود العرض خارجاً و ملاک صحة الحمل هو الاتحاد فی الوجود و مجرد اعتبار العرض لابشرط لایوجب اتحاده معه حیث

ص: 536


1- أجود التقریرات، ط. مؤسسة صاحب الأمر (عجل الله تعالی فرجه)،ج1، ص99.
2- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص275 و ط.ج. ص316 «لایخفی أن أخذ الذات فی المشتق مما لابد منه لاحتیاج حمل العرض علی موضوعه إلی ذلک» الخ.
3- نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ج1، ص219.

إنّ المغایرة بینهما لیست اعتباریاً حتی تنتفی باعتبار آخر.

الدلیل الرابع علی بساطة المشتق: من المحقق الشیرازی (قدس سره)
اشارة

((1))

نسبه إلیه المحقق النائینی (قدس سره) . ((2))

إنّه یلزم من أخذ الذات فی المشتق أخذ النسبة فیه أیضاً فیلزم اشتمال الکلام الواحد علی نسبتین فی عرض واحد إحداهما فی کل الکلام و هی النسبة التامة و الأخری فی محمول الکلام و هی النسبة التامة الخبریة و لحاظ النسبة التقییدیة متقدمة علی النسبة التامة الخبریة فی المحمول و علی النسبة التامة الخبریة فی کل الکلام فینقلب الإدراک التصوری إلی الإدراک التصدیقی.

الجواب عن الدلیل الرابع:

(3)

إنّ الإدراک التصوری لم ینقلب إلی التصدیقی بل هو مقدم علی الإدراک التصدیقی و لا مانع من وجود نسبتین فی الکلام إحداهما تقییدیة و الأخری تامة.

ص: 537


1- فی الرافد، ص310: «الإیراد الثالث: [علی القول بترکیب المشتق] ما فی کلمات المحقق النائینی (قدس سره) أیضاً و خلاصته: إنّ البرهان الآنی قائم علی بساطة المشتق لا علی ترکیبه بیان ذلک: إنّ المشتق لو کان مرکباً لکان متضمناً لمعنی النسبة الإسنادیة و النسبة معنی حرفی فیکون المشتق متضمناً لمعنی حرفی و کل ما هو متضمن لمعنی حرفی فهو مبنی لا معرّب بحسب القاعدة النحویة فلازم ذلک کون المشتق مبنیاً و لکنّه معرّب و إعرابه دلیل بساطته و عدم ترکیبه» ثمّ ذکر عدّة وجوه فی الملاحظة علی هذا الإیراد.
2- أجود التقریرات، ط.مؤسسة صاحب الأمر (عجل الله تعالی فرجه)، ج1، ص100.
3- . فی المحاضرات، ط.ق. ج1، ص276 و ط.ج. ص316: «أمّا ما ذکره (قدس سره) أوّلاً: من لزوم اشتمال الکلام الواحد علی نسبتین فی عرض واحد فیرده: أنّ ذلک لو صحّ فإنّما یلزم فیما لو کان المأخوذ فیه ذاتاً خاصة مع أنّه لایلزم علی هذا أیضاً لأنّ النسبة فی طرف المحمول لم تلحظ بنفسها و باستقلالها لتکون نسبة تامّة خبریة فی عرض النسبة فی تمام القضیة بل هی نسبة تقییدیة مغفول عنها فی الکلام و إنّما تصیر تامّة خبریة فی صورة الانحلال و هی خلاف الفرض و لا مانع من اشتمال الکلام الواحد علی نسبة تقییدیة و نسبة تامّة خبریة فلو کان هذا محذوراً لم یختص ذلک بالمشتقات بل یعمّ کثیراً من القضایا و الجملات کما لایخفی. هذا کلّه علی تقدیر أن یکون المأخوذ فی مفهوم المشتق مصداق الشیء و لکن عرفت أنّ الأمر لیس کذلک بل المأخوذ فیه هو ذات مبهمة معراة عن کل خصوصیة من الخصوصیات ما عدا قیام المبدأ بها و علیه فلا موضوع لما أفاده (قدس سره) ».

و النسبة التی فی المشتق فی محمول القضیة و إن کانت فی تقریر بعض المنطقیین نسبة تامة حیث اظهروها بقولهم: «ذات ثبت له النطق» ولکن یمکن اظهارها بصورة النسبة الناقصة و هی قولهم: «ذات ثابت له النطق» مع أن الکلام فی النسبة التی بین الذات و الوصف و المراد من الوصف هنا عبارة «له النطق» و هذا الوصف کما یمکن تبیینها بصورة النسبة التامة (ثبت له النطق) یمکن تبیینها أیضاً بصورة النسبة الناقصة.

نعم، وجود النسبتین التامتین فی الکلام تکرار و هذا یرجع إلی استدلال المحقق السبزواری (قدس سره) (حیث إنّ تکرار الموصوف یوجب تکرار النسبة).

نعم، هذا الإشکال متّجه علی القائل بالترکیب إذا أخذ مصداق الشیء فی المشتق لا فی ما أخذ مفهومه کما هو الحق عند القائل بالترکیب (مثل المحقق الخوئی و السیّد الصدر (قدس سرهما)).

الدلیل الخامس علی بساطة المشتق:

و هو استدلال المحقق الإصفهانی (قدس سره) علی بساطة المشتق بالبساطة العنوانیة (و إن کان مرکباً من جهة أخری).

قال المحقق الإصفهانی (قدس سره):((1)) تحقیق الحق فی المقام یقضی باعتبار أمر مبهم

ص: 538


1- نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ج1، ص219.

مقوّم لعنوانیة العنوان لمکان الوجدان و البرهان.

أمّا الوجدان: فإنّا نتصور عند سماع لفظ القائم صورةً مبهمةً متلبّسة بالقیام و وحدانیته فی الذهن علی حدّ وحدانیته فی الخارج، فکأنّ الصورة الخاصة الخارجیة انطبعت فی مرآة الذهن.

أمّا البرهان: فإنّ المبدأ حیث إنّه مغایر لذی المبدأ لایصح الحکم باتّحاده معه فی الوجود و إن اعتبر فیه ألف اعتبار، إذ جمیع هذه الاعتبارات لاتوجب انقلاب حقیقة المبدأ عمّا هی علیه من المباینة و المغایرة و لیست المغایرة بمجرد الاعتبار حتی تنتفی بالاعتبار.

و من المعلوم أنّ النسبة الواجدیة ما لم یعتبر فی طرفها الأمر المبهم المقوم للعنوان لم یصح حمل نفسها علی ما یقوم به المبدأ (الموضوع) و المجموع من المبدأ و النسبة أیضاً کذلک (و سیأتی تحقیق ذلک ضمن الأمر الآتی عند بیان رابطة المشتق و المبدأ).

فلا مناص من وضع هیأة ضارب للعنوان البسیط و هی الصورة المتلبسة بالقیام المبهمة من جهة کونها جوهراً أو عرضاً أو أمراً اعتباریاً بل هی مبهمة من حیث إنّها عین المبدأ فی الخارج أو لا، فالوجود موجود لهذا الوجه.

بل هی مبهمة من جهة مفهوم الذات أو الشیء و المفاهیم المندرجة تحتهما و لذا لاینافی القول بعدم أخذ الذات (عموماً أو خصوصاً) فی المشتقات ما ذکرنا.

و اعتبار هذا الأمر المبهم لاینافی البساطة العنوانیة، بمعنی تمثّل صورة وحدانیة فی الذهن علی حدً الوحدانیة فی الخارج.

فالمشتق بحسب وجوده الجمعی بسیط بهذا المعنی من البساطة و بحسب وجوده الفرقی التفصیلی «ما له مبدأ الاشتقاق».

ص: 539

مناقشة المحقق الخوئی (قدس سره) ((1)) فی الدلیل الخامس: ((2))

إنّ المحقق الخوئی (قدس سره) ناقش فی نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) حیث قال: إنّ الأمر المبهم لیس من مفهوم الذات و لا من المفاهیم المندرجة تحتها، فقال:

إنّ شیخنا المحقق بعد ما اعترف بمغایرة المشتق و مبدئه و أنّ مفهوم المشتق قد أخذ فیه ما یصح حمله علی الذات ذکر أنّ المأخوذ فیه هو الأمر المبهم من جمیع الجهات لمجرد تقوّم العنوان و لیس من مفهوم الذات و لا من المفاهیم المندرجة تحتها فی شیء، بل هو مبهم من جهة انطباقه علی المبدأ نفسه کما فی قولنا: «الوجود موجود» أو «البیاض أبیض» و من جهة عدم انطباقه علیه کما فی قولنا: «زید قائم».

و الإشکال علیه (المحقق الإصفهانی (قدس سره)) یبتنی علی مقدمتین:

المقدمة الأولی: أنّ الأمر المبهم القابل للانطباق علی الواجب و الممکن و الممتنع یکون عنواناً عاماً یدخل تحته جمیع ذلک و المقدمة الثانیة: أنّا لانجد فی المفاهیم أوسع من مفهوم الشیء و الذات.

ص: 540


1- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص282 و ط.ج. ص323.
2- فی مباحث الأصول، ص239: «لایخفی أنّ إبهام ما وضع له اللفظ إن رجع إلی المجهولیة فلایعقل جهل الواضع بالموضوع له و إن رجع إلی الإطلاق فلابدّ من تشخیص مصبه و لیس فی کلامه الشریف ما یمنع عن أخذ الشیء و لا عن التعبیر عنه بالشیء المتلبس بالضرب مثلاً فإنّ الصورة المتلبسة تشمل علی محاذیر أخذ الشیء المتلبس و لاتزید علی محاسنه و التوسعة المترائاة من الصورة المبهمة حاصلة فی الشیء المتلبس أیضاً ... و الذی ینقدح فی الذهن: أنّ حال الهیأة الاشتقاقیة مع الجملة الدالة علی تحقق النسبة بطرفیها مطابقة فی کیفیة الدلالة و تعیین المدلول کحال السقف مع البیت فی الأسماء فی أنّ المعتبر واحداً اعتباریاً قد یوضع اللفظ لمجموع أجزائه بلا أولویة لبعضها فیکون المجموع مدلولاً مطابقیاً له و قد یوضع لبعض ذلک المجموع فی حال الاجتماع فیکون غیر ذلک البعض مدلولاً التزامیاً» الخ.

و النتیجة هی أنّ المراد من الأمر المبهم هو مفهوم الذات و الشیء.

یلاحظ علیه:

إنّ نظر المحقق الإصفهانی (قدس سره) إلی أنّ الشیئیة تساوق الوجود و إطلاق الشیء علی الممتنع لایخلو عن التسامح.

أمّا مفهوم الذات فلیس مرادفاً لمفهوم الشیء و لا مساوقاً له و لذا إنّ الوجود المنبسط مثلاً (و هو الوجود المطلق المتقوم) لا ماهیة له و لا ذات، کما أنّ بعض الأعلام صرّحوا بذلک و برهنوا علیه، فمفهوم الذات لایمکن أن یشمله بخلاف مفهوم الشیء فإنّه یشمله.

و هکذا فی الممتنع بالذات فإنّه لا ماهیة له و لا ذات بل لایعمّه مفهوم الشیء أیضاً و لذا قال بإبهامه من تلک الجهات و للکلام تتمة ستأتی.

ملاحظتنا علی نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره)

لابدّ من الإبهام من جهة وصف المتلبس لما سیأتی (حتی یشمل ما له المبدأ و ما هو المبدأ) و التعبیر بالنسبة الواجدیة کما صرّح به فی نهایة الدرایة ((1)) هو الأولی.

و التحقیق هو أنّ البساطة علی أربعة أقسام:

الأول: البساطة المفهومیة؛

الثانی: البساطة الإدراکیة و اللحاظیة و التصوریة؛

الثالث: البساطة التحلیلیة و الحقیقیة؛

ص: 541


1- نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ج1، ص220.

الرابع: البساطة العنوانیة أی البساطة فی التصویر لاالبساطة فی التصوّر فنرید من البساطة العنوانیة بساطة نفس العنوان من غیر نظر إلی ما یشتمل علیه من المفاهیم بل بما أنّه عنوان واحد و تصویر فأرد ولکن البساطة بهذا المعنی لیس محل النزاع، کما صرّح به المحقق الإصفهانی (قدس سره) أیضاً.

الاستدلال علی ترکّب المشتق
اشارة

((1))

استدلّ المحقق الخوئی (قدس سره) علی ترکب المشتق بوجهین: ((2))

لعلّ کلماته متخذة من عبارات أستاذه المحقق الإصفهانی (قدس سره) ((3)) إلّا أنّه خالف أستاذه فی أمرین: فی إبهام الأمر المأخوذ فی المشتق من حیث کونه مفهوم الذات و الشیء و فی أنّ الصورة المتلبسة بالقیام مثلاً أمر وحدانی و له البساطة العنوانیة من وجه و الترکّب من وجه آخر

ص: 542


1- فی تعلیقة علی معالم الأصول، ج2، ص408: «الجهة الأولی: قضیة ما حققناه من ثبوت وضعین لکل مشتق ترکّب مفهومه ضرورة اقتضاء تعدّد الوضع المقصود منه الدلالة تعدّد الدلالة و هو فرع علی تعدّد المدلول کما أنّه فرع علی تعدّد الدال من غیر فرق فی ذلک بین المشتقات الفعلیة و الاسمیة حتی نحو اسمی الفاعل و المفعول» الخ. و فی ص410: «التحقیق علی ما یساعد علیه النظر هو [القول] الأوّل [أی ترکب المشتق] و وجهه - مضافا إلی ما مرّ من قضیة ثبوت الوضعین- التبادر فی مثل "أکرم العالم" و "رأیت عالماً" علی ما یدرک بالوجدان من انفهام الذات و الوصف القائم بها و لذا یتردّد الذهن فی الثانی لمکان الإبهام فی الذات المدلول علیها و یصحّ السؤال عن تعیینه بعبارة "و من العالم"». و راجع أیضاً المحاضرات، ط.ق. ج1، ص281 و ط.ج. ص322 و الرافد، ص336.
2- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص 268 و ط.ج. ص306 «یدل علی ترکب المعنی الاشتقاقی بالمعنی الذی أوضحناه الوجدان و البرهان» الخ.
3- نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ج1، ص219.
الوجه الأوّل: التبادر بالوجدان
اشارة

إنّ المتبادر عرفاً من المشتق عند إطلاقه هو الذات((1)) المتلبّسة بالمبدأ علی نحو الإبهام و الاندماج مثلاً عند إطلاق لفظ ضارب تمثّل فی النفس ذات مبهمة متلبسة بالضرب و هکذا و هذا المعنی وجدانی لا ریب فیه.

إشکال علی تبادر الذات من المشتق:

إنّ مفاد الهیأة لابدّ أن یکون معنی حرفیاً، فلاتدلّ علی مفهوم الذات و الشیء، لأنّهما مفهومان اسمیان.

الوجه الثانی: البرهان
اشارة

إنّه لایمکن تصحیح حمل المشتق علی الذات إلّا بأخذ مفهوم الشیء فیه لأنّ المبدأ مغایر لها ذاتاً و عیناً و لایمکن تصحیح حمله علیها بوجه، لمکان المغایرة بینهما حقیقة و خارجاً و مجرد اعتباره لابشرط لایوجب اتحاده معها و لایقلبه عمّا هو علیه من المغایرة و المباینة، لأنّ المغایرة لم تکن اعتباریة لتنتفی باعتبار آخر.

ص: 543


1- فی المحاضرات، ط.ق. ج1، ص267 و ط.ج. ص306: «ما هو المراد من الذات المأخوذة فی المشتقات؟ فنقول: المراد منها ذات مبهمة فی غایة الإبهام و معراة عن کل خصوصیة من الخصوصیات ما عدا قیام المبدأ بها فهی لمکان إبهامها و اندماجها قابلة للحمل علی الواجب و الممکن و الممتنع علی نسق واحد بل هی مبهمة من جهة أنّها عین المبدأ أو غیره و من هنا یصدق المشتق علی الجوهر و العرض و الأمر الاعتباری و الانتزاعی و الزمان و ما فوقه من الواجب تعالی و غیره علی وتیرة واحدة من دون لحاظ عنایة فی شیء منها فهی کالموصولات فی جهة الإبهام فکما أنّها مبهمة من جمیع الجهات إلّا من ناحیة صلتها - و لذا سمّیت بالمبهمات - فکذلک هذه و من هنا یصحّ التعبیر عنها ب "ما" و "من" الموصولتین أو بکلمة "الذی" علی اختلاف الموضوعات باعتبار کونها من ذوی العقول أو من غیرها».
یلاحظ علیه:

إنّ إبهام الصورة المتلبسة یقتضی التعبیر عنها بلفظ ما الموصولة لأنّ إبهامها أکثر من إبهام مفهوم الشیء و الذات بل إنّ ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) من وصف التلبس للصورة المبهمة مختصّة بمثال القیام و ما أشبهه و لم یدع تعمیمها لسائر الموارد مثل «الوجود موجود» فإنّ تلبس الصورة المبهمة بالمبدأ یتمّ فی «زید قائم» و لکنّه لایتمّ فی مثل إطلاق الموجود علی نفس الوجود.

فالمشتق کما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) یلاحظ بصورتین:

فإنّه قد یلاحظ بوجوده الجمعی((1))

و هذا بوجوه ثلاثة:

الوجه الأول: بملاحظة صورة مبهمة بسیطة عند المحقق الإصفهانی (قدس سره) لکن هذه الصورة متلبسة بالقیام.

(أقول: إنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) یری بساطة هذه الصورة ولکن یلاحظ علیه: أوّلاً: أنّه یقول: موضوع البحث هو البساطة التحلیلیة مع أنّ الصورة المذکورة المتلبسة بالقیام عند التحلیل لیست بسیطة بل هی مرکب تحلیلی من صورة المعروض إبهاماً و عرضه الذی هو القیام. و ثانیاً: أنّ الالتزام بالبساطة الإدراکیة و اللحاظیة فی الصورة المبهمة المتلبسة بالقیام ممنوع، لأنّا کما ندرک هذه الصورة هکذا ندرک قیامه فالمدرک متعدّد. نعم لابدّ من أن یراد هنا من البساطة البساطة العنوانیة بالمعنی المتقدم.)

ص: 544


1- أیضاً المشتق الأصولی الذی هو من قبیل الذاتیات (و إن لم یتصور فیه الوجود الجمعی لأنّه من الماهیات) حمله علی الذات لیس تلبس الذات به مثل الإنسان ناطق.

و الوجه الثانی: بملاحظة تلک الصورة مع المبدأ و لکن علی مبنی صدر المتألهین (قدس سره) فی الحرکة الجوهریة و مبنی آقا علی المدرس (قدس سره) من اتحاد العرض و معروضه وجوداً.

و الوجه الثالث: فی مثل الوجودموجود و البیاض أبیض((1)) (و هکذا إطلاق أسمائه الذاتیة) و المشتق بهذا اللحاظ بسیط.

و قد یلاحظ بوجوده الفرقی التفصیلی و هذا بملاحظة الصورة المبهمة و النسبة الواجدیة و ما له المبدأ و المشتق بهذا المعنی مرکب (إنّ صیغة اسم المکان لایتصور فیها البساطة قطعاً) و لمّا کان المتفاهم العرفی هو وحدة الوضع والموضوع له فی المشتقات و انتفاء الاشتراک اللفظی فلابدّ من تصویر معنی المشتق بحیث یکون جامعاً للوجود الجمعی و الوجود الفرقی.

فالمشتق موضوع للمعنی الجامع بین ما له المبدأ و ما هو المبدأ و لابدّ حینئذ من ملاحظة الإبهام فی ناحیة التلبس و العینیة (له و هو هویة) و إن کانت النسبة التلبسیة غیر النسبة العینیة و لا جامع حقیقی بین النسبتین، لکن یکفی فی الوضع للأعم منهما الجامع العنوانی الأعم.

کما قلنا سابقاً (عند الإشکال علی المحقق النائینی و المحقق الإصفهانی (قدس سرهما) فی إمکان وضع المشتق للمتلبس و المنقضی عنه المبدأ): إنّ الوضع للمعنی الأعم من أنحاء النسب لایتوقف علی أن یکون الموضوع له هو المعنی الجامع الأعم حتی یقال باستحالة الجامع الحقیقی بین أنحاء النسب التی هی مفاد الهیئات بل

ص: 545


1- بعض الأساطین (حفظه الله) یلتزم بمجازیة استعمال الوجود موجود و البیاض أبیض و لذا لایرتضی بإبهام الصورة المذکورة من حیث إنّها عین المبدأ أو لا، بل یقول بخروج موارد عینیة الصورة للمبدأ عن وضع المشتق و سیأتی ما فی الأمر الرابع.

الموضوع له ذوات النسب بل یکفی تصور الجامع العنوانی((1))حین الوضع بحیث یکون الموضوع له معنونه، و هذا سرّ الإبهام الذی تصوره الإصفهانی (قدس سره) فی الموضوع له إلّا أنّه لابدّ من ملاحظة الإبهام فی ناحیة النسبة التلبسیة و النسبة العینیة.

ص: 546


1- و هو النسبة الواجدیة؛ إنّ السیّد الخوئی (قدس سره) فی المحاضرات ط.ق. ج1، ص292 و ط.ج. ص335 و 336، یقول بأنّ المراد من التلبس الواجدیة و هی کما تصدق علی واجدیة الشیء لغیره کذلک تصدق علی واجدیة الشیء لنفسه و فیه أنّ ما أفاده فی أعمیة الواجدیة صحیح و لکن التلبس لیس بمعنی مطلق الواجدیة بل واجدیة الشیء لنفسه لایعدّ تلبساً.
التنبیه الثانی: الفرق بین المشتق و المبدأ
اشارة

قد اشتهر بین الحکماء أنّ الفرق بین المبدأ و المشتق هو باعتبار لابشرط و بشرط لا؛((1)) و لهذا الکلام تفسیران مهمّان: (2)

اختلف صاحب الکفایة و صاحب الفصول (قدس سرهما) فی تفسیر ذلک.

ص: 547


1- فی مباحث الأصول، ص229: «أمّا کون المشتق نفس المبدأ لابشرط بأن یکون الفرق بینهما هو اعتبار البشرط لائیة فی المبدأ دون المشتق منه فقد عرفت فساده و أنّ الصالحیة للحمل و الاتحاد لایکون جزافاً أو اعتباریة بلا منشأ صحیح و أنّه یتعین أن یکون هناک شیء یصلح للاتحاد مع الموضوع و لیس إلّا عنواناً ینطبق علی ذات الموضوع فی حال تلبسه بالمبدأ» الخ. و فی الرافد، ص276 کلام لایخلو من فائدة فإنّه بعد أن ذکر أنّ الاعتبار عمل إبداعی تقوم به النفس بمقتضی خلاقیتها الفعالة و له أقسام ثلاثة: الاعتبار اللفظی و القیاسی و الحملی قال: «2- الاعتبار القیاسی: و هو الاعتبار المتقوّم بالمقارنة و المقایسة بین ماهیتین المسمی عند الفلاسفة بباب اعتبارات الماهیة مخلوطة مطلقة مجرّدة عند اعتبارات علیها موردة و یسمّی عند علماء الأصول بباب المطلق و المقید و تحلیله بثلاث نظریات: أ- ما طرحه الحکماء و مشهور الأصولیین من أنّ الماهیة کالرقبة إذا قیست إلی ماهیة أخری کالإیمان فإمّا أن تلاحظا متقارنتین و هو المعبّر عنه بشرط شیء و إمّا أن تلاحظا متنافرتین و هو المعبّر عنه بشرط لا و إمّا أن لاتلاحظا لا بلحاظ التقارن و لا بلحاظ التنافر و هو المعبّر عنه لا بشرط ... ب- ما ذهبنا إلیه من أنّ الذهن عند مقایسة ماهیة إلی ماهیة أخری إمّا أن یقوّم بخلق حالة من الالتحام و الارتباط بین الماهیتین و هو التقیید المعبّر عنه بشرط شیء و إمّا أن یقوم بالربط بین إحداهما و عدم الأخری و هو التقیید المعبّر عنه بشرط لا و إمّا أن لایقوم الذهن بخلق أی لون من ألوان الارتباط بین الماهیتین الملاحظتین ... ج- ما ذهب له الأستاذ السید الخوئی (قدس سره) من أنّ التقیید عبارة عن لحاظ الماهیة متحصصة بالماهیة الأخری وجوداً کالرقبة المؤمنة أو عدماً کالرقبة الغیر عربیة و الإطلاق عبارة عن لحاظ الماهیة مرسلة رافضة للقیود و التحصیص» الخ.
2- . فی بحوث فی علم الأصول، ص 323 - 326 بعد أن قال: «القول الأوّل ینحلّ إلی دعوی سلبیة ... و دعوی إیجابیة هی وضع الهیأة للدلالة علی اللابشرطیة من ناحیة الحمل» قال: «أمّا الدعوی الإیجابیة فبالإمکان تفسیرها بأحد وجوه: 1- ما هو مقتضی ظاهر عنوان لا بشرطیة الحمل و بشرط لائیته من اعتبار المبدأ بشرط لا و المشتق لا بشرط و قد اعترض علیه: بأنَّ اعتبار اللا بشرطیة لایصحح الحمل، بل لابدّ من الاتحاد و العینیة بین المحمول و المحمول علیه فلو کان المبدأ متّحداً مع الذات صحَّ حمله علیه و لو اعتبرناه لابشرط و ما أفید فی هذا الاعتراض من عدم کفایة اعتبار اللابشرطیة فی صحة الحمل صحیح ... 2- ما یظهر من خلال کلمات المحقق النائینی (قدس سره) تلویحاً أو تصریحاً من أنّ اللابشرطیة و البشرط لائیة لم تلحظ بالنسبة إلی الحمل ابتداءً بل لخصوصیة أخری فی مدلول اللفظ نتیجة صحة الحمل فی المشتق و عدمها فی المصدر و تلک الخصوصیة هی أنّ الأعراض أطوار و مظاهر للموجود الخارجی إلّا أنّها تلحظ تارة: بما هی طور من أطواره فیکون وجودها فی نفسها عین وجودها لموضوعها و بهذا الاعتبار تکون متحدة مع الموضوع و أخری تلحظ بما هی فتری کأنّها موجودة بوجود مستقل مغایر مع موضوعها ... و قد اعترض علیه السید الأستاذ (حفظه الله) بوجوه عدیدة ... 3- أن یراد باللابشرطیة و البشرط لائیة تباین المفهومین ذاتاً فالمصدر موضوع للحدث و هو مغایر مع الذات مفهوماً و وجوداً و بذلک یکون بشرط لا عن الحمل و المشتق موضوع لعنوان بسیط ینتزع عن الذات فی حال تلبسها بالمبدأ و بما أنّ العناوین الانتزاعیة متحدة مع مناشئها کان المشتق لابشرط من الحمل».
التفسیر الأوّل: من صاحب الفصول (قدس سره)

((1))

فقال صاحب الفصول (قدس سره) بأنّ مرادهم اعتباریة الفرق بین المبدأ و المشتق فإنّ المبدأ هو بشرط لا عن الحمل و المشتق هو لا بشرط من الحمل مع أنّ المفهوم منهما واحد((2)) و لذا استشکل علیهم بأنّ هذا الفرق ذاتی حیث إنّ الفرق بین

ص: 548


1- فی درر الفوائد، ص64: «قد یقال إنّها موضوعة للمعانی البسیطة التی لایکون لها جزء حتی عند التحلیل نظراً إلی ما یستفاد ممّا نقل من أهل المعقول من أنّ الفرق بین المشتق و مبدئه هو الفرق بین الشیء لابشرط و الشیء بشرط لا و ظاهر هذا الکلام بل صریحه أنّ المشتق و المبدأ یشترکان فی أصل المعنی و یختلفان بملاحظة الاعتبار».
2- فی الرافد، ص283 بعد أن قال: «إنّ المحقق النائینی (قدس سره) ذهب إلی القول ببساطة المشتق و أنّ الموضوع له فیه هو نفس المعنی الموضوع له المبدأ و لا فرق بینهما إلّا تضمن المشتق لحیثیة اللابشرط عن الحمل و تضمن المبدأ حیثیة البشرط لا عنه» ذکر عدة إیرادات علیه: «الإیراد الأوّل: ما طرحه بعض الأعاظم و خلاصته أمران: أ- إنّ الحمل متقوّم بشرط واقعی و هو الاتحاد المفهومی فی الحمل الأوّلی و الاتحاد الوجودی فی الحمل الشائع فإذا تمّ هذا الشرط بین طرفین صحّ حمل أحدهما علی الآخر بلا حاجة لاعتبار اللابشرط ... ب- إنّ ما ذکره الحکماء فی باب اعتبارات الماهیة و هو أنّ الماهیة قد تؤخذ بنحو اللابشرط و قد تؤخذ بنحو البشرط لا و قد تؤخذ بشرط شیء لایمکن حمله علی ظاهره و ذلک لأنّ ظاهره تغیر الواقعیات بتغیر الاعتبارات و هو مستحیل ... فلابدّ أن یحمل الکلام علی غیر ظاهره و هو أنّ هذه الاعتبارات انعکاس عن الواقع نفسه ... و لکنّنا لانوافق علی هذا الإیراد لعدّة أمور: أوّلاً: إنّنا ذکرنا سابقاً أنّ الحمل عمل نفسی لا أنّه إدراک للواقع فقط فإنّ الوجدان شاهد بأنّ الإنسان بعد إدراکه للواقع و انفعاله به یقوم بحمل شیء علی شیء بخلق الهوهویة بینهما استناداً للاتحاد المفهومی أو الوجودی بینهما لا أنّ نفس الإدراک و الانفعال هو الحمل ... ثانیاً: إنّنا لاننکر أنّ الاعتبارات الذهنیة المذکورة فی باب اعتبارات الماهیة و باب الجنس و الفصل لیست مجرّد فرض ذهنی فقط بل لها مناشئ واقعیة و حیثیات وجودیة و لکن وجود المنشأ الواقعی لاینافی تحقق الاعتبار فالاعتبارات علی ثلاثة أنواع: 1- اعتبار لایستند لمنشأ واقعی بل هو مجرّد اختراع ذهنی بلا هدف أو بهدف التأثیر علی المشاعر و العواطف کالاعتبارات الأدبیة. 2- اعتبار یستند لمنشأ واقعی استناد المدعو إلیه للداعی کالاعتبارات القانونیة ... 3- اعتبار یستند لمنشأ واقعی علی نحو الاقتضاء لا العلیة التامة ... فالاعتبارات التی طرحها الفلاسفة فی باب اعتبارات الماهیة و باب الجنس و الفصل اعتبارات فرضیة ناشئة عن حیثیات واقعیة کما أوضحنا ذلک فلا مانع حینئذٍ من کون المشتق متحداً فی المعنی مع المبدأ و کون الفرق بینهما فرقاً اعتباریاً راجعاً إلی اللابشرط و البشرط لا بحیث یصحّ الحمل بناءً علی أحد الاعتبارین و لایصحّ بناءً علی الاعتبار الآخر و لا دلیل عندنا علی أنّ کل اعتبار لابدّ أن یکون قابلاً للزوال باعتبار یغایره فإنّ ذلک خاص بالاعتبارات الأدبیة و نحوها و أمّا الاعتبار الناشئ عن حیثیة واقعیة فلایزول ما دام المنشأ الواقعی له موجوداً» ثمّ ذکر الأمر الثالث فی الجواب عن الإیراد الأوّل و فی ص333: «أمّا القول بالبساطة الذی اختاره المحقق النائینی (قدس سره) و هو کون المبدأ و المشتق متحدین بالحقیقة مختلفین باللحاظ بمعنی أنّ الحدث إذا لوحظ بنحو اللابشرط فهو المشتق إذا لوحظ بنحو البشرط لا فهو المبدأ فهذا القول موضع للملاحظة من ناحیتین: أ- إنّ الفارق الذی طرحه المحقق النائینی (قدس سره) بین المبدأ و المشتق فارق لحاظی مرتبط بمرحلة الحمل و لیس فارقاً بین المبدأ و المشتق بما هما مع أنّنا نری بالوجدان أنّ الفارق بینهما أعمق و أوسع من مرحلة الحمل علی الذات ... ب- إنّ القول بالبساطة یقتضی الالتزام بالحمل الشائع المجازی و هو خلاف الارتکاز العرفی... و کل ذلک خلاف الارتکاز العرفی جزماً مع أنّه هو المرجع فی تشخیص المفاهیم و المدالیل ممّا یکشف عن ضعف القول بالبساطة».

الذات و العلم فی مثل زید عالم لیس اعتباریا بل الفرق بالذات و لذا یمتنع حمل العلم علی زید و إن اعتبر لا بشرط ألف مرّة.

ص: 549

التفسیر الثانی: من صاحب الکفایة (قدس سره)
اشارة

و قال صاحب الکفایة (قدس سره): إنّ مرادهم اختلاف المشتق و مبدئه مفهوماً لا اعتباراً فإنّ المشتق بمفهومه لایأبی عن الحمل علی ما تلبس بالمبدأ لما بینهما من نحوٍ من الاتحاد، بخلاف المبدأ حیث إنّه بمفهومه یأبی عن الحمل بل المبدأ غیر الموضوع الذی تلبس به و المراد من لا بشرط هو عدم إباء المفهوم عن الحمل و من بشرط لا إباء المفهوم عن الحمل.

والتحقیق هو فی مقامین: المقام الأوّل فی مراد أهل المعقول و المقام الثانی فی القول الصحیح.

المقام الأوّل: فی مراد أهل المعقول

إنّ الظاهر من کلمات بعض الحکماء بل صریح بعض کلماتهم هو اتحاد مفهوم المشتق و مفهوم مبدئه کما هو الصریح کلام المحقق الدوانی (قدس سره) بل قال صدر المتألهین (قدس سره) فی شواهد الربوبیة:((1)) «مفهوم المشتق عند جمهور علماء الکلام متحصّل من الذات و الصفة و النسبة و عند بعض المحققین (أی العلّامة الدوانی) هو عین الصفة لاتحاد العرض و العرضی عنده بالذات و الفرق بکون الصفة عرضاً غیر محمول إذا أخذ فی العقل بشرط لا شیء و عرضیاً محمولاً إذا أخذ لا بشرط».

قال المحقق الإصفهانی (قدس سره):((2)) إنّ إرجاع صاحب الکفایة (قدس سره) کلمات أهل المعقول إلی مختاره لعلّه لحسن ظنّه بهم.

ص: 550


1- شواهد الربوبیة، ص43.
2- نهایة الدرایة، ج1، ص247.
المقام الثانی: فی القول الصحیح

((1))

إنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی أوّل التعلیقة یقول بصحة مبنی صاحب الکفایة و صاحب الفصول (قدس سرهما) (حیث إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) اختار المبنی الصحیح و لکن توهم أنّه مبنی الحکماء، و صاحب الفصول (قدس سره) أیضا اختار المبنی الصحیح و لذا استشکل علی الحکماء) و یخالف المحقق الدوانی.

و استدل علی ذلک بأنّ طور الشیء لیس نفس الشیء فلا وجه لدعوی أنّه الشیء فملاحظة العرض من أطوار موضوعه لاتصحّح دعوی أنّ وجوده وجود موضوعه و إن کان وجوده فی نفسه وجوده لموضوعه.

و من الواضح أیضا أنّ تعدد العرض و موضوعه لیس بالاعتبار حتی ینتفی بطرو اعتبار آخر.

فإن قلت: فما الوجه فی حمل الجنس علی الفصل مع أنّ طبیعة الجنس فی الخارج غیر طبیعة الفصل؟

ص: 551


1- فی درر الفوائد، ص64: «تحقیق المقام أنّ الأعراض و إن کان لها وجود و لکن لیس وجودها إلّا مندکاً فی وجود المحل بحیث یعدّ من أطوار المحل و کیفیاته و هذا النحو من الوجود التبعی الاندکاکی قابل لأن یلاحظ فی الذهن علی قسمین: تارة یلاحظ علی نحو یحکی عن الوجود التبعی المندک فی الغیر و هو المراد من قولهم ملاحظته علی نحو اللابشرط و أخری یلاحظ علی نحو الاستقلال و یتصوّر بحیاله فی قبال وجود المحل و هو المراد من قولهم ملاحظته علی نحو بشرط لا فإذا لوحظ علی النحو الأوّل یکون عین المحل لأنّه من کیفیات وجود المحل و أطواره و لیس وجوداً مستقلاً فی قباله و إذا لوحظ علی النحو الثانی فهو وجود مستقل فی قبال المحل و علی النحو الأوّل یصحّ أن یقال باتحاده مع المحل و هو مفاد هیأة المشتق کضارب و قاتل و قاعد و أمثالها ممّا یحمل علی الذوات و علی النحو الثانی هو مفاد الألفاظ الدالة علی المواد کضرب و قعود و نحوهما ... و الحاصل انّ مقتضی ما ذکرنا أنّ مفهوم المشتق هو مفهوم آخر مباین لمفهوم المبدأ لا أنّهما متحدان ذاتاً مختلفان بالاعتبار».

قلت: إنّ التحقیق فیه کما عن صدر المتألهین هو أنّ الترکیب بین الجنس و الفصل ترکیب اتحادی حقیقی اتحاد المتحصل (الفصل) و اللّا المتحصل (الجنس) بخلاف الترکیب بین العرض و موضوعه فإنّه ترکیب انضمامی لا حقیقی لعدم اتحادهما فی الوجود و مع المغایرة الحقیقیة بینهما لایمکن حمل أحدهما علی الآخر بأی اعتبار کان.

ثمّ یستدرک عن ذلک بناء علی اتحاد الأعراض و معروضاتها فیقول((1)): نعم بناء علی اتحاد الأعراض مع موضوعاتها فی الوجود کما عن بعض أهل التحقیق (آقا علی المدرس (قدس سره)) بل یستفاد من بعض الأکابر فی مسألة إثبات الحرکة الجوهریة (من أنّ التبدّل فی الأعراض تبدل فی موضوعاتها و لولا الاتحاد لما صحّ ذلک) یصحّ حمل العرض علی موضوعه.

و المراد من الاتحاد نظیر اتحاد الجنس و الفصل و هو أنّ إفاضة الوجود تتعلق أوّلاً و بالذات بالموضوع و بعرضه ثانیاً، کما أنّ الوجود أولاً للصورة بما هی صورة و ثانیاً للمادة بما هی مادة و لهذا الاتحاد فی الوجود الساری فی الموضعین یصحّ الحمل إذا أخذ لا بشرط لا إذا أخذ بحسب مرتبة من الوجود و درجة من التحصّل و لانعنی بالحمل إلّا الاتحاد فی الوجود فقط و علی هذا المعنی من لابشرط و بشرط لا لابدّ من أن یحمل ما یوجد فی کلمات أهل النظر لا علی الوجه المشتهر الذی ذکره صاحب الکفایة (قدس سره) فافهم و تدبّر.

تتمة فی کلام المحقق الإصفهانی: ((2))

کل ما ذکرنا إنّما یصحّح حمل العرض علی موضوعه و اتحاد العرض و

ص: 552


1- نهایة الدرایة، ج1، ص229.
2- نهایة الدرایة، ج1، ص230.

العرضی بحسب الواقع لا أنّ مفهوم الأبیض عرفاً نفس حقیقة البیاض المأخوذة لا بشرط، إذ صحة الحمل لا ربط لها بالعینیة و الاتحاد من حیث المفهوم فی الأبیض و البیاض.

و غرض العلّامة الدوانی کما هو صریح کلامه و النافع للأصولی عینیة المفهومین ذاتاً و لا دلیل علیها.

ص: 553

التنبیه الثالث: ملاک الحمل (رابطة المشتق و الذات)
بیان المحقق الإصفهانی (قدس سره):

((1))

إنّ ملاک الحمل الذاتی هو الهوهویة بالذات و الحقیقة، و المغایرة بالاعتبار الموافق للواقع لا المغایرة بالاعتبار الفرضی.

و ملاک الحمل الشائع هو الاتحاد فی الوجود و المغایرة بالمفهوم، فلابدّ فیه من وجود واحد ینسب إلی صورتین معقولتین بالذات أو بالعرض فی الطرفین أو فی طرف واحد.

فملاک الحمل الذاتی الاتحاد فی الذات و التغایر الاعتباری و ملاک الحمل الشائع الاتحاد فی الوجود و التغایر المفهومی و علی هذا لایصح حمل أحد المتغایرین فی الوجود علی الآخر.

نظریة صاحب الفصول (قدس سره):
اشارة

((2))

یجوز حمل أحد المتغایرین بالوجود علی الآخر بالقیاس إلی ظرف التغایر بشروط ثلاثة:

1. أخذ المجموع من حیث المجموع أی تنزیل الأشیاء المتغایرة وجوداً منزلة شیء واحد و ملاحظتها من حیث المجموع فتحصل بین المتغایرین وجوداً

ص: 554


1- نهایة الدرایة، ج1، ص232.
2- الفصول، ص62.

وحدة اعتباریة.

2. أخذ الأجزاء لا بشرط حتی یصحّ حمل بعض الأجزاء علی الآخر و أیضاً حمل الأجزاء علی المرکب الاعتباری.

3. اعتبار الحمل بالنسبة إلی المجموع من حیث المجموع بأن یحمل الجزء علی مجموع الأجزاء (و لو فی حمل الجزء علی الجزء) حتی یصحّ الحمل و إلّا فالجزءان بما هما جزءان متغایران وجوداً و لا اتحاد بینهما و وجه الاتحاد هو ملاحظة الوحدة الاعتباریة فی الکل المرکب منهما فلابدّ من ملاحظة المرکب الاعتباری بوحدته حتی یصحّ الحمل.

و مثّل لذلک بقولهم: الإنسان جسم أو الإنسان ناطق فإنّ الإنسان مرکب فی الخارج حقیقة من بدن و نفس و البدن و النفس متغایران وجوداً و مفاد لفظ البدن و النفس هو بشرط لا و مفاد لفظ الجسم و الناطق هو لا بشرط.

إشکالان علی نظریة صاحب الفصول (قدس سره):
الإشکال الأوّل: عن صاحب الکفایة (قدس سره)

إنّ لحاظ المرکب و وحدته الاعتباری لیس مصحّحاً للحمل بل هو مخلّ بالحمل لأنّه یوجب المغایرة بین الموضوع و المحمول و بین الکل و جزئه و لا إشکال فی عدم جواز حمل الجزء علی الکل مثل الإنسان یدٌ.

الإشکال الثانی: عن المحقق الإصفهانی (قدس سره)

((1))

کما أنّ لابشرطیة لاتصحح حمل أحد المتغایرین فی الوجود علی الآخر، کذلک

ص: 555


1- نهایة الدرایة، ج1، ص233.

ملاحظتهما من حیث المجموع واحداً و اعتبار الحمل بالنسبة إلیه، إذ بناءً علی هذا لا اتحاد لأحد الجزأین مع الآخر فی الوجود کما لا اتحاد لأحدهما مع الکل بل الوحدة فی الحقیقة وصف اللحاظ و الاعتبار فلایصح أن یقال: هذا ذاک، بل هذا ذاک فی اللحاظ و الاعتبار الذی مرجعه إلی أنّه یجمعهما لحاظ واحد لا وجود واحد و الحمل هو اتحاد الموضوع و المحمول فی الوجود لا الجمع فی لحاظ واحد.

أمّا تمثیل صاحب الفصول (قدس سره) بحمل الناطق علی الإنسان (الإنسان ناطق) فیرد علیه: أنّ هذا الحمل لیس من باب حمل الجزء علی الکل بل حمل الناطق علی الإنسان دلیل علی الترکیب الاتّحادی و لذا استدلّ صدر المتألهین (قدس سره) علی الترکیب الاتحادی بین الجنس و الفصل بصحة حمل الناطق علی الإنسان.

ص: 556

التنبیه الرابع: رابطة المبدأ و الذات

الحق هو عدم اعتبار المغایرة بین الذات و المبدأ وجوداً بل یکفی التغایر المفهومی بل قد تکون الذات عین المبدء کما فی قضیة «الوجود موجود» و «البیاض أبیض» فإنّ الذات هی عین المبدء، کما أنّ النسبة بینهما النسبة الواجدیة و الواجدیة کما تصدق علی واجدیة الشیء لغیره کذلک تصدق علی واجدیة الشیء لنفسه (کما صرّح به المحقق الخوئی (قدس سره)).((1)) نعم، هذه الواجدیة أعمّ من التلبّس حیث إنّ التلبّس هو واجدیة الشیء لغیره لأنّه من اللبس (خلافاً للسیّد الخوئی (قدس سره) حیث قال: المراد من التلبس الواجدیة و خلافاً لصاحب الکفایة (قدس سره) حیث قال فی الأمر الخامس من التنبیهات عند البحث عن اتصاف الذات المتعال بالصفات الذاتیة: إنّ تلبس الذات تبارک و تعالی بالصفات الذاتیة تلبس بنحو العینیة).

و بعد بیان هذین الأمرین لایبقی شک فی حمل صفاته علیه تعالی بنحو الحقیقة لا المجاز کما توهمه صاحب الفصول (قدس سره) . ((2))

انتهی بحث المشتق.

ص: 557


1- فی المحاضرات، ط.ق. ج1، ص292 و ط.ج. ص335 و 336.
2- فی الفصول، ص62.

ص: 558

البحث الثالث: المبادی التصوریّة الأحکامیةلعلم الأُصول

اشارة

الفصل الأوّل: حقیقة الحکم

الفصل الثانی: مراتب الحکم

ص: 559

ص: 560

الفصل الأوّل: حقیقة الحکم

اشارة

إنّ الحکم ینقسم إلی الحکم التکلیفی و الحکم الوضعی فإنّ المجعول فی کلّ منهما غیر الآخر فلابدّ من البحث حولهما فی أمرین:

الأمر الأوّل: حقیقة الحکم التکلیفی و انقساماته

أما الأقوال فی حقیقة الحکم التکلیفی
القول الأوّل: البعث الاعتباری الانتزاعی
اشارة

قال الشیخ المحقق علی کاشف الغطاء (قدس سره): «... إنّ الحکم و تعیینه عبارة عن الإرادة أو هو البعث الاعتباری المنتزع من الإنشاء بداعی جعل الداعی».((1))

و علی هذا المنهج قال المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی نهایة الدرایة: «حقیقة الحکم هو البعث الاعتباری المنتزع من الإنشاء بداعی جعل الداعی.»((2))

ص: 561


1- النور الساطع فی الفقه النافع، ج2، ص162.
2- نهایة الدرایة، ج2، ص308. و فی الأصول علی نهج الحدیث: حقیقة الحکم إن کانت هی الإرادة، فلا محالة تشتدّ بوجود ملاک شدید أو بوجود ملاکین، لاستحالة تعلَّق إرادتین بمراد واحد، فلا فرق بین تعدد الملاک وشدّته، و علی أی حال الإرادة غیر قابلة للرفع، حیث إنّها صفة نفسانیة قهریة توجد بمبادئها لا بالاختیار، فلا وضع لها و لا رفع فضلا عن رفع شدّتها، و استصحابها بحدها الضعیف إنّما یجدی لو ترتب علیها أثر شرعی مع سبق الیقین بحدّها الضعیف واحتمال تبدله بالقوی، لا ما إذا دار الأمر بین القوی والضعیف من الأول، و إن کان الحکم هو البعث الاعتباری المنتزع من الإنشاء بداعی جعل الداعی فهو غیر قابل للشدة والضعف، فشدة الملاک وتعدده فی عرض واحد لکنه کالإرادة فی عدم تعقل تعلَّق بعثین بموضوع واحد. بحوث فی علم الأصول ص49.

و المراد من الإنشاء هنا لیس إنشاء الحکم فی عالم الاعتبار، بل المراد من الإنشاء هو الأمر فی القضیة الشرعیة الدالّ علی الحکم، کما صرّح به فی حاشیة المکاسب و نهایة الدرایة.((1))

یلاحظ علیه:

أوّلاً: بالنقض حیث إنّ فی الشریعة أحکاماً مجعولة، لم یصل ظرف إبلاغها و

ص: 562


1- «غایة ما یقتضیه ظهور الأمر فی الإنشاء بداعی جعل الداعی- لا بداعی تنجیز الواقع، و ظهوره فی عنوانیة موضوعه، و أنه بما هو مطلوب لا بما هو معرّف للواقع- هو انبعاث هذا الحکم الحقیقی عن مصلحة غیر مصلحة الواقع، و أمّا بدلیتها عن مصلحة الواقع فلا موجب لها.» نهایة الدرایة، ص454. «أنّ کل قضیة متکفلة للإنشاء بداعی جعل الداعی أو لثبوت حق من الحقوق فهی ظاهرة فی حقیقة الحکم و الحق المساوقة للفعلیة، و فی قباله الإرشاد إلی المقتضی و الملاک للحکم أو الحق، و الإرشاد إلی الملاک خلاف الظاهر من الإنشاء البعثی المتعلق بنفس المادة. ... أنّ الإنشاء بداعی جعل الداعی اقتضاء، بحیث یکون مع شرطه و عدم مانعه فعلیا و إن کان معقولا إلّا أنّه کما أنّ الظاهر هی المولویة دون الإرشاد، کذلک الظاهر هو الفعلی المترتب علیه الدعوة بلا شرط دون الاقتضائیة، و کذا الأمر فی القضیة المتکفلة لحق من الحقوق، فإنّ سوق القضیة فی مقام بیان ثبوت المحمول لموضوعه اقتضاء و إن کان معقولا کما فی القضایا المتکفلة للخواص و الآثار مثل «النار محرقة» و «الشمس مشرقة» و «السم قاتل» و «السنا مسهل» إلّا أنّ ظاهر کل قضیة فی نفسها فعلیة محمولها لموضوعها إلّا بقرینة تدل علی الثبوت اقتضاء. حاشیة کتاب المکاسب، المحقق الإصفهانی (قدس سره)، ج 4، ص100.

لذا تری أنّ الشارع لایبعث نحوها مع أنّها مجعولة و مسألة تأخیر البیان عن وقت الحاجة من هذا القبیل.

ثانیاً: بالحلّ حیث إنّ الحکم مقدّم رتبة علی البعث، فإنّ الشارع یوجد الحکم و ینشأه أوّلاً ثمّ یبعث المکلّف نحو المأمور به بإظهار الحکم فی القضایا الشرعیة.

ثالثاً: إنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) قد یعبّر عن مرحلة الإنشاء التی هی المرتبة الثانیة من مراتب الحکم عند صاحب الکفایة (قدس سره) بمرحلة الفعلیة من قبل المولی أو الفعلیة من حیث نفسه و هذه الفعلیة لایناسب مع التزامه بأنّ الحکم هنا حکم بالحمل الأوّلی لا بالحمل الشایع، فإن کان الحکم فی مرحلة الإنشاء فعلیاً من قبل المولی فهو حکم فعلی بحمل الشایع و لعلّ منشأ هذا الدعوی هو توهّم اتّحاد الحکم و البعث فإنّ البعث نحو المأمور به فی مرحلة الإنشاء لیس بعثاً فعلیاً بل هو البعث بالحمل الأوّلی، بخلاف الحکم فی هذه المرحلة فهو حکم فعلی.

القول الثانی: الإنشاء بداعی جعل الداعی
اشارة

و هو مختار بعض الأعلام مثل المحقق الإصفهانی (قدس سره) و لکنّه أفاد فی تقریر ذلک بیانین، نشیر إلیهما:

البیان الأوّل للمحقق الإصفهانی (قدس سره):

أنّ حقیقة الحکم الحقیقی الذی علیه مدار الإطاعة و العصیان هو الإنشاء بداعی البعث و التحریک و جعل الداعی.

و لایتصف الإنشاء بشیء من الأوصاف المزبورة و هی کونه باعثاً و محرکاً و داعیاً حتی یصل إلی من أرید انبعاثه و تحرکه و انقداح الداعی فی نفسه، لا لتلازم

ص: 563

البعث و الانبعاث و التحریک و التحرک کتلازم الإیجاد و الوجود بداهة دخالة اختیار العبد و إرادته فی ذلک، مع أنّ البعث الحقیقی موجود أراد العبد امتثاله أم لا، بل لکون المراد من البعث الحقیقی الذی أمره بید المولی جعل ما یمکن أن یکون باعثاً و محرکاً و داعیاً للعبد بحیث إذا خلا عمّا ینافیرسوم العبودیة و ینافر مقتضیات الرقیة، لخرج من حدّ الإمکان إلی حدّ الوجوب و تحقق البعث و الانبعاث خارجاً و لایتصف الإنشاء بهذه الأوصاف موجهاً بجهة الإمکان إلّا بعد وصوله إلی العبد.((1))

البیان الثانی للمحقق الإصفهانی (قدس سره):

أنّ حقیقة الحکم خصوصاً فی الأحکام الشرعیة عبارة عن البعث و الزجر أعنی الإنشاء بداعی جعل الداعی.((2))

ص: 564


1- قال بعده: فلا یمکن أن یکون الإنشاء الواقعی باعثا ومحرکا وداعیا وزاجرا وناهیا بما هو أمر واقعی، بل ولا بما هو ملتفت إلیه من دون قیام الحجة علیه، إذ لا یکون الإنشاء المزبور بعثا علی أی تقدیر إلا بلحاظ باعثیته فی أفق النفس، فما فی أفق النفس هو الباعث بالذات، وما فی الخارج باعث بالعرض، کالمعلوم بالذات والمعلوم بالعرض، ولا یعقل أن یکون ما فی أفق النفس باعثا علی أی تقدیر إلا بوجوده العلمی التصدیقی، ففرض جعل الإنشاء الخارجی داعیا علی أی تقدیر بوجوده النفسانی هو فرض جعل وجوده العلمی التصدیقی داعیا فإنه الداعی علی أی تقدیر، مضافا إلی أن الإنشاء المزبور لا یکون باعثا لزومیا فی نفوس العامة إلا إذا کان بحیث یستحق علیه العقاب فکونه کذلک محقق لدعوته بنحو اللزوم. و منه علم أن مرتبة الفعلیة والتنجز فی مطلق الأحکام الحقیقیة من النفسیة و الطریقیة، واحدة. نهایة الدرایة، ج2، ص93.
2- نهایة الدرایة، ج2، ص124. و قال أیضاً: حقیقة الحکم هو الانشاء المنبعث عن إرادة حتمیة أو غیر حتمیة بداع البعث والتحریک مثلا فإنه الذی یدور علیه الإطاعة والعصیان الموجب لاستحقاق الثواب والعقاب دون الانشاء بداع اخر کالتعجیز والتسخیر والارشاد وأشباه ذلک. نهایة الدرایة، ج2، ص329؛ ج3، ص215.
نکتة مهمّة حول البیان الأوّل و الثانی:

إنّ البعث فی البیان الأوّل هو الداعی من الإنشاء و فی البیان الثانی هو نفس الإنشاء و السرّ فی هذا هو أنّ الإنشاء المذکور بعث حقیقی عند المحقق الإصفهانی (قدس سره) و یترتّب علیه البعث و الانبعاث الخارجیین عند وصوله إلی المکلّف فالإنشاء بعث حقیقی بداعی إیجاد البعث الخارجی الإمکانی.

یلاحظ علیه:

إنّ الإنشاء متأخّر عن الحکم، لأنّه مبرز للحکم و هو صیغة بعث شرعی نحو المأمور به و إن لم یتحقق حقیقة البعث إلّا بعد وصوله إلی المکلف.

القول الثالث: الإرادة التشریعیة المبرزة بالخطاب
بیان المحقق العراقی (قدس سره):

إرادة هی حقیقة الحکم و روحه.((1))

إنّ حقیقة الحکم و هی الإرادة التشریعیة المبرزة بالخطاب، فعلیة دائماً فی الخطابات المشروطة و غیرها و إنّ مرجع الإناطة و الاشتراط فیها إلی فعلیة الإرادة و الاشتیاق التام فی فرض لحاظ الشیء خارجیاً قبال الإرادة المطلقة الراجعة إلی الاشتیاق إلی الشیء لا فی ظرف وجود شیء آخر فی لحاظه (لا أنّ) مرجع الإناطة فیها إلی اشتیاق تقدیری بفرض وجود المنوط به خارجاً.

نعم مرتبة محرکیة مثل هذه الإرادة منوطة بوجود المنوط به خارجاً کإناطتها

ص: 565


1- نهایة الأفکار3،ص18

بالعلم به أیضاً و لکنّه غیر مرتبة فعلیة أصل الإرادة.((1))

بیان المحقق البروجردی (قدس سره):
اشارة

إنّ ما هو حقیقة الحکم و روحه عبارة عن إرادة المولی صدور الفعل عن العبد فإنّه الذی یتعلّق به شوق المولی أوّلاً، غایة الأمر أنّه لما کان الفعل من الأفعال الإرادیة للعبد وکان تحققه منوطاً بتحرک عضلاته نحوه، تولد فی نفس المولی من إرادة الفعل إرادة تحرک عضلات العبد وحیث إنّ تحرک عضلاته متوقف علی وجود الداعی فی نفسه حتی ینبعث منه لو کان بحسب ملکاته ممن ینبعث من الدواعی الإلهیة فلامحالة تتولد فی نفس المولی إرادة بعثه و إنشاء الحکم بالنسبة إلیه حتی یعلم به فینبعث منه نحو المقصود فما هو المراد أوّلاً و بالذات و یکون متعلقاً للشوق هو نفس صدور الفعل عن العبد و أمّا البعث و انبعاثه منه فمرادان بالتبع من جهة أنّه یتسبب بهما إلی ما هو المقصود بالذات.

و لایخفی أنّ إرادة الفعل و إن کانت مطلقة، لکن إرادة انبعاث العبد من الخطاب و البعث مقصورة علی صورة علم العبد بالخطاب من جهة أنّه لایعقل داعویة البعث ما لم یتعلّق به العلم، حیث إنّه بوجوده العلمی یصیر داعیاً و محرّکاً و علی هذا تصیر إرادة الفعل الثابتة بنحو الإطلاق، داعیة للمولی إلی إیجاد خطاب آخر فی طول الخطاب الواقعی، حتی یصیر هو الداعی للعبد نحو الفعل المقصود بعد أن لم یطلع علی الخطاب الواقعی و لم یمکنه الانبعاث منه.((2))

ص: 566


1- نهایة الأفکار4،ص167
2- نهایة الأصول، ص134.
إیراد المحقق الإصفهانی علی المحقق العراقی و البروجردی (قدس سرهما):

إنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) استدلّ علی عدم لزوم إرادة أو کراهة عند تحقق الحکم (الذی هو الإنشاء بداعی جعل الداعی أو هو البعث الاعتباری المنتزع منه) بالنسبة إلی فعل المکلف فی المبدأ الأعلی و لا فی سائر المبادی العالیة، بل فی مطلق من کان بعثه أو زجره لأجل صلاح الغیر.

بداهة أنّ الشوق النفسانی لایکون إلّا لأجل فائدة عائدة إلی جوهر ذات الفاعل أو إلی قوة من قواه و إلّا فحصول الشوق الأکید بالإضافة إلی الفعل علی حدّ المعلول بلا علّة.

و إنّما یتصور الشوق الأکید إلی فعل الغیر إذا کان ذا فائدة عائدة إلی المرید إیاه وحیث إنّ أفعال المکلفین لایعود صلاحها وفسادها إلّا إلیهم فلذا لا معنی لانقداح الإرادة فی النفس النبویة و الولویة فضلاً عن المبدأ الأعلی.

مع اختصاصه تعالی بعدم الإرادة التشریعیة من جهة أخری تعرضنا لها فی مبحث الطلب و الإرادة مستوفی و لعلنا نشیر إلیها عمّا قریب إنشاء الله تعالی.

و أمّا الإرادة المتعلقة بنفس البعث و الزجر فهی إرادة تکوینیة لتعلّقها بفعل المرید لا بفعل المراد منه و لاترد علی ما ورد علیه البعث کما لایخفی و علیه فلیس بالنسبة إلی فعل المکلف إرادة أصلاً، فضلاً عن الإرادتین، بل لو فرضنا انبعاث الإرادة التشریعیة عن فائدة عائدة إلی المراد منه لم یلزم ثبوت إرادتین تشریعیتین، لما مرّ مراراً من أنّ الشوق ما لم یصل إلی حدّ ینبعث عنه العضلات أو ینبعث منه البعث الحقیقی لایکاد یکون مصداقاً للإرادة التکوینیة أو التشریعیة و سیأتی إنشاء الله تعالی عدم مصداقیة الإنشاء الواقعی للبعث الحقیقی فکما لا بعث

ص: 567

حقیقی واقعاً لا إرادة تشریعیة واقعاً.((1))

ملاحظتان علی ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره):

أولاً: إنّ الإرادة التکوینیة تتعلّق بالفعل المأمور به بما أنّه داخل فی النظام الأحسن و الفرق بین فاعلیة الفواعل الإمکانی و فاعلیته تعالی عند بعض المحققین هو أنّ الفواعل الإمکانی من قبیل الفاعل الربطی و فاعلیته تعالی من قبیل الفاعل الاستقلالی و عند المحقق الطوسی (قدس سره) فاعلیة الفواعل الإمکانی من قبیل الفاعل القریب و فاعلیته تعالی من قبیل الفاعل البعید.

فما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) من أنّ إرادته تعالی لاتتعلّق بفعل الغیر لعدم عود مصالح الأفعال و مفاسدها إلیه تعالی، مبنی علی مذهب بعض المتکلّمین و لایوافق مبناه من تعلّق إرادته تعالی بالنظام الأحسن.

ثانیاً: التحقیق یقتضی ثبوت الإرادة التشریعیة لا بالمعنی الذی التزم بها القوم، بل بمعنی آخر، فإنّ وجود الحکم أمر اعتباری و کذلک إیجاده، لأنّ الإیجاد و الوجود متّحدان حقیقةً و الإرادة المتعلّقة بالفعل الاعتباری إرادة اعتباریة و هکذا الإرادة المتعلّقة بالوجود الاعتباری إرادة اعتباریة.

و الإرادة التشریعیة عندنا غیر الإرادة التشریعیة التی التزم بها هؤلاء الأصولیین فإنّ الإرادة التشریعیة عندهم تتعلّق بفعل الغیر، خلافاً للإرادة التشریعیة عندنا فهی تتعلّق بإیجاد الحکم الشرعی الاعتباری فی وعاء التشریع و الأحکام الموجودة بهذه الإرادة التشریعیة من فروع الدین و لذا الدین القویم الإلهی یشتمل علیه فمتی تحقّق الدین فی العالم وجد تلک الأحکام الشرعیة.

ص: 568


1- نهایة ج2،ص124

و الإرادة التشریعیة تتعلّق به و هذه الإرادة التشریعیة اعتباریة کما أنّ متعلّقها أیضاً اعتباری و الإنشاء الاعتباری یتعلّق بهذا الحکم و أمّا الإنشاء الذی ینتزع البعث و الزجر منه هو أمر خارجی مرکّب من کیف مسموع و کیف نفسانی و هو مبرز للحکم و إنشاؤه الاعتباری.

القول الرابع: اعتبار الفعل علی ذمّة المکلّف و إبرازه و إنشائه
اشارة

قال المحقق الخوئی (قدس سره): إن حقیقة التکلیف عبارة عن اعتبار المولی کون الفعل علی ذمة المکلف و إبرازه فی الخارج بمبرز ما من صیغة الأمر أو ما شاکلها و لانتصور للتکلیف معنی غیر ذلک، کما أنّا لانتصور للإنشاء معنی ما عدا إبراز ذلک الأمر الاعتباری.

و علی الجملة فإذا حللنا الأمر بالصلاة- مثلاً- أو غیرها نری أنّه لیس فی الواقع إلّا اعتبار الشارع کون الصلاة علی ذمة المکلف و إبراز ذلک بمبرز فی الخارج ککلمة «صلّ» أو نحوها و لانتصور شیئاً آخر غیر هذین الأمرین: 1- (اعتبار الفعل علی ذمّة المکلف)؛ 2- (إبراز ذلک بمبرز فی الخارج) نسمیه بالطلب تارة و بالبعث أخری و بالوجوب ثالثة.

و من هنا قلنا إنّ الصیغة لاتدلّ علی الوجوب و إنّما هی تدلّ علی إبراز الأمر الاعتباری القائم بالنفس و لکنّ العقل ینتزع منه الوجوب و لزوم الامتثال بمقتضی قانون العبودیة و المولویة ما لم تنصب قرینة علی الترخیص فی الترک فالوجوب إنّما هو بحکم العقل و من لوازم إبراز شی ء علی ذمّة المکلف إذا لم تکن قرینة علی الترخیص و أمّا الطلب فقد ذکرنا أنّه عبارة عن التصدی لتحصیل شی ء فی الخارج فلایقال طالب الضالة إلّا لمن تصدی لتحصیلها فی الخارج.

ص: 569

و علی ضوء ذلک فصیغة الأمر أو ما شاکلها من أحد مصادیق هذا الطلب، لا أنّه مدلول لها فإنّ الآمر یتصدی بها لتحصیل مطلوبه فی الخارج فهی من أظهر مصادیق الطلب.((1))

یلاحظ علیه:

و علی هذا لابدّ أن یکون الوجوب مرکّباً من الاعتبار و الإبراز و هذا یخالف ما هو مختاره و ما هو المرتکز من بساطة الحکم فقد تقدّم أنّ الإبراز أمر خارجی و الحکم أمر اعتباری و المحقق الخوئی (قدس سره) ممّن یعتقد باعتباریة الحکم فکیف یقول بترکیبه من الأمرین، أحدهما اعتباری و الآخر تکوینی.

فإنّ المحقق الخوئی (قدس سره) قال فی مبحث اجتماع الأمر و النهی عند البحث عن عدم التضادّ بین الأحکام: «الأحکام الشرعیة أُمور اعتباریة فلا واقع لها ما عدا اعتبار من بیده الاعتبار فإنّ الاعتبار خفیف المؤونة.» ((2))

القول الخامس: اعتبار الفعل علی الذمة وجوداً أو عدماً أو لا علی الذمة

و هذا القول هو المختار من التعاریف، فإنّ الحکم علی هذا التعریف أمر اعتباری و متعلّق الحکم هو فعل المکلّف، و الاعتبارهنا لیس جعلاً بسیطاً اعتباریاً بل هو جعل مرکب اعتباری بمعنی أنّ الاعتبار المذکور لیس فقط اعتبار الفعل، بل اعتباره علی العهدة أو لا علی العهدة، فإنّ اعتبار الحکم و تعلّقه بالفعل إمّا جعله علی عهدة المکلف وجوداً(کما فی الواجب و المستحب) أو عدماً(کما فی الحرام و المکروه) و إمّا جعله لا علی عهدته ترخیصاً.

ص: 570


1- المحاضرات، (طبع دار الهادی)، ج 3، ص67.
2- المحاضرات، ط.ج: ج3، ص450.

فعلی هذا تعریف الحکم التکلیفی عندنا هو: اعتبار الفعل علی عهدة المکلّف وجوداً أو عدماً، لزوماً(باعتبار اللابدّیة بنحو بشرط شیء کما فی الوجوب أو الحرمان بنحو بشرط لا کما فی الحرمة) أو من غیر لزوم أو اعتباره لا علی عهدته ترخیصاً بنحو اللّابشرط.

فإنّ التعبیر عن الوجوب باللابدّیة و عن الحرمة بالحرمان متداول بین الأعلام، قال العلّامة الخوانساری فی مشارق الشموس: «الوجوب بمعنی اللابدیة»((1)) و قال الشیخ الأنصاری (قدس سره) فی کتاب الصلاة: «فإنّ الظاهر أنّ الأمر للوجوب بمعنی اللزوم و اللّابدیة»((2)) و قال المحقق النائینی (قدس سره): «لیس الحرام فی اللّغة إلّا بمعنی الحرمان».((3))

أما انقسامات الحکم التکلیفی:

إنّ الحکم التکلیفی ینقسم إلی أقسام خمسة: الوجوب و الاستحباب و الحرمة و الکراهة و الإباحة.

و هنا نشیر إلی بیان المحقق الإصفهانی (قدس سره) و ما لاحظنا علیه.

أمّا بیان المحقق الإصفهانی (قدس سره):

أمّا الإیجاب و الاستحباب: و الجامع بین الإیجاب و الاستحباب هو الإنشاء بداعی جعل الداعی.

ص: 571


1- مشارق الشموس، ج1، ص38.
2- کتاب الصلاة،ج2، ص96.
3- کتاب الصلاة، المحقق النائینی (قدس سره)، ج 1، ص327

و ذلک، لأنّ الشخص إذا تصوّر الفعل و صدّق بما فیه من الفائدة یشتاقه قهراً، فإذا کان المشتاق إلیه من أفعال نفسه و بلغ شوقه إلیه حدّ النصاب، حدث هیجان فی الطبیعة فیحرّک عضلاته نحوه فیوجده و إذا کان من أفعال الغیر فحیث إنّ فعل الغیر تحت اختیاره و إرادته و تنبعث إرادته عن الداعی فلامحالة یتسبب إلی جعل الداعی له لیرید و یفعل

فإذا کانت إرادته لفعل الغیر منبعثة عن مصلحة لزومیة، کان البعث المنبعث منها إیجاباً و إلّا کان استحباباً، کما یمکن أن یفرق بینهما باعتبار البعث الأکید و غیره لمن لایعتقد انبعاث الحکم عن مصلحة أو لا إرادة تشریعیة فی المبدأ تعالی أو لا شدة و لا ضعف فی الإرادة فی مقام استیفاء الغرض الذی لابدّ له منه و غیر ما لابدّ له منه فإنّه فی جمیع هذه الصور یکفی- اعتبار البعث الأکید و غیره علی طبق التحریک الخارجی- فارقاً بین الإیجاب و الاستحباب.

و أمّا التحریم و الکراهة: فالإنسان إذا توجّه إلی ما فیه مفسدة و ما لایلائمه فلامحالة تحدث فی نفسه کراهة موجبة لانقباضه عنه فلایفعله و إذا کان ما یکرهه نفساً فعل الغیر فلا محالة یزجره عنه لتحدث فی نفسه کراهة موجبة لانقباضه عنه و بقائه علی عدمه.

و أمّا الإباحة و الترخیص: فمجمل القول فیها: أنّ المباح و إن کان لا اقتضاء، لعدم المصلحة و المفسدة فیه مطلقاً، إلّا أنّ عدم المقتضی لازمه عدم الأحکام الأربعة لا ثبوت حکم خامس فالإباحة عن مصلحة فی نفسها، إذ کما أنّ الحکمة الإلهیة تقتضی إیصال المصلحة بالبعث و الصدّ عن الوقوع فی المفسدة بالزجر، کذلک تقتضی إرخاء العنان و الترخیص لئلّایکون العبد فی الضیق صدوراً و وروداً، حیث إنّ رسم العبودیة و زی الرقّیة یقتضی صدور

ص: 572

العبد و وروده عن رأی مولاه.((1))

یلاحظ علیه:

ما أفاده فی وجه افتراق الإیجاب و الاستحباب، لایتمّ علی ما سلکناه من أنّ الإیجاب لیس بعثاً منبعثاً عن مصلحة لزومیة و لیس بعثاً أکیداً و هکذا الاستحباب فهو لیس بعثاً منبعثاً عن مصلحة غیر لزومیة و لا بعثاً غیر أکید.

و کذلک الحرمة لیس زجراً متسبّباً عن مفسدة ملزمة أو زجراً أکیداً و هکذا الکراهة فهو لیس زجراً متسبّباً عن مفسدة غیر ملزمة أو زجراً غیر أکید.

بل إنّها اعتبارات تشریعیة مجعولة و هی اعتبار جعل الفعل علی عهدة المکلّف وجوداً و عدماً فیمکن التفریق بین الإیجاب و الاستحباب بأنّ الإیجاب اعتبار الفعل علی عهدة المکلّف و ذمّته بنحو اللزوم و اللابدیّة و فی الاستحباب یکون هکذا بغیر نحو اللزوم و اللابدّیة.

ص: 573


1- بحوث فی الأصول، ج 1، ص45

الأمر الثانی: حقیقة الحکم الوضعی و انقساماته

اشارة

قال بعض المحققین (قدس سرهم): «المراد بالوضع إیجاد صفة لشی ء فعلًا کان أو غیره، أو إمضاء الشارع لتلک الصفة کما سیظهر و من المعلوم مباینة مفهوم الحکم التکلیفی لمفهوم السببیة و غیرها من الأحکام الوضعیة.

... [و الحکم الوضعی] قد یتعلق بفعل المکلف کقوله: «من أتلف مال الغیر فهو له ضامن» و قد لا یتعلق به، کقوله: «الدلوک سبب لوجوب الصلاة».((1))

فإنّ الحکم الوضعی إمّا اعتبار موضوع لأحکام تکلیفیة، من قبیل الزوجیة و کذلک الملکیة و إمّا اعتبار منتزع عن الأحکام التکلیفیة و هی مجعولة بالتّبع أو بالعرض(مجاز)، مثل شرطیة الشی ء أو مانعیته بالنسبة إلی المکلّف به أو التکلیف.

أما انقسامات الحکم الوضعی:
اشارة

إنّ الحکم الوضعی علی أقسام ثلاثة و وقع البحث فی أنّه مجعول بالاستقلال أو مجعول بالتبع أو أنّه مجعول بالعرض بمعنی أنّه غیر مجعول حقیقة و من قبیل ذلک الأمور الانتزاعیة فإنّ الأمر الانتزاعی مجعول بالعرض، لا مجعول بالتبع و أنّ المجعول بالعرض لا جعل له بالحقیقة.((2))

نظریة العلّامة الأنصاری (قدس سره): انتزاع الوضعیات من الأحکام التکلیفیة

((3))

إنّ الشیخ الأنصاری (قدس سره) التزم بأنّ الوضعیات منتزعة من الأحکام التکلیفیة

ص: 574


1- منتهی الدرایة، المحقق الجزائری (قدس سره)، ج 7، ص248.
2- نهایة الدرایة، ط.ق. ج 3، ص117.
3- - فرائد الأصول، ج2، ص601.

فی مواردها بل نسب ذلک إلی المشهور فإنّ الخطاب الوضعی مرجعه إلی الخطاب الشرعی و أنّ کون الشیء سبباً لواجب هو الحکم بوجوب ذلک الواجب عند حصول ذلک الشیء.

سنشیر فی مبحث الاستصحاب إلی بعض إیرادات المحقّق النائینی (قدس سره) علی نظریة الشیخ الأنصاری (قدس سره) .((1))

نظریة صاحب الکفایة (قدس سره):
اشارة

((2)) التفصیل بین أقسام ثلاثة

قال (قدس سره): التحقیق أنّ ما عُدّ من الوضع علی أنحاء:

القسم الأوّل:

ما لایکاد یتطرّق إلیه الجعل تشریعاً أصلاً، لا استقلالاً و لا تبعاً و إن کان مجعولاً تکویناً عرضاً بعین جعل موضوعه کذلک. (و مثاله: السببیة و الشرطیة و المانعیة و الرافعیة للتکلیف).

القسم الثانی:

ما لایکاد یتطرّق إلیه الجعل التشریعی إلّا تبعاً للتکلیف فله الجعل التبعی (و مثاله: الجزئیة و الشرطیة و المانعیة و القاطعیة للمکلّف به).

نظریة المحقّق الإصفهانی (قدس سره) حول القسم الثانی:((3)) و الجزئیة و الشرطیة بهذه المرتبة لا واقعیة لهما إلّا فی مرحلة الطلب و البعث فالبعث مصحّح لانتزاع البعضیة من کلّ واحد من تلک الأمور و یصحّح انتزاع الشرطیة من قیدها المنوطة به فی مرحلة البعث و ما ذکره صاحب الکفایة (قدس سره) فی هذا القسم من الجعل الانتزاعی و إن کان صحیحاً، لکن قد عرفت أنّ الأمر الانتزاعی مجعول

ص: 575


1- أجود التقریرات، ج 4، ص74-75؛ فوائد الأصول، ج4، ص386-387.
2- کفایة الأصول، ص 400-401.
3- نهایة الدرایة، ج5-6، ص109؛ الأصول علی النهج الحدیث ص49.

بالعرض لا بالتبع.((1))

القسم الثالث: ما یمکن فیه الجعل استقلالاً بإنشائه و تبعاً للتکلیف بکونه منشأ لانتزاعه و إن کان الصحیح انتزاعه من إنشائه و جعله (أی بجعل استقلالی) و کون التکلیف من آثاره و أحکامه (و مثاله: الحجّیة و القضاوة و الولایة و النیابة و الحریة و الرقیة و الزوجیة و الملکیة).

إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) قال: بأنّ المحتمل فی هذه الموارد بالنظر البدوی أمران: الأوّل انتزاعها من الأحکام التکلیفیة التی تکون فی مواردها کما ذهب إلیه الشیخ الأنصاری (قدس سره)، و الثانی جعلها استقلالاً بإنشاء أنفسها و صاحب الکفایة (قدس سره) ذهب إلی الثانی.

ثمرة البحث عن أقسام الحکم الوضعی:
اشارة

ثمرة هذا البحث یظهر فی جریان الاستصحاب، و تفصیل ذلک موکول إلی مبحث الاستصحاب و سنشیر هنا إلی ذلک إجمالاً:

نظریة صاحب الکفایة (قدس سره):

((2))

إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) ذهب إلی عدم جریان الاستصحاب فی القسم الأوّل من أقسام الحکم الوضعی، لأنّه مجعول بالعرض و إلی جریانه فی القسم الثانی و الثالث، لأنّ القسم الثانی مجعول بالتبع و القسم الثالث مجعول استقلالی.

ص: 576


1- بحوث فی الأصول، ج 1، ص49.
2- کفایة الأصول ص403

یلاحظ علیها:

أوّلاً: قد تقدّم فی کلام المحقّق الإصفهانی (قدس سره) أنّ القسم الأوّل و الثانی کلیهما من قبیل المجعول بالعرض.

ثانیاً: إذا کان الحکم الوضعی مجعولاً بالعرض فجریان الاستصحاب فیه مشکل فی بعض صوره کما سیجیء تفصیله عند بیان نظریة المحقّق الإصفهانی (قدس سره) .

نظریة المحقّق الإصفهانی (قدس سره):

((1))

أمّا بالنسبة إلی القسم الأوّل: الکلام تارة فی استصحاب الشرطیة و المانعیة و أخری فی استصحاب ذات الشرط و المانع فاختار فی بعضها جریان الاستصحاب و فی بعضها عدم جریانه و سیأتی بیانها إن شاء الله تعالی فی الاستصحاب.

أمّا بالنسبة إلی القسم الثانی: فقال بأنّ جریان الاستصحاب مشکل.

أمّا بالنسبة إلی القسم الثالث: فقال بعدم المحذور فی جریان الاستصحاب لتعلّق الجعل الاستقلالی بالحکم الوضعی فی هذا القسم.

سنتعرض لأقسام الحکم الوضعی فی مبحث الاستصحاب إن شاء الله تعالی.

ص: 577


1- نهایة الدرایة ج5-6، ص124.

ص: 578

الفصل الثانی: مراتب الحکم

اشارة

القول الأول: نظریة صاحب الکفایة (قدس سره):

إنّه یری للحکم أربع مراتب:

المرتبة الأُولی: مرتبة الاقتضاء و هی مرتبة وجود الملاک و مناط الحکم فی المتعلّق و هی المصلحة و المفسدة الملزمتان و المحبوبیة و المبغوضیة (و بعض الأعلام قسّموا هذه المرتبة إلی مرحلتین: المرحلة الأولی و هی وجود الملاک فی المتعلّق و المرحلة الثانیة و هی ما یترتب علی هذه المصلحة أو المفسدة من الإرادة و الکراهة).((1))

المرتبة الثانیة: مرتبة الإنشاء و هی مرتبة جعل الحکم و إنشائه.

المرتبة الثالثة: مرتبة الفعلیة و هی بلوغ الحکم إلی مرتبة البعث و الزجر و مناط بلوغه إلی هذه الدرجة هو فعلیة موضوعه.

المرتبة الرابعة: مرتبة التنجز و هی مرتبة وصول الحکم و التکلیف.

ص: 579


1- راجع منتقی الأُصول، ج3، ص81.

القول الثانی: نظریة المحقّق الإصفهانی (قدس سره):

اشارة

((1))

یشتمل علی تحقیقه حول نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) .

إنّ الحکم له مراتب أربع:

المرتبة الأُولی: ثبوته اقتضاءً

و هنا ثلاثة احتمالات فی تفسیر هذه المرتبة من مراتب الحکم:

الاحتمال الأوّل: أن یکون المراد هو ثبوت المقتضی بثبوت المقتضی و هذا الثبوت لیس إلّا ثبوتاً خارجیاً عرضیاً.

و فیه: أنّ هذا المعنی هو شأن المقتضی بمعنی السبب الفاعلی، حیث إنّ المعلول یترشّح من مرتبة ذات العلّة الفاعلیّة لکنّ المقتضی هنا بمعنی الغایة الداعیة إلی ذیها فإنّ ذا الغایة لیس فی مرتبة ذات الغایة لا بوجودها الخارجی و لا بوجودها العلمی فهذا الاحتمال مخدوش رأساً.

الاحتمال الثانی: أن یکون المراد هو ثبوت المقبول بثبوت القابل، کالإنسان فی النطفة القابلة و هذا الثبوت أیضاً ثبوت خارجی عرضی.

و فیه: أنّ هذا الاحتمال أیضاً لایجری فی المقام، لأنّ المصلحة الداعیة لیست فی صراط المادیّة.

الاحتمال الثالث: أن یکون المراد ثبوت الحکم شأناً، ثبوتاً ماهویاً تقدیریاً، لا ثبوتاً خارجیاً عرضیاً، حیث إنّ طبیعی الفعل مستعدّ باستعداد ماهوی لا باستعداد مادّی لأن یترتّب علیه المصلحة إذا وجد فی الخارج و هی صالحة

ص: 580


1- نهایة الدرایة، ج4، ص230.

للتأثیر فی الإنشاء بداعی البعث و التحریک فی مرتبة ذاتها و ماهیتها فالوجوب بهذه الملاحظة له شأنیة الوجود.

فالصحیح من الاحتمالات الثلاثة هذا الاحتمال الأخیر.

المرتبة الثانیة: ثبوته إنشاءً

و هو وجود طبیعی البعث المفهومی بتبع اللفظ الذی ینشأ به فاللفظ موجود بالذات و البعث النسبی المفهومی بالعرض و الحکم الإنشائی هو حکم بحمل أوّلی.

المرتبة الثالثة: ثبوته فعلاً و حقیقةً

و هو ما یکون بالحمل الشائع بعثاً أو زجراً عند العقلاء، بحیث یکون قابلاً للباعثیة و الزاجریة فعلاً و فی هذه المرحلة یبلغ الحکم درجة حقیقة الحکمیة و یکون حکماً حقیقیاً و بعثاً و زجراً جدیاً.

المرتبة الرابعة: ثبوته بحیث یستحق العقاب علی مخالفته

و هی مرتبة تنجّز الحکم و هذه المرتبة نشأة من نشآت تحقّق الحکم.

و حیث إنّ البعث المفهومی الإنشائی لا أثر له، لایترتّب علی القطع به شیء و لیس التعبد به ذا أثر فلذا عدل (قدس سره) عن هذا المسلک فی هذا الکتاب و التزم بفعلیة الواقع من وجه، بحیث یکون له أثر عند تعلّق العلم به.

المراد من الفعلی من جمیع الجهات و الفعلی من بعض الجهات:

أمّا الفعلی من جمیع الجهات فهو أنّ الغرض الباعث علی التکلیف ربما یکون

ص: 581

بحدّ یبعث المولی إلی جعله فعلیاً منجّزاً بإیصاله و لو بنصب طریق موافق أو بجعل احتیاط لازم و دفع موانع تنجّزه بأی نحو کان و مثله یستحیل الترخیص فی خلافه لأنّه نقض للغرض.

و ربّما لایکون الغرض بذلک الحدّ، بل یدعوه إلی التکلیف بحیث إذا وصل إلی المکلّف من باب الاتّفاق تنجّز علیه فهو فعلی من حیث نفسه، لا من حیث إیصاله إلی المکلّف فلایجب حینئذٍ دفع موانع تنجّزه و لاینافیه إبداء المانع عن تنجّزه فإنّ إبقاء المانع و إبداء المانع فی نظر العقل علی حدّ سواء و لیس الترخیص نقضاً للغرض، لأنّ سدّ باب تنجّزه لاینافی تنجّزه لو وصل من باب الاتفاق.

و ربّما یتوهّم أنّ المراد من الحکم الفعلی من جمیع الجهات هو الحکم البعثی و الزجری و التحریک الجدّی و من الحکم الفعلی من وجه هو الإنشاء بداعی إظهار الشوق إلی الفعل فالحکم البعثی و الزجری فعلی من قبل هذه المقدّمة و هو کون ذات الفعل مشتاقاً إلیه و لا منافاة بین الشوق إلی ذات الفعل و الترخیص فی ترکه، بل المنافاة بین التحریک و الترخیص.

و فیه: أوّلاً: أنّ الإرادة التشریعیة بإزاء الإرادة التکوینیة فإذا بلغ الشوق مبلغاً لو کان المشتاق إلیه من أفعال المشتاق لتحرک عضلاته نحوه، سبب إلی إیجاده بالبعث إذا کان من أفعال الغیر فلاینفک مثل هذا الشوق عن البعث.

و إذا لم یکن الشوق هذا المقدار فکما لایوجب حرکة العضلات فی التکوینیات کذلک لیس علّة للبعث فی التشریعیات و لا أثر له لو علم به تفصیلاً أیضاً.

و ثانیاً: أنّ الإنشاء بأی داع کان، لیس وصوله موجباً إلّا لفعلیة ذلک الداعی ففعلیة مثل هذا الإنشاء فعلیة إظهار الشوق فلایعقل أن یکون مثله واقعاً فی

ص: 582

صراط فعلیة البعث.

فتحصّل إلی هنا: أنّ مراد صاحب الکفایة (قدس سره) من الفعلی من جمیع الجهات هو بلوغ الغرض الباعث علی التکلیف حدّاً یبعث المولی إلی جعله فعلیاً منجّزاً بإیصاله فیستحیل الترخیص فی خلافه لأنّه نقض للغرض و مراده من الفعلی من جهة هو عدم بلوغ الغرض ذلک الحدّ و حینئذٍ یمکن جعل الترخیص فی خلافه.

و المحقق الإصفهانی (قدس سره) یعتقد بأنّ مراتب الحکم ثلاث: الاقتضاء و الإنشاء و التنجّز و لیس الحکم الحقیقی إلّا المرتبة الأخیرة و أمّا مرتبتی الاقتضاء و الإنشاء فلیستا إلّا الحکم بالحمل الأوّلی و ذلک لأنّ المراد من الفعلیة إمّا الفعلیة من قبل المولی کما هو مختار المحقق الإصفهانی (قدس سره) و إمّا الفعلیة بقول مطلق.

فإن کان المراد هو الحکم الفعلی من قبل المولی فإنّه عین مرتبة الإنشاء، حیث إنّ الإنشاء بلا داع محال و بداع آخر غیر جعل الداعی لیس من مراتب الحکم الحقیقی و بداعی جعل الداعی عین الفعلی من قبل المولی.

و إن کان المراد هو الحکم الفعلی بقول مطلق فهو متقوم بالوصول و هو مساوق للتنجّز. هذا ما أفاده فی مراتب الحکم.

و المحقق الإصفهانی (قدس سره) یری أنّ الإنشاء بداعی جعل الداعی لیس حکماً و إنشاءً حقیقیاً ما لم یصل إلی المکلّف بل هو حکم بحمل أوّلی لا بحمل شائع فلایکون مصداقاً للبعث الجدی و فرداً له.

و استدلّ علی ذلک بوجهین: ((1))

الوجه الأوّل: إنّ موطن الدعوة أُفق النفس فلاتعقل دعوة الإنشاء المزبور

ص: 583


1- نهایة الدرایة، ج3، ص89 و أفاد ذلک ببیان أبسط فی المجلد الرابع، ص235.

إلّا بوجوده العلمی الواقع فی موطن الدعوة، لا بوجوده الواقعی الخارج عن أُفق النفس.

الوجه الثانی: إنّ الإنشاء بداعی جعل الداعی لایدعو فی نفوس العامّة إلّا باعتبار ما یترتّب علی مخالفته من العقوبة فما لم یصل بنحو یستحقّ علی مخالفته العقاب لایمکن أن یکون داعیاً فلابدّ من وصوله تحقیقاً لدعوته.

خمس ملاحظات علی ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره):

الملاحظة الأُولی:

ما أفاده فی تفسیر مرتبة الاقتضاء من ثبوت الحکم شأناً ثبوتا ما هویا تقدیریا مما لایمکن المساعدة علیه لعدم شأنیة الثبوت الاعتباری فی الأمر الحقیقی الخارجی و الإقتضاء المذکور قائم بالأمر التکوینی الخارجی فلایمکن عدّه من مراتب ما هو موجود فی عالم الاعتبار و الحکم أمر اعتباری.

الملاحظة الثانیة:

إنّ الحکم قبل مرتبة التنجّز یکون حکماً حقیقیاً، لاشتراک الأحکام بین العالم و الجاهل فلو کان الوصول سبباً لکون الحکم حقیقیاً لما کان الأحکام الحقیقیة مشترکاً بینهما، لأنّ الجاهل لم یصل إلیه الحکم فلابدّ أن لایکون الحکم بالنسبة إلیه حکماً حقیقیاً، مع أنّ الحکم الحقیقی مشترک بینه و بین العالم، هذا بالنسبة إلی مرتبة الفعلیة.

بل الحکم فی مرحلة الإنشاء أیضاً یکون حکماً حقیقیاً، لأنّ الحکم الاعتباری یوجد فی مرتبة الإنشاء فی عالم الاعتبار و حقیقة الحکم هو وجوده الاعتباری سواء وجد له الموضوع الخارجی أم لا و الحکم فی مرحلة إیجاد الحکم فی عالم

ص: 584

الاعتبار و إبرازه و إبلاغه حکم حقیقی إنشائی.

إنّ الحکم الإنشائی هو الحکم حقیقة، لأنّه هو مجعول الشارع فی عالم الاعتبار و وجود کلّ شیء بحسبه فإنّ وجود الحکم لیس وجوداً خارجیاً و لایمکن إیجاده فی الخارج بل وعاؤه عالم الاعتبار و هو یوجد فی وعاء الاعتبار بمحض إنشاء الشارع للحکم و تحقّق موضوعه فی الخارج لایوجب إیجاده فی الخارج بل هو من مراتب الحکم الحقیقی و الحکم بعد تحقّق موضوعه یسمّی حکماً فعلیاً و لیس المراد من الفعلیة، فعلیة نفس الحکم کما توهّم، بل المراد فعلیة الحکم فی حقّ المکلّف.

الملاحظة الثالثة:

إنّ مصداق الحکم الحقیقی فی مرتبة کونه حکماً حقیقیاً مقدم علی مرتبة کونه بعثاً اعتباریاً و بعثاً حقیقیاً فالحکم أمر اعتباری یجعل لأن یترتّب علیه بعثاً حقیقیاً فإنّ الحکم بعد ایجاده فی عالم الاعتبار و إظهاره و إبرازه و بعد تحقق موضوعه فی الخارج و بعد وصوله إلی المکلّف و تحقق داعویته الإمکانیّة یکون بعثاً حقیقیاً.

و الداعویّة الإمکانیّة ظرفها عالم النفس و التکوین و لکن الحکم ظرفه عالم الاعتبار فلو کانت الداعویّة الإمکانیّة دخیلة فی کون الحکم حقیقیاً إمّا یلزم کون التکوینی اعتباریاً أو کون الاعتباری تکوینیاً و کلاهما محال. و البعث الحقیقی و الداعویّة الإمکانیّة متلازمان فإذا کان الحکم موجباً للداعویّة الإمکانیّة فی نفس المکلّف یتّصف بالبعث الحقیقی و ذلک لایکون إلّا فی مرحلة التنجّز.

الملاحظة الرابعة:

إنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) لم یعتبر مرحلة الفعلیة من مراحل الحکم و لکن لابدّ

ص: 585

من عدّها من مراحل الحکم، لأنّ الحکم بوجود الموضوع یتعلق بذمّة المکلّف غالباً و لابدّ من عدّ تعلق الحکم و فعلیته فی حق المکلّف من مراتب الحکم فهو أمر متوسط بین الفعلیة من قبل المولی و الفعلیة المطلقة من جمیع الجهات.

فللفعلیة ثلاث مراحل: الأولی فعلیة الحکم من قبل المولی و الثانیة فعلیة الحکم فی حق المکلف بفعلیة الموضوع و شرائط الحکم و هذه المرحلة مرتبة تعلّق الحکم بالمکلف و القدرة الإجمالیة علی الفعل شرط مرحلة التعلق مثل القدرة علی اصل الصوم، أما القدرة التفصیلیة فهی شرط مرتبة التنجز و الثالثة الفعلیة من جمیع الجهات و هی تساوق معنی التنجز.

الملاحظة الخامسة:

إنّ للتنجّز مراتب مختلفة فإنّ التنجز لیس فقط بوصول الحکم بل بالعلم بوجود الموضوع و المتعلق و بالقدرة الإجمالیة فمراتب التنجز ثلاث:

المرتبة الأُولی: من التنجز هو وصول الحکم أی العلم بإنشاء الحکم.

المرتبة الثانیة: من تنجز الحکم هو العلم بموضوع الحکم أعنی وجود المکلّف و تحقق الموضوع لمتعلق الحکم فإنّ الحرمة تتعلّق بشرب الخمر و الشرب هو المتعلق و موضوعه الخمر.

المرتبة الثالثة: من تنجز الحکم هو العلم بمتعلق الحکم بشخصه.

و التنجّز التام یتحقق فی ما تحقّق الوصول التامّ، أمّا إذا کان الوصول ناقصاً فالتنجّز لیس تامّاً بل هو تنجّز ناقص و التنجّز الناقص و إن کان مستلزماً لاستحقاق العقاب علی مخالفته إلّا أنّ متعلقه عنوان «ما لایخرج عن أطراف العلم» لا نفس طرف العلم الإجمالی و إرشاد الجاهل بالنسبة إلی من لایعلم

ص: 586

إنشاء الحکم واجب و أمّا إرشاده بالنسبة إلی من لایعلم وجود الموضوع أو لایعلم خصوص متعلق الحکم بشخصه فلیس بواجب إلّا فی ما هو المهم مثل الدماء و الفروج.

والجهل بالمرتبة الأُولی و الثانیة من وصول الحکم یوجب انتفاء التنجّز و أمّا إذا علم المکلف إنشاء الحکم و علم أیضاً وجود الموضوع للحکم فیوجب ذلک تحقق اقتضاء التنجّز فالعلم حینئذ مقتض للتنجّز بالنسبة إلی کل طرف من أطراف العلم الإجمالی و العلم بمتعلق الحکم بشخصه یوجب تحقق التنجّز التامّ و العلم بهذه المرتبة الثالثة علة تامّة للتنجّز.

و العلم الإجمالی یوجب وصول الحکم بالمرتبة الثانیة للوصول فهو مقتض للتنجّز بالنسبة إلی کل طرف من أطراف العلم الإجمالی.

القول الثالث: نظریة المحقق الخوئی (قدس سره)

و بیانه تشتمل علی مناقشته فی نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) .

قال (قدس سره): إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) یری أنّ الحکم الواقعی لیس فعلیاً من جمیع الجهات مع عدم العلم به و لازم ذلک هو مدخلیة العلم فی مقام فعلیة التکلیف و یرد علیه أنّ العلم لا دخل له فی فعلیة الحکم بل العلم شرط لتنجّز الحکم و التنجّز لیس من مراتب الحکم.

توضیح ذلک هو أنّ للحکم مرتبتین:

المرتبة الأُولی: مرتبة الجعل و الإنشاء و هی إنشاء الحکم للموضوع المقدّر وجوده علی نحو القضیة الحقیقیة. کما فی قوله تعالی: (وَلِلَّهِ عَلَی النَّاسِ حِجُّ الْبَیتِ

ص: 587

مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَیهِ سَبِیلًا).((1))

المرتبة الثانیة: مرتبة فعلیة الحکم و هی تتحقق بتحقق الموضوع خارجاً، کما إذا صار المکلّف فی المثال المذکور مستطیعاً.

فلا مدخلیة للعلم فی مراتب الحکم بل هو دخیل فی تنجّز الحکم و لذا لایصحّ العقاب علی مخالفة التکلیف إلّا مع العلم به.

و الدلیل علی عدم دخالة العلم فی فعلیة الحکم أمران:

الأوّل: هو اشتراک الأحکام بین العالم و الجاهل بالحکم فلو قلنا بأنّ العلم دخیل فی فعلیة الحکم یلزم عدم فعلیة الأحکام فی حق الجاهل بها.

الثانی: هو ما تقدم من عدم إمکان أخذ العلم بالحکم فی موضوع الحکم و إلّا یلزم تقدم الشیء علی نفسه.

الملاحظة علی ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره):

إنّ ما أفاده فی مراتب الحکم لایتمّ، لأنّ التنجّز أیضاً من مراتب الحکم حیث إنّ حقیقة الحکم هو الإنشاء بداعی جعل الداعی و لایحصل الداعویة الفعلیة إلّا بالتنجّز و التحقیق هو أنّ مراتب الحکم أربع: الإنشاء و الإبراز و الفعلیة (التعلّق) و التنجّز.

القول الرابع: نظریتنا

قد ظهر ممّا تقدم حول نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) هو أنّ للحکم أربع مراتب:

المرتبة الأولی: إنشاء الحکم الحقیقی فی وعاء عالم التشریع الاعتباری، و هذا

ص: 588


1- سورة آل عمران (3):97.

الإنشاء هو ایجاد اعتباری و حیث إن الایجاد عین الوجود، فهذا المرتبة مرتبة وجود الحقیقی للحکم، و لا بعث فی هذه المرحلة لا بعثاً حقیقیاً و لا بعثاً مفهومیاً. و هذه المرتبة هی المرحلة الأولی من الفعلیة.

المرتبة الثانیة: إبراز الحکم بالصیغة الإنشائیة، فإنّ الإبراز متفرّع علی وجود الحکم. و البعث فی هذه المرحلة بعث بالحمل الأولی.

المرتبة الثالثة: فعلیّة الحکم بفعلیة موضوعه و فی هذه المرحلة یتعلّق الحکم بالمکلّف و إن لم یتنجّز علیه الحکم لفقدان شرائط الفعلیة، مثل: القدرة التفصیلیة علی امتثال الحکم. و هذه المرتبة هی المرحلة الثانیة من الفعلیة.

المرتبة الرابعة: تنجّز الحکم

و التنجّز یتحقق أولاً بالعلم بإنشاء الحکم و ثانیاً بالعلم بوجود الموضوع للحکم و ثالثاً بالعلم بمتعلق الحکم بشخصه من غیر تردید بین الأمرین أو بین الأمور و رابعاً بالقدرة التفصیلیة علی امتثال الحکم.

و التنجّز إمّا تنجّز ناقص و إمّا تنجّز تام. فإذا حصل الأمور الأربعة المذکورة یحصل التنجز التام و أما لو لم یحصل العلم بالمتعلق بشخصه کما فی العلم الإجمالی فالتنجز ناقص.

ص: 589

الفصول الأخری من مباحث المبادی التصوریة الأحکامیة:

هنا فصول أخری من المبادی التصوریة الأحکامیة أشار إلیها المحقق الإصفهانی (قدس سره) و لکن عادة الأصولیین هو البحث عنها فی ضمن مباحث الأوامر و المباحث العقلیة (المذکورة فی مباحث الألفاظ مثل مقدمة الواجب) فلانبحث عنها فی المبادی، خوفاً من التطویل، و نشیر إلی عناوینها إجمالاً:

الفصل الثالث: انقسام الواجب إلی المطلق و المشروط

الفصل الرابع: انقسام الواجب إلی المنجز و المعلّق

الفصل الخامس: انقسام الواجب إلی النفسی و الغیری

الفصل السادس: انقسام الواجب إلی التعینی و التخییری

الفصل السابع: انقسام الواجب إلی العینی و الکفائی

الفصل الثامن: انقسام الواجب إلی الموسّع و المضیّق

الفصل التاسع: انقسام الواجب إلی التعبّدی و التوصّلی

ص: 590

البحث الرابع: المبادی التصدیقیّة الأحکامیة لعلم الأُصول

اشارة

الفصل الأول: تضادّ الأحکام و إمکان اجتماعها

ص: 591

ص: 592

الفصل الأول: تضادّ الأحکام و إمکان اجتماعها

اشارة

نظریات الأعلام فی هذه المسألة أربع:

اشارة

و صاحب الکفایة (قدس سره) یقول بوقوع التضادّ فی مرحلة الفعلیة لا فی مرحلة الإنشاء لعدم البعث و الزجر فیها فالأحکام بوجوداتها الإنشائیة لا تضادّ بینها عند صاحب الکفایة (قدس سره) .

و هنا أقوال أُخر: منها عدم التضادّ بین الأحکام و لو فی مرتبة الفعلیة و هو مختار المحقّق الإصفهانی (قدس سره) فلا تضادّ فی مرحلة مبادی الحکم و الاقتضاء و لاتضادّ أیضاً فی مرتبة الإنشاء و الفعلیة نعم إنّ التنافی بین الحکمین یکون بحسب المنتهی و مقام الامتثال.

و منها عدم التضادّ بین الأحکام فی مرتبة الإنشاء و الفعلیة و وقوع التنافی بینها بحسب مبادی الحکم و المنتهی (أی مقام الامتثال) و هذا مختار المحقّق الخوئی (قدس سره) .

و منها وقوع التضادّ بین الأحکام بحسب مقام الفعلیة و الإنشاء کما یقع بینها التنافی بحسب المبدأ و المنتهی و هذا مختار صاحب منتقی الأصول (قدس سره) ((1)) و

ص: 593


1- منتقی الأصول، ج3، ص81.

بعض الأساطین (حفظه الله).((1))

النظریة الأُولی: ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره)
اشارة

اختار صاحب الکفایة (قدس سره) تضادّها فقال: إنّه لاریب فی أنّ الأحکام الخمسة متضادّة فی مقام فعلیتها و بلوغها إلی مرتبة البعث و الزجر، ضرورة ثبوت المنافاة و المعاندة التامّة بین البعث نحو شیء فی زمان و الزجر عنه فی ذلک الزمان.

و أمّا قبل مرحلة الفعلیة فلا تضادّ بین الأحکام بوجوداتها الإنشائیة لعدم البعث و الزجر فیها فعلی هذا تکون مسألة الاجتماع مستحیلاً من باب التکلیف المحال لا التکلیف بالمحال.

یلاحظ علیه:

إنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) ناقش فی ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) من تضاد الأحکام بأنّ الأحکام أمور اعتباریة فلاتضاد فیها و نشیر إلی تفصیل مناقشة المحقق الإصفهانی فی نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) عند بیان نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) .

النظریة الثانیة: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره)

((2)) و هو المختار

بیانه: إنّ حدیث تضادّ الأحکام التکلیفیة و إن کان مشهوراً لکنّه ممّا لا أصل له، لأنّ التضادّ و التماثل من أوصاف الأحوال الخارجیة للأُمور العینیة و لیس الحکم بالإضافة إلی متعلّقه کذلک، سواء أُرید به البعث و الزجر الاعتباریان

ص: 594


1- تحقیق الأُصول، ج4، ص65-67.
2- نهایة الدرایة، ج2، ص308.

العقلائیان أو الإرادة و الکراهة النفسیتان.

أمّا إذا کان الحکم عبارة عن البعث و الزجر:

فلابدّ له من ثلاثة أُمور: الأوّل: منشأ الانتزاع؛ الثانی: المعتبر؛ الثالث: طرف الإضافة.

أمّا منشأ الانتزاع:

إنّ البعث و الزجر عبارة عن المعنی الاعتباری المنتزع من الإنشاء بداعی جعل الداعی و من الواضح أنّ الإنشاء الخاصّ مرکّب من کیف مسموع و هو اللفظ- هذا فی الموالی العرفیة و الأصحّ أن یقال بدل ذلک: إظهار الحکم المعتبر- و من کیف نفسانی و هو قصد ثبوت المعنی به

و هما قائمان بالمنشِئ، لا بالفعل الخارجی القائم بالغیر.

فالبعث و الزجر من حیث منشأ انتزاعهما لایقومان بالفعل الخارجی القائم بالغیر بل منشأ انتزاعهما بکلا جزئیه قائم بالمنشِئ.

و أمّا المعتبر:

إنّ البعث و الزجر الاعتباریین بما هما أمران اعتباریان قائمان بالمعتبر لا بغیره، لایقومان بالفعل الخارجی و لا بمن یصدر عنه الفعل الخارجی.

أمّا طرف إضافة البعث و الزجر:

إنّه لابدّ لهما من طرف الإضافة لأنّ البعث المطلق غیرَ المضاف إلی شیء لایوجد، سواء لوحظ البعث بنحو القوة کما فی قیامه بمنشأ الانتزاع أو بنحو الفعلیة کما فی قیامه بمعتبره و طرف إضافة البعث و الزجر لایعقل أن یکون الهویة العینیة القائمة بالمکلّف، لأنّ البعث الحقیقی یوجد سواء وجدت الهویة العینیة من المکلّف أم لا و یستحیل أن یتقوّم البعث الموجود و یتشخص بالفعل

ص: 595

المعدوم بل ما لایوجد أصلاً کما فی بعث العصاة.

فلامحالة یکون متعلّقه المقوّم له و المشخّص هو الفعل بوجوده العنوانی الفرضی الموافق لأفق الأمر الاعتباری و المسانخ له.

فالبعث و الزجر لایقومان بالفعل الخارجی و الهویة العینیة حتی یتحقّق فیهما التضادّ فإنّ التضادّ یتحقّق فی الأُمور الخارجیة و العینیة.

قد یتوهّم وقوع التضادّ فی طرف إضافة الحکم الذی هو وجود عنوانی فرضی اعتباری و یدفعه أنّ التضادّ لایقع إلّا فی الواحد الشخصی، أمّا الواحد الطبیعی من الجنسی و النوعی و نحوهما ممّا له نحو من الکلّیة من دون تشخص و تعین وجودی فیجتمع فیه الأوصاف المتباینة.

فاتضح من جمیع ما ذکرنا أنّ البعث و الزجر لیسا من الأحوال الخارجیة بل هما من الأُمور الاعتباریة و أنّ متعلّقهما لیس من الموجودات العینیة بل العنوانیة و أنّ الوحدة المفروضة لیست شخصیة بل طبیعیة فلا موجب لتوهّم اجتماع الضدّین من البعث نحو شیء و الزجر عنه.((1))

ثمّ إنّه قد استدلّ علی عدم تعلّق البعث و الزجر بالهویة الخارجیة بأنّ الفعل بوجوده الخارجی یسقط البعث و الزجر فکیف یکون معروضاً لهما؟

و قد مرّ ما فیه فی مبحث الترتّب حیث إنّ الفعل الخارجی لو کان مسقطاً

ص: 596


1- ثمّ استفاد من ذلک فی مبحث اجتماع الأمر و النهی فقال: و ممّا ذکرنا تبین أیضاً: أنّ مناط القول بالجواز لیس تعدّد المتعلّق اعتباراً لتعدّد عنوان المأمور به و المنهی عنه کما هو مسلک جماعة من المجوّزین، بل ما ذکرنا صحیح حتّی مع وحدة العنوان (الذی قلنا: إنّه واحد طبیعی لا شخصی) و الغرض رفع التضادّ فلانحتاج إلی البحث عن تعدّد العنوان و المعنون بل القول بالجواز ممّا لامناص منه و لو علی القول بوحدة العنوان و وحدة المعنون.

للأمر و البعث یلزم علیة البعث لعدم نفسه (حیث إنّ البعث هو جزء العلّة لتحقّق الفعل الخارجی فلایکون الفعل الخارجی علّة لعدم البعث و سقوطه)، بل ینتهی أمد البعث بوجود المبعوث إلیه حیث إنّه یسقط الغرض الداعی إلی البعث بحصوله.

و أمّا إذا کان الحکم عبارة عن الإرادة و الکراهة: (کما هو مختار المحقق العراقی (قدس سره) و المحقق البروجردی (قدس سره)).

فإنّ الإرادة و الکراهة و إن کانتا من المقولات الحقیقیة و الموجودات العینیة إلّا أنّ موضوعهما النفس و متعلّقهما الفعل.

أمّا من حیث الموضوع فلا مانع من اجتماع إرادات متعدّدة و کراهات متعدّدة فی زمان واحد، لبساطة النفس و تجرّدها فلاتضیق النفس عن قبول إرادات متعدّدة و کراهات متعدّدة فی زمان واحد.

لایقال: الوجدان شاهد علی قیام إرادات متعددة بأُمور متعدّدة لا بأمر واحد و کذلک قیام الإرادة و الکراهة بالإضافة إلی أمرین لا بالنسبة إلی أمر واحد.

لأنا نقول: متعلّق الإرادة مشخِّص فردها، لا مقوِّم طبیعتها و حقیقتها و العبرة فی التضادّ و التماثل بنفس الحقیقة و التشخّص تشخّص المتضادّین و المتماثلین فوجودان من حقیقة واحدة متماثلان و وجودان من حقیقتین بینهما غایة البعد و الخلاف متضادّان و المتعلّق أجنبی عن الحقیقة. ((1))

ص: 597


1- لقد قلنا فی مجلس البحث بأنّ ما أفاده هنا لایمکن المساعدة علیه لأنّ المتعلق هنا عین الإرادة لإتحاد الإرادة و المراد بالذات کما أنّ المعلوم بالذات إذا تعلّق به العلم فهو عین العلم فالمتعلق عین التشخص الإرادة و الحق فی جواب (لایقال) هو أن المتعلق الإرادة و الکراهة متعددان عنواناً فإن الإرادة تعلق بعنوان الصلاة و الکراهة بعنوان الغصب. و لایسریان إلی المعنون الخارجی.

و أمّا من حیث المتعلّق فهنا ثلاثة وجوه:

الوجه الأوّل: لا ریب أنّ الشوق المطلق لایوجد فی النفس بل یوجد متشخّصاً بمتعلّقه و یستحیل أن یکون الخارج عن أُفق النفس مشخّصاً لما فی أُفق النفس و إلّا لزم إمّا کون الحرکات الأینیة و الوضعیة القائمة بالجسم نفسانیة أو کون الإرادة النفسانیة من عوارض الجسم خصوصاً فی الإرادة التشریعیة فإنّه کیف یعقل أن تکون الحرکات القائمة بالمکلّف مشخّصة لإرادة المولی.

الوجه الثانی: إنّ البعث و مبدأه (و هی الإرادة التشریعیة) موجودان و إن لم یوجد الفعل أصلاً فکیف یعقل أن یتشخّص الإرادة المحقّقة بما لا تحقّق له و لایتحقّق أصلاً (کما فی العصاة).

الوجه الثالث: إنّ طبیعة الشوق بما هو شوق لاتتعلّق إلّا بالحاصل من وجه و المفقود من وجه إذ الحاصل من جمیع الجهات لا جهة فقدان له کی یشتاق إلیه النفس و المفقود من جمیع الوجوه لا ثبوت له بوجه کی یتعلّق به الشوق فلابدّ من حصوله بوجوده العنوانی الفرضی لیتقوّم به الشوق و لابدّ من فقدانه بحسب وجوده التحقیقی، کی یکون للنفس توقان إلی إخراجه من حدّ الفرض و التقدیر إلی حدّ الفعلیة.

هذا تمام کلام المحقّق الإصفهانی (قدس سره) .

النظریة الثالثة: ما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره):
اشارة

إنّ حدیث تضادّ الأحکام ممّا لا أصل له لأنّ الأحکام الشرعیة أمور اعتباریة فلا واقع لها ما عدا اعتبار من بیده الاعتبار فإنّ الاعتبار خفیف المؤونة فلا مانع من اعتبار وجوب شیء و حرمته معاً و الوجه فی ذلک هو أنّ المضادّة إنّما تکون

ص: 598

طارئة علی الموجودات التکوینیة الخارجیة و أمّا الأمور الاعتباریة فالمفروض أنّه لا واقع لها ما عدا اعتبار المعتبر، لیکون بعضها مضاداً لبعضها الآخر.

نعم المضادّة بین الأحکام من ناحیتین: المبدأ (اشتمال الفعل علی المحبوبیة و المبغوضیة) و المنتهی (مرحلة الامتثال).

أمّا من ناحیة المبدأ فلأنّ الوجوب و الحرمة بناءً علی وجهة نظر مذهب العدلیة کاشفان عن المحبوبیة و المبغوضیة و المصلحة الملزمة و المفسدة الملزمة فی المتعلّق فالمضادّة بین الوجوب و الحرمة إنّما هی بالعرض و المجاز.

و أمّا من ناحیة المنتهی فلأنّ اجتماعهما فی شیء واحد یستلزم التکلیف بالمحال و بغیر المقدور، لفرض أنّ المکلّف فی هذا الحال غیر قادر علی امتثال کلیهما معاً. ((1))

یلاحظ علیها:

لا تضادّ من ناحیة المبدأ و المنتهی:

أمّا من ناحیة المبدأ فلأنّ المتعلّق ذو حیثیتین فبإحداها یکون محبوباً و بالأخری یکون مبغوضاً، کما أنّه لا شبهة فی أنّ المتعلّق واجد للمفسدة و المصلحة بل کلّ منهما بالغ إلی حدّ الإلزام.

و أمّا من ناحیة المنتهی فلما سیجیء إن شاء الله ذیل نظریة المحقّق الإصفهانی (قدس سره) حول جواز الاجتماع من عدم التکلیف بالمحال.

ص: 599


1- المحاضرات، ط.ج. ج3، ص450.
النظریة الرابعة: ما أفاده بعض الأساطین (حفظه الله):
اشارة

((1))

إنّ التضادّ بین الحکمین لاینحصر فی المبدأ و المنتهی، بل هما متضادّان فی مرحلة الفعلیة و الإنشاء.

بیان ذلک یتوقف علی ترسیم أُمور:

الأوّل: إنّ التضادّ المبحوث عنه هو التضادّ الأُصولی لا الفلسفی بمعنی أنّ اجتماع الأمر و النهی فی الواحد ذی العنوانین بنفسه محال لا من جهة استلزامه التکلیف بالمحال.

ثانیاً: إنّ المحقّق الإصفهانی (قدس سره) یقول: إنّ حقیقة الحکم هو الباعث و الزاجر الإمکانیان فالمولی یأمر بداعی جعل الباعث و الداعی الإمکانی للفعل و ینهی بداعی جعل الزاجر الإمکانی عن الفعل فقوله: «صلّ» باعث إمکانی و قوله: «لاتغصب» زاجر إمکانی و هذا یسمّی بالإنشاء و مع عدم المانع یصل إلی مرحلة الفعلیة.

ثالثاً: إنّ متعلّق الحکم إمّا مطلق و إمّا مقید و لایمکن إهماله فی مقام الثبوت فالصلاة بما هی متعلّق البعث إمّا مطلق بالنسبة إلی الغصب و إمّا مقید و لا ریب فی عدم تقیدها بالغصب وجوداً و لا عدماً، أمّا تقیدها بوجود الغصب فهو قطعی العدم و أمّا تقیدها بعدم الغصب فلا دلیل إثباتی له فلابدّ من أن تکون الصلاة مطلقة بالنسبة إلی الغصب و هکذا الغصب بما هو متعلّق الزجر مطلق بالنسبة إلی الصلاة.

و معنی إطلاق الصلاة هو إمکان الداعویة إلی کلّ أفراد الصلاة و إن کانت فی المکان المغصوب و إلّا لایکون الأمر بالصلاة مطلقاً مع أنّا نری استحالة فعلیة الداعویة الإمکانیة إلی الصلاة

ص: 600


1- تحقیق الأُصول، ج4، ص65.

فی المکان المغصوب و إذا استحالت فعلیة الداعویة الإمکانیة استحال جعله و إنشاؤه، لأنّ انشاء الحکم لابدّ أن یکون بداعی جعل الداعویة الإمکانیة فإذا استحالت الداعویة الإمکانیة بالنسبة إلی مورد الاجتماع فلا داعی إلی إنشاء الحکم و جعله؛ هذا علی مختار المحقّق الإصفهانی (قدس سره) فی حقیقة الحکم.

و أمّا علی مبنی المحقّق الخوئی (قدس سره) من أنّ حقیقة الحکم هو الاعتبار المبرز فنقول: إنّ المراد من الاعتبار المبرز إمّا مطلق الاعتبار المبرز أو خصوص الاعتبار بداعی تحریک العبد نحو الفعل.

أمّا مطلق الاعتبار المبرز فلایکون حکماً لأنّ الغرض من الحکم الشرعی هو جعل الداعی للمکلّف فلابدّ أن یکون المراد خصوص الاعتبار بداعی تحریک العبد نحو الفعل و هذا الاعتبار بداعی تحریک العبد نحو الصلاة یکون مطلقاً بالنسبة إلی الغصب لعدم الإهمال و التقیید کما مرّ و لکن حیث تستحیل فعلیة داعویته بالنسبة إلی الصلاة فی المکان المغصوب یستحیل جعله و إنشاؤه

فتحصّل من هذا البیان وقوع التضادّ فی مرحلة فعلیة الحکم و إنشائه و جعله.

یلاحظ علیها:

أوّلاً: إنّ المحقّق الإصفهانی (قدس سره) یری تعلّق الحکم بالفرد و لکن لیس لازم تعلّق التکلیف به دخول لوازم الوجود و لوازم التشخّص فی المکلّف به، بل اللازم هو تعلّق التکلیف بالماهیة المتشخصة بالوجود و هذه الماهیة المتشخصة بالوجود الحقیقی الفرضی (لا الحقیقی التحقیقی) مطلوبة للشارع و هی فی مقام الثبوت مطلق بالنسبة إلی جمیع أفراده من دون دخول لوازم تشخّصها فی متعلّق

ص: 601

التکلیف.

و استحالة الداعویة الإمکانیة هی أوّل الکلام فإنّ القائل بالجواز یری إمکان ذلک بخلاف القائل بالامتناع فهو یری استحالتها.

فالداعویة الإمکانیة بالنسبة إلی جمیع أفراد الصلاة فعلیة و منجّزة عند وجود المندوحة و المکلف إن کان واقعاً فی الأرض المغصوبة بسوء اختیاره فهو خالف النهی عن الغصب فإن قلنا ببطلان صلاته وقع العصیان أیضاً بالنسبة إلی الصلاة أیضاً و إن قلنا بعدم بطلان صلاته لأنّه واجب فی کل حال فهو مرتکب لمعصیة واحدة و هذا الأخیر هو الأولی ولکن لابدّ له من إقامة الصلاة حین الخروج بالحرکات الإیمائیة و قضائها بعداً و أمّا مع عدم المندوحة فیقع التزاحم بین تنجّز الداعویة الإمکانیة فی البعث نحو الصلاة و تنجّز الزاجریة الإمکانیة فی الزجر عن الغصب فلابدّ من إعمال مرجحات التزاحم.

ثانیاً: إنّ استحالة تنجّز الداعویة الإمکانیة و تنجّز الزاجریة الإمکانیة فی فرض عدم المندوحة، لاتوجب استحالة فعلیتهما و إنشائهما لعدم التلازم بین مرحلة الإنشاء و الفعلیة و مرحلة التنجّز فی الاستحالة و الإمکان.

فتحصّل إلی هنا عدم وقوع التضادّ فی مرحلة مبدأ الحکم و لا فی الحکم الإنشائی و لا فی الحکم الفعلی بل لایستلزم ذلک مشکلة التکلیف بالمحال کما سیأتی إن شاء الله تعالی.

ص: 602

الفصول الأخری من مباحث المبادی التصدیقیة الأحکامیة:

هنا فصول أخری من المبادی التصدیقیة الأحکامیة و لکن الأعلام أدرجوا البحث عنها فی مباحث الألفاظ و المباحث العقلیة فنشیر إلی عناوینها إجمالاً:

الفصل الثانی: إمکان أخذ قصد القربة فی متعلّق الأمر

الفصل الثالث: مقدمیة ترک الضدّ لفعل الضدّ الآخر

الفصل الرابع: تعلق الأمر بالطبیعة أو الفرد

الفصل الخامس: حقیقة الإیجاب مرکبة أو بسیطة

ص: 603

ص: 604

فهرس العناوین تفصیلاً

ص: 605

ص: 606

فهرس العناوین تقصیلا

مقدمات خمس:

— المقدمة الأولی: تعریف علم الأُصول ...................................................... 43

القواعد الأُصولیة علی أقسام أربعة ............................................................................ 43

فائدة علم الأُصول .................................................................................................. 45

ذکروا لعلم الأُصول تعاریف سبعة: ........................................................................... 45

التعریف الأوّل: من القدماء و المشهور ................................................................. 45

إیرادان علی هذا التعریف: ............................................................................ 46

جواب عن الإیراد الثانی .................................................................................. 47

التعریف الثانی: مختار الشیخ الأنصاری (قدس سره) ............................................................. 47

إیراد علیه ....................................................................................................... 48

التعریف الثالث: مختار صاحب الکفایة (قدس سره) ............................................................ 49

إیرادان علیه: .................................................................................................. 49

الإیراد الأوّل ............................................................................................... 49

جواب عن هذا الإیراد ............................................................................... 49

یلاحظ علیه ............................................................................................... 50

الإیراد الثانی ............................................................................................... 50

التعریف الرابع: مختار المحقق النائینی (قدس سره) ............................................................. 50

إیرادان علیه: .................................................................................................. 51

ص: 607

الإیراد الأوّل ............................................................................................... 51

الإیراد الثانی ............................................................................................... 52

یلاحظ علیه ............................................................................................... 52

التعریف الخامس: مختار المحقق الإصفهانی (قدس سره) ...................................................... 52

إیرادات ثلاثة من المحقق الخوئی (قدس سره) ................................................................. 53

مناقشات فی إیرادات المحقق الخوئی (قدس سره) ........................................................... 53

تحقیق المقام ........................................................................................................ 54

التعریف السادس: مختار المحقق العراقی (قدس سره) ........................................................ 54

إیراد علیه ....................................................................................................... 54

التعریف السابع: مختار المحقق الخوئی (قدس سره) (فیه نکتتان) ....................................... 55

النکتة الأُولی .................................................................................................. 55

إشکال علیها ذکره المحقق الخوئی (قدس سره) ............................................................. 55

جوابان عن هذا الإشکال من المحقق الخوئی (قدس سره) ....................................... 56

الجواب الأوّل ...................................................................................... 56

یلاحظ علیه ........................................................................................ 56

الجواب الثانی ...................................................................................... 57

یلاحظ علیه ........................................................................................ 57

النکتة الثانیة .................................................................................................. 57

— المقدمة الثانیة: ملاک امتیاز العلوم (فیه أربعة أقوال): .............................. 58

القول الأوّل: الموضوع ................................................................................................. 58

مناقشتان فی هذا القول ....................................................................................... 58

القول الثانی: المحمول .................................................................................................. 59

إیراد علیه ............................................................................................................. 59

القول الثالث: الغرض و هذا هو الصحیح .................................................................. 60

القول الرابع: الغرض أو الموضوع ............................................................................... 61

یلاحظ علیه .......................................................................................................... 61

— المقدمة الثالثة: لزوم الموضوع لکل علم ................................................. 64

استدلال بعض الأُصولیین علی لزوم الموضوع لکل علم ............................................. 64

ملاحظتان علی هذا الاستدلال ............................................................................. 64

تحقیق المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی المقام ........................................................................... 65

مناقشة المحقق الخوئی (قدس سره) فی لزوم وجود الموضوع الواحد لکل علم ..................... 66

ص: 608

التحقیق النهائی للمحقق الإصفهانی (قدس سره) .......................................................................... 66

— المقدمة الرابعة: موضوع علم الأُصول (فیه أقوال أربعة): ............................ 68

القول الأوّل: مختار المحقق الخوئی (قدس سره) و بعض الأساطین (حفظه الله) (و هو الحق) .................... 68

القول الثانی: مختار صاحب الکفایة (قدس سره) .......................................................................... 69

إیراد علیه ............................................................................................................. 69

القول الثالث: مختار صاحب القوانین (قدس سره) ...................................................................... 70

القول الرابع: مختار صاحب الفصول (قدس سره) ........................................................................ 70

مناقشة فی القول الثالث و الرابع ......................................................................... 70

جواب الشیخ الأنصاری (قدس سره) عنها .............................................................................. 71

ناقش فیه صاحب الکفایة (قدس سره) .................................................................................. 71

جواب المحقق الإصفهانی (قدس سره) عنها ............................................................................ 72

یلاحظ علیه .......................................................................................................... 72

— المقدمة الخامسة فی تقسیم مبادی علم الأُصول (و هی أربعة): .................... 73

1. المبادئ اللغویة التصوریة ....................................................................................... 73

2. المبادئ اللغویة التصدیقیة ..................................................................................... 74

3. المبادئ الأحکامیة التصوریة ................................................................................... 75

4. المبادئ الأحکامیة التصدیقیة ................................................................................. 76

البحث الأوّل:

المبادی اللغویة التصوریة لعلم الأُصول

( فیه فصول ستة):

الفصل الأوّل: فی الوضع / 81

(فیه أمران و تنبیه)

— الأمر الأوّل: حقیقة الوضع (هنا أقوال سبعة): ......................................... 83

القول الأوّل: المناسبة الذاتیة ...................................................................................... 83

إشکالات أربعة علی هذا القول ........................................................................... 84

القول الثانی: نظریة الملازمة (و هو مختار المحقق العراقی (قدس سره)) ................................... 86

إیرادان علی هذا القول ........................................................................................ 87

ص: 609

القول الثالث: نظریة التعهد (و لهذا المبنی خصوصیات خمس) ............................. 88

أدلة نظیة التعهد أربعة: ............................................................................................ 92

1- الدلیل الأوّل .................................................................................................... 92

یلاحظ علیه .......................................................................................................... 92

2- الدلیل الثانی .................................................................................................... 93

یلاحظ علیه .......................................................................................................... 93

3- الدلیل الثالث .................................................................................................. 93

یلاحظ علیه .......................................................................................................... 93

4- الدلیل الرابع .................................................................................................... 94

أجوبة ثلاثة عن الدلیل الرابع .............................................................................. 95

الجواب الأوّل: ما أفاده بعض الأساطین (حفظه الله) ..................................................... 95

یلاحظ علیه .................................................................................................... 95

الجواب الثانی: ما أفاده بعض الأساطین (حفظه الله) أیضاً ............................................. 95

ملاحظتان علیه ................................................................................................ 95

الجواب الثالث ............................................................................................... 96

القول الرابع: نظریة المحقق النائینی (قدس سره) ....................................................................... 97

إشکالات ثلاثة علی هذا القول ............................................................................. 97

الإشکال الأوّل ................................................................................................... 97

یلاحظ علیه ..................................................................................................... 98

الإشکال الثانی ................................................................................................... 98

یلاحظ علیه ..................................................................................................... 98

الإشکال الثالث ................................................................................................ 98

القول الخامس: نظریة الوجود التنزیلی ..................................................................... 99

إشکالات أربعة علی هذا القول ......................................................................... 100

الإشکال الأوّل: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) ......................................................... 100

الإشکال الثانی: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) أیضاً .................................................. 101

یلاحظ علیه ............................................................................................ 101

الإشکال الثالث: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) أیضاً ................................................ 102

یلاحظ علیه ............................................................................................ 102

الإشکال الرابع: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) أیضاً ................................................. 102

یلاحظ علیه ............................................................................................ 103

ص: 610

ملاحظتنا علی القول الخامس ........................................................................ 103

بیان للمحقق العراقی (قدس سره) یوهم اختیاره للقول الخامس ..................................... 103

یلاحظ علیه ............................................................................................ 104

القول السادس: نظریة السیّد الصدر (قدس سره) ..................................................................... 105

إیرادات ثلاثة علی هذا القول ............................................................................ 106

القول السابع: نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) ................................................................ 108

مناقشتان من المحقق الخوئی (قدس سره) فی هذا القول .................................................... 109

المناقشة الأُولی .............................................................................................. 109

جواب عنها .................................................................................................... 110

المناقشة الثانیة .............................................................................................. 110

جواب عنها .................................................................................................... 110

— الأمر الثانی فی انقسامات الوضع (هنا تقسیمان): .................................... 113

التقسیم الأوّل: الوضع شخصی و نوعی .................................................................. 113

اختلف فی وضع الهیآت علی قولین: .................................................................. 115

القول الأوّل: کونه نوعیاً (و هو مختار المشهور) ......................................... 115

تقریر المحقق الإصفهانی (قدس سره) لقول المشهور ..................................................... 116

مناقشة بعض الأساطین (قدس سره) ......................................................................... 117

یلاحظ علیها ........................................................................................... 117

القول الثانی: کونه شخصیاً (و هو مختار بعض الأساطین (حفظه الله)) ..................... 117

التقسیم الثانی: تقسیم الوضع بلحاظ المعنی الملحوظ حال الوضع (هنا أربعة أقسام): . 118

القسم الأوّل: الوضع الخاص و الموضوع له الخاص ........................................... 118

القسم الثانی: الوضع العام و الموضوع له العام ................................................. 118

بحث فی أنّ الموضوع له فی اسم الجنس العام الشأنی أو العام الفعلی؟ ...... 118

ثمرة القولین ................................................................................................. 120

القسم الثالث: الوضع العام و الموضوع له الخاص ........................................... 121

إشکال فی ثبوت القسم الثالث .................................................................... 121

أجاب عنه المحقق الخوئی (قدس سره) .......................................................................... 122

یلاحظ علیه ................................................................................................. 122

ص: 611

القسم الرابع: الوضع الخاص و الموضوع له العام ............................................. 123

استدلّ علی إمکان هذا القسم بوجهین ...................................................... 124

الوجه الأوّل: من المحقق الحائری (قدس سره) ............................................................. 124

الجواب عنه ............................................................................................ 125

الوجه الثانی: من المحقق الجزائری (قدس سره) ............................................................ 125

الجواب عنه ............................................................................................ 126

— تنبیه فی حقیقة استعمال اللفظ فی المعنی (هنا وجوه أربعة) ..................... 127

الفصل الثانی: فی المعانی الحرفیة / 129

(و فیه تنبیهان)

— الأقوال فی المعانی الحرفیة ثمانیة: ......................................................... 131

القول الأوّل: علامیة الحروف ................................................................................... 133

الإیراد علیه ........................................................................................................ 134

القول الثانی: نظریة التفتازانی ................................................................................... 134

استشکل علیه صاحب الکفایة (قدس سره) ........................................................................ 135

القول الثالث: نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) (تفسیران لکلام صاحب الکفایة (قدس سره):) ...................... 137

التفسیر الأوّل ..................................................................................................... 139

ملاحظتان علیه .............................................................................................. 140

التفسیر الثانی ..................................................................................................... 140

ملاحظتان علیه .............................................................................................. 141

القول الرابع: نظریة المحقق العراقی (قدس سره) ..................................................................... 142

استشکل علیه من وجوه أربعة ......................................................................... 143

القول الخامس: نظریة المحقق النائینی (قدس سره) بمقدماتها الخمس ................................... 145

مناقشات ستّ فی هذه النظریة ........................................................................ 149

القول السادس: نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) (نذکرها فی ضمن عناوین أربعة): .................. 152

1. المعنی الحرفی و الاسمی متباینان بالذات ..................................................... 154

2. إنّ النسبة وجودها لا فی نفسها .................................................................... 154

ص: 612

3. الوجود الرابط ذاته و وجوده تعلقی ........................................................... 155

4. تحقیق فی حقیقة النسبة و وجودها ............................................................ 156

مناقشات أربع فی نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره): ............................................. 158

المناقشة الأولی بالنسبة إلی الاستدلال علی الوجود الرابط من محاضرات .. 158

یلاحظ علیها ........................................................................................... 158

المناقشة الثانیة: إنکار الوجود الرابط خارجاً (نسب إلی السیّد السیستانی (حفظه الله)) ........ 159

ملاحظتان علیها ...................................................................................... 160

المناقشة الثالثة من محاضرات أیضاً ............................................................ 161

یلاحظ علیها ........................................................................................... 161

المناقشة الرابعة من محاضرات أیضاً ........................................................... 162

یلاحظ علیها ........................................................................................... 162

القول السابع: نظریة المحقق الخوئی (قدس سره) (نذکرها فی ضمن عناوین خمسة): ........................ 163

1. القسم الأول من الحروف یباین الاسم ذاتاً ................................................... 163

2. معانی الحروف حکائیة .................................................................................. 164

3. امتیاز هذا القول عن سائر الأقوال ............................................................... 165

4. حال القسم الثانی من الحروف حال الجمل الإنشائیة .................................. 165

5. الموضع له علی هذه النظریةخاص و الوضع عام ......................................... 166

مناقشتان فی نظریة المحقق الخوئی (قدس سره) ................................................................. 167

أدلة أربعة علی هذه النظریة ............................................................................ 168

المناقشة فی الأدلة الأربعة ............................................................................ 169

القول الثامن: نظریة بعض الأساطین (حفظه الله) تنقسم الحروف إلی ثلاثة أقسام ............... 170

یلاحظ علیه ........................................................................................................ 171

— التنبیه الأوّل: إنّ الموضوع له فی الحروف عام أو خاص؟ ........................... 173

— التنبیه الثانی: ثمرة البحث عن حقیقة المعنی الحرفی (هنا ثمرتان): ................ 175

الثمرة الأُولی .......................................................................................................... 175

الثمرة الثانیة .......................................................................................................... 177

ص: 613

الفصل الثالث: فی الإنشاء و الإخبار / 179

(فیه أمران):

— الأمر الأوّل: فی مفاد الجملة الإنشائیة (هنا نظریات أربع): ................................ 181

النظریة الأولی: مبنی المشهور ................................................................................ 181

تقریر بعض الأساطین (حفظه الله) لقول المشهور ................................................................... 181

النظریة الثانیة: للمحقق الخراسانی (حفظه الله) ..................................................................... 182

استشکل علیها المحقق الخوئی (قدس سره) ............................................................................ 183

النظریة الثالثة: للمحقق الإصفهانی (قدس سره) ...................................................................... 183

یلاحظ علیها .......................................................................................................... 184

النظریة الرابعة: للمحقق الخوئی (قدس سره) .......................................................................... 184

یلاحظ علیها .......................................................................................................... 185

— الأمر الثانی: فی حقیقة الإنشاء (نذکر فیه نظریات ستّ): ........................... 187

النظریة الأولی: مختار صاحب الکفایة (قدس سره) ................................................................. 186

إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) علیها .......................................................................... 189

مناقشة فی هذا الإیراد ....................................................................................... 189

الجواب عن هذه المناقشة ................................................................................ 189

النظریة الثانیة: .............................................................................. 190

یلاحظ علیها ...................................................................................................... 191

النظریة الثالثة: مختار المحقق الإصفهانی (قدس سره) ............................................................. 192

مناقشات ثلاث فیها: ......................................................................................... 193

المناقشة الأُولی .................................................................................................. 193

المناقشة الثانیة: من تحقیق الأُصول ................................................................. 194

الجواب عن المناقشة الثانیة ............................................................................. 195

المناقشة الثالثة: من تحقیق الأُصول أیضاً ........................................................ 195

الجواب عن هذه المناقشة ................................................................................ 195

النظریة الرابعة: مختار المحقق الخوئی (قدس سره) ................................................................ 196

ص: 614

یلاحظ علیها ...................................................................................................... 196

النظریة الخامسة .................................................................................................... 197

ملاحظتان علیها ................................................................................................. 197

النظریة السادسة: (و هی الرأی الصحیح) ............................................................ 197

الفصل الرابع: فی أسماء الإشارة و الضمائر و الموصولات / 199

اختلف الأعلام فی معانیها علی ثلاثة أقوال: ............................................... 201

النظریة الأولی: للمحقق الخراسانی (قدس سره) ....................................................................... 201

ملاحظتنا علیها ...................................................................................................... 202

النظریة الثانیة: للمحقق الإصفهانی (قدس سره) ...................................................................... 203

النظریة الثالثة: للمحقق البروجردی (قدس سره) و بعض الأساطین (حفظه الله) .................................... 203

یلاحظ علیها .......................................................................................................... 204

الفصل الخامس: فی تبعیة الدلالة للإرادة / 205

مقدمة: أقسام الدلالة ثلاثة ....................................................................................... 207

القسم الأوّل: الدلالة التصوریة ............................................................................... 207

القسم الثانی: الدلالة التصدیقیة الأُولی .................................................................. 209

القسم الثالث: الدلالة التصدیقیة الثانیة ................................................................ 209

هل الدلالة تابعة للإرادة أو لا؟ .............................................................................. 210

النظریة الأُولی: نظریة المحقق الخراسانی (قدس سره) ...................................................... 211

النظریة الثانیة: نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) ....................................................... 212

یلاحظ علیها ...................................................................................................... 213

الفصل السادس: فی الحقیقة و المجاز / 215

علائم الحقیقة و المجاز ثلاث: ................................................................................... 217

العلامة الأولی: التبادر ............................................................................................. 219

ص: 615

إشکال الدور فی التبادر ..................................................................................... 220

جوابان عن هذا الإشکال ................................................................................... 221

العلامة الثانیة: صحة الحمل و عدم صحة السلب (هنا مقامان): ....................... 224

المقام الأوّل: الحمل الأوّلی الذاتی ...................................................................... 224

بیان المحقق الإصفهانی (قدس سره) .............................................................................. 225

هل یکون السلب الذاتی علامة المجازیة؟ .................................................. 226

المقام الثانی: الحمل الشائع الصناعی( هنا أقسام ثلاثة) ................................. 227

بیان نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) .................................................................. 228

هل یکون السلب الشائع علامة المجازیة؟ ................................................ 229

العلامة الثالثة: الاطراد ............................................................................................ 230

بیانان لعلامیة الاطراد ......................................................................................... 232

الأوّل: بیان المحقق الإصفهانی (قدس سره) .......................................................................... 232

یلاحظ علیه ................................................................................................. 233

الثانی: بیان المحقق الخوئی (قدس سره) .............................................................................. 233

یلاحظ علیه ................................................................................................. 233

البحث الثانی:

المبادئ اللغویة التصدیقیة لعلم الأُصول

(فیه فصول خمسة)

الفصل الأوّل: فی الحقیقة الشرعیة / 237

(فیه مقدمتان و تنبیه)

المقدمة الأولی: إنّ هذا البحث من المبادئ اللغویة التصدیقیة .............................. 239

بیان بعض الأساطین (حفظه الله) لکون هذا البحث من المسائل الأُصولیة ............................ 240

ملاحظتان علی هذا البیان ....................................................................................... 240

ص: 616

المقدمة الثانیة: هل یتحقق الوضع بالاستعمال؟(فیه نظریتان): ..................... 242

النظریة الأولی: من المحقق الخراسانی (قدس سره) .................................................................. 242

إیراد المحقق النائینی (قدس سره) ...................................................................................... 242

جواب المحقق الإصفهانی (قدس سره) (هنا تصویران) ....................................................... 244

النظریة الثانیة: من المحقق الإصفهانی (قدس سره) ................................................................. 246

الدلیل علی ثبوت الحقیقة الشرعیة ................................................................. 248

نظریة المحقق الخراسانی (قدس سره): إنّها حقائق لغویة ................................................. 250

یلاحظ علیها ...................................................................................................... 251

تنبیه: فی ثمرة هذا البحث؛ هل لهذا البحث ثمرة؟ (فیه قولان): ............................. 253

القول الأوّل: وجود الثمرة (مختار المحقق الخراسانی و المحقق العراقی (قدس سرهما)) ............. 253

بیان المحقق الخراسانی (قدس سره) ........................................................................................ 254

القول الثانی: إنکار وجود الثمرة (مختار المحقق النائینی و المحقق الخوئی (قدس سرهما) و بعض الأساطین (حفظه الله)) 255

بیان المحقق النائینی (قدس سره) ........................................................................................... 256

الفصل الثانی: فی الصحیح و الأعم / 257

(فیه مقدمتان و مقامان)

— المقدمة الأولی: فی صلة هذا البحث بالبحث السابق ........................................... 259

قد اختلف فی جریان هذا البحث علی القول بعدم ثبوت الحقیقة الشرعیة علی ثلاث نظریات: 259

النظریة الأولی: من الشیخ الأنصاری (قدس سره) .............................................................. 259

ملاحظتان علیها ............................................................................................ 260

النظریة الثانیة: من صاحب الکفایة (قدس سره) .............................................................. 261

النظریة الثالثة: من المحقق الخوئی (قدس سره) ................................................................ 264

یلاحظ علیها ................................................................................................. 265

— المقدمة الثانیة: فی معنی الصحة (هنا نظریتان): ................................................ 267

ص: 617

النظریة الأولی: من صاحب الکفایة (قدس سره) ............................................................... 267

إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) ................................................................................ 270

جواب المحقق الخوئی (قدس سره) .................................................................................. 270

ملاحظتان علیه ............................................................................................. 271

النظریة الثانیة: من المحقق الإصفهانی (قدس سره) ........................................................... 271

إیرادان علیها ................................................................................................. 273

الأوّل: ملاحظتنا علی ما أفاده فی آخر کلامه ................................................... 273

الثانی: إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) .......................................................................... 273

یلاحظ علیه .................................................................................................. 274

— المقام الأوّل: فی أنّ أسماء العبادات وضعت للصحیحة أو للأعم؟ (فیه أمران و تنبیه): 275

1) الأمر الأوّل: فی إمکان الوضع للصحیحة أو للأعم ........................................... 276

الدلیل علی لزوم وجود الجامع ............................................................................ 276

استدلال علی عدم لزوم الجامع ........................................................................... 277

إشکالان من المحقق الخوئی (قدس سره) ......................................................................... 277

بیان المحقق النائینی (قدس سره) لعدم لزوم الجامع ...................................................... 278

مناقشة المحقق الخوئی (قدس سره) ................................................................................ 279

ما الجامع عند الصحیحی؟ (هنا ثلاث نظریات): ................................................... 281

النظریة الأولی: من المحقق الخراسانی (قدس سره) ................................................................ 281

إیرادان علیها: ............................................................................................... 282

الأوّل: إیراد المحقق البروجردی (قدس سره) .................................................................... 282

الجواب عنه ............................................................................................ 283

الثانی: إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) ...................................................................... 283

النظریة الثانیة: من المحقق العراقی (قدس سره) .................................................................. 284

ملاحظات ثلاث علیها .................................................................................... 284

النظریة الثالثة: من المحقق الإصفهانی (قدس سره) ............................................................... 286

1. أما الجامع الذاتی .................................................................................... 286

ص: 618

إیراد المحقق الإصفهانی علیه .................................................................... 286

2. أما الجامع العنوانی [المرکب] ................................................................. 287

إیرادان من المحقق الإصفهانی علیه .......................................................... 287

3. أما الجامع العنوانی البسیط ................................................................... 287

إیرادان من المحقق الإصفهانی علیه .......................................................... 288

4. أما الجامع الاعتباری .............................................................................. 288

إیراد المحقق الإصفهانی علیه .................................................................... 288

یلاحظ علیه ..................................................................................... 289

5. أما الجامع الترکیبی التشکیکی .............................................................. 289

إیراد المحقق الإصفهانی علیه .................................................................... 289

6. أما الجامع الترکیبی المختار لمراتب الصلاة ............................................ 290

ملاحظتنا علیها: الحق وجود الجامع العنوانی و الاعتباری و الترکیبی .... 292

تصویران للجامع العنوانی ........................................................................... 294

تصویر الجامع الاعتباری ............................................................................. 295

تصویران للجامع الترکیبی ........................................................................... 295

ما الجامع عند الأعمی؟ (هنا ثلاثة تصاویر): ........................................................... 297

التصویر الأوّل: نظریة المحقق القمی (قدس سره) ............................................................ 297

إشکالات ثلاثة علیه لصاحب الکفایة (قدس سره) ......................................................... 298

أجاب عنها المحقق الخوئی (قدس سره) .......................................................................... 298

التصویر الثانی: ما نسب إلی المشهور ............................................................... 300

إشکالان لصاحب الکفایة (قدس سره) علیه ................................................................... 301

أجاب عنهما المحقق الخوئی (قدس سره) ........................................................................ 301

ملاحظة من المحقق الخوئی (قدس سره) لتصحیح التصویر الثانی .................................. 304

التصویر الثالث: نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) ..................................................... 305

إشکالان من المحقق الخوئی (قدس سره) علیه ............................................................... 305

الجواب عنهما ................................................................................................ 306

ص: 619

2) الأمر الثانی: الاستدلال علی القول بالصحیح و الأعم (هنا أقوال ثلاثة): ... 309

القول الأوّل: مختار الشیخ الأنصاری و المحقق النائینی (قدس سرهما) ............................. 309

مناقشتان من المحقق الخوئی (قدس سره) فی هذا القول ............................................ 310

القول الثانی: وضع الألفاظ للصحیحة (مختار صاحب الکفایة و المحقق البهجة (قدس سرهما)) ............. 311

أدلة القول بالصحیح خمسة: ............................................................................ 311

الدلیل الأوّل: التبادر ................................................................................... 311

الدلیل الثانی: صحة السلب ......................................................................... 311

الدلیل الثالث: الأخبار (هی علی طائفتین) ............................................... 312

یلاحظ علی هذه الأدلة الثلاثة ................................................................ 313

الدلیل الرابع: الاستدلال بطریق اللم ......................................................... 314

الدلیل الخامس: الاستدلال بطریق اللم أیضاً ............................................ 314

بیان لتکمیل الدلیل الرابع و الخامس ......................................................... 315

إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) علی هذا البیان ................................................. 316

یلاحظ علیه ............................................................................................ 317

القول الثالث: وضع الألفاظ للأعم (و هو مختار المحقق الإصفهانی و الحائری و العراقی و الخوئی (قدس سرهم) و بعض الأساطین (حفظه الله)) 319

أدلة القول الثالث ......................................................................................... 320

الدلیل الأول ................................................................................................... 320

یلاحظ علیه .................................................................................................... 320

الدلیل الثانی ................................................................................................... 321

یلاحظ علیه .................................................................................................... 321

القول الرابع: و هی نطریتنا ............................................................................. 323

3) تنبیه فی ثمرة البحث (هنا ثمرتان): .................................................................... 325

الثمرة الأولی: جریان البراءة و الاشتغال (هنا أقوال خمسة): .......................... 325

القول الأوّل: نظریة المحقق القمی و السیّد علی الطباطبائی (قدس سرهما) ................ 326

القول الثانی: نظریة الشیخ الأنصاری و المحقق الخراسانی (قدس سرهما) ..................... 327

ص: 620

القول الثالث: نظریة المحقق النائینی (قدس سره) ...................................................... 327

یلاحظ علیه ............................................................................................ 329

القول الرابع: نظریة المحقق الخوئی (قدس سره) ......................................................... 329

بیانه (قدس سره) فی دراسات ................................................................................... 329

بیانه (قدس سره) فی محاضرات ................................................................................ 330

القول الخامس: نظریة المحقق الحائری (قدس سره) ................................................... 331

مناقشة فی هذا القول ............................................................................. 332

الثمرة الثانیة: جواز التمسک بالإطلاق اللفظی ............................................... 334

مقدمة فی أنّ الإطلاق علی قسمین: مقامی و لفظی ................................ 334

إشکالات ثلاثة علی هذه الثمرة ........................................................... 336

الإشکال الأوّل: من المحقق العراقی (قدس سره) ................................................... 336

أجاب عنه بعض الأساطین (حفظه الله) .......................................................... 337

الإشکال الثانی ........................................................................................ 339

أجاب عنه المحقق الخوئی (قدس سره) ............................................................ 340

الإشکال الثالث ..................................................................................... 340

یلاحظ علیه .................................................................................... 342

— المقام الثانی: فی أنّ ألفاظ المعاملات وضعت للصحیحة أو الأعم؟ (فیه أُمور ثلاثة) 345

الأمر الأوّل: إنّ أسامی المعاملات موضوعة للأسباب أو المسبّبات؟(هنا نظریتان) ..... 347

النظریة الأولی: من صاحب الکفایة (قدس سره) ............................................................ 347

النظریة الثانیة: من المحقق الإصفهانی (قدس سره) ........................................................ 347

النظریة الثالثة: من السید المحقق الحکیم (قدس سره) ................................................. 348

النظریة الرابعة: من المحقق الخوئی (قدس سره) و بعض الأعلام من تلامذه .................. 348

الأمر الثانی: هل یجری النزاع علی القول بوضعها للمسبّبات؟ (فیه نظریات ثلاث): ... 350

النظریة الأولی: من صاحب الکفایة و المحقق الإصفهانی (قدس سرهما) (و هی عدم جریان النزاع) 350

ص: 621

النظریة الثانیة: من المحقق الخوئی (قدس سره) (و هی التفصیل) ................................. 352

یلاحظ علیها .......................................................................................... 352

النظریة الثالثة: من بعض الأساطین (حفظه الله) (هی جریان النزاع علی بعض المبانی) .. 353

یلاحظ علیها ............................................................................................ 353

الأمر الثالث: فی جواز التمسک بإطلاق المعاملات عند الشک فی اعتبار شیء فی تأثیرها شرعاً 355

قال المشهور بجواز التمسک بإطلاق المعاملات ............................................. 355

بیان المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی تقریر مبنی المشهور ........................................ 357

إشکال علی التمسک بالإطلاق .................................................................... 358

أجاب عنه المحقق الخوئی (قدس سره) ........................................................................ 359

الفصل الثالث: فی الاشتراک (و فیه تنبیه) / 363

اختلفوا فیه علی أقوال ثلاثة:

القول الأوّل: وجوب الاشتراک ...................................................................................... 365

الاستدلال علی هذا القول ....................................................................................... 366

أجاب عنه المحقق الخراسانی (قدس سره) بوجوه أربعة .......................................................... 366

الوجه الأوّل و الثانی و الثالث ........................................................................... 366

إشکال المحقق الخوئی (قدس سره) علی الوجه الثالث ................................................ 366

أجاب عنه بعض الأساطین (حفظه الله) ....................................................................... 367

الوجه الرابع ....................................................................................................... 367

القول الثانی: استحالة الاشتراک ..................................................................................... 367

دلیلان علی القول الثانی ............................................................................................... 367

الدلیل الأوّل ............................................................................................................. 367

جوابان من المحقق الخراسانی (قدس سره) عنه ................................................................. 368

الدلیل الثانی: استدلال القائلین بمبنی التعهد ......................................................... 368

یلاحظ علیه ....................................................................................................... 369

ص: 622

القول الثالث: إمکان الاشتراک و هو المختار ................................................................ 369

قال المحقق الخوئی (قدس سره) بما ینتج نتبجة الاشتراک ............................................................. 369

الإیراد علیه .............................................................................................................. 370

تنبیه: فی توهم عدم وقوع الاشتراک فی القرآن الحکیم ................................................ 371

أجاب عنه المحقق الخوئی (قدس سره) ...................................................................................... 371

الفصل الرابع: استعمال اللفظ فی أکثر من معنی واحد / 373

(و فیه تنبیه)

أدلة القائلین بالاستحالة أربعة ................................................................................... 377

الدلیل الأوّل: من صاحب الکفایة (قدس سره) ........................................................................ 377

مناقشتان فی هذا الدلیل ................................................................................... 378

المناقشة الأولی: عن المحقق الخوئی (قدس سره) ................................................................ 378

جواب عنها .................................................................................................. 379

المناقشة الثانیة: من بعض الأساطین (حفظه الله) ............................................................ 379

الدلیل الثانی: من صاحب الکفایة (قدس سره) أیضاً ............................................................... 380

بیان المحقق االنائینی (قدس سره) ..................................................................................... 380

یلاحظ علیه ................................................................................................. 381

تقریر المحقق العراقی (قدس سره) .................................................................................... 381

إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) علی هذا الدلیل ................................................. 381

الدلیل الثالث...........................................................................................................

382

إیرادات ثلاثة علی هذا الدلیل .......................................................................... 383

الدلیل الرابع: تقریر المحقق الإصفهانی (قدس سره) للاستحالة ............................................... 383

إیرادات ثلاثة من بعض الأساطین (حفظه الله) ................................................................ 384

الإیراد الأوّل ....................................................................................................... 384

جواب عن هذا الإیراد ................................................................................ 385

ص: 623

الإیراد الثانی ....................................................................................................... 386

الإیراد الثالث ..................................................................................................... 386

تنبیه: هل یکون استعمال اللفظ فی أکثر من معنی خلاف الظهور العرفی؟ ................. 389

الفصل الخامس: المشتق / 391

( فیه مقدمات ثلاث و أمران و تنبیهات أربعة)

— مقدمات ثلاث ......................................................................................................... 393

1) المقدمة الأولی: فی معرفة موضوع المسألة و هو عنوان المشتق (و فیها بحثان) ..... 395

البحث الأوّل: فی مغایرة المشتق الأُصولی و الأدبی ................................................. 395

المشتق الأدبی (و هو علی قسمین) .................................................................. 395

الجامد الأدبی (و هو أیضاً علی قسمین) .......................................................... 398

المشتق الأُصولی (و هو ما کان مشتملاً علی رکنین) ........................................ 398

استشهاد صاحب الکفایة (قدس سره) بفرع فقهی علی دخول القسم الثانی من الجامد الأدبی فی محل النزاع 401

تحقیق فی هذا الفرع (هنا نظریتان) ............................................................... 402

النظریة الأولی: من المشهور ....................................................................... 402

النظریة الثانیة: من المحقق الخوئی (قدس سره) .......................................................... 404

إیرادات ثلاثة علی نظریة المحقق الخوئی (قدس سره) ............................................... 405

الإیراد الأوّل ............................................................................................ 405

الإیراد الثانی ............................................................................................ 407

الإیراد الثالث: روایة علی بن مهزیار فی الکافی ......................................... 407

نوقش فی سند هذه الروایة بصالح بن أبی حماد ................................ 408

ملاحظتنا علیها: الحق توثیقه بأدلة ثلاثة ...................................... 409

البحث الثانی: تعمیم المشتق الأُصولی لبعض المصادیق(فهنا مطالب أربعة) ...... 414

المطلب الأوّل: جریان النزاع فی اسم الزمان ........................................................ 414

إشکال علی جریان النزاع فی اسم الزمان .................................................... 414

محاولات الأعلام لدفع الإشکال (هنا نظریات أربع) ................................. 415

ص: 624

1) النظریة الأولی: من المحقق الخراسانی (قدس سره) ( إنّه (قدس سره) أجاب عن الإشکال بوجهین) 416

الوجه الأوّل: الجواب الحلّی .............................................................. 416

الوجه الثانی: الجواب النقضی (و هو اثنان) ....................................... 417

مناقشة بعض الأعلام بالنسبة إلی النقض الأوّل .................................. 417

مناقشة المحقق الإصفهانی (قدس سره) بالنسبة إلی النقض الثانی .......................... 419

2) النظریة الثانیة: من المحقق الإصفهانی (قدس سره) ......................................... 419

إیراد المحقق الصدر (قدس سره) علیها ............................................................... 422

یلاحظ علیه ..................................................................................... 424

3) النظریة الثالثة: من المحقق النائینی (قدس سره) ............................................ 424

یلاحظ علیها ................................................................................... 425

4) النظریة الرابعة: من المحقق العراقی (قدس سره) ........................................... 427

مناقشتان من المحقق الإصفهانی (قدس سره) علی المحقق العراقی (قدس سره) .............. 429

المناقشة الأُولی .............................................................................. 429

المناقشة الثانیة .............................................................................. 430

جواب السیّد الصدر (قدس سره) عن المناقشة الثانیة ......................................... 430

المطلب الثانی: عدم جریان النزاع فی الأفعال و المصادر المزیدة و المجرّدة ........ 433

بیان صاحب الکفایة (قدس سره) ................................................................................. 433

نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) ........................................................................... 433

هل تدلّ الأفعال علی الزمان؟ (نبحث عنها فی صورتین) .......................... 434

الصورة الأولی: الدلالة بالمطابقة أو بالتضمن ........................................... 434

بیان المحقق الخراسانی (قدس سره) .................................................................... 434

بیان المحقق الإصفهانی (قدس سره) .................................................................... 436

الصورة الثانیة: الدلالة بالالتزام (هنا نظریات ثلاث) ............................... 437

1) النظریة الأولی: من صاحب الکفایة (قدس سره) ............................................ 437

2) النظریة الثانیة: من المحقق الإصفهانی (قدس سره) ........................................ 438

إیراد السیّد الخوئی (قدس سره) علیها ............................................................... 439

ص: 625

یلاحظ علیه .................................................................................. 440

3) النظریة الثالثة: من المحقق الخوئی (قدس سره) ............................................ 440

ملاحظتان علیها ............................................................................. 441

المطلب الثالث و الرابع: جریان النزاع فی اسم الآلة و اسم المفعول ................. 442

نظریة المحقق النائینی (قدس سره): خروج اسم الآلة و اسم المفعول عن محل النزاع 442

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علیها .................................................................. 443

التحقیق حول جریان النزاع فی اسم الفاعل و اسم المفعول ..................... 444

2) المقدمة الثانیة: فی معرفة محمول المسألة من جهة أنحاء التلبس .................... 445

مبادئ المشتقات علی أقسام أربعة .................................................................. 445

3) المقدمة الثالثة: فی معنی الحال (هنا احتمالات ستة) ......................................... 448

الإحتمال الأوّل: زمان النطق ............................................................................. 449

إیرادان علی الاحتمال الأوّل ........................................................................ 449

الاحتمال الثانی: حال النطق .............................................................................. 450

الإیراد علیه ................................................................................................. 451

الاحتمال الثالث: زمان النسبة .............................................................................. 451

إیرادان علی الاحتمال الثالث ...................................................................... 451

الإحتمال الرابع: حال النسبة ................................................................................ 451

الإیراد علیه ................................................................................................. 451

الاحتمال الخامس: زمان التلبس ........................................................................... 452

إیرادان علی الاحتمال الخامس ................................................................... 452

الاحتمال السادس: حال التلبس و هو المتعیّن .................................................... 452

— المقصود فی الموضوع له للمشتق ...................................................... 455

1) الأمر الأوّل: فی مقتضی الأصل اللفظی و العملی (هنا صورتان) ........................ 455

الصورة الأولی: فی تأسیس الأصل بالنسبة إلی المسألة الأُصولیة (و هو اثنان) ..... 455

الأوّل: الأصل اللفظی العقلائی (و له تقریران) ................................................ 455

التقریر الأوّل ............................................................................................... 456

ص: 626

إیرادان علی هذا التقریر ......................................................................... 457

التقریر الثانی ............................................................................................... 457

إیرادان علی التقریر الثانی ....................................................................... 458

الثانی: الأصل العملی ......................................................................................... 459

إیرادات ثلاثة علیه ...................................................................................... 460

الصورة الثانیة: فی تأسیس الأصل بالنسبة إلی المسألة الفقهیة ............................ 461

نظریة المحقق الخراسانی (قدس سره) (هنا صورتان) ......................................................... 461

إیرادان من المحقق الخوئی (قدس سره) علیها .............................................................. 462

الإیراد الأوّل ............................................................................................ 462

جواب عن هذا الإیراد ............................................................................ 462

الإیراد الثانی ............................................................................................ 463

تتمیم صور المسألة ........................................................................................... 464

2) الأمر الثانی: التحقیق حول نظریات الأعلام فی مسألة المشتق (فیه مقامان) .... 465

المقام الأوّل: فی البحث الثبوتی (هنا نظریتان) ...................................................... 469

النظریة الأولی: من المحقق النائینی (قدس سره) .............................................................. 470

بیان منتقی الأُصول لتوجیه نظریة المحقق النائینی (قدس سره) ...................................... 471

مناقشتان فی هذه النظریة ......................................................................... 472

الأُولی: مناقشة المحقق الخوئی (قدس سره) ......................................................... 472

بالنسبة إلی ما أفاده علی القول بالبساطة ......................................... 472

بالنسبة إلی ما أفاده علی القول بالترکیب .......................................... 473

یلاحظ علیها ......................................................................................... 474

الثانیة: ملاحظتنا علی هذه النظریة .................................................... 475

النظریة الثانیة: من المحقق الإصفهانی (قدس سره) (هنا فروض ثلاثة) ............................ 475

الفرض الأوّل: القول بالبساطة التی ذهب إلیها المحقق الدوانی (قدس سره) ............. 476

الفرض الثانی: القول بالبساطة التی هی المختار ........................................ 476

الفرض الثالث: القول بترکب مفهوم المشتق (هنا احتمالان) .................... 476

ص: 627

الأوّل: ترکب المشتق بمعنی من حصل منه الضرب .................................. 477

إیرادن علی هذا الاحتمال ....................................................................... 477

الثانی: ترکب المشتق بمعنی من حصل له الضرب ..................................... 477

إیرادان علی الاحتمال الثانی ..................................................................... 477

جواب بعض الأساطین (حفظه الله) عنهما ............................................................... 477

المقام الثانی: فی البحث الإثباتی ............................................................................... 480

الف) أدلة القائلین بالوضع لخصوص المتلبس ثلاثة ....................................... 480

1) الدلیل الأوّل: التبادر .............................................................................. 480

إشکال فی المقام ...................................................................................... 481

الجواب الأوّل عن هذا الإشکال: من المحقق الخراسانی (قدس سره) ......................... 482

إشکال السیّد الصدر (قدس سره) .............................................................................. 482

الجواب الأوّل عن هذا الإشکال: من السیّد الصدر (قدس سره) ................................. 483

2) الدلیل الثانی: صحة السلب ................................................................... 484

إیراد المحقق الرشتی (قدس سره) ............................................................................. 484

أجاب عنه صاحب الکفایة (قدس سره): هنا احتمالات ثلاثة .................................... 485

نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) (هنا فرضان) ................................................... 487

الفرض الأول: أن یعتبر السلب بالحمل الأوّلی الذاتی .......................... 488

الفرض الثانی: أن یعتبر السلب بالحمل الشائع (هنا صور ثلاث) ....... 488

الصورة الأُولی و الثانیة و الثالثة ................................................ 488

مناقشة المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی الالتزام بهذه الصور ..................... 489

التزام المحقق الإصفهانی (قدس سره) بالصورة الثانیة بتقریب آخر ............... 490

ملاحظة علیه ............................................................................. 490

النظریة المختارة ..................................................................................... 491

3) الدلیل الثالث: برهان التضاد بین المفاهیم .......................................... 491

استشکل علیه بعض الأساطین (حفظه الله) ............................................................. 492

یلاحظ علیه ............................................................................................ 493

ب) أدلة القائلین بالوضع للأعم ثلاثة .............................................................. 495

ص: 628

1) الدلیل الأوّل: التبادر .............................................................................. 495

إیراد علیه .............................................................................................. 495

2) الدلیل الثانی ........................................................................................... 495

إیراد علیه .............................................................................................. 496

3) الدلیل الثالث ......................................................................................... 496

إیراد علیه .............................................................................................. 497

— تنبیهات مسألة المشتق .................................................................. 499

1) التنبیه الأوّل: هل یکون المشتق بسیطاً أو مرکباً؟ (هنا مطلبان) .................. 500

المطلب الأوّل: فی المراد من البساطة (هنا قولان) .............................................. 503

القول الأوّل: البساطة الإدراکیة (و هو مختار صاحب الکفایة (قدس سره)) ................... 504

القول الثانی: البساطة التحلیلیة ........................................................ 505

نظریة المحقق النائینی (قدس سره) ................................................................ 505

یلاحظ علیها ............................................................................ 505

نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) .............................................................. 506

ملاحظة علیها .......................................................................... 506

بیان المحقق الخوئی (قدس سره) .................................................................... 507

یلاحظ علیه ............................................................................ 507

المطلب الثانی: فی الاستدلال علی البساطة و الترکب ............................. 510

أدلة القائلین بالبساطة خمسة ......................................................... 510

1- الدلیل الأوّل: من السیّد الشریف الجرجانی (قدس سره) ................................. 510

التحقیق حول هذا الاستدلال (هنا صورتان) ................................................. 512

الصورة الأولی: أخذ مفهوم الشیء فی المشتق ............................... 512

قد نوقش علیه بتقریبات ثلاثة ................................................. 512

التقریب الأوّل: من السیّد الشریف .......................................................... 513

جوابان عن هذا التقریب .......................................................................... 513

ص: 629

الجواب الأوّل: ما أفاده صاحب الفصول (قدس سره) ................................................. 513

إیراد صاحب الکفایة (قدس سره) علیه .................................................................. 514

الجواب الثانی: ما أفاده صدر المتألهین و الحکیم السبزواری و صاحب الکفایة (قدس سرهم) 514

مناقشة المحقق النائینی (قدس سره) فی الجواب الثانی ........................................... 515

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علیه ................................................................... 516

یلاحظ علیه ......................................................................................... 517

نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) بالنسبة إلی الجواب الثانی ............................. 517

ملاحظة علی کلام المحقق الإصفهانی ................................................ 519

التقریب الثانی: من صاحب الفصول (قدس سره) ....................................................... 520

مناقشة صاحب الکفایة و المحقق النائینی و المحقق الخوئی (قدس سرهم) ................. 520

التقریب الثالث: من المحقق النائینی (قدس سره) ..................................................... 521

مناقشة المحقق الخوئی (قدس سره) فی هذا التقریب ................................................. 522

الإیراد علی ملاک العرض العام عند المحقق النائینی (قدس سره) ............................... 522

الإیراد علی کون الشیء جنساً لما تحته من الأجناس العالیة ...................... 522

الصورة الثانیة: أخذ مصداق الشیء فی المشتق ............................ 524

مناقشات ثلاث فیها ............................................................... 524

المناقشة الأولی: من السیّد الجرجانی ......................................................... 525

جواب صاحب الفصول (قدس سره) عن هذه المناقشة .............................................. 526

دفاع المحقق السبزواری و المحقق الخراسانی (قدس سرهما) عن السیّد الشریف .......... 527

جواب المحقق الخوئی (قدس سره) عن المحققین (قدس سرهما) .................................................... 529

المناقشة الثانیة: من الحکیم السبزواری و المحقق الخراسانی (قدس سرهما) .............. 532

المناقشة الثالثة: من المحقق الخوئی (قدس سره) ........................................................ 532

2- الدلیل الثانی: من الحکیم السبزواری و المحقق الخراسانی و المحقق النائینی (قدس سرهم) 534

جواب المحقق الخوئی (قدس سره) ............................................................... 534

3- الدلیل الثالث: من المحقق النائینی (قدس سره) ........................................... 535

ص: 630

مناقشة المحقق الإصفهانی و المحقق الخوئی (قدس سرهما) ................................. 536

4- الدلیل الرابع: من المحقق الشیرازی (قدس سره) .......................................... 537

الجواب عن هذا الدلیل ............................................................. 537

5- الدلیل الخامس: من المحقق الإصفهانی (قدس سره) ....................................... 538

مناقشتان فی هذا الدلیل ............................................................ 540

1) مناقشة المحقق الخوئی (قدس سره) ...................................................... 540

یلاحظ علیها ......................................................................... 541

2) ملاحظتنا علیه .................................................................. 541

استدل المحقق الخوئی (قدس سره) علی ترکب المشتق بوجهین .............................. 542

الوجه الأوّل: التبادر بالوجدان ........................................................ 543

إشکال علی هذا الوجه .............................................................. 543

الوجه الثانی: البرهان .................................................................... 543

ملاحظة علیه ........................................................................... 544

2) التنبیه الثانی: الفرق بین المشتق و المبدأ .......................................... 547

المشهور بین الحکماء أنّ الفرق بین المبدأ و المشتق هو باعتبار لابشرط و بشرط لا (و لهذا الکلام تفسیران) 547

التفسیر الأوّل: من صاحب الفصول (قدس سره) ............................................. 548

التفسیر الثانی: من صاحب الکفایة (قدس سره) .............................................. 550

المقام الأوّل: فی مراد أهل المعقول ................................................... 550

المقام الثانی: فی القول الصحیح ....................................................... 551

3) التنبیه الثالث: رابطة المشتق و الذات (ملاک الحمل) ........................ 554

بیان المحقق الإصفهانی (قدس سره) ................................................................ 554

نظریة صاحب الفصول (قدس سره) ............................................................... 554

إشکالان علی هذه النظریة ......................................................... 555

ص: 631

الأوّل: إشکال صاحب الکفایة (قدس سره) .................................................. 555

الثانی: إشکال المحقق الإصفهانی (قدس سره) ............................................... 555

4) التنبیه الرابع: رابطة المبدأ و الذات ................................................ 557

البحث الثالث:

المبادی التصوریّة الأحکامیةلعلم الأُصول

الفصل الأوّل: حقیقة الحکم / 561

الأمر الأوّل: حقیقة الحکم التکلیفی و انقساماته ..................................... 561

أما الأقوال فی حقیقة الحکم التکلیفی .................................................. 561

القول الأوّل: البعث الاعتباری الانتزاعی ............................................................. 561

إیرادات ثلاثة علی القول الأول .................................................................... 562

القول الثانی: الإنشاء بداعی جعل الداعی (فیه بیانان) ...................................... 563

البیان الأوّل للمحقق الإصفهانی .................................................................... 563

البیان الثانی للمحقق الإصفهانی .................................................................... 564

ملاحظة علی القول الثانی .......................................................................... 565

القول الثالث: الإرادة التشریعیة المبرزة بالخطاب (فیه بیانان) .......................... 565

بیان المحقق العراقی: إرادة هی حقیقة الحکم و روحه .............................. 565

بیان المحقق البروجردی ................................................................................ 566

إیراد المحقق الإصفهانی علی المحقق العراقی و البروجردی ........................... 567

ملاحظتان علی ما أفاده المحقق الإصفهانی .................................................. 568

القول الرابع: اعتبار الفعل علی ذمّة المکلّف و إبرازه و إنشائه .......................... 569

بیان المحقق الخوئی ...................................................................................... 569

یلاحظ علیه ............................................................................................. 570

القول الخامس: اعتبار الفعل علی الذمة وجوداً أو عدماً أو لا علی الذمة ......... 570

أما انقسامات الحکم التکلیفی ........................................................... 571

بیان المحقق الإصفهانی ........................................................................................ 571

ملاحظ علی هذا البیان ...................................................................................... 573

ص: 632

الأمر الثانی: حقیقة الحکم الوضعی و انقساماته ...................................... 574

أما انقسامات الحکم الوضعی ........................................................... 574

نظریة العلّامة الأنصاری: انتزاع الوضعیات من الأحکام التکلیفیة ...................... 574

نظریة صاحب الکفایة: التفصیل بین أقسام ثلاثة ............................................. 575

القسم الأول: (السببیة و الشرطیة و المانعیة و الرافعیة للتکلیف) ..................... 575

القسم الثانی: (الجزئیة و الشرطیة و المانعیة و القاطعیة للمکلّف به) ............... 575

نظریة المحقّق الإصفهانی حول القسم الثانی ....................................................... 575

القسم الثالث: (الحجّیة و القضاوة و الولایة و النیابة و الحریة و الرقیة و الزوجیة و الملکیة) 576

ثمرة البحث عن أقسام الحکم الوضعی .............................................................. 576

نظریة صاحب الکفایة .................................................................................... 576

إیرادان علیها .................................................................................................. 577

نظریة المحقّق الإصفهانی ................................................................................. 577

الفصل الثانی: مراتب الحکم / 579

القول الأول: نظریة صاحب الکفایة ..................................................... 579

القول الثانی: نظریة المحقّق الإصفهانی:(یشتمل علی تحقیقه حول نظریة صاحب الکفایة) إنّ الحکم له مراتب أربع 580

المرتبة الأُولی: ثبوته اقتضاءً (هنا ثلاث احتمالات) .................................... 580

الاحتمال الأوّل ................................................................................................ 580

و فیه ............................................................................................................. 580

الاحتمال الثانی ................................................................................................ 580

و فیه ............................................................................................................. 580

الاحتمال الثالث: (و هو الصحیح من الاحتمالات الثلاثة) ................................... 580

المرتبة الثانیة: ثبوته إنشاءً .................................................................................. 581

المرتبة الثالثة: ثبوته فعلاً و حقیقةً ..................................................................... 581

المرتبة الرابعة: ثبوته بحیث یستحق العقاب علی مخالفته ................................ 581

المراد من الفعلی من جمیع الجهات و الفعلی من بعض الجهات ...................... 581

خمس ملاحظات علی ما أفاده المحقق الإصفهانی .............................................. 584

ص: 633

القول الثالث: نظریة المحقق الخوئی (و بیانه تشتمل علی مناقشته فی نظریة صاحب الکفایة) 587

الملاحظة علی ما أفاده المحقق الخوئی ...................................................................... 588

القول الرابع: نظریتنا ........................................................................ 588

الفصول الأخری من مباحث المبادی التصوریة الأحکامیة / 590

(نبحث عنها فی ضمن مباحث الأوامر و المباحث العقلیة)

البحث الرابع:

المبادی التصدیقیّة الأحکامیة

الفصل الأول: تضادّ الأحکام و إمکان اجتماعها / 593

نظریات الأعلام فی هذه المسألة أربع .................................................... 593

النظریة الأُولی: ما أفاده صاحب الکفایة ............................................... 594

ملاحظة علیه ................................................................................ 594

النظریة الثانیة: ما أفاده المحقق الإصفهانی (و هو المختار) ........................ 594

النظریة الثالثة: ما أفاده المحقّق الخوئی ................................................ 598

یلاحظ علیها ............................................................................ 599

النظریة الرابعة: ما أفاده بعض الأساطین .............................................. 600

إیرادان علیه ............................................................................. 601

الفصول الأخری من مباحث المبادی التصدیقیة الأحکامیة / 603

(نبحث عنها فی مباحث الألفاظ و المباحث العقلیة)

ص: 634

فهرس الآیات و الروایات

(أَحَلَّ اللهُ الْبَیعَ)...................... 358, 359

(إِنَّ الشِّرْکَ لَظُلْمٌ عَظِیمٌ).................... 497

(إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَی عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْکَرِ ) 272

(تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ)............................ 358

(ضَرَبَ اللّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوکًا لَا یقْدِرُ عَلَی شَیءٍ) 338

(فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّی وَضَعْتُهَا أُنْثَی وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ) 95

(کُتِبَ عَلَیکُمُ الصِّیامُ کَمَا کُتِبَ عَلَی الَّذِینَ مِنْ قَبْلِکُمْ) 250

(لَا ینَالُ عَهْدِی الظَّالِمِینَ).................. 496

(لَوْ کَانَ فِیهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللّهُ لَفَسَدَتَا)..... 87

(وَأَذِّنْ فِی النَّاسِ بِالْحَجِّ)..................... 250

(وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ)....................... 96

(وَأَوْصَانِی بِالصَّلَاةِ وَالزَّکَاةِ مَا دُمْتُ حَیا). 251

(وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ)..................... 96

(وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ کُلَّهَا)............. 97, 519

(وَلِلَّهِ عَلَی النَّاسِ حِجُّ الْبَیتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَیهِ سَبِیلًا) 587

(وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا) 519

(وَهُوَ مَعَکُمْ أَینَ مَا کُنْتُمْ)................. 439

(یا أَیهَا الَّذِینَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَی الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَکُمْ وَأَیدِیکُمْ) 338

(فِیهِ آیاتٌ مُحْکَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْکِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ) 371

الروایات:

بِکَ عَرَفْتُکَ وَ أَنْتَ دَلَلْتَنِی.................... 101

قیل له إنّ رجلاً تزوّج بجاریة صغیرة فأرضعتها امرأته ثم أرضعتها امرأة له أخری فقال ابن شبرمة حرمت علیه الجاریة و امرأتاه فقال أبو جعفر (علیه السلام) أخطأ ابن شبرمة.................................................. 407

هِی الْعَلَامَة........................................ 109

یا مَنْ دَلَ عَلَی ذَاتِهِ بِذَاتِه..................... 101

ص: 635

ص: 636

فهرس الأعلام

الامام الحسین (علیه السلام) ....................... 431, 432

الامام جعفر الصادق (علیه السلام) ...................... 407

الامام الرضا (علیه السلام) .................................... 109

الف

ابن إدریس............................. 401

ابن الغضائری.......................... 408

ابن الولید............................... 410

ابن شبرمة.............................. 407

أبی العبّاس بن نوح..................... 410

الإصفهانی 52, 54, 60, 64, 65, 66, 72, 73, 75, 108, 116, 132, 152, 157, 158, 161, 167, 169, 170, 171, 173, 183, 186, 187, 188, 189, 191, 192, 194, 198, 203, 204, 212, 213, 224, 225, 226, 227, 228, 229, 231, 232, 234, 239, 244, 245, 246, 247, 260, 270, 271, 273, 274, 280, 283, 286, 287, 288, 289, 295, 305, 306, 316, 319, 329, 338, 348, 350, 354, 357, 376, 381, 383, 384, 385, 414, 416, 419, 421, 422, 429, 431, 432, 433, 436, 438, 439, 440, 441, 449, 452, 465, 475, 476, 477, 478, 487, 489, 490, 491, 500, 504, 506, 515, 517, 519, 524, 533, 536, 538, 540, 541, 542, 544, 545, 546, 550, 551, 552, 554, 555, 561, 563, 564, 565, 567, 568, 571, 575, 577, 580, 583, 584, 585, 588, 590, 593, 598,594, 599, 600, 601

آقا علی المدرس............ 159, 545, 552

ص: 637

الإیروانی................................. 99

ب

البروجردی 203, 204, 282, 416, 420, 566, 567, 597

بعض الأساطین 68, 69, 72, 95, 109, 117, 120, 170, 173, 188, 197, 203, 204, 240, 246, 256, 319, 337, 338, 353, 379, 384, 414, 421, 457, 460, 464, 466, 474, 477, 492, 501, 594, 600

البهبهانی الرامهرمزی (سید علی)...... 450

البهجة 73, 74, 170, 239, 311, 411, 414, 421, 457, 458, 465

ت

التفتازانی.................. 131, 134, 173

ج

الجرجانی 500, 501, 506, 510, 511, 512, 513, 518, 523, 524, 525, 527, 532, 533

الجزائری................. 124, 125,438

ح

الحائری 88, 89, 124, 319, 331, 332, 503

الحکیم السبزواری 514, 523, 524, 532, 533, 534

الحکیم (السید) ........................ 348

الحلّی.................................... 211

حمّاد..................................... 339

خ

الخراسانی 49, 55, 57, 60, 69, 71, 72, 132, 134, 135, 137, 138, 139, 154, 173, 182, 183, 187, 188, 191, 201, 211, 242, 244, 250, 253, 254, 261, 267, 269, 270, 280, 281, 282, 298, 301, 311, 327, 328, 331, 333, 335, 346, 347, 350, 366, 368, 376, 377, 380, 414, 416, 433, 434, 436, 449, 451, 457, 459, 461, 462, 465, 482, 485, 491, 499, 500, 503, 504, 508, 514, 520, 523, 524, 527, 528, 531, 532, 533, 534, 547, 550, 551, 552, 555, 557, 563, 575, 576, 579, 580, 583, 587, 593, 594

الخوئی

46, 53, 55, 56, 64, 66, 68, 69, 88, 89, 91, 92, 100, 109, 122, 132, 163, 166, 167, 173, 183, 184, 188, 196, 197, 225, 227, 231, 233, 234, 245, 246, 256, 264, 270, 271, 273, 274,

ص: 638

277, 279, 280, 295, 298, 299, 300, 301, 303, 304, 305, 306, 310, 319, 320, 329, 335, 338, 340, 343, 349, 352, 353, 359, 361, 366, 368, 369, 370, 371, 378, 389, 404, 405, 414, 416, 418, 421, 439, 440, 441, 443, 449, 457, 462, 465, 472, 473, 487, 501, 504, 506, 507, 516, 520, 522, 523, 524, 527, 529, 533, 534, 536, 538, 540, 542, 557, 569, 570, 587, 588, 593, 598, 601

الخوانساری............................ 571

د

الدوانی.. 476, 500, 506, 550, 551, 553

ر

الرشتی.................... 124, 225, 484

الرضی.................................. 137

الروحانی 414, 416, 421, 436, 458, 465, 593

س

السبزواری.......... 527, 532, 534, 538

السیستانی............................... 159

ش

الشیخ الأنصاری 47, 71, 259, 300, 327, 329, 331, 342, 463, 574, 575, 576

الشیخ الرئیس....... 210, 515, 531, 532

الشیرازی............................... 537

ص

صاحب الفصول 70, 442, 476, 512, 513, 514, 519, 520, 526, 532, 547, 548, 551, 554, 555, 556, 557

صالح بن أبی حمّاد............... 407, 408

صدر المتألهین 145, 160, 295, 514, 523, 545, 550, 552, 556

الصدر 105, 414, 416, 422, 424, 427, 430, 457, 464, 465, 474, 482, 483, 487, 501, 538

الصدوق............................... 410

ط

الطباطبائی..................... 418,326

الطهرانی................................ 427

الطوسی........... 67, 99, 100, 211, 568

ع

العراقی 54, 60, 86, 103, 132, 142, 165, 173, 245, 253, 280, 284,

ص: 639

319, 336, 337, 343, 376, 380, 381, 414, 416, 427, 428, 429, 431, 460, 464, 465, 500, 565, 567, 597

علی بن محمد............................ 407

علی بن مهزیار.......................... 407

ف

الفارابی.......................... 531, 532

الفضل بن شاذان....................... 410

ق

القمی........... 70, 297, 304, 326, 328

ک

کاشف الغطاء (علی)................... 561

م

محمد بن یعقوب........................ 407

المشکینی................................ 437

المظفر..................................... 99

المیرداماد.................................. 83

ن

النائینی 47, 50, 85, 97, 98, 132, 145, 146, 148, 149, 164, 171, 173, 174, 242, 244, 255, 256, 278, 281, 309, 327, 342, 350, 376, 380, 411, 414, 416, 424, 425, 432, 442, 443, 465, 470, 471, 472, 473, 474, 475, 478, 500, 504, 505, 512, 515, 516, 519, 520, 521, 522, 523, 533, 534, 535, 537, 545, 571, 575

النجاشی................................ 408

النهاوندی........................... 88, 89

و

الوحید البهبهانی........................ 275

ص: 640

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.